بن مضر
24-08-2008, 09:34 AM
( أم سلمة ) رضي اللَّه عنها
( 1 )
أول المهاجرات الى الحبشة "
وأول المهاجرات الى المدينة
نسبها
أم سلمة ، وما أدراك ما أم سلمة؟
أما أبوها فسيد من سادات مخزوم المرقومين ، وجواد من أجواد العرب المعدودين ، وأما زوجها فعبد الله بن عبدالأسد أحد العشرة السابقين إلى الإسلام.
هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظـة بن مرّة المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبي جهل عدو الله
أبـوها يلقب بـ( زاد الراكب ) فكل من يسافر معه يكفيـه المؤن ويغنيه000
ولِدت في مكة قبل البعثة بنحو سبعة عشر سنة ، وكانت من أجمل النسـاء و
أشرفهن نسبا ، وكانت قريباً من خمس وثلاثين سنة عندما تزوّجها النبي الكريم
سنة أربع للهجرة وكانت قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أخيـه من
الرضاعة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح
إسلامها
أسلمت هند (أم سلمة) مع زوجهافكانت هي الأخرى من السابقات إلى الإسلام أيضا
وما إنْ شاعَ نبأ إسلامِ أم سلمةَ وزوجها حتَّى هاجَتْ قريش ومَاجَتْ، وجَعلتْ تَصُبُّ عليهما من نكَالها ما يُزَلْزِلُ الصُّمَّ الأصلاب ، فلم يَضعُفا ولم يَهِنا ولم يَتَردَّدا.
ولما اشتد عليهما الأذى وأذن الرسول صلوات الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة كانا في طليعة المهاجرين
ثم تتباعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة بأن المسلمين في مكة قد كثر عددهم ، وأن إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم قد شد من أزرهم ، وكف شيئامن أذى قريش عنهم ، فعزم فريق منهم على العودة إلى مكة يحدوهم الشوق ويدعوهم الحنين، فكانت أم سلمة وزوجها في طليعة العائدين ، لكن سرعان ما اكتشف العائدون أن ما نميإليهم من أخبار كان مبالغا فيه ، ولقد تفنن المشركون في تعذيب المسلمين وترويعهم ،فأذاقوهم من بأسهم ما لاعهد لهم من قبل.
عند ذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فعزمت أم سلمة وزوجها على أن يكونا أول المهاجرين فراراً بدينهما وتخلصا من أذى قريش ، لكن هجرة أم سلمة وزوجها لم تكنسهلة ميسرة لهما ، وإنما كانت شاقة مرة خلفت وراءها مأساة تهون دونها كل مأساة.
تقول أم سلمة : لما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيراً، ثم حملني عليه ، وجعل طفلنا سلمة في حجري ، ومضى يقود بنا البعير وهو لا يلوي علىشيء ، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي بني مخزوم فتصدوا لنا ، وقالوا لأبيسلمة :
إن كنت قد غلبتنا على نفسك ، فما بال امرأتك هذه ؟ وهي بنتنا ، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها في البلاد؟
ثم وثبوا عليه وانتزعوني منه انتزاعا ،وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبدالأسد يأخذونني أنا وطفلي ، حتى غضبوا أشد الغضب ،وقالوا : لا والله لا نترك الولد عند صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزاعا .. فهو ابننا ونحن أولى به ، ثم طفقوا يتجاذبون طفلي سلمة بينهم على مشهد مني حتىخلعوا يده وأخذوه، وفي لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فريدة ، فزوجي اتجه إلىالمدينة فرارا بدينه وبنفسه وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي ، أما أنا فقداستولى علي قومي بنو مخزوم ، وجعلوني عندهم ...
ففرق بيني وبين زوجي وبينابني في ساعة ..
ومنذ ذلك اليوم جعلت أخرج كل غداة إلى الأبطح ، فأجلس في المكان الذي شهد مأساتي ، وأستعيد صورة اللحظات التي حيل فيها بيني وبين ولدي وزوجي، وأظل أبكي حتي يخيم علي الليل ..
وبقيت على ذلك سنة أو قريبا من سنة إلىأن مر بي رجل من بني عمي فرق لحالي ورحمني وقال لبني قومي : ألا تطلقون هذه المسكينة ؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها . وما زال بهم يستلين قلوبهم ويستدرعطفهم حتى قالوا لي : إلحقي بزوجك إن شئت ..
ولكن كيف لي أن ألحق بزوجي في المدينة وأترك ولدي فلذة كبدي في مكة عند بني عبد الأسد؟ ورأى بعض الناسما أعالج من أحزاني وأشجاني فرقت قلوبهم لحالي ، وكلموا بني عبد الأسد في شأني واستعطفوهم علي فردوا لي ولدي سلمة.
لم أشأ أن أتريث في مكة حتىأجد من أسافر معه ، فقد كنت أخشى أن يحدث ما ليس بالحسبان فيعوقني عن اللحاق بزوجي عائق .. لذلك بادرت فأعددت بعيري ، ووضعت ولدي في حجري ، وخرجت متوجهة نحو المدينةأريد زوجي ، وما معي أحد من خلق الله ..
وما أن بلغت (التنعيم) حتى لقيت عثمان بن طلحة وكان حاجب بيت الله في الجاهلية ، أسلم مع خالد بن الوليد وشهد فتحمكة فدفع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة وكان يوم رافق أم سلمةمشركاً فقال : إلى أين يا بنت زاد الركب (يقصد أبوها).
فقلت : أريد زوجي فيالمدينة .
قال: أوما معك أحد؟
قلت : لا والله إلا الله ثم بني هذا.
قال : والله لا أتركك أبدا حتى تبلغي المدينة ، ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي ...
فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أكرم منه ولا أشرف : كان إذابلغ منزلا من المنازل ينيخ بعيري ، ثم يستاخر عني ، حتى إذا نزلت عن ظهره واستويت على الأرض دنا إليه وحط عنه رحله ، واقتاده إلى شجرة وقيده فيها ..
ثم يتنحى عني إلى شجرة أخرى فيضطجع في ظلها . فإن حان الرواح قام إلى بعيري فأعده ، وقدمه لي، ثم يستأخر عني ويقول : اركبي ، فإذا ركبت واستويت على البعير ، أتى فأخذ بخطامه وقاده. وما زال يصنع بي مثل ذلك كل يوم حتى بلفنا المدينة ، فلما نظر إلى قريةبقباء لبني عمرو ابن عوف قال : زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
اجتمع الشمل الشتيت بعد طول افتراق ،وقرت عين أم سلمة بزوجها ، وسعد أبو سلمة بصاحبته وولده ثم طفقت الأحداث تمضي سراعاكلمح البصر ، فهذه بدر يشهدها أبو سلمة ويعود منها مع المسلمين ، وقد انتصروا نصرامؤزر
أحد والفراق
وهذه أحد ، يخوض غمارها بعد بدر ويبلى فيها أحسن البلاء وأكرمه ،لكنه يخرج منها وقد جرح جرحا بليغا ، فما زال يعالجه حتى بدا له أنه قد اندمل ، لكن الجرح كان قد رم على فساد فما لبث أن انتكأ ولزم أبو سلمة الفراش ..
وفيماكان ابو سلمة يعالج من جرحه قال لزوجه :
يا أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصيب أحدا مصيبة ، فيسترجع عند ذلك ويقول : اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ، اللهم أخلفني خيرا منها إلا أعطاه الله عز وجل خيرا منها ..
ظل أبو سلمة على فراش مرضه أياما ، وفي ذات صباح جاءه رسول اللهصلى الله عليه وسلم ليعوده ، فلم يكد ينتهي من زياره ويجاوز باب داره ، حتى فارقابو سلمة الحياة ، فأغمض النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفتين عيني صاحبه ،ورفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين .. واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يارب العالمين ، وافسح له في قبره ونورله قبره .
أما أم سلمة فتذكرت ما رواه لها أبو سلمة عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقالت :
اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه ... لكنها لم تطب نفسها أن تقول : اللهم أخلفني فيها خيرا منها ، لأنها كانت تتساءل ومن عساه أن يكون خيرا من أبيسلمة ؟ لكنها ما لبثت أن أتمت الدعاء ..
شعر المهاجرون والأنصار معابحق أم سلمة عليهم ، فما كادت تنتهي من حدادها على أبي سلمة حتى تقدم منها أبو بكرالصديق رضي الله عنه يخطبها لنفسه فأبت أن تستجيب لطلبه ، ثم ثقدم منها عمر بنالخطاب رضي الله عنه فردته كما ردت صاحبه .
ثم تقدم منها رسول الله صلىالله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن في خلالا ثلاثا : فأنا امرأة شديدةالغيرة ، فأخاف أن ترى مني شيئا يغضبك فيعذبني الله به , وأنا امرأة قد دخلت فيالسن (أي جاوزت سن الزواج) ، وانا امرأة ذات عيال ..
فقال عليه الصلاةوالسلام : أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك ، واما ماذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك .. وأما ما ذكرت من العيال ، فإنما عيالكعيالي
صاحبة الرأى والمشورة
فى يوم الحديبية دخل رسول اللَّه ( عليها، يشكو إليها عدم إجابة المسلمين لمطلبه حين أمرهم بالنحر والحلق. فقالت - رضى اللَّه عنها - للنبى (: يا رسول اللَّه! اخرج فلا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، ففعل النبي ذلك بعد أن استصوب رأى أم سلمة، عندها قام الناس فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمَّا.
وقد شهدت أم سلمة -رضى الله عنها- مع رسول الله ( فتح خيبر، وفتح مكة وصحبته في حصار الطائف، وفى غزوة هوازن وثقيف، وكانت معه في حجة الوداع.
وظلت السيدة أم سلمة تنعم بالعيش مع رسول الله ( حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وتعد السيدة أم سلمة - رضوان اللَّه عليها - من فقهاء الصحابة.
رُوِى عنها 387 حديثًا، وأُخرج لها منها في الصحيحين 29 حديثًا، والمتفق عليه منها 13 حديثًا، وقد روى عنها الكثيرون.
أم سلمة وعائشة
لقد كان لأم سلمة -رضي الله عنها- مشورة ثانية لأم المؤمنين عائشة ، وذلك حين عزمت الخروج لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، فكتبت لها في عُنف وإنكار شديد فقالت :( إنك سُدّةٌ بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروبٌ على حرمته ، قد جمع القرآن الكريم ذيلكِ ، فلا تندحيه ، وسكّن الله عقيرتك فلا تصحريها -أي صوتك لا ترفعيه- الله من وراء هذه الأمة ، ما كنت قائلةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ؟000ولو أتيتُ الذي تُريدين ، ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى الله هاتكةً حجاباً قد ضربَهُ عليَّ ) وذكرت كلاماً تحرضها فيه على عدم الخروج
فكتبت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها- تقول :( ما أقبلني لوعظك ، وما أعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنِعْمَ المطلعُ مطلعٌ فزعتْ فيه الى فئتان متناجزتان )
( 1 )
أول المهاجرات الى الحبشة "
وأول المهاجرات الى المدينة
نسبها
أم سلمة ، وما أدراك ما أم سلمة؟
أما أبوها فسيد من سادات مخزوم المرقومين ، وجواد من أجواد العرب المعدودين ، وأما زوجها فعبد الله بن عبدالأسد أحد العشرة السابقين إلى الإسلام.
هي هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن
يقظـة بن مرّة المخزومية ، بنت عم خالد بن الوليد وبنت عم أبي جهل عدو الله
أبـوها يلقب بـ( زاد الراكب ) فكل من يسافر معه يكفيـه المؤن ويغنيه000
ولِدت في مكة قبل البعثة بنحو سبعة عشر سنة ، وكانت من أجمل النسـاء و
أشرفهن نسبا ، وكانت قريباً من خمس وثلاثين سنة عندما تزوّجها النبي الكريم
سنة أربع للهجرة وكانت قبل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عند أخيـه من
الرضاعة أبي سلمة بن عبد الأسد المخزومي الرجل الصالح
إسلامها
أسلمت هند (أم سلمة) مع زوجهافكانت هي الأخرى من السابقات إلى الإسلام أيضا
وما إنْ شاعَ نبأ إسلامِ أم سلمةَ وزوجها حتَّى هاجَتْ قريش ومَاجَتْ، وجَعلتْ تَصُبُّ عليهما من نكَالها ما يُزَلْزِلُ الصُّمَّ الأصلاب ، فلم يَضعُفا ولم يَهِنا ولم يَتَردَّدا.
ولما اشتد عليهما الأذى وأذن الرسول صلوات الله عليه لأصحابه بالهجرة إلى الحبشة كانا في طليعة المهاجرين
ثم تتباعت الأخبار على المهاجرين إلى أرض الحبشة بأن المسلمين في مكة قد كثر عددهم ، وأن إسلام حمزة بن عبد المطلب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهم قد شد من أزرهم ، وكف شيئامن أذى قريش عنهم ، فعزم فريق منهم على العودة إلى مكة يحدوهم الشوق ويدعوهم الحنين، فكانت أم سلمة وزوجها في طليعة العائدين ، لكن سرعان ما اكتشف العائدون أن ما نميإليهم من أخبار كان مبالغا فيه ، ولقد تفنن المشركون في تعذيب المسلمين وترويعهم ،فأذاقوهم من بأسهم ما لاعهد لهم من قبل.
عند ذلك أذن الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه بالهجرة إلى المدينة ، فعزمت أم سلمة وزوجها على أن يكونا أول المهاجرين فراراً بدينهما وتخلصا من أذى قريش ، لكن هجرة أم سلمة وزوجها لم تكنسهلة ميسرة لهما ، وإنما كانت شاقة مرة خلفت وراءها مأساة تهون دونها كل مأساة.
تقول أم سلمة : لما عزم أبو سلمة على الخروج إلى المدينة أعد لي بعيراً، ثم حملني عليه ، وجعل طفلنا سلمة في حجري ، ومضى يقود بنا البعير وهو لا يلوي علىشيء ، وقبل أن نفصل عن مكة رآنا رجال من قومي بني مخزوم فتصدوا لنا ، وقالوا لأبيسلمة :
إن كنت قد غلبتنا على نفسك ، فما بال امرأتك هذه ؟ وهي بنتنا ، فعلام نتركك تأخذها منا وتسير بها في البلاد؟
ثم وثبوا عليه وانتزعوني منه انتزاعا ،وما إن رآهم قوم زوجي بنو عبدالأسد يأخذونني أنا وطفلي ، حتى غضبوا أشد الغضب ،وقالوا : لا والله لا نترك الولد عند صاحبتكم بعد أن انتزعتموها من صاحبنا انتزاعا .. فهو ابننا ونحن أولى به ، ثم طفقوا يتجاذبون طفلي سلمة بينهم على مشهد مني حتىخلعوا يده وأخذوه، وفي لحظات وجدت نفسي ممزقة الشمل وحيدة فريدة ، فزوجي اتجه إلىالمدينة فرارا بدينه وبنفسه وولدي اختطفه بنو عبد الأسد من بين يدي ، أما أنا فقداستولى علي قومي بنو مخزوم ، وجعلوني عندهم ...
ففرق بيني وبين زوجي وبينابني في ساعة ..
ومنذ ذلك اليوم جعلت أخرج كل غداة إلى الأبطح ، فأجلس في المكان الذي شهد مأساتي ، وأستعيد صورة اللحظات التي حيل فيها بيني وبين ولدي وزوجي، وأظل أبكي حتي يخيم علي الليل ..
وبقيت على ذلك سنة أو قريبا من سنة إلىأن مر بي رجل من بني عمي فرق لحالي ورحمني وقال لبني قومي : ألا تطلقون هذه المسكينة ؟ فرقتم بينها وبين زوجها وبين ولدها . وما زال بهم يستلين قلوبهم ويستدرعطفهم حتى قالوا لي : إلحقي بزوجك إن شئت ..
ولكن كيف لي أن ألحق بزوجي في المدينة وأترك ولدي فلذة كبدي في مكة عند بني عبد الأسد؟ ورأى بعض الناسما أعالج من أحزاني وأشجاني فرقت قلوبهم لحالي ، وكلموا بني عبد الأسد في شأني واستعطفوهم علي فردوا لي ولدي سلمة.
لم أشأ أن أتريث في مكة حتىأجد من أسافر معه ، فقد كنت أخشى أن يحدث ما ليس بالحسبان فيعوقني عن اللحاق بزوجي عائق .. لذلك بادرت فأعددت بعيري ، ووضعت ولدي في حجري ، وخرجت متوجهة نحو المدينةأريد زوجي ، وما معي أحد من خلق الله ..
وما أن بلغت (التنعيم) حتى لقيت عثمان بن طلحة وكان حاجب بيت الله في الجاهلية ، أسلم مع خالد بن الوليد وشهد فتحمكة فدفع إليه الرسول صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة وكان يوم رافق أم سلمةمشركاً فقال : إلى أين يا بنت زاد الركب (يقصد أبوها).
فقلت : أريد زوجي فيالمدينة .
قال: أوما معك أحد؟
قلت : لا والله إلا الله ثم بني هذا.
قال : والله لا أتركك أبدا حتى تبلغي المدينة ، ثم أخذ بخطام بعيري وانطلق يهوي بي ...
فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أكرم منه ولا أشرف : كان إذابلغ منزلا من المنازل ينيخ بعيري ، ثم يستاخر عني ، حتى إذا نزلت عن ظهره واستويت على الأرض دنا إليه وحط عنه رحله ، واقتاده إلى شجرة وقيده فيها ..
ثم يتنحى عني إلى شجرة أخرى فيضطجع في ظلها . فإن حان الرواح قام إلى بعيري فأعده ، وقدمه لي، ثم يستأخر عني ويقول : اركبي ، فإذا ركبت واستويت على البعير ، أتى فأخذ بخطامه وقاده. وما زال يصنع بي مثل ذلك كل يوم حتى بلفنا المدينة ، فلما نظر إلى قريةبقباء لبني عمرو ابن عوف قال : زوجك في هذه القرية، فادخليها على بركة الله ، ثم انصرف راجعا إلى مكة.
اجتمع الشمل الشتيت بعد طول افتراق ،وقرت عين أم سلمة بزوجها ، وسعد أبو سلمة بصاحبته وولده ثم طفقت الأحداث تمضي سراعاكلمح البصر ، فهذه بدر يشهدها أبو سلمة ويعود منها مع المسلمين ، وقد انتصروا نصرامؤزر
أحد والفراق
وهذه أحد ، يخوض غمارها بعد بدر ويبلى فيها أحسن البلاء وأكرمه ،لكنه يخرج منها وقد جرح جرحا بليغا ، فما زال يعالجه حتى بدا له أنه قد اندمل ، لكن الجرح كان قد رم على فساد فما لبث أن انتكأ ولزم أبو سلمة الفراش ..
وفيماكان ابو سلمة يعالج من جرحه قال لزوجه :
يا أم سلمة ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا يصيب أحدا مصيبة ، فيسترجع عند ذلك ويقول : اللهم عندك احتسبت مصيبتي هذه ، اللهم أخلفني خيرا منها إلا أعطاه الله عز وجل خيرا منها ..
ظل أبو سلمة على فراش مرضه أياما ، وفي ذات صباح جاءه رسول اللهصلى الله عليه وسلم ليعوده ، فلم يكد ينتهي من زياره ويجاوز باب داره ، حتى فارقابو سلمة الحياة ، فأغمض النبي صلى الله عليه وسلم بيده الشريفتين عيني صاحبه ،ورفع طرفه إلى السماء وقال:
اللهم اغفر لأبي سلمة ، وارفع درجته في المقربين .. واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يارب العالمين ، وافسح له في قبره ونورله قبره .
أما أم سلمة فتذكرت ما رواه لها أبو سلمة عن رسول الله صلى اللهعليه وسلم فقالت :
اللهم عندك احتسب مصيبتي هذه ... لكنها لم تطب نفسها أن تقول : اللهم أخلفني فيها خيرا منها ، لأنها كانت تتساءل ومن عساه أن يكون خيرا من أبيسلمة ؟ لكنها ما لبثت أن أتمت الدعاء ..
شعر المهاجرون والأنصار معابحق أم سلمة عليهم ، فما كادت تنتهي من حدادها على أبي سلمة حتى تقدم منها أبو بكرالصديق رضي الله عنه يخطبها لنفسه فأبت أن تستجيب لطلبه ، ثم ثقدم منها عمر بنالخطاب رضي الله عنه فردته كما ردت صاحبه .
ثم تقدم منها رسول الله صلىالله عليه وسلم فقالت له : يا رسول الله ، إن في خلالا ثلاثا : فأنا امرأة شديدةالغيرة ، فأخاف أن ترى مني شيئا يغضبك فيعذبني الله به , وأنا امرأة قد دخلت فيالسن (أي جاوزت سن الزواج) ، وانا امرأة ذات عيال ..
فقال عليه الصلاةوالسلام : أما ما ذكرت من غيرتك فإني أدعو الله عز وجل ان يذهبها عنك ، واما ماذكرت من السن فقد أصابني مثل الذي أصابك .. وأما ما ذكرت من العيال ، فإنما عيالكعيالي
صاحبة الرأى والمشورة
فى يوم الحديبية دخل رسول اللَّه ( عليها، يشكو إليها عدم إجابة المسلمين لمطلبه حين أمرهم بالنحر والحلق. فقالت - رضى اللَّه عنها - للنبى (: يا رسول اللَّه! اخرج فلا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقك فيحلقك، ففعل النبي ذلك بعد أن استصوب رأى أم سلمة، عندها قام الناس فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا، حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمَّا.
وقد شهدت أم سلمة -رضى الله عنها- مع رسول الله ( فتح خيبر، وفتح مكة وصحبته في حصار الطائف، وفى غزوة هوازن وثقيف، وكانت معه في حجة الوداع.
وظلت السيدة أم سلمة تنعم بالعيش مع رسول الله ( حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وتعد السيدة أم سلمة - رضوان اللَّه عليها - من فقهاء الصحابة.
رُوِى عنها 387 حديثًا، وأُخرج لها منها في الصحيحين 29 حديثًا، والمتفق عليه منها 13 حديثًا، وقد روى عنها الكثيرون.
أم سلمة وعائشة
لقد كان لأم سلمة -رضي الله عنها- مشورة ثانية لأم المؤمنين عائشة ، وذلك حين عزمت الخروج لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ، فكتبت لها في عُنف وإنكار شديد فقالت :( إنك سُدّةٌ بين رسول الله وأمته ، وحجابك مضروبٌ على حرمته ، قد جمع القرآن الكريم ذيلكِ ، فلا تندحيه ، وسكّن الله عقيرتك فلا تصحريها -أي صوتك لا ترفعيه- الله من وراء هذه الأمة ، ما كنت قائلةً لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو عارضك بأطراف الجبال والفلوات ؟000ولو أتيتُ الذي تُريدين ، ثم قيل لي ادخلي الجنة لاستحييتُ أن ألقى الله هاتكةً حجاباً قد ضربَهُ عليَّ ) وذكرت كلاماً تحرضها فيه على عدم الخروج
فكتبت لها السيدة عائشة -رضي الله عنها- تقول :( ما أقبلني لوعظك ، وما أعلمني بنصحك ، وليس مسيري على ما تظنين ، ولنِعْمَ المطلعُ مطلعٌ فزعتْ فيه الى فئتان متناجزتان )