مشاهدة النسخة كاملة : حوار مع الدكتور عائض القرني (جريدة الشبيبة)


البراء
02-06-2009, 10:19 PM
الداعية والأديب عائض القرني : نعم لوحدة الصف ..لا لوحدة الرأي !

http://www.shabiba.com/news_images/news/6_1_2009_10031OGkVdIBorJaJKD7.jpg




6/1/2009
* لسنا مسيطرين على قلوب الناس، وإنما نأتيهم بالحجة لعل الله أن يهدي بنا .

* لا أؤيد «محاضرات الأدباء» و«الأغاني» وديوان أبي نواس للناشئة، وأرشح لهم كتب الطنطاوي .

حوار : أحمد بن سالم البراشدي :

الشيخ الدكتور عائض بن عبد الله القرني داعية معروف وأديب مشهور، امتلك ناصية البيان وسخرها في سبيل الدعوة، حفلت مسيرته الدعوية والعلمية والأدبية بالكثير من التجارب والمؤلفات، زار كثيراً من بلدان العالم ينشر الإسلام وتعاليمه، ويبحث فيما عند الآخرين، فاقت شهرة كتابه «لا تحزن» شهرته هو نفسه، طبع ثلاثة ملايين نسخة وترجم إلى تسع لغات، آتاه الله ملكة الحفظ وسرعة الاستحضار ومُكنة في قرض الشعر.

زار السلطنة مؤخراً ضمن إطار البرنامج الثقافي لمركز السلطان قابوس للثقافة الإسلامية لعام 2009م، والتقى عددا من الشخصيات وزار عددا من الأماكن وألقى محاضرتين فاق فيهما عدد الحضور ما كان متوقعاً، وقد كان للصحفيين من جدوله نصيب، حيث التقت به «الشبيبة» والزميلة «الوطن» في مقر إقامته بمسقط، ودار بينهم الحوار التالي:

* فضيلة الشيخ .. لقد آتاكم الله سبحانه وتعالى موهبة وتملكتم ناصية الأدب فاستطعتم أن تلجوا إلى قلوب من تخاطبونهم فكان للأدب حضور كبير في خطابكم سواء الخطاب الشفهي أو الخطاب المكتوب فحبذا لو تحدثنا عن تجربتكم مع الأدب.

الشيخ عائض:

** الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أولا أنا أشكركم وأشكر الإخوة في عمان، هذا البلد العريق والحبيب والشقيق القريب من قلوبنا، وأنا كنت أمني نفسي أن أزور هذا البلد كما يقول أبو الطيب:

جزى الله المسير إليك خيراً

وإن ترك المطايا كالمزاد

وقد حل اللقاء والحمد لله وسعدنا، أما بحسن ظنكم بأخيكم فهذا من كرمكم لأن الكريم عذّار والكريم يحسن الظن، وأما الأدب فإن محمدا بن عبد الله "صلى الله عليه وسلم"، بعث بالبيان، والله امتن عليه بذلك وقال « وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا» وينبغي لمن يحمل هذه الرسالة كاتباً أو داعية أو عالماً أو مفتياً أن يتحلى بالبيان وأن يحسِّن من لفظه، وقد كان أفصح البشر هو سيدنا محمد "صلى الله عليه وسلم"، وأنا لي ميول أدبية منذ الصغر، لأننا كما تعرف بيئة شاعرة ونحن أقرب الناس من أهل عمان، فنحن في الجنوب أزديون، والأزد انقسموا إلى أقسام: الأوس والخزرج (الأنصار) في المدينة، وأزد عمان أنتم، وأزد شنوءة نحن، والغساسنة والمناذرة في الشام، فنحن وإياكم نلتقي على حب الأدب الأصيل العربي، الذي -إن شاء الله- يحمل الرسالة بإذن الواحد الأحد.

والمقصود أن من يشتغل بالأدب يدرك عظمة القرآن في إيصال الفكرة بقوة، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى « وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا» فأدعو إخواني إلى قراءة الأدب والبيان من خلال الكتاب والسنة، وأيضاً أدعوهم إلى دعم كلمتهم ودعم ما يكتبون ودعم ما يُلقُون بالبيان الخلاّب، كما قال الرسول "صلى الله عليه وسلم": «إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكمة».

* فضيلة الشيخ، هناك من يطلب تقسيم الأدب إلى أدب إسلامي وأدب غير إسلامي والبعض يقول بأنه لا يمكن تقسيم الأدب بحسب الدين لأنه إنتاج إنساني لا ينتمي إلى دين معين .. فما وجهة نظركم في القضية؟

الشيخ عائض:

نعم، فرابطة الأدب قد بحثت هذه القضية، والحقيقة الأفضل أن يقال بأنه أدب راشد مثلاً وأدب غاوٍ؛ لأن عند الأمم أيضاً عقول وعندهم أفكار تدعو إلى الفضيلة، فإذا حصرناه في الأدب الإسلامي صار فيه تضييق، مع العلم أننا جميعا نشترط أن يكون الأدب مرشَّداً في خدمة الحق وخدمة الإيمان وما أنزله الله على أنبيائه ورسله عليهم الصلاة والسلام، لكن الحَجْر هذا لا أعلم له أصلا، وأخشى أن يُفهم أن الأدب الذي لا يتحدث عن الصلاة أو الزكاة أو بر الوالدين ليس بأدب إسلامي، بل يقال الأدب المرشَّد وأدب الفضيلة أو نحو ذلك حتى يكون أوسع فتدخل معنا فيه الأمم التي تدعو إلى الفضيلة لأن النبي "صلى الله عليه وسلم" لمّا عُرضت عليه فضائل حاتم الطائي قال: «لو كان أبوك مسلماً لترحمنا عليه» وقال «خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق»، فمكارم الأخلاق أمر مشترك بين بني الإنسان، وهذا الذي يظهر لي.

* ربما يقودنا هذا إلى مسألة هل الفن للفن أم الفن للمجتمع؟

الشيخ عائض:

أنا لا أذهب وراء المصطلحات بل أنا أطالب أن يكون الفن أو الأدب تحت مظلة الشريعة كمسلمين، لكن إذا تحدثنا إلى الأمم تحدثنا من منطلق مكارم الأخلاق وما يدعو إلى الفضيلة فإذا دعوناهم إلى مكارم الأخلاق اتفقوا معنا ومع ديننا دون أن يشعروا، وكذلك بالنسبة إلى الفن فنقول ينبغي أن نخضع الفن أيضاً للرسالة ما دمنا مسلمين، فالفنان مسلم والشاعر مسلم والكاتب مسلم، وما دام يؤمن بالله فلا يقول حراماً ولا يفعل حراماً.

* من خلال مسيرتكم مع الأدب: ماالكتب الأدبية التي تنصحون بها وأخرى تحذرون منها؟.

الشيخ عائض:

أنا سعيد لأني في عمان أسأل عن الأدب كثيراً، أما الكتب الأدبية فهي كثيرة، ومنها كتاب متأخر هو آخر ما قرأته في الأدب وصار هو أحسن كتاب عندي على الإطلاق، وهو كتاب «العود الهندي في مجالس الكندي» لعبد الرحمن عبيد الله السقاف من علماء حضرموت، توفي قبل ستين سنة، وهو ثلاثة مجلدات، يأخذ بيت المتنبي ثم يشرحه فيما يقارب عشرين صفحة، فيذهب ذات اليمين وذات الشمال ويُبحر ويُسافر بك ويُركبك في زورق الإبداع، ويُحلّق بك في عالم خيال الأدب الجميل، وقد أسرَّني حتى قرأته أربع مرات، ويضاف إليه من الكتب «عيون الأخبار» لابن قتيبة، وابن قتيبة مرشَّد في مثل هذا، و«العقد الفريد» لا بأس به في جمله واختياراته، وأما بالنسبة لـ«الأغاني» فإن ابن خلدون يقول فيه "ولعمري هو كتاب الأدب"، ولكن مشكلة «الأغاني» أنه سيء الأدب مع الله ومع الرسالة وهو لا يحترم ضميره وعقله لأنه يورد الفحش والقصص المكذوبة، فليستفد منه طالب العلم بحذر.

وهناك كتب أخرى، لكن أنا أقول لكم إن هذه الكتب إذا جُمعت جميعا فإنها لا تعادل آية من كتاب الله في البيان والجمال والروعة لمن يقرأ القرآن بعمق، وإننا نقرأ ونتحدث ثم يأتي الأسلوب الأدبي على طريقة القرآن فيكون رائعاً جداً، مثال ذلك أننا كنا هنا في أحد المجالس في عمان، فدخل أحد المشايخ يلف ويبحث فقال أحد الجالسين: مالك تتسلل لواذاً؟، وهذا هو أسلوب القرآن، ومرة يقول أحد العلماء عندما حدث في بلاد الغربة شيء مما يرسله الله عليهم،: فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم، ووالله ما يشفي الغليل أصلا إلا القرآن، ومن ذلك ما يسمى بالدمغ على طريقة القرآن، فقد كنت مع الشيخ سلمان العودة مسافرين إلى أحد الشعراء، فقلت: نتحدث في بلاغة القرآن، وقلت: ماذا يشفي غليلك لو أن اليهود سبوا الله؟ كيف نرد عليهم؟ قال: طبعاً نخبر بفعائلهم وجرائمهم، قلت: انظر، يأتي بالسبة بإيجاز في القرآن ثم يدمغهم، يقول سبحانه: « يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ» يعني بخيلة وهنا انتهى كلامهم، قال: « غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ».

فأدعو إخواني إلى أخذ البيان والبلاغة من الكتاب والسنة وإضافة ما قاله الشعراء والأدباء بعد ذلك.

بالنسبة للناشئة، هل هناك كتب يحبذ أن يبدأوا بها أو هناك كتب يحبذ أن يُبعدوا عنها؟

الشيخ عائض:

نعم بلا شك فأنا لا أؤيد مثل «محاضرات الأدباء» ومثل «الأغاني» لأبي الفرج للناشئة، ولا أؤيد بعض قصائد الفحش، ولا ديوان أبي نواس ولا نقائض جرير والفرزدق التي ربت الكثير من الشباب على السب والشتم حتى يخرج الطفل سبّاباً شتّاماً لعّاناً طعّانا، فـ«المؤمن ليس بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش البذيء».

وتوجدكتب مختصرة في الأدب، فالجاحظ أجاد في كتبه ولو أنها أرقى للكبار، ولكن مثل الرسائل لا بأس بها، وكذلك ابن المقفع، وبعض الكتب المعاصرة مثل رسائل المنفلوطي «النظرات والعبرات» قد تقرب العبارة وتسهلها وهي أسهل من كتب الآخرين، واما كتب الطنطاوي فأرشح للشباب كتابين «قصص من التاريخ» و«رجال من التاريخ» والطنطاوي من أجمل من يكتب، وأعذب من يسيل قلمه على الإطلاق، وطالما أبكى الكثير بقلمه.

* ننتقل من الأدب إلى القضايا أو الأزمات التي عصفت بالعالم، مثل قضية الأزمة المالية أولاً ثم أنفلونزا الخنازير، ألم تكن هذه الأزمات محاكة من قبل الغرب لإلهاء المسلمين عن قضاياهم؟

الشيخ عائض:

أنا لا أتوقع في هاتين القضيتين أن تكون محاكة، وينبغي أن نخفف من عقدة المؤامرة التي نعيشها؛ لأننا لما عشنا في ضعف نسبنا كل شيء إلى الغرب، لأن الضعيف دائماً يشعر بتربص الآخرين، ولو كنا أقوياء ما شعرنا بمثل ذلك الشعور. والأزمة الاقتصادية هذه عاصفة في العالم لم يفتعلوها هم، لأنهم تضرروا واكتووا بنارها أكثر منا، إذ أن اقتصاد العالم هو في الغرب، ونحن اقتصادنا في الخليج مثلاً يعادل وزارة الزراعة في أمريكا، فهم تضرروا أكثر بلا شك.

وأنفلونزا الخنازير لم تكن مفتعلة، بل هو مرض حلَّ بهم وهو قضاء من الله وقدر، « أَوَلاَ يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لاَ يَتُوبُونَ وَلاَ هُمْ يَذَّكَّرُونَ» فهذه عقوبات حلت بهم، ثم هل دماء الأطفال والأبرياء في فلسطين والعراق وأفغانستان والظلم والاستبداد والسجون والمعتقلات تذهب هدراً؟، لا يكون ذلك، إن ربك لبالمرصاد.

* فضيلة الشيخ.. سؤال ربما يكون سؤالا قديما وجديدا، ولاشك أن الكل يتطلع لمعرفة الجواب، وهو حول تجربتك في كتاب «لا تحزن»، فربما الأعناق تشرئب لكي تستفيد من هذه التجربة، فحبذا لو تحدثنا عن هذا الموضوع.

الشيخ عائض:

أولا أشكركم على حسن ظنكم بأخيكم، والحمد لله أنني وجدت للكتاب أثراً في عمان، لأنهم يقدرون الثقافة ويقدرون الموروث العلمي مهما كان، الكتاب ولله الحمد لاقى قبولا كبيرا وما كنت أتوقع ذلك، وكما قال تعالى « وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ» فقد قلت لإخواني لو كنت أعلم لرتبت الكتاب على الفصول والأبواب، فقالوا لا دعه هكذا أفضل، فتذكرت قول القائل:

دعها سماوية تجري على قدر .. لا تفسدنها برأي منك منقوص والحمد لله وصلت عدد النسخ منه إلى ثلاثة ملايين نسخة، وترجم إلى تسع لغات، وقصته أني مررت بتجربة، إذ إنني سجنتُ عشرة أشهر في قصيدة قلتها، وكانت معي في السجن كتب، ووسط الهم والحزن والاستياء طالعت كتاباً لمؤلف أمريكي اسمه «دع القلق وابدأ الحياة»، فقلت لماذا لا نأخذ من موروثنا الإسلامي ونضيف إليه مما أنتجه بنو البشر؟، ففعلت ذلك في هذا الكتاب ثم بقيت ثلاث سنوات وأنا أقدم وأؤخر وأختار، ولم تكن مهمتي إلا نسج الخيوط فقط كما يقول المتنبي في عضد الدولة:

ملك منشد القريظ لديه

واضع الثوب في يدي بزاز

فتأليف هذ الكتاب من نسج البشر لكنني ألفت خيوطه، ولما خرج الكتاب استُقبل باستقبال حسن ولله الحمد، وكلما ذهبت إلى بلد وجدته موجودا وهذا من فضل الله، ويؤخذ من هذا أن الحزن هو مأساة العالم، يقول ابن حزم: أجمع العلماء على أن المقصود من السعادة طرد الهم، ولذلك يقول أهل الجنة: الحمد لله الذي أذهب عنا الحَزَن، والرسول "صلى الله عليه وسلم" يقول لأبي بكر في الغار: «لا تحزن إن الله معنا»، ومن الطرائف أنْ مرت بي فترة توقفت فيها عن العمل فقالوا اعتزل الدعوة، وأنا لم أعتزلها لكني قلت بأني سأتوقف فترة للتأمل، فكتبت كاتبة سعودية تقول: يا عائض القرني أوصيك أن تقرأ كتاب لا تحزن لعائض القرني، وعلى أي حال فأسأل الله أن يتقبله فيمن يتقبل.

* هل معنى هذا بأن «لا تحزن» أحب كتبك إليك؟

الشيخ عائض:

هو أكثرها أثراً وانتشاراً، أما أحبها فهو التفسير الميسر، لأنه سهل.

* فضيلة الشيخ ذكرت بأنك مررت بتجارب عدة منها السجن والإيقاف، فهل كان لهذه التجارب أثر في تغير خطابكم قبل التجربة وبعدها؟

نعم، هناك تغيير جذري، وأنا أعترف بذلك، لأن عامل السن له دور، فمرحلة الشباب تختلف عن مرحلة من هو في طريقه إلى الخمسين، فنحن مررنا بتجارب ومررنا بوقفات وسمعنا نصائح وقرأنا كثيراً وتأملنا كثيراً، فتغيرنا، وقد كان الأسلوب فيه شيء من المواجهة، وفيه تحريض وفيه شدة، ولكن رجعنا فيما بعد ورأينا أن منهج القرآن هو الصحيح « ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» «فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى» « فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ» حتى أني لما سافرت إلى البلدان وجدت أن منهج القرآن هو الذي يمكن أن أنجح فيه كي أخاطب هؤلاء، فلما أتيت بالأسلوب اللين والرفق رأيت أنه يستفيد مني الكبير والصغير، ويستمع لي الوزير والأمير والفنان والشاعر والكاتب، وأخذ الناس يكتبون لي رسائل، بخلاف ما كنا من قبل، فقد كنا نرسل رسالة إلى الفنان لماذا أنتم كذا وكذا؟، والشاعر بأنك عاديت الله عز وجل، وفلان أنك فعلت كذا وكذا، وهذا الأسلوب ليس بصحيح، ومعناه أنك سوف تقطع الجسور الموصلة للناس، وسوف تبقى وحدك، ولن يستمع لك إلا القليل، فرأيتُ أن الأحسن والأجمل أن نقول الكلمة الطيبة، لسنا قضاة ولسنا مسيطرين على قلوب الناس، وإنما نأتيهم بالحجة ولعل الله أن يهدي بنا، وليت أننا نتعامل مع أصدقائنا مثل تعامل النبي "صلى الله عليه وسلم" مع أعدائه، وليت أننا نعامل المؤمنين كما كان عليه الصلاة والسلام يتعامل مع المنافقين، وعموما أدركنا فيما بعد أن منهجه هو الصحيح في إيصال المعلومة للناس.

* فضيلة الشيخ ألا ترى أن التباعد والفرقة بين المذاهب الإسلامية أقوى عوامل الضعف، وأن اتحاد المذاهب أقوى عوامل القوة؟

الشيخ عائض:

بلا شك أنه ينبغي علينا الآن أمام هذه العواصف التي توجه إلى الإسلام شئنا أم أبينا، أن نوحد الخطاب وأن نتقارب وأن نجتمع على أصول الإسلام، التي في كتاب الله وفي سنة رسوله "صلى الله عليه وسلم"، ونحن اجتمعنا في تركيا فيما يقرب من أربعمائة عالم وداعية وكان معنا سماحة الشيخ الخليلي ورأينا أنه لابد أن نجمع الأمة بخطاب موحد، وأن العالم ينتظر منا خطاباً، لأنه لن يعترف بنا إذا كنا مختلفين متفرقين، متناقضين، بل حذرنا الله أن نفعل كما فعلت الأمم التي قبلنا، «وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ» ثم إننا نجتمع على الأصول الكبرى للإسلام، أما الاجتهادات، وإن اختلفنا فيها فهي أحيانا ليست من أصول الدين، ولا يشترط أن نتوافق في كل جزئية «ولا يزالون مختلفين» حتى أن الصحابة اختلفوا في قضايا كثيرة ولكن عذر بعضهم بعضاً ولم يعتب بعضهم على بعض، ولم يهجره ولم يبدّعه.

* هل أنت متفائل من أنه سيأتي يوم وتتحد فيه المذاهب أم أنه صراع أبدي؟

الشيخ عائض:

لا أظن أنه سوف يأتي يوم وتتحد فيه المذاهب، وهذا ليس مطلوباً، فوحدة الصف مطلوبة ولكن وحدة الرأي ليست مطلوبة، حتى في الشريعة لم يشترط أن يتفق الناس في المسائل الفرعية اتفاقاً واحداً، إنما ذم الله الاختلاف على الإيمان وعلى الكتاب وعلى السنة، أما الأصول فهي بحمد الله واحدة بيننا جميعاً، ولا نقول للناس اندمجوا واتركوا مذاهبكم.

* فضيلة الشيخ إذا أردنا أن نحقق هذا التقارب في واقع الناس، إذن العلماء يمكن أن يتفقوا وأن يوحدوا خطابهم، ولكن عامة الناس كيف يمكن إيجاد التقارب فيما بينهم في تعاملهم مع بعضهم البعض؟

الشيخ عائض:

عوام الناس هم في الحقيقة تبع للعلماء، فالواجب على العلماء أن ينشروا فكرة التوافق والتقارب واللين والرفق والحوار فيما بينهم، والإعلام له مسؤولية كبيرة في هذا، لأن منبر العلماء والدعاة في هذا العصر هو الإعلام، وحتى تبادل الزيارات بين العلماء من مختلف الأقطار والمذاهب الإسلامية هو بحد ذاته رسالة في سبيل التقارب، معناها أنه يوجد بيننا اتفاق وأننا نريد أن نسمع ما لديكم وتسمعون ما لدينا.

فضيلة الشيخ من أروع ما قرأنا لكم كتاب «فقه الدليل» وكانت تجربتكم فيه عبارة عن تقديم الفقه الإسلامي بأسلوب ميسر، فإلى أي مدى ترى مثل هذه المؤلفات يمكن أن يكون لها حضور وقبول خصوصاً عند العوام؟

الشيخ عائض:

نحن دراستنا في الجامعة كانت في الغالب على المذهب الحنبلي ولما قرأت الحديث رأيت أن هذا سوف يعطل على الاستنباط من الكتاب والسنة لأن معنى ذلك أن يلغي الإنسان عقله ويذهب متعصباً مقلداً، فقلت لا بد أن أؤلف كتابا هو فقه الدليل وأن آخذ الأحكام من الكتاب والسنة مع احترامي للمذاهب طبعاً، فوجدت له قبولا عند طلبة العلم، وأما العامة فإن العامي على مذهب من يدرسه حتى ولو قال بأني إباضي أو مالكي أو شافعي فإنه في الأخير على مذهب من يدرسه.

* سؤال أخير .. هل يوجد مكان للشعر العماني في حصيلة الشيخ الأدبية؟

الشيخ عائض:

أولاً أنا سعيد كما قلت، ومن قبل وأنا أقرأ لشعراء عمان، وحفظت بعض الأبيات، واقتنيت بعض الموروث العماني وأتابع، فقد كان عندكم فعاليات ثقافية وأدبية قبل خمس أوست سنوات وكنت أتابعها في التليفزيون العماني، وأنا يعجبني الشعر العماني لأنه أقرب شيء بالشعر الأصيل العربي، حتى ألفاظ «إليك أبيت اللعن» ونحو ذلك من الألفاظ تشعر وكأنك في عهد امرؤ القيس، لأن الطبيعة عندكم طبيعة محافظة، ومتأصل فيكم الشعر كما أسلفت وقصيدتي المشهورة ذكرت لفظ عمان فقلت:

سلا القلب عن غيد صفت وحسان

وأهمل ذكر المنحنى وعُمانِ

وما عاد يلهيني الصّبا بأريجه

ولو فاح بالريحان والنفلانِ

ومن ضمن القصيدة:

وخطَّ برأسي الشيب لوحة عاشق

يقول احذروني أيها الثقلانِ

فلا تلهك الدنيا بلهو فإنه

يعاق مسير الشمس بالدبران

فقد هدَّ قُدْماً عرش بلقيس هدهد

وخرّب فأر ما بنى اليمنانِ

ولا تحسب الأنساب تنجيك من لظى

ولو كنت من قيس وعبد مدانِ

أبو لهب في النار وهو ابن هاشم

وسلمان في الفردوس من خرسانِ

الشاهد أنني مقبل على هذا وقد طلبت من الإخوة، أن يزودونا بالدواوين وسوف تسمعون لها أثراً بإذن الله.

وفي ختام اللقاء سجل الشيخ ملامح عدة رآها عند زيارته لعمان حيث قال:

«لما أتيت تذكرتُ زي الرسول "صلى الله عليه وسلم" والصحابة، وهذا أول ملمح رأيته، والملمح الثاني بساطة الناس وهدوءهم وسمتهم الحسن، والثالث الكرم والجود وحسن الضيافة وحفاوة الاستقبال وهذا يدل على العروبة الأصيلة، ثم أعجبني شيء آخر لم أجده في بلد وهو البيان والأدب، لذلك تجدني انطلقت في الشعر، لأنني أجد في المجالس هذا يذكرني بالمتنبي وهذا بأبي تمام، وذلك ببيت أو شعر وهكذا، وبصراحة فإن زيارة عمان أثلجت صدري كثيراً وفرحت بها.»



جريدة الشبيبة

شذى الريحان
02-06-2009, 11:23 PM
جزاك الله خير اخي البراء على نقل الموضوع..

orient
04-06-2009, 08:40 AM
بارك الله فيك استاذي . تابعت الحوار في جريدة الشبيبة
اذا وجدته رائع جدا من حيث ما ادلى به فضيلة الدكتور ..
وتباين المواضيع المتحاور فيها ..

oonإيميmoo
04-06-2009, 10:51 AM
جزاك الله خير أخي