مشاهدة النسخة كاملة : نظام الحكم الإسلامي والديمقراطية ..


COMANDER
24-01-2009, 01:22 PM
تعتبر الامة في المنظور السياسي الاسلامي شريكة الحاكم الاسلامي في تطبيق العدالة ونشر قيم الحق والفضيلة وبهذا تكون اعماله وممارساته في المجتمع بعيدة عن حالات التآمر والتسلط والدكتاتورية ويتم ذلك بأن يوفر الحاكم الاسلامي القناعة التفصيلية للنخبة الصالحة من ابناء الامة بممارساته القيادية والاجتماعية يتمثل رسم دور الامة في ادارة الحكم على وفق المنظور الاسلامي في جانبين اساسيين مترابطين فيما بينهما ترابطا عضويا تكامليا هما:

اولا: اختيار القيادة الصالحة باعتبار ان الافراد في المجتمع الاسلامي مسؤولون عن تقرير نوعية نظام الحكم سلبا او ايجابا، وقوة او ضعفا. فلا يستبد الظالم في برامجه السياسية الا اذا هيئت له الارضية الشعبية الخصبة لنموها كما لا يتغشى العدل وتسود الحرية الا في شعب يعي دوره في الانتخاب وتقرير المصير والتكاتف من اجل تطبيق العدالة والحالتان المتضادتان تتأتيان على وفق قانون كوني وسُنة الهية اودعهما الخالق عز وجل في تضاعيف هذا الكون الواسع والوجود المتسق واشار اليهما النص (كيفما تكونوا يولّ عليكم).

وفلسفة هذه المساحة الحركية المتروكة شرعا للامة تكمن في ايجاد صيغة تربوية اسلامية متفردة ترتقي بوعي الفرد الى مستوى المشاركة الحقيقية في صنع الواقع بأدق تفاصيله الزاحفة الى قلب نظام الحكم وصياغة أسسه وجعل الفرد حراً مختاراً في تقرير نوعية الحياة السياسية. وهذه الفلسفة هي التي سعى النبي الاعظم (ص) الى تطبيقها عبر قانون “البيعة” مع كونه منصوبا من قبل الله تعالى ومفروض الطاعة من قبله.

فان التربية الاسلامية بالنسبة للاساس الاول لدور الامة في الحكم الاسلامي ترتكز على تهيئة الفرصة لاقامة القسط وارساء دعائم الحكم العادل بشكل طوعي واع ومدروس يعيد للانسان المستلب كرامته وحريته وشخصيته الفاعلة على وفق معايير المعادلات التاريخية والاحداث المختلفة التي تشكل سطح المجتمع المتغير.ان الافراد مكلفون واحرار على وفق الرؤية الاسلامية بأنتخاب القائد الذي تنطبق عليه الشرائط والمواصفات والخصائص التي يشرعها الخالق كحل شامل وعلاج ناجع للمشكلة الاجتماعية ونظام الحكم اللائق بطبيعة البشر واسرار خلقتهم وفطرتهم وتوجهاتهم، كما يجب عليهم العمل على طاعته والبيعة له بعد تشخيصه بدقة متناهية سواء كان ولي الامر المنصوب من قبل الله تعالى او وليه ((اطيعوا الله واطيعوا الرسول وأولي الامر منكم)).

ثانيا: الاشراف والمراقبة على سير نظام الحكم العادل بعد انتخابه لان الممارسة الخارجية للنظم والقوانين والقيم قد يكتنفها الغموض او الانحراف من جراء التحولات التي يفرزها الواقع وهذا ما يؤدي الى انحراف مفردات الاداء عن مسار النظرية مما يلقي على عاتق الامة مسؤوليتها التاريخية في تصحيح المسار واصلاح الوضع ونقد الممارسات عملا بقوله تعالى ((لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط)). فالامة في المنظور السياسي الاسلامي شريكة الحاكم الاسلامي في تطبيق العدالة ونشر قيم الحق والفضيلة وبهذا تكون اعماله وممارساته في المجتمع بعيدة عن حالات التآمر والتسلط والديكتاتورية، ويتم ذلك بـ(ان يوفر الحاكم الاسلامي القناعة التفصيلية للنخبة الصالحة من ابناء الامة بممارساته القيادية والاجتماعية ولو من خلال المشورة والاستشارة المتواصلة مع الصفوة من ذوي الخبرة والكفاءة والاختصاص لكي يكون التحرك القيادي من خلال حركة الامة والنخبة الصالحة.صياغة دور الامةفي الجانب الاول (انتخاب القيادة الصالحة) يكسر الفرد في المجتمع الاسلامي طوق الجمود والتحجر الذي ضربته المشاريع التخريبية المختلفة والمتوالية عن الفرد والدولة او الحكومة الاسلامية اذ كان يعيش الفرد في عزلة عن الهم السياسي ويتحدد نشاطه في اقامة طقوسه وعباداته.

واما الان حيث توجد صدقية دولة اسلامية وامكانية حكم اسلامي كما توجد انفجارات من الصحوة الفكرية والتحررية تحدث هنا... وهناك في ارجاء العالم الاسلامي، فالحاجة الى اعادة صياغة دور الامة في الحكم اصبحت ضرورة ملحة يفرزها واقع الصراع الراهن اذ تكون المشاركة في انتخاب القيادة الصالحة جزءاً لا يتجزء من ايمان الفرد بدينه وهذا هو الفرق بين شرعية الدولة في العرف الاسلامي وشرعيتـها في العـرف العلمانـي، او هي في منظور الاخير نوع من التعاقد الاجتماعي.

وفي المنظور الاسلامي حقيقة مقدسة نابعة من الايمان بالعلاقة الحقيقية التي تربط العبد بمبدأ وجوده المقدس. فهي اذا متفاعلة مع وجدان الشخص وشعوره الاعمق وفطرته السلمية وهو مسؤول عنها ويتقرر مصيره في دار مقره على اساس ادائه لمسؤوليته يوم يقوم الحساب.حق الاشراف والمراقبةشرع الاسلام للفرد حق الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،

بل جعله تكليفا يقاس على اساسه مدى وعي الامة ودرجة رقيها وتكاملها ((كنتم خير امة اخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله)) و((لتكن منكم امة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون)). كما حذر من اتباع سبل المستبدين والجري وراء سياسات الظالمين ((ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار)) كل ذلك من اجل بسط حق الاشراف والمراقبة والنقد على جميع المجالات الحياتية المختلفة وعلى جميع ما جاء به الاسلام من مفاهيم وقيم وتصورات وقوانين واوضاع ليتحول الشعور الباطني بالعقيدة الى حركة في الواقع ويتحول الايمان القلبي بالله الى سلوك حي يسعى الى ايجاد مجتمع صالح وحكم عادل. وهذه الدينامية الحركية التي يحاول المنهج الاسلامي غرسها في عمق الوجود الانساني لتبقى فتائل الوعي اجراسا للانذار المستمر.غالبا ما ينتبه الحكام المستبدون الى ضرورة تلافي خطرها وتسريبها على وفق قنوات شخصية مصطنعة، فتارة يأتون بوعاظ السلاطين ليبرروا سياساتهم الاستبدادية وممارساتهم المنحرفة،

وتارة اخري يقومون هم انفسهم بتشريع وتقنين ما يوافق اهواءهم ومصالحهم ليلوّحوا للامة بأنهم عادلون واصحاب مبادئ، وتارة يلجمون الافواه والضمائر بالقوة او بالاغراء.في اشارة للقانون الالهي المودع في حركة التاريخ الانساني، نلاحظ كيف يكافئ الانسان والمجتمع المتواكل والخانع لمشاريع الظلمة بانتزاع العدالة من بين ظهرانيه وتحويله الى نسخة اخرى مصغرة عن الطاغوت الاصلي.

اشكالية الحكم الجائر
ومن هنا تتجلى حتمية ممارسة النقد والمشاركة في مراقبة خط سير الحكم ورفض كل ما من شأنه ان يحول المجتمع الى حاكم ظالم اخر او وسيلة لتنفيذ مشاريع الحاكم الاصلي. وما دام هذا الحق ممكن التطبيق من قبل الامة.. والامة مستعدة لخوض غمار الصراع بهذا الاتجاه فأشكالية وجود حاكم جائر او موالاته واعانته سوف تكون معدومة في مجتمع متحضر واع يدرك ابعاد دوره في المشاركة السياسية. لا نرى اليوم وجود مثل هذا الحق في اغلب الدول العربية والاسلامية ولا يتم منحه للامة بصورته الحقيقية وحجمه الطبيعي بل الموجود هو تكريس وجود جماهيري او نخبوي يؤيد الحاكم ويوجد له زخما شعبيا يستمد منه شرعية وجود دولته وممارساته. وهذا يعود الى نوعين من التثقيف: عقائدي وسياسي ..

والمقصود بالتثقيف العقائدي هو تلك العقيدة الموروثة ذات الجذر التاريخي الموغل في القدم والمتمثلة بما تتبناه بعض المدارس الاسلامية من لزوم اطاعة الحاكم وان كان جائراً او فاسقا وحمّلته بعض الذهنيات المعاصرة ولقّنته لاتباعها دون تمحيص لظروف النشأة وملابسات الصدور السياسية والمصلحية ودون عرض لمحتوى هذه العقيدة على صريح النص ـ قرآنا وسُنة، بل خضوعا لسلطة السلف وفهمهم الخاص...
ونتيجة لهذين النوعين من التثقيف يتخلى الفرد او الامة عن دورهما في حق مراقبة الحاكم والاشتراك معه في قرار سياسي مصيري يحدد هويتها ومصلحتها ويفرز لها خطأ الحاكم او انحرافه بما يكرس هذه العزلة لانتاج مشاريع تخريبية وانحرافية اخرى تنأى بالمسلم عن روح شريعته وقوام دينه وأسس مبدئه الصالح ويغرس فيه قناعات خاطئة وقاصرة حول دوره في نظام الحكم الاسلامي. ذلك الدور الذي يريد للانسان ان يتحرر من التبعية والتقليد والضعف وينطلق لبناء شخصية قوية مبدئية ومجتمع فاضل ينشد الخير للبشرية جمعاء، وحينما تطرح العلاقة بين الحاكم والشعب بهذا الشكل سوف تحد من رغبة السلطة في الاستبداد وسيأخذ موقعه الطبيعي في اطار القانون. فالتركيز على الامة يضيع فرص الاستبداد ويطيح بطموحات المستبد... وهذا اللون من التعامل مع الامة قد لا نجد له مثيلا الا في الحضارات الراقية...

اذ تنعكس العلاقة بين الاستبداد والسلطة فكلما زادت سلطة الشعب انخفضت احتمالات الاستبداد لكن كلما توارت سلطة الشعب طفح الاستبداد الى واجهة الاحداث وعليه ينبغي ان نؤكد دائما دور الامة والفرد لنجتث نوازع الاستبداد وتتمتع بفضاء واسع من الحرية، وهذا الامر يتوقف بالدرجة الاولى على الامة ذاتها.

والامة بحاجة اولا الى وعي رسالي تتجاوز به ازمتها حتى تستطيع تحدي الممنوع ولا يتحقق لها ذلك الا باعادة تشكيل وعيها داخل فضاء معرفي يستظل بمرجعيات تجدد باستمرار فهمها للنص الديني في ظل المستجدات الحياتية المتأثرة بالظروف الزمانية والمكانية اضافة الى التوقف عن التسليم البرئ للخطاب العاطفي الذي يستهدف مشاعر الانسان واحاسيسه والعودة السريعة الى العقل لمحاكمة الانساق الثقافية المتهمة في نوايا وتبني القضايا التي تنسجم مع العقل.

وبناءً على هذه المنطلقات ينبثق دور الامة في صياغة نظام الحكم الاسلامي والتصدي للحاكم الجائر وشرعنة سياسة الدولة وبهذا يتضح ان الوعي هو عنصر الحياة في المجتمع وأداة التغيير نحو مستقبل طموح وان اخفاق الوعي سيضع الامة في زاوية التراجع الحضاري واللجوء الى حلول غير واقعية او الهروب عنها الى عالم اخر تتسلى به عن مشكلاتها الحقيقية او تنشغل عنها بأخرى تنتمي الى ظروف مغايرة لا تؤثر ايجابا في حل ازماتها الحالية.

جامعي متميز
24-01-2009, 03:34 PM
يعطيك العافية أخي comander على الموضوع الرائع

بوركت

الأمير
26-01-2009, 02:17 PM
مشكوووووور والله يعطيك الف عافيه