الصريح 1988
04-09-2007, 09:35 AM
عندما يترك له المجال بعيدا عن المخاطر الأمنية فإن الإعلام يتحول أداة فاعلة للعمل الخيري
http://www.asharqalawsat.com/2007/09/02/images/media1.435304.jpg
يوسف بعد الحادثة
http://www.asharqalawsat.com/2007/09/02/images/media2.435304.jpg
... وقبلها («سي إن إن» - «الشرق الأوسط»)
بغداد: أروى دايمون*
من غير المعتاد ان تجد نفسك مبتسما على التلفزيون عندما يكون عملك هو تغطية العراق، أسألوني أنا..فلقد فعلت ذلك مرتين وحسب. المرة الأولى كانت عندما فاز المنتخب العراقي لكرة القدم بكأس آسيا ، والثانية كانت أخيرا عندما اتضح ان الطفل ذا الـ 5 سنوات، يوسف، ذاهب أخيرا الى من يساعده. ولمن لا يعرفها، فإن حكاية "يوسف" تعد مثالا لـ"الشر الخالص" الذي انطلق هنا. يوسف كان طفلا بريئا يلعب امام منزله، لكن الأمر انتهى به داخل "مغطس" من البنزين وبرجال ملثمين يضرمون النار فيه. وكان كل ما تبقى منه دون ان يخدش او تطاله الحروق، هي عيناه السوداويان، اللتان تطلان من وجهه المشوه ببريق خال من لمعان الحياة... وقد علمنا بقصته بعد أن جاء والده اليائس طالبا مساعدتنا. كنت قلقة للغاية من ان القصة قد لا تحصل على الاهتمام الذي يستحقه يوسف، كنت اسأل نفسي اذا ما اعطينا القصة حقها، لأنني كنت قلقة في نفس الوقت على اسرة يوسف الذين قد يتعرضون لمخاطر جمة نتيجة تحدثهم الينا، فاذا لم تعط القصة حقها فإن المخاطرة التي قررت الأسرة القيام بها قد تذهب سدى. لكن ما لم أكن أتوقعه هو السخاء الهائل الذي نتج عن قصة "يوسف"، اذكر اني بدأت بقراءة التعليقات التي بدأت تأتي الى موقع cnn.com الالكتروني من أناس ارادوا مساعدة، ثم جاء دور البريد الالكتروني والمكالمات الهاتفية وبدا انها تضخمت بسرعة كبيرة لدرجة اننا - في سي ان ان – كنا بالكاد نجاريه. وأنا اكتب هذه السطور، لا املك سوى الابتسام كلما تذكرت الشعور الذي انتابني عندما علمت ان باستطاعتي الاتصال بوالد يوسف كي اقول له "طفلك ذاهب الى من سيساعده". السيل الهائل من الدعم الذي ورد، تسبب بخلق قناعة بانه لا يزال هناك أناس يهمهم العراق وانه يوجد بالفعل تعاطف مع الناس هنا. وبمقدار ما عنى لي الأمر، الا انه عنى أكثر لموظفي "سي.ان.ان" من العراقيين الذين كان لهم دور اساسي في جمع عناصر هذه القصة. فالعراقيون يشعرون بأن بقية العالم قد تخلى عنهم وان عدد القتلى في كثير من الاحيان - مجرد "رقم"، وانها حرب لا احد يريد ان يعرف عنها أي شيء. يوما بعد يوم نحاول تلخيص شدة التعقيد، ومأساة العراق بشكل أكبر في اخبارنا. نحن نحاول ان نروي قصص الكفاح والألم والحزن الافراد على أمل ان نتمكن من بناء ما يشبه الجسر الذي نأمل ان يتسبب في جعل اولئك المقيمين خارج البلاد اكثر اهتماما بما يجري داخلها. تغطية العراق عملية تزداد صعوبة، وفي بعض الاحيان تكون مؤلمة ومحبطة. وهذا ليس فقط بسبب غياب الاحساس عالميا بما يجري في العراق، ولكن بسبب المخاوف الأمنية التي تحد من عملنا. ولكن مع يوسف ، وجدنا قضية مست مشاعر الملايين. وبسبب الاستجابة المباشرة لصحافتنا، نحن الآن نعلم ان هذا الولد الصغير سيحصل على الرعاية والجراحة التي يحتاجها بشدة. ولكن، رغم البهجة التي ترافق كل هذا، هناك أيضا حقيقة أن يوسف وعائلته باتوا اكثر عرضة للتعرض كهدف، لذلك فمع النشوة يأتي شعور متساو بالقلق حول امكانية اخراج الأسرة من هذا الوضع. ثم.. هناك ايضا حقيقة ان هناك عشرات الآلاف من الآخرين في هذا البلد الذين هم أيضا في حاجة ماسة للمساعدة.
*جريدة الشرق الأوسط
http://www.asharqalawsat.com/2007/09/02/images/media1.435304.jpg
يوسف بعد الحادثة
http://www.asharqalawsat.com/2007/09/02/images/media2.435304.jpg
... وقبلها («سي إن إن» - «الشرق الأوسط»)
بغداد: أروى دايمون*
من غير المعتاد ان تجد نفسك مبتسما على التلفزيون عندما يكون عملك هو تغطية العراق، أسألوني أنا..فلقد فعلت ذلك مرتين وحسب. المرة الأولى كانت عندما فاز المنتخب العراقي لكرة القدم بكأس آسيا ، والثانية كانت أخيرا عندما اتضح ان الطفل ذا الـ 5 سنوات، يوسف، ذاهب أخيرا الى من يساعده. ولمن لا يعرفها، فإن حكاية "يوسف" تعد مثالا لـ"الشر الخالص" الذي انطلق هنا. يوسف كان طفلا بريئا يلعب امام منزله، لكن الأمر انتهى به داخل "مغطس" من البنزين وبرجال ملثمين يضرمون النار فيه. وكان كل ما تبقى منه دون ان يخدش او تطاله الحروق، هي عيناه السوداويان، اللتان تطلان من وجهه المشوه ببريق خال من لمعان الحياة... وقد علمنا بقصته بعد أن جاء والده اليائس طالبا مساعدتنا. كنت قلقة للغاية من ان القصة قد لا تحصل على الاهتمام الذي يستحقه يوسف، كنت اسأل نفسي اذا ما اعطينا القصة حقها، لأنني كنت قلقة في نفس الوقت على اسرة يوسف الذين قد يتعرضون لمخاطر جمة نتيجة تحدثهم الينا، فاذا لم تعط القصة حقها فإن المخاطرة التي قررت الأسرة القيام بها قد تذهب سدى. لكن ما لم أكن أتوقعه هو السخاء الهائل الذي نتج عن قصة "يوسف"، اذكر اني بدأت بقراءة التعليقات التي بدأت تأتي الى موقع cnn.com الالكتروني من أناس ارادوا مساعدة، ثم جاء دور البريد الالكتروني والمكالمات الهاتفية وبدا انها تضخمت بسرعة كبيرة لدرجة اننا - في سي ان ان – كنا بالكاد نجاريه. وأنا اكتب هذه السطور، لا املك سوى الابتسام كلما تذكرت الشعور الذي انتابني عندما علمت ان باستطاعتي الاتصال بوالد يوسف كي اقول له "طفلك ذاهب الى من سيساعده". السيل الهائل من الدعم الذي ورد، تسبب بخلق قناعة بانه لا يزال هناك أناس يهمهم العراق وانه يوجد بالفعل تعاطف مع الناس هنا. وبمقدار ما عنى لي الأمر، الا انه عنى أكثر لموظفي "سي.ان.ان" من العراقيين الذين كان لهم دور اساسي في جمع عناصر هذه القصة. فالعراقيون يشعرون بأن بقية العالم قد تخلى عنهم وان عدد القتلى في كثير من الاحيان - مجرد "رقم"، وانها حرب لا احد يريد ان يعرف عنها أي شيء. يوما بعد يوم نحاول تلخيص شدة التعقيد، ومأساة العراق بشكل أكبر في اخبارنا. نحن نحاول ان نروي قصص الكفاح والألم والحزن الافراد على أمل ان نتمكن من بناء ما يشبه الجسر الذي نأمل ان يتسبب في جعل اولئك المقيمين خارج البلاد اكثر اهتماما بما يجري داخلها. تغطية العراق عملية تزداد صعوبة، وفي بعض الاحيان تكون مؤلمة ومحبطة. وهذا ليس فقط بسبب غياب الاحساس عالميا بما يجري في العراق، ولكن بسبب المخاوف الأمنية التي تحد من عملنا. ولكن مع يوسف ، وجدنا قضية مست مشاعر الملايين. وبسبب الاستجابة المباشرة لصحافتنا، نحن الآن نعلم ان هذا الولد الصغير سيحصل على الرعاية والجراحة التي يحتاجها بشدة. ولكن، رغم البهجة التي ترافق كل هذا، هناك أيضا حقيقة أن يوسف وعائلته باتوا اكثر عرضة للتعرض كهدف، لذلك فمع النشوة يأتي شعور متساو بالقلق حول امكانية اخراج الأسرة من هذا الوضع. ثم.. هناك ايضا حقيقة ان هناك عشرات الآلاف من الآخرين في هذا البلد الذين هم أيضا في حاجة ماسة للمساعدة.
*جريدة الشرق الأوسط