مشاهدة النسخة كاملة : الخلق


جامعي متميز
02-07-2009, 02:44 PM
الأخلاق هي سياج هذه الحياة بأسرها وهي سياج العلم والعمل
الله تعالى يأمر الإنسان أن يعمل جميع الناس بالأخلاق الفاضلة
على المسلم أن يعرض الإسلام من أخلاقه التي يخالق بها الناس
وأن يبين لهم الصورة الإيجابية للإسلام

الأخلاق قيمة إنسانية تقاس بها الأمم في تقدمها وتأخرها لهذا تبوأت الأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة، يخبر النبي صلى الله عليه وسلّم عن الدين بأنه الخلق ويقول (الدين الخلق) ، ويقصر أحيانا بعثته على مكارم الأخلاق حينا .
وحول هذا الموضوع كان للوطن هذه المتابعة من خلال التساؤلات التي طرحت في البرنامج الديني (سؤال أهل الذكر) وأجاب عنها سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، والذي يبثه التلفزيون العماني يوم الأحد من كل أسبوع من إعداد سيف بن سالم الهادي وهذه الحلقة من السنوات الماضية ...
الخلق دون غيره
** يقول الله تعالى ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ، فلماذا الخلق دون غيره في هذا المكان ؟
* بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، أما بعد :
فإن الأخلاق هي قيمة الإنسان ، ومقياس الأمم في تقدمها وتأخرها ورقيها وانحطاطها ، فبقدر ما تكون عليه الأمة من الأخلاق الفاضلة تكون أمة متميزة على غيرها من الأمم ، وبقدر ما تنحدر أخلاقها يكون انحدارها ، فإن الأخلاق هي سياج هذه الحياة بأسرها ، هي سياج العلم والعمل معا ، إذ العلم والعمل معا لا يستقيمان إلا بالأخلاق ، ومن أجل ذلك نجد أن الله سبحانه عندما أثنى على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلّم لم يصفه بالعلم العظيم أو بالعلم الواسع أو بالعلم الجامع وإنما وصفه بعظمة الأخلاق عندما قال ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) (القلم:4) ، بينما في العلم قال خطاباً له صلى الله عليه وسلّم ولغيره من الناس ( وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلاً)(الإسراء: من الآية85) ، فهذا يعني أن الأخلاق هي مقياس قيمة أي أمة من الأمم .
ونجد أن الرسول صلى الله عليه وسلّم ركّز على الأخلاق ، فهو عليه أفضل الصلاة والسلام يقول : إن أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، وإن أبغضكم إليّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون المتفيهقون . ويقول : إن الرجل ليبلغ بحسن الخلق درجة الصائم القائم .
ويقول لأم سلمة رضي الله عنها : يا أم سلمة ذهب حسن الخلق بحسن الدنيا والآخرة . ومعنى ذلك أن حسن الخلق جمع خير الدنيا والآخرة ، فبقدر ما يكون عليه الإنسان من الأخلاق الفاضلة تكون منزلته وقدره عند الله وتكون منزلته في الجنة يوم القيامة .
فلذلك كان جديراً بالإنسان أن يحرص على مكارم الأخلاق ، وقد حدّد النبي صلى الله عليه وسلّم الغاية من بعثته عندما قال : إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق .
ولذلك حرص الإسلام على كل مكارم الأخلاق التي كانت حتى في عهد الجاهلية ، فنجد أنه حرص على تنمية هذه المكارم في نفوس الناس ، فنمّى في نفوسهم الفضيلة بمختلف أنواعها ، نمّى في نفوسه الكرم ، ونمّى في نفوسهم النجدة ، ونمّى في نفوسهم الشجاعة ، ونمّى في نفوسهم الغيرة ، ونمّى في نفوسهم كل ما يعود على الأخلاق .
ونجد أن الله سبحانه وتعالى يأمر عباده بمكارم الأخلاق في كل شيء ، يأمر عباده بمكارم الأخلاق في الدعوة ، فهو يقول عز من قائل ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125) ، ويقول ( وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُون) (العنكبوت:46) ، ويقول ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) (فصلت: 34-35) .
ونجد أن الله سبحانه وتعالى أمر الإنسان المسلم الموصول به عز وجل أن يعامل جميع الناس بالأخلاق الفاضلة، فهو عندما أمر الناس بالكلم الطيب بحسن القول ما أمر يُحصر ذلك في المؤمنين فحسب، بل أمر بأن يُخاطَب بذلك الناس قال ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: من الآية83) ، ولم يقل وقولوا للمؤمنين أو للمسلمين حسنا ، وإنما قال ( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً ) .
ونحن إذا جئنا إلى أي عبادة من العبادات نجد أن هذه العبادة ذات أثر في غرس الأخلاق في نفوس المسلمين، كل عبادة شرعت في الإسلام لها أثر كبير في غرس الأخلاق الفاضلة وفي انتزاع الأخلاق المرذولة السيئة، فإن أي عبادة لو فكّر الإنسان في غايتها لوجدها تؤثر هذا الأثر الطيب في حياة العابد ، فالصلاة التي هي صلة بين العباد وربهم تغرس في النفوس الأخلاق الفاضلة، تغرس في النفوس التواصل بين المؤمنين إذ تحطم الحواجز ما بين الناس، فتقيم الناس جميعاً على قدم المساواة لا فرق بين الغني والفقير ولا بين القوي والضعيف ولا بين الحاكم والمحكوم ولا بين الأبيض والأسود ، جميع الحواجز تتحطم، وجميع النعرات تتبخر، وجميع الشعارات ترتفع، إذ الصلاة تجمع المصلين على اختلاف فئاتهم في موقف واحد أمام الله ينتظمون في حركاتهم، يركعون معا ويرفعون معا ويسجدون معا ويرفعون معا، كلهم وراء الإمام يتحرك بحركة الإمام ويتبعون الإمام .
ثم مع هذا أيضاًَ الصلاة كل ما يقال فيها يغرس الأخلاق الفاضلة ، فالتكبير الذي يكبره العبد والذي يدخل به الصلاة يغرس الأخلاق الفاضلة لأنه يرسخ في النفس أن الكبرياء لله سبحانه وتعالى وحده وأن الناس لا تفاضل بينهم من هذه الناحية إلا بقدر ما يقتربون من الله بالطاعة وذلك إنما يقتضي التواضع لا الترفع والاستكبار ، فكلمة (الله أكبر) تغرس في نفس المؤمن أن الكبرياء لله وحده وكل ما أوتيه الإنسان في الدنيا مما ظاهره أنه ميزة له إنما هو في الحقيقة اختبار له، فالغني عليه أن يتطأطأ وعليه أن يتواضع والقوي كذلك، وكل أحد أوتي شيئا ًمن الجاه أو المكانة أو القدر أو السلطة في هذه الحياة الدنيا فعليه أن يتواضع لأن الكبرياء إنما هي لله تعالى وحده .
وإذا جئنا إلى الصيام فالصيام مدرسة يتعلم فيها الإنسان الأخلاق الفاضلة ، فإن الصيام يؤدي إلى تقوى الله ، وتقوى الله تجمع الأخلاق الفاضلة على اختلاف أنواعها، والنبي صلى الله عليه وسلّم يقول : الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم .
فالصائم يؤمر لو تعرض من قِبل أحد لمشاتمة أو لإيذاء أن لا يقابل الإساءة بمثلها ، وإنما يؤمر إن يقول إني صائم ليذكر نفسه بصيامه وقدسية هذا الصيام التي تتنافى مع التشفي والانتقام ، ثم ليذكّر الطرف الآخر أيضاً الذي صدرت منه الإساءة بأنه هو أيضاً صائم إن كان هو من المسلمين ، وهذا مما يدعوه إلى أن يعي ويستيقظ من غفلته التي وقع فيها فيثوب إليه رشده .
لو جئنا إلى الزكاة لوجدنا الزكاة أيضاً تغرس الأخلاق الفاضلة لأنها تفجر مشاعر الرحمة في نفوس المؤمنين ، وتجعل الناس يعطف بعضهم على بعض ويود بعضهم بعضا وكذلك كل عبادة من العبادات .
الخلق والزواج
* إذا كان الدين يحتوي الخلق لماذا النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه . هل معنى هذا أنه يتصور أن يكون الرجل صالحاً فيما يتعلق بأمر دينه غير أن أخلاقه لا ترقى لئن يكون يحسن من يشاركه في الحياة ؟
** نعم ، قد يكون الإنسان كثير الصلاة وكثير الصيام وكثير الصدقة ولكنه فض غليظ القلب لا يطاق ، وهذا مما يتنافى مع الألفة والانسجام ما بين الناس ، فالله سبحانه وتعالى يخاطب نبيه عليه الصلاة والسلام وهو أكرم الخلق وقد كان بين المهاجرين والأنصار الذين هم أطهر جيل وأرقى جيل يقول له ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)(آل عمران: من الآية159) ، ومتى أمره بذلك إنما أمره بذلك في ساعة حرجة وموقف حساس ، أمره بذلك بعد تلكم النكسة التي أصيب بها المسلمون بسبب مخالفتهم أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ عن خروجهم عن طاعته ، فقد خالفوه أولاً عندما لم يأخذوا برأيه في البقاء في المدينة المنورة وانتظار العدو حتى يأتيهم داخل المدينة ، وخالفوا رأيه أخيراً عندما أمر الرماة أن يثبتوا مكانهم وأن لا يبرحوا مكانهم كيفما كانت الحالة ، فوقعوا في مخالفته لسبب أو لآخر من غير أن يتعمدوا المخالفة ، ومن غير أن يتعمدوا العصيان ، ومع ذلك أمره الله تعالى في مثل هذا الموقف الحساس أن يكون ليناً رقيق المشاعر حسن المعاشرة طيب الأحاسيس ، أن يكون لطيفا معهم بحيث يعفو عنهم ويستغفر لهم ويشاورهم في الأمر مع أن المشورة هي التي أدت إلى ذلك ، وهذا لأن الخطأ في المشورة التي قدمها أولئك الذين استشيروا لا يعني رفع المبدأ ، فالمبدأ يجب أن يبقى كيفما كان الحال ، إذ الإنسان يتعلم الصواب من الخطأ الذي يقع فيه ، فالأمة بصدد التربية والإعداد ، ولما كانت هي بصدد التربية والإعداد فلا بد من أن تأخذ دروساً في هذه الحياة ، فكان ذلك درساً لها ، وهكذا يقول له الله تعالى ( وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْر)(آل عمران: من الآية159.

oonإيميmoo
02-07-2009, 10:08 PM
يعطيك العافيه أخي على هذا الموضوع الرائع

جامعي متميز
02-07-2009, 10:28 PM
شكرا لك إيمي على المرور العطر .. أسعدني تواجدك

ما شاء الله متميزة في منتديات الحصن