مشاهدة النسخة كاملة : &المفصل في & تاريخ العرب قبل الإسلام &&
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:20 AM
الفصل التاسع عشر
الدولة المعينية
تعدّ الدولة المعينية من أقدم الدول العربية التي بلغنا خبرها، وقد عاشت وازدهرت بين "1350 - 630 ق. م." تقريباً على رأي بعض العلماء. وقد بلغتنا أخبارها من الكتابات المدونة بالمسند و الكتب الكلاسيكية. أما المؤلفات العربية الإسلامية فلا علم لها بهذه الدولة. ولكنها عرفت اسم "معين" على إنه محفد من محافد اليمن وحصن ومدينة، وذكرت إنه هو و "براقش" من أبنية التبابعة.
وأقدم من ذكر المعينيين من الكتاب "الكلاسيكيين" "ديودورس الصقلي" و "سترابون" "سترابو"، وقد سمّاهم Minae=Meinaioi وقال: إن مدينتهم العظمى هي Carna=Karna، وذكر نقلاً عن كاتب أقدم منه هو "يراتوستينس" Eratosthenes، إن بلادهم شمال بلاد سبأ وشمال أرض "قتبان". و أما حضرموت، فتقع شرق بلاد معين. أما "ثيوفراستوس" Theophrastos فقد ذكر السبئيين والقتبانيين والحضارمة،
وذكر أرضاً اخرى دعاها Mamali، ويرى، "أوليري" إنه قصد "معين" Menaioi=Minaea، وأن تحريفاً وقع في نسخ الكلمة، فصارت على الشكل المذكور، أي Mamali. وقد ذكرهم "بلينيوس" Pliny أيضاً، فأشار إلى إن بلادهم تقع على حدود أرض "حضرموت" Atramitae. وآخر من ذكرهم الجغرافي الشهير "بطلميوس".
ولم بتي حدث أحد من الغربيين بعد الجغرافي المذكور عن "معين"، حتى دخل السياح االأوروبيون بلاد العرب بعد نومٍ طويل، فبعث عندئذ اسم "معين"، وكان في مقدمة من نشر خبر هذا الشعب "يوسف هاليفي" Joseph Halevy و "أدورد كلاسر" Eduard Glaser و "أويتنك" Euthing و "جوسن" Jaussen و "ساوينه" Sasignac، وغيرهم ممن سترد أسماؤهم، حصلوا على نقوش معينية نشرت ترجمات بعضها، ونشر بعض آخر بغير ترجمة، ولا يزال بعض آخر ينتظر النشر.
وقد ظهرت هذه الدولة في الجوف، والجوف منطقة سهلة بين نجران وحضرموت، أرضها خصبة منطقة. وقد زارها السائح "نيبور" Niebuhar ووصفها. وذكر الهمداني جملة مواضع فيها، ولم يعرف شيئاً عن أصحابها.
ومن هذه: معين، ونشق: وبراقش، وكمنا وغيرها. وقد كانت عاصمة تلك الدولة "القرن" "قرن" "قرنو"، وهي: "قرنة" "قرنا" Carna=Karna عند بعض الكتبة الكلاسيكيين.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:23 AM
وقد حصل "هاليفي" على عدد كبير من الكتابات المعينية اكتشفها في أثناء سياحته في الجوف، دعيت ورقمت باسمه، حصل على الكتابات المرقمة برقم Halevy 187 حتى رقم Halevy 266 مجموعها ثمانون كتابة من خرائب "معين" وحصل على الكتابات المرقمة من رقم "424" حتى رقم "578" من "يثل"، ويبلغ مجموعها "155" كتابة، كما حصل على صور عدد آخر من الكتابات من "كمنا" ومن "السوداء". ويبلغ مجموع الكتابات المعينية التي استنسخها زهاء "750" كتابة، أغلبها قصيرة، وبعضها يتضمن بضع كلمات، ما خلا "50 - 60" كتابة تتألف من بضعة أسطر.
وزار الجوف بعد ذلك السيد محمل توفيق وقد ندبته "جامعة فؤاد الأول" الجامعة المصرية لدراسة هجرة الجراد الرحّال والكشف عن مناطق تولده، ودخله مرتين، المرة الأولى سنهّ "1944 م" والمرة الأخيرة سنة "1945 م"، وقد انتهز الفرصة فدرس سطح تلك المنطقة وخرائبها وآثارها، وأخذ صوراً "فوتوغرافية" لزخارف وكتابات، نشرها في البحث الذي نشره له "المعهد العلمي الفرنسي للآثار الشرقية بالقاهرة"، وذلك سنة "195 م" بعنوان: "آثار معين في جوف اليمن".
ورحل "الدكتور أحمد فخري" الأمين بالمتحف المصري، إلى اليمن، وزار سبأ والجوف في مايس سنة "1947 م.
وليس في كل بلاد العرب على حد قول "هاليقي"، مكان ينافس الجوف في كثرة ما فيه من آثار وخرائب عادية. ولذلك، فان الباحثين عن القديم يرون فيه أملاً عظيماً وكنزاً ثميناً، وقد يكشف لهم عن صفحات مطوية من تأريخ تلك البلاد وربما ي كشف عن تأريخ بلاد أخرى كانت لها صلات وعلاقات باليمن. وفيه مدن مهمة، كان لها شأن وصيه في تأريخ العالم القديم، كالمدن التي مر ذكرها، وكمدينة "مأرب" عاصمة سبأ، التي بلغ صيتها اليونان والرومان.
والجوف أرض خصبة ذات مياه، تسقيه مياه "الخارد"، الذي يبلغ عرضه مترين وعمقه متراً، كما تتساقط عليه الأمطار، فتروي أرضه، وتكوّن سيولاً تسيل في أوديته، ويبلغ ارتفاعه "1100" فوق سطح البحر، وتحيط به الجبال من ثلاث جهات، ونطراً لوجود مزايا كثيرة فيه تساعد على تكوّن الحضارة فبه، لذلك صار مخزناً للحضارة القديمة في اليمن، وموقعاً يغري علماء الآثار يقصدونه للبحث في تربته عما كان فيها من أسرار وآثار. وسيكون من الأماكن المهمة في اليمن في الزراعة وفي التعدين بعد تطور اليمن ود********* الأساليب العلمية الحديثة إلى تلك الأرجاء.
وقد أمدتنا الكتابات التي عثر عليها في الجوف وفي "ديدان"، التي كانت مستوطنة معينية في طريق البلقاء من ناحية الحجاز، والكتابات المعينية التي عثر عليها في مصر في "الجيزة"، والكتابات المعينية الأخرى التي عثر عليها في جزيرة "ديلوس" Delos من جزر اليونان، والتي يعود عهدها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، بأكثر معارفنا التي يعود عهدها هنا، ومنها استخرجنا في الأغلب أسماء ملوك معين. ولولاها لكانت معارفنا عن المعينيين قليلة جداً. ويرى جماعة من العلماء إن "ماعون" "معون" Maon أو "معونم" "معينيم" Me'inim=Me'unim الواردة في التوراة إنما يقصد بها "المعينيون"، وهم سكان "النقب" إلى طور سيناء، أو هم سكان "معان" الواقعة إلى الجنوب الشرقي من "البتراء" Petra، أو هم أهل "العلا" "الديدان". وقد ذكروا في موضع من التوراة في جملة سكان "النقب" Negev، وذكروا في موضع آخر مع قبائل من العرب.
وليس بين الباحثين في تأريخ المعينين اتفاق على تأريخ مبدأ هذه الدولة ولا منتهاه، ف "كلاسر" مثلاً يرى إن الأبجدية التي استعملها المعينيون في كتاباتهم ترجع إلى الألف الثانية أو الألف الثالثة قبل الميلاد، وهذا يعني إن تأريخ هذا الشعب يرجع إلى ما قبل هذا العهد، فالمعينيون على هذا هم أقدم عهداً من العبرانيين.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:24 AM
وقد أمدتنا الكتابات التي عثر عليها في الجوف وفي "ديدان"، التي كانت مستوطنة معينية في طريق البلقاء من ناحية الحجاز، والكتابات المعينية التي عثر عليها في مصر في "الجيزة"، والكتابات المعينية الأخرى التي عثر عليها في جزيرة "ديلوس" Delos من جزر اليونان، والتي يعود عهدها إلى القرن الثاني قبل الميلاد، بأكثر معارفنا التي يعود عهدها هنا، ومنها استخرجنا في الأغلب أسماء ملوك معين. ولولاها لكانت معارفنا عن المعينيين قليلة جداً. ويرى جماعة من العلماء إن "ماعون" "معون" Maon أو "معونم" "معينيم" Me'inim=Me'unim الواردة في التوراة إنما يقصد بها "المعينيون"، وهم سكان "النقب" إلى طور سيناء، أو هم سكان "معان" الواقعة إلى الجنوب الشرقي من "البتراء" Petra، أو هم أهل "العلا" "الديدان". وقد ذكروا في موضع من التوراة في جملة سكان "النقب" Negev، وذكروا في موضع آخر مع قبائل من العرب.
وليس بين الباحثين في تأريخ المعينين اتفاق على تأريخ مبدأ هذه الدولة ولا منتهاه، ف "كلاسر" مثلاً يرى إن الأبجدية التي استعملها المعينيون في كتاباتهم ترجع إلى الألف الثانية أو الألف الثالثة قبل الميلاد، وهذا يعني إن تأريخ هذا الشعب يرجع إلى ما قبل هذا العهد، فالمعينيون على هذا هم أقدم عهداً من العبرانيين.
وهذا يتعارض مع النظريات الشائعة عن قدم الخط عند البشر، فان الخط "الفينيقي" لا يتجاوز عهده ألف سنة قبل الميلاد وليس "المسند" كما يظهر من أشكاله وصوره الهندسية أقدم عهداً منه.واستند "هوارت" إلى هذه الحجة أيضاً في معارضه رأي من يرجع تأريخ معين إلى سنة 1500 قبل الميلاد. وبرى "أوليري" هذا الرأي أيضاً، ويرى أيضاً إن كتابات المسند كافة معينية أو سبئية، لا تتجاوز البتة السنة 700 قبل الميلاد، وذلك لأن هذا القلم قد أخذ من القلم "الفينيقي"، وهذا لا يمكن إن يطاوله، وأن يرجع في تأريخه إلى أكثر من القرن الثامن قبل الميلاد.
وقد ثبت "ملاكر" في كتابه في تأريخ التشريع والتوريخ عند العرب الجنوبيين مبدأ قيام دولة معين بسنة "725" قبل الميلاد، وسقوطها بالقرن الثالث قيل الميلاد.
وتناول "البرايت" موضوع ترتيب حكام معين بالبحث، وذلك في النشرة التي تصدرها المدارس الأمريكية للبحوث الشرقية. وهو يختلف أيضاً مع المتقدمين في موضوع تواريخ أولئك الحكام،ويحاول جهد الإمكان الاستفادة من الدراسات الأثارية للكتابات وللآثار التي. يعثر كليها في تقدير حكم المكربين والملوك. وقد ذهب في أحد أبحاثه عن "معين" إلى تقسيم ملوك دولة معين إلى ثلاث مجموعات جعل الملك "اليفع يثع" وهو ابن الملك "صدق ايل" ملك حضرموت على راس هذه المجموعات، وجعل حكمه في حوالي السنة " 400 ق. م."
وجعل نهاية هذه الدولة فيما بين السنة "50" والسنة "25 ق. م.".
وهو يرى إن التاريخ الذي وضعه لمبدأ قيام حكومة معين ولنهايتها وسقوطها، هو تأريخ في رأيه مضبوط، لا يتطرق إليه الشك، غير إنه يرى إن ما ذكره عن رجال المجوعات الثلاث يحتمل إعادة النظر فيه، ولا سيما المجموعة الأولى حث يمكن إجراء بعض التغير فيها.
وذكر "البرايت" في.وضع آخر إنه يرى إن قيام مملكة معين كان قبل السنة "350 ق. م."، وقد استمر حكمها إلى ما بعد السنة "50ق. م." أو السنة "100 ق. م.".
وذهب آخرون إلى إن نهاية مملكة معين كانت في حوالي السنة المئة بعد الميلاد. وهكذا في الباحثين في العربيات الجنوبية مختلفين في بداية الدولة وفي نهايتها، ويلاحظ إن القدماء منهم كانوا يرفعون مبدأ الدولة ونهايتها عن الميلاد، أي يبعدون المبدأ والنهاية عنه، أما المتأخرون فهم على العكس، لا يذهبون مذهبهم في البعد عن الميلاد، ويخاولون جهدهم جعل نهاية المملكة في حوالي الميلاد. وما زال الجدل بين علماء العربيات الجنوبية في تقدير عمر الدولة المعينية مستمراً. فهناك صعوبات تعترض نظرية من يقول إن الدولة المعينية سقطت قبل الميلاد بمئات من السنين في أيدي حكام سبأ، والقائلون بها "كلاسر" وأتباعه. وقد رأى "كلاسر" أيضاً إن المعينيين قد تضاءل أمرهم وضعفوا كل الضعف وغلبت عليهم البداوة في نهاية القرن الأول قيل الميلاد، على حين إن الموارد الكلاسيكية ومنها مؤلفات "سترابو" و "بلينيوس" و "ديودورس الصقلي"
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:25 AM
تعارض هذا الرأي بإشارتها إلى المعينيين وإلى تجارتهم، بل تجد إن "بطلميوس" الذي هو من رجال القرن الثاني للميلاد يقول فيهم " إنهم شعب عظيم". ثم إن الكتابات المعينية التي عثر عليها في الجيزة يمصر، تؤيد هذا الرأي أيضاً، إذ نشير إلى اشتغالهم في التجارة، تجارة استيراد البخور للمعابد المصرية، في القرن الثالث أو الثاني بعد الميلاد. ومن هنا قال "أوليري" وغيره إن المعينيين بقوا نشطن عاملين إلى ما بعد الميلاد، وربما كان ذهاب حكمهم في أيام "البطالمة" أو في أيام الرومان، ومهما يكن من أمر فليس في الإمكان البت في تعيين ذلك العهد.
والذين يقولون بتقدم دولة معين على سبأ، ويرون إن حكام "سبأ" من دور "المكربين"، أي دور الملوك الكهنة هم الذين قضوا على حكم دولة معين فانتزعوا الحكم من ملوك معين، وأخضعوا المعين بين إلى حكم سبأ. غير إننا لا نعرف في ف تم ذلك، ومن هو الملك المعيني الذي تغلب عليه السبئيون.
ولا يمكن تقريب وجهة الخلاف هذه إلا بالاستعانة بالحفريات العلمية العميقة المنظمة، وبما سيستخرج من جوف الأرض من آثار وكتابات، ودراستها دراسات علمية متنوعة. دراستها من ناحية تطور الخط Paleography وأسلوبه، ومقارنته بالخطوط الأخرى التي عثر عليها في جزيرة العرب وفي خارجها، لمعرفة عمرها، ودراستها من ناحية تحليلها قليلاً مختبرياً لمعرفة زمانها ووقت نشوئها، حيث يمكن التوصل بهذا التحليل إلى نتائج يكون مجال الشك والجدل غير كبير Radiocarbon، ودراستها من ناحية علم الآثار، إلى غير ذلل من طرق توصل إلى نتائج إيجابية أو قريبة من حدود الإيجاب.
ملوك معين
وقد حصل قراءة الكتابات المعينية على أسماء ملوك حكموا دولة معين، أحصوها وجمعوها، وحاولوا الاستفادة منها بتنسيقها و تبويبها لتكوين قائمة منظمة مرتبة بمن حكم عش تلك الدولة حكماً زمنياً متسلسلاً بقدر الإمكان. غير إنهم لقوا صعوبات كبيرة حالت بينهم وبين الاتفاق على وضع قائمة موحدة متفقة. فذهبوا في ذلك جملة مذاهب، ووضعوا تواريخ متباينة مختلفة، وكيف يمكن الاتفاق وقد ذكرت إنهم مختلفون اختلافاً كبيراً من حيث تعيين مبدأ ظهور تلك الدولة، وأنهم مختلفون أيضاً في تأريخ سقوطها وفي الدولة التي أسقطتها. يضاف إلى ذلك إن الكتابات المعينية عفا الله عنها، لم ترد مؤرخة على وفق تقويم من التقاويم، ولم تتحدث عن حكم أي ملك من أولئك الملوك ولم تذكر ترتيبهم في الحكم، وهي أكثرها في أمور شخصية لا علاقة لها بسياسة ولا بدولة و ملوك. فليمس من الممكن إذن اتفاق الباحثين على وضع قوائم صحيحة لملوك معين، ولا لمدد حكمهم ما دام الوضع على هذا الحال والمنوال، والرأي عندي هو أن ذلك لن يتم، ما تُجْرَ حفريات علمية عميقة في مواضع المعينيين في اليمن وخارج اليمن، تمكننا من الحصول على كتابات جديدة لها صلة ب سياسة الحكومة وبأخبار الملوك وبعلاقاتهم مع الدول الأجنبية. فإذا تم ذلك أمكن وضع مثل هذه القوائم مستعينين بهذه الكتابات وبالكتابات الأجنبية التي قد تشير إلى ملوك معين وبأمثال هذه الدراسات نطمئن إلى هذه القوائم، ونستطيع اعتبارها ذات قيمة في تثبيت الحوادث وتواريخ حكومة معين.
والملوك الذين وردت أسماؤهم في الكتابات المعينية، ليسوا هم كل ملوك معين، بل هم جمهرة منهم. ولا استبعد احتمال حصول المنقبين في المستقبل على عدد آخر من أسماء ملوك جدد لا نعرف من أمرهم اليوم شيئاً، قد يزيد عددهم على هذا العدد المعروف. وقد يبلغ أضعافه. فتصبح القوائم الموضوعة التي رتبها علماء.اليوم غير ذات خطر بالنسبة للقوائم الجديدة، وسيتغير في ما كل شيء من أسماء ملوك، ومن أرقام مدد حكم وتواريخ.
ومع ذلك فأنا لا أريد إن اكون جدلياً سوفسطائياً، سلبيا غير بناّء،وسأجاري الحال فأعرض على القارئ نتائج جهود أولئك العلماء في وضع قوائمهم بأسماء ملوك معين، فأقول: جعل "هومل" من أسماء ملوك معينة التي عرفها ثلاث طبقات، كل طبقة تتألف من أربعة ملوك، وطبقة أخرى تتألف من ملكين. ورتب "كليمان هوار"، هؤلاء الملوك سبع طبقات، الطبقة الأولى، تتألف من أربعة ملوك، والطبقة الثانية من خمسة، والطبقة الثالثة من أربعة، والرابعة من اثنين، والخامسة من ثلاثة، وأما الطبقتان السادسة والسابعة فتتألف كل واحدة منها من ملكين. ويبلغ مجموع ملوك هذه الطبقات السبع اثنين وعشرين ملكاً. وينقصن هذا العدد أربعة ملوك عن قائمة "مولر" الذي حقق هوية ستة وعشرين ملكاً.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:27 AM
وقد رتب "أوتوويبر" و "موردتمن" أولئك الملوك في طبقات أيضاً أما "فلبي"، فقد ذكر اثنين وعشرين ملكاً، نظمهم خمس سلالات، وجعل على رأس السلالة الأولى "اليفع وقه"، وفي آخر السلالة الخامسة الملك "تبع كرب" الذي حكم على رأيه من سنة 650 إلى سنة 630 ق. م.
وعند "هومل" إن السلالة التي في أولها الملك "اليفع وقه"، هي اقدم اسر ملوك معين. وأما "مورد تمن"، فيقدم الأسرة التي جعل على رأسها الملك "يثع ايل صديق". وشد فعل ذلك "كليمان هوار" أيضاً أما "ونست"، فيرى إن الأسرة التي فيها "أب يدع يثع" هي أقسم عهداً من الأسرتين. والخلاصة إن هذه الأسر أو السلالات لا تعني إنها كل الأسر التي حكمت "معيناً" أو إن الأسرة الأولى منها هي أول أسرة حكمت ذلك الشعب فقد يكون هنالك عدد آخر من الأسر والملوك حكموا قبلها سنن كثيرة ربما بلغت قروناً.
ويرى "البرايت" إن ملوك حضرموت كانوا هم الذين أسسوا مملكة معين، أسسوها في حوالي السنة "400 ق. م." أو بعد ذلك بقيل. ويرى إن أول ملك من ملوكها كان الملك "اليفع يثع"، وكان ابناً للملك "صدق ايل" ملك حضرموت. ويرى من عدم وصول كتابات سبئية ما بين السنة "350" والسنة "100" قبل الميلاد، أي إن السبئين كانوا في خلال هذه المدة أتباعاً لحكومة معين.
فأول ملك من ملوك "معين" إذن على رأي "البرايت"، هو الملك "اليفع يثع" 0أما "هومل"، فجعل "اليفع وقه" أقدم ملك معيني وصل خبره إلينا، وقد جاراه في رأيه هذا "فلبي" وآخرون. وهناك كما قلت قبل قليل من قدم ملكاً آخر على هذين الملكين.
وقد ورد اسم الملك "اليفع وقه" في كتابة عثر عليها في موضع "السوداء"، وهو مكان مدينة "نشن" "نشان" القديمة في الكتابات المعينة، ورد فيها: إن الملك "اليفع وقه" ملك معين، وشعب معن، قدما بأيديهم إلى معبد الإلهَ "عم" ب "راب" "رأب" من "ذي نيط" نذوراً وهه ايا وقرابين، تقرباً إليه. وقد تسلم ال "رشو"، أي "كاهن" المعبد والقيم عليه تلك الهدايا، وتقبلها باسم المعبد. ولم تذكر الداعية التي دعت الملك وشعبه إلى تقديم تلك النذور والقرابين إلى الإلَه "عم" رب "رأب"، ولعلها كانت مذكورة في المواضع التي أصيبت بتلف في الكتابة.
و ورد اسم هذا الملك في كتابة أخرى عثر عليها في "براقش"، وهي مدينة "يثل" من مدن معين، دونت عند بناء بناية في عهده، فذكر هو وابنه "وقه آل صدق" "وقه ايل صديق" فيها، تيمناً باسمها و تثبيتاً لتأريخ البناء.
وعثر على اسم الملك "وقه آل صدق" "وقه ايل صديق" ابن الملك "اليفع وقه" في كتابة وجدت في "قرنو" "قرن" "القرن".
أما الذي حكم بعد "وقه ايل صدق" "وقه ايل صديق"، فهو ابنه الملك "اب كرب يشع" "أبكرب يشع". وهو في نظر "البرايت" مثل والده و "اليفع وقه" من رجال المجموعة الثانية من مجموعات ملوك معين. وقد حكم - على حسب رأيه - في حوالي السنة "150" قبل الميلاد.
وجاء اسم الملك "ايكرب يثع" "اب كرب يثع" في كتابة عثر عليها في "العلا"، أي في "الديدان" وتعود لذلك إلى المعينيين الشماليين، وصاحبها رجل من "آل غريت" "غرية"، كتبها عند شرائه مُلكاً من شخص اسمه "اوس بن حيو" "اوس بن حي". وتيمناً بذلك قدم نذوراً إلى الإلهَ "نكرح" وآلهة معين، وجعل الملك في رعايتها وحمايتها لتقيه أعين الحسّاد كل من محاول الاعتداء عليه. ودعا آلهة معين إن تنزل نقمتها على كل من يحاول رفع. تلك الكتابة، أو يتلفها، أو يلحق بها أذى، وقد تيمن باسم تلك الآلهة، وذكر بهذه المناسبة اسم الملك "ايكرب يثع"،وذكر بعده اسم "وقه آل صدق" "وقه ايل صديق". وقد وجد فراغ بين الاسمين،بسبب تلف أصاب الكتابة رأى ناشر الكتابة إنه واو العطف، فصيّر الجملة على هذا النحو: "ابكرب يثع ملك معن ووقه آل صدق"، "أبكرب يثع ملك معين ووقه ايل صديق"، وعندي إن هذا الفراغ يمثل حرفين، هما "بن"، أي "ابن" فتكون الجملة: "ابكرب يثع معن بن وقه آل صدق"، "أيكرب يثع ملك معن ابن وقه ايل" وبذلك ينسجم المعنى، إذ إن "وقه آل صدق"، هو والد "أيكرب يثع" فاذا ذكر اسم الأب بعد لفظة "ابن"، انسجم المعنى. أما إذا وضعنا حرف العطف "الواو"، بين الاسمين، نكون قد قدمنا اسم الابن على اسم الأب، وفي ذلك نوع من سوء الأدب، أو دلالة على إن الابن هو الملك الحقيقي، وان والده لم يكن شيئاً يومئذ، أو كان ملكاً بالاسم فقط. على إنه حتى في هذه الأحوال والاحتمالات، لا يوضع اسم الأب بعد اسم الابن.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:28 AM
وقد أرخت الكتابة بأيام تولي "اوس" من "آل شعب" منصب "كبير" تلك المنطقة التي كان يقيم فيها صاحب تلك الكتابة.
وعثر على كتابة في مدينة "يثل" "براقش"، وجاء فيها اسم ملك يدعى "عم يثع نبط" "عميثع نبط" "عمى يثع نبط". وهو ابن الملك "ابكرب يثع" المذكور.
وقد ورد اسم الملك: "عم يثع نبط بن ابكرب" "عميثع نبط بن أبكرب" في كتابة دونت لمناسبة حبس أرض لآلهة معين، لتكون وقفاً على معبد الإلَه "عثتر شرقن"، أي "عثتر الشارق" بمدينة "يثل".
أما "البرايت"، فقد وضع اسم "عم يثع نبط" في المجموعة الأولى من مجموعاته الثلاث التي كونها لملوك معين. وقد جعل حكمه في حوالي السنة "300 ق. م.". وذكر إنه رجل اسمه "اب كرب" "أيكرب". وقد أشار إلى إن "اب كرب" هذا هو غير "اب كرب يثع" الذي هو ابن الملك "وقه ايل صدق"، الذي كان "حكمه - على رأيه - في أواخر القرن الثاني لما قبل الميلاد.
ويرى "فلبي" وجود فترة قدّرها بنحو عشرين سنة، لا يدري من حكم فيها بعد "عم يثع نبط"، وقد كانت في حوالي السنة "1040 ق. م."، وقد انتهت في حوالي السنة "1020 ق. م." بتولي الملك "صدق ايل" عرش معين. وهو ملك من ملوك حضرموت. فيكون بذلك قد جمع في شخصه بين عرش حضرموت وعرش معين، ثم انتقل العرش إلى "اليفع يثع"، وهو ابنه، وقد حكم - على رأي "فلبي" - في حوالي السنة "1000 ق. م.". وكان له شقيق اسمه "شهر علن" "شهر علان"، انفرد بحكم حضرموت. وبذلك انفصل عرش حضرموت عن عرش معين.
وبين تقدير "فلبي" هذا لحكم "صدق ايل" ولحكم ابنه "اليفع يثع" وتقدير "البرايت" الذي جعل حكم "صدق ايل" في حوالي السنة "400 ق. م." فرق كبير. كذلك نجد بين ترتيب "فلي" وترتيب "البرايت" للملوك فرقاً كبيراً. ف "اليفع يثع" وهو ابن "صدق ايل" هو أول ملك ملك عرش معين على رأي "البرايت"، على حين أخره "فلبي" على نحو ما رأيت، إلا انهما يتفقان في إن "صدق ايل" والد "اليفع يثع" كان ملكاً على حضرموت. ثم يعودان فيختلفان أيضاً، ذلك إن "فلبي" جعله ملكاً على حضرموت ومعين، أما "البرايت" فلم يدخلل اسمه في قائمته لملوك حضرموت.
وحكم بعد "اليفع يثع" ابنه "حفن ذرح" وكان حكمه في حوالي السنة "980 ق. م." على تقدير "فلبي". وكان له شقيق اسمه "معدكرب" "معد يكرب"، ولي عرش حضرموت. ولم يذكر "البرايت" اسم هذا الملك في قائمته لملوك معين.
وقد ذكر "فلبي" إنه كان لي "حفن ذرح" شقيق، اسمه "معد كرب" "معد يكرب"، ولي عرش حضرموت.
أما الذي ولي عرش "معين" بعد "حفن ذرح"، فهو "اليفع ريم" "اليفع ريام". وقد حكم في حوالي السنة "965 ق. م." على تقدير "فلبي" وهو ابن "اليفع يثع". وقد حكم حضرموت أيضاً، وذلك لأن ولد "معد يكرب" لم يحكموا عرش حضرموت.
وانتقل العرش إلى "أب يدع يشع" "أبيدع يشع" بعد "عوف عثت" وقد كان حكمه في حوالي السنة "935" قبل الميلاد أما "البرايت" فيرى إن زمان حكمه كان في حوالي السنة "343" قبل الميلاد. وهو ابن "اليفع ريمام".
وجاء في الكتابة المرقمة برقم: Glaser 1150 و Halevy 192 وهي كتابة تتألف من جملة أسطر ومصدرها مدينة معين، اسم الملك "اب يدع يثع" ورد لمناسبة قيام جماعة من أشراف مدينة "قرنو" "قرن" "القرن" بإصلاح خنادق هذه المدينة وترميم أسوارها وإنشاء محلة جديدة فيها. وصاحب هذه الكتابة والآمر بتدوينها، هو "علمن بن عم كرب" من أسرة "ذي حذار" "ذي حذأر"، أي "آل حذار" ورئيس "كبأن" "جبأن" وصديق ومكتسب عطف ومودة "موددت" ملك معين "اب يدع يثع"، و والد عدد من الأولاد ساعدوه في هذا العمل، هم "ياوس آل" "ياوس ايل" "يأوس ايل"، و "يذكر آل" "يذكر ايل"، و "سعد آل" "سعد ايل" و"هب آل" "وهب ايل"، و "يسمع ايل" "يسمع آل". وقد قاموا بهذا العمل تقرباً إلى آلهة معين: "عثتر ذ قبضم" "عثتر ذو قبض". و "ودّ" و "نكرح" و إلى ملك معين. وقد جرى العمل في ربع "ربعن" المدينة، المسمى "رمشو" "رمش"، وقد امتد إلى موضع "شلوث". وبعد الانتهاء من هذا العمل ذبحت القرابين على عادتهم للآلهة "عثتر" "رب" "قبض" "عثتر ذ قبضم" و "ود". وذكرت الكتابة تفاصيل الأعمال التي تمت ومواضعها ومقدارها وغير ذلك مما يذكر عادة في وثائق البناء.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:29 AM
وهناك كتابة أخرى عثر عليها في "قرنو"، وهي الكتابة التي أشير إليها بعلامة Halevy 193، ورد فيها اسم الملك "اب يدع يبع"، وهي من الكتابات المهمة التي تشير إلى الصلات السياسية التي كانت في هذا العهد بين مملكة معين ومملكة حضرموت. وقد جاء فيها إن "معد يكرب" ملك حضرموت وقف حصن "خرف" للإله "عثتر ذ قبضم"، وقد بنى ذلك الحصن "شهر علن بن صدق آل" ملك "حضرموت" ونذره للإله "عثتر ذ قبضم" و "عثتر شرقن" و "ود" و "نكرح"، وقدمه إلى ابن أخيه "اب يدع يثع" ملك )معين(، و شعب معين.
وورد اسم الملك "معد يكرب بن اليفع يثع" في الكتابة الموسومة ب: Halevy، وهي من الكتابات التي عثر عليها في خرائب مدينة "يثل"، و تتحدث عن إنشاء بناء في مدينة "وكل"، كما ورد اسم الملك "اب يدع يثع" واسم "معد يكرب بن اليفع" في كتابة أخرى عثر عليها في "يثل" أيضاً. وورد اسم "اب يدع يثع" في ثلاث كتابات أخرى. وورد في اثنين منها اسم ابنه "وقه آل ريم" "وقه ايل ريام" معه.
وتشير هذه الكتابات إلى إن "معد يكرب بن اليفع يثع"، أي ابن أخي "
أب يثع بن اليفع ريام" كان معاصراً ل "اب يدع" وان الصلات بين ابني الشقيقين كانت وثيقة وحسنة. وهي كتابات تفيد المؤرخ بالطبع كثيراً في محاولاته لوضع قائمة بأسماء ملوك حضرموت وملوك معين، إذ إنها جعلتنا نتفق في إن حكمي الملكين كانا في زمن واحد تقريباً، ومكّنتنا.ذلك من تثبيت أسماء بقية أسرتيها على هذا الأساس بحيث لا يبقى هنا موضع للجدل في موضع ترتيب أسماء رجال هذه الأسرة الحاكمة في حضرموت وفي معين.
ومن الكتابات المعينية المهمة، كتابة رقمت برقم Glaser 1115=Halevy 535، Halevy 578، ترجع أيامها إلى أيام الملك "اب يدع يثع". وهي تتحدث عن حرب وقعت بين "ذيمنت" و "ذ شامت"، أي بين الجنوب والشمال، ولا يعرف مقصود الكتابة من الجنوب ومن الشمال على وجه أكيد. وقد ذهب "ونكلر" إلى إن المراد ب "الجنوب" حكومة معين، وان المقصود من الشمال حكومة عربية، هي حكومة "أريبى" التي كان يمتد سلطانها على زعمه، إذ ذاك إلى ارض دمشق. وقد دونت هذه الكتابة لمناسبة نجاة قافلة كبيرة ضخمة من غزو تعرضت له بين موضع "معن" أي "معين" على قراءة، أو موضع "ماون" "ماوان" على قراءة أخرى: وبين موضع "ركمت" "ركمات". و إذا صح إن الموضع الأول المذكور هنا هو "معن"،
فبكون الهجوم على القافلة المذكورة قد و.قع ف!ما بين "مص ين" العاصمة وموضع "رممت". و إذا كان الموضع "مون" أو "ماوان"، يكون الهجوم قد وقع عليها في المنطقة التي بين "مون" "ماوان" و "ركمت".
ولا نعلم من أمر "مون" "ماوان" شيئاً على وجه التأكيد، وقد ذكر "ياقوت الحموي" اسم موضع دعاه "ماوان"، قال عنه: "واد فيه ماء بين النقرة والزبدة، فغلب عليه الماء، فسمي بذالك الماء ماوان.
وقد أمر بتدوين هذه الكتابة "عم صدق" "عميصدق" "عم يصدق"، "عم صديق" ابن "حم عثت"، "ذو يفعن" و "سعد بن ولك" "ذو ضفكن"، و كانا "كبر" كبيرين على "مصر" وعلى "معن مصون" "معين مصران". وقد أمر بتدوينها، شكراً لآلهة معين: "عثتر ذو قبض" و "ود" و "نكرح"، لأنها نجت القافلة وأنقذتها من الوقوع في أيدي الغزاة، كما قاما بتزيين معبد "تنعم"، وذلك في عهد ملك "معين" "أب يدع يثع". وقد ورد في الكتابة ذكر حرب وقعت بين "مذى" و "مصر" في وسط "مصر". وقد!شكر الآلهة على إن سلمت أموال المعينيين في هذه المنطقة أيضاً، وحفظت أرواح رجال القافلة وشملتها برحمتها وحمايتها إلى إن أبلغتها حدود مدينتهم "قرنو"، شكراً وتسبيحاً بحمد "عثتر شرقن" "عثتر الشارق" و "عثتر ذو قبض" و "ود" و "نكرح" و "عثتر ذي يهرق" "وذات نشق" كل آلهة معين، و "يثل"، وملك معين "أب يدع يثع" و بابني "معد يكرب بن اليفع"، وشعبي معين و يثل.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:30 AM
ولم يرد في الكتابة ذكر الجهة التي كانت تقصدها هذه القافلة، أكانت متجهة من معين نحو الشمال، أي من اليمن نحو بلاد الشام، أم كان اتجاهها على العكس من "معين مصران" نحو الجنوب قاصدة اليمن، ولكن القرائن تدل إنها كانت راجعة عائدة أي متجهة نحو اليمن، نحو العاصمة "قرنو"، وقد تعرضت لأخطار كثيرة بسبب الحرب المذكورة وبسبب الغزو الذي تعرضت له، وهي في طريها إلى وطنها.
وقد كانت مثل هذه القوافل هدفاً ممتازاً للقبائل والعشائر وقطاع للطرق، لما تحمله من أموال. وهي وان أمنت على نفسها باتفاقات تعقدها الحكومات ويعقدها أصحاب الأموال مع سادات القبائل الذين تمر الطرق من مناطق نفوذهم، إلا إن مثل هذه الاتفاقات لم تكن كافية لحماية الأموال المغرية التي تحملها الجمال من طمع الطامعين فيها. وقد يقع الاعتداء من قبائل أخرى معادية لسادات القبائل الذين يحمون تلك الطرق. ولهذا كانت أموال التجار معرضة دائماً للأخطار، وعلى التجار أيضاً زيادة أسعار أموالهم، بسبب الضرائب المستمرة التي يدفعونها لسادات الطرق، وبسبب الزيادات التي يفرضونها في إتاواتهم هذه، وإلا تعرضت القوافل للسلب والنهب. ولهذا لا غرابة إن نذر التجار لآلهتهم وحمدوها وسبحوا بأسمائها عند عودتهم سالمين من تجارتهم، أو عادت قوافلهم سالمة، فيوم العودة هو في الواقع يوم فرح وعيد.
واختلف الباحثون في تعيين الحرب التي نشبت في وسط مصر بين "مذى" و "مصر" اختلفوا في تعيين زمن وقوعها كما اختلفوا في تثبيت هوية المتحاربين. فذهب بعضهم إلى إن المراد من "مذى" "الماذيين"، ويراد بهم "الماديون" "الميديون"، وهم طبقة من طبقات الايرانيين، ورأوا إن المعينيين كانوا قد أطلقوا "مذى" علهم محاكاة لبني إرم، وكانوا على اتصال وثيق بهم. ولهذا دعوا ب "مذى" في هذه الكتابة. ومن بني إرم تعلم المسلمون نسبة "الماذيين" "الميذيين"، فقالوا إنهم من نسل "ماذي بن يافت بن نوح". وقد ذكر الطبري اسم "كيرش الماذوي".ف "مذى" و "ماذي" اذن بمعنى "مادي" و "ميديا" Media. و "ماذي" هو "مادي" الابن الثالث ليافت في التوراة ومن نسله تسلسل الماديون.
وذهب "فلي" إلى إن "مذي" هم "المدينيون"، أهل مدين "المديانيين" الذين عرفوا بتحرشهم بالعبرانيين. وهم سكان ارض "مديان" "مدين"، وهي أرض واسعة تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء. ويرى إن الحرب المذكورة قد وقعت بينهم وبين أهل "معن مصرن" أي "معين المصرية". وراى "هومل" إن "مذي" هم جماعة من بدو طور سيناء.
ونجد "فلبي" نفسه، يخالف نفسه في مناسبات أخرى، فقد ذهب مرة إلى إن "مذي" هم جماعة عرفوا به "مذوي" Madhoy أو Maroe أو Maziou، وبين هؤلاء وبين "مصر" وقعت تلك الحرب.
و اختلفوا في زمن وقوع تلك الحرب، فذهب "ونت" إلى إن الحرب المذكورة في هذا النص، حرب "مذي" و "مصر" هي الحرب التي وقعت بين "الميديين" والمصريين في سنة "343 ق. م.". وقد استولى فيها "أرتحشتا أوخوس" "أرطخشت أوخوس" Artaxerxes Ochus على مصر. وإلى هذا الرأي ذهب "البرايت" Albright كذلك أما "ملاكر" K. Mlaker إن هذه الحرب، هي الحرب التي وقعت في حوالي سنة "525ق. م." فادت إلى فتح "قمبيز" "كمبيس" Cambyses لمصر. ومن اختلافهم في قدير زمن وقوع هذه الحرب، اختلفوا في زمن حكم "اب يدع يثع" ملك معين، وفي حكم سائر ملوك معين، من مبدأ أول ملك إلى س آخر ملك من ملوك هذه الدولة.
وقد ذهبت "بيرين" J. Pirenne إلى إن الحرب المذكورة وقعت في الفترة الواقعة فيما بين "210" إلى "205 ق. م."،وأن المراد من "مذي" "السلوقيون" ومن "مصر" البطالمة، وأنها قد تشير إلى الاستيلاء على "غزة" في سنة "217 ق. م." تقريبا، وإلى المعركة التي تلتها ووقعت عند موضع Rapheia.
ويرى البعض إن لفظة "مذي" إنما كانت تعني الحكومة التي تحكم العراق، ولو لم تكن من "الماذويين" "الجديين"، وأن "مصر" تعني الحكومة التي تحكم مصر من غير تقيد بجنسية الحاكمين لها. ويستشهد على هذا بورود لفظة "مذي" "همذي" في نص "صفوي" من سنة "614" للميلاد، وقد قصد بهم "الفرس". ويرى إن اطلاق لفظة "همذي" أي "الميذيين" على الفرس لا يثير اعتراضاً كبيراً مثل الاعتراض الذي يثار حول تفسير "مذي" ب "سلوقيين"، إذ إن الساسانيين هم فرس، والماذيين فرس كذلك، وان كانوا من جيلين مختلفين،
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:32 AM
أما "السلوقيون"، فقد كانوا يوناناً، وليست لهم علافة يالفرس، ثم من يدرينا إن أهل ذلك العهد من العرب كانوا يطلقون على كل من يحكم العراق، "ميذيين" "مافويين"، وفي جملتهم هؤلاء السلوقيون.
هذا وقد ورد في النص اسم أرض دعيت "ااشور" "ااشر"، ووردت معها لفظة "مصر". وقد ذهب بعض الباحثين فبه إلى إن الكبيرين المذكورين كانا يمثلان ملك معين في "مصر"، أو في "صور" على بعض القراءات وعند ملك "ااشر" "ااشور" و "عبر نهران". وذهبوا إلى إن "ااشر" "ااشور" هي "آشور"، أو البا دية. أما "هومل" و "كلاسر" فذهبا إلى إن المراد من "ااشور" أرض تقع على حدود مصر، سكنها شعب دعي في التوراة ب "اشوريم" Asshurim، وهم "ولطوشيم" Lutushim و "لويميم" Leummim قبائل عربية جعلتها التوراة من نسل "ددان" Dedan "ديدان" من إبراهيم من زوجه "قطورة". وقد ورد في "التركوم" Taegum إن معنى "اشوريم" سكان الخيام. وقد وردت اللفظة "ااشور" "اشور" Ashur في كتابتين معينيتين.
وعلى راي "هومل" و "كلاسر" يكون الكبيران المذكوران في الكتابة، وهما أصحابها، قد حكما ومثلا ملك معين في معين المصرية" وفي أرض "ااشور" أي في منطقة تمتد من مصر إلى "بئر السبع" Beersheba و"حبرون" Hebron. وهي طور سيناء عند "هومل"، والأرض الواقعة بين السويس إلى "غزة" وجنوب فلسطين عند "كلاسر".
وأما الميغرون على القافلة والذين أرادوا الاستيلاء عليها، فهم قوم من "سبأ" و "*********ان على رأي الباحثين. وقد ورد اسم ال*********انيين في نصوص عربية جنوبية مما يدل على إنهم كانوا من القبائل المعاصرة للسبئيين.
ويتبين من هذا النص إن حربين قد نشبتا قبل تدوينه، حرب نشبت بين "ذيمنت" و "ذ شامت"، أي بين سادة الجنوب وسادة الشمال، وحرب أخوى هي الحرب التي نشيت ببن "مذي" و "مصر". وقد أصاب المعينيين من هاتين الحربين خسائر كبيرة. أما متى نشبت الحربان وكم كانت المدة بينهما، وبين الهجوم على القافلة المعينية المذكورة، فليس من الممكن تقديم أجوبة عنها مقنعة ومقبولة، لقلة ما لدينا من كتابات ووثائق، وقد رأينا اختلاف أهل العلم في تقدير تأريخ هذا النص، بسبب أخذهم بالحدس والتخمين، لذلك أرى إن من الصواب ترك هذه الإجابة إلى المستقبل.
وقد رأينا إن هذا النص دوّن في أيام الملك "اب يدع يثع"، وقد أشير فيه إلى ابني "معديكرب بن اليفع" إلا إنه لم يذكر اسميهما ولا نعتهما فجعلنا بذللك بجهل من أمرهما. وهذا لم يتمكن الباحثون من وضعهما في قائمة ملوك حضرموت. إلا إن "فلبي" ذكر انهما لم يتربعا على عرش تلك المملكة لأنها ضمت إلى معين وبقيت مدة قدرها بحوالي ثلاثة قرون مندمجة فيها إلى حوالي السنة "650" قبل الميلاد حين انفصلت عن معين، وتولى الحكم عليها - على رأيه - الملك "السمع ذبيان بن ملككرب".
وذكر اسم الملك "ابيدع يثع"، واسم ابنه "وقه آل ريم" "وقه أيل ريام" في النص الذي وسم ب Rep. Epig., 3535، وهو نص دوّنه "سعد ابن هوفعثت" من "آل ضفجن" "آل ضفجان" "آل ضفكان" عند بنائه "مذبا" "مذابا"، وصاحب هذه الكتابة هو من العشيرة التي ينتمي إليها صاحب الكتابة Glaser 1155 المذكورة. وقد كان "كبيراً" كذلك. تولى إدارة مقاطعة "معن مصرن" "معين مصران"، أي "مصين المصرية"، وقد دعيت، بذلك لأن سكانها من المعين الساكنين في الشمال في العلا وما جاورها على الحدود المتاخمة لشرق "مصر". وقد تيمن بهذه المناسبة على عادة العرب الجنوبيين بذكر آلهة معين ثم ملك معين وابنه، مما يدل على إن ابنه كان يشاركه يومئذ في تدبر الأمور، كما شكر "مجلس معين" و "مشود معن" "مزود معين".
وجاء بعد "اب يدع يثع" "أبيدع يثع" على عرش معين الملك "وقه آل ريم" "وقه ايل ريام" ابن الملك "أبيع يثع" "أب يدع يثع". وابن "هوف عث" "هو فعث" على رأي "فلبي". أما "البرايت"، فقد جعله في موضع ابن "هو فعث"، غير إنه عاد في مواضع أخرى، فجعله ابنا من أبناء "أب يدع يثع".
وانتقل الحكم إلى "حفن صدق" "حفن صديق" بعد "أب يدع يثع"، وهو ابن "هوفعث" على رأي "فلبي"، وابن "وقه آل ريم" "وقه ايل ريام" على رأي "البرايت". وكان "البرايت" قد جعله في بحث آخر نشره من قبل شقيقياً ل "وقه ايل ريام"، أي إنه جعله أحد أبناء "أب يدع يثع".
ثم صار الحكم إلى "اليفع يفش" بعد "حفن محدق"، وهو ابنه على رأي "فلبي" أما ! البرايت" فقد ذكر في بعض من بحوثه إنه ابنه، غير إنه وضع أمام قوله هذا علامة استفهام إشارة إلى إنه غير واثق برأيه كل الوثوق، ووضع في بحث له أخر في ملوك المعينيين جملة اشترك مع "حفن صدق في الحكم"، من غير إن يشير إلى علاقته به.
ووضع "فلبي" فراغاً بعد اسم "اليفع ي فش"، لا يدري من حكم فيه، قدره على عادته بعشرين عاماً، ويقابل ذلك حوالي السنة "870 ق. م."، وجعل نهايته في سنة "850 ق. م."، ثم وضع بعده أسرة جديدة، زعم إنها -حكمت معيناً على رأسها "يثع أيل صديق" "يثع آل صدق" ولا نعرف الآن من أمره شيئاً إلا ما ورد في كتابة من الكتابات من أنه بنى حصن "يشبم" "يشبوم"، وأنه والد "وقه آل يثع" "وقه أيل يثع" ملك معين. و "وقه آل يثع" هو والد "اليفع يعشر" الذي ضعفت في أيامه حكومة معين كما يظهر ذلك من كتابة كتبها أهل "ذمرن" "ذمران" لمناسبة وقفهم وقفاً على معبدٍ، إذ ورد: "في أيام سيدهم، وقه آل يثع وابنه اليفع يشر، ملك معين، وباسم سيدة شهر يكل يهركب ملك قتبان". ويظهر منها إنها كتبت في أيام "وقه آل يثع"، وكان ابنه "اليفع" يحمل لقب "ملك"، كذلك وأن حكومة قتبان كانت أقوى من حكومة "معين"، ولهذا اعترف ملك معين بسيادة ملك قتبان عليه.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:34 AM
وقد ورد اسم "اليفع يشر" في كتابات أخرى، منها الكتابة الموسومة Glaser 1144=Halevy قد دونت بأمر جماعة م ن أهل "نيط" لمناسبة قيامهم بترميمات و إصل*********ت في الأبراج وحفر قنوات ومسايل للمياه تقرباً إلى آلهة معين. ومنها كتابة دونت في "نشن" "نشان"، وكتابة دونت في "قرنو"، ويظهر من هذه الكتابة الأخيرة ما يؤيد رأي القائلين إن حكومة قتبان كانت اقوى من حكومة معمين إذ ذاك، و إنها فرضت نفسها لذلك عليها إلا إن هذا لا يعني إنها فقدت استقلالها وصارت خاضعة لحكومة قتبان فإننا نرى إنها بقيت مدة طويلة بعد هذا العهد محافظة على كيانها، وعلى رأسها ملوك منهم الملك "حفن ريم" "حفن ريام" وهو ابن "اليفع يشر" وشقيقه "وقه آل نبط" و "كه ايل نبط".
وورد اسم "اليفع بشر" في كتابتين عثر عليهما في "الديدان" "ددن" "ددان" "العلا"، أمر بتدوين إحداهما "وهب آل بن حيو ذعم رتنع" "عمى رتنع" من أعيان المعينيين في الشمال ومن "الكبراء". وأما الكتابة الأخرى فتعود ل "يفعن" "يفعان" من رؤساء "ددان" كذلك. وقد كان هذان الرجلان من أسرتين كبيرتين عرفتا في أيام معين المتأخرة وفي عهد اللحيانيين، وورد اسم الأسرتين في عدد آخر من الكتابات.
وورد في النص الموسوم ب Rep. Epigr., 3707 اسم الملك "وقه آل نبط" وورد فيه اسم المدينة "قرنو" العاصمة. وهذا النص دون في أيام "هنا فامن" "هانىء فأمان" الذي كان كبيراً على هذه المنطقة التي دُوّن فيه النصر، وهي منطقة "الخريبة" في أرض مدين أي في الأرضين التي سكنها المعينيون الشماليون. والملك المذكور هو ابن الملك "اليفع بشر" وشقيق الملك "حفن ريام".
أما "البرايت"، فقد وضع هذه الأسرة التي يرأسها "يثع ايل صدق"، في نهاية الأسر الحاكمة لحكومة معين. وتتألف عنده من "يثع ايل صدق"، ومن "وقه ايل يثع" ابنه، ومن "اليفع بشر"، ومن "حفن ريام"، ومن "وقه ايل نبط"، وقد كان حكم "وقه ايل صدق" - على رأيه - في حوالي السنة "150 ق. م.". وكان تابعاً للملك "شهر يبل يهرجب" "شهر يكل يهركب" ملك قتبان.
وترك "فلبي" بعد اسم "حفن ريام" و "وقه ايل نبط" فراغاً لا يدرى من حكم فيه، قدره بعشرين عاماً، ويبدأ - على رأيه - من سنة "770" وينتهي بسنة "750 ق. م."، ثم وضع بانتهائه ابتداء أسرة أخرى جديدة، جعلها الأسرة الرابعة من الأمر التي حكمت حكومة معين. وقد ابتدأها بي "ابيدع ريام"، ثم بابنه "حل كرب صدق" "خال كرب صديق". وقد ورد اسمه في كتابة وجدت في "قرنو" لمناسبة "تدشين" معبد "لعشتر ذ قبض" "عثتر ذو قبض"، وكان له ولدان، هما: "حفن يثع" و "أوس" وقد تولى "حفن يثع" عرش "معين" بسد وفاة أبيه"، ومن الجائز -
على رأي "فلبي" - إن يكون شقيقه "أوس" قد اشترك معه في الحكم.
وورد عهد الملك "خلكرب صدق" "خالكرب صديق" "خالكرب صادق" في الكتابة المرقمة ب Glaser 1153=Halevy 243، وذلك لمناسبة تقديم جماعة ذكرت أسماؤهم في الكتابة نذراً إلى الآلهة "عثتر ذ فبض" في معبده بي "رصف" "رصاف" "رصفم" لقبيلة "هورن" "هوران". فذكروا إن ذلك كان تيمناً بآلهة "معين" و "يثل" في عهد هذا الملك. وأما الرجال الذين قدموا ذلك النذر، فهم: "مشلك بن حوه" من "خد من" "خدمان" "آل خدمان" من قبيلة "زلتن" "زلتان"، و "أوس بن بسل" "باسل من "آل وكيل" "ذو كل" و "متعن بن حمم" "متعان بن حمام" من "آل وكيل"، "ذو كل" و "باسل بن لحيان". من "آل وكيل" و "ثني بن أيانس". من قبيلة "معهرم" "معهر"، و "مذكر بن عمانس" من "حرض" وآخران. وقد ذكر بعل اسم الملك اسم "الكبير" "كبر" 6 الذي كان يحكمهم، وهو "مشك" من "آ ل خد من" "آل خدمان".
ويرى "فون وزمن" إن الملك "خل كرب صدق"، "خال كرب صديق"، هو الذي بنى معبد "رصف"، "رصفم"، المعبد الشهير عند المعينيين. ويقع هذا المعبد خارج سور "قرنو" العاصمة، على مسافة حوالي "750" متراً من المدينة. وقد عثر في أنقاضه على عدد من الكتابات.
وتيمن من بذكر الملك "خالكرب صديق" ملك معين في نص آخر، دوّنه "مشك بن حوه" من "آل خدمان" من قبيلة "زلتان" أي الشخص الذي مرّ ذكره في الكتابة السابقة بالاشتراك مع أناس آخرين، هم: "حيوم بن هوف" و "وينان" 2 و "مأوس" ابن عمه من "آل كزيان"، "جزيان" و "هبان" "وهب" وأخوه "اكر" ابنا "صبح" من "آل جزيان"، و "اوسان"، وجماعة آخرون سقطت أسماؤهم من الكتابة. وقد ذكر بعد اسم الملك اسم "الكبير" الذي في عهده كتبت الكتابة وهو "مشك ذ خدمان" أي "مشك" من "آل خدمان" أو "كبير خدمان" "ذو خدمان" وهو الكبير المذكور في الكتابة السابقة.
وقد ورد اسم هذا الملك في الكتابة الموسومة ب Halevy 241+242. وقد أمر صاحبها بتدوينها لمناسبة تبحيره بئره المسماة "ثمر" "ثمار" على مقربة من معين وتوسيعها وطيها "أي بنائها"، وتسويره مزارعه وقد قوّى وحصن البرج المشرف عليها. وتيمناً بهذه المناسبة، ذكر اسم "عثتر ذ قبض" و "ود" و "نكرح" و "عثتر ذ يهرق" آلهة سعين، والملك "خالكوب صديق" وشعب معين.
أما "البرايت"،فكان قد ذكر في نهاية بحث له نشره في سنة "1950 م" عن ملوك معين إن هناك ما لا يقل عن خمسة ملوك نعرفهم إنهم من ملوك معين غير إننا لا نستطيع إن نعرف مواضعهم التي يجب إن يوضعوا فيها بين ملوك معين. و هؤلاء الملوك هم: "أبيدع ريام"، ثم ابنه "خلكرب صدق" "خليكرب صديق" "خال كرب صديق"، ثم ابنه "حفنم يثع" "حفن يثع"، ثم "يثع ايل ريام" وابنه "تبع كرب".
ثم عاد "البرايت" فغير رأيه في بحثٍ نشره في سنة 1953 م في هذا الموضوع أيضاً: موضوع ترتيب ملوك معين. فقد وضع اسم "يثع ايل ريام" بعد اسم "عم يثع نبط" وهو ابن "اب كزب" "أبكرب". وقد حكم - على رأيه - بعد "اليفع يفش" وذلك في حوالي السنة "300 ق. م."، ثم وضع بعده اسم "تبعكرب" "تبع كرب"، وهو ابن "يثع ايل ريام" ثم ذكر اسم "خليكرب صدق" "خاليكرب صديق" "خال كرب صديق" من بعده، وهو ابن "أبيدع ريام"، وقد كان حكمه في حوالي السنة "250 ق. م."، ثم جعل اسم "حفن يثع" من بعده وهو ابنه. وبذلك قدّم هذه الأسماء في هذا البحث بأن جعلها في المجموعة الأولى من المجموعات الثلاث التي حكمت مملكة معين.
وقد ختم "فلبي" قائمته لأسماء ملوك معين بان وضع فراغاً مقداره عشرون عاماً، لا يدرى من حكم فيه، أنهاه بسنة "670 ق. م."، ثم تحدث عن أسرة خامسة زعم إن أعضاءها هم: "يثع ايل ريام"، وقد حكم في حوالي السنة "670 ق. م."، ثم "تبع كرب " وهو ابنه وقد كان حكمه من سنة "650 ق. م." حتى سنة "630 ق. م.". وكان له شقيق اسمه "حيو" "حي" ربما كان قد شاركه في الحكم. وبذلك أنهى "فلبي" قائمته لملوك "معين".
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:36 AM
وقد وضع "البرايت" قائمة رتب فيها ملوك معين، نجعل أولهم "اليفع يثع"، وقد حكم على رأيه حوالي سنة "400 ق. م."، وابن "صدق ايل" ملك حضرموت. وعندي إن البدء بهذا الملك على إنه أقدم ملوك معين، يدل على إن مملكة معين كانت في أقدم عهودها خاضعة لمملكة حضرموت، وهو يحتاج إلى دليل، ولم يرد في نص إن حكومة معين كانت خاضعة في بادئ الأمر لحكومة حضرموت، ثم استقلت عنهما، بل يذهب أكثر علماء العربيات الجنوبية إلى تقدم معين على حضرموت في القدم. ويلاحظ أيضاً إنه جعل الملك "يدع ايل" على رأس قائمة ملوك حضرموت وقد كان هذا الملك على رأيه أيضاً معاصراً للملك "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر"، وقد حكم على رأيه حوالي سنة "450 ق. م.".
والواقع إننا لا نستطيع التحدث عن صلة "صدق ايل" ملك حضرموت بمعين بصورة جازمة، وان كان الغالب على الظن إنه كان ملكاً على شعب معين وشعب حضرموت. ولكننا لا نستطيع إن نؤكد إنه كان حضرمياً، كما إننا لا نستطيع إن نقول جازمين إنه من معين. وقد سبق إن تحدثت عنه، والظاهر إنه كان ملكاً أيضاً على معين، وقد سبقه بالطبع جملة ملوك حكموا دولة معين كانوا من المعينيين. أما ابنه "اليفع يثع"، الذي جعله "البرايت" أول ملوك معين، فقد ورث عرش معين من أبيه على نحو ما رأى "فلبي"، على حين ورث شقيقه "شهر علن" "شهر علان" عرش حضرموت. وهذا يدل على إن رابطة دموية كانت تربط بين حكام الشعبين، يؤيد ذلك إن "معد يكرب ابن اليفع يثع" هو الذي تولى عرش حضرموت بعد "شهر علن" أي بعد وفاة "عمه"، وأبوه كما رأيت ملك معيناً.
وجعل "البرايت" "حفن ذرح" بعد "اليفح يثع"، وهو ابنه ولعله الابن الأكبر، وهو شقيق "معد يكرب" ملك حضرموت، أي إن ولدي "اليفع يثع" كانا قد اقتسما تاج معين وتاج حضرموت.
وتولى عرش معين بعد "حفن ذرح" "اليفع ريام"، وقد تولى أيضاً عرش حضرموت على رأي "البرايت"، ثم تولى بعده "هوف عث"، ثم "اب يدع"، وهو شقيقه وابن "اليفع ريام"، وإلى ايامه يعود النص المعروف ب Halevy 535 +578،الذي يتحدث عن حرب نشبت بين "مدي" "ماذي" و "مصر". ويرى "البرايت" استناداً إلى هذا النصر إن حكمه يجب إن يكون في حوالي عام "343 ق. م." أما "فلبي" فقد جعل حكمه في حوالي عام "935 ق. م."، وجعله العاشر بحسب تسلسل الملوك. وتتشابه قائمة "البرايت" وقائمة "فلبي" في تسلسل المجموعة التي تولت حكم معين هي والتي تبدأ ب "اب يدع يثع" وتنتهي ب "اليفع يفش"، ثم تختلف قائمته عن قائمة "فلبي"، إذ يذكر "فلبي" أسرة جديدة، يرى إنها حكمت بعد تلك الأسرة بمدة قدرها بزهاء عشرين عاماً، على عادته في تقدير متوسط مدة حكم كل ملك من الملوك وتبدأ على رأيه ب "يثع ايل صديق" ثم بابنه "وقه ايل يثع". ثم ب "اليفع يشر" ثم ب "حفن ريام" ابن "اليفع يشر"، ثم "وكه ايل بنت" "وجه ايل نبط". أما "البرايت" فيذكر، قبل هذه السلالة التي تبدأ ب "اليفع وقه"، ثم ب "وقه ايل صديق" ثم ب "اب كرب يثع"، ثم تنتهي ب "عم يثع نبط" "نبط". وقد حكم "اليفع وقه" على رأي "البرايت" في حوالي سنة "250 ق. م.". على حين قدم "فلبي" هذه السلالة وجعلها في رأس قائمة ملوك معين. وقد حكم "اليفع وقه" على رأيه حوالي سنة "1120 ق. م.".
وذكر "البرايت" بعد الأسرة المتقدمة أسرة أخرى جعل على رأسها "يثع آل صدق"، ثم "وقه آل يثع"، وهو ابن "يثع آل صدق"، وقد ذكر أنهما كانا تابعين للملك "شهر يجل يهرجب"، ملك قتبان الذي حكم على تقديره في حوالي سنة "150 ق. م."، وجعل بعد "وقه آل يثع" ابنه الملك "اليفع يشر" وقد ورد اسمه في كتابة عثر عليها في "ددان" "ديدان"، ثم جعل من بعده ابنه "حفن عم ريام"، ثم شقيقه "وشه آل نبط". وقد ورد اسمه في كتابة "ديدان".
و ذكر "البرايت" إنه لا يستطيع تعيين زمن حكم الملوك "اب يدع ريام" وابنه "خلكرب صدق"، وابنه "جفن عم يثع"، و "يثع آل ريام"، ويرى "فون وزمن" احتمال كون "اليفع يشر الثاني" هو آخر ملك من ملوك معين. وقد لقب "البرايت" هذا الملك "بالثاني"، أيضاً ليميزه عن ملك آخر عرف بهذا الاسم وضعه في الجمهرة الثانية من الجمهرات الثلاث التي صنعها لملوك معين، لهذا دعاه ب "الأول". وقد جاء في الكتابة الموسومة ب REP. Epig. 3021 اسمه واسم "شهر يجل يهرجب" ملك قتبان، كما سبق إن ذكرت. وهذا مما يدل على إنه كان معاصراً لملك شبان المذكور. وقد حكم فيما بين السنة "75 ق. م." والسنة "50ق. م." 0 أما "فون وزمن"، فيرى إن حكمه كان في حوالي السنة "45 ق. م.".
وقد عاد "البرايت" كما قلت سابقاً فأعاد النظر في قائمته المذكورة التي وضعها لملوك معين، فقدم وأخر ووضع تواريخ جديدة، أثرت إلى بعضها فيما سبق وسأنقل قائمته نقلاً كاملاً في نهاية هذا الفصل.
ويلاحظ إن ملوك معين، وكذلك ملوك سائر الحكومات العربية الجنوبية، كانوا يحملون ألقاباً مثل "يثع" بمعنى المنقذ أو المخلص، و "صدق" "صدوق" أي "الصادق" و "العادل" و "الصدوق"، و "ريم" "ريا م" بمعنى "العالي" و "نبط" بمعنى "المضيء"، و "وقه" بمعنى "المجيب" و "المطيع"، و ربما بمعنى "الآمر" و "يفش"، بمعنى "الفخور" و "المتكبر" أو "المتعالي"، و "يشر" بمعنى "المستقيم" و "فرح"، بمعنى "الوضاح"، أو "لمنير" أو "المشرق"، و "وتر"، بمعنى "المتعالي"، و "بين" بمعنى "الظاهر" والبين. إلى غير ذلك من ألقاب ترد في الكتابات المعينية و السبئية والقتبانية والحضرمية والكتابات الأخرى.
ومما يلاحظ أيضاً إن ملوك الروم والرومان والفرس، كانوا أيضاً يتلقبون بمثل هذه الألقاب. وقد تلقب الخلفاء والملوك بمثل هذه الألقاب في العصور ألعباسية. أما الخلفاء الراشدون والأمويون، فلم يميلوا إلى استعمالها، ولعل استعمال العباسيين لها كان تشبهاً بفعل الملوك المذكورين، وبتأثير الموالي الذين نقلوا إلى المسلمين كثيراً من رسوم الملك عند الفرس واليونان.
وقد ورد في الكتابة الموسومة ب Halevy 208، وهي من "معين" اسم ملك من ملوك معين، هو "اليفع يثع"، وذكر بعده اسم "ابيدع" "أبي دع" ولم يلقب أي واحد منهما بلقب "ملك"، وإنما ذكرا بعد ذكر أسماء آلهة معين. و جاء بعد ذلك في جملة تالية "وملوك معين".
ويظهر بوضوح من هذا النص إن "اليفع يثع" و "أبيدع" كانا ملكين من ملوك مدين. وأن في عهدهما دونت هذه الكتابة، تيمناً باسمهما، وتخليداً لتأريخها، وقد لاحظت إن الباحثين في حكومة معين لم يشيروا إلى اسميهما في ضمن القوائم التي وضعوها لحكام تلك الحكومة.
حكومات عدن
انقرضت حكومة "معين" و حلت محلها حكومة "سبأ" غير إن هذا لا يعني انقراض شعب معين بانقراض حكومته، وذهابه من عالم الوجود، إذ ورد اسم المعينين في عدد من الكتابات المعينية التي يرجع عهدها إلى ما بعد عهد سقوط حكومتهم، كما ورد اسمهم في المؤلفات الكلاسيكية التي تعود إلى القرن الأول للميلاد. وقد سبق إن ذكرت رأي المتخصصين في العربيات الجنوبية في هذا الموضوع. أما متى خفي اسمهم من عالم الوجود خفاء تاماً، فذلك سؤال لا تمكن الإجابة عنه الآن، إذ يتطلب ذلك التأكد من إننا قد وقفنا على جميع الكتابات العربية الجنوبية والمؤلفات الكلاسيكية، و لا أخال إن في استطاعة أحد إثبات هذا الادعاء.
أعود فأقول: تباينت آراء العلماء في تعيين الزمن الذي ظهرت فيه مملكة "معين" الوجود، كما تباينت في نهايتها. كذلك ذهب "البرايت" إلى إن النهاية كانت في حوالي سنة "100 ق. م.". ثم عدل عن ذلك فجعلها في النصف الأول م ن القرن الأخير قبل الميلاد، بين سنة "50" وسنة "25" قبل الميلاد. وجعلت "بيرين" نهايتها في حوالي سنة "100 ب. م.". والذي أرجحة إن نهايتها كانت بعد الميلاد، لوررد اسمها مملكة إلى ما بعد الميلاد.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:38 AM
و قد جعل "البرايت" في أحد رأييه في سقوط حكومة معين سنة "115" قبل الميلاد، وهي مبدأ التقويم السبئي، هي سنة زوال حكم معين، فلأهمية هذه الحادثة اتخذت مبدأ لتقويم يؤرخ به. وذهب آخرون إلى إن نجم معين أخذ في الأفول صة بين سنة "125" وسنة "75 ق. م.".
وفي خلالة الفترة التي انصرمت بين أواخر أيام حكومة معين و اندماجها ا نهائياً في مملكة "سبأ"، ظهرت حكومات صغيرة يمكن إن نشبهها بحكومات المدن، انتهزت فرصة ضعف ملوك معين، فاستقلت في شؤونها، ثم اندمجت بعد ذلك في سبأ. ومن هذه الحكومات "هرم" "الهرم" و "نش" "نشان" و "كمنت" "كمنه" "كمنهو"، "كمنا" وغيرها. و يمكن اعتبار مملكة "لحيان" التي كان مركزها في "الديدان" "ددن"، أي "العلا" من الحكومات التي استقلت في أيام ضعف المعينين، وقد كانت في الأصل جزءاً من أرضي هذه المملكة يحكمها كبير.
وقد عرفنا من الكتابة الموسومة ب Halevy 154 ملكاً من ملوك "هرم" سمي "يذمر ملك". وقد غزا مدينة "نشن" "نشان". ودمرها تنفيذاً لطلب الملك "كرب أيل وتر" ملك سبأ، الذي كان معاصراً له، وقد وهب له "كرب ايل وتر" في مقابل هذه الخدمة جزءاً من ارض "نشن" عرف بخصبه وبوجود الماء فيه. وقد ورد اسمه في عدد آخر من الكتابات.
وكان له،لد اسمه "بعثتر" جلس على عرش "هرم"، وشقيق اسمه "وروال ذرحن" "وروايل ذرحان".
وقد ورد في النص الموسوم ب Glaser 1058 اسم ملك آخر من ملوك "هرم" هو "معد كرب ريدن" "معد يكرب ريدان"، وأبوه هو "هوتر عثت".
وقد تبين من فحص الكتابات المدونة في مملكة "هرم" أن لها خصائص صرفية و نحوية تستحق العناية والدرس، ويظهر أن هذه الخصائص إنما نشأت من موقع هذه المدينة ومركزها السياسي والأحداث السياسية التي طرأت عليها، ومن الاختلاط الذي كان بين سكانها، فاثر كل ذلك في لهجة السكان. ويرى "هارتمن" أن لهجة كتابات "هرم" من اللهجات التي يمكن ضمها إلى الجمهرة التي تستعمل حرف "ه" في المزيد مقابل حرف "س" في الجمهرة التي تستعمل هذا الحرف في الفعل المزيد.
?مملكة كمنه
ومن ملوك مملكة "كمنه" "كمنهو"، الملك "نبط علي"، وقد ورد اسمه في بعض الكتابات. وورد في كتابة يظن إنها من كتابات "كمنهو" مكسورة سقطت منها كلمات في الأول وفي الآخر، جاء فيها: و بمساعدة عثتر حجر "هجر" و "نبط علي". والمقصود ب "عثتر حجر" "هجر" الإلَه عثتر سيد موضع يقال له "حجر" "هجر"، وربما كان في هذا المكان معبد لعبادة هذا الإله. وجاء قبل ذلك: "نبعل دللن" "نبعل الدلل"، وهذه الجملة ترد لأول مرة في الكتابات، ويظهر إن معناها "بعل الدلل" أو "الدليل"، ويظهر إن "الدلل" أو "الدليل" من الصفات التي أطلقها شعب "كمنه" "كمنهو" على عثتره.
وكان ل "نبط علي" ولد أصبح ملك "كمنه" "كمنهو" بعد والده، هو: "السمع نبط". وقد وصلت إلينا كتابة، جاء فيها: "السمع نبط بن نبط علي ملك كمنهو وشعبهو كمنهو لالمقه ومريبو ولسبا"، أي "السمع نبط بن نبط على ملك كمنه وشعبه شعب كمنه، لألمقه ومأرب ولسبأ". وهذه العبارة تظهر بجلاء إن مملكة "كمنو" "كمنهو" كانت مستقلة في هذا الزمن استقلالاّ صورياً، و إنها كانت في الحقيقة تابعة كومة "سبأ" ولمأرب العاصمة يدل على ذلك قربها إلى "المقه"، وهو إِله السبئيين ولمأرب العاصمة، أي لملوكها ولشعب سبأ. وكان من عادة الشعوب القديمة إنها إذا ذكرت آلهة غيرها فمجدتها وتقربت أليها، عنت بذلك اعترافها بسيادة الشعب الذي يتعبد لتلك الآلهة عليها.
حكومة معين
حكومة معين حكومة ملكية يرأسها حاكم يلقب بلقب "ملك"، غير إن هذه الحكومة وكذلك الحكومات الملكية الأخرى في العربية الجنوبية، جوزت إن يشترك شخص أو شخصان أو ثلاثة مع الملك في حمل لقب "ملك"، إذا كان حامل ذلك اللقب من أقرباء الملك الأدنين، كأن يكون ابنه أو شقيقه. فقد وصلت إلينا جملة كتابات، لقب فيها أبناء الملك أو أشقاؤه بلقب ملك، وذكروا مع الملك في النصوص. ولكننا لم نعثر على كتابات لقب فيها أحد بهذا اللقب، وهو بعيد عن الملك، أي ليس من أقربائه المرتبطين به برابطة الدم. كما إننا لا نجد هذه المشاركة في اللقب في كل الكتابات، وهذا مما حملنا على الظن بأن هذه المشاركة في اللقب، كانت في ظروف خاصة وفي حالات استثنائية، وهذا خصصت بأبناء الملك أو بأشقائه، وهذا أيضاً لم ترد في كل الكتابات، بل وردت في عدد منها هو قلة بالنسبة إلى ما لدينا الآن من نصوص.
ولم تبح لنا أية كتابة من الكتابات العربية الجنوبية بسر هذه المشاركة أكانت مجرد مجاملة وحمل لقب، أم كانت مشاركة حقيقية، أي إن الذين اشتركوا معه أيضاً في تولي أعمال الحكم كلية، أو بتولي عمل معين مهن الأعمال، بأن يوكل الملك من ي*********ه حمل اللقب القيام بوظيفة معينة ? ولم تبح لنا تلك الكتابات بأسرار الدوافع التي حملت أولئك الملوك على السماح لأولئك الأشخاص بمشاركتهم في حمل اللقب، أكانت قهرية كأن يكون الملك ضعيفاً مغلوباً على امره، ولهذا يضطر مكرهاً إلى إشراك غيره معه من أقربائه الأدنين لإسناده ولتقوية مركزه،أم كانت برضى من الملك ورغبة منه، فلا إكراه في الموضوع ولا إجبار ?.
ويظهر من الكتابات المعينية أيضاً إن الحكم في معين، لم يكن حكماً ملكياً تعسفياً، السلطة الفعلية مركزة في أيدي الملوك، بل كان الحكم فيها معتدلاً استشارياً يستشير الملوك أقربائهم ورجال الدين وسادات القبائل ورؤساء المدن، ثم يبرمون أمرهم، و يصدرون أحكامهم على شكل أوامر ومراسيم تفتتح بأسماء آلهة معين، ثم يذكر اسم الملك، وتعلن كتابة ليطلع عليها الناس.
وقد كانت المدن حكومات، لكل مدينة حكومتها الخاصة بها، وهذا كان في استطاعتنا أن نقول إن حكومة معين هي حكومات مدن، كل مدينة فيها حكومة صغيرة لها آلهة خاصة تتسمى ب اسمها، وهيئات دينية، و مجتمع يقال له: "عم"، بمعنى أمة وقوم وجماعة. و لكل مدينة مجلس استشاري يردير شؤونها في السلم وفي الحرب، و هو الذي يفصل فيما يقع بين الناس من خصومات وينظر في شؤون الجماعة "عم".
وكان رؤساء القبائل يبنون دوراً، يتخذونها مجالس، يجتمعون فيها لتمضية الوقت وللبت في الأمور و للفصل بين أتباعهم في خلافاتهم، ويسجلون أيام تأسيسها وبنائها، كما يسجلون الترميمات والتحسينات التي يدخلونها على البناية. وتعرف هذه الدور عندهم بلفظة "مزود". ولكل كل مدينة "مزود"، وقد يكون لها جملة "مزاود"، وذلك بأن يكون لشعابها وأقسامها مزاود خاصة بها، للنظر فيما يحدث في ذلك الشعب من خلاف. ويمكن تشبيه المزود بدار الندوة عند أهل مكة، وهي دار ة قُصَيّ بن كلاب التي كانت قريش لا تقضي أمراً إلا فيها، يتشاورون فيها في أمور السلم والحرب.
وتتألف مملكة معين من مقاطعات، على رأس كل مقاطعة ممثل عن الملك، يعرف عندهم ب "كبر"، أي "الكبير". يظهر إنه كان لا يتدخل إلا في السياسة التي تخص المسائل العليا المتعلقة بحقوق الملك وبشعب معين. ويرد اسم الكبير بعد اسم الملك في النصوص على عادة أهل معين وغيرهم من ذكر آلهتهم أولاً ثم الملوك ثم الكبراء في كتاباتهم التي يدونونها ليطلع عليها الناس.
ودخل الحكومة من الضرائب ومن واردات الأرضين الحكومية التي تستغلها أو تؤجرها للناس بجُعل يتفق عليه. أما الضرائب فتؤخذ من التجار والزراع وسائر طبقات الشعب الأخرى، يجمعها المشايخ، مشايخ القبائل والحكام والكبراء بوصفهم الهيئات الحكومية العليا، وبعد إخراج حصصهم يقدمون ما عليهم للملك. وأما الواردات من المصادر الأخرى، مثل تأجير أملاك الدولة، فتكون باتفاق خاص مع المستغل، وبعقد يتفق عليه.
ومن الضرائب التي وردت أسماؤها في الكتابات: كتابات العقود ووفاء الضرائب والديون، ضريبة دعيت ب "فرعم"،أي "فرع" وضريبة عرفت ب "عشرم" أي "عشر"، وتؤخذ من عشر الحاصل، فهي "العشر" في الإسلام.
وكان للمعابد جبايات خاصة بها، وأرضون واسعة تستغلها، كما كان لها موارد ضخمة من النذور التي تقدم أليها باسم آلهة معين، عند شفاء شخص من مرض ألمّ به، وعند رجوعه سالماً من سفر، وضد عودته صحيحاً من غزو أو حرب، وعند حصول شخص على غلة وافرة من مزارعه أو مكسب كبير من تجاراته، وأمثال ذلك. ولهذا كانت للمعابد ثروات ضخمة و أملاك واسعة ومخازن كبيرة تخزن فيها أموالها. و يعبر عن النذور والهبات التي تقدم إلى المعابد بلفظتي "كبودت" و "اكرب"، "أقرب" أي ما يتقرب به إلى الآلهة. وتدوّن عادة في كتابات تعلن للناس، يذكر فيها اسم المتبرع الواهب واسم الإله أو الآلهة التي نذر لها، واسم المعبد، كما تعلن المناسبة، وتستعمل بعض الجمل والعبارات الخاصة التي تتحدث عن تلك المناسبات مثل: "يوم وهب" و "بذماد بن يدهس"، أي "بذات يده" وأمثال ذلك من جمل ومصطلحات. وقد وصلت إلينا خصوص كثيرة من نصوص النذور، وهي تفيدنا بالطبع كثيراً في تكوين رأينا في النذور والمعابد واللغة التي تستعمل في مثل هذه المناسبات عند المعينيين وعند غيرهم من العرب الجنوبيين.
ويقوم "الناذر" أو الشخص الذي استحقت عليه الضرائب أو القبيلة بتقديم ما استحق عليه إلى المعبد، وكانت تعد "ديوناً" للآلهة على الأشخاص. فإذا نذر الشخص للآلهة بمناسبة مرض أو مطالبة بإحلال بركة في المزرعة أو في التجارة أو إنقاذ من حرب وصادف أن مرت الأمور على وفق رغبات أولئك الرجال، استحق النذر على الناذر، فرداً كان أو جماعة، ولذلك يعبر عنه ب "دين"، فيقال "دين عثتر" أو "دين
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:40 AM
وقد يفوض الملك أو المعبد إلى رئيس أو سيد قبيلة أو غني استغلال مقاطعة أو منجم أو أي مشروع آخر في مقابل شروط تدون في الكتابات، فتحدد الحدود، وتعين المعالم، وينشط المستغل للاستفادة منها وأداء ما اتفق عليه من أداء للجهة التي تعاقد معها، ويقوم بجباية حقوق الأرض إن كان قد أجرها لصغار المزارعين وبدفع أجور الأجراء وبتمشية الأعمال، ويكون هو وحده المسؤول أمام الحكومة أو المعبد عن كل ما بتعلق بالعمل، وعليه وحده أن يحسب حساب خسائره وأرباحه.
ويتعهد الكبراء وسادات القبائل والحكام عادة بجمع الضرائب من أتباعهم ودفع حصة الحكومة، كما يتعهدون بإنشاء الأبنية العامة كإنشاء المباني الحكومية وإحكام أسوار المدن وبناء الحصون والأبراج والمعابد وما شاكل ذلك، مقابل ما هو مفروض عليهم من ضرائب وواجبات أو تفويض التصرف في الأرضين العامة. فإذا تمت الموافقة، عقُد عقد بين الطرفين، يذكر فيه إن آلهة معين قد رضيت عن ذلك الاتفاق، وان المتعهد سيقوم بما اتفق عليه. و إذا تم العمل وقد يضيف إليه المتعهد من جيبه الخاص،ورضي عنهَ الملك الذي عهد إليه بالعمل أو الكهنة أرباب المعبد أو مجلس المدينة، كتب بذلك محضر، ثم يدون خبره على الحجر، ويوضع في موضع ظاهر ليراه الناس، يسجل فيه اسم الرجل الذي قام بالعمل، واسم الآلهة التي بإسمها عقد العقد وتم، واسم الملك الذي تم في اياهمه المشروع، واسم "الكبير" الحاكم إن كان العقد قد تم في حكمه وفي منطقة عمله.
وتعهد المعابد أيضاً للرؤساء والمشايخ القيام بالأعمال التي تريد القيام بها، مثل إنشاء المعابد و صيانتها وترميها والعناية بأملاكها وباستغلالها بزرعها و استثمارها نيابة عنها. وقد كان على المعابد كما يظهر من الكتابات أداء بعض الخدمات العامة للشعب، مثل إنشاء مباني عامة أو تحصين المدن ومساعدة الحكومة في التخفيف عن كاهلها، لأنها كانت مثلها تجبي الضرائب من الناس وتتلقى أموالاً طائلة من الشعب وتتاجر في الأسواق الداخلية والخارجية، و كانت تقوم بتلك الأعمال في مقابل إعفائها من الضرائب. وقد كانت وارداتها السنوية ضخمة قد تساوي واردات الحكومة.
وتخزن العابد حصتها من البخور واللبان والمر والحاصلات الأخرى في خزائن المعبد، وتأخذ منها ما تحتاج إليه مثل البخور للأعياد وللشعائر الدينية و تبيع الفائض، وقد ترس مع القوافل لبيعه في البلاد الأخرى، وقد تعود قوافله محملة ببضائع اشترتها بأثمان البضائع المبيعة، و لذلك كانت أرباحها عظيمة، وكان أكثر الكهان من البيوتات الكبيرة ومن كبار الأغنياء.
نقود معينية
تعامل قدماء المعينيين مثل غيرهم من شعوب العالم بالمقايضة العينية، وبالمواد العينية دفعوا للحكومة و للمعابد ما عليهم من حقوق، وبها أيضاً دفعت أجور الموظفين والمستخدمين و العمال و الزراع. وقد استمرت هذه العادة حتى في الأيام التي ظهرت فيها النقود، وأخذت الحكومات تضرب النقود، وذلك بسبب قلة المسكوكات، و عدم تمكن الحكومات من سك الكثير منها كما تفعل الحكومات في هذه الأيام.
وقد عرف المعينيون النقود، وضربوها في بلادهم. فقد عثر على قطعة نقد هي "دراخما" أي درهم، عليها صورة ملك جالس على عرشه، قد وضع رجليه على عتبة، وهو حليق الذقن متدلٍ شعره ضفائر، وقد أمسك بيده اليمنى وردة أو طيراً وأسمك بيده اليسرى عصا طويلة، وخلفه اسمه وقد طبع بحروف واضحه بارزة بالمسند، وهو "اب يثع" و أمامه الحرف الأول من اسمه، وهو الحرف "أ" بحرف المسند، دلالة على إنه الآمر بضرب تلك القطعة. و لهذه القطعة من النقود أهمية كبيرة في تأريخ "النميّات" في بلاد العرب وفي دراسة الصلات التجارية بين جزيرة العرب والعالم الخارجي.
ويظهر من دراسة هذه القطعة ومن دراسة النقود المشابهة التي عثر عليها في بلاد أخرى، إنها تقليد للنقود التي ضربها خلفاء الإسكندر الكبير، سوى شيء واحد، هو أن عملة "أب يثع" قد استبدلت فيها الكتابة اليونانية بكتابة اسم الملك "اب يثع" الذي في أيامه، تم ضرب تلك القطعة بحروف المسند. أما بقية الملامح والوصف، فإنها لم تتغير ولم تتبدل، ولعلها قالب لذلك النقد، حفرت عليه الكتابة بالمسند بدلاً من اليونانية. ويعود تأريخ هذه القطعة إلى القرن الثالث أو القرن الثاني قبل الميلاد
وقد كانت نقود "الإسكندر الكبير" والنقود التي ضربها خلفاؤه من بعده مطلوبة مرغوبة في كل مكان، حتى في الأمكنة التي لم تكن خاضعة لهم، شأنها في ذلك اليوم شأن الجنيه أو الدولار في هذا اليوم، وتلك النقود لا بد أن تكون قد دخلت بلاد العرب مع اتجار ورجال الحملة الذين أرسلهم لاحتلال بلاد العرب، فتلقفها التجار هناك وتعاملوا بها، وأقبلت عليها الحكومات، ثم أقدمت الحكومات على ضربها في بلادها بعد مدة من وصول النقود أليها. وأسست بذلك أولى دور ضرب النقود في بلاد العرب. ولا بد أن يكون نقد "اب يثع" قد سبق بنقد آخر، سبق هو أيضاً بالنقد اليوناني الذي وصل بلاد العرب، لأن درهم "اب يثع" مضروب ضرباً متقناً، وحروفه واضحة جليّة دقيقة دقة تبعث على الظن بوجود خبرة سابقة ودراية لعمال الضرب، أدت بهم إلى إتقان ضرب أسماء الملوك على تلك النقود.
الحياة للدينية
كان في كل مدينة معبد، وأحياناً عدة معابد خصصت بآلهة شعب معين. وقد خصص معبد بعبادة إلَه واحد، يكرس المعبد له، ويسمى باسمه، وتنذر له النذور، ويشرف على إدارته قَومة ورجال دين يقومون بالشعائر الدينية ويشرفون على إدارة أوقاف المعبد. ويعرف الكاهن والقيم على أمر الإله عندهم ب "شوع"، وقد وردت اللفظة في جملة نصوص معينة.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:41 AM
وقد تجمعت لدينا من قراءة الكتابات المعينية أسماء جمهرة آلهة معين، وفي مقدمتها اسم. "عثتر" "عثتار"، ويرمز إلى "الزهرة"، ويلقب في الغالب ب "ذ قبضم"، فيقال "عثتر ذ قبضم"، أي "عثتر القابض"، "عثتر ذو قبض"، كما ورد أيضاً "عثتر ذ يهرق" "عفتر ذو يهرق". ويهرق اسم مدينة من مدن معين، فيظهر أنه كان في هذه المدينة معبد كبير خصص بعبادة "عثتر".
ومن آلهة معين "ود" و "نكرح"، وترد أسماء هذه الآلة الثلاثة في الكتابات المعينية على هذا الرتيب: "عثتر"، "ود" و "نكرح" في الغالب، وترد بعدها في بعض الأحيان جملة: "الالت معن"، أي "آلهة معين" أما "نكرح"، فيظهر إنه يرمز إلى الشمس، وهو يقابل "ذات حمم" "ذات حميم" في الكتابات السبئية.
وقد ورد في عدة كتابات عثر عليها في "براقش" وفي "أبين" وفي "معين" وفي "شراع" في "أرحب" ذكر معبد سر للإلهَ "عثتر" دعي ب "يهر". كما ورد اسم حصن "يهر" و قد خصص ل "عثتر وقبض". وورد في كتابة أخرى اسم "يهر" على إنه بيت، وربما قصد به بيت عبادة. وورد في كتابة همدانية ذكر "يهر" إنه بيت الإلَه "تالب" "تألب" إلَه همدان. وورد اسم "يهر" على إنه اسم موضع واسم شعب. وذكر "الهمداني" إن "يهر" هو حصن في "معين". ويتبين لي من اقتران "يهر" بي "عثتر"، ومن تخصيص بيت للتعبد به سمي باسمه إن "يهر" جماعة كانت تتعبد لهذا الإلهَ وتقدسه ولهذا دعي معبده باسمها، كما إنه اسم مدينة نسبت تلك الجماعة إليها.
وأما "ود"، فقد ظلت عبادته معروفة في الجاهلية إلى وقت ظهور الإسلام، وقد ورد اسمه في القرآن الكريم. وقد تحدث عند ابن الكلبي في كتابه "الأصنام". وذكر إن قبيلة "كلب" كانت تعبد له بدومة الجندل. ووصفه فقال: "كان تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال، قد ذبر عليه حلتان، متزر بحلة، مرتد باخرى، عليه سيف قد تقلده، وقد تنكَّب قوساً، وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة فيها نبل.. ". وقد نعت "ود" في بعض الكتابات بنعوت، مثل: "الاهن" "الهن" أي "الإله"، و "كهلن" "كاهلن" "كهلان"، أي "القدير" "المقتدر". وكتب اسم "ود" بحروف بارزة على جدار في "القرية" "قرية الفأو"، وذلك يدل على عبادته في هذه البقعة.
ويرمز "ود" إلى القمر، بدليل ورود جملة: "ودم شهرن"، "ودم شهران"، أي "ود الشهر" في ب ضر الكتابات. ومعنى كلمة "شهرم" "شهر" "الشهر"، القمر. وضل هذه الالهة المعينية ثالوثاً يرمز إلى الكواكب الثلاثة: الزهرة، والشمس، والقمر.
ويلاحظ إن الكتابات المعينية الشمالية، آي الكتابات المدونة بلهجة أهل معين التي عثر عليها في أعالي الحجاز، لا تتبع الترتيب الذي تتبعه الكتابات المعينية الجنوبية نفسه في إيراد أسماء الآلهة، كما يلاحظ أيضاً أن للمعينيين الشماليين آلهة محلية لا نجد لها ذكراً عند المعينيين الجنوبيين، ولعلّ ذلك بتأثير الاختلاط بالشعوب الأخرى.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:42 AM
مدن معين
ومن أشهر مدن معين، مدينة "قرنو"، وهي العاصمة، وقد عرفت أيضاً ، ب "م ع ن" "معن"، أي "معين"، وب Carna و karana و Karna عند بعض الكتبة "الكلاسيكيين". وتقع على مسافة سبعة كيلومترات ونصف كيلومتر من شرق قرية "الحزْم"، مركز الحكومة الحالي في الجوف. و قد وصف خرائبها "محمد توفيق" في كتابه "آثار معين في جوف اليمن"، فقال: إنها تقع على اكمة من الطين منحدرة الجوانب، تعلو على سطح أرض الجوف بحمسة عشر متراً، وهي مستطيلة الشكل، واستطالتها من الغرب إلى الشرق وطولها 400 متر، وعرضها 250 متراً، ولها بابان أو مدخلان، أو مدخل ومخرج، أحدهما في جانبها الغربي والآخر في الجهة المقابلة من الجانب الشرقي، وليس لها أبواب أخرى. وسورها الذي كان يحيط بها، وقد قدّرَ ارتفاعه بخمسة عشر متراً، و قد وجد في بعض أقسامه فتحات المزاغل التي استعملت للمراقبة ولرمي السهام، كما تعرض لبحث البناء والزخرفة في هذه المدينة، وقد حصل على تسع عشرة كتابة، نقل تسعاً منها بكتابة اليد، ونقل عشراً منها الباقية بالتصوير الفوتوغرافي.
ويقع معبد "رصفم" "رصف" "رصاف" الشهير، الذي طالما تقدم إليه المؤمنون بالهدايا والنذور وتوسلوا إليه لأن يمن عليهم بالعافية والبركة،خارج سور "قرنو". ونشاهد آثار سكن في مواضع متناثرة من المدينة. و قد كانت "قرنو" "القرن" مأهولة حتى القرن الثاني عشر ثم هجرت وتحولت إلى خراب.
وقد أشار الأخباريون إلى معين، وروى بعض منهم إنها من أبنية التبابعة، و أنها حصن، بني بعد بناء "سلحين"، بني مع يراقش في وقت واحد.
ومن مدن حكومة معين "يثل"، وهي من المراكز الدينية، وعرفت به "براقش" فيما بعد. وكانت قائمة في أيام "الهمداني"، ووصف الهمداني الآثار والخرائب التي كانت بها. وقد ورد في إحدى الكتابات أن جماعة من كهنة "ود"، قاموا ببناء ثلاثين "أمه" أي ذراعاً من سور "يثل" من الأساس حتى القمة. والظاهر أن هذا العمل الذي قاموا به، هو الجزء الذي كان خصص بهم عمله على حين قام أناس آخرون، وفي ضمنهم مجلس يثل، ببقية السور.
وللاخباريين قصص عن "براقش". وقد زعم بعض منها إنها و "هيلان" مدبنتان عاديتان، وكانتا للأمم الماضية. وزعم بعض آخر إنها من أبنية التبابعة فهي من الأبنية القديمة إذن في نظر الأخبارين. وقد كان يسكنها "بنو الأدبر ابن يلحارث بن كعب" ومراد في الإسلام.
ولهم سكن سبب تسمية "براقش" ببراقش قصص. فزعم بعض منهم إنها إنما سميت بذلك نسبة إلى كلبة عرفت ببراقش. وزعم بعض آخر إنها امرأة، وهي ابنة ملك قديم، ذهب والدها للغزو، وأودع مقاليد بلاده أليها، فبنت مدينة براقش ومعين، ليخلد اسمها؛ فلما عاد والدها غضب، وأمر بهدمها. وزعم فريق منهم، إنها بإسم براقش امرأة لقمان بن عاد. ومصدر القصص مثل مشهور هو: "على أهلها تجني براقش". و " على اهلها براقش تجني "، وقد أشير في الشعر إليه.
و "يثل"، هي مدين شم Athlula , Athrula المذكورة في أخبار حملة "أوليوس غالوس" على اليمن، والتي زعم إنها آخر موضع بلغه الرومان في حملتهم هذه. و زعم القائلون من المستشرقين بهذا الرأي إن لفظة "يثل" لفظة صعبة على لسان الرومان واليونان، ولذلك حرفت فصارت إلى الشكل المذكور.
ومن بقية مدن معين: "نشق"، و "رشن" "ريشان" و "هرم" "هريم" "خربة هرم"، و "كمنه" "كمنهو" "خربة كمنه"، "كمنا"، و "نشن" "نشان" وهي "الخربة السوداء" "خربة السودا" في الوقت الحاضر.
وقد ورد في بعض الكتابات إن "يدع آل بين" مكرب سبأ، كان قد استولى على مدينة "نشق"، غير إننا لا نعرف اسم الملك المعيني الذي سقطت هذه المدينة في أيامه في أيدي السبئيين.
ويوجد موضع عادي خرب، يعرف بي "كعاب اللوذ" وب "خربة نشان" "خربة نيشان"، يحتمل في رأي بعضهم أن يكون مكان "نشان" "نشن". ويعارض بعض الباحثين ذلك، ويرون إنه بعيد بعض البعد عن مكان "نشن" المعيني، ويذهبون إلى إن هذا المكان هو بقايا معبد أو قبور قديمة، وانه يشير إلى وجود مسكن فيه قديم لا نعرف اسمه.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:46 AM
وقد تبين الباحثين في موضع "الخربة السوداء" التي هي موضع "نشن" "نشان" إن تلك المدينة كانت مدينة صناعية، لعثورهم بين أنقاضها على خامات المعادن، وعلى أدوات تستعمل في التعدين وفي تحويل المعادن إلى أدوات للاستعمال.
و "نشن" "نشان"، هي "نستم" NESTUM في كتاب "بلينيوس".
ويظن أن خرائب "مجزر"، هي من بقايا مدينة قديمة، لعلها المدينة التي سماها "بلينيوس" "مكوسم" Magusum، ويظهر من موقعها ومن بقايا آثارها إنها كانت ذات أهمية لعهدها ذاك، وأنها كانت عامرة بالناس لخصب أرضها ووفرة مياها.
وفي الجوف أماكن أخرى، مثل "بيحان" و "سراقة" و "ابنه" و"مقعم" و "بكبك" و "لوق"، وهي خرائب كانت مواضع معمورة في أيام المعينيين ومن جاء بعدهم فأخذ مكانهم.
وقد ذهب "كلاسر" إلى أن موضع "لوق"، هو Labecia الذي ذكره "بلينيوس" في جملة الأماكن التي استولى عليها "أوليوس غالوس". وذهب "فون وزمن" إلى أنه "لبة" Labbah.
ويرى علماء العربيات الجنوبية أن "نشق" هي Nesca , Nescus في كتب المؤلفين اليونان واللاتين القدماء. وهي Aska، Asca في "جغرافيا سترابون". وقد ذكرها "سترابون" في جملة المدن التي استولى عليها "أوليوس غالوس" إبانّ حمته على اليمن.
المعينيون خارج أرض معين
وعثر على كتابات معيننة خارج اليمن، ولا سيما في موضع "العلا"، وبينها عدد من كتابات "لحيانية" متأثرة باللهجة المعيننة. وقد وردت فيها أسماء معينية معروفة، شائعة بين المعينيين، مثل: "يهر" و "علهان"، و "ثوبت" و "يفعان"، كما وردت قبها أسماء آله معين، وذلك يدل على نزول المعينيين في هذا الموضع وفي الأرضين المجاورة أمداً، وتركهم أثراً ثقافياً فيمن اختلطوا بهم أو جاوروهم و فيمن خلفهم من خلق.
وقد جاء هؤلاء المعينيون من معين بالطبع، أي من اليمن، فنزلوا في هذه الأرضين التي تقع البوم في أعالي الحجاز وفي المملكة الأردنية الهاشمية وفي جنوب فلسطين. ومنهم من تاجر مع بلاد الشام والبحر المتوسط ومصر، بدليل عثور المنقبين على كتابات معينية في جزيرة "ديلوس" من جزر اليونان، وفي مصر: في "الجيزة" وفي موضع "قصر البنات". وظهر من كتابة "الجيزة" المؤرخة بالسنة الثانية والعشرين من حكم "بطلميوس بن بطلميوس"، أن جالية معينية كانت في مصر في هذا الزمن، ولعلها من أيام حكم "بطلميوس الثاني" وكان المعينيون يتاجرون في القرن الثالث أو الثاني قبل الميلاد بتجهيز معابد مصر بالبخور. ويرجع بعض الباحثين تأريخ هذه الكتابة إلى السنة "264 - 263 ق.م.".
موضع "العلا" المذكور، هو موضع "ديدان" "الديدان" "علت" Ulat في التوراة. وقد قصد به فيها شعب عربي من الشعوب العربية الشمالية، يرجع نسبه إلى "كوش" كما جاء في موضع من "التكوين". والى "يقشان" من إبراهيم من "قطورة" Keturah في موضع آخر منه. وقد جعلت "الديدان" متاخمة لأرض أدوم Edom، وتقع في الجنوب الشرقي منها. وذكر في التوراة إن الديدانيين كانوا من الشعوب التي ترسل حاصلاتها إلى سوق "صور" Tyre.
ويرى أكثر الباحثين في دولة معين إن هذه المنطقة منطقة "الديدان" وما صاقبها من أرض، كانت جزءاً من تلك الدولة وأرضاً خاضعة لها، وان ملوك معين كانوا يعينون حكاماً عليها باسمهم، وان درجتهم هي درجة "كبر" أي "كبير" على طريقتهم في تقسيم مملكتهم إلى "محافد" أي أقسام، يكون على كل محفد أي قسيم من المملكة "كبير"، يتولى الحكم بإسم الملك في المسائل العليا وفي جمع الضرائب التي يبعث بها إلى العاصمة وفي المحافظة على الأمن. وقد عثر على كتابات ذكرت فيها أسماء "كبراء" حكموا باسم ملوك معين
ومعنى هذا إن دولة معين، كانت تحكم من معين كل ما يقال له الحجاز في عرف هذا اليوم إلى فلسطين، وان هذه الأرضين كانت خاضعة لها إذ ذاك. ولكننا لا نجد في النصوص الآشورية أو العبرانية مثل التوراة ولا في الكتب الكلاسيكية ما يشير إلى ذلك. ولكن القائلين بالرأي الذكور يرون إن حكم سين كان في أوائل عهد معين، أي قبل أكثر من ألف سنة قبل الميلاد فلما ضعف ملوكها تقلص سلطان المعينيين عن الحجاز و بقي نافذاً في المنطقة التي عرفت بر "معن مصرن"، "معن مصران"، أي "معين المصرية"، ثم ضعف سلطان المعينيين الشماليين عن هذه الأرض أيضاً بتغلب السبئيين على معين، ثم بتغلب اللحيانيين في القرن الرابع أو الثالث قبل الميلاد، حيث استقلوا وكوّنوا "مملكة لحيان".
وقد أثارت "معن مصرن" "معين مصران"، جدلاً شديداً بين العلماء، ولا سيما علماء التوراة، فذهب بعضهم إلى أن "مصر" "مصرايم" Mizraim الواردة في التوراة ليست مصر المعروفة التي يرويها نهر النيل، بل أٌريد بها "معين مصران"، وهو موضع تمثله "معان" في الأردن في الزمن الحاضر.
وان لفظة "برعو" Per'o التي ترد في التوراة أيضاً لقباً لملوك مصر، والتي تقابلها لفظة "فرعون" في عربيتنا، لا يراد بها فراعنة مصر، بل حكام "معين مصران"، وان عبارة "هاكرهم مصريت" Hagar Ham-Misrith، بمعنى "هاجر المصرية"، لا تعني "هاجر" من مصر المعروفة، بل من مصر العربية، أي من هذه المقاطعة التي نتحدث عنها "معن مصرن" وان القصص الوارد في التوراة عن "مصر" وعن "فرعون"، هو قصص يخص هذه المقاطعة العربية، وملكها العربي.
وقالت هذه الجمهرة: إن ما ورد في النصوص الآشورية من ذكر ل Musri لا يعني أيضاً مصر المعروفة، بل مصر العربية، وأن ما جاء في نص "تغلاتبلسر الثالث" الذي يعود عهده إلى حوالي سنة "734" قبل الميلاد، من أنه عين عربياً Arubu واسمه "ادبئيل" "ادب ال" "ادب ايل" "Idiba'il" حاكماً على "مصري" "Musri"، لا يعني أنه عينه حاكماً على "مصر" الإفريقية المعروفة، بل على هذه المقاطعة العربية التي تقع شمال "نخل مصري" أي "وادي مصري". ويرى "وينكر"، أن "سبعة" "Sib'e" الذي عينه "تغلاتبلسر" سنة "725 ق. م." على مصري، والذي عينه "سرجون" قائداً على هذه المقاطعة، إنما عين على أرض "مصر" العربية ولم يعين على "مصر" الإفريقية.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:48 AM
وقد ورد في أخبار "سرجون" أن من جملة من دفع الجزية إليه "برعو" Pir'u وقد نعت في نص "سرجون" ب "برعو" شاروت مصري"، أي "برعو ملك أرض مصري". وورد ذكر "برعو" هذا في ثورة "أسدود" التي قامت سنة "711 ق. م.". وورد ذكر "مصري" في أخبار "سنحريب" ملك آشور، وكان ملك "مصري" وملك "ملوخة" قد قامة بمساعدة اليهود ضد "سنحريب"، و ذلك في عام "700 ق. م."، وقد انتصر "سنحريب". ويرى "ونكلر" أن كل. ما ورد في النصوص الآشورية عن "مصري" مثل: "شراني مت مصري" "Sharrani Mat Musri"، أي "ملوك أرض مصر" إنما قصد به هذه المقاطعة العربية.
ويشير هذا الرأي مشكلات، خطيرة لقائليه ولعلماء التوراة، فرأي "شرادر" و "ينكلر" وأضرابهما المذكور يتعارض صراحة مع الرأي الشائع عند اليهود وعند التوراة والتلمود والمنشا والكتب اليهودية الأخرى في هذا الموضوع، ويتعارض كذلك مع رأي أهل الأديان الأخرى في الموضوع نفسه، ولم يلق هذا الرأي رواجاً بين الباحثين، وهم يرون أن وجود أرض عربية عند "معان" في الزمن الحاضر، تسمى "مصري" وهي تسمية "مصر" في اللغات السامية، ووجود حاكم عليها اسمه "برعو"، و "برعو" لقب ملوك "مصر"، ويقابل "فرعون" في لغتنا، لا يحتم علينا التفكر في هذه الأرض العربية، ومن الجائز على رأيهم أن يكون الآشوريون قد استولوا على هذه المقاطعة وحكموها ونصبواً حكاماً عليها على حين كانت الحوادث الأخرى قد وقعت في مصر الإفريقية.
وبناء على ذلك فليس هناك أي داع للادعاء أن الإسرائيليين لم يكونوا في مصر، وأن فرعون لم يكن فرعون مصر، بل فرعون مصري التي هي "معين المصرية"، وليستبعد أيضاً إن تكون تسمية "مصري" العربية قد أخذت من مصر، فقيل "معين مصرن" لقربها من مصر، ولتمييزها عن "معن" أي "معين" اليمن.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن "معين مصران" "معين المصرية"، لم تكن جزءاً من حكومة معين، بلى كانت مستوطنة مستقلة من مستوطنات المعينين. وذلك منذ القرن الخامس حتى القرن الأول قبل الميلاد. وان لقب "كبر" الوارد في نصوص هذه المستوطنة لا يعني إن حامله كان موظفاً في حكومة معين بل هو مجرد لقب حمله صاحب هذه المقاطعة باعتبار إنه كبير قومه وسيدهم والحاكم عليهم. وقد بقيت هذه المستوطنة مستقلة إلى القرن الأول قبل الميلاد، وحينئذ زال استقلالها بزوال حكومة المعينين الجنوبيين.
وتعدّ الكتابات المعينية التي عثر عليها في جزيرة "ديلوس" Delos=Delus ذات أمية كبيرة كذلك، في بحثنا هذا، فأنها ترينا وصول المكلين بين الجزر اليونانية و إقامتهم فيها، و اتجارهم مع اليونان. ومن جملة هذه النصوص، نص مكتوب بالمعينية وبالخط المسند و باليونانية وبالحروف اليونانية، ورد فيه: "هنا" أي "هانئ" و "زيد ايل من ذي خذب نصب مذبح ود وآلهة معين بدلث" أي: ب "ديلوس". وورد في اليونانية: "يا ود إلَه معين يا ود". وفي هذا النص دلالة على وجود جالية معينية في هذه الجزيرة وسكناها فيها، وعلى تعلقها بدينها وبآلهتها وعدم تركها لها حتى في هذه الأرض البعيدة عن وطنها. ومن يدري? فلعلها كانت تتصل ببلادها، وتتاجر وتتراسل معها، تصدر إليها حاصلات اليونان، وتستورد منها حاصلات اليمن والعربية الجنوبية و إفريقية والهند وتعمل مع اليونان شِركَةً أو تعاوناً في أسواق التجارة العالمية ذلك العهد.
قوائم بأسماء حكام معين
قائمة "البرايت"
وقد رتب "البرايت" قائمة لملوك معين على النحو الآتي: 1 - اليفع يثع، وهو ابن الملك "صدق ايل" ملك حضرموت. وقد حكم في حوالي السنة "400" قبل الميلاد.
2 - حفن ذرح، وهو ابن اليفع يثع.
3 - اليفع ريام، وهو ابن اليفع. وقد كان أيضاً ملكاً على حضرموت.
4 - هوف عثتر "هوفعث". "هوفعثتر"، وهو ابن اليفع ريام.
5 - أب يدع يثع "أبيدع يثع"، وهو شقيق هوف عثتر. و قد كان يحكم في حوالي السنة 343 قبل الميلاد.
6 - وقه آل ريم "وقه ايل ريام"، وهو ابن هوفعثتر.
7 - حفن صدق "حفن صديق"، وشقيق وقه ايل ريام.
8 - اليفع يفش وهو ابن حفن صديق.
اليفع وقه، وقد كان حكمه في حوالي السنة250 قبل الميلاد.
2 - وقه ايل صديق "وقه آل صدق"، وهو ابن اليفع وقه.
3 - اب كوب يثع "أبكرب يثع" "أبيكرب يثع"، وهو ابن "وقه آ ل صدق". وقد ورد اسمه في كتابات "ددان" "ديدان" وذلك في الأيام اللحيانية المتأخرة.
4 - عم يثع نبط "عمى يثع نبط" "عميثع نبد"، وهو ابن "ابكرب يثع" "أب يكرب يثع".
.................................
1 - يثع ايل صدق "يغ آل صدق" "يثع ايل صديق".
2 - وقه آل يثع "وقه ايل صديق". وكان تابعاً للملك "شهر يجل يهرجب" ملك قتبان.
3 - اليفع يشر، وهو ابن "وقه ايل يثع".
4 - حفن ريام "خضم ريمم"، وهو ابن اليفع يشر.
5 - وقه آل نبط "وقه ايل نبط".
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:49 AM
وذكر "البرايت" أسماء ما لا يقل عن خمسة ملوك، قال إنه غير متأكد من زمان حكمهم ومن مكان ترتيبهم في هذه القائمة، وهم: أب بدع "ريام?" وابنه "خلكرب صدق" "خاليكرب صديق". و "حفنم يثع"، وهو ابن "خلكرب صدق" و "يثع ايل ريام" و "تبع كرب" "تبعكرب"، وهو ابنه.
وقد أعاد "البرايت" النظر في قائمته السابقة، وأخرى عليها تعديلات على ضوء دراسة صور الكتابات وتغير أسلوبها بمرور العصور، ثم انتهى إلى وضع قائمة جديدة تتألف من ثلاث مجموعات هي:
المجموعة الأولى
1 - اليفع يثع، وهو ابن صدق ايل ملك حضرموت حوالي 400 ق. م.
2 - اليفع ريام.
3 - حفن عثت، وهو ابن اليفع ريام.
4 - أبيدع يثع 343 ق. م.
5 - وقه آل ريام.
6 - حفن صدق، وهو ابن وقه ايل ريام.
7 - اليفع يفش.
8 - عميثع نبط، "عم يثع نبط"، وهو ابن "ابكرب".
9 - يثع ايل ريام.
تبع كرب "تبعكرب"، وهو ابن يثع ايل ريام.
11- خلكرب صدق، وهو ابن أب يدع "ريام?".
12-حفن يثغ 250 ق. م.
المجموعة الثانية
1 - وقه ايل نبط 200 ق. م.
2 - اليفع صدق 3 - وقه ايل صدق 150 ق. م.
4 - أبيكرب يثع "أبكرب يثع".
5 - اليفع يشر الأول 100 ق. م.
6 - حفن ريام.
المجموعة الثالثة
1 - يثع آل صدق "يثع ايل صديق".
2 - وقه آل يثع "وقه ايل يثع" 75 ق. م.
3 - اليفع سر الثاني.
نهاية مملكة معين بين السنة 50 والسنة 25 قبل الميلاد.
قائمة "ريكمنس"
وقد دون "ريكمنس" "J. Ryckmans" أسماء ملوك معين على النحو الآتي: أب يدع "ملك? = أب يدع ريام ?".
خلكرب صدق.
اليفع وقه.
وقه ايل صدق.
أب كرب يثع.
عم يثع نبط.
..............
يثع ايل ريام.
تبع كرب.
..............
اليفع ريام.
هوف عثت.
..............
اليفع يثع = معد يكرب ملك حضرموت.
..............
أب يدع يثع "343 قبل الميلاد = يثع ايل "بين?".
وقه ايل ريام.
حفن صدق.
..............
اليفع فش.
..............
يثع ايل صدق.
وقه ايل يثع اليفع يشر شهر يكل يهركب ملك قتبان حفن ريام.
..............
وقه ايل نبط.
..............
خلكرب.
..............
حفن يثع.
..............
يغ ايل حيو.
حفن ذرح.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:50 AM
الفصل العشرون والحادى عشر
مملكة حضرموت
وعاصرت ملكة "معين" مملكة أخرى من ممالك العربية الجنوبية، هي مملكة "حضرموت"، وقد ظهرت قبل الميلاد أيضاً ، وما زال اسمها حياً لطلق على مساحة واسعة من الأرض، فلها أن تفخر بهذا على الحكومات العربية الأخرى التي عاشت قبل الميلاد، ثم ماتت أسماؤها، أو قلّ ذكرها قلة واضحة.
وقد قطع اسمها مئات من الأميال قبل الميلاد، فبلغ مسامع اليونان والرومان، وسجله كتّابهم في كتبهم لأول مرة في القارة الأوروبية، وكتب لذلك التسجيل الخلود حتى اليوم. ولكن سجلوه بشيء من التغير والتحريف، اقتضته طبيعة اختلاف اللسان، أو سوء السماع، أو طول السفر، فرواه "ايراتوستينس" "Chatramotitae"، ورواه "نبوفراستوس" "Hadramyta"، وأما "بلينيوس" فقد رواه و"Chatramotitae" . وقد ورد عند "بطلميوس" "Chatramitae" = "Adramitae" وقد تحدث مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" عن سواحل حضرموت الجنوبية، فذكر إن فيها مناطق موبوءة، يتجنبها الناس، ولا يدخلونها إلا لضرورة، ولذلك لا يجمع التوابل والأفاويه إلا حول ملك حضرموت، وأولئك الذين يراد إنزال عقوبات صارمة عليهم. وهذا بدل على إن الروم والرومان كانوا قد سمعوا من ملاحيهم ومن غيرهم من ركاب البحر أخبار السواحل، وهي أخبار مهمة بالطبع بالنسبة إلى أصحاب السفن في ذلك العهد.
وكلمة "هزرماوت" "حزرماوت" "Hazarmaveth" الواردة في التوراة على إنها الابن الثالث لأبناء "يقطان"، تعني "حضرموت" ومعناها اللغوي "دار الموت" ولعل لهذا المعنى علاقة بالأسطورة التي شاعت عند اليونان أيضاً عن "حضرموت"، و إنها "وادي الموت"، وعرفت في الموارد الإسلامية كذلك. وقد وصلت في الإسلام من طريق أهل الكتاب، قال ابن الكلبي: "اسم حضرموت في التوراة حاضر ميت، وقيل: سميت بحضرموت بن يقطن ابن عابر بن شالخ".
وقد ذهب أكثر من بحث في أسباب التسمية من العلماء العرب إلى إن حضرموت هو اسم "ابن يقطن" أو "قحطان"، و"نه كان إنساناً وبه سميت الأرض، وما بنا حاجة إلى إن نقول مرة أخرى إن هذه النظرية ليست عربية، و إنما تسربت إلى الأخباريين من التوراة، إذ جعلت حضرموت اسم رجل هو "ابن يقطان".
وقد ورد اسم "حضرموت" في الكتابات العربية الجنوبية، كما عثر على كتابات حضرمية ورد فيها أسماء عدد من ملوك حضرموت، وأسماء اسر حضرمية ومدن كانت عامرة زاهية في تلك الأيام. وبفضل هذه الكتابات حصلنا على معلومات لا بأس بها عن مملكة حضرموت وعن علاقاتها بالدول العربية الجنوبية الأخرى.
ولما كانت أكثر هذه الكتابات قد عثر عليها على وجه الأرض، أو هي من نتائج حفريات لم تتعمق كثيراً في باطن العاديات، فإننا نأمل أن يقوم المستقبل باقناع المحبين للتأريخ العربي، بالقيام بحفريات علمية منتظمة وعميقة في مواطن الاثار، لاستنطاق ما فيها عن تأريخ العرب الجاهليين، وأنا على يقين من أن في باطن الأرض وبين الأتربة المتراكمة على" هيأة أطلال و تلول أسراراً كثيرة ستغير من هذا الذي نعرفه اليوم عن تأريخ حضرموت وعن تأريخ غيرها من حكومات، وستزيد العلم به اتساعاً.
لقد قامت بعث بريطانية صغيرة بأعمال الحفر في موضع يقال له "الحريضة"، فاكتشفت فيه آثار معبد الإلَه "سين"، وهو يرمز إلى القمر، وعثرت على عدد من الكتابات تبين إن بعضها سبئية، كما عثت على قبور عثر فيها على عظام في حالة جيدة تمكن من دراستها، وعلى أواني ومواد من الفخار والخرف وخرز ومسابح يظن إنها من القرن السابع أو الخامس قبل الميلاد. وعثر في خرائب "شبوة" وفي "عقلة" وفي مواضع أخرى على عدد من الكتابات الحضرمية، كما استنسخ نفر من السياح صور بعض الكتابات التي نقلها الناس من مواضع العاديات إلى المواضع الحديثة جث استعملوا حجارتها في البناء.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:52 AM
وتشاهد في مباني "الحريضة" الحديثة، وهي لا تبعد كثيراً عن الموضع القديم، أحجار مكتوبة أخذت من تلك الخرائب، شوهت بعضها أيدي البنّائين وقضت على أكثرها معاولهم، ومحت آلاتهم كثيراً من تلك الكتابات، ولا يستبعد وجود عدد آخر من الأحجار أوجهها المكتوبة في داخل البناء، فلا يمكن الوقوف عليها، أو إنها كسيت بطبقة من "الجبس" أو مادة أخرى تجعل الجدران صقيلة مُلْساً.
ولم تتوصل جهود من بحث في الآثار التي استخرجا من معبد "سن" "سين" في "الحريضة" إلى نتيجة قطعية لتأريخ هذا المعبد، ويظن إن المقابر التي عثر عليها وبعض واجهات المعبد تعود إلى أواسط القرن الخامس فما بعد إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وان قسماً من بناء المعبد يعاصر العهد "السلوقي". ويعرف موضع الحريضة في الكتابات الحضرمية باسم "مذب" "مذبم" "مذاب"، وفي هذه المدينة الحضرمية القديمة، معبد خصص بعبادة "سين"، وموف عندهم باسم معبد "سن ذ مذبم" "سين ذو مذاب"، كان الناس ينذرون له النذور، ويتقربون إليه، ليمنحهم العمر الطويل والخير والبركة.
وليس علمنا بأحوال حكام "حضرموت" بأحسن من علمنا بأحوال حكام الحكومات العربية الجنوبية الأخرى، مثل معين أو قتبان أو سباً، فلا نزال لا نعرف شيئا يذكر عن حكامها الأول وعن عددهم وعن مدد حكمهم وعن أمور أخرى من هذا القبيل، ولا نزال نجد الباحثين في أحوالها غير متفقين لا على مبدأ قيام حكومة حضرموت ولا على منتهاها وسقوطها فريسة في أيدي السبئيين، ثم لا نزال نراهم يختلفون أيضاً في عدد الحكام وفي مدد حكمهم.
والحكام الذين يذكر العلماء أسماءهم ليسوا بالطبع هم جميع حكام حضرموت، بل هم جمهرة الحكام الذين وصلت أسماؤهم إلينا مدونة في الكتابات، ولذلك لا نستبعد إن تزيد أسماؤهم في المستقبل، زيادة قد تكون كبيرة، وهي ستتوقف بالطبع على مقدار ما يعثر عليه من كتابات.
لقد تبين من بعض الكتابات الحضرمية إن عدداً من المكربين حكموا شعب حضرموت، وذلك قبل أن يتحول هذا الشعب إلى مملكة. و قد ذكر "فلبي" بعضهم في آخر القائمة التي رتبها بحسب رأيه لحكام حضرموت. ومن هؤلاء المكربين المكرب "يرعش بن أبيشع"، "يرعش بن أب يشع"،
يهرعش بن أب يشع" "يسكر ايل يهرعش بن أب يسع" "يشكر ايل يهرعش بن أببع" الذي ورد اسمه في كتابة سجلها "شكمم سلحن بن رضون" "شكم سلحان بن رضوان"، والظاهر إنه كان من الموظفين أو الأعيان البارزين في حكومة حضرموت. وقد كلفه المكرب بناء سور وباب وتحصينات لحصن "قلت" الذي يهيمن على واد تقطعه الطريق القادمة من مدينة "حجر" والمؤدية إلى ميناء "قانه" "كانه" "قنا"، كما كلف إنشاء جدر وحواجز في ممرات الوادي المهمة لحماية منطقة "حجر" والمناطق الأخرى من المغيرين ومن كل عدو يريد غزو حضرموت، ولا سيما الحمريين الذين صاروا يهددون المملكة، ويتدخلون في شؤونها. وقد وضع تحت تصرفه موظفين و معماريين للإشراف على العمل، وعمالاً يتولون أعمال البناء الذي تم في خلال ثلاثة أشهر تقريباً، وكان ذلك في السنة الثانية من سني "يشرح آل" "يشرح ايل" من آل "عذذ" "ذ عذذم"، ولسنا نعرف اليوم هذا التقويم: "تقويم يشح آل" الذي أرخت به الكتابة.
وقد أنجز "شكم سلحان" "شكم سلحن" العمل الذي كلف انجازه، فبنى الجدار والباب لحصن "قلت"، وبنى الحواجز والمواقع الأخرى للمواضع الخطيرة الرئيسية الواقعة في ممرات الوادي ومعابره، لتصد الأعداء والغزاة عن عبوره، وأنشأ استحكامات ساحلية لحماية البر مهن الهجوم الذي قد يقوم به العدو من جهة البحر. ويظهر إنه أقام حصوناً على لسانين كانا بارزين في البحر، فحمى بذلك الخليج الذي بينهما، كما حصن المنفذ المؤدي إلى وادي "أبنة" والى مدينة "ميفعة"، حيث بنى سوراً قوياً لها، وبرجين هما برج "يذان"، وبرج "يذقان"، وباب "يكن"، وأماكن حماية يلتجئ أليها الجنود إذا لزم الدفاع عن المدينة فضلاً عن بناء المواقع المذكورة وقد قام بهذا العمل الجنود بدليل ورود كلمة "أسدم" في النص، ومعناها الجنود.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:54 AM
وتوجد اليوم في "وادي لبنة" "لبنا" بقايا جدار كان يسد هذا الوادي في أيام مكربي حضرموت. ويظهر إن بانيه هو "شكم سلحن" "شكيم سلحان" المذكور، يبلغ ارتفاعها زهاء سبعة أمتار، وقد أقيم من أحجار مكعبة، قطعت من الصخر، ونحتت نحتاً جيداً، ونضد بعضها فوق بعض ووضعت بين سُوفها مادة من نوع السمنت، وفي وسط الجدار آثار باب عرضه خمسة أمتار لمرور الناس والقوافل منها. وقد بني هذا الجدار ليمنع المغيرين القادمين من الجنوب من الاتجاه نحو حضرموت، وذلك في ضمن الخطة العسكرية التي رسمت يومئذ لتحصين المدن المهمة و إحاطتها بأسوار وجدر قوية في الممرات المهمة والطرق المؤثرة من الوجهة الحربية لمنع الأعداء من الزحف على حضرموت. ويرى بعض الباحثين إن إنشاء هذا الجدار كان في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد.
ويرى بعض الباحثين إن الكتابة التي دوّنها "شكم سلحن" "شكيم سلحان" ووضعت على جدار "لبنا" وعثر عليها في مكانها، هي أقدم كتابة حضرمية وصلت إلينا حتى الآن، وتليها في القدم الكتابة التي عليها في "عقبة عقيبة" وتخص ممر "همريان"، شرق "شبوة". ويرجع هؤلاء زمن كتابة الكتابة الأولى إلى القرن ا الخامس أو أوائل القرن الرابع قبل الميلاد.
لقد كانت الغاية من سدّ الأودية بإقامة جدر قوية حصينة بين طرفيَ الوادي بحيث تمنع الناس من المرور في الوادي إلا من باب يشرف منه الجنود عليها، هو حماية حضرموت من غزو حمير. وكانت مساكن قبائل حمير إذ ذاك تجاور حضرموت. ولهذا صار الحميريون خطراً على حضرموت. ويفهم من إحدى الكتابات إن جدار "قلت" وحصنه إنما أقيما لصد غارات الحميريين وغزوهم المتوالي لأرض حضرموت. وقد جددت تلك الجدر والحصون ورممت مراراً وقوّيت بالحجارة الصلدة التي قدت من الصخر، إذ لم تتمكن من الوقوف أمام سيل غزاة حمير. والظاهر إن غزوهم كان مستمراً في أيام المكرب المذكور، فاضطر إلى بناء تلك العقبات والحواجز لمنعهم من تهديد شعبه.
لقد كانت مواطن الحمريين في هذا العهد في الجنوب وفي الجنوب الشرقي من "لبنا" "لبنه" ومدينة "ميفعة". ولم ينتقل الحميريون نحو الغرب إلى المواضع التي عرفت بأسمهم إلا في القرن الثاني قيل الجلاد، أو قبل ذلك بقليل. أما دولة حمير في أرض يافع وفي رعين وفي المعافر، فقد قامت في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد، واستمرت هجرة حمير إليها إلى ما بعد الميلاد. وقد أطلق "الهمداني" على أرض "يافع" اسم سرو حمير".
ويرى "فون وزمن" إن حمير كانت قد استولت على ميناء "قنا" "قانه" في أيام هذا المكرب. وهذا الميناء هو الميناء الوحيد لحضرموت الصالح للاتجار بحراً مع الهند و إفريقية، أخذته من حمير، وكانت تتحكم - على رأيه - بطول الساحل بين "عدن" و "قنا". ولها أسطول من السفن للاتجار مع الساحل الإفريقي الذي ربما كان خاضعاً لها في ذلك الزمن.
وورد في إحدى الكتابات التي عثر عليها "فلبي" اسم مكرب آخر من مكربي حضرموت يسمى "علهان بن يرعش" "علهن بن يرعش". ويظهر إن "يرعش" والد "علهان" هذا، هو "يرعش" المكرب المتقدم. وقد دوّن نص "Philby 103" لمناسبة إنشاء طريق في مطر "همربان" "Hamraban" الذي يقع شرق "شبوة". وقد انهم أنشئت هذه الطريق لتسهيل وصول القوافل إلى العاصمة، ولأسباب عسكرية قد يكون منها تسجل مسيرة الجيش إلى مقر الملك للدفاع عنه.
وقد زهد آخر "مكرب" من مكربي حضرموت في لقبه هذا، فتركه إلى لقب آخر يتسمى به، يدل على الحكم الدنيوي وحده وعلى السلطان والملك، وهو لقب "ملك" فتسمى به. وانتقلت حضرموت بذلك من طور إلى طور، وصار النظام فيها نظاماً ملكياً، و إذا سألتني عن اسم هذا المكرب الذي أبدل لقبه، فصار ملكاً، وصار بذلك آخر مكرب وأول ملك، وأول جامع للقبين في حكومة حضرموت، فإني أقول لك إن علمي به لا يزيد على علمك به، وان العلماء الباحثين الذين آخذ علمي منهم، لا يزالون في ذلك على خلاف، بل إن علمهم به لا يزيد، ويا للأسف، على علمك وعلمي به.
لقد وضع "فلبي" الملك "صدق آل" "صدق ايل" "صديق اي ل" طليعة ملوك مملكة حضرموت، وجعل زمان توليه العرش في حدود عام "1020 ق ? م، " أما "البرايت"، فوضع اسم الملك "يدع آل" "يدع ايل" في راس القائمة التي رتبها لملوك حضرموت، وجعله معاصراً ل "كرب آل" "كرب ايل" أول ملوك مملكة سبأ، وقد حكم على رأيه في حوالي سنة"450 ق. م."، ثم ترك فراغاً بعد هذا الملك يشير إلى إنه لم يهتد إلى معرفة من حكم بعده، وذكر بعد هذا الفراغ اسم الملك "صدق آل" "صدق ايل" الذي كان ملكاً على حضرموت ومعين. وقد ذكر أنه حكم في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد. والفرق كما ترى، كبير جداً بين تقدير "فلبي" وتقدير "البرايت".
وقد وضع "هومل" الملك "صدق آل" "صدق ايل" على رأس قائمة ملوك حضرموت، وعلى هديه سار "فلبي" في ترتيبه لملوك هذه المملكة. وكان على رأيه يعاصر الجماعة الثانية من جماعات ملوك معين. وذكر بعده اسم ابنه "شهر علن" "لشهر علان"، ثم "معد يكرب بن اليفع يثع" "معدكرب بن اليفع يثع" ملك "معين". وكان ل "معد يكرب" ابنان هما:"هوف عثت" "هو فعثت"، و "أب يدع يثع" "أبيدع يثع"، لم يتوليا عرش حضرموت بعد أبيها، والظاهر إن حضرموت اندمجت بعد وفاة "معد يكرب" في مملكة "معين" مدة لا نعرف مقدارها بالضبط. ويرى "فلبى" إنها زهاء ثلاثة قرون إلى نحو سنة "650 ق. م.".
ولدينا كتابة حضرمية من أيام "معد يكرب"، ورد فيها اسمه واسم "شهر علن بن صدق آل" ملك حضرموت، واسم "أب يدع يثع" ملك معين. وقد تقرب فبها صاحبها إلى الإلَه "عثتر ذ قبضم" "عثتر ذي قبض" ببناء يرج موضع "حرف"، وتيمن فبها أيضاً بذكر الآلهة: "عثتر شرقن" "عثتر الشارق" و "ود" و "نكرح"، وتشر هذه الكتابة إلى الروابط المتينة التي كانت بين العرشين: عرش حضرموت وعرش معين. فقد كان "معد يكرب" ملكاً على حضرموت، على حين كان شقيقه ملكاً على معين. ولا ندري إلى متى دام حكم هذه الأسرة التي جمعت بين عرشي المملكتين.
وقد عثر على هذه الكتابة في "معين" وقد طمست منها كلمات واردة قبل اسم "اب يدع يثع"، ولم يبق منها غير "... خي... شو"، فلم يعرف المقصود بهذين المقطعين الباقيين. أيقصد بهما ابن أخيه "أب يدع يثع"، أم يقصد بهما أخاه "أب يدع يثع" ? أم مؤاخيه وحليفه "أب يدع يثع" ? ويعود الضمير في هذه الجملة إلى "معد يكرب" صاحب هذه الكتابة. وقد ذهب "هومل" إلى أن المقصود بذلك "ابن أخيه". وعلى هذا يكون "أب يدع يثع" الواردُ في هذا النص الملك "أب يدع يثع بن اليفع ريام" شقيق "معد يكرب" ملك معين، وهو ابن أخي "معد يكرب" ملك حضرموت.
ولورود جملة: "ملك معين" بعد اسم "أب يدع يثع"، وهي جملة ترد في النصوص بعد اسم كل ملك للدلالة على أنه كان ملكاً - نستنتج أن "أب يدع يثع" كان ملكاً على معين زمن إلى تدوين هذه الكتابة - نعني أنه كان هو ملكاً على معين في الزمن الذي كان فيه "معد يكرب" ملكاً على حضرموت، وهذا يبدو غريبا ما ذهب إليه "فلبي" من أن "أب يدع يثع" حكم في حدود سنة "935 ق. م." وأن "معد يكرب" حكم في حوالي "980 ق. م." وأن مملكة "حضرموت" لم يكن عليها ملك في حدود عام "935 ق. م."، بل كانت تتبع ملكة معين، فإن هذا الرأي يخالف ما جاء في النص المذكور من تعاصر الملكين.
وقد ورد في كتابة معينية وسمت ب "Halevy 520"، اسم "معد يكرب
ابن اليفع"، وذكرت بعده جملة: "ملك معين"، فذهب العلماء إلى أن "معد يكرب" هذا هو "معد يكرب" ملك حضرموت الذي نتحدث عنه، وجعلوه ملكاً على معين وعلى حضرموت. ولكن هذا الرأي يخالف ما ذهبوا إليه في ترتيبهم لأسماء ملوك معين، وقولهم إن ملك معين كان في هذا العهد الملك "أب يدع يثع"، وهو ابن الملك "اليفع ريام بن اليفع يثع". وأعود فأكرر ما قلته مراراً من أن ترتيب الملوك يمثل آراء العلماء ويختلف باختلاف هذه الآراء، فلا مندوحة من الوقوف منها موقف المتفرج الباحث في هذا العهد.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:56 AM
وقد سجله هذه الكتابة لمناسبة بناء برج "ذو ملح" في مدينة "قرنو" عاصمة مملكة معين، وبرج آخر في مدينة "يثل" المعينية. وقد ورد في النص اسما مدينتي "يفعن" "يفعان" و "هرن" "هران" من مدن المعينين كذلك، كما ورد فيها اسم معبد الإلهَ "عثتر ذو قبض".
ويظهر إن هذه الكتابة قد كتبت في زمن مقارب لزمن الكتابة المعينية المعروفة "Glaser 1155"، التي تحدثت عن حرب نشيت بين "مذي" و "مصر"، فصاحبها "عم صدق بن حم عثت" "عمصديق بن حم عثت"، من "ذ يفعن" "آل يفعان"، ورجل آخر اسمه "سعد بن ولج" من "ذ ضفجن" "آل ضفجان". وكانا "كبيرين" في حكومة معين. وقد ورد فيها اسم "اب يدع يثع" "أبيدع يثع" ملك "معين" و "معد يكرب بن اليفع". وأصحاب كتابتنا المتقدمة المعروفة ب "Halevy 520" ثلاثة، هم: "عم صدق" و "عم يدع" و "عم كرب" أبناء "حم عثت" من "آل يفعان" "ذ يفعن". فأحدهم، وهو "عم صدق بن حم عثت" اسهم مع صاحبه "سعد بن ولج" في تدوين الكتابة الأولى وأسهم مع اخوته في تدوين هذه الكتابة الثانية التي ورد فيها اسم "معد يكرب" ابن "اليفع" ملك معين،
وقد كان معاصراً كما رأيت للملك "أب يدع يثع" ملك معين، ويكون زمن حكم "معد يكرب" في هذا الزمن الذي وقعت فيه تلك الحرب أو قبل ذلك. وقد ورد في أحد النصوص اسم "سعد" من "آل ضفجن"، و لم يذكر معه اسم أبيه، وكان "كبيراً" على "معين مصران"، وذلك في أيام الملك "أب يدع يثع" و "وقه آل ريمم" "وقه ايل ريام" ملك معين. ويلاحظ إن هذا النص قدم اسم "أب يدع يثع" على اسم "وقه آل ريام"، مع إن المعروف إن "أب يدع يثع" هو ابن "وقه ايل ريام" شقيق "معد يكرب" فهل يدل ذلك على إن "أب يدع يثع" كان شقيقاً للملك "معد يكرب" و ل "وقه ايل ريام" كما ذهب إليه بعض الباحثين ? وقد ورد في النص اسم مدينة "قرنو" أي عاصمة معين، و قبيلة "ضفجن" و "مزود معين"، وان "سعداً" أنشأ "مذاب" وعملها ?. وقد تيمن في النص بذكر أسماء آلهة معين. واسم "وهب آل بن رثدال" "وهب المجل بن رثد ايل" من "آل يفعان".
ويظهر من الأسماء الواردة في هذا النص، ومن مضمونه، ومن اسم ملك معين الوارد فبه، أن صاحب هذه الكتابة، "سعد" من "ضفجن" "ضفنكن" هو "سعد بن ولج" الذي اشترك مع "عم صدق بن حم عثت" وكان كبيراً مثله في الكتابة التي مر الحديث عنها. وقد رأيت أن "عم صدق" كان من "يفعان"، وقد ورد اسم "يفعان" في هذا النص فهو لذلك من نصوص هذا العهد.
وأشار "هومل" إلى الملك "يدع أب غيلان" بعد إشارته إلى "يدع ايل بين" "يدع آل بين" و "السمع ذبيان" ملكي حضرموت، وذكر أن الحميريين كانوا هم أصحاب الحل والعقد في ذلك الزمان. وذكر إن الذي تولى بعده هو "العز يلط" "العذيلط"، ولكنه لم يجزم أنه كان ابن "يدع أب غيلان". فأما "فلبي"، فقد جعله ابنه، غير إنه لم يضعه في هذا المكان.
وتطرق "هومل" إلى ذكر الملك "يدع آل" بعد الملك "معد يكرب" وقد جاء اسمه في النص الموسوم بي "Glaser 1000" الذي دوّن في مدينة "مرواح" وكان معاصراً للمكرب "كرب ايل وتيما" مكرب سبأ. وتحمل في نظره إن يكون "يدع ايل" هذا هو الملك "يدع ايل بين" الذي ذكر اسمه في الكتابة الحضومية المعروفة "SE 43". وهو ابن "سمه يفع"، وقد ذكر معه اسم الملك "السمع ذبين" "السمع ذبيان"، وهو ابن "ملك كرب" "ملكي كرب" "ملكيكرب".
و "غيلان" هو أول من تولى حكم حضرموت بعد هذه الفترة التي لم تعرف من حكم فيها بعد "معد يكرب" على رأي "البرايت". وقد حكم من بعده ابنه "يدع أب غيلان". وذكر "البرايت" إن اسم هذا الملك قد ذكر في كتابة عثر عليها في "وادي بيحان"، وهو يرى إن المحتمل إن يكون هو "يدع أب غيلان" الذي كان حليفاً ل "علهن نهفن" "علهان نهفان" ملك سبأ، وقد حكم على تقديره في حوالي سنة "50ق. م.".
وذهب "فون وزمن" إلى إن "يدع أب غيلان" المذكور كان معاصراً ل "علهان نهفان"، وان والده هو الملك "يدع ايل بين" وقد حكم على رأيه في حوالي السنة "140 ب. م.". وأما الملك "يدع أب غيلان" فقد حكم فهيما بين السنة "160 ب. م." إلى "190 ب. م.". وقد عقد صلحا مع "علهان نهفان" الهمداني.
أما "فلبي"، فقد رأى إن الذي حكم بعد هذه الفترة التي انتهت على حسب اجتهاده بحوالي سنة "650 ق. م." هو "السمع ذبيان بن ملك كرب" و "يدع ايل بين بن سمه يفع"، واندمجت حضرموت بعده في مملكة سبأ أو قتبان، ثم أصبحت جزءاً من مملكة سبأ إلى حوالي سنة "180 ق. م." حيث عادت فاستقلت، فتولى المُلك فيها الملك "يدع آل بين بن رب شمس" الذي كوّن أسرة ملكية جديدة اتخذت مدينة "شبوة" عاصمة لها.
وقد ذكر "البرايت" إن الذي حكم بعد "يدع أب غيلان" وهو ابن الملك "غيلان"، هو الملك "العذبلط" "العزيلط"، وقد نعته ب "الأول" وجعله معاصراً ل "شعرم أوتو" "شعر أوتر" ملك سبأ، وقد كان حكمه على تقديره في حوالي سنة "25 ق. م.".
وذهب "البرايت" إلى احتمال كون "العزيلط" هذا هو الملك "العزيلط بن عم ذخر" المذكور في كتابة عثر عليها في "وادي بي حان" في كتابات عليها "فلبي" في "عقلة" بحضرموت، غير إن "العزيلط بن عم ذخر" هو من المعاصرين للملك "شارن يعب يهنعم"، ولذلك لا يمكن إن يكون هو الملك "العزيلط" الذي لقبه "البرايت" بالأول، وجعله معاصراً للملك "شعرم أوتر" "شعر أوتر".
وقد وجد اسم الملك "العز" في كتابة حفرت على صخرة عند قاعدة جبل "قرنيم" "قرن"، كما عثر على اسمه في كتابات وجدت في "عقلة"، و "عقلة" موضع مهم عثر فيه على كتابات وردت فيها أسماء عدد من ملوك حضرموت، زاروا هذا المكان، وذكرت أسماؤهم فيه. وقد جاء في إحدى هذه الكتابات إن الملك "العزيلط" زار هذا الموضع، ورافقه في زيارته عدد من الزعماء والرؤساء، منهم: "شهرم بن والم" "شهر بن وائل" و "قريت ابن ذمرم" "قرية بن ذمر" و "ابفال بن القتم" "أبفأل بن القتم" و "وهب آل بن هكحد".
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:57 AM
وسجل هؤلاء الرجال ذكرى هذه الزيارة في هذا النص الذي وسم ب "Phliby 81". وقد ذكر فيه اسم والد "العذ" "العز"، وهو "عم ذخر" "عمذخر"، ولم يدوّن كاتبه حرف العطف "الواو" بين الأسماء ة ورفقة الملك هؤلاء الذين صحبوه في رحلته إلى حصن "أنود"، وان كانوا لم يفصحوا عن مراكزهم ومنازلهم الاجتماعية نستطيع إن نجزم إنهم كانوا من الوجهاء والأعيان، فرفقة تصاحب الملك للاحتفال بزيارة كهذه الزيارة لا بد أن يكون لها شأن بين الناس.
وتعد الكتابة التي وسما به "Philby 82" من الكتابات المهمة، وقد دونها رجلان من أشراف "حمير يهن"، أي من حمير، رافقا الملك في سفرته إلى حصن "أنود"، لإعلان نفسه ملكاً على حضرموت ولمناسبة تلقبه بلقبه، وهي عادة كان يتبعها ملوك حضرموت عند توليهم الملك وتلقبهم بلقب جديد لم يكن يتلقبون به قبل انتقال العرش إليهم. ولسنا نعرف متى نشأ هذا التقليد عند ملوك حضرموت، ولا السبب الذي دفعهم إلى اختيار هذا المكان دون غيره. و لعله كان من الأماكن المقدسة القديمة عندهم، فكانوا يتبركون بتتويج أنفسهم قيه،
أو إنه كان قلعة أو موضعاً قديماً فجرت العادة إن يتوج الملوك فيه. وقد كان هذان الرجلان بعثهما "ثارين يعب يهنعم" ملك "سبأ وذي ريدان" لمرافقة ملك حضرموت في هذه المناسبة. والظاهر إن ملك سبأ إنما بعثها لتهنئة ملك حضرموت ولتمثيله في هذا الاحتفال المهيب الذي بحري في "أنود"، فهما مبعوثان سياسيان من ملك إلى حليفه. وقد سجل "العذيلظ" "العزيلط" هذه المناسبة في كتابة قصيرة ورد فيها "العزيلط ملك حضرموت بن عم ذخر سيراد جندلن أنودم هسلقب"،أي "العزيلط ملك حضرموت ابن عم ذخر سار إلى حصن أنود ليتلقب بلقبه..." وقد كتبت هذه الكتابة في الزمن الذي دونت فبه الكتابتان الأخريان عن زيارة الملك لحصن "انود" عند إعلان لقبه الجديد وتوليه العرش رسمياً، غير إننا لا نعرف - ويا للأسف - تأريخ هذه المناسبة.
وذكر اسم الملك "العزيلط بن عم ذخر" في كتابة دوّنها جماعة من الأعيان عند تتويجه وتوليه العرش و إعلان ذلك للناس في حصن "أنود". وأصحاب هذه الكتابة هم: "نصرم بن نهد" "نصر بن نهد" و "رقشم بن أذمر" "رقاش بن أذمر"، و "والم بن يعللد" "وائل بن يعللد"، و "والم بن بقلن"، و "ابكرب ذو دم" "أيكرب ذو ود". وقد ورد إنهم ساعدوا الملك سيدهم "العزيلط بن عم ذخر
العذيلط بن عم ذخر" حين ذهب إلى حصن "أنود" لإعلان نفسه ملكاً. ويظهر من ذلك إنهم كانوا من جملة رجال الحاشية الملكية التي صحبت الملك إلى ذلك المكان. ووردت نصوص أخرى سجلها رجال الحاشية الملكية تخليداً لاسمهم في هذه المناسبة. وقد سجل كتابة من هذه الكتابات رجل اسمه "حصين بن ذا ييم مقتوي العزيلط ملك حضرموت"، "حصين بن ذ أييم مقتوي العزيلط ملك حضرموت"، ويظهر إن هذا الرجل كان من قواد جيش الملك وضباطه ولعله كان من مرافقيه.
وقد منح بعض علماء العربيات الجنوبية هذا الملك، أي الملك "العز بن عم ذخر" "العذ" لقب "العز الثالث"، لذهابهم إلى وجود ملكين حكما قبله عرفا بهذا الاسم. ورأى "ركمنس" إن حكمه كان في حوالي السنة "200 ب.م.".
وقد ورد في كتابة حضرمية اسم ملك دعي ب العذ" "العز" ابن "العزيلط" "العذيلط" ملك حضرموت، فيظهر من ذلك إن والد هذا الملك كان ملكاً كذلك، ولم يشير أحد من الباحثين مثل "فلبي" أو "البرايت" إليه. ولعله ابن للملك المتقدم، وصاحب هذه الكتابة رجل اسمه "هبسل قرشم" وتذكرنا كلمة "قرشم" "قريشم"، أي "قريش" باسم قبيلة "قريش" صاحبة مكة.
ولم يتأكد "البرايت" من اسم الشخص الذي تولى العرش بعد "العزيلط"، فترك فراغاً ذكر بعده ملكاً سماه "العزيلط" "العذيلط" ميزه عن الأول بإعطائه لقباً، هو "الثاني". وقد رأى إنه كان معاصراً للملك "ثأرن يعب يهنعم" ملك سبأ. أما والد "العز الثاني" على رأيه فهو "علهان" أو "سلفان". ويرى "فلبي" إن "علهان" أو "سلفان" هو ابن "العزيلط" الأول. وقد سبق إن ذكرت إن "ثأرن يعب يهنعم" كان لحيفاً للملك "العذيلط بن عم ذخر"، وأنه أرسل وفداً لتهنئته بتتويجه و إعلانه لقبه الجديد. لذلك يبدو غريباً ما ذهب إليه "البرايت" من إن "العزيلط الثاني بن علهان" أو "سلفان" هو الملك المعاصر للملك "ثأرن يعب" السبئي.
ويحتمل على رأي "البرايت" إن يكون "العزيلط" "العذيلط" الذي ورد ذكره في النص "Glaser 1619=1430" الذي عثر عليه في "وادي بيحان" ويعود تأريخه إلى سنة "144" من التقويم السبئي التي تقابل سنة "29 م" تقريباً، هو "العزيلط الثاني". ويحتمل على رأيه أيضاً إن يكون هو الملك "Eleazos" الذي ذكر في كتاب ""الطواف حول البحر الأريتري" . وكان هذا الملك معاصراً لملك آخر سماه مؤلف هذا الكتاب "Karibael" = "Charibael" وهو ملك الحميرين والسبئيين، وقد أراد به الملك "كرب ايل وتر يهنعم"، وهو "ملك سبأ وذي ريدان" المذكور في النص "Glaser 483".
أما "فون وزمن"، فيرى إن كاتب النص قد أهمل الرقم ثلاث مئة فكتب مئة وأربعة وأربعين، على حين إن الصحيح هو "344" من التقويم الحميري، واذن يكون زمان تدوين الكتابة هو "299" أو "235" بعد الميلاد وهو وقت حكم "العزيلط بن عم ذخر" على تقديره.
وجاء اسم ملك يدعى "العزيلط" "العذيلط" في كتابة سجلها رجلان، يدعى أحدهما "عذ ذم بن اب انس" "عذ ذ بن أب انس" ويدعى الآخر "رب آل بن عذم لت" "رب ايل بن عذم لات"، وهما من عشيرة "مريهن" "مريهان"، ذكر فيهما انهما قسما إلى معبد الإلهَ "سن ذ علم" "سين ذي علم" في معبده "علم" المشيد في مدينة "شبوة"، سبعة تماثيل من الذهب "سبعة أصلم ذهبن"، كما أمرهما سيدهما الملك. ويظهر انهما كانا من حاشيته وأتباعه. وقد أهملت هذه الكتابة اسم والد هذا الملك، فلا نعرف أي ملك هو، اهو "العزيلط الأول"، أم "العزيلط الثاني
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:59 AM
وقد ورد في بعض الكتابات ما يقيد استقبال "العزيلط" لضيوف وفدوا عليه من مختلف الأماكن: من الهند "هند"، ومهن "تدمر" "تذمر" ؛ وضيوف آراميون جاءوا إليه من "كشد"، بل ورد في الكتابة "Ja 919" مرافقة عشر نساء قرشيات له إلى حصن "أنود". و إذا كانت الكتابة قد قصدت من "قريش" قريش المعروفة صاحبة مكة، نكون بذلك قد وقفنا لأول مرة على اسمها في وثيقة مدونة.
و لإشارة النصين المذكورين إلى الهند وتدمر وإلى بني إرم وقريش، أهمية كبيرة ولا شك، إذ تدل على الاتصال الذي كان لمملكة حضرموت بالعالم الخارجي في ذلك الزمن، وعلى الروابط التجارية التي كانت تربط ذلك العالم بحضرموت. وقد كان اتصال حضرموت بالخارج عن طريق ميناء "قنا"، فقد كانت السفن تأتي إليه وتخرج منه لتذهب إلى إفريقية والهند وُعمان وأرض فارس.
وترك "البرايت" فراغاً بعد "العزيلط الثاني"، مغزاه إنه لا يدري من حكم بعد "العز" هذا، ثم ذكر بعده اسم "يدع أب غيلان بن امينم" "يدع أب غيلان بن أمين"، ثم جعل اسم ابنه من بعده، وهو "يدع ايل بين"، أي إنه هو الذي تولى الحكم من بعده. وقد بيّن إنه غير متأكد من زمان حكمهما، إلا إن دراسة الكتابات التي ذكر فيها اسمهاهما تدل على إنها من نوع كتابات القرن الأول للميلاد، ولذلك وضع زمانهما في هذا العهد.
ومن الكتابات التي ذكر فيها اسم "يدع ايل بين"، أي ولد "يدع أب غيلان بن أمينم" الكتابة التي وسمها العلماء بسمة "Glaser 1623"، وهي كتابة قصيرة تتألف من أربعة أسطر، ورد في جملة ما ورد في ما اسم الإله "سين ذو علم"، أي الإله "سين" رب معبد "علم". وكان معبد "علم" قد خصص بعبادة هذا الإلهَ.
وقد وصلت إلينا كتابة أخرى ورد فيها اسم "يدع ايل بين"، إلا إنها لم تذكر لقب والده، وهو "غيلان"، وانما اكتفى فيها بتسجيل الاسم وحده وهو "يدع أب". وقد ذكر فيها إن هذا الملك بنى وحصن سور مدينة "شبوة" ابتغاء وجه الإلهتين. "ذات حشولم" "ذت حشولم" "ذات حشول" و "ذت حمم" "ذات حميم"، وذكر فيها اسم "صدق ذخر" "كبر" "كبير" حضرموت. ويظهر إن الغرض من ذكر اسم هذا الكبير "كبير" في النص، إن تؤرخ الكتابة به على في ما رأينا في الكتابات المعينية من التأريخ بأسماء الرجال.
ولم يذكر "البرايت" من حكم بعد "يدع ايل بين"، فترك فجوة تدل على إنه لا يدري من حكم فيها، ثم ذكر بعدها ملكاً آخر، سماه "يدع أيل بين"، قال: إنه ابن "سمه يفع"، ثم ذكر "السمع ذبيان بن ملكي كرب" "مليكرب" من بعده، وقال إنهما كانا متعاصرين. وشد حكما حكماً مزدوجاً، أي إن كل واحد منهما كان يحكم بلقب "ملك حضرموت". وكان حكمهما في حوالي السنة "100" بعد الميلاد على بعض الآراء.
ثم عاد "البرايت"، فترك فراغاً بعد "السمع ذبيان"، دلالة على وجود فجوة في ترتيب أسماء ملوك حضرموت، لا يدري من حكم فيها، ثم ذكر بعدها الملوك: "رب شمس" "ربشمس" ثم "يدع ايل بن" ثم "الريم يدم" ثم "يدع اب غيلان".
وقد ذكرت اسم "رب شمس" قبل قليل، وقدمت زمانه بعض التقديم، وذلك حكاية عن رأي بعض العلماء وفي ضمنهم "فلبي" الذي جعل حكمه في حوالي سنة "180 ق. م."، ثم عدت لأذكره هنا مجاراة لرأي "البرايت" الذي وضعه في أواخر قائمته لملوك حضرموت. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن حكم هذا الملك كان بعد سنة "200 ب. م."، وفرق كبير كما نرى بين التقديرين.
وقد جعل "فون وزمن" زمان "رب شمس" بين السنة "100" و "120 ب. م."، وصيّره من معاصري "اوسلت رفش" "أوسلة رفشان" ملك همدان ومن معاصري الفترة الواقعة بين حكم "ذمر علي يهبر" و "ثأران يعب" الحميربين. ثم البقية التي جاءت بعده، وتتألف من "يدع آل بين" "يدع ايل بين"، ثم "الريم يدم" "الريام يدم"، ثم "يدع اب غيلن" "يدع أب غيلان"، ثم "رب شمس" "ربشمس" وقد جعل نهاية حكمه سنة "180 ب. م.".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:00 AM
وبعد النصر الموسوم ب "Philby 84" من النصوص المهمة بالنسبة إلى تأريخ مدينة "شبوة"، وقد كتب في عهد "يدع ايل بين بن رب شمس"، وجاء فيه إن "يدع ايل بين بن رب شمس" من "أحرار يهبأر" "أحرار يهبار" "أحرر يهبر" مر مدينة "شبوة" وأقام بها، وبنى المعبد بالحجارة، وذلك بعد الخراب الذي حل بها، وعمر ما تهدم وتساقط منها، وانه احتفالاً بهذه المناسبة أمر بتقديم القرابين، فذبح "35" ثوراً و "82" خروفاً و "25" غزالاً و "8" فهود "أفهد"، وذلك في حصن "أنود".
وقد حدثنا هذا النص حديثاً صريحاً باًن أصل "يدع ايل بين" من أحرار "يهبأر" "أحرر يهبر" أي من صرحاء القبيلة، وحدثنا أيضاً بأنه بنى مدينة شبوة، وعمّر مجدها وكسا جدره بطبقة من القار أو غيره لتكون ملساً، من أساسها إلى شرفاتها، وذلك بعد الخراب الذي حل بشبوة، إلا إن الملك لم يتحدث عن سبب ذلك الخراب الذي أصاب المدينة ومعبدها معها، وهو خراب كبير على ما يظهر، فتركنا في حيرة من أمره، وتباينت آراء الباحثين فيه.
ويرى "البرايت" إن النص المذكور هو من نصوص القرن الثاني بعد الميلاد. أما "ركمنس" فيرى إنه من نصوص ما بعد السنة "200" بعد الميلاد.
فهو إذن نص يكاد يجمع أكثر علماء العربيات الجنوبية على إنه من نصوص بعد الميلاد. و إذا صدق رأي هؤلاء، كان خراب شبوة إذن و إعادة تعميرها قد وقعا بعد الميلاد.
وقد ة فَسر بعض الباحثين خراب "شبوة" باستيلاء أحد ملوك "سبأ وذي ريدان" عليها، فلما نهض "يدع ايل بين"، لاستردادها من السبئيين، وقع قتال شديد فيها بينه وبينهم في المدينة نفسها، لم ينته إلا بعد خراب المدينة وتدمير معبدها معبد الإلهَ "سين". وعندئذ ارتحل عنها السبئيون، فاضطر "يدع ايل" الذي طردهم منها إلى إعادة بناء المدينة والمعبد، فلما تم له ذلك، احتفل بهذه المناسبة، أو بمناسبة تتويجه ملكاً على حضرموت في حصن "أنود" وقرّب القرابين إلى إلَه حضرموت "سين" وإلى بقية الآلهة، شكراً لها على ذلك النصر، وعلى النعم التي أغدقتها عليه. هذا في رأي فريق من علماء العربيات الجنوبية.
ورأى فريق آخر إن في خراب "شبوة" سبباً من سبيين، فإما إن يكون "يدع ايل" وهو من أحرار قبيلة "يهبأر"، قد أعلن الثورة على السبئيين الحميرين الذين كانوا قد استولوا على شبوة، وقاومتهم مقاومة عنيفة أدت إلى الحاق الأذى بالمدينة، فلما تركها السبئيون الحميريون كانت ركاماً، فأعلن "يدع ايل" نفسه ملكاً على حضرموت، بعد إن ظلت المملكة بدون ملك. وإما إن يكون ذلك الخراب بسبب عصيان "يدع ايل" على الأسرة المالكة الشرعية ومقاومته لها، مما أدى إلى إنزال التلف في المدينة، فلما تغلب على الآسرة المالكة أعاد بناء المدينة وجددها وجدد معيدها على في ما جاء فقط النص.
وليس في النصر شيء ما عن الطريقة التي كسب بها تاج حضرموت، إلا إن إشارة وردت في كتابة تفيد إن بعض الأعراب ورجال القبائل كانوا قد تعاونوا معه وساعدوه، فقد عاونه رجل من قبيلة "يم" "يام"، ومئة من بني أسد، ومئتان من "كلب" أو "كليب"، وعاونه ولا شك آخرون، وبفضل هؤلاء وأمثالهم من رجال القبائل تغلب على من ثار عليهم، فانتزع التاج منهم. والإشارة المذكورة على إنها غامضة، كافية في إعطائنا فكرة عمن ساعد "يدع ايل" على الظفر بالعرش.
ويظهر من كل ما تقدم إن "يدع ايل بين"، وهو من أبناء العشائر، كان قد جمع حوله جماعة من القبائل، ساعدته في عصيانه وتمرده على السلطة الحاكمة في "شبوة" فاستولى على المُلك وقد جاء بعده عدد من الملوك، إلا إن الأمر أفلت زمامه منهم، إذ نجد إن الملك "شمر يرعش" "شمر يهرعش" يضيف "حضرموت" إلى الأرضين الخاضعة لحكومته، حتى صار اسم حضرموت منذ ذلك الحين جزءاً من اللقب الذي يلقب به الملوك. ومعنى ذلك انقراض مملكة حضرموت ود*********ها في حكومة "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" اللقب الرسمي الذي اختاره "شمر" المذكور نفسه.
ويرى "فون وزمن" إن الكتابة الموسومة ب Jamme 629 ، من الكتابات التي تعود إلى أيام هذا الملك. وقد جاء فيها إن "مرثدم" "مرثد" و "ذرحن" "ذرحان"، وهو قائد من قواد جيش "سعد شمع أسرع" و "مرثدم يهحمد" من "آل جرت" "آل جرة"، قد حاربا الملك "يدع آل" "يدع ايل" ملك حضرموت والملك "نبطم" "نبط" ملك قتبان، و "وهب آل بن معهر" "وهب ايل بن معاهر" و "ذ ا*********ن" "ذو *********ان" "ذ *********ن" و "ذ خصبح" "ذو خصبح" و "مفحيم" "مفحى" حارباهم في أرض "ردمان" قرب العاصمة "وعلن" "وعلان".
ويرى "فون وزمن" إن هذه الحرب قد وقعت في أواخر أيام حكم الملك "نبطم" "نبط" ملك قتبان، المعروف ب "نبطم يهنعم"، وقد لقب في هذه الكتابة بلقب: "ملك قتبان"، إلا أنه كان في الواقع تابعاً لحكم ملك حضرموت. وقد كانت "تمنع" - كما يرى هو أيضاً - قد خربت قبل هذا العهد، و تحولت إلى قرية صغيرة. وقد التقت عساكر "سعد شمس" و "مرثد" بخصومها قرب هذا المكان. ولم تكن "أوسان" مملكة في هذا العهد، بل كانت قبيلة. وقد أذلت "شيعان" بعد هذه الحرب.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:01 AM
وأما "مرثد" "مرثدم" صاحب الكتابة، فهو من "ذ بن جرفم" "بني ذي جرفم" "بني ذي جرف" ب "صنعو"، أي "صنعاء". وقد عمل مع الملكين: "سعد شمس أسرع" و "مرثدم يهحمد"، وهما من ملوك مملكة "جرت" "جرة"، لتنظيم اجتماع لسادات القبائل في موضع "رحبت" "رحابة" الواقع شمال صنعاء، بأرض "سمعي". وقد حضر الاجتماع: "شرحثت"، وهو من سادات "بتع" و "الرم" "الرام" "الريام"، وهو من "بني سخيم"، و "يرم ايمن" الهمداني. ويظهر إن ملكي "جرة" كانا قد استحوذا على مرتفعِات سبأ في هذا الحين.
وكان "وهب آل بن معهر" "وهب ايل بن معاهر" صاحب "ردمان" "ردمن" والأرضين المتاخمة ل "*********ان" في هذا الوقت. وقصد ب "معهر" دار الحكم بمدينة "وعلن" "وعلان" من أرض "ردمان".
وأما "خصبح"، فبطن من بطون قتبان.
وتولى الملك بعد "يدع ايل بين" ابنه "الريم يدم" "الريام يدم". ونحن لا نعرف من أمره شيئاً يذكر، إلا ما ورد في كتابة تذكر إنه ذهب إلى حصن "أنود"، واحتفل هناك بتوليه العرش، و إعلانه لقبه الذي اتخذه لنفسه، و إلا ما ورد في كتابة أخرى، دوّنها "رب شمس بن يدع أيل بين"، أي شقيق "الرم يدم"، تذكر إنه رافق شقيقه إلى حصن "أنود" عند المناسبة المتقدمة، فكان من جملة المشاهدين لحفلة التتويج.
ولا نعرف من أمر ""يدع أب غيلان" شقيق "الريم يدم" شيئاً يذكر كذلك. وقد جعله "البرايت" خليفة شقيقه المذكور. وكل ما لدينا عنه، لا يتجاوز ما ذكرناه عن شقيقه. فقد جاء في كتابة إنه ذهب إلى حصن "ازود"، فاحتفل فيه بتتويجه وأعلن في الاحتفال اللقب الذي لقب نفسه به، وجاء في كتابة أخرى سجلها "رب شمس"، أي شقيقه، إنه ذهب مع أخيه "يدع أب" إلى حصن "أنود" لمشاهدة الاحتفال بتتويجه و بإعلانه اللقب.
وقد ورد في أحد النصوص إن "يدع أب غيلن" "يدع أب غيلان"، سوّر مدينة "ذ غيلن". و يرى بعض الباحثين، إن هذا الملك كان قد بنى هذه المدينة في أرض قتبانية فتحت في أيام والده، في مكان يقع عند فم وادي "مبلقه" "مبلقت" المؤدي إلى وادي "بيحان".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:04 AM
ويشك بعض الباحثين في صحة قراءة اسم المدينة.
وفي الكتابة المرقمة برقم Philby 88 جملة هي: "رب شمس خير اسدن بن يدع آل بين"، ترجمها "بيستن" ب "رب شمس أمير أسد بن يدع ايل بين" على إن "أسداً" قبيلة، واستدل على ذلك بما جاء في إحدى الكتابات من إن الملك "ختن أسد"، ومعنى ذلك إنه كان ختناً ل "بني أسد". وأرى إن لفظة "اسدن" "اسد" هنا لا تعني قبيلة أسد و إنما تعني جنوداً أو جيشاً، وهي بهذا المعنى في العربيات الجنوبية، فان لفظة "اسدم" تعني الجندي، وان المراد من جملة "رب شمس خبر اسدن" "رب شمس أمير الجند" أو "الجيش"، أي إن لفظة "خير" بمعنى أمير أو قائد، وخير القوم سيدهم، فيكون بذلك قائداً أو أميراً لجيوش حضرموت.
وبناء على ما تقدم نكون قد عرفنا اسم ثلاثة أولاد من أبناء "يدع ايل بين" تولى الملك اثنان منهم على وجه أكيد، أما الثالث، وهو "رب شمس" فلم تصل إلينا كتابة تذكر ذهابه إلى حصن "أنود" للاحتفال بتتويجه و إعلان لقبه. لذلك لا نستطيع إن نبت في موضوع توليه عرش حضرموت. ولم يذكر "البرايت" اسمه بين أسماء أبناء "يدع ايل بين". وقد استخرجته أنا من الكتابات التي ذكرتها، وهي الكتابات التي استنسخها "فلبي" من موضع "عقله".
وفي اللوح النحاس المحفوظ في المتحف البريطاني اسم ملك من ملوك حضرموت هو "صدق ذخر برن" "صدق ذخر بران"، ووالده "الشرح"، وقد ذكر فيه إن هذا الملك قدم نذوراً إلى الآلهة: "سين" و "علم" و "عثتر" لخيره ولخير "شبوة" ولخير أولاده وأفراد أسرته، وقد وردت فيه أسماء قبائل يظهر إنها كانت خاضعة في هذا الزمن لحكمه هي: "مرشد" و "أذهن" "أذهان"، و "ينعم". ولورود اسم "شبوة" في هذا النص، يجب إن يكون هذا الملك قد حكم بعد تأسيس هذه المدينة.
وذكر "هومل" إنه وجد محفوراً على الجهة الثانية من اللوح النحاس "مونكراما" Monogramm طغراء تشير إلى اسم الملك الذي كان ? حضرموت في ذلك الزمن، وقد دعاه "هومل" "سعد شمسم" "سعد شمس".
وورد اسم ملك آخر من ملوك حضرموت، هو: "حي آل" "حي ايل"، وقد ورد اسمه في نقد حضرمي. وما نعرف من أمره في الزمن الحاضر شيِئاً.
ولم يشر "البرايت" و "فلبي" و "هومل" وغيرهم إلى اسم ملك حضرمي ورد ذكره في النص المرقم ب رقم "948" المنشور في كتاب CIH. وهو نص متكسر في مواضع متعددة منه، أضاعت علينا المعنى. واسم هذا الملك "شرح آل" "شرح ايل" "شرحبيل".
وقد سقطت كلمات قبل هذا الاسم، لعلها تكملته. وقد وردت بعده جملة: "ملك حضر..."، وسقطت الأحرف الباقية من كلمة حضرموت وكلمات أخرى.
وقد ورد في النص المذكور اسم "شمر يهرعش" ملك "سبأ وذي ريدان وحضرموت و يمنات". ويدل ورود اسم "شمر يهرعش" في هذا النص مع اسم "شرح ايل" على إن الملكين كانا متعاصرين، ويدل هذا النص على إن مملكة حضرموت بقيت إلى ما بعد الميلاد، وحتى أيام "شمر يهرعش"، يحكمها حكام منهم، يحملون لقب "ملك".
وكان آخرهم هو "شرح ايل" هذا المدون اسمه في النص المذكور. ولكنه لم ي كن مستقلاً كل الاستقلال، بل كان تحت حماية "شمر يهرعش" ووصايته. ودليلنا على ذلك ذكر "شمر" في النص خ "شرح ايل" و إدخال اسم "حضرموت" ضمن أسماء المواضع الخاضعة لحكم "شمر"، أي في اللقب الرسمي الذي اتخذه "شمر" لنفسه بعد استيلائه على حضرموت.
وعثر على نص وسم ب Ja 656، جاء فيه اسما ملكين من ملوك حضرموت أحدهما "رب شمس"، الآخر "شرح أيل" "شرح آل". وليس في النص ما يكشف عن هوية الملكين، وأرى إن "رب شمس" هذا هو "رب شمس" المتقدم شقيق الملكين، وابن "يدع ايل بين". و إذا صدق رأيي هذا، يكون قد تولى الملك لمدة قليلة، تولاه بعد وفاة شقيقه "يدع أب غيلان" ثم انتقل العرش إلى "شرح ايل"، وهو في نظري "شرح ايل" الذي اعترف بسيادة "شمر يهرعش" وسلطانه عليه كما تحدثت عنه.
وقد يكون أحد أبناء "رب شمس" وقد يكون حمل لقب "ملك حضرموت" مع "رب شمس" في إن واحد. وهذا النص هو بالطبع أقدم من النص المتقدم الذي ورد فبه اسم "شمر يهرعش".
لقد جعل بعض علماء العربيات الجنوبية سقوط مملكة "حضرموت" واندماجها نهائياً في مملكة "سبأ وفي ري دان" في أيام "شمر يهرعش"، وبعد السنة "300 ب. م.". و اود إن آبين هنا إننا لم نظفر بكتابة عربي جنوبية، فيها شيء عن كيفية سقوط مملكة حضرموت، وعن كيفية استيلاء "شمر يهرعش" أو غيره من الملوك عليها، فنحن لهذا في وضع لا يسمح لنا بوصف نهاية تلك المملكة وذكر الأحداث التي أدت إلى سقوطها واندماجها في مملكة سبأ وذي ريدان.
وقد ذهب بع ض الباحثين إلى إن سقوط حضرموت كان في القرن الرابع بعد الميلاد، وقبل احتلال الجيش للعربية الجنوبية بقليل. وقد وقع هذا الاحتلال على رأيهم فيما بين السنة "335 ب. م." والسنة "370 ب. م.".
وقد أدت فتوحات "شمر يهرعش" لحضرموت، ولأرضين أخرى تعد من المناطق الخصبة الكثيفة بسكانها في جزيرة العرب، إلى هجرة الناس عنها إلى مناطق بعيدة نائية، وإلى نزول الخراب في كثر من القرى والمدن، إذ تهدمت بيوتها ومعابدها، و قتل كثير من أهلها، وأتت النار على بعضها حرقاً ،فتحولت منازل الناس إلى خرائب، وجفت مزارعهم فآضت بوادي، فهجرها أهلوها ولم يعودوا إليها بعد هذا الخراب.
فزادت مساحة الصحاري، ولم تعمر منذ ذلك الحين. وقد زاد في نكبة العربية الجنوبية هذه إن حروب "شمر يهرعش" المذكورة استمرت زمناً طويلاً، وشملت أكثر اليمن حتى بلغت البحر، مما أطمع الجيش في العربية الجنوبية، فزادت قواتها في الأرضين التي احتلتها، وتوغلت في مناطق وَاسعة، ولا سيما بعد موت "شمر يهرعش".
هذا، وقد انتهت إلينا كتابات عدة تعرضت لأنباء الحروب التي نشبت بين حضرموت وسبأ، وبين حضرموت وحكومات أخرى، منها كتابات لم تذكر فيها أسماء الملوك الذين وقعت في أيامهم تلك الحروب، كالكتابة المرقومة ب "4336" المنشورة في كتاب Rep. Epig . وقد قدم صاحبها إلى إلهه الشكر والحمد، وتمثالين من الذهب إلى معبده في "نعلم" لأنه نجَّى سيده "بشمم" "بشم" ومَنَّ عليه بالشفاء من الجرح الذي أصابه في المعركة التي نشبت في مدينة "ثبير" في أرض "يحر".
وهي معركة من معارك نشبت بين "شمر ذي ريدان" و "أب أنس" من قبيلة "معهرم" "معهر" "معاهر" وأمراء "*********ان" وملك سبأ وملك حضرموت. ولما كانت هذه الِكتابة قد كتبت لإعلان شكر صاحبها لإلهه وإعلانه بوفائه لنشره، وهي في موضوع شخصي لم تكن متبسطة في أخبار تلك الحرب المزعجة، لذلك اكتفيت بذكرها أجمالاً دون تفصيل. أما نحن العطاش إلى معرفة خبر تلك الحرب، وما كان من أمرها، فقد خرجنا بعد قراءتنا لهذا النص ونحن آسفون على بخل صاحبها علينا وتغيره في تفصيل خبر هذا الحادث المهم، وشاكرون الله مع ذلك على سلامة رجل وقاه الله شر تلك الحرب.
هذا ما وصل إلى عمنا من أسماء ملوك حضرموت و "مكربيها". ولست أرى بأساً في التنبيه مرة أخرى على إن هذه الأسماء لم ترتب إلى الآن ترتيباً زمنياً مضبوطاً، وإنما رتبت على حسب اجتهاد الباحثين. ولذلك نجدهم يختلفون في هذا الترتيب وغيره، في أسماء الملوك. وسجلنا الآن إن نحاول جهد الإمكان حصر هذه الأسماء حتى يأتي اليوم الذي نستطيع فيه الترتيب والتصنيف.
والظاهر إن حكم الحمريين لحضرموت، لم يتحقق بصورة فعلية، بل كان في اواخر أيامهم، ولا سيما في أواخر القرن الخامس وابتداء القرن السادس للميلاد، حكماً شكلياً، لأننا نجد أرض حضرموت وقد استقل فيها حكام المدن وسادات القبائل وأشراف الأودية، وقد لقب أكثرهم أنفسهم بلقب "ملك". وقد ذكر "ياقوت الحموي" إن بني "معد يكرب بن وليعة" وهم: مخوص، ومشرح، وجمد، و أبضعة، كانوا يسمون ملوكاً، لأنه كان لكل واحد وادٍ يملكه. والواقع إن كثيراً من سادات القبائل قبل الميلاد وبعده، كانوا يلقبون أنفسهم بلقب ملك، ولكنهم لم يكونوا غير سادات قبائل وأصحاب أرض.
?
?قبائل حضرمية
وفي حضرموت كما في كل الأماكن الأخرى من جزيرة العرب قبائل و عشائر وأسر ذوات حكم وسلطان وجاه في مواطنها، وقد ورد أسماء عدد منها في الكتابات، ومن قبائل حضرموت وعشائرها وأسرها: "شكمم" ، أي "شكم" "شكيم"، وعشير "يشبم" "يشبوم".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:05 AM
ويرجع نسب عشيرة "رشم" إلى قبيلة "مقنعم" "مقنع" أو "يقنعم" كما جاء في بعض الكتابات، وهو اسم قبيلة لا نعرف من أمرها شيئاً في الزمن الحاضر، وكان يحكمها "أقيال" منهم: "هو فعثت" و "لحى عثت"، وهما من موضع "عليم"، أي "علب". وقد جاء في نص انهما قدّما وثناً "صلمن" إلى الآلهة "عثتر" و "هبس" "هوبس" و "المقه" و "ذت حمم" "ذات حميم". وقد يفهم من ذلك إن هذه القبيلة كانت قبيلة سبئية، نزحت إلى حضرموت، واستقرت فيها، أو إنها كانت من القبائل السبئية التي خضعت لحضرموت.
و "يهبأر" "يهبر" "يهبار" من القبائل المعروفة في العربية الجنوبية، ولا يستبعد إن تكون قبيلة Iobaritai التي ذكر اسمها "بطلميوس" ? وكانت منازلها على ما يظهر من جغرافيته على مقربة من الموضع الذي سماه Sachalitai أي "الساحل" أو "السواحل"، فهي من القبائل العربية الجنوبية التي لا تبعد منازلها عن الساحل كثيراً، وقد كان "يدع ايل بين بن رب شمس" من أبنائها الأحرار.
قبيلة "أسد" من القبائل العربية الشمالية المعروفة بعد الميلاد. أما في نصوص المسند، فليست فيها معروفة. ويظهر إن قسماً منها كان قد نزح من نبد إلى الجنوب حتى بلغ أرض حضرموت، فساعد "يدع ايل بين". ولعل نزوحها إلى الجنوب كان بسبب خلاف وقع بين عشائرها أو مع قبائل أخرى، فاضطر قسم منها إلى الهجرة إلى العربية الجنوبية.
و "يام" من القبائل المعروفة حتى اليوم، وتسكن عشائر منها حول نجران.
وأما "كلب" أو "كليب"، فإنها من القبائل التي يرجع النسابون نسبها إلى عدنان، أي إلى العرب الشماليين.
مدن ومواقع حضرمية
و "شبوة"، هي عاصمة حضرموت وهي Sabbaths=Sabotha=Sabota عند الكتبة الكلاسيكيين. وهي Sabtah المذكورة في التوراة في نظر بعض الباحثين. وزعم "هوكارت" Hogarth إنها Sawa. وذكر "الهمداني" موضع "شبوة" في جملة ما ذكره من حصون "حضرموت" ومحافدها.
وقد ظن "فون مالتزن" وآخرون غيره إنها مدينة "شبام". وزار "فلبي" "شبوة"، وعثر على آثار معابدها وقصورها القديمة، كما شاهد بقايا السدود التي كانت في وادي شبوة لحصر مياه الأمطار والاستفادة منها في إرواء تلك المناطق الواسعة الخصبة.
وتشاهد في "وادي أنصاص" وفي خرائب "شبوة" بقايا سدّ وأقنية للاستفادة من المياه وخزنها عند الحاجة إليها. وهناك سدود أخرى بنيت في مواضع متعددة من العربية الجنوبية للاستفادة من مياه الأمطار وللسيطرة على السيول، وتحويلها إلى مادة نافعة تخدم الإنسان.
وأما حصن "أنود" "أنودم"، الموضع الذي يحتفل فيه الملوك عند تتويجهم وإعلانهم اللقب الذي يتلقبون به بعد توليهم العرش، فإنه موضع "عقلة" في الزمن الحاضر. وهو خربة على شكل مربع. وقد زار هذا المكان جملة أشخاص من الغربيين ووصفوه، منهم "فلبي"، وقد وجد فيه خرائب عادية ووجد عدداً من الكتابات الحضرية، هي الكتابات التي وسمت باسمه. ويشرف هذا الموضع على واد شد، فيتصل بتلال "شبوة". و قد كان حصناً ومعسكراً يقيم فيه الجيش، لحًماية مزارع هذا الوادي، ولا بد إن يكون هنالك سبب جعل الملوك يختارون هذا المكان لإعلان اللقب الرسمي الذي يختاره الملوك لأنفسهم عند التتويج.
وقد تبين من بعض الكتابات المتعلقة بنصيب ملوك حضرموت في هذا المكان إنهم كانوا يتقربون في يوم إعلان تتويجهم في حصن "أنود" بنحر الذبائح للآلهة. و قد تبين من بعضها إن في جملة تلك الذبائح التي قدمت إلى الآلهة حيوانات وحشية مثل الفهود. وقد استمرت هذه الاحتفالات قائمة إلى القرن الثاني بعد الميلاد على رأي "البرايت"، وإلى حوالي السنة "200" بعد الميلاد على رأي "ركمنس".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:06 AM
ومن مدن الحضرميين مدينة "ميفعت" "ميشعة"، وكانت على ما يظن عاصمتهم القديمة. وقد ورد في بعض الكتابات ما بفيد أن "يدع ايل بن سمه علي" رمم أسوار هذه المدينة. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إنها Mapharitis التي أشار إليها مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتيري"، ولدينا نص حضرمي يفيد إن "هبسل بن شجب" بنى سور المدينة و أبوابها، واستعمل الحجارة والأخشاب، وأنشأ فيها بيوتاً ومعابد، وأتم عمله بعده ابنه "صدق يد" فأعلى سور المدينة وأحكمه.
ولم تذكر الكتابة الجهة التي أنفقت على هذا العمل الذي يحتاج إلى نفقات عظيمة ولا شك، ولعل الدولة هي التي عهدت إليهما هذا العمل على انهما مهندسان أو من المقاولين المتخصصين بأعمال البناء.
وكانت "ميفعة" من المدن المهمة، و قد ذكرت في عدد من الكتابات، وهي Maipha Metropolis عند "بطلميوس"، ويقع عند "حصن السلامة" موضع عادي خرب، يقال له "ريدة الرشيد"، يظهر إنه كان محاطاً بسور حصين، كما يتبين ذلك من أحجاره الفخمة المبعثرة الباقية. وقد كان مدينة، يرى إنها Raidaعند "بطلميوس" وقد وضعها في جنوب شرقي Maipha Metropolis أي ميفعة.
وعثر على كتابات عديدة أخرى، تتحدث عن تحصين "ميفعت" "ميفعة"، وعن تسويرها بالحجارة وبالصخر المقدود وبالخشب، وعن الأبراج التي أقيمت فوق السور لصد المهاجمين عن الدنو إليه. وذكر اسمها في كتابة "لبنة" "لبنا" التي هي من أيام المكربين في حضرموت.
ويظهر إن الخراب حل ب "ميفعة" في القرن الرابع بعد الميلاد، وحلّ محلها موضع آخر عرف ب Sessania Adrumetorum، أي "عيزان" ف "عيزان" اذن، هو الوليد الجديد الذي أخذ مكان "ميفعة" منذ هذا الزمن.
ومن مدن حضرموت مدينة سماها بعض الكلاسيكيين Cane Emporium، وذكر إنها ميناؤها. وأما "أريانوس"، فقال إنها الميناء الرئيسي لمللك أرض اللبان، وقد سماه Eleazus وقال إنه يحكم في عاصمته Sabatha.
وقد ذكر هذا الميناء "بلينيوس" كذلك، فقال إن السفن التي تأتي من مصر في طريقها إلى الهند، أو السفن الآيبة من الهند إلى مصر، كانت ترسو إما في ميناء Cana=Qana، وإما في ميناء Occelis على ساحل البحر عند المضيق. وذكره مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" كذلك فقال: Cana=Qana ميناء حضرموت، وله تجارة واسعة مع "عمان" 'Omana ، على الخليج، وعلى سواحل الهند. ومع سواحل الصومال في إفريقية. وقال إن السواحل كانت مأهولة بالأعراب، وبقوم يسمون Ichthyophogi، أي "أكلة السمك".
وفي ميناء Cana "قنا" يجمع اللبان والبخور وغير ذلك، ويصدر إلى الخارج، إما بحراً حيث تنقلها وسائل النقل البحرية، وفي ضمنها بعض الوسائط التي تطفو على سطح البحر بالقُربَ المنفوخة بالهواء، و أما براً حيث تنقلها القوافل. ويقع هذا الميناء إلى شرق "عدن" وعلى مسافة منه جزيرتان، جزيرة Ornenon أو جزيرة الطيور، وجزيرة Trulla. ويقع إلى الشرق من Cana ميناء آخر، يقال له Mathath Villa. ويرى "فورستر" وأكثر الباحثين الآخرين إلى إن ميناء Cana هو المحل المعروف باسم "حصن غراب" في الزمن الحاضر.
و "حصن غراب"، قد بني على مرتفع من صخر أسود على لابة بركان قديم، يشرف على المدخل الجنوبي الغربي لخليج أقيم عليه الميناء، فيحميه من لصوص البحر ومن الطامعين فيه. وقد زاره بعض السياح، مثل "ولستيد" فوصفه. وزاره B.Don سنة "1957 م" وتحدث عنه.
وقد ورد اسم هذا الحصن في الكتابة الموسومة ب CIH 728، وقد سمي فيها "عرمريت" "عرماوية". وهو الاسم القديم لهذا الحصن الذي يعرف اليوم ب "حصن غراب" "حصن الغراب". وورد في الكتابة الطويلة المعروفة ب CIH 621 التي يعود تأريخها إلى سنة "531م". وتتحدث عن ترميم هذا الحصن و تجديد ما تهدم منه، وذلك بأمر "سميفع أشوع" "السميفع أشوع
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:08 AM
وورد ذكره في النص Ryckmans 538 الذي يتحدث عن الحروب التي خاضتها جيوش الملك "شعرم اوتر" "ملك سبأ وذي ريدان" في أرضين لقبائل قتبائية ورومانية وقبائل مضحيم "مضحى" وأوسان فبلغت "عرمويت" "عر ماوية" وموضع "جلع" في جملة ما بلغتها من ارضين. و "جملع" قرت قرية الساحل شمال غربي "بلحاف" في الزمن الحاضر.
وقد وجد "ولستيد" Wellsted في "حصن غراب" الكتابة التي وسمت ب CIH 728. وقد جاء فيها إن "صيد أبرد بن مشن" "مشان"، كان مسؤولاً عن "بدش" "باداش"، وعن "قنا"، وقد كتب ذلك على "عر مويت" "عر ماوية"، أي حصن "ماوية". و "قنا هو اسم الميناء الشهير. و أما الحصن الباقي أثره حتى اليوم، فيسمى "حصن ماوية"، وأما "باداش"، فإنه ما زال معروفاً حتى اليوم، ولكن بشيء من التحريف. وفي هذا المكان يعيش قوم رعاة يعرفون بي "مشايخ باداس"، وقد جاء هذا الاسم من "باداش القديم". وهكذا حصلنا من النص المذكور عل اسم ميناء حضرموت الذي كانت الموارد "الكلاسيكية" هي أول من وافتنا به.
فحصن غراب أذن هو "عر مويت"، وهو حصن مدينة "قناة" المدينة نفسها، ولا تزال آثار مخازن مائه القديمة باقية، وهي صهاريج تملأ بالأمطار عند نزولها، لتستغل وقت انحباسها. وقد أمكن التعرف على موضع البرج الذي يجلس فيه الحرس والمراقبون لمراقبة من يريد الوصول إلى المكان. ويرى بعض الباحثين إن موقع المدينة الأصلية كان في السهل الواقع عند قدم الحصن من الناحية الشمالية، حيث ترى فيه آثار ابنية و مواضع سُكنى. أما ما يسمى ب "بير علي" "بئر علي" في هذا اليوم، فانه مستوطنة حديثة بنيت بأنقاض تلك المدينة القديمة.
ومن مدن حضرموت مدينة "مذب" "مذاب"، وقد اشتهرت بمعبدها الذي خصص بعبادة الإلَه "سن" "سين". وتقع بقاياه اليوم في الموضع المعروف باسم "الحريضة". وقد سبق إن قلت إن بعثة بريطانية نقبت هناك، ووجدت آثار معبد ضخم هو معبد الإله "سين"، الإله الذي يرمز إلى القمر.
وقد تبين للذين بحثوا في أنقاض معبد "مذب" "مذاب" إنه بني عدة مرات. ويظهر إنه تداعى، فجدد بناؤه مراراً. وقد تبين من الكتابة الحلزونية التي عثر عليها في أنقاض هذا المعبد إنها من أيام "المكربين" وانها ترجع بحسب رأي الخبراء الذين درسوها إلى حوالي السنة "400 ق. م."، وان تأريخ المدينة ومعبدها يرجع إلى الفترة الواقعة بين القرن السادس والقرن الخامس قبل الميلاد.
وقد تبين من بعض الكتابات إن "كبير" "كبر" "مذب" كان من آل "رمي" "رامي". وكان يقيم في الموضع المسمى ب "جعدة" في الزمن الحاضر. وكان يملك جزءاً كبيراً من "وادي عمد"، وله بئر في المدينة تتصل بصهريج مدرج نخزن فيه الماء، تعرف ب "شعبت" "شعية" "شعبات". ومن قبائل هذا الموضع: "عقنم" "عقن" "عقان"، و "كرب" "جرب"، و "يرن" "يارن".
وقد تبين من فحص مواضع من جدران مجد "سين" إن الحجارة التي استعملت في إقامته كانت قد قدت من الصخر، ونحتت لتنسجم بعضها مع بعض، وقد ربط بعضها إلى بعض حتى لا تفصل بسهولة. وتبين إن قاعة المعبد كانت فيها أعمدة تحمل سقفها، وربما كانت قاعة كبيرة واسعة تتسع لعدد كبير من المؤمنين المتقين الذين يؤمونها لتعبد والتقرب إلى الإلَه في معبده هذا.
وعثر في الأماكن التي حفرت على أدوات من الخزف، وعلى مباخر وقلائد و مسابح صنعت حباتها من الحجر والخرز، وعلى أختام خفيفة من النوع المعروف عند الفرس بين القرنين السادس والرابع قبل الميلاد. ويرى بعض الباحثين إن تأريخ "مذاب" ومعبدها يعود إلى الفترة الواقعة بين القرن الخامس والقرن الثالث قبل الميلاد
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:09 AM
وقد ذهب بعض من درس معبد "مذاب" إلى إن حضارة حضرموت وحضارة بقية العربية الجنوبية لقديمة كانت قد تأثرت بالمؤثرات الحضارية العراقية في بادئ الأمر، وذلك في أيام المكربين، ولكن تلك الحضارة كانت متماسكة وذات طابع خاص، أخذ من ظروف العربية الجنوبية، غير إنها أخذت تبتعد من بعد عن المؤثرات الحضارية العراقية منذ القرن الأول قبل الميلاد فما بعده، وتتقرب من مؤثرات حوض البحر المتوسط والمؤثرات الإيرانية، وذلك نتيجة اتصال الروم والرومان والفرس بالعربية الجنوبية، فظهرت حضارة عربية جنوبية جميلة، وأبنية حديثة، إلا إنها لم تكن في متانة الحضارة العربية الجنوبية القديمة وقوتها، وليست لها تلك الشخصية التي أسبغها الفنان العربي القديم في القرون السابقة للميلاد على أبنيته، فذهبت بذلك العناصر العربية الجنوبية الأصلية، وتراجعت، وطغى عصر التجديد أو التقليد البعيد على تلك الشخصية العربية القديمة في هذه البقاع.
ومن مواضع حضرموت، موضع عرف في الكتابات باسم "مشور"، وقد اشتهر بمعبده المسمى "سن ذ مشور"، أي "سين رب مشور"، وفي مكانه في الزمن الحاضر خرائب عادية تعرف باسم "صونة" و ب "حدبة الغصن". وقد عثر فيه على كتابات ورد فيها اسم هذا المعبد، كما عثر فيه على حجارة مزخرفة نقشت عليها صور حيوانات نقشت بصورة تدل على فن وبراعة وإتقان. ويرى بعض الباحثين إن هذه الزخارف تشبه الزخارف التي عثر عليها في معبد "حقه" "حقة"، ويقدر عمرها بحوالي القرن الثالث قبل الميلاد.
وفي أرض حضرموت مواضع قديمة حضرمية و سبئية ينسبها الناس اليوم إلى "عاد" "وثمود". فقي ملتقى "وادي منوة" بوادي ثقبة صخور مهيمنة على الوادي، وقد نقرت لتكون ملاجئ ومواضع للسكنى وربما جعلت ملاجئ للجنود يختبئون فيها ليهاجموا منها الأعداء الذين يخترقون الوادي و يرموهم بالسهام والحجارة. وعلى المرتفعات بقايا بيوت ومساكن، يظهر إنها كانت قرى آهلة قبل الإسلام،
وعلى واجهة الوادي الصخرية كتابات دونت بلون أحمر، ظهر للسباح الذين رأوها انها كتابات سبئية، و إنها أسماء أشخاص، لعلها أسماء الجنود أو المسافرين الذين اجتازوا هذا المضيق.
وفي موضع "غيبون" على مقربة من "المشهد" خرائب يرى أهلها إنها من آثار "عاد". ويظن الآثاريون الذين رأوها إنها من بقايا مدينة "حميرية". وقد وجدوا فيها فناراً وزجاجاً قديماً وحجارة مكتوبة، وعلى مقربة منها موضع يقال له "مقابر الملوك". ونظرا إلى إنها في موقع حضرمي، يقع بين "القعيطي" و "الكثيري" "آل كثير" في الزمن الحاضر، فلا أستبعد إن يكون من القرى أو المدن الحضرمية.
وعلى مقربة من "تريم" خرائب جاهلية أيضاً، ينسبها الناس إلى عاد. وهي من آثار معيد، وطريق كان معبّداً يوصل إليه. وقد بني هذا المعبد على قمة تل وعنده آثار بيت وأحجار متناثرة قدت من الحجر، عليها مادة بناء توضع بين الأحجار لتشد بعضها إلى بعض.
وعند موضع "سون" "سونة" "سونه" خرائب تسمى "حدبة الغصن" تشبه خرائب "غيبون"، هي عبارة عن بقايا أبنية لعلها كانت قرى أو مدناً حجارتها متناثرة على سطح الأرض. ولا تزال بعض الأسس على وضعها، ترشد إلى معالمها. وقيل هذه الخرائب بقايا جدار كان متصلاً بجانبي وادً، يظهر إنه من بقايا سدّ بني في هذا المكان لحبس السيول والأمطار، للاستفادة منها عند انحباس المطر.
وفي حضرموت موضع آثاري، يسمى "حصن عر"، وهو بقية حصن جاسلي، لعله من حصون ملوك حضرموت، يظهر إنه أسس في هذا المكان لحماية المنطقة من الغزاة ولحفظ الأمن فيها. وقد كان الحصن عالياً مرتفعاً فوق تل، ولا تزال بقايا بعض جدرانه وأواره ترتفع في الفضاء زهاء خمسين قدماً. وهناك بقايا أبنية ومعالم طريق ضيقة توصل إلى ذلك الحصن الذي لا نعرف اسمه القديم.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:12 AM
و قد تمكن "فان دير م ويلن" Van Der Meulen و "فون وزمن" H. Von Wissmann من زيارة مواضع أثرية أخرى في حضرموت، مثل "المكنون" El-Mekenum، و "ثوبة" و "العرّ" وتقع آثار "مكنون" "المكنون" على مقربة من "السوم". وهناك أرض مكشوفة يزعم. المجاورون لها إنها أرض "عاد".
أما "ثوبة" أو "حصن ثوبة"، فإنه بقايا أبنية على قمة تل، يظهر إنه كان في الأصل حصناً لحماية المنطقة من الغزاة ولمنع الأعداء من الوصول إلى قرى مدن المنطقة ومدنها أو اجتياز الأودية للاتجاه نحو الجنوب. ولا تزال بقايا جدر الحصن مرتفعة عن سطح الأرض. وأما "العرّ"، فهو موضع حصن قديم أيضاً بني لسكنى الجنود الذين يدافعون عن الأرضين التي بنيت فيها.
يظهر من آثار الحصون والقلاع الباقية في حضرموت إن مملكة حضرموت كانت قد حضت حدودها، وحمتها بحاميات عسكرية أقامت على طول الحدود لحمايتها من الطامعين فيها ولحماية الأمن الداخلي أيضاً. وقد أقيمت هذه الحصون في مواقع ذات أهمية من الوجهة العسكرية، على تلال وقمم جبال ومرتفعات تشرف على السهول ومضايق الأودية حيث يكون في متناول الجنود إصابة العدو و إنزال الخسائر به، وبهذه التحصينات دافعوا عن حدود بلادهم.
ويعد ميناء "سمهرم" المعروف ب "خور رورى"، وهو في "ظَفارِ" عمان من الموانئ المعروفة التي كانت في القرن الأول للميلاد. ويرى بعض الباحثين إن مؤسسيه هم من الحضارمة، ولذلك كان من موانئ مملكة حضرموت. وقد عثرت البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان على بقايا خزف، تبين لها من فحصه إنه مستورد من موانئ البحر المتوسط في القرن الأول للميلاد. ووجوده في هذا المكان يشر بالطبع إلى الاتصال التجاري الذي كان بين العربية الجنوبية وسكان البحر المتوسط في ذلك العهد.
قوائم حكام حضرموت
قائمة هومل
صدق آل "صدق ايل"، "صديق ايل"، وكان معاصراً للملك "أب يدع يثع" "أبيدع يثع"، ملك معين.
شهرم علن "شهر علن"، "شهر علان"، وهو ابن "صدق آل".
معد يكرب "معدي كرب".
.......................
سمه يفع "سمهو يفع" "سمهيفع"، ولا نعرف اسم والده.
يدع آل بين "يدع ايل بين"، وقد ورد اسمه مع اسم "السمع ذ بين بن ملك كرب "السمع ذبيان بن ملكيكرب" على انهما ملكا حضرموت.
امينم "أمينم"، "أمين".
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
يدع آل بين "يدع ايل بين(،. Glaser 1623.
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
العزيلط.
.......................
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
.......................
سلفن "سلفان"، أو "علها ن" "الهان".
العزيلط: حكم حوالي سنة "29" بعد الميلاد.
.......................
رب شمس "ربشمس".
يدع آل بين.
.......................
نهاية حكومة حضرموت، وقد كانت في حوالي سنة "300" بعد الميلاد، في أيام "شمر يهرعش".
المكربون
اب يزع "أب يزع".
حي آل "حي ايل"، "حيو ايل".
قائمة "فلبي"
1 - صدق آل "صديق ايل"، ملك حضرموت و معن. وقد حكم على تقديره في حوالي سنة "1020" قبل الميلاد.
2 - شمر علن بن صدق آل "شهر علان بن صدق ايل"، وقد تولى الحكم في حوالي سنة "1000" قبل الميلاد.
3 - معد يكرب بن اليفع يثع ملك معين، وقد تولى في حوالي سنة 980 قبل الميلاد.
ويرى "فلبي" إن "حضرموت" ألحقت بعد "معد يكرب" بمملكة معين، وقد ظلت تابعة إلى حوالي سنة ""650" قبل الميلاد.
4 - السمع ذ بين بن ملك كرب "السمع ذبيان بن ملكى كرب" "السمع ذبيان بن ملكيكرب".
يدع آل بين بن سمه يرخ "يدع ايل بين سمهيفع"، وقد حكما من سنة "650" إلى سنة "590" قبل الميلاد.
ومنذ سنة "590" قبل الميلاد، أصبحت حضرموت على رأي "فلبي" جزءاً من قتبان أو سبأ حتى سنة "180" قبل الميلاد.
6 - يدع آل بين ين رب شمس "يدع ايل بين بن ربشمس". وهو مؤسس أسرة ملكية جديدة في العاصمة "شبوة".وقد حكم في حدود سنة "180" قبل الميلاد.
7 - اليفع ريم بن يدع آل بين "اليفع ريام بن يدع ايل بين". وقد حكم في حوالي سنة "160" قبل الميلاد.
8 - يدع أب غيلن بن يدع آل بين "يدع أب غيلان بن يدع ايل بين". وقد حكم في حوالي سنة "140" قبل الميلاد.
9 - العز بن يدع اب غيلن "العز ين يدع أب غيلان" وشقيق "امينم" "امين". وقد حكم في حوالي سنة 120 قبل الميلاد.
10- يدع أب غيلن بن امينم "يدع أب غيلان ين أمين"، وقد حكم في حوالي سنة "100" قبل الميلاد.
11- يدع آل بين بن يدع أب غيلن "ي دع ايل بين بن يدع أب غيلان". وحكم في حوالي سنة "80" قبل الميلاد. وترك "فلبي" فجوة لم يعرف من حكم فيها جعلها بين سنة "60" وسنة "35" قبل الميلاد.
12- عم ذخر "عمذخر" ولم يرد في الكتابات اسم أبيه. وقد حكم في حوالي سنة "35" قبل الميلاد. وربما لم يتول الحكم.
13- العزيلط بن عم ذخر. وقد حكم في قرابة سنة "150" قبل الميلاد.
14- الهان "علهان" أو "سلفان" بن العزيلط. وقد حكم في حدود سنة "5" بعد الميلاد.
15- العزيلط بن الهان "علهان" أو "سلفان". وقد حكم من سنة "25" إلى سنة65 بعد الميلاد. وهو الملك Eleazos الذي ذكره مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري".
أب يزع "أبيزع" "أبيع" "أب يسع". وكان مكرباً. من المحتمل إنه حكم في حوالي سنة "65" بعد الميلاد.
17- يرعش بن أب يزع. ربما حكم في حوالي سنة "85" بعد الميلاد.
18 - علهان "الهان" "105 -125" بعد الميلاد ?.
ويعد ميناء "سمهرم" المعروف ب "خور رورى"، وهو في "ظَفارِ" عمان من الموانئ المعروفة التي كانت في القرن الأول للميلاد. ويرى بعض الباحثين إن مؤسسيه هم من الحضارمة، ولذلك كان من موانئ مملكة حضرموت. وقد عثرت البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان على بقايا خزف، تبين لها من فحصه إنه مستورد من موانئ البحر المتوسط في القرن الأول للميلاد. ووجوده في هذا المكان يشر بالطبع إلى الاتصال التجاري الذي كان بين العربية الجنوبية وسكان البحر المتوسط في ذلك العهد.
قوائم حكام حضرموت
قائمة هومل
صدق آل "صدق ايل"، "صديق ايل"، وكان معاصراً للملك "أب يدع يثع" "أبيدع يثع"، ملك معين.
شهرم علن "شهر علن"، "شهر علان"، وهو ابن "صدق آل".
معد يكرب "معدي كرب".
سمه يفع "سمهو يفع" "سمهيفع"، ولا نعرف اسم والده.
يدع آل بين "يدع ايل بين"، وقد ورد اسمه مع اسم "السمع ذ بين بن ملك كرب "السمع ذبيان بن ملكيكرب" على انهما ملكا حضرموت.
امينم "أمينم"، "أمين".
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
يدع آل بين "يدع ايل بين(،. Glaser 1623.
.......................
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
العزيلط.
.......................
يدع أب غيلن "يدع أب غيلان".
.......................
سلفن "سلفان"، أو "علها ن" "الهان".
العزيلط: حكم حوالي سنة "29" بعد الميلاد.
.......................
رب شمس "ربشمس".
يدع آل بين.
.......................
نهاية حكومة حضرموت، وقد كانت في حوالي سنة "300" بعد الميلاد، في أيام "شمر يهرعش".
المكربون
اب يزع "أب يزع".
حي آل "حي ايل"، "حيو ايل".
قائمة "فلبي"
1 - صدق آل "صديق ايل"، ملك حضرموت و معن. وقد حكم على تقديره في حوالي سنة "1020" قبل الميلاد.
2 - شمر علن بن صدق آل "شهر علان بن صدق ايل"، وقد تولى الحكم في حوالي سنة "1000" قبل الميلاد.
3 - معد يكرب بن اليفع يثع ملك معين، وقد تولى في حوالي سنة 980 قبل الميلاد.
ويرى "فلبي" إن "حضرموت" ألحقت بعد "معد يكرب" بمملكة معين، وقد ظلت تابعة إلى حوالي سنة ""650" قبل الميلاد.
4 - السمع ذ بين بن ملك كرب "السمع ذبيان بن ملكى كرب" "السمع ذبيان بن ملكيكرب".
5 - يدع آل بين بن سمه يرخ "يدع ايل بين سمهيفع"، وقد حكما من سنة "650" إلى سنة "590" قبل الميلاد.
ومنذ سنة "590" قبل الميلاد، أصبحت حضرموت على رأي "فلبي" جزءاً من قتبان أو سبأ حتى سنة "180" قبل الميلاد.
6 - يدع آل بين ين رب شمس "يدع ايل بين بن ربشمس". وهو مؤسس أسرة ملكية جديدة في العاصمة "شبوة".وقد حكم في حدود سنة "180" قبل الميلاد.
7 - اليفع ريم بن يدع آل بين "اليفع ريام بن يدع ايل بين". وقد حكم في حوالي سنة "160" قبل الميلاد.
يدع أب غيلن بن يدع آل بين "يدع أب غيلان بن يدع ايل بين". وقد حكم في حوالي سنة "140" قبل الميلاد.
9 - العز بن يدع اب غيلن "العز ين يدع أب غيلان" وشقيق "امينم" "امين". وقد حكم في حوالي سنة 120 قبل الميلاد.
10- يدع أب غيلن بن امينم "يدع أب غيلان ين أمين"، وقد حكم في حوالي سنة "100" قبل الميلاد.
11- يدع آل بين بن يدع أب غيلن "ي دع ايل بين بن يدع أب غيلان". وحكم في حوالي سنة "80" قبل الميلاد. وترك "فلبي" فجوة لم يعرف من حكم فيها جعلها بين سنة "60" وسنة "35" قبل الميلاد.
12- عم ذخر "عمذخر" ولم يرد في الكتابات اسم أبيه. وقد حكم في حوالي سنة "35" قبل الميلاد. وربما لم يتول الحكم.
13- العزيلط بن عم ذخر. وقد حكم في قرابة سنة "150" قبل الميلاد.
14- الهان "علهان" أو "سلفان" بن العزيلط. وقد حكم في حدود سنة "5" بعد الميلاد.
15- العزيلط بن الهان "علهان" أو "سلفان". وقد حكم من سنة "25" إلى سنة65 بعد الميلاد. وهو الملك Eleazos الذي ذكره مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري".
16- أب يزع "أبيزع" "أبيع" "أب يسع". وكان مكرباً. من المحتمل إنه حكم في حوالي سنة "65" بعد الميلاد.
17- يرعش بن أب يزع. ربما حكم في حوالي سنة "85" بعد الميلاد.
18 - علهان "الهان" "105 -125" بعد الميلاد ?.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:13 AM
ولا نجد في الكتب العربية شيئاً يستحق الذكر عن قتبان، والظاهر إن أخبارهم قد انقطعت قبل ظهور الإسلام بزمن، فلم نجد لهم من أجل هذا شيئأ في أخبار الجاهلية القريبة من الإسلام، كل ما ورد عنهم إنهم من قبائل حمير، وان هناك موضعاً في عون يقال له "قتبان"، سمي بقتبان بطن من رعين من حمير، أو بقتبان بن ردمان بن وائل بن الغوث، مع إنه لا صلة في النسب بين حمير و قتبان في النصوص القتبانية أو الحمرية. وعندي إن هذا النسب إنما وقع بسب ضعف "قتبان" التي اندمجت بعد فقد استقلالها في حكومة سبأ "سبأ وذي ريدان" وهي الحكومة للتي يطلق عليها المؤرخون اسم "حمير"، وبسبب كون "حمير" القبيلة الرئيسية في اليمن عند ظهور الإسلام، وكان لها حكومة قاومت الأحباش وتركت أثراً في القصص العربية وفي قصة الشهداء النصارى الذين سنتحدث عنهم، لذلك عدّت معظم القبائل التي كانت خاضعة لها من حمير،ونسبت إليها، وفي جملتها قتبان.
وقد دوّن اسم "قتبان" في الترجمة العربي لكتاب "حتي" "تأريخ العرب" "History of the Arabs" على هذا الشكل: "قطبان"، كما دوّن بهذه. الصورة أيضاً في عدد من الترجمات لكتب غربية ظهرت حديثاً، وهو خطأ بالبداهة فان النصوص العربية الجنوبية قد كتبت الاسم بالتاء "ق ت ب ن"، كما إن الكتب العربية قد ضبطت الاسم "قتبان"، ويظهر إن مترجمي الكتاب والكتب الأخرى قد حسبوا إن هذا الاسم أعجمي، ولا سيما بعد تردده في الكتب "الكلاسيكية"، فحاولوا جعله عربياً، فصيروا "التاء" "طاءً" فصارت "قطبان" الواردة في كتابات المسند وفي الكتب العربية "قطبان". وهي هفوة لم أكن أرغب في الإشارة إليها في متن هذا الكتاب، لولا حرصي على صحة الأشياء لئلا يخطئ من لا علم له بهذه الأمور من القراء، أو الباحثين فيأخذها على الصورة التي دونت بها في هذه الترجمات.
والكتابات القتبانية تشارك الكتابات العربية الجنوبية الأخرى في إن غالبها قد كتب في أغراض شخصية، فهي لا تفيد المؤرخ في إخراج تأريخ منها. فهي في إصلاح أرض، أو شراء ملك، أو تعمير دار أو نذر، وما شابه. غير إننا نرى في الذي وصل إلينا منها إنه يمتاز عن غيره من الكتابات العربية الجنوبية بكثرة ما ورد فيه من نصوص رسمية تتعلق بالضرائب أو القوانين أو التجارة، بالقياس إلى ما ورد من مثله في الكتابات المعينية أو الحضرمية أو السبئية. وهي تشارك الكتابات الأخرى أيضاً في خلوها من صيغة المتكلم أو المخاطب واقتصارها على صيغة الغائب، وتشاركها أيضاً في خلوها من نصوص أدبية من شعر أو نثر، ومن نصوص دينية من أدعية وصلوات. وهو أمر يبدو غريباً، ولكننا لا نستطيع إن نحكم حكماً قطعياً في مثل هذا، فما وصل الينا كثير، وما لم يصل إلينا كثير، والححكم بيد المستقبل.
ويعود الفضل إلى السياح، وعلى رأسهم "كلاسر"، في حصول علماء العربيات الجنوبية على أخبارهم عن مملكة قتبان، فقد كانت الكتابات التي حصل عليها في رحلته إلى اليمن في سفره الرابع "1892 - 1894 م" أول كتابات قتبانية تصل إلى أوربة. و قد ذهب "هومل" في دراسته لها إلى أنها تعود إلى زهاء ألف سنة قبل الميلاد، القرن الثاني قبل الميلاد، و هو الزمن الذي انقرضت فيه مملكة قتبان على رأيه.
%175 و قد جمع منها اسم ثمانية عشر ملكاً، حكموا المملكة. و أفادتنا دراسات "نيكولاوس رودو كناكس" "Nikolaus Rhodokanakis" و "دتلف نيلسن" "Ditlef Nielsen" للكتابات القتبانية فائدة كبيرة في كتابة تأريخ قتبان.
و قد ذهبت بعثة أمريكية علمية في عام 1949-1950م مؤلفة من طائفة من المتخصصين إلى "وادي بيحان" للتنقيب عن الآثار هناك، فزارت "تمنع" المدينة القتبانية القديمة، وعاصمة المملكة وبعض المواضع القريبة منها. وسوف يكون للنتائج التي تتوصل إليها بعد دراستها دراسة علمية كافية، أهمية كبيرة في توجيه تأريخ العرب قبل الإسلام.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:15 AM
وقد تبين من دراسة الكتابات القتبانية إن لهجتها أقرب إلى اللهجة المعينية منها إلى اللهجة السبئية، فهي تشترك مع المعينية مثلاً في إضافة السين إلى أول الفعل الأصلي بدلاً من الهاء الذي يلحق أول الفعل الأصلي في السبئية، ويقابل هذا في عربيتنا "أفعل" مثل "سحدث" في المعينية والقتبانية، و "هحدث" في السبئية، وفي أمور أخرى ترد في نحو اللهجات العربية الجنوبية.
وقد حاول الباحثون في العربيات الجنوبية وضع تقويم لحكومة قتبان، غير إنهم لم يتفقوا حتى الآن في تعيين مبدأ أو نهاية لهذه المملكة. ولما كانت هذه الحكومة قد عاصرت - كما جاء في الكتابات المعينية و السبئية - حكومة معين وحكومة سبأ، فقد توقف تعيين تأريخ قتبان أيضاً على تثبيت تأريخ هاتين الحكومتين وعلى البحوث "الأركيولوجية" والكتابات. وقد رجع "هومل" تاريخها إلى ما قبل سنة "1000" قبل الميلاد، ووضع "البرايت" تأريخ "هوف عم يهنعم" وهو من قدماء "المكربين" في القرن السادس قبل الميلاد. وهو يلي "سمه علي" في الترتيب. و "سمه علي" هو أقدم "مكرب" يصل خبره الينا، وقد رجع "فلبي" أيامه إلى حوالي سنة 865 قبل الميلاد. وذهب "ملاكر" إلى إن ابتداء حكم "قتنان" كان في حوالي سنة "645 ق.م." وأن نهاية استقلالها ا كان في القرن الثالث قبل الميلاد.
ومن علماء العربيات الجنوبية الذين عنوا بتبويب أسماء حكام "قتبان" وتصنيفها تصنيفاً زمنياً، "كروهمن"، و "دتلف نلسن". و "ويبر"، و "هارتمن" 7 و "البرايت"، و "فلبي"، وغيرهم، ويختلف هؤلاء في كثير من الأمور: يختلفون في مبدأ قيام قتبان، وفي ترتيب الملوك وفي مدد حكمهم، كما يختلفون في نهاية هذه الحكومة. فبينما يرى "كلاسر" إن نهاية هذه الدولة كانت بين "200" و "24 ق. م." وريما كان قبل ذلك. يرى غيره إن هذه النهاية كانت بعد الميلاد، وربما كان في حوالي ستة "200" بعد ميلاد المسيح. ويرى "البرايت" إن نهايتها كانت على أثر خراب مدينة "تمنع" واحراقها كما يتبين ذلك من طبقات الرماد الكثيفة التي عثر عليها في أنقاضها، وكان ذلك في حوالي سنة "50ق. م.". وقد ذهب "ريكمنس" إن نهاية مملكة "قتبان" كانت في حوالي السنة "210" أو "207" للميلاد.
أما "فون وزمن"، فذهب إلى إن نهايتها كانت في حوالي السنة "140" أو "146" بعد الميلاد.
والرأي عندي إن الوقت لم يحن بعد للحكم بأن المكرب الفلاني أو الملك الفلاني قد حكم في سنة كذا أو قبل هذا أو ذاك، لأننا لا نزال نطمع في العثور على أخبار حكام لم تصل أسماؤهم إلينا، لعلها لا تزال في بطن الأرض، كما إن ما عثر عليه من كتابات لا يبعث أيضاً على الاطمئنان، فإنها لا تزال قليلة، وقد وردت فيها بعض أسماء للحكام بدون نعوت، تهشمت نعوتها، أو سقط قسم منها، ووردت في بعض الكتابات كاملة مع نعوتها، ووردت في بعض آخر مع نعوتها، غير إنها لم تذكر اللقب الذي كان يلقب به أبو الملك أو ابنه، فأحدث ذلك ارتباكاً عند الباحثين سبب زيادة في العدد أو نقصاناً، و أحدث خطأ في رد نسب بعضهم إلى بعض، لهذه الأسباب أرى التريث وعدم التسرع في إصدار مثل هذه الأحكام.
وأرى إن خير ما يستطاع عمله في الزمن الحاضر هو جمع كل ما يمكن جمعه من أسماء حكام قتبان على أساس الصلة والقرابة وذلك بأن يضم الأبناء و الأخوة إلى الأباء، على هيأة جمهرات، ثم تدرس علاقة هذه الجمهرات بعضها ببعض، وترتب سلى أساس دراسات نماذج الخطوط التي وردت فيها أسماء الحكام، وطبيعة الأحجار التي حفرت الحروف عليها، والأمكنة التي وجدت فيها، أكانت من سطح الأرض أم بعيدة عنه، وأمثال ذلك لتكوين أحكامنا منطقية علمية تستند إلى دليل. ولانتفاء ذلك، أصبحت القوائم التي وضعها علماء العربيات الجنوبية لحكام قتبان أو حضرموت أو معين، قوائم غير مستقرة في نظري، ومن أجل ذلك لا أميل إلى ترجيح بعضها على بعض ما دامت غير مبوبة على الأسس التي ذكرتها، ولا يمكن إن تبنى على هذه الأسس ما دامت البعثات العلمية غير متمكنة من القيام بحفريات علمية منظمة عميقة، تدرس طبقات التربة وما يعثر عليه، دراسات آثارية دقيقة من كل الوجوه.
أني إذ أذكر حكام قتبان، لا أتبع في ذلك قائمة معينة، لأني لا أرى إنها قد رتبت ترتيبا تأريخياً يطمئن إليه، ولا أستطيع إن أخطّئ أحداً في الأسلوب الذي اتبعه في ترتيبه. و سبيلي إن أذكر المكربين ثم الملوك، وان أشير بعد ذلك إلى الكتابات المدونة في أيامهم وما ورد فيها من أمور. فإذا قدمت أو أخرت فانما أسير برأيي الخاص، لا أتبع رأي أحد من الباحثين الذين عنوا بترتيب أسماء حكام قتبان. وقد رجحت ذكر بعض قوائمهم، ليطلع عليها القراء، وليروا ما فيها من مطابقات ومفارقات.
حكام قتبان
وجد من دراسة الكتابات القتبانية إن حكام قتبان الأول كانوا يلقبون أنفسهم باللقب الذي تلقب به حكّام "سبأ" الأول نفسه وهو لقب "مكرب". وتترجم هذه الكلمة بكلمة "مقرب" في لهجتنا، وتعبر "كرب" "قرب" عن التقرب إلى الآلهة. فالمكرب هو المقرب إلى الآلهة والشفيع إليها والواسطة بينها وبين الإنسان. وهو كناية عن الكاهن الحاكم الذي يحكم باسم الآلهة التي يتحدث باسمها وتقابل "باتيسي" "Patesi" في إلاكادية و "اشاكو" "Ischschakku" في الآشورية.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:17 AM
وقد كان هؤلاء المكربون يحكمون في جماعتهم وطوائفهم حكماً يشبه حكم "قضاة بني إسرائيل". فلما توسع سلطان "المكرب"، و تجاوز حدود المعبد، ولم يعد حكماً دينياً فقط، بل انصرف الحكم إلى خارج المعبد، وصدر حكماً زمنياً، لقب نفسه بلقب "ملك"، ومن هنا صارت طبقة الملوك متأخرة بالنسبة إلى طبقة المكربين، أي إن المكربين هم أقدم من الملوك.
ومن قدماء مكربي قتبان -على رأي أكثر علماء العربيات الجنوبية - المكرب "سمه علي وتر"، وابنه "هوف عم يهنعم". وقد عثر على كتابات من أيام "سمه علي وتر" كتبت بشكل حلزوني يبدأ السطر منها من جهة اليمين إلى جهة اليسار ثم يبدأ السطر الثاني من جهة اليسار وينتهي في جهة اليمين، وهكذا. فقارئ الكتابة يقرأ السطر الأول من اليمن على في ما نقرأ في العربية، غير إنه يقرأ السطر الثاني من جهة اليسار متجهاً في اليمين، أي على طريقة الكتابة اللاتينية،
ويقال لهذا النوع من الكتابات في الإنكليزية "Boustrophedon In******inas" وتعد في نظر علماء الخط و الآثار أقدم عهداً من الكتابات الأخرى التي تسير على نسق واحد من اليمين إلى اليسار، أو من اليسار إلى اليمين. ويرى "البرايت" إن هذا المكرب قد حكم في القرن السادس قبل الميلاد. وجعله "فلبي" في حوالي سنة "845 ق. م.".
ولم يذكر "فلبي" في قائمته التي صنعها ووضعها في ذيل كتابه "سناد الإسلام" اسم والد المكرب "سمه علي"، ولا كنيته، ولم يذكر "البرايت" في القائمة التي ألفها لحكام "قتبان" اسم والده أيضاً، غير إن هنالك نصاً قبانياً ورد فيه "هوف عم يهنعم بن سمه علي وتر، مكرب قتبان، بن عم".و"سمه علي" في هذا النص، هو هذا المكرب الذي. نتحدث عنه، ووالده إذن هو "عم" وقد سقط لقبه من النص بسبب كسر أو تلف حدث في الكتابة، لأن من عادة ملوك العرب الجنوبيين اتخاذ الألقاب.
وقد وصلت إلينا كتابات قتبانية، ورد فيها ذكر "هوف عم ينعم"، "هوفعم يهنعم"، سْها الكتابات التي وسمت ب "Glaser 1117,1121,1333,1344,1345"، وهما من الكتابات المزبورة على الطريقة الحلزونية "Boustrphedon In******ion".
وجاء بعد "هوف عم يهنعم" في قائمة "فلبي"، اسم "شهر يجبل يهرجب" "شهر يكل يهركب"، وهو ابن "هوف عم يهنعم"، و قد جعله ملكاً، حكم على رأيه في حوالي سنة "825 ق. م."، وذكر إنه فتح معيناً. وكان له من الأولاد "وروال غيلن يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم"، و قد لقب بلقب "ملك". و "فرع كرب يهوضع" "يهودع". ثم ذكر "فلبي" اسم "شهر هلل" "شهر هلال" بعد "فرع كرب يهودع"، جاعلاً حكمه في حوالي سنة "770 ق. م."، وقد كان ملكاً على قتبان. وهو ابن "ذرأ كرب". ثم نصب "يدع اب ذ بين يهرجب" "يدع أب ذبيان يهركب"، من بعده، وقد كان حكمه - على رأيه - في حوالي سنة "750 ق. م."، وقد جعله مكرباً وملكاً. ثم ترك فراغاً بعده، مكتفياً بالإشارة إلى إن الذي تولى بعده هو أحد أبنائه،
و لم يشر إلى اسمه، وقد قدر إنه حكم من سنة "735 ق. م." حتى سنة "720 ق. م."، ثم جعل من بعده ملكاً سماه "شهر هلل يهنعم" "شهر هلال يهنعم"، وهو أحد أبناء "يدع اب ذبين يهرجب" "يدع أب ذبيان يهركب"، وقد حكم - على رأيه - حوالي سنة "720 ق. م."، ثم خلفه "يدع أب ينف" أو "يجل يهنعم بن ذمر علي" وقد يكون - على حد قوله أيضاً- شقيقاً ل "لشهر هلال بن يدع أب ذبيان يهركب" وقد كان حكمه في حوالي سنة "680 ق. م.".
وترك "فلبي" فراغاً بعد الملك المتقدم، كناية عن حكم ملك لم يصل اسمه إلينا، حكم في حوالي سنة "660 ق. م." حتى سنة "640 ق. م." حيث دوّن بعده اسم ملك سماه "سمه وتر" لم يذكر لقبه الثاني ولا اسم أبيه. ثم ذكر. بعده اسم ملك آخر، سماه "وروال" "وروايل"، لم يذكر لقبه، يتصور إنه ابن "سمه وتر"، وقد جعل حكمه في حوالي سنة "620 ق.م.". ثم ترك "فلبي" فجوة قدرها بنحو من عشر سنين بين الملك المتقدم والملك الذي تلاه، ثم ذكر بعدها اسم ملك سماه "آب شبم" "أب شبم"، لم يعرف اسم أبيه، وقد حكم - على تقديره - في حوالي سنة "590ق. م."، وذكر بعده اسم "اب عم" "أبعم" "أب عم"، وهو ابن "اب شبم"، وقد كان حكمه في حوالي سنة "570ق. م." تلاه في الملك على - رأي "فلبي" - الملك "شهر غيلن" "شهر غيلان"، وهو ابن "أبشم" "اب شيم"، وقد حكم من سنة "555ق. م." إلى سنة "540ق.م.". وفي هذه السنة، أي سنة "540ق. م." كانت نهاية مملكة قتبان، فاندمجت - على رأيه - في مملكة سبأ، وصارت جزءاً منها.
هذه هي قائمة حكام قتبان، من مكربين وملوك على وفق رأي "فلبي"، ويلاحظ إنه وضع مدداً لحكم كل مكرب أو ملك تراوحت من خمس وعشرين سنة إلى عشر سنين. فامتد أجل هذه الحكومة بحسب قائمته من سنة "865" قبل الميلاد إلى سنة "540" فبلى الميلاد. وتقديراته هذه هي تقديرات شخصية، لا تستند إلى كتابات قتبانية ولا غير قتبانية، و إنما هي رأي شخصي واحد، ومن هنا اختلف في مذهبه هذا عن مذاهب الباحثين الآخرين في مدد حكم ملوك قتبان، وكلهم مثله يستندون في أحكامهم إلى آرائهم وتقديراتهم الشخصية، ولا يوجد بينهم من وجد نصاً فيه تأريخ مرقوم ثابت لأحد من هؤلاء الحكام، يستند إليه في تثبيت حكم مكربي وملوك قتبان. ونرى مما تقدم إن "فلبي" جعل عدد من عرفهم من حكام قتبان سبعة عشر رجلاً.
أما البرايت، فقد ترك فراغاً، ولم يحدد مدته بعد "هوف عم يهنعم"، ثم ذكر بعده اسم مكرب دعاه "شهر"، ولم يشر إلى لقبه ولا إلى اسم أبيه، وذكر بعده اسم "يدع أب ذبين يهنعم" "يدع أب ذبيان يهنعم"، قال إنه ابن "شهر"، وقد كان مكرباً، وذكر بعده اسم ابن له يقال له "شهر هلل يهو.."
شهر هلال يهو.."، وقد صار مكرباً بعد وفاة أبيه "يدع اب ذبيان يهنعم". وقد سقط حرفان أو ثلاثة أحرف من لقب "شهر هلال" الأخير فصار "يهو"، ولعله "يهودع" أو "يهنعم" في الأصل.
وترك "البرايت" فراغاً بعد "شهر هلال يهو.."، ذكر بعده اسم "سمه وتر"، قال: إن من المحتمل إن يكون هو المكرب الذي هزمه ""يثع أمر وتر" مكرب "سبأ". ثم ترك فراغاً آخر ولم يحدد مدته، ثم ذكر إن من المحتمل إن يكون قد تولى الحكم بعد هذه الفترة مكرب آخر هو "وروايل" ولم يشر إلى لقبه، وقد كان تابعاً ل "كرب ايل وتر" أول ملك من ملوك سبأ، وقد حكم - على تقديره - حوالي سنة "450 ق. م.".
وترك "ألبرايت" فراغاً بعد اسم "وروايل" يشير إلى وجود فجوة لم يعرف من حكم فيها، ثم ذكر مكرباً آخر سماه "شهر"، ولم يذكر لقبه، ثم ذكر اسم ابنه بعده وهو "يدع أب ذبيان"، قال إنه آخر مكرب وأول ملك في قتبان، و قد ترك عدداً من الكتابات، ومنها كتابة عثر عليها خارج الباب الجنوبي لمدينة "تمنع"، وقد حكم - على رأيه - في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، وتولى ابنه من بعده "شهر هلال" "شهر هلل" ثم "نبط عم" ابن "شهر هلال". ويحتمل إن يكون "يدع أب ذبيان" هذا - حسب رأيه - هو باني ذلك الباب.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:19 AM
نرى إن قائمة "البرايت" قد كتبت اسم "شهر" وابنه وحفيده مرتين، وأشار هو نفسه إلى إن من الممكن إن يكون ذلك من باب التكرار، غير أنه ذكر من جهة أخرى إنه ما دامت الأدلة التي تثبت هذا التكرار غير متوافرة، فإنه يسجل هذه الأسماء على هذا الوضع، فلعلّ أسماء هذه المجوعة المتشابهة هي لأشخاص آخرين، إلى إن يثبت بالدليل خلاف ذلك.
وترك "ألبرايت" فراغاً بعد "نبط عم" "نبطعم"، ذكر بعده "ذمر علي"، ثم ابنه "يدع أب يبل" "يدع أب يكل"، ويرى "ألبرايت" إنه كان معاصراً لثلاثة ملوك من ملوك سبأ، عاشوا في القرن الرابع قبل الميلاد، ولم يستبعد احتمال كونهم من رجال القرن الثالث قبل الميلاد، حينما كانت سبأ مجزأة منقسمة على أمرها.
وقد كانت معظم أرض حمير خاضعة في هذا العهد للقتبانيين. وقد يكون هذا هو السبب الذي جعل الحميريين ينعتون أنفسهم ب "ولد عم"، لأنّ "عما" هو إلَه القتبانيين. و "ولد عم" تعني "أولاد عم" و "شعب عم".
وترك "ألبرايت" فراغاً بعد الملك "يدع أب يكل"، ذكر بعده ملكاً سماه "اب شبم"، "ابشبام" "أب شبام"، ولم يذكر اسم أبيه ولا نعوته، ثم ذكر بعده الملك "شهر غيلن" "شهر غيلان"، قال إنه ابن "أبشبام"، وإن المنقبين قد عزوا على كتابات عديدة من أيامه، منها كتابة عثر عليها عند الباب الجنوبي لمدينة "تمنع". ثم ذكر بعده ملكاً آخر سماه "بعم" وهو ابن الملك السابق، أي "شهر يخلان"، ثم الملك "يدع أب يبل" "يدع أب يكل"، وهو شقيق "بعم"، ثم نصب "ألبرايت" بعده الملك "شهر يجل" "شهر يكل"، قال إنه ابن الملك "يدع أب"، وإنه صاحب جملة كتابات وفاتح معين في حوالي سنة "300 ق. م.". ثم ذكر الملك "شهر هلل يهنعم" "شهر هلال يهنعم" من بعده، وهو شقيق "شهر يجل" "لشهر يكل"، وقد تركت أيامه جملة كتابات، منها كتابة عثر عليها عند باب مدينة "تمنع" الجنوبي.
وقد ذهب "ألبرايت" إلى إن حكم الأسرة أو المجموعة المتقدمة قد كان فيما بين "350" و "250 ق. م.". وهو لا يدري من حكم بعد "شهر هلال" آخر ملوك هذه المجموعة، ولذلك ترك فراغاً، انتقل بعده إلى مجموعة جديدة من الملوك،
وضع على رأسها "ندع أب ذبين يهرجب" "يدع أب ذبيان يهركب"، وقال إنه لا يرى إن وضع هذا الملك في هذا المكان هو من قبيل التأكد، وإنما يرى إن ذلك شيء محتمل، ثم ترك فراغاً آخر بعد هذا الملك يشعر إنه لا يدري من حكم فيه، ثم ذكر بعد هذا الفراغ الملك "فرع كرب" ثم ابنه "يدع أب غيلن". "يدع أب غيلان". وقد ذكر إن في أيامه بني "بيت يفش" المذكور في كتاب قتبانية، وأن ذلك كان في أواخر القرن الثاني قبل الميلاد.
وترك "البرايت"، فراغاً بعد "يدع اب غيلان"، ذكر بعده الملك "هوف عم يهنعم" "هو نعم يهنعم"، وقد جعل حكمه في حوالي سنة "150 ق. م.". ثم ذكر ابناً له حكم - على رأي "البرايت" - من بعده سماه "شهر يجل يهرجب" "شهر يكل يهركب"، وإلى ايامه تعود الأسود المصنوعة من البرنز التي عثر عليها في أنقاض "تمنع"، والكتابة المتعلقة ببناء حصن الباب الجنوبي للعاصمة. وكتابة بناء "بيت يفش". ثم ذكر "وروال غيلن يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم" من بعده "وهو ابن "شهر يكل يهركب" وقد عثر على قطعة نقد ضربت في مدينة "حريب"، تحمل اسم "وروايل غيلن"، يرى "البرايت" احتمال كونها تعود إليه. وذكر بعده الملك "فرع كرب يهودع" "يهوضع"، وهو ابن الملك "شهر يكل، وشقيق "وروايل غيلان".
وقد ترك "البرايت" بعد "فرع كرب يهودع" "يهوضع" فراغاً يشير إلى إنه لا يعرف من حكم بعد ذلك الملك، ثم ذكر بعد هذا الفراغ ملكاً آخر سماه "يدع اب ينف" "يدع اب ينوف". وقد عثر على نقود له ضربت من ذهب في "حريب". ولا يعرف "البرايت" اسم من حكم بعده، لذلك ترك فراغاً، ذكر بعده ملكاً سماه "ذراكزب" "ذرأكرب"، ولم يذكر نعته ولا اسم أبيه، وقد جعل بعده ابنه "شهرو هلل يهقبض" "شهر هلال يهقبض"، ويرى احتمال كونه "شهر هلل" "شهر هلال"، الذي أمر بضرب نقد من ذهب في "حريب". وبه ضمت قائمة "البرايت" لحكام قتبان من مكربين وملوك إذ ذكر بعد اسمه خراب "تمنع" العاصمة ونهاية استقلال قتبان، وذلك في حوالي سنة "50" قبل الميلاد.
ويرى "البرايت" إن "شهر هلال يهقبض" هذا هو الذي بنى البيت المسمى "بيت يفعم" "بيت يفع"، الذي عثر على أطلاله وأسسه عند باب المدينة الجنوبي.
وتعد هذه الفترة القريبة من الميلاد هي أهم المراحل الحاسمة في تأريخ قتبان، في رأي "البرايت"، إذ فيها كان سقوط الحكم الملكي وزواله عنها، ود*********ها في حكم مملكه "معين"، أو د********* قسم منها في حكم معين، وقسم آخر في حكم مملكة السبئيين.
ويرى "البرايت" إن عاصمة قتبان كانت قد تعرضت قبل الميلاد لغزو أليم، وقد استدل عليه من وجود طبقة من الرماد تغطي أرض للعاصمة، وقد فسر هذا بسقوط المدينة فريسة لنار أججها في المدينة ملك، لم نقف على اسمه حتى الآن، ولا على الأسباب التي حملته على إحراق المدينة أو إحراق أكثرها.
ويرى "البرايت" أيضاً إن مملكة حضرموت كانت قد اغتصبت جزءاً من مملكة قتبان، وذلك بعد سقوط "تمنع" في القرن الأول للميلاد. وقد كانت مملكة حضرموت، ومعها مملكة سبأ، من أهم الممالك في العربية الجنوبية في هذا العهد ومنذ القرن الأول للميلاد فما بعده، فقد القتبانيون استقلالهم واندمجوا في حكومة "سبأ وذي ريدان" في النهاية.
وقد عثر على كتابة في "وادي بيحان"، ورد فيها "يدع اب غيلان بن غيلان ملك حضرموت بنى مدينته مدينة: ذي غيلان". وذهب شراء هذه الكتابة إلى إن مدينة "ذي غيلان"، هي مدينة بناها هذا الملك في "وادي بيحان" على مسافة عشرة أميال من موضع "بيحان القصب" في الزمن الحاضر أي في أرض قتبانية، وذلك بعد سقوط مدينة "تمنع". وقد عثر على كتابتين حضرموتيتين أخري ين في هذا الوادي، وردت فيها أسماء ملوك حضرميين.
كتابات وحوادث قتبانية
أحاول هنا تدوين الحوادث التي وقعت في قتبان في أيام المكربين وأيام الملوك مستخلصاً إياها من كتابات العهدين، فابدأ بالبحث في الكتابات التي يرجع عهدها إلى المكربين. وفي جملة الكتابات أيام "المكربين" كتابة وسمها العلماء ب "Galser 1410-1681"، وقد، 1 دوّنت عند قيام قبيلة "هورن" "هوران" ببناء بيت في أرضها للإله "عم ذو دونم"، بنته بالخشب وبالحجارة والرخام ومواد أخرى، تقرباً إلى ذلك الإلَه وإلى آلهة قتبان الأحرى: "عم" و "أنبي" و "ذات صنتم" و "ذات ظهران". وقد وردت في النص أسماء مواضع هي: موضع "لتلك" الواقع في منطقة "ذبحتم" "ذبحة"، و "دونم" "دون" و "إذ فرم" "إذ فر". وقد سقط منة السطر. الأول اسم "المكرب" وبقي اسمه الثاني وهو "ذبين" "ذبيان"، ولقبه وهو "يهنعم"، واسم أبيه وهو "شهر". ويظهر من عبارة: "ذبين يهنعم بن شهر، مكرب قتبن وكل ولدعم واوسن وكحد ودهسم و"تبنو بكر انبي وحوكم". أي ".. ذبيان يهنعم بن شهر مكرب قتبان وكل ولدعم واوسان وكحد ودهس وتبنو بكر أنبي وحوكم" إن قتبان وكل المتعبدين للإله "عم" الذي يمثله مكرب قتبان نفسه والأوسانيون وكحد ودهس وتبنى كانوا متحدين في ذلك العهد متحالفين، يحكمهم المكرب المذكور.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:21 AM
وقد رأينا إن "ألبرايت" جعل هذا المكرب في الجمهرة الثانية من جمهرة المكربين الذين حكموا قتبان، ولم يذكر شيئاً عن أبيه "شهر" لعدم ورود شيء عنه في الكتابات. أما اسم المكرب الأول الساقط من النص، فهو ""يدع اب".
وفي أسماء المواضع المذكورة دلالة على إنها كانت خاضعة لحكم قتيان في أيام المكرب المذكور. وأن حدود قتبان كانت واسعة إذ ذاك أي في القرن السابع قبل الميلاد على رأي بعض الباحثين أو في النصف الثاني من القرن الخامس قبل الميلاد على رأي بعض آخر.
وقد عثر على اسم المكرب "شهر هلل بن يدع اب" "مكرب قتبان" في كتابتين، رقمتا برقم "RES 312" و،"Res 312 + SE60". و قد ورد فيهما اسم "أنبي" و "حوكم" و "عم" من أسماء.آلهة قتبان. وورد فيها أسماء مواضع مثل: "لتك"، و "ذبحتم" و "اضفرم"، وقبيلة أو جماعة تعرف به "هورن" "هوران" . و كان سبب تدوينها التوسل والتضرع إلى الإلَه "أنبي" ليمن على أصحاب الكتابتين فيبعث إليهم بالخير والبركة، ويقيهم شر المجاعة. والظاهر إن قحطاً كان قد حدث في أيام هذا المكرب فتوسل أصحاب الكتابة إلى إلههم "أنبي" إن يمن عليهم بإنقاذهم منه.
ويلاحظ إن هذه الكتابة تحدثت عن موضع "لتك" في "ذبحة" التابعة لقبيلة "هورن" من قبائل قتبان، إلا إنها لم تذكر "قتبان وولد عم وأوسان وكحد ودهس" كما جاء ذلك في النص السابق. وقد سقط من هذه الكتابة "شهر هلل" "شهر هلال"، كما إنها لم تذكر لقب "يدع اب" مكرب قتبان وهو والد "شهر". ولا نستطيع بالطبع الادعاء لي إنه كان أقدم من المكرب السابق أو إنه جاء من بعده في الحكم لعدم وجود دليل ملموس لدينا يثبت أحد الرأيين.
وقد عثر على عدد من الكتابات القتبانية، ورد فيها اسم المكرب: "يدع اب ذبين بن شهر" "يدع أب ذبيان بن شاهر" "شهر". منها الكتابة الموسومة برقم "Glaser 1600". وقد جاء فيها: إن "ي دع أب ذبين بن شهر مكرب قتبان، وكل أولاد عم وأوسان وكحسد ودهسو وتبني" فتحوا طريقاً، و انشأوا "مبلقة" بين موضعي "برم" و "حرب" "حريب"، وجددوا "بيت ود" و "عثيرة"، وبنوا "مختن" في موضع "قلي". ووردت في هذه الكتابة أسماء، آلهة أخرى، هي عثتر، وعم، وأني، وحوكم، وذات صنتم، وسحرن، ورحبن.
وقد وردت في الكتابة لفظة "منقلن"، و يراد بها الطريق في الجبل. وهي بهذا المعنى أيضاً في معجمات اللغة التي نزل بها القرآن الكريم. و وردت فيه لفظة "مبلقة"، و معناها فتحة وثغرة، وهي بهذا المعنى في عربيتنا كذلك، يقال انبلق الباب إذا انفتح، وأبلق الباب: فتحه كله أو أغلقه بسرعة، ومعنى الكلمة في النص عمل ثغرة في الجبل ليمر منها الطريق المار في الجبل من كان إلى مكان. وفي هذا العمل المشترك الذي اشترك فيه هذا المكرب وشعب قتبان وقبائل أخرى غير قتبانية، هي أوسان وكحد ودهس و تبني، دلالة على وجود فن هندسي راق عند العرب الجنوبيين في هذا العهد الذي لا نعرف مقدار بعده عن الميلاد، ولكننا نجزم إنه كان قبل الميلاد.
ولدينا كتابة أخرى تشبه الكتابة المقدمة، دونت في أيام هذا المكرب كذلك. ورد فيها بعد اسم المكرب جملة: "وكل ولد عم"، ثم أسماء من ساعد "ولد عم" في إباء، وهم "أوسان" و "كحد" "ودهس" "وتبني" و "يرفأ"،
ثم وليت هذه الأسماء جملة "ايمنن واشامن"، أي "الجنوبيون والشماليون"، وبعبارة أخرى "أهل الجنوب وأهل الشمال"، ويقصد بذلك على ما يظهر من سياق الكلام سكان المناطق الشمالية وسكان الجنوب. أما جملة "ولد عم" فإنها كناية عن أهل "قتبان". و "عم" هو إلا "قتبان" الرئيس، ولذلك أطلق القتبانيون على أنفسهم "ولد عم". ويفهم من ذكر أسماء القتبانيين وغيرهم في هذه الكتابة إن العمل المذكور في الكتابة كان ضخماً واسعاً، لذلك اشترك في اتمامه و إنجازه أهل أوسان والقبائل الأخرى. ولم يتحدث النص عن كيفية اشتراك اوسان و القبائل الأخرى المذكورة في هذا العمل: أكان ذلك لأنها كانت خاضعة في وقت تدوين هذه الكتابة لحكم المكرب "يدع أب" فاضطرت إلى الاشتراك فيه، أم هي قامت به بالاشتراك مع قتبان لأنه في مصلحتها، لأنها ستستفيد منه كما يستفيد منه القتبانيون، فتعاونت مع قتبان في إنجازه و إتمامه.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:22 AM
والكتابة وفي ثيقة مهمة تتحدث عن عمل هندسي مهم خطير، هو فتح طريق جبلي في مناطق وعرة وفي أرضين جبلية، فاستوجب العمل تمهيد الأرض وتسويتها و إحداث ثغر في الصخور وفتح أنفاق ليمر بها الطريق. وقد كرس العمل باسم الآلهة "عم ذو شقرم" و "عم ذو ريمت" و "أنبي" و "حوكم" و "ذات صنتم" و "ذات ظهران" و "ذات رحبان"، وتقرب به إليها. وقام به وأشرف عليه رجل اسمه "أوس عم بن يصرعم" "أوسم بن يصرعم" "أوس بن يصرع"، أدار هذا الرجل العمل، ورسم الخطط وقام برصف الطريق وتبليطه ورصف ممر "ظرم" بصورة خاصة بطبقة سميكة من الحجارة. وقد قام بكل ذلك بأمر سيده المكرب "يدع اب".
ونحن هنا أمام رجل كان له علم خاص بهندسة المطرق وله تجارب ودراية في أحداث الثغُر في الصخور و إنشاء الممرات و المناقل للقوافل والمارة في المناطق الوعرة ولهذا كلفه حاكم قتبان القيام بذلك العمل، فأنجزه وأتمه على النحو الموصوف.
وكان "اوس عم بن يصرعم" من قبيلة تسمى "مدهم".
وقام المهندس المعماري المذكور بأعمال هندسية أخرى لسيده المكرب، فقد جاء في نص آخر إنه شق طرقاً وثنايا في مواضع جبلية وعرة، وحفر انفاقاً تمر السابلة منها، وبنى أيضاً "بيت ودم"، أي معبد الإلهَ "ود"، و "مختن ملكن بقلي"، أي "مختن الملك" بموضع "قلي". وقد سبق إن أشير إلى هذا "المختن" في النص "Glaser 1600" الذي تحدثت عنه قبل قليل، وهو من النصوص التي تعود إلى هذا المكرب نفسه. والتي تتحدث عن فتح طريق وبناء "بيت ود" و "مختن الملك بقلي"، إلا إنه لم يذكر اسم "المهندس" الذي أشرف على العمل في النصر الموسوم ب "Glaser 1600".
وليست لدينا معرفة تامة بمعنى "مختن"، الواردة في النصين المذكورين، وقد ذهب بعض الباحثين إلى انها من الألفاظ المستعملة في الشعائر الدينة، و إنها تؤدي معنى محرقة، أو الموضع الذي توضع عليه القرابين التي تقدم إلى الآلهة أو المذبح الذي تذبح فيه الضحايا، فهي بمعنى "يبحت" و "ومنطف" و "منطفت" "منطفة". وذلك لورود هذه الألفاظ في كتابات تتعلق بالقرابين، كما سأتحدث عنها في فصل "الحياة الدينية عند الجاهليين".
ويظهر إن لاسم قرية "شقير" و "حصن شقير" الموجودتين في اليمن في الوقت الحاضر، علاقة بمعبد "عم ذو شقرم" الذي تقرب صاحب النص المذكور إليه ببناء الطريق ورصفه، وقد كان "شقرم" موضع في ذلك الوقت أقيم به معبد خصص بعبادة الإله "عم". ولعل الطريق الذي في شيده "يدع أب ذبيان" كان يمر به، وأنه أوصل إليه ليسهل على المؤمنين الوصول إليه، فكرس الطريق لذلك بأسمه فذكر قبل بقية الآلهة، تعبيراً عن هذا التخصيص.
ويرى بعض الباحثين إن ملك قتبان كان قد توسع في عهد "يدع أب ذببان" هذا فصار يشمل كل "أوسان" و قتبان ومراد حتى بلغ حدود سبأ. ولحماية أرضه أقام حواجز وفتح طرقاً في الهضاب والجبال ليكون في إمكان جيشه اجتيازها بسهولة في تحركه لمقاتلة أعدائه، أقامها في شمال أرضه وفي جنوبها لمنع أعدائه من الزحف على مملكته. وتعبيراً عن فتوحاته هذه في شمال وفي جنوب قتبان استعمل جملة "ايمنن واشامن" أي "الجنوبيون والشماليون"، وهو لقب يعبر عن هذا التوسع الذي تم على يديه.
ويظهر إن الذي حمل "يدع ذبيان" على الأقدام على شق الطرق في المرتفعات وفي الجبال وعمل الأنفاق وتبليط الطرق بالإسفلت، هو عدم اطمئنانه من الطرق الممتدة في السهول، إذ كانت هدفاً سهلاً للأعداء. فإذا اجتازتها قواته هاجمهما الغزاة ويكون من الصعب عليها الدفاع حينئذ عن نفسها، أما الطرق التي أنشأها فإنها وان كانت صعبة وفي السير بها مشقة إلا إنها آمنة لأنها تمر في أرض خاضعة لحكمه وهي أقصر من الطرق المسلوكة في الأرض السهلة. ثم إن الدفاع عنها أسهل من الدفاع عن الطرق المفتوحة. فبهذا التفكير الحربي أقدم على فتح تلك الطرق. وقد تبين من ورود لفظة "ملك" في بعض هذه الكتابات وجود لقب "مكرب" فيها، إن "ي دع اب ذبيان" هذا كان كاهناً في الأصل، أي حاكماً يحكم بلقب "مكرب"، ثم تحلى بلقب "ملك" أيضاً. ولعله استعمل اللقبين معاً، ولهذا ذكرا معاً في الكتابات المشار إليها. إلا إن الكتابات المتأخرة.
نعنته بلقب ملك فقط، وفي اكتفائها بذكر هذا اللقب وحده دلالة على أنه صرف النظر عن اللقب القديم، وجعل لقبه الرسمي ر هو اللقب "ملك" فقط.
ومن الكتابت التي تعود إلى أوائل حكم "يدع أب ذبيان"، أي أيام حكمه "مكرباً" الكتابات: Ryckmans 390 و REP. EPIG 3550,4328. أما الكتابة: REP.EPIG. 3878، فتعود إلى أيام تلقبه بلقب "ملك". وتتناول الكتابات الأولى موضوع فتح وتعبيد طريق "مبلقة"، وقد عثر عليها مدونة على الطريق وفي "شقرم" "شقر" التي تقع إلى الغرب منها.
ومن كتابات أيام الملكية الكتابة الموسومة ب "Glaser 1581"، وقد دونت عند الانتهاء من بناء حصن "برم" "محفدن بوم" تقرباً وتودداً لآلهة شبان. وكان العمل في أيام الملك "يدع أب ذبين بن شهر ملك قتبين" "يدع أب ذبيان بن شهر ملك شبان". وكان صاحب البناء الذي قام به "لحيعم بن ابانس" من "آل المم" و "عبد أيل بن هاني". ويظهر انهما كانا من المقربين إلى الملك المذكور، وربما كانا من كبار الموظفين، أو من أصاب الأرضين والأملاك أو من رؤساء العشائر.
وللملك "يدع اب ذبيان بن شهر"، وثيقة على جانب كبير من الأهمية لأنها قانون من القوانين الجزائية المستعملة في مملكة قتبان،
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:24 AM
بل في الواقع من الوثائق القانونية العالمية، ترينا أصول التشريع وكيفية إصدار القوانين عند العرب الجنوبيين قبل الميلاد، فيها روح التشريع الحديث وفلسفة التقنين، ترينا إن الملك وهو المرجع الأعلى للدولة هو وحده الذي يملك حق إصدار القوانين ونشرها والأمر بتنفيذها، وترينا أيضاً إن مجالس الشعب، وهي المجالس المسماة ب "المزود" وتتكون من ممثلي المدن ومن رؤساء القبائل والشعاب، هي التي تقترح القوانين وتضع مسودات اللوائح، فإذا وافقت المجالس عليها عرضتها على الملك لإمضائها ولنشرها بصورة ارادة أو أمر ملي، ليطلع الناس على أحكام الأمر الملكي ويعملوا به.وسأتحدث عن ذلك في فصل "التشريع الجاهلي" بكل تفصيل وتوضيح.
والوثيقة المذكورة هي قانون أصدره الملك في شهر "ذي مسلعت" "ذو مسلعة" من سنة "غوث آل" "غوث ايل" وقد شهد على صحتها للتعبير عن شرعيتها جماعة من الأعيان والرؤساء وهم من أعضاء "المزود" ومن أشراف المملكة ورؤساء القبائل، ذكرت أسماؤهم وأسماء الأسر والعشائر التي ينتمون إليها
وقد كانت العادة في قتبان إن ذكر عند إصدار القوانين والأوامر أسماء أعضاء المزود والرؤساء وكبار الموظفين كما تفعل الدول الحديثة في هذا اليوم من ذكر اسم رئيس الدولة الذي يصدر القانون بأمره وباسمه، واسم رئيس الوزراء والوزراء أصحاب الاختصاص، وذلك لإظهار موافقة المذكورين على القوانين، دلالة على اكتسابها للصفة القانونية بنشر أسمائهم مع اسم الملك.
وفي جملة القبائل التي ذكرت في هذه الكتابة "ردمن" "ردمان" و "الملك" "الممالك" و "مضحيم" "مضحى"، و "يسر"، و "بكلم" "بكيل" و "ضرب"، و "ذو ذرآن" "ذ درن"، و "شهران"، و "هران" "هرن"، و "غربم"، و "رشم"، و "زخران"، و "غربان"، و "جرعان"، و "نظران"، و قبائل أخرى. وقد ذكرت أسماء الرؤساء الذين أمضوا القانون وصدقوا صحته ودونت قبل أسمائهم هذه الجملة: "وتعلماي ايون.."، ومعناها: "علموا عليها بأيديهم.."، وكتب قبل اسم الملك: "وتعلماي يد"، ومعناها: "وعلم عليها بيده"، ويعود الضمير إلى الملك.
والوثيقة التي نتحدث عنها هي قانون في عقوبات القتل العمد أو القتل الخطأ غير المتعمد وفي العقوبات التي يجب إن يعاقب بها من يصيب إنساناً بجرح أو جروح قد تحدث آفات وعطلاً في الشخص. وسأتحدث عن هذا القانون وعن المصطلحات الفقهية الواردة فيه في فصل "التشريع عند الجاهليين"، ويرى "فون وزمن" إن هذه الوثيقة المهمة هي من الأوامر التي اصدرها الملك في النصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد. ويتبين من الوثيقة المتقدمة إن القتبانيين كانوا يحكمون الرومانيين في هذا العهد. ومخلاف "ردمان" من مخاليف اليمن المهمة، فيه قبائل كبيرة. ولهذا فان خضوعه لقتبان هو ذو أهمية كبيرة بالقياس إلى الحكومة.
ويعد موضع "جهر وعلان" حاضرة مخلاف "ردمان"، ومن أماكن "ردمان" "رداع" و "كدار"، وهو مكان قريب من "وعلان"، وقد ورد اسم "وعلان" في الكتابات إذ جاء: "وعلن ذردمن"، "وعلان ذو ردمان
ويظن إن الملك "يدع أب ذبيان يهرجب بن شهر، ملك قتبان" الذي أمر بتدوين النص الذي وسم ب "Jamme 405+406"، هو هذا الملك الي نتحدث عنه، أي الملك المعروف في الكتابات باسم "يدع أب ذبيان بن شهر"، والفرق بين الاسمين هو في وجود اللقب "يهرجب" "يهركب" في النصين المذكورين وسقوطه من الكتابات الأخرى. ويستدل مَنْ قال بأن الأسمين هما لشخص واحد بورود أسماء قبائل في النصين وردت في كتابات دوّنت في عهد الملك المتقدم ثم لأنهما استعملا مصطلحات ترد في كتابات تعود إلى هذا العهد، ثم لأن أسلوب الكتابة و نموذج كتابتها يدلان على إنها كانت في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، أو في القرن الرابع قبل الميلاد. وفي هذا الوقت كان حكم هذا الملك على رأي بعض الباحثين. لذلك رأوا إن الكتابتين قصدتا هذا الملك.
وخلاصة ما جاء في النصين إن الملك "يدع أب ذبيان يهرجب بن شهر ملك قتبان" وكل أولاد عم وأوسان و "كحد" و "دهسم" "دهس" و "تبنو"، بنوا "يسرن" "يسران" والأقسام التابعة لها "ريمت" "ريمة" و"رحبت" "رحبة"، وذلك من الأساس إلى القمة، ولحماية ما أمر الملك ببنائه من كل أذى وسوء وقدّموا ما قاموا به إلى الآلهة "عثتر" و "عم" و "ود".
أما القبائل المذكورة في هذين النصين، فقد تعرفنا عليها في الكتابات السابقة.
ولدينا كتابة وسمها علماء العربيات الجنوبية ب "rep.epig. 4094"، دونها "زيدم بن آل وهب" "زيد بن أيل وهب"، و "أب عم بن شهرم" من "ذي طدام"، عند اتمامهما بناء عدة بيوت أو معابد ذكرا أسماءها، وهي: "يفش مبش"، و "اهلن"، و "شمس مبش" لملكي قتبان: "يدع أب ذبيان" وابنه "شهر". وقد ورد فيها اسم الآلهة: عثتر، وعم" وانبي، وذات صنتم، وذات ظهرن "ذات ظهران". وهي الآلهة التي ترد أسماؤها عادة في معظم كتابات القتبانيين. وجاءت بعد أسماء الآلهة، هذه الجملة "وببش واهلن"، ولا نعرف اليوم شيئاً عن "مبش" ولا عن "اهلن"، اهما اسمان لإلهين من آلهة قتبان بديل ورودهما بعد أسماء الآلهة التي ورد ذكرها تيمناً في هذه الكتابة، أم هما اسمان لقبيلتين أو لمقاطعتين أولمعبدين من المعابد المشهورة التي كانت في قتبان?.
أما "طدام"، فهو اسم قبيلة أو أسرة قتبانية، و قد ورد في كتابات أخرى عديدة غير قتبانية. وأما "أبعم" "أب عم" و "زيدم" "زيد" فمن الأسماء التي ترد في مختلف الكتابات، ولكن اسم "اب عم" "أبعم" هو من الأسماء المنتشرة بصورة خاصة في قتبان.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:27 AM
وقد اختلف الباحثون في تعيين زمان حكمه، فذهب بعضهم إلى إنه كان في القرن الخامس قبل الميلاد، وذهب بعض آخر إلى إنه كان في القرن الرابع قبل الميلاد، أو القرن الثاني قبل الميلاد أو في أوائل القرن الأخر قبل الميلاد. وقد ذكر اسم الملك "شهر هلل" وابنه "نبطعم" في كتابة دونها رجل اسمه "نبط عم بن يقه ملك" "نبطعم بن يقهملك" إذ حفر بئراً في حصن له لإرواء أرضه وأملاكه، وجعلها في رعاية آلهة قتبان وحمايتها، لتبارك له ولذريته، وذكر إن حفر هذه البئر كان في أيام الملك المذكور وفي أيام ابنه.
وقد ذهب "ألبرايت" إلى إن "شهر هلال" المذكور وهو والد "نبطعم" هو ابن "يدع أب ذبي إن بن شهر".وقد جعله كما قلت قبل قليل آخر المكربين وأول من تلقب بلقب "ملك" في قتبان.
وجاء اسم الملك "شهر هلل بن يدع اب"، في قانون أصدره للقتبانيين المقيمين بمدينة "تمنع" أي العاصمة وللمقيمين في الخارج، وذلك لتنظيم التجارة ولتعيين حقوق الحكومة في ضرائب البيع والشراء، والأماكن التي يكون فيها الاتجار. وفي هذا القانون مصطلحات تجارية مهمة ترينا مبلغ تقدم القتبانيين في أصول التشريع التجاري بالقياس إلى تلك الأيام.
ووصلت إلينا كتابة قتبانية وسمت ب "REP.EPIG. 4325"، وهى قانون لتنظيم التجارة وفي كيفية دفع الضرائب. وقد صدر في أيام "شهر"، وقد سقط من النص لقب الملك واسم والده ولقبه، كما سقطا أسطر من القانون بسبب تلف أصاب الحجر المكتوب، فأضاع علينا فهم أكثر القانون. ولوجود جملة ملوك حكموا قتبان باسم "شهر"، لا نستطيع تعيين هذا الملك، صاحب هذا القانون، وقد يكون "شهر هلال بن يدع اب"، أي الملك المتقدم.
وذكر اسم الملك "ذمر علي" واسم ابنه الملك "يدع اب يبجل" "يدع اب يكل" في النص القتباني المعروف ب "Glaser 1693"، ولم يرد فيه اللقب الذي كان يلقب به.
وقد ورد اسم ملك قتباني هو "يدع أب"، في عدد من الكتابات، دون إن يذكر لقبه أو اسم أبيه، وقد ذهب "فلبي"، إلى احتمال إنه "يدع اب بن ذمر علي" أي الملك المذكور في النص "Glaser 1693".
وفي أيام "يدع اب يبل" نشبت حرب بين "سبأ" و "قتبان" " ذكرت في النص الموسوم ب "REP.EPIG 3858". وهو نص سجله "ذمر ملك بن شهر" من "آل ذران" "آل ذرأن"، وكان والياً ولاه الملك على قبيلة "ذبحن" النازلة في أرض "حمر"، بعد إن ثارت وتمردت على ملك قتبان، فتغلب عليها، وضرب عليها الجزية وأخذ غنائم منها ومن القبائل التي عضدتها، ويظهر إن هذه القبيلة انتهزت فرصة حرب نشبت بن "سبأ" و "قتبان"، فأعلنت عصيانها على ملوك قتبان وثارت ومعها قبائل أخرى انضمت إليها،ولكنها لم تنجح، ففرضت قتبان عليها جزية كبيرة وانتزعت منها بعض أملاكها. وقد أشار النص إلى: "حرب يدع آل بين وسمه علي ينف ويثع أمر وتر ملوك سبأ، وسبأ وقبائلها وإلى ملوك رعنن وقبيلة رعن"، ويظهر من هذه الجملة إن الحرب كانت قد نشبت في أيام الملوك المذكورين، وهم ملوك سبأ، ومع "ملوك سبأ، وسبأ وأشعبها"، ويظهر إنه يقصد بجملة "ملوك سبأ" المذكورة بعد اسم "يثع امر وتر" مباشرة، ملوك سبأ آخرون، أو سادات قبائل، تلقبوا يلقب "ملك". وأما لفظة "أشعب"، فهي "الشعوب" في لهجتنا، وتعبر عن معنى القبائل. ويكون الملك "يدع اب يجل" من معاصري الملوك المذكورين إذن بحسب هذا النص.
وقد أشير إلى "ذبحن ذحمرر" "ذبحان ذو حمرو" في الكتابة: "rep.epig. 3550" وذكر فيها اسم "نعمن" "نعمان" و "صنع".
وقد ورد اسم هذا الملك في كتابات أخرى عثر عليها في مواضع من "وادي بيحان".
وقد ورد اسم الملك "شهر غيلن بن ابشم"، وكذلك اسم ابنه "بعم"، في نص قتبان وسم ب "rep.epig. 3552". وقد دوّن هذا النص عند قيام "شرح عث بن عبد بل بن تنزب"، وهو معمار كلفه الملك المذكور انشاء "محفد عريم"، أي برج في موضع يسمى "عرب" "عربم". وقد قام بالعمل وأتمه، ووضعت "تخليده هذه الكتابة شاهداً على إتمام البناء. وقد تضمنت شكراً وحمداً لآلهة قتبان، التي سهلت العمل، ومنت على القائمين به بإنجازه واتمامه، نيمناً باسمها على عادة العرب الجنوبيين كلهم في ذكر أسماء الآلهة التي يتعبدون لها.
وورد في شابة أخرى اسم الملك "شهر غيلن بن أبشم"، أمر الملك نفسه بتدوينها، عند تجديده إحدى العمارات و إنشائه "صحفتن"، أي برجاً، فخلد ذلك العمل بهذه الكتابة وشكر الآلهة "عم" و "انبي" و "عم ذيسرم"، لمنتها عليه وتسهيلها هذا العمل له.
وتعد الكتابة المرقمة برقم: "Glaser 1601" من الكتابات المهمة المدونة في أيام هذا الملك، لأنها أمر ملكي في كيفية جباية الضرائب من قبيلة "كحد ذ دتنت". وقد عقدت بين ملك قتبان ورؤساء قبيلة "كحد" النازلة في "دتنت" "دتنه"، واشهدت آلهة قتبان عليها. وقد جاء في هذا الأمر أن "كبر" أي "كبير" لّيلة "كحد" هو الذي سيتولى أمر هذه الجباية والأشراف على تنفيذ الأمر وتطبيق أحكامه على كل من يخصه ويشمله، وذلك من تأريخ تعيينه "كبيراً" إلى يوم انتهاء ويخضه، على إن يقدم الوارد إلى الحكومة سنة فسنة، فإذا انتهت مدة تعيينه، تولى من يخلفه في هذا المنصب أمر الجباية، وقد جعل تأريخ تنفيذ هذا العقد من: "بن شهر و رخن ذ تمنع خرف موهبم ذ ذرحن اخرن لاخرن"، ومعناها: "من هلال شهر ذو تمنع سنة موهب ذو ذرحن" "ذرحان" آخراً فآخراً"، وتعني "اخرن لأخرن" والأشهر التي تليه إلى أمر آخر.
وأما الضرائب المفروضة، أي الجباية التي يجب إن تجبى من قبيلة "كحد": فقد حددت بهذه العبارة: "عشر سل هنام وموبلم وتقنتم وترثم وكل ثفطم بيثفط"، أي " عشر كل ربح صاف، وكل ربح يأتي من التزام أو من بيع أو من ارث يورث"، فحصر هذا القانون ضريبة "العشر" في الأرباح المتأتية من هذه المكاسب، وتجبى هذه الضرائب لخزانة الحكومة.
وقد ذكرت في هذه الوثيقة ضريبة أخرى، هي "عصم" "عصمم"، وهي ضربية خاصة تجبى للمعابد، أي إنها تذهب إلى الكهان لينفقوا منها على إدارة المعبد، فهي ضريبة مقررة تجبى كما تجبى ضرائب الدولة، وهي مصطلح يطلق على كل أنواع الجبايات التي تسمى بأسماء الآلهة والمعابد.
ويرى "رود كناكس" إن "العصم" لفظة تطلق على كل ما يسمى للإلهة أو المعابد من "زكاة" أو نذر أو صدقات تقدم في مختلف الأحوال، عند برء من سقم، أو عند حدوث زيادة في الغلات. وقد وردت في النصوص مصطلحات مثل: "ودم" و "شفتم" و "بنتم" وأمثالها، وهي تعبر عن النذور والهبات التي يقدمها المؤمنون تقرباً وزلفى إلى آلهتهم، وهي غير محدودة ولا معينة ولا ثابتة، و إنما تقدم في المناسبات كما في أكثر الأديان.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:28 AM
وجاءت في هذه الكتابة جملة "وسطر ذتن اسطون ببيت ورفو"، أي "وسطرن هذه الأسطر ببيت ورفو "، وتؤدي لفظة "بيت" في أمثال هذا السياق معنى "معبد"، كما نقول "بيت الله"، وقد وقعها الملك في شهر "ذبرم" وأعلنها للناس وأوضح ذلك بهذه العبارة: "يد شهر و رخس ذبرم قد من خرف موهبم ذ ذرحن"، أي "وقد وقع عليها شهر بيده في شهر ذي برم الأول من سنة موهب آل ذرحن". وجعل شاهداً على صحة الوثيقة رجلاً اسمه "نبط عم بن السمع" من "آل هيبر".
وحظي معبد "بيحان" بعناية الملك "شهر غيلان"، فشد أمر بترميم أقسامه القديمة وتجديدها وبناء أقسام جديدة فيه. وقد تيمن بهذا العمل بذكر الآلهة "عثر نوفان"، أي "عئتر النائف". وسجل هذا العمل في كتابة وسمها علماء العربيات الجنوبية ب "rep.epig. 4932". وقد ذكر فيها أسماء آلهة أخرى تيمناً بذكر أسمائها وتقرباً إليها.
وكان هذا المعبد قد خصص لعبادة "عم ذلبخ"، فهو اذن أحد المعابد التي سميا باًسم الإلَه "عم". وقد عرفت معابده ب "عم ذلبخ". ومعبد "بيحان" هو معبد من هذه المعابد التي حملت اسمه. وكانت لها جماعة تتعبد بها، ولعلها مذهب أو طائفة خصصت نفسها بعبادة هذا الإله. وكانت هذه المعابد تجبي أموالاً من أتباعها لتقيم بها المعابد، وصرف الملوك عليها كذلك.
وفي الكتابة الموسومة ب "Ryckmans 216" خلر نصر أحرزه الملك "شهر غيلان" على حضرموت و "أمر" "آمر" "أأمر". وتخليداً له أمر ببناء معبد "عثتر ذ بحن"،أي معبد الإلَه "عثتر" في موضع "ذبحن" "ذبحان". ويرى "فون وزمن" إن موضع "ذبحان" الذي بني فيه هذا المعبد، هو المكان المسمى "بيحان القصب" في الوقت الحاضر. و يقع عند قدم "جبل ريدان". وفي هذا المكان خرائب واسعة تدل على إنه كان مدينة أو قرية كبيرة. ويرجع "فون وزمن" زمان هذا الملك إلى أواخر القرن الرابع لما قبل الميلاد.
ويتبين من النص المتقدم إن "قتبان" كانت في عهد هذا الملك قوية، فقد انتصرت كما رأينا على حضرموت و "امر"، وكانت تحكم "دتنت" "دتنه" و "كحد"، كما كانت تحكم أرضين أخرى غير قتبانية. ولولا القوة لانفصلت تلك الأرضين عنها.
وقد عثر عدد من الكتابات القتبانية ورد فيها اسم الملك "شهر بجل بن يدع أب". منها الكتابة التي وسمت ب "Glaser 1602". وهي أمر ملكي في كيفية جمع الجباية من "اربي عم ذلبخ"، أي من "طائفة معبد الإله عم في أرض لبخ"، ويظهر من هذا المصطلح ومن مصطلحات مشابهة أخرى إن العرب الجنوبيين كانوا يؤلفون طوائف تنتمي إلى إلهَ من الآلهة تتسمى به وتقيم حول معبده. ويعر عن الطائفة بلفظة "اربي"
وتقيم في الأرض تستغلها، وتسمي نفسها باسم الرب الذي تنتمي الطائفة إليه. و يجوز إنها كانت تتعاون فيها بينها في استغلال الأرض وفي تصريف الإنتاج لخير الطائفة بأسرها. وتقدم الطائفة حقوق الحكومة إلى الجباة الذين يجبون تلك الحقوق، فيقدمونها إلى "الكبير"، أي نائب الملك المعين والياً على المقاطعات ليقدمها إلى الملك.
وقد أصدر الملك "شهر يجل" أمره هذا، وأمر بتنفيذه، وذلك في معبد "عم ذلبخ"، المشيد في موضع "بن غيلم" أي "في غيل"، وذلك في شهر "ذبشم" سنة "عم علي" كما يفهم من العبارة القتبانية: "ورخس ذبشهم خرف عم علي".
وتتألف "الاربي"، أي طائفة "عم" إله معبد "ذلبخ" من أُسر تجمع بينها صلة القربى، وكان لهم رؤساء يديرون شؤون الطائفة سماهم الملك، وهم: "معدي كرب" "معدي يكرب بن هيبر" و "دال" و"دايل بن رباح" "ربح"، و "اخهيسمى" أي واخوتهما. وقد قصد الملك من ذكرهما في هذه الكتابة انهما هما اللذان كانا يقومان بجمع الغلات ودفع ما على أتباعهما إلى خزانة الحكومة وإلى خزائن المعابد التي في أرض "لبخ" وفوّض امر استثمارها إلى هذه الطائفة.
وهناك كتابات أخرى تبحث في الموضوع نفسه، موضوع أرض "لبخ" وطائفة "عم" "اربي عم" القاطنة بها، وعباراتها هي عبارات النص المذكور إلا في أمور، إذ تختلف فيها، في مثل أسماء الأشخاص وتواريخ عقد تلك الاتفاقيات ومواضعه، لأنها عقدت في أوقات مختلفة و مع أشخاص آخرين.
وتقدم النصوص المذكورة نماذج عن طرق كتابة العقود الرسمة بن الحكومة القتبانية والموظفين والجماعات في موضوع الالتزامات والعقود، فلها أهمية خاصة لمن يريد دراسة أصول التشريع عند الجاهليين.
والعادة كتابة هذه الوثائق وإعلانها للناس بوضعها في محالّ بارزة، يتجمع عندها الملأ في العادة أو يمرون عليها، مثل المعابد أو أبواب المدن، فإنها من أكثر الأماكن التصاقاً بالأفراد والجماعات. وتؤرخ بالتواريخ المستعملة في أوقات عقد العهود، ليعمل بتلك الأوامر وفي الأوقات المثبتة في الكتابات.
ولدينا نص أمر ملكي أصدره الملك إلى القتبانيين أحرارهم وعبيدهم، رجالهم ونسائهم، وإلى كل المولودين في مدينة "تمنع" في كيفية دفعهم "العصم" أي الضرائب. وقد صدر هذا الأمر و أعلن للناس في "ورخم ذبرم اخرن ذ ذران"، أي في "شهر برم الثاني من السنة الأولى من سني من آل ذرأن". وقد سقط من الكتابة اسم الرجل الذي أرخت الكتابة به.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:31 AM
ويرى "البرايت" إن "شهر يجل"، هذا كان قد حكم في حوالي سنة "300 ق. م." وانه تغلب على المعينيين فحكمهم.
وعثر على أمر ملكي أصدره الملك "لشهر هلل يهنعم بن يدع اب" في كيفية جباية "ابي عم لبخ"، وهو أمر يشبه الأمر الملكي الذي صدر من الملك "شهر يجل بن يدع اب" السابق. و قد ذكر الملك إنه اصدر أمره هذا تنفيذاً لمشيئة معبد "حطبم" "حطب" المخصص بعبادة "عم ذ دونم" "عم ذو دونم"، ومعبد "رصفم" "رصف" "رصاف" معبد الإلهَ "انبي" ولوحي الآلهة "شمس" و "الهلال" "ربع شمس"، وذكر أسماء وكلاء الطائفة وممثليها: طائفة "عم ذي لبخ" "اربي عم ذلبخ" في "ذي غيل". وقد نشر الأمر و أعلن على باب "شدو" من أبواب مدينة "تمنع"، وذلك في شهر "ذي تمنع" وفي السنة الثانية من سني "شهر" من عشيرة "يجر".
ويرى ألبرايت إن هذا الملك كان شقيقاً للملك "شهر يجل"، وأنه كان تابعاً لحكومة معين. وقد حمله على هذا الرأي اشتراك اسم الأب. وأنا مع عدم معارضتي لهذا الرأي لا أرى إن اشتراك اسم الأب يمكن إن يكون دليلاً على إن شخصين أو أكثرهم إخوة،
فإن أسماء الملوك في العربية الجنوبية متشابهة وتتكرر، والذي يفرق بينها هو اللقب أو الألقاب، بل إننا حتى في هذه الحالة نجد الألقاب تتكرر أيضاً، وهي وان بدت وكأنها اسم شخص واحد، إلا إنها في الحقيقة لجملة أشخاص. وقد عبر المحدثون عن ذلك بالترقيم، فقالوا فلان الأول، وفلان الثاني، وفلان الثالث، وهكذا، وذلك كناية عن الاشتراك في الاسم و في اسم الأب وفي الألقاب. ويقع ذلك عند أمم أخرى أيضاً: وقع ذلك في القديم، و وقع في الأيام الحديثة حتى اليوم. ونحن لجهلنا تواريخ ارتقاء الملوك العروش، ولعدم تيقننا من تقدم بعضهم على بعض، لا نستطيع لذلك ترقيم الملوك بحسب التقدم في الحكم بصورة يقينية، فليس لنا إذن إلا التربص للمستقبل فلعل الأيام تقدم. إلينا مفاتيح نفتح بها الملفات في تواريخ العرب قبل الإسلام.
وعندنا وثيقة أخرى من الوثاثق الخاصة ب "اربي عم" في "لبخ"، من أيام الملك "شهر هلل" "شهر هلال". وهي أيضاً أمر ملكي أصدره الملك في كيفية جباية الضرائب من هذه المنطقة. وقد أمر بوضع هذا الأمر وتعليقه عند باب "ذي شدو" من أبواب مدينة "تمنع"، وذلك في شهر "ذو أبهى" في السنة الثانية من سني "عم شبم" من "آل يجر".
وقد مر" ذكر "آل يجر" في نص سابق، حيث أرخ أيضاً برجل منها، منها يدل على إنها كانت من الأسر المعروفة المشهورة في قتبان.
والوثيقة كما نرى هي في الموضوع السابق نفسه، موضوع جباية الضرائب من طائفة "عم" النازلين بوادي "لبخ". ولذلك لا تختلف في أسلوبها وفي الألفاظ والمصطلحات القانونية الواردة فيها عن ألفاظ ومصطلحات الوثائق السابقة. ولكنها تختلف عنها في إنها لم تذكر أسم والد "شهر هلال"، ولذلك تعذر علينا تعيين هذا الملك وغدا صعباً علينا تثبيت نسبه بالنسبة إلى الملوك المذكورين. وقد ترك "البرايت" فراغاً بعد اسم "شهر هلال يهنعم" وضع بعده اسم "يدع اب ذبيان يهركب"، غير أنه بين أنه غير متأكد من أن موضعه في هذا المكان. وأنه وضعه على سيبل الظن، و ذلك اعتماداً على خط الكتابة التي ورد فيها اسمه والتي يناسب أسلوبها أسلوب كتابات هذا الوقت.
ثم عاد "ألبرايت" فترك فراغاً بعد هذا الاسم، لا أدري من حكم فيه، ثم ذكر بعده اسم "فرع كرب"، ولم يذكر أي لقب له، ثم ذكر من بعده اسم "يدع اب غيلان" وهو ابنه وفي عهده بني "بيت يفش" الشهير الذي ورد اسمه في عدد من الكتابات القتبانية. ويرى "البرايت" أن ذلك كان في أوائل القرن الثاني قبل الميلاد.
وقد حصلت "البعثة الأميركية" الني نقبت في خرائب مدينة "تمنع"، على كتابة تتعلق ببيت "يفش"، وباسم الملك "يدع اب غيلان بن فرع كرب". وصاحب هذه الكتابة رجل اسمه "هوفعم بن ثونب"، ذكر فيها انه اشترى وتملك ورمم البيت المسمى "يفش" و أجرى فيه تعميرات كثيرة وفي القسم الخاص منه باستقبال الضيوف "مز ود هو"، أي المحل الذي يجلس فيه الزائرون فيتسامرون، فهو نادي ذلك البيت، وكذلك في القسم المسقوف منه، أي القسم الخاص بالمسكن إلى أعلى البناء. وبهذه المناسبة تيمن صاحب البيت بذكر أسماء آلهته: "ابني" و "التّعلي" و "عم" و "عثتر" و "ذات صنتم" و "ذات ضهران"، ثم تيمن بذكر الملك الذي تم ذلك العمل في ايامه، وهو الملك "يدع اب غيلان بن فرع كرب" ملك قتبان.
وعثر على كتابة ورد فيها اسم "يدع أب غيلان" "يدع أب غيلن"، عثر عليها عند الجدار الشمالي "لحصن الحضيري" الواقع على مسافة "كيلومتر" إلى الشق من "جبل أوراد". وقد جاء فيها أن الملك أجرى ترميمات في مدينته "ذ غلين" "ذو غيلان".
وكانت مدينة "ذغيلم" "غيلن" "غيلان" من المدن التي أنشئت في عهد الملك "يدع أب غيلان". بناها على رأي بعض الباحثين في حوالي القرن الثاني قبل الميلاد وذلك عند معبد "عم ذي لبخ" الشهير الكائن في موضع "ذغيلم"، أو إنها كانت موجودة ولكنه جدد بناءها فعرفت ب "ذغيلان". ولذلك فإن اسمها في الكتابات هو "ذغيلم" و "ذ غيلن" و "ذغيلان". وقد اشتهرت بمعبدها المذكور.
وترك "البرايت" فراغاً بعد اسم "يدع غيلان"، يعني إنه لا يدري من حكم في خلاله، ثم ذكر اسم "هوف عم يهنعم" "هو فعم يهنغم" بعده. وقد حكم - على تقديره - في حوالي السنة "150 ق. م.". ثم ذكر من بعد اسم ابنه "شهر يجل يهركب".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:32 AM
ولدينا كتابة رقمت برقم "REP.EPIG. 4335" وقد ذكر فيها اسم "شهر يجل بهرجب بن هوفعم". وقد دونت هذه الكتابة عند اشتراك "شوشن" و "حمرم"، ابني "عم كرب" في بناء "محفد" لهما اسمه "غيلن" في أرضهم "طوب" "طوبم"، وتيمناً وتبركاً بذلك ذكرا أسماء آلهة قتبان واسم الملك المذكور.
و عثر على كتابة أخرى، فهم منها إنه في عهد الملك "شهر يجل يهرجب"، جدد بناء الباب الجنوبي لمدينة "تمنع"، وجدد بناء بيت "يفش". ويرجع "البرايت" أيام هذا الملك إلى ما بعد سنة "150 ق. م." بقليل، ويستند في تقديره هذا إلى تمثاليْ أسدين عثر عليهما في خرائب مدينة "تمنع"، وقد وجدت عند قاعدتها كتابات قتبانية، ورد فيها اسم الممعار "ثويبم" "ثويب"، و قد سبق إن عثر على كتابة ورد فيها اسم هذا المعمار وقد كتبت في عهد الملك "شهر يبل يهرجب"، و من اشتراك الاسمين استنتج "البرايت" إن التمثالين هما من عهد هذا الملك، ويرى "البرايت" أيضاً إن هذين التمثالين صنعا على نمط صناعة التماثيل عند اليونان، ولا يرتقي عهد صناعتهما إلى أكثر من القرن الثاني قبل الميلاد، لذلك لا يمكن في نظره إن يرتقي عهد هذا الملك إلى أكثر من "150" سنة قبل الميلاد.
ويظهر من الكتابة "Jamme 119" إن "ثويبم بن يشرح عم" و "صبحم" و "هوفعم"، وهم من آل "مهصنعم"
اشتروا ونقلوا اسم البيت باسمهم، أي سجلوه باسمهم، وسجلوا كل ما يتعلق به من أبنية و مسقفات في الطابق الأرضي وفي الأعلى وذلك وفقاً لشريعة الإله "انبي". وتيمناً بهذه المناسبة سجلوا شكرهم للآلهة "عثتر" و "عم" و "انبي" و "ورفو ذلفن" و "ذات صنتم" و "ذات ضهران"، وكانت تلك المناسبة في أيام الملك "شهر يجلى يهرجب بن هوفعم يهنعم". وفي عهد "فرع كرب" من أسرة "ذرحن" ونائب الملك "شهر".
وقد استنتح بعض الباحثين من هذا النص إن "هو فعم" والد "شهر يجل يهرجب" كان شقيقاً ل "فرع كوب" الذي كان نائباً عن الملك أو حاكماً يوم دوّن هذا النص. وقد كان من أسرة أو قبيلة "ذرحان". وقد كان له ابن هو الملك: "يدع اب غيلان".
ويلاحظ إن هذه الأسماء تنطبق على الأكثر على مجموعة ملوك ذكرها "ألبرايت" في بحث له بعد اسم "شهر هلال يهنعم" وقبل "يدع أب ينف". وسيأتي الكلام عنها فيما بعد. غير إن الزمان الذي قدره لحكم هذه المجموعة متأخر عن الزمان المذكور.
وقد وردت في نص من النصوص المعينية عبارة مهمة جداً لها علاقة بقتبان، و بشخص ملكها "شهر يجل يهرجب"، وبالحالة السياسية التي كانت في حكومة معين. ورد فيها ما ترجمته: "في يوم سيده وقه آل يثع وابنه اليفع يشر ملك معين، وبيده شهر يجل يهرجب ملك قتبان". وقد ذكر "هومل" إن كلمة "مراسم" في السطر الرابع من النص قد يمكن قراءتها "مرأس"، ولو قرئت على هذه الصورة لكانت تعني إن "شهر يجل يهرجب" كان رئيساً على ملك "معين" وابنه، وهذا يعني إن حكومة معين كانت خاضعة لحكومة قتبان في هذا العهد. ويرى "فلبي" إن ذلك كان حوالي سنة "820 ق. م." وان حكم "شهر يجل يهرجب" كان على رأيه أيضاً من سنة "825- 800 ق. م،" وفي هذا العهد لم تكن "سبأ" قد كونت حكومتها بعد، ومن المحتمل أن قبائلها كانت يومئذ كما يرى "فلبي" متحالفة مع قتبان.
ويرى "رودوكناكس" إن نص "Halevy 504" يشر إلى أحد أمرين: تحالف بين معين وقتبان كان في عهد الملك "شهر يجل يهرجب" أو إن حكومة معين كانت حقاً خاضعة لسيادة قتبان. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن حكم "شهر يجل يهرجب"، كان في القرن الأول قبل الميلاد، وفي حوالي السنة "75 ق. م.". و بناءً على ذلك يكون خضوع معين المذكور في النص في هذا الزمن ويكون "اليفع يشر" الذي نعتوه بالثاني من هذا العهد أيضاً. ويرون أيضاً إن استيلاء "قتبان" على معين لم يدم طويلاً، لأن السبئيين سرعان ما أخذوا زمام الأمور بأيديهم، فاستولوا على معين. ثم إن الحميريين استولوا على الأرضين الجنوبية لقتبان الممتدة إلى البحر فأضعفوا قتبان، حتى عجزت عن الهيمنة على المعينيين.
ولم يؤثر اعتراف "معين" بسيادة ملوك "شبان" عليها في استقلالها الذاتي، إذ بقي ملوكها يحكمونها كما يظهر ذلك من الكتابة المذكورة: "Halevy 504" ومن كتابات أخرى. وقد جاء في كتابة "معينية" أمر بتدوينها الملك "اليفع يشر" ملك "معين" في عاصمته "قرنو"، ذكر كاهنين من "كهلان" "كهلن" من قتبان، حضرا حفلة تتويجه، وربما يستشف من ذكر هذين الكاهنين الإشارة إلى الروابط السياسية التي كانت بين معين وقتبان، وأن حكومة "قرنو" كانت خاضعة لسيادة "قتبان" دون إن يؤثر ذلك في استقلالها الذاتي الذي كانت تتمنع به، أو إنها كانت قد تحالفت مع قتبان، أو كونت اتحاداً دون إن يؤثر ذلك في الملكية في معين أو قتبان.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:34 AM
ولدينا نص مهم طويل، هو قانون أصدره "شهر يجل يهرجب" باسمه وباسم شعب "قتبان"، لقبائل قتبان، في كيفية الاستفادة من الأرضين واستثمارها وقد صدر هذا القانون بعد موافقة الملك عليه في اليوم التاسع، وسو يوم ذو "اجيبو" "ذ اجيبو" من شهر "ذي تمنع" من السنة الأولى من سني "عم علي" من "آل رشم" من عشيرة "قفعن". ويظهر إن رؤساء القبائل وأعيان المملكة قد عقدوا اجتماعات عدبدة، و تداولوا الرأي في استثمار الأرض وقسمتها على القبائل والعشائر والفلاحين، و بعد إن اتفقوا على الأسس رفعوها إلى الملك فأصدر أمره بإقرارها، كما أقرها الكهان، وكانت لمعابدهم أوقاف جسيمة يستغلها الفلاحون، فلا بد إن يكون لهم رأي مهم في صدور أمثال هذه القوانين.
وذكرت في نهاية نص القانون طائفة من الأسماء كتبت بعد جملة "ايد هو" وتعنى إن هؤلاء الذين سترد أسماؤهم قد قرأوا القانون، وقد شهدوا على صحة صدوره من الملك فوقعوا بأيدهم عليه. وأنهم موافقون على كل ما جاء فيه، وهم يمثلون بالطبع رؤساء القبائل وأعيان العاصمة والمملكة، وقد ذكرت مع أسمائهم أسماء الأسر والعشائر التي ينتمون إليها، فكانت لهذه الأسماء فائدة عظيمة في دراسة القبائل والأسر التي عاشت قبل الإسلام.
وخد وردت في النص كلمة "فقد" وكلمة "بتل"، ويظهر منه إن لهاتين الكلمتين دلالة على معنى مجالس استشارية، أو ما شابه ذلك، كانت تمثل رأي طبقات من الناس، مثل سادات القبائل أو أمثالهم من أصحاب الجاه والسلطان. فقد وردتا في النص بمعنى تقديم رأي إلى الملك للموافقة عليه، وذلك في شهر "ذوبرم" وفي السنة الثانية من سني "اشبن" من عشيرة "حضرن" "حضران" من قبيلة شهر.
وإلى عهد الملك "شهر يجل يهرجب"، تعود الكتابة التي دوّنها "عقريم بن ثويبم" "عقرب بن ثويب" من "آل مهصنعم" من عشيرة "صويعم" وذلك لمناسبة بنائه محلاً "خطبس"، وذلك بحق الإله "انبي". وقد تيمن بهذه المناسبة بذكر الآلهة "عثتر" و "عم" و "ورفو" و "ذات صنتم" و "ذات ضهران"، وكان ذلك في عهد الملك المذكور.
وإلى عهده أيضاً تعود الكتابة التي وسمت ب "Jamme 874"، وهي كتابة قصيرة ورد فيها إن "شهر يجل يهرجب ملك قتبان" وضع أو قدّم. ولم تذكر الكتابة شيئاً بعد ذلك.
وقد عثر على كتابة في "وسطى"، ورد فيها اسم "شهر يجل يهرجب بن هوفعم يهنعم"، و قد لقب فيها "مكرب"، مع إنه من الملوك وقد لقب في جميع الكنايات بلقب "ملك". وقد حكم بعد "يدع اب ذبيان بن شهر" الذي ترك لقب "مكرب" واستعمل لقب "ملك" بزمن. واستعمال كلمة "مكرب" في هذه الكتابة يلفت النظر، إذ كانت الكتابات قد تركتها منذ زمن "يدع اب"، فهل نحن إذن أمام ملك آخر اسمه نفس اسم "شهر يكل" شهر يجل" واسم والده كاسم والد هذا الملك، وقد كان مكرباً، فيجب علينا إدخاله إذن في جملة المكربين، ونقله من هذا الموضع? أو هل نحن أمام خطأ وقع فيه كاتب الكتابة، إذ استعجل فكته كلمة "مكرب" موضع لفظة "ملك"? أو هل نحن أمام مصطلح فقط، يبين لنا إن الحكام وان كانوا قد تركوا لقب "مكرب"، إلا إن الناس كانوا يطلقونها عليهم فيما بينهم على اعتبار إن لهم مقاماً دينياً عندهم، و إنها لا تنافي الملكية، تماماً على نحو ما يفعل اليمانيون من إطلاقهم لفظة "إمام اليمن" و "ملك اليمن" على حكامهم وذلك لجمعهم بين الصفة الدينية والصفة الدينية في آن واحد?.
لقد تمكنا بفضل الكتابات المتقدمة من الوقوف على أسماء مجموعة من الملوك تنتمي إلى عائلة واحدة اسم أول ملك منها هو "هو فعم يهنعم"، غير إننا لا نعرف حتى الآن اسم والده، وكان له شقيق اسمه "فرع كرب" "فرعكرب" نهب نفسه إلى "ذرحان" "ذرحن"، فنحن نستطيع إن نقول إن هذه العائلة كانت من "ذرحان"، و ذلك في حالة ما إذا كان "هوفعم" و "فرعكرب" شقيقين تماماً أي من أب واحد و أم واحدة. وكان ل "هوفعم" و قد تولى الملك من بعد والده هو "شهر يجل يهرجب"، وقد أنجب "شهر يجل يهرجب" من الولد "وروايل غيلان"، وقد تولى الملك، و "فرع كرب يهوضع" وقد ولي الملك كذلك.
وأما "فرع كرب" شقيق "هوفعم يهنعم"، فقد كان له من الولد ""دع اب غيلان"، رأى جامه "Jamme"، "يدع اب غيلان" المذكور في نص "هوفعم بن ثويبم" "Jamme 118" صاحب بيت "يفش". ولكننا لو أخذنا برأيه هذا لزم حينئذ وضع اسم "فرع كوب" بعد اسم ابن أخيه "شهر يجل يهرجب" و وضع اسم ابن "فرع كرب" بعده، بينما تدل الدلائل على إن حكم "فرع كرب" كان قبل "هوفعم يهنعم" وان ابنه "يدع اب يخلان" كان من بعده، ومعنى هذا انهما حكما قبل "شهر يجل يهرجب". وقد جعل نص "Jamme 118" "فرع كرب" وصياً على "شهر يبل" أو حاكماً ولم يجعله ملكاً. ولذلك أرى إن في رأي "جامه" "Jamme" تسرع يجعل من الصعب قبوله على هذا النحو.
وكان للملك "شهر يبل يهرجب" ولد تولى الملك من بعده، اسمه: "وروال غيلن يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم"، و يرى "البرايت" إن من المحتمل إن يكون هو "وروال غيلن" "ورو أيل غيلان" الذي وجد اسمه منقوشاً على نقود ذهب عثر عليها مضروبة في مدينة "حريب".
وقد وصل إلينا نص يفيد إن الملك "وروال غيلن يهنعم"، امر وساعد قبيلة "ذو هربت" الساكنة في مدينة "شوم" ببناء حصن "يخضر" "يخضور" الواقع أمام سور مدينة "هربت"، وكان قد تداعى فتساقط. وقد نفذت هذه القبيلة ما أمرت به في أيام هذا الملك، وجعلت العمل قربى إلى الآلهة "عم ذو ذ ريمتم" "عم ذو ريمة" و "ذت رحبن" "ذات رحبان" و "الهن بيتن روين" أي و "آلهة بيت روين".
وبين أيدي العلماء كتابة دونت في عهد الملك "وروايل غيلان يهنعم" "وروايل غيلان يهنعم"، صاحبتها امرأة اسمها "برت" "برات" "برة" "برأت" من "بيت رثد ايل" "رثدال" من عشيرة "شحز"، وقد ذكرت فيها أنها قدمت إلى "ذات حميم عثتر يغل"، تقربة هي، تمثال من الذهب يمثل امرأة تقرباً إلى الآلهة، و ذلك لحفظها ولحفظ أملاكها، ووفياً لما في ذمتها تجاه الإله "عم ذربحو". ويظهر إنها كانت كاهنة "رشوت" "رشوة" لمعبد الإله "عم" الكائن في "ريمت"، وكان ذلك في عهد الملك "وروايل غيلان يهنعم". فنحن في هذا النص أمام امرأة كاهنة مما يدل على إن النساء في العربية الجنوبية كن يصلن درجة "كاهنة" في ذلك العهد
وكان للملك "وروال غيلن يهنعم" شقيق اسمه "فرع كرب يهوضع" "فرع عكرب يهوضع"، لا نعرف من أمره شيئاً يستحق الذكر. وقد ورد اسمه في النصر المعروف ب "Glaser 1415" وهو نص سجله رجل عند بنائه بيتاً له، وجعله في حماية آلهة قتبان، وذكر لذلك اسم الملكين: "وروال غيلن يهنعم" واسم شقيقه "فرع كرب يهوضع"، "ابنا شهر"، ولم يذكر في هذا النص لقب "شهر".
وورد اسم ملك آخر من ملوك شبان في كتابة رقمت برقم "REP. EPIG. 3962" وقد دوّنت هذه الكتابة عند بناء رجل من قتبان اسمه "برم" حصناً له، و إصلاحه أرضين زراعية ذات أشجار كثيرة مثمرة، فسجل على عادة آهل زمانه أسماء آلهته فيها تيمنا مناً بذكر اسمها و تقرباً إليها، لتغدق عليه الخير والبركة، كما ذكر الهم الملك الذي تم هذا العمل في أيامه، وهو الملك: "يدع أب ينف يهنعم" "يدع أب ينوف يهنعم".
ولا نعرف من أمر هذا الملك شيئاً يذكر، لعدم ورود اسمه في نصوص أخرى، وقد وجدت نقود من ذهب ضربت في "حريب" حملت اسهم ملك قد ضربها سيم "يدع اب ينف" "يدع أب ينوف"، فلعله هذا الملك المذكور في هذه الكتابة. ولا نعرف بالطبع وقت حكمه، ولا موضع مكانه بين ملوك قتبان.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:36 AM
وكان للملك "وروال غيلن يهنعم" شقيق اسمه "فرع كرب يهوضع" "فرع عكرب يهوضع"، لا نعرف من أمره شيئاً يستحق الذكر. وقد ورد اسمه في النصر المعروف ب "Glaser 1415" وهو نص سجله رجل عند بنائه بيتاً له، وجعله في حماية آلهة قتبان، وذكر لذلك اسم الملكين: "وروال غيلن يهنعم" واسم شقيقه "فرع كرب يهوضع"، "ابنا شهر"، ولم يذكر في هذا النص لقب "شهر".
وورد اسم ملك آخر من ملوك شبان في كتابة رقمت برقم "REP. EPIG. 3962" وقد دوّنت هذه الكتابة عند بناء رجل من قتبان اسمه "برم" حصناً له، و إصلاحه أرضين زراعية ذات أشجار كثيرة مثمرة، فسجل على عادة آهل زمانه أسماء آلهته فيها تيمنا مناً بذكر اسمها و تقرباً إليها، لتغدق عليه الخير والبركة، كما ذكر الهم الملك الذي تم هذا العمل في أيامه، وهو الملك: "يدع أب ينف يهنعم" "يدع أب ينوف يهنعم".
ولا نعرف من أمر هذا الملك شيئاً يذكر، لعدم ورود اسمه في نصوص أخرى، وقد وجدت نقود من ذهب ضربت في "حريب" حملت اسهم ملك قد ضربها سيم "يدع اب ينف" "يدع أب ينوف"، فلعله هذا الملك المذكور في هذه الكتابة. ولا نعرف بالطبع وقت حكمه، ولا موضع مكانه بين ملوك قتبان.
قد حدد هذا الأمر الوقت الذي يجب فيه على المزارعين تنفيذ التزاماتهم فيه، فذكر إنه من أول شهر "ذو فرعم" "ذو فرع" إلى السادس من "ذي فقهو"، يجب دفع الضرائب يوماً فيوماً وشهراً فشهراً. ويرى "رودوكناكس" إن شهر "ذو فرعم" هو الشهر الأول من السن عند زراع قتبان، وأن شهر "ذو فقهو" هو الشهر الأخير من السنة. وعلى هذا التقويم الذي يستند إلى الزراعة والبذر.والحصاد كانت تدفع الضرائب.
ويظهر من ذكر أسماء هذه الشعوب "اشعبن" الأربعة في هذا القانون، إنها كانت تحت حكم هذا الملك، وان قسماً من شعب معين بل ربما كل لشعب معين كان يخضع له. ويرى "رودوكناكس" إن في هذه الكتابة دلالة على إن شعب معين كان تابعاً لحكومة قتبان في عهد هذا الملك،كما كان تابعاً لقتبان في أيام الملك "شهر يجل يهرجب"، ولكن ذلك لا يعني في نظره إن شعب "معين" كان قد فقد استقلاله، ولم يكن عنده ملوك، وعنده إن هذا النص قد أقدم عهداً من النص المرقم برقم Halevy 504، وهو النص الذي ورد فيه اسم "شهر بحل يهرجب" على إنه كان صاحب سلطان على حكومة معين. ف"شهر ه تل برن ذرأ كرب" في نظر "رودوكناكس" أقدم عهداً من "شهر يجل يهرجب"، وقد حكم إذن قبله.
وعندي إن هذه الكتابة تدل على إن من المعقول وجوب تقديم هذا الملك ونقله من المكان الذي وضعه فيه "البرايت" إلى مكان آخر يقدمه في الزمان. فقد وضعه "البرايت" في آخر قائمة ملوك قتبان، وبه ختم حكومة قتبان وأشار إلى نزول الدمار بالعاصمة بعده وبسقوط حكومة قتبان وان ملكاً يحكم قتبان و معين أو قسماً من معين كما يفترض بعض الباحثين، لا يمكن إن يكون آخر ملك لملوك قتبان للسبب المذكور، بل لا بد من تقديمه بعض الشيء، فان سقوط المملكة دليل على ضعفها و انهيار بنيانها وليس في هذه الكتابة أثرٌ ما يشير إلى هذا الضعف أو الانهيار.
وعثر على كتابة تحمل اسم ملك يسمى "شهر هلل يقبض" عثر عليها في بيت عرف ب "يفعم"، يقع غرب الباب الجنوبي لمدينة "تمنع". ويرى "البرايت" إن خط هذه الكتابة خط متأخر كسائر الخطوط المكتوبة على الأبنية وان المحتمل إن يكون هذا البيت قد بني قبل خراب "تنع"، بنحو عشر سنين أو عشرين سنة، ولا يزيد عمر هذا البيت في رأيه على هذا الذي قدره بكثير.
ويرى "البرايت" احتمال إن "شهر هلل" "شهر هلال" الذي وجد اسمه على سكة من ذهب ضربت في مدينة "حريب"، هو هذا الملك، أي "شهر هلل يهقبض" "شهر هلال يهقبض". ويرى "فون وزمن" إن حكم الملك "شهر هلل يقبض" "شهر هلال يهقبض" كان فيما بين السنة "90" والسنة "100" بعد الميلاد. وفي عهده أو فيما بين السنة "100" والسنة "106" وقع خراب "تمنع" عاصمة قتبان.
وقد عثر على حجر مكتوب في موضع "هجر بن حميد"، جاء فيه اسم ملك يدعى "نبط ين شهر هلال"، ومعه اسم ابن له هو "مرثد". وقد ذهب "ألبرايت" إلى إنه من الملوك الذين حكموا في "حريب" والأرضين المتصلة في المناطق الغربية من "قتبان"، وذلك بعد سقوط مدينة "تمنع" فيما بين سنة "25 ق. م." والسنة الأولى من الميلاد، فهو على رأيه من الملوك المتأخرين الذين تعود أيام حكمهم إلى أواخر أيام هذه المملكة.
والملك المذكور هو "نبط عم يهنعم بن شهر هلل يهقبض"، فهو إذن ابن الملك "شهر هلال يهقبض" الذي يعدّ آخر الملوك المتأخرين. ويظهر إن "نبط عم" وابنه "مرثدم" "مرثد" كانا في جملة الملوك الذين انتقلوا إلى "حرب" "حريب" بعد خراب "تمنع" فاتخذوها عاصمة لهم. فهي العاصمة الثانية لقتبان. وقد سكنوا في قصرهم بي "حريب"، ولعلّ هذا الاسم هو اسم القصر، أما اسم المدينة، فقد كان غير ذلك، تماماً كما كان قصر ملوك سبأ الذي هو بمدينة "مأرب" يسمى "سلحين" وقصر ملوك حمير الذي هو بمدينة "ظفار" يسمى "ريدان". ولعل هذا هو السبب الذي جعل ضاربو النقود القتبانية يذكرون إن موضع الضرب هو "حريب". غير إن هذا لا يمنع من إن يكون اسم "حريب" اسم للمدينة ولقصر الملوك في إن واحد.
و يرى "فون وزمن" إن الكتابة الموسومة ب "Jamme 629" والتي تتحدث عن حرب اشتركت فيها جملة جهات، هي حرب وقعت في عهد هذا الملك: "نبط عم". وقد ورد فيها إن حرباً وقعت على مقربة من "وعلان"، وأن أصحاب الكتابة وهم: "مرثدم" "مرثد" و "ذرحان" من "بني ذو جرفم" بني "ذي كرفم" "كراف"، وكان أحدهم قائداً في جيش "الملك سعد شمس أسرع" و "مرثدم يهحمد" ملكا "جرات" "جرت" "جرأت" "كرأت" قد اشتركتا في هذه الحرب ضد الملك "يدع ايل" ملك حضرموت وجيش حضرموت، وضد الملك "نبطم" "ن ب ط م" ملك قتبان، وضد "وهب ايل بن معاهر
و "ذي *********ان" و "ذي خصبح" وضد "مذحيم" "مذحي"، وقد كان النصر لهم، أي لأهل الكتابة.
وقد استدل "فون وزمن" من عدم ورود كلمة: "هجرن" "هكرن"، التي تعني مدينة في العربيات الجنوبية قبل اسم "تمنع"، "عدي خلف تمنع" على إن "تمنع" لم تكن عاصمة في هذا الوقت، بل كانت موضعاً صغيراً أو اسم أرض حسب.
ولا يستبعد إن تكون هذه الحرب قد وقعت في أواخر أيام "نبط عم". ويرى "فون وزمن" إن "نبط عم" وان كان قد لقب في الكتابة بلقب "ملك" إلا إنه كان في الواقع خاضعاً لحكم حكومة حضرموت. وقد جعل "فون وزمن" زمان حكمه في حوالي السنة "120 م" وجعل نهاية حكم ابنه في حوالي السنة "140" بعد الميلاد. ومعنى ذلك إن الحرب المذكورة قد وقعت في خلال هذه السنين.
وبعد انتهاء هذه الحرب اجتمع صاحبا الكتابة وهما من "بني ذي كرفم" "بن ذ جرفم" وكانا يقيمان في "صنعو" أي صنعاء، وكذلك ملكا "جرات" "كرأت" و "سعد شمس" و "مرثدم" وجماعة من سادات القبائل في موضع "رحبت" "الرحابة"، شمال "صنعاء" في وسط أرض "سمعى"، وكان في جملة من حضر، سادة "ثلث سمعى" و "شرحثت" من قبيلة "بتع" و "الرم" "ايل رام" "الريام" "ريام" من "سخيمم" "سخيم" "ويرم" "يارم ايمن" من همدان. ويظهر من ذلك إن سادة "كرأت" كانوا أصحاب نفوذ في تلك الأيام.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:39 AM
يتفق جميع الباحثين في دراسة تأريخ الحكومات العربية الجنوبية على إن السبئيين هم الذين قضوا على استقلال حكومة قتبان. ولا نجد أحداً منهم يخالف هذا الرأي، ولكنهم يختلفون في تعيين الزمن و تثبيت. فبينما نرى "فلبي"، يجعل ذلك في حوالي سنة "540 ق. م."، نرى "البرايت" جعل سقوط مدينة "تنع" في حوالي سنة "50 ق. م."، بينما يرى غيره إن خراب "تمنع" كان فيما بين السنة "100" والسنة "106" بعد الميلاد، ولا يعني سقوط "تمنع" وخرابها وفقدان القتبانيين لاستقلالهم، إن الشعب القتباني قد زال من الوجود، وان اسمه قد اندثر تماماً واختفى، فإننا نرى إن الجغرافي الشهير "بطلميوس" يذكر اسمها في جملة من ذكرهم من شعوب تقطن في جزيرة العرب، وقد سماهم "Kottabani" و "Kattabanoi".
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن خراب "تمنع" كان بعد السنة العاشرة للميلاد. وربما كان ذلك في أيام "جوليو - كلوديان" "Julio-Claudian"، أو في أيام "فلافيان" "Flavian".
وقد استدل "البرايت" من طبقة الرماد الثخينة التي عثر عليها وهي تغطي أرض العاصمة "تمنع"، على إنها كانت قد أصيبت بحريق هائل ربما أتى على كل المدينة. وقد أتى هذا الحريق على استقلال المملكة. ولا نعلم علماً أكيداً في الوقت الحاضر بالأسباب التي أدت إلى حدوث ذلك الحريق، ولكن لا أستبعد احتمال حرق السبئيين لها عند محاربتهم للقبانيين، فقد كان من عادتهم ومن عادة غيرهم أيضاً حرق المدن والقرى إذا مانعت من التسليم و بقيت تقاوم المهاجمين. وفي كتابات المسند أخبار كثيرة عن حرق مدن وقرى حرقاً كاملاً إلى حدة الإفناء.
قبائل و أسر قتبانية
وردت في ثنايا الكتابات القتبانية أسماء اسر وقبائل قتبانية عديدة، طمست أسماء أكثرها ولم يبق منها حياً إلى زمن ظهور الإسلام غير عدد قليل، هذه الأسماء تفيدنا ولا شلك، في دراسة أسماء القبائل العربية فائدة كبيرة. والقبيلة هي "الشعب" في لهجة أهل قتبان، والجمع "اشعب" "أشعب"، أي قبائل. ومن هذه الأسماء "جدنم"، أي "جدن" "بنو جدن". و "جدن" من الأسماء المعروفة قبل الإسلام أيضاً.
وهو اسم جد واسم موضع، فزعم إن "ذا جدن" الأكبر ملك من ملوك حمير، وهو أحد المثامنة من ولده ذو جدن الأصغر. وقد يكون لما ذكره أهل الأخبار عن "ذي جدن" علاقة ب "جدن" المذكورين في الكتابات القتبانية وفي الكتابات العربية الجنوبية الأخرى.
وكان موضع "حبب" "حباب" من أمكنة "جدنم" "جدن". وقد ذكر في عدد من الكتابات. ويقال له اليوم "وادي حباب" وفيه مواطن عديدة، منها: "حزم الدّماج" و "خربة المسادر". وقد ورد اسم "ذحب" "ذو حباب" في كتابة كتبت عند إنشاء سد لخزن المياه. ويقع "وادي حباب" في غرب "صرواح".
وفي جملة القبائل أو الأسر التي ورد اسمها في الكتابات القتبانية اسم "يهر" ويظهر إن "آل يهر" كانوا من أصحاب السلطان والصيت في ذلك العهد، وقد ذكروا مع أسر أخرى. ووردت في الموارد الإسلامية إشارات إلى "ذي يهر" فذكر "الهمداني" إنه كان في محفد "بيت حنبص" آثار عظيمة من القصور، وكان قد بقي منها قصر عظيم كان أبو نصر وآباؤه يتوارثونه من زمان جدهم ذي يهر. وكان ينجارته وأبوابه من عهد ذي يهر، ولم يزل عامراً حتى سنة خمس وتسعين ومئتين حيث أحرقه "براء بن الملاحق القرمطي". وذكر "نشوان بن سعيد الحميري" إن "ذا يهر" كان ملكاً من ملوك حمير،
وان "أسعد تيع" قال فيه شعراً، وغير ذلك مما يدل على إن ذاكرة أهل الأخبار لم تكن تعي شبة من أمر تلك القبيلة التي يمتد تأريخها إلى ما قبل الميلاد. ويتبين من بعض الكتابات إن ناساً من "يهر" كانوا أتباعاً لقبيلة همدان. وأما "كحد" فهي من القبائل التي ورد اسمها مراراً في الكتابات القتبانية، وقد نسبت إلى جملة أمكنة، مما يدل على إنها كانت تنزل في مواضع متعددة. فورد "كحد ذ دتنت"، أي "كحد" النازلة في أرض "ذي دتنت"، وورد "كحد ذ حضنم"، أي "كحد" صاحبة "حضنم" "حضن"، وورد "كحد ذ سوطم"، أي "كحد" النازلة في موضع "ذي سوط"، وهكذا. وفي انتشار هذه القبيلة في أرضين متعددة دلالة على إنها كانت من قبائل قتبان الكبيرة. وفي نص في النصين المعروفين ب "Glaser 1600" و "Glaser 1620" على إنها حَانت "شعبن"، أي قبيلة.
ويظهر -إنها كانت تتمتع بشبه استقلال، فقد ذكرت باسمها مع "أوسان" و "تبني" و "دهس"، و "قتبان" في بعض النصوص، متعاونة مع "قتبان" في القيام ببعض الأعمال العامة ذات المنافع المشركة، مما يدل على إنها هي والقبائل الأخرى المذكورة، كانت تعامل معاملة خاصة، و إنها كانت تتمتع بشيء من الاستقلال، وربما كانت مستقلة ولكنها كانت في حلف مع مملكة قتبان
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:40 AM
وقد تحدثت عن كتابة رقمت برقم "Glaser 1601"، وقلت إنها أمر أصدره الملك "شهر غيلن بن اب شيم" "شهر غيلان بن ابشبم"، في كيفية جباية الضرائب من "كحد" النازلة في أرض "دتنت"، وان الملك المذكور كان قد كل أمر جبايتها إلى "كبر" "كبير القبيلة"، ويظهر منها إن "كحداً" هذه كانت تدفع الضرائب لقتبان، وكانت معترفة في هذا الوقت بسيادة ملك قتبان عليها.
ومن القبائل التي ورد اسمها في الكتابات القتبانية قبيلة "اهربن" وقد نعتت ب "شعبن اهربن"، أي قبيلة "اهربن" "أهرب". وكانت مواضعها في "ظفر". وقد ورد في إحدى الكتابات إنها جددت وأصلحت بناء "محندن حضرن"، أي "محفد حضر"، مما يدل على إنه كان من المحافد التي تقع في منازل هذه القبيلة.
و "ذران" "ذرأن" من القبائل التي ورد اسمها مراراً في الكتابات القتبانية. وقد رأينا إن بعض الكتابات أرخت بتأريخ هذه القبيلة.
وورد أما في كتابات عثر عليها بمدينة "تمنع" العاصمة. ومن هذه القبيلة أسرة عرفت ب "هران" "هرن"، ذكرت مع أسر اخرى، كانت قد شهدت على صحة محضر قانون في تنظيم الضرائب وكيفية جبايتها، أصدره الملك "شهر يجل يهرجب".
وورد اسم قبيلة أو عشيرة "طدام" "طدأم" في جملة كتابات قتبانية. ويرى بعض الباحثين إن اسم هذه القبيلة هو من الأسماء الخاصة بقتبان.
ومن بقية قبائل قتبان: قبيلة "هورن" "هوران"، وقبيلة "قلب" "قليب". وقد ذكر "ابن دريد" في كتابه "الاشتقاق" قبيلة تدعى "بني القليب"، و يذكرنا هذا الاسم باسم هذه القبيلة القديم. و "ردمن" "ردمان" و "الملك" و "مذحيم" و "هيبر" و "يجر"، و هم أسرة أو قبيلة أرخت بعض الأوامر والقوانين بتأريخهم. و "رشم" "آل رشم" "رشام"، وهم من "آل قفعن"، "آل قفعان"، ومنهم "عم علي" الذي ارخت به بعض الكتابات، ومن "شحز" "سمكر".
ومن أسماء القبائل القتبانية الواردة في الكتابات: "دهسم" "دهس"، و "يجر"، و "حضرم"، و "تبني"، و "ذرحن" "ذرحان"، و "بوسن" "بوسان"، و "معدن" "معدان"، و "اجلن" "أكلن" "اجلان" "اكلان"، و "شبعن" "شبعان"، و "فقدن" "فقدان"، و "ذمرن" "ذمران"، و "اجرم" "أجرم"، و "ليسن" "ليسان"، و "يسقه ملك"، و "عرقن"، "بنو عرقان" "بن عرقن"، و "برصم" "بنو برصوم" "بنو برصم"، و "قشم" "بن قشم" "بنو قشم"، و "بينم" "بنو البين"، و "يرفأ" ""رفا"، و "غريم" "غرب" "غارب"، وهم من "نشئان"، و "محضرم" "محضر" و "عبم رشوان" "عبم رشون" و "مرجزم" و "خلبان" "خلين" و "هران" من "ذرأن"، و قبائل عديدة أخرى
ويرى بعض الباحثين إن "الملك" "المالك"، الذين كانوا في عهد الملك "يدع أب ذبيان" والذين ذكروا مع "ردمان" و "مذحي" "مذحيم" و "يحر"، هم قبيلة من القبائل الكبيرة التي كانت في قتبان في ذلك العهد. ويرون إن لهم صلة ب "العماليق" المذكورين في التوراة. وقد كانوا يسكنون في "وسر"، وهي أرض "العوالق" العالية في هذا اليوم. ونظراً إلى ما لكلمة "عوالق" و "المالك" من صلة، ذهبوا إلى إن العوالق هم "المالك" "الملك" المذكورون.
ويرى "فون وزمن" احتمال إن "الملك" "المالك من القبائل التي كانت تنزل فيها بين "ردمن" "ردمان" و "مفحيم" "مفحي"، وقد عدل بذلك رأيه السابق الذي كان قد جعل منازل تلك القبيلة في أرض "أوسان".
كما ذهب إلى إن منازل "يحر" لم تكن في أرض "مراد"، لأن "مراداً" هي "حرمتم". وذهب إلى إن "يحر" هذه، تختلف عن "يحر" القبيلة المذكورة في النص: "rep. Epig. 4336".
وأما "شيّار" "سيار"، الذين ذكروا في نص الملك "يدع اب ذبيان" بعد "وعلان" فانهم "سيار" في الوقت الحاضر على بعض الآراء. وهم عشيرة صغيرة منعزلة تعيش في أرض "العوذلة" "العوذلي"، و يرى بعض الباحثين إن موضع "حصى"، هو مكان "شيار".
وفي "حصى"، خرائب وآثار. وقد ذكر "الهمداني" انه كان ل "شمر تاران" و فيه قبره. وذكر في كتابة "الإكليل"، إن في "حصى" قصر ل "شمر تاران لهيعة" من "رعين" وفيه قبره. وذكر من زار الموضع من السياح المستشرقين، إنه رأى هناك آثار خرائب واسعة ذات حجارة ضخمة وكتابات كثيرة وتماثيل بحجم الإنسان. ولا يستبعد إن يكون هذا الموضع مدينة مهمة كبيرة من مدن تلك الأيام.
مدن قتبان
أهم مدن قتبان، هي العاصمة "تمنع"، وتعصرف حديثاً ب "كحلان" وب "هجر كحلان" في "وادي بيحان" في منطقة عرفت قديماً بخصبها وبكثرة مياهها وبساتينها، ولا تزال آثار نظم الري القديمة تشاهد في هذه المنطقة حتى اليوم.
)223( و تمنع هي "Tamna" أو "Thomna" و "Thumna" عند "الكلاسيكين". و قد أختلف علماء العربيات الجنوبية المتقدمون في تعين مكان هذه العاصمة إلى بلغت شهرتها اليونان و الرومان. ثم تبين أخيراً انها الخرائب التي تسمى اليوم ب "كحلان" و ب "هجر كحلان". و قد أثبتت هذا الرأي وأيدته الحفريات التي قامت بها البعثة الأمريكية التي كوّنها "ويندل فيلبس"، إذ عثرت على كتابات عديدة وعلى أثار أثبت ت إن "كحلان" اليوم، هي "تمنع" أسر، سوى إن "تمنع" اليوم هي خراب وأتربة تؤلف حجاباً كثيفاً يغطي الماضي الجميل البعيد. أما "تمنع" أمس، فكانت مدينة عامرة ذات ذهب وتراث ومعابد عديدة، ووجوه ضاحكة مستبشرة. هذا هو وجه "تمنع" في هذا اليوم ووجهها في الماضي وفرق كبير بين هذين الوجهين.
ويرى "أوليري" إن مدينة "ثومة" "Thouma" المذكورة في جغرافية "بطلميوس" هي مدينة "تمنع". وقد ذكر. "بلينيوس" إن "Thouma" تبعد "4,436" ميلاً من "غزة"، وتقطع هذه المسافة بخمس وستين يوماً تقريباً على الإبل، وأنها هي ومدينة "Nagia" هما من أكبر المدن في العربية الجنوبية، وبها خمسة وستون معبداً.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:42 AM
وقد اختارت البعثة الأمريكية البقعة الجنوبية من مدينة "تمنع" الكائنة على مقربة من بابها الجنوبي لتكون الموضع الذي تسرق منه أخبار الماضين، وتنبش فيه الأرض لتسألها عن أخبار الملوك ومن كان يسكن هذه المدينة من أناس. وسبب اختيارها هذه البقعة وتفضيلها على غيرها من خربة هذه المدينة التي تقدر مساحتها بستين فداناً، إنها تكشف عن نفسها بين الحين والحين بتقديم إشارات تظهرها من خلال الرمال المتراكمة عليها، لتنبئ إن في بطون تلال الرمال كنوزاً تبحث عن عشاق لتقدم نفسها إليهم، وعن هواة البحث عن الماضي لتبث لهم هوى أهل "قتبان"، و أخبار عاصمتهم الحبيبة ذات المعابد الجميلة العديدة التي ذهبت خ أهلها الذاهبين، كما اختارت بقعة أخرى لا تبعد عن ركام "تمنع" غير ميل و نصف ميل لتكون مكاناً آخر تحفر فيه لتستخرج منه حديثاً عن الماضي البعيد. وسبب اختيارها لهذا المكان إنه كان مقبرة أهل "تمنع" والمقابر من المحجات التي يركض خلفها المنقبون، لأنهم يبدون فيها أشياء كثيرة تتحدث عن أصحابها الثاوين فيها منذ مئات من السنين.
وكان موضع "هجر بن حميد"، وهو على تسعة أميال من جنوب آثار مدينة "تمنع"، مكاناً آخر من الأمكنة التي اختارتها البعثة للحفر فيها. وهو عبارة عن تل بيضوي الشكل يرتفع زهاء سبعين قدماً، يظهر إنه كان قرية مهمة في ذلك العهد، طمرها التراب فصارت هذا التل العابس الكئيب. وقد سبق إن عثر في هذا الموقع على آثار، منها لوح من البرنز صغير، عليه رسوم وكتابات،عثر عليه أحد الأعراب هناك. ولهذا تشجع رجال هذه البعثة الأمريكية على الحفر في هذا الموضع.
وكان من نتائج أعمال الحفر عند الباب الجنوبي لمدينة "تمنع" إن عثر على آثار ذلك الباب الذي كان يدحل منه الناس إلى المدينة و يخرجون منه من هذه الجهة، كما عثر على أشياء ثم ثمينة ذات قيمة في نظر علماء الآثار، إذ عثر على قدور كبيرة وعلى خرز وكتابات وأقراص صنعت من البرنز والحديد. وعثر على شيء آخر قد لا يلفت نظر أحد من الناس إليه، وقد يجلب السخرية على من يذكره ويتحدث عنه لتفاهته وحقارته في نطر من لا يهتم بالآثار وبالنبش في الخرائب، ذلك الشيء التافه الحقير هو طبقات من رماد وبقايا خشب محروق ومعادن منصهرة وقطع من حجارة منقوشة وغير منقوشة، وقد لبست ثوباً من السخام كأنها لبسته حداداً على تلك المدينة التي كانت جميلة فاتنة في يوم من الأيام. أما ذلك الرماد، فإنه صار في نظر رجال البعثة علامة على إن المدينة المذكورة المسكين ة كانت قد تعرضت لحريق هائل أحرق المدينة وأتى عليها، ولعل ذلك كان بفعل عدو مغير أراد بها سوءاً، فقاومته وعصته ولكنه تمكن وتغلب عليها، فعاقبها بهذا العقاب الجائر المؤلم.
وفي جملة ما عثر عليه من كتابات، كتابة ورد فيها اسم الملك "شهر يجل يهرجب" "شهر يكل يهركب"، و كتابات أخرى ورد فيها أسماء حكام آخرين. كما عثر على عمودين كتب على كل واحد منهما كتابة تبلغ زهاء خمسة وعشرين سطراً، وعلى كتابات على جدار بيت "يفش"، وهو بيت معروف وقد حصل السياح على كتابات ورد فيها اسم هذا البيت، وعلى كتابة عليها على بيت "ينعم"، وقد ورد فيها اسم الملك "شهر هلل يهقبض"، وهو من البيوت المعروفة في هذه العاصمة. و ترى إن عمره لا يتجاوز عشرين سنة عن خرابها.
وقد ساعد عثور البعثة الأمريكية على غرف بيوت سليمة أو شبه سليمة رجال البعثة على تكوين رأي في البيوت القتبانية. فقد وجدت في البيت الذي سمي ببيت "يفش"، ثلاث غرف ممتدة على الجهة الشرقية للبيت. وقد وجدت في إحدى الغرف مَرايا صنعت من البرنز وصناديق محفورة منقوشة وعليها صور ورسوم، لها قيمة تاريخية في ثمينة من ناحية دراسة الفن العربي القديم. وسوف تقدم الحفريات في استقبل صوراً واضحة ولا شك لبيوت العربية الجنوبية و تنظيم القرى والمدن فيها، وعندئذ يكون في استطاعتنا تكوين رأي واضح في الحضارة العربية في العربية الجنوبية قبل الإسلام.
وقد وجد إن الباب الجنوبي لمدينة "تمنع" كان ذا برجين كبيرين، بنيا بحجارة غير مشذبة، حجم بعضها ثماني أقدام في قدمين. وقد كانا ملجأين للمحاربين، يلجأون إليهما وإلى الأبراج الأخرى للدفاع عن المدينة ضد مهاجمة العدو. وقد وجدت نقوش كثيرة على الحجارة الكبيرة التي شيد منها البرجان. ويظهر إن زخارف من الخشب كانت تبرز فوق الباب لأعطائه جمالاً ورونقاً وبهاءً، كما يتبين ذلك من آثار الخشب التي ظهرت للعيان بعد رفع التراب والرمال عن الباب.
وقد تبين إن مدخل الباب الجنوبي يؤدي إلى ساحة واسعة مبلطة ببلاط ناعم وضعت على أطرافها مقاعد مبنية من الحجر، لجلوس الناس عليها، ومثل هذه الس*********ت هي محال تلاقي الناس ومواضع اجتماعهم وتعاملهم، كما هو الحال في اكثر من ذلك اليوم.
وفي جملة الأشياء الثمينة التي عز عليها في "تمنع" تمثالا أسدين صنعا من البرنز، أثرت فيهما طبيعة الأرض فحولت لونهما إلى لون أخضر داكن، وقد ركب أحدهما راكب يظهر وكأنه طفل سمين على هيأة "كيوبيد" ابن "فينوس" إلَه الحب، يحل بإحدى يديه سهماً وباليد الأخرى سلسلة قد انفصمت، تنتهي بطوق يطوق عنق الأسد، يشعر أنه كان متصلاً بالسلسلة التي قطعها الزمان باعتدائه عليها.
وأما الأسد الآخر، فقد فُقد راكبه و بقي من غير فارس، إلا إن موضع ركوبه بقي على ما كان عليه يقدم دليلا على إن شخصاً كان فوق ذلك الأسد. وقد وجد إن التمثالين كانا على قاعدتين، مكتوبتين، ورد فيهما اسم "ثوبم"، "ثويبم". وقد ورد هذا الاسم نفسه في كتابة وجدت على جدار بيت "يفش" كتبت في أيام الملك "شهر يجل يهرجب". وقد استدل "ألبرايت" من طريقة صنع التمثالين ومن طرازهما أنهما تقليد ومحاكاة لتماثيل "هيلينية"، ولا يمكن لذلك إن يرتقي تأريخ صنعهما إلى أكثر من "150" سنة قبل الميلاد، وذلك لأن اليونان لم يكونوا صنعوا هذا النوع من التماثيل قبل هذا التأريخ.
وقد أعلن "ثويبم بن يشرحعم" و "صبحم" و "هوفعم"، وكلهم من "آل مهصنعم"، إنهم ابتاعوا البيت المسمى ب "بيت يفش" ورمموه وأصلحوه، وعمروا سقفه و ممراته و مماشيه، بمشيئة "انبي" وباركوه بالآلهة "عثتر" و "عم" و "انبي" و "ورفو ذلفان" "ورفو ذلفن" و"ذات صنتم" و "ذات ضهران". وقد تم ذلك في عهد الملك "شهر يجل يهرجب" وقد تم "ثويبم" اسمه على قاعدة تمثال الأسد المصنوع من البرنز، وسجل معه اسم "عقربم" "عقرب". ويظهر أنهما أمرا بصنع التمثالين، أو أنهما صنعاهما ليكونا زينتين في هذا البيت.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:44 AM
ويرى الخبراء في موضوع تطور الخط، والمتخصصين في دراسات المصنوعات المعدنية إن هذين التمثالين لا يمكن إن يكونا قد صنعا قبل الميلاد، وان عهد صنعهما يجب إن يكون في القرن الأول للميلاد، في حوالي السنة "75" أو المئة بعد الميلاد، وذلك لعثور العلماء على عدد من التماثيل المشابهة، وهي من القرن الأول للميلاد. و يرون لذلك إن الملك "شهر يجل" الذي في أيامه صنع هذان التمثالان يجب إن كون من رجال النصف الثاني من القرن الأول للميلاد.
وقد توصل رجال البعثة الأمريكية إلى إن مدينة "تنع" كانت قد جددت مراراً، ذلك انهم كانوا كلما تعمقوا في الحفر وجدوا طبقات تشير إلى قيام بيت على بيت آخر، وان البيوت المبنية في الطبقات السفلى هي بيوت مبنية من "اللبن"، أي الطين المجفف بالشمس. وذلك يدل على إن الناس أقاموها بيوتاً ساذجة بسيطة، فلما تقدم الزمن ونزح الناس إليها، ازداد عمرانها، و اتخذ من نزحوا إليها الحجر والصخور المقطوعة مادة للبناء، فظهرت البيوت العامرة، ظهرت فوق البيوت القديمة على عادة الناس في ذلك العهد في بناء البيوت الجديدة فوق البيوت القديمة وعلى أنقاضها، ومن هنا صار في إمكان عالم الآثار تقدير عمر الطبقات والاستدلال بواسطته على العهود التاريخية التي مرت على المدينة.
وقد تبين من فحص المقبرة: مقبرة أهل "تمنع" إن حرمتها كانت قد انتهكت في الماضي وفي الحاضر، وأن سراق القبور الطامعين في الذهب وفي الأحجار الكريمة وفي الكنوز كانوا قد نبشوا القبور وهتكوا أسرارها لاستخراج ما فيها، وقد تعرضت بذلك للتلف وتعرض ما فيها مما لم يؤخذ لعدم وجود فائدة مادية فيه بالقياس إليهم للكسر والتلف والأذى، كما تبين إن سراق القبور المعاصرين ما زالوا على سنة أسلافهم يراجعون هذه القبور وغيرها غير عابئين بحرمتها، لأنهم يطمعون في كنوز، سمعوا عنها إنها تغني، وأنها تجعل من المعدم ثرياً. وقد زاد في جشعهم إقبال الغربيين على شراء ما يسرقونه، وان كان حجراً، بثمن مهما كان زهيداً تافهاً في نظري و نظرك إلا إنه شيء كثير في نظر الأعراب الذين لا يملكون شيئاً. فالفلس على تفاهته ذو قيمة و أهمية عند من لا يملكه.
وقبور هذه المقرة مع تعرضها للنبش و الاعتداء لا يزال كثير منها محتفظاً بكنوز ثمينة ذات أهمية كبيرة عند رجال الآثار وعشاق البحث عن الماضي. ونتيجة لبحث فريق من البعثة الأمريكية في بعض القبور على التل وفي سفوحه وفي الأرض المحيطة به، وجدت أشياء ذات قيمة، وتمكنت من تكوين رأي عن هيئة القبور و هندستها عند القتبانيين. لقد تبين لهم إن قبورهم كانت مزخرفة متينة البناء، وأن المقبرة عندهم كناية عن دهليز طويل صفت على جانبيه القبور. والقبور عبارة عن غرفتين إلى أربع غرف لها أبواب تؤدي إلى الدهليز أرى إنها بهذا الوصف قبور آسر، فمتى مات شخص من الأسرة فتح باب المقرة وأدخل الميت إلى الدهليز الشيء هو الممر، ليوضع في الغرفة التي تختار له ليثوي فيها
وقد وجدت في غرف الأموات عظام بشرية مهشمة، ووجدت في الممرات جرار وخزف وأشياء أخرى. ولكنها وجدت مكسورة ومحطمة في الغالب ؛ ولم يعثر على هيكل بشري واحد موضوع بصورة تشعر أن عظامه كانت كلها سليمة. وهذا مما جعل البعثة ترى إن للقتبانيين عادات دينية خاصة في دفن موتاهم، من ذلك إنهم كانوا يكسرون ما يأتون به من أشياء يضعونها مع الميت، عند وضعها في القبر، وانهم كانوا يضعون ما يرون ضرورة وضعه مع الميت في الممرات التي تقع على جانبها غرف الأموات. أما الغرف، فقد كانت مستودعات تحفظ فيها العظام. ولذلك تكدست تكدساً. وهي عادة عرفت عند أمم أخرى في مختلف أنحاء العالم.
وفي جملة ما عثر عليه من أشياء ذات قيمة كبيرة من الوجهة الفنية، رأس لفتاة منحوت من رخام أبيض معرق، وقد تدلى شعرها على شكل خصلات مجعدة على الطريقة المصرية وراء رأسها. وكانت أذناها مثقوبتين ليوضع حلق الزينة فيهما، ووجد إن جيدها محلى بعقد. وكانت عيناها من حجر اللازورد الأزرق على الطريقة المصرية. وقد نحت التمثال بإتقان وبذوقي يدلان على مهارة وفن، كما عثر على بقايا ملابس وأخشاب متأكلة وعلى حلي بعضه من ذهب، و من جملته عقد من ذهب، يتألف من هلال فتحته إلى الأعلى. أما حاشيته، فإنها مخرمة، وقد زين الهلال بإسم صاحبته.
ومن مدن قتبان مدينة "شور" "شوم"، وقد كان أهلها من قبيلة "ذهربت" "ذو هربة"، وقد ذكرت في نص سبق إن تحدثت عنه، وذلك لمناسبة بنائها حصناً أمام سور المدينة، إذ كان الحصن القديم قد تهدم في عهد الملك "وروال غيرن يهنعم". وقد عرف هذا الحصن بحصن "يخضر" "يخضور".
ومن مدن "قتبان"، مدينة "حرب"، وهي "حريب". وقد ذكرت في الكتابات، واشتهرت عند الباحثين بالنقود التي تحمل اسمها لأنها فيها ضربت. وقد أشار "الهمداني" إلى "حريب"، وتقع كما يظهر من وصفه في أرض قتبان. و هناك موقع آخر يقع على خمسة و خمسين كيلومتراً إلى شرقي شمالي صنعاء على طريق مأرب، يسمى "حريب". و قد عثر على نقود ضربت في "حريب"، منها نقد ضرب في عهد "يدع اب ينف" "يدع أب ينوف".
و ورد في الكتابات اسم مدينة تدعى "برم". فورد في كتابة من أيام الملك "يدع اب ذبيان بن شهر" مكرب قتبان، كتبت عند تمهيده الطريق بين هذه المدينة و مدينة "حرب" "حريب" و إنشاء مبلقة أي شق طريق جبلي، ليساعد على الوصول بيسر و سهولة بين المكانين. و ورد في كتابة أخرى عند انتهاء الملك "يدع اب ذبيان" من بناء "برج برم".
%231
هناك وادٍ عرف بوادي "برم" في أرض "احرم" "أحرم". وفي التقويم القتباني شهر من شهورهم عرف به "برم". و ورد كلمة "برم" اسم علم للأشخاص.
ومن الأرضين والأماكن التي ورد اسمها في النصوص القتبانية والتي يفيد ذكرها هنا، لأنها ترشدنا إلى معرفة أسماء البقاع التي كانت خاضعة لحكم قتبان، أرض "لتلك" و "ذبحتم" "ذبحة" و "دتنت" "دتنة"، و "لبخ" و "دونم" و "ورفو" و "خضنم" و "يسرم" و "غيلم" "غيل".
و "عم"، هو إله شعب "قتبان" الرئيس. وبه تسمى ذلك الشعب، حيث كانوا يعبرون عن أنفسهم ب "ولد عم". ويتقربون إليه بالنذور والذبائح. وكانت له معابد في أرض قتبان أشهرها معبد: "عم ذلبخ"، أي معبد "عم" في "لبخ" من "ذي غيل". ويرى بعض الباحثين إن هذا المعبد بني في موضع عرف ب "ذي غيل"، ثم أنشأ "يدع أب غيلان" مدينة حول هذا المعبد عرفت باسمه، فدعيت به "ذي غيلان"، وهي موضع "هجر بن حميد" في الوقت الحاضر.
قوائم بأسماء حكام قتبان
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:46 AM
هذه قوائم بأسماء حكام "شبان" كما وضعها الباحثون في العربيات الجنوبية. وأذكر أولاً القائمة التي وضعها "فريتس هومل"، وهي تتكون من جمهرات رتبت على النسب وصلة القربى، وقد استخرجها من الكتابات: الجمهرة الأولى و تتكون من المكربين: 1-شهر.
2 - يدع اب ذبين يهنعم. "يدع أب ذبيان يهنعم" Glaser 1410=1618 الجمهرة الثانية: 3 - يدع اب "يدع أب".
4 - شهر هلل يهرحب أو يهنعم، "شهر هلال يهركب أو يهنعم"،Glaser 1404=SE 85.
الجمهرة الثالثة: 5 - سمه علي وتر.
6 - هوف عم يهنعم "هوفعم يهنعم" Glaser 1117, 1121, 1333, 1344, 1345 والكتاباتان الحلوزنيتان: Glaser 1343, Glaser 1339 الجمهرة الرابعة: 7-شهر.
8 - يدع اب ذبين "يدع أب ذبيان".
وقد ذكر "هومل" إن من الممكن اختصار هذه الجمهرات، إذ من الجائز إن يكون من الأسماء المتشابهة المتكررة ما هو لإنسان واحد.
ورتب أسماء ملوك قتبان على النحو الآتي: الجمهرة الأولى: 1 - اب شيم "أبشبم".
2 - شهر غيلن "شهر غيلان".
3 - ب عم "بعم" Glaser 1119, Glaser 1348, 1601, 1115 ? الجمهرة الثانية: 4 -يدع اب "يدع أب".
5 - شهر يجل "شهر يكل". Glaser 1602 6 - شهر هلل يهنعم "شهر هلال يهنعم" Glaser 1395, 1413 الجمهرة الثالثة: 7-شهر.
8 - "دع اب ذبين ""يدع أب ذبيان".
9 - شهر هلل "شهر هلال".
10-نبط عم "نبطعم".
وقد قال "هومل" إن من الجائز تقديم هذه الجمهرة على الجمهرة الأولى من جمهرات الملوك، أو إلحاقها بالجمهرة الأولى بحيث تكون على هذا النحو: اب شبم "أب شبم" "أبشبم".
شهر غيلن "شهر غيلان" ب عم "بعم" "بيعم" "بي عم".
يدع اب ذبين "يدع أب ذبيان".
شهر يجل "شهر يكل".
شهر هلل يهنعم "شهر هلال يهنعم".
نبط عم "نبطعم".
الجمهرة الرابعة: 11- هوف عم يهنعم "هوفعم بهنعم".
12- شهر يجل يهرجب "شهر يكل يهرجب"، Glaser 1400, 1406, 1606.
13- وروال غيلن يهنعم "وروابل غيلان يهنعم"، Glaser 1392, 1402 14- فرع كرب يهوضع "فرعكرب يهوضع"، Glaser 1415.
الجمهرة الخامسة: 15- سمه وتر.
16 - وروال "وروايل".
الجمهرة السادسة: 17- - ذمر علي.
18- يدع اب يجل "يدع أب يكول".
الجمهرة السابعة: 19- يدع اب ينف يهنعم "يدع أب ينوف يهنعم".
20- شهر هلل بن ذراكرب "شهر هلال بن ذرأكرب".
21- وروال غيلن "يهنعم" "وروايل غيلان "يهنعم"".
قائمة "رودو كناكس"
وقد استفاد "هومل" في ترتيب قائمته المتقدمة بالقوائم التي وضعها "كروهمن" "Grohmann" و "رودوكناكس" و "مارتن هارتمن" Martin Hartmann.
وقد ذكر "كروهمن" تسعة مكربين، ولم يذكر بن الملوك الملك "سمه وتر". أما قائمة الملوك التي صنعها "رودوكناكس"، فتتألف من جمهرات كذلك. تبدأ الجمهرة الأولى بعد "يدع اب ذبين بن شهر" "يدع أب ذبيان بن شهر" آخر المكربين، وهو الذي لقب في عدد من الكتابات بلقب ملك، ولقب في عدد آخر بلقب "مكرب"، فهور مكرب وملك على قتبان. وتتألف قائمة "رردوكناكس" لملوك قتبان من الجمهرات التالية: الجمهرة الأولى: 1 - اب شبم "أب شبم" "أبشبم". و ترتيبه السابع في قائمة "كروهمن".
2 - شهر غيلن "شهر غيلان". و ترتيبه الثامن في قائمة "كروهمن".
3 - بعم "ب عم"، "بي عم" "أبي عم"، و ترتيبه التاسع في قائمة "كروهمن" Glaser 1601.
الجمهرة الثانية: 4 - يدع اب "يدع أب". ورقمه الخامس في قائمة "كروهمن".
شهر يبل "يهنعم" "شهر يِكل "يهنعم" " "شهر يكول "يهنعصم""، و هو السادس عند "كروهمن"، Glaser 1395, 1412, 1602, 1612 6 - شهر هلل يهنعم "شهر هلال يهنعم". ويرى إنه "شهر هلل بن ذراكرب" "شهر هلال بن ذرأكرب"، الذي يرد اسمه في المجموعة الآتية: Glaser 1395, 1412, 1413, KTB., I, 43, 11, S., 48.
الجمهرة الثالثة: 7 - ذراكرب "ذرأكرب"، ورقمه الثاني عشر في قائمة "كروهمن".
8 - شهر هلل "شهر هلال"، وترتبه الثالث عشر في قائمة "كروهمن". Glaser 1396 الجمهرة الرابعة: 9 - هوف عم "هوفعم"، وهو الرابع عشر في قائمة "كروهمن".
10- شهر يبل يهرجب "شهر يكل يهركب" "شهر يكول يهركب". وهو الخامس عشر عند "كروهمن". Glaser 1087, Halevy 507, Glaser 1606 11- وروال غيلن يهنعم "وروايل غيلان يفعم" وترتيبه السادس في قائمة "كروهمن"، Glaser 1000A.
الجمهرة الخامسة: 12- يدع أب يجل "يدع أب يكل" "يدع أب يكول".
وذكر "رودكناكس" اسم الملكين: "سمه وتر" و "وروال" "وروايل". ورأى إن أمكنتهما بعد الجمهرة الرابعة، غير إنه لم يفرد لهما جمهرة خاصة.
قائمة "كليمانت هوار"
ذكر "هوار" أسماء حكام قتبان دون إن يشير إلى وقت حكمهم أو صفة الحاكم من حيث كونه مكرباً أو ملكاً. وعدتهم كلهم عشرة، هم: 1 -يدع أب ذبيان.
2 - شهر يجول "شهر يكول".
3 - هوف عم "هوفعم".
4 - شهر يجول يهرجب "شهر يكول يهركب".
5 - وروايل غيلان يهنعم.
6 - أبشبم "أب شبم".
7 - شهر غيلان.
8-بعم "بي عم".
9 - ذمر على "ذمر علا".
15- يدع اب يجول "يدع اب يكول".
قائمة "فلبي"
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:48 AM
وقد نشرت في آخر كتاب "سِناد الإسلام" "Background of Islam" وتتألف من: ا - سمه على. وهو مكرب، ولم يعرف اسم أبيه، وقد حكم على تقديره في حدود سنة "865 ق. م.".
2 - هوف عم يهنعم بن سمه على "هوفعم يهنعم بن سمه على" "سمهعلي"، و هو مكروب كذلك، حكم في حدود سنة "845 ق. م.".
3-شهر يجل يهرجب بن هوف عم "شهر يهركب بن هوفعم"، وقد جعله ملكاً، حكم في حوالي سنة "825 ق. م.".
4 - وروال غيلن يهنعم بن شهر يجل يهرجب "وروايل غيلان يهنعم بن شهر يكل يهركب". وقد كأن ملكاً، حكم في حوالي سنة"800 ق.م ".
5 - فرع كرب يهوضع بن شهر يجل يهرجب "فرعكرب يهوضع بن شهر يكل يهركب"، وشقيق "وروايل". وقد كان ملكاً حكم في حوالي سنة "785 ق. م.".
6 - شهر هلل بن ذراكرب بن شهر لمجل يهرجب "شهر هلال بن ذرأكرب بن شهر يكل يهركب". وقد كان ملكاً، حد في حوالي سنة "770 ق. م.".
7 - يدع اب ذبين يهرجب بن شهر هلل "يدع أب ذبيان يهرجب بن شهر هلال"، وقد كان على رأيه مكرباً وملكاً، حكم في حدود سنة "750 ق.م.".
8 - ? ? ? بن شهر هلل "شهر هلال" وقد كان حكمه حوالي سنة "735 ق، م.".
شهر هلل يهنعم بن يدع اب ذبين يهرجب "شهر هلال ينعم بن يدع أب ذبيان يهركب". وقد كان ملكاً حكم حوالي سنة "720 ق. م.".
10-نبط عم بن شهر هلل "نبطعم بن شهر هلال"، حكم في حوالي سنة "700 ق. م.".
11- "يدع اب ينف أو يجل ? يهنعم بن ذمر على، أو شقيق شهر هلل بن يدع اب ذبين يهرجب. وقد حكم حوالي سنة "680 ق. م.".
12- ? ? ?. وقد حكم في حوالي سنة "660 ق. م." 13- سمه وتر بين ? ? ?. و حكم حوالي سنة "640 ق.م.".
14- وروال ? ? بن سمه وتر. وقد حكم في حدود سنة "620 ق. م.". وترك "فلبي" فجوة قدّرها. نحو من عشر سنين بين الملك المتقدم والملك الذي تلاه، ثم ذكر: 15- اب شبم "أبشبم"، ولم يعرف اسم أبيه. وقد حكم على تقديره في حوالي سنة "590ق. م.".
16- اب عم بن اب شبم "أب عم بن أب شبم" "أبعم بن أب أبشبم"، و قد كان حكمه في سنة "570ق. م.".
17- شهر غيلن بن اب شبم "شهر غيلان بن أبشبم"، وقد كان حكمه من سنة "555ق. م." إلى سنة "540ق.م." وسنة"540ق. م." كانت على رأي "فلبي" نهاية مملكة "قتبان"، فاندمجت في مملكة سبأ وأصبحت جزءاً منها.
قائمة "ألبرايت"
علي وتر "سمهعلي وتر" "مكرب".
هوف عم يهغم من سمه علي وتر "هوفعم يهنعم بن سمهعلي وتر"، وكان مكرباً حكم في القرن السادس قبل الميلاد. وهو ابن المكرب الأول.
....................
شهر.
يدع اب ذبين يهنعم بن شهر "يدع أب ذبيان يهنعم بن شهر" مكرب. شهر هلل به... بن "يدع اب". مكرب.
سمه وتر. يحتمل إنه كان مكرباً، وهو الذي غلبه "يثع أمر وتر" مكرب سبأ.
وروال "وروايل" يحستمل إنه كان مكرباً. وكان تابعاً ل "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر" أول ملك على سبأ. وقد كان حكمه في حدود سنة"450 ق.م.".
....................
شهر مكرب.
يدع أب ذبين بن شهر "يدع أب ذبيان بن شهر" آخر مكرب في قتبان، وأول ملوكها. وقد كان حكمه في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد.
شهر هلل بن يدع اب "شهر هلال بن يدع أب".
نبط عم "بن شهر هلل" "نبطعم بن شهر هلال".
....................
ذمر علي.
يدع اب يجل بن ذمر علي "يدع أب يكل بن ذمر علي" وقد عاصر ثلاثة ملوك من ملوك سبأ الذين حكموا في القرن الرابع قبل الميلاد، Glaser 1693.
اب شبم "أب شبم" "أبشبم".
شهر غيلن بن اب شبم "شهر غيلان بن أبشبم".
بعم بن شهر غيلن "بعم بن شهر غيلان" "بي عم" "أبي عم". يدع اب "يجل ?" بن شهر غيلن، أي شقيق "بعم". "يدع أب يكل?" بن شهر غيلان".
شهر يجل "بن يدع اب" "شهر يكل بن يدع أب"، حكم حوالي سنة "300 ق.م.".
شهر هلل يهنعم "شقيق شهر يجل" "شهر هلال يهنعم".
يدع اب ذبين يهرجب "يدع اب ذبيان يهركب". "غير متيقن بمكانه هنا". فرع كرب "فرعكرب".
يدع اب غيلن بن فرع كرب "يدع أب يخلان بن فرعكرب". في النصف الأول من القرن الثاني قبل الميلاد.
هوف عم يهنعم "هوفعم يهنعم"، حكم حوالي سنة "150" قبل الميلاد.
شهر يجل يهرجب بن هوف عم يهنعم "شهر يكل يهركب بن هوفعم يهنعم".
وروال غيلن يهنعم بن شهر بن شهر يجل "ورويل غيلان بن يهنعم بن شهر يكل".
فرع كرب يهوضع بن شهر يجل وشقيق "وروال"، فرعكرب يهوضع بن شهر يكل".
يدع اب بنف "يدع أب ينوف".
ذرا كر ب "ذرأكرب".
شهر هلل يهقبض ذراكرب "شهر هلال كقبض بن ذرأكرب".
خراب "تمنع" ونهاية استقلال مملكة قتبان في حوالي سنة خمسين قبل الميلاد، ود********* قتبان في حكم ملوك حضرموت.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:04 PM
الفصل الثاني و العشرون
مملكتا ديدان و لحيان
قلت في نهاية كلامي على حكومة مجن إن جالية من المعينيين كانت تقيم في "العلا" أي "ددن" "ديدان"، وان "ديدان" كانت مستوطنة معينية في الأصل، وقد استقلت بشؤونها بعد ضعف حكومة معين، إذ انقطعت صلتها بأمها في اليمن، وحكمها ملوك منهم نسميهم ملوكاً ديدانيين.
وأول من لفت الأنظار إلى "ديدان"، هو السائح "جارلس مونتاكو دوتي" فقد رحلى سنة 1876 م إلى أرض مدين، ولم يبال في أثناء رحلته براحته ولا بما قد تتعرض له حياته، من أخطار، ثم زار مواضع عديدة آثارية مثل "مدائن صالح" و "الحجر" و "العلا"، وكتب رحلته هذه كتابة لا تزال تعد من خيرة ما كتب في هذا الموضوع في الأدب الانكليزي، وبذلك لفت الأنظار إلى هذه البقعة الآثارية التي حكمتها مختلف الشعوب وتكدست في أرضها آثارها متداخلة بعضها ببعض.
ثم جاء بعد "دوتي" رحالون آخرون، فزاروا هذه المواضع منهم: "يوليوس أويتنك"، و "جارلس هوبر"، و "جوسن" " و "سافينة"، و "فلبي"، وغيرهم، وصوروا بعض الكتابات، و قرأوا ما استطاعوا قراءته من كتابات الأحجار ودونوه، أو أخذوا بعضه، وبذلك تجمعت للباحثين مادة عن تأريخ "العلا"، والمواضع التي تقع في أعالى العربية الغربية، في المملكة الأردنية الهاشمية وفي المملكة العربية السعودية.
وتقع خرائب "ديدان" هذا اليوم في "وادي العلا"، وتوجد على حافتيه كتابات، كما توجد فيه وفي "وادي المعتدل" والأودية الأخرى آثار حضارات ماضية متعددة، مثل حضارة المعينيين واللحيانيين والديدانيين وغرهم.
وتعد "الخريبة" مركز الديدانيين، و قد انتزع الأهلون أحجار الآثار، فاستعملوها في مبانيهم فقضوا على كثير من الكتابات، وتشاهد جدر بعض البيوت وقد بنيت بتلك الأحجار، وبعضها لا يزال مكتوباً يحدث الإنسان باعتداء أهل المنطقة عليها وتطاولهم على التاريخ بعمد وبجهل.
وللكتابات التي عليها في هذه الأرضين والتي سيعثر عليها شأن خاص عند من يريد دراسة تأريخ الخط وكيفية تطوره وظهوره. فإن هذه المنطقة هي عقدة من عقد المواصلات المهمة التي تربط جزيرة العرب ببلاد العراق وببلاد الشام ومصر، وفيها التقت ثقافات و حضارات هذه الأماكن، ولهذا نجد في كتاباتها مزايا الخط الشمالي والخط الجنوبي كما نجد للغتها، مركزاً خاصاً للهجات. ولذلك كان لدراستها شأن خاص عند من يريد الوقوف على اللهجات العربية وكيفية تطورها إلى ظهور الإسلام.
أضف إلى ذلك إنها تقع على الطريق البرية المهمة الموازية للبحر الأحمر، حيث كان أهل العربية الجنوبية ينقلون منها تجارتهم وتجارة إفريقية والهند وبقية آسية إلى بلاد الشام، ثم إنها لا تبعد أكثر من مسيرة خمسة أيام عن البحر الأحمر، حيث كان التجار يذهبون إلى موانئه لبيع ما عندهم لتجار مصر. لذلك كانت ديدان وبقية مدن هذه الأرضين ملتقى العرب: عرب الجنوب وعرب الشمال، وملتقى تجار أجانب، فلا عجب إذا ما رأينا هذا الاتصال يظهر في الكتابة وفي اللغة وفي الثقافة والحضارة والفن.
ولا نعرف اليوم من أمر مملكة "ديدان" شيئاً يذكر. ويعود سبب جهلنا بتأريخ هذه المملكة إلى قلة ما وصل إلينا من كتابات عنها. ولعل الزمان يكشف لنا عن كتابات ديدانية تجلي من عيوننا هذه الغشاوة التي حالت بيننا وبين وقوفنا على شيء من أمر ملوك ديدان.
وقد ذهب "كاسكل" إلى إن ظهور ملكة "ديدان" وابتداء حكمها كان في حوالي السنة "160" قبل الميلاد، غير إنه يرى إن هذه المملكة لم تتمكن من العيش طويلاً، إذ سرعان ما سقطت في أيدي اللحيانين، وكان ذلك - على رأي " - في حوالي السنة "115 ق. م.".
وقد وقفنا على اسم ملك من ملوك "ديدان" في الكتابة الموسومة ب "js 138"، وهي كتابة ابتدأت بجملة: "كهف كبرال بن متعال ملك ددن"، ومعناها "قبر كبرابل بن متع ايل ملك ديدان". ويعير عن القبر والمثوى بلفظة "كهف" في اللهجة الديدانية. فهذه الكتابة إذن، هى شاهد قبر ذلك الملك الذي لا نعرف من أمره شيئاً.
ولا يستبعد "كاسل" إن يكون "كبرايل"، أول ملك اسس مملكة "ديدان"، وآخر ملك حكمها أيضاً، أي إن سقوطها على أيدي اللحيانيين كان في عهده، أو بعد وفاته، وبذلك انتهت على رأيه حياة تلك المملكة.
وقد ذهب "البرايت" إلى إن الملك "كرب ايل بن متع ايل" الذي عثر على اسمه في كتابة "ديدانية"، كان قد حكم في حوالي السنة "500 ق. م.".
وما زلنا في جهل تام لكيفية حصول الديدانيين على استقلالهم، وعلاقاتهم بالمعينيين الذين كانوا فبلهم في هذه الأرضين. ولا بد لنا من الانتظار طويلاً للظفر بمزيد من المعارف عن هذه الأمور. فلعل الزمان سيجود على الباحثين بكتابات يخرجها إليهم من باطن الأرض، يكون فيها شرح واف لما نسأل عنه الآن.
وأما "لحيان" فمعارفنا عنهم مع ضآلتها و قلتها خير من معارفنا عن ديدان. و يعود الفضل في ذلك إلى ما ورد عنهم في مؤلفات بعض الكتبة اليونان و اللاتين وإلى الكتابات اللحيانية التي عثر عليها الرحالون، فإنها أكثر عدداً من الكتابات الديدانية، و أكثر منها كلاماً، فإننا حين نجد الكتابات الديدانية قد لاذت بالصمت أكثر فلم تذكر من ملوكها إلا ملكاً واحداً، نجد الكتابات اللحيانية قد نطقت بأسم أكثر من ملك واحد، و إن لم تأت من هذه المادة كثير.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:05 PM
وقد وصلت إلينا أسماء ملوك حكموا مملكة "لحيان"، و هي مملكة صغيرة تقع أرضها جنوب أرض حكومة النبط، ومن أشهر مدنها: "ددان"، و هي خرائب "العلا" "الخريبة" في الزمن الحاضر، و "الحجر"، وقد عرفت ب "Hegra" و "Egra" عند اليونان واللاتين. ومن الكتابات اللحيانية والآثار التي عليها في مواطنهم، استطعنا استخراج معارفنا عن مملكة لحيان.
وقد كان شعب لحيان من شعوب العربية الجنوبية في الأصل في رأي بعض الباحثين. وقد ذكرهم "بلينيوس" في جملة شعوب العربية الجنوبية، وسماهم Laecanitae=Lechieni أو Lexianes. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن الحميريين استولوا على مواطن اللحيانيين في حوالي سنة "115 ق. م."، فخضعوا بذلك لحكم الحميريين.
ومما يؤيد وجهة نطر من يرى إن اللحيانيين هم من أصل عربي جنوبي، ورود اسم "لحيان" في نص عربي جنوبي قصير، هذا نصه: "أب يدع ذلحين" أي "أبيدع ذو لحيان". وفي هذا النص دلالة على إن اللحيانيين كانوا في العربية الجنوبية، ويظهر إن "أبيدع" المذكور كان أحد أقيال "لحيان" في ذلك الزمن.
ويرى "كاسل" إن اللحيانيين كانوا يقيمون على الساحل على مقربة من "ددن" "الديدان"، وكانت لهم صلات وثيقة بمصر، وتأثروا بالثقافة اليونانية التي كانت شائعة في مصر إذ ذاك، حتى إنهم سمّوا ملوكهم بأسماء يونانية، مثل "تخمي" Tachmi، و "بتحمي" Ptahmy، و "تلمي" Tulmi , و قد أخذت من "بطلميوس" Ptolemaios.
أما الكتابات اللحيانية أو الكتابات الأخرى مثل النبطية أو الثمودية أو المعينية وغيرها، فإنها لم تتحدث بأي حديث عن أصل اللحيانيين.
ويعود الفصل في حصولنا على ما سندونه عن تأريخ لحيان إلى الكتابات اللحيانية. وهي، وإن كانت قليلة وأكثرها في أمور شخصية، فقد أفادتنا فائدة قمة في الكشف عن بعض تأريخ اللحيانيين. وستزيد معارفنا بالطبع في المستقبل كلما زاد عثور العلماء على كتابات لحيانية جديدة، ولا يستبعد إن يكون عدد منها ما يزال مطموراً في باطن الأرض.
وقد عالج بعض المستشرقين موضوع "لحيان"، ومنهم "كاسكل" فكتب فيهم كتابين باللغة الألمانية. " ذهب فيهما إلى إن اللحيانيين كانوا كأكثر الشعوب تجاراً، وكانت تجارتهم مع "مصر" بالدرجة الأولى. وقد انتزعوا الحكم من الجاليات المعينن التي كانا تقيم في هذه الأرضين التي كانت في الأصل جزءاً من مملكة من. فلما ضعف أمر حكومة معين في اليمن ولم يبق في استطاعتها السيطرة على أملاكها البعيدة عنها، طمع الطامعون ومنهم اللحيانيون في المعينيون الشماليين الساكنين في هذه الأرضين، فانتزعوا الحكم منهم وسيطروا عليهم، واندمج المعينيون فيهم حتى صاروا جزءاً منهم. وكان ذلك - على رأيه - في القرن الثاني قبل الميلاد. وفي حوالي "960" قبل الميلاد تقريباً.
ويرى "كاسكل" إن المعينين كانوا قد بقوا يحكمون "ديدان" مكونين حكومة "مدينة" إلى حوالي السنة "150 ق. م."، وعندئذ أغار عليهم اللحيانيون وانتزعوا الحكم منهم، ويرى إن من المحتمل إن الملك الأول الذي حكم اللحيانيين كان من أهل الشمال، وربما كان من النبط غير إن الذين جاءوا بعده كانوا من اللحيانيين
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:07 PM
وقد كان المعينيون يسيطرون على أعالي الحجاز في القرن الخامس قبل الميلاد، مكونين مستوطنات معينية غايتها حماية الطرق التجارية التي تمر من بلاد الشام إلى العربية الجنوبية. وقد عرفت تلك المستعمرة التي تحدثت عنها سالفاً باًسم "معين مصران"، وعاصمتها مدينة "علت"، وهي "العلا" في الزمن الحاضر. ومن مدنها الأخرى "ديدان"، و "الحجر" وغيرهما.
وقد اختلف الباحثون فيمن سكن هذه الأرضين أولاً ومن حكم قبلاً: الديدانيون، أم المعينيون أم اللحيانيون? فذهب بعضهم إلى إن اللحيانيين إنما جاءوا بعد المعينيين، وهم الذين قضوا عيهم وانتزعوا منهم الحكم وألفّوا مملكة لحيانية، و ذهب بعض آخر إلى إن اللحيانيين كانوا قد سبقوا المعين بين في الحكم، وان حكمهم هذا دام حتى جاء المعينيون فانتزعوه منهم في زمن اختلفوا في تعيينه، وذهب آخرون إلى تقديم الديدانيين على المعينين و اللحيانيين وقد اختلفوا كذلك في زمان نهاية حكم كل حكومة من هذه الحكومات.
ويرى بعض الباحثين إن مملكة لحيان ظهرت في أيام "بطلميوس الثاني"، بتشجيع من البطالمة وبتأييدهم ليتمكنوا من الضغط على النبط حتى يكونوا طوع أيديهم. وقد جعل بعضهم ذلك الاستقلال فيما بين سنة "280 ق. م." وسنة "200 ق. م.". و يرى غيرهم إن ذلك كان قبل هذا العهد.
وقد كان اللحيانيون يكرهون النبط، لأنهم كانوا يطمعون في بلادهم ويعرقلون تجارتهم التي كان لا بد لها من المرور بأرض التي النبط، ولهذا لجأوا إلى "البطالمة" يحتمون بهم، ويتوددون إليهم ليحموهم من تحكم النبط في شؤونهم. بقوا على ذلك طوال أيام "البطالمة"، فلما حل الرومان محلهم، توددوا إليهم كذلك للسبب نفسه.
ويرى بعض الباحثين إن النبط هم الذين قضوا على ملكة لحيان، باستيلائهم على "الحجر" سنة "65 ق. م." وعلى ديدان سنة "9 ق م."، على حين يرى آخرون إن نهاية مما كانت في القرن الثاني بعد الميلاد. وذهب "كاسكل" إلى إن النبط قضوا على مملكة "لحيان"، و ذلك بعد السنة "24 ب. م."، إلا إن حكم النبط لم يدم طويلاً، لأن الرومان كانوا قد استولوا على مملكة النبط سنة "106 م"، وكوّنوا منها ومن أرضين عربية أخرى مجاورة اسم "المقاطعة العربية" "الكورة العربية" وبذلك انتهى حكم النبط على لحيان.
ولا نعرف ماذا كان عليه موقف اللحيانيين من احتلال الرومان لأرض النبط ومن تكوين الرومان لما يسمى ب "الكورة العربية"، التي جاورت أرضة اللحيانيين. ويرى "كاسكل" إن موقف اللحيانيين من الرومان كان موقفاً ودياً، لأنهم أنقذوهم من سيطرة النبط عليهم، ويرى احتمال تكوين اتصال سياسي بينهم وبين الرومان.
وقد استدل "كاسكل" من شاهد قبر يعود زمنه إلى حوالي السنة التاسعة قبل الميلاد، عثر عليه في "العلا" أرخ بحكم الملك "الحارث الرابع" Aretas IV. على إن اللحيانيين كانوا يومئذ تحت حكم ملوك النبط. واستدل على رأيه هذا بعدم إشارة "سترابون" إلى مملكة لحيانية في أثناء حديثه عن حملة "أوليوس كالوس" "أوليوس غالوس" على اليمن التي وقعت في حوالي سنة "25 م"، وكلامه على ملوك النبط، وكأن ملكهم قد شمل أرض لحيان، حتى بلغ مكاناً لا يبعد كثيراً عن "المدينة" "يثرب". و رأى في ذلك علامة على إن ملوك النبط كانوا قد استذلوا اللحيانيين وقضوا على استقلالهم زماناً لم يحدد بالضبط.
ويظن إن النص اللحياني الموسوم ب JS 349، من نهاية القرن الثاني قبل الميلاد على رأي بعضهم، هو من أقدم النصوص اللحيانية، دوّنه رجل اسمه "نرن بن حضرو" "ناران بن حاضرو" "نوران بن حاضر"، وذلك بأيام "جشم بن شهر" و "عبد" الذي كان والياً على "ددان" يومئذ. وقد ذكر في النص اسم الملك الذي كتب النص في عهده، إلا إن الزمان عبث به، إذ أصيب بكسر فسقط تمام الاسم منه.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:08 PM
وقد تجسست بعض النصوص اللحيانية على ملوك لحيان، فقدمت للباحثين بعض أسمائهم، وأعلمتنا بذلك إن اللحيانيين كانوا قد كونوا لهم مملكة حكمت أمداً، ثم زالت من الوجود كما زال غيرها من ممالك. و إذ لم يقم العلماء في "العلا" وفي الأرضين اللحيانية الأخرى بحفريات منتظمة، فليس بمستبعد إن يعثر فيه يوماً ما على نصوص لحيانية أخرى تكشف النقاب عن أسماء عدد أخر. من ملوك لحيان.
ومن الملوك الذين عرفنا أسماءهم من النصوص المذكورة، ملك اسمه: "هنوس بن شهر" "هانوس بن شهر" "هانواس بن شهر". وقد ذكر معه في النص اسم 5لك آخر شاركه في الحكم، إلا إنه سقط منه بعبث حدث له، فأضاع علينا اسمه. وقد أصيب النص بتلف في مواضع منه، فأضاع علينا المعنى، والطاهر إنه دوّن مناسبة إنشاء الملكين طريقاً يمر بجبل، فشقا الأرض، ورصفا وجهها وكسوها بمادة تملّسها ليسهل السير عليها.
وعرفنا من تلك النصوص ملكاً آخر عرف ب "ذ اسفعن تخمي بن لذن" "ذو اسفعين نحمي بن لوذان". وقد قدر "كاسكل" زمان حكمه في النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد. وإلى أيامه تعود الكتابة الموسومة ب: Js 85 وقد دونت لمناسبة إنشاء "بيت" للإله "ذو غابت" "ذو غابة" إلَه لحيان، وذلك في السنة الأولى من حكم هذا الملك.
وورد اسم الملك "شمت جشم بن لذن" "شامت جشم بن لوذان" في الكتابة الموسومة ب "js 85". وقد دونت لمناسبة تقديم شخص نذراً إلى الإله "ذو غابة"، وذلك في السنة التاسعة من حكم هذا الملك. وقد قدر "كاسكل" زمان حكمه فيما بين السنة "9 ق. م." والسنة "56 ق. م.".
وذكر في الكتابة الموسومة ب Js 83 ملك يسمى "جلتقس" "جلت قوس" "ملتقس". وقد أرخت بأيامه، إذ دونا في السنة التاسعة والعشرين من حكمه، ودونت لمناسبة تقديم شخص نذراً "ذنذر" "نذر" إلى الإله "عجلبن" "عجل بون" "عجل بن"، وهو "صلم"، أي صنم، قدمه إلى معد ذلك الإلَه.
وورد اسم الملك "منعى لذن بن هناس" "منعى لوذان بن هانؤاس" في الكتابة الموسومة ب Js 82. وقد دونت في السنة الخامسة والثلاثين من حكم هذا الملك، لمناسبة "قديم نذر، هو "صلم" أي "صنم" إلى الإلهَ "عجلبن" صنعه "هصنع" رجل اسمه "سلمى"، وخط الكتابة "هسفر" كاتب اسمه "خرج". وقد كان حكمه - على حد قولي "كاسكل" - فيما بين السنة "35 ق. م." و السنة "30 ق. م.".
وفي عهد هذا الملك أصيبت "ديدان" بهزة أتت على المعبد ومن كان فيه، إذ سقط سقفه على أعضاء مجلس المدينة "هجبل" "ها - جبل"، فقتل أكثرهم، ثم أعيد بناؤه بين السنة "127 ب. م." و "134 ب. م.".
و يظهر من بعض النصوص اللحيانية المتأخرة إن إعادة بناء المعبد قد استغرقت زمناً طويلاً. وهذا مما يدل على إن الحالة الاقتصادية لم تكن حسنة في ذلك العهد، وان الأمور لم تكن جارية على وفق المرام، وأن الحكومة كانت ضعيفة فلم تتمكن من إعادة بنائه بالسرعة المطلوبة.
ويرى "كاسكل" إن النبط هيمنوا على اللحيانيين في القرن الأول قبل الميلاد، وأخذوا يضايقونهم، ثم حكموهم، و قد امتد حكمهم للحيانيين إلى ما بعد الميلاد. فقبل سنة "65 ق. م." استولى النبط على "الحجر"، ثم ساروا منها إلى "تيماء". ثم قطعوا كل اتصال للحيان بالبحر، واستولوا على ميناء "لويكة كومة" وكان تابعاً للحيان، و تقدموا منه إلى مواضع أخرى، حتى أحاطوا. لجان من جميع الجهات وحكموهم.
ويظن "كاسكل" إن حكم النبط للحيان قد وقع بين الس.شلا25 - 24 ق. م" والسنة "9 ق. م.".
ويظن "كاسكل" إن حكم النبط للحيان دام منذ ذلك الزمن حتى حوالي السنة "80 ق. م." هذا العهد كان حكم النبط نفسه يتدهور بتزايد سلطان الرومان في بلاد الشام وبد********* حكومة "المكابيين" اليهودية في حماية الإمبراطورية الرومانية. والنبط هم في جوار المكابيين في الجنوب. ولما قهر جيش "تراجان" النبط، و قضى على استقلالهم، خلصى اللحيانيون من حكم النبط وعادوا فاستقلوا في إدارة شؤونهم فحكمتهم أسرة منهم، يظهر إنها من الأسرة الملية القديمة التي كانت تحكمهم قبل استيلاء النبط عليهم.
وكان جلاء حكم النبط عن لحيان في عهد الملك "رب آل" "رب ايل" آخر ملوك النبط الذي انتزع الرومان الأقسام الشمالية من مملكته في سنة105 للميلاد، ثم أخذوا الأقسام الجنوبية من مملكته بعد سنة تقريباً، أي سنة 106 الميلاد، وبذلك زال حكم النبط عن اللحيانيين، فاستعادوا استقلالهم برئاسة الملك "هناس بن تلمي".
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:10 PM
وقد عثر الباحثون على كتابتين، ورد في إحداهما: "مسعودو: ملك لحيان" وورد في الأخرى: "ملك لحيان"، وقد سقط منها اسم الملك لتلف أصاب الكتابة. وقد ذهب "كاسكل" إلى إن الكتابتين من عهد استيلاء النبط على لحيان و ذهب أيضاً إلى إن الملك "مسعودو" أي "مسعود" لم يكن ملكاً بالمعنى الحقيقي، و إنما كان ملكاً اسماً، وان الملك الآخر الذي أزال العطب اسمه من الكتابة الثانية، هو الملك "مسعود" نفسه، ولم يذكر كيف جوز صاحب الكتابة لنفسه نعت مسعود، بنعت "ملك لجان" على حين كانت مملكة لحيان تابعة لمملكة النبط.
و يرى "كاسكل" إن في جملة من حكم اللحيانيين في هذا العهد، عهد تدهور حكم النبط وزوال سلطانهم عن لحيان، ملكاً اسمه "هناس بن تلمي" "هانؤاس بن تلمي". وقد ورد اسمه في كتابة دونت في السنة الخامسة من حكمه، دونها "عقرب بن مر"، صانع تماثيل "هصنع" لمناسبة تحته طرفي صخرة قبره، و صيرهما يمثلان الإلَه "أبي أيلاف" "أبا لف"، وذلك في السنة المذكورة من حكم هذا الملك.
وقد جعل "كاسكل" حكم الملك المتقدم "هناس بن تلمي" مبدأ لحكم أسرة جديدة، أو حكومة جديدة، تولت الحكم بعد زوال حرج هيمنة النبط عن اللحيانيين. وكان الملك "لوذن بن هنواس" "لوذان بن ه - نواس" آخر من حكم من الحكومة القديمة في لحيان، أي آخر من حكم قبل استيلاء النبط على لحيان كما يرى "كاسكل". وكان حكمه في حوالي السنة "30 ق. م." على تقدير "كروهمن".
وورد اسم الملك "تلمي بن هناس" "تلمي بن ها - نؤاس" في كتابة أرخت بالسنة الثانية من سني حكمه، لمناسبة شراء رجل اسمه "عبد خرج" أرضاً، بنى عليها ضريحا "هكفر" ليكون مقبرة "همثبرن" "ها- مثبرن"، يدفن فيها هو و أهله.
وأورد "كاسكل" اسم الملك "سموي بن تلمي بن هناس" بعد اسم الملك المتقدم. و هو ملك ورد اسمه في كتابة سجلها "وهب لاه" "وهبله" "وهب الله" وكان قيماً "قيمه" على "نعم" أنعام الإله "ذغبت" "ذو غابة" لمناسبة قيامه باتمام بناء معبد "ديدان" الذي كان الزلزال قد عبث به.
وورد اسم ملم أخر من ملوك لحيان، في كتابة دونت في السنة الخامسة من سني حكمه، دونها "أبو ايلاف حيو(، وكان "كبير هشعت" "ها - شعت" أي كبير الجماعة، وهو نعت يدل على إنه كان وجيه القوم ووجههم، و قد أشار فيها إلى مجلس القوم "هيجل"، وكان ذلك في السنة الخامسة من سني حكم "راى" "رأى" الملك "عبدن هناس" "عبدان بن ها - نؤاس". ويرى "كاسكل" إن حكمه كان في حوالي السنة "110 ب. م.".
ووضع "كاسكل" ملكاً اسمه "سلح" "سليح" "سالح" بعد اسم الملك "عبدان هانؤاس". وقد حكم - على رأيه - في حوالي السنة "125" بعد الميلاد. وقد ورد اسمه في كتابة دونت قبل ثلاثة أيام "تلا ايم: قبل راي سلح" من تولي "سليح" الحكم، وأرخ ذلك بسنة عشرين من ظهور عتمة، أي حدوث ظلام "سنت عشرين عتم". والظاهر إن كسوفاً وقع فأظلمت الدنيا وعتمت، وذلك قبل عشرين سنة من تولي هذا الملك الحكم، فأرخ الناس عندئذ بحدوثها، وفي جملتهم صاحب هذه الكتابة.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:11 PM
وحكم في حوالي السنة "127 ب. م." ملك اسمه "تلمي هناس" "تلمي ها - نؤاس" على رأي "كاسكل". وقد جاء اسمه في كتابة دونت لمناسبة دفع دية "وديو" عن قتيل قتل في السنة الثانية والعشرين من حكم هذا الملك.
ووضع "كاسكل" الملك "فضج"، بعد الملك "تلمي بن ها نؤاس"، وجعل حكمه في حوالي السنة "134 ب. م.". ويظهر من كتابة ورد فيها اسمه إنه حكم اكثر من تسع وعشرين سنة.
ويرى "كاسكل" إن الملوك اللحيانيين المتأخرين لم يكونوا على شاكلة الملوك اللحيانيين الأول من حيث المكانة والشخصية، ويرى إن الحل والعقد صارا في يد "الجبل" "هجيل"، أي مجلس الشعب، أو مجلس الأمة بتعبير قريب من تعبر هذا الزمان في الغالب، وان الناس لم يعودوا يحفلون بكتابة لقب "ملك لحيان" بعد اسم الملك، وفي هذا الإهمال تعبر عن نظرة التساهل وعن عدم الاهتمام بأمر الملوك.
و يتبن من النصوص اللحيانية المتأخرة إن هذا الدور الثاني، أي الدور المتأخر من حكم حكومة لحيان، لم يكن حكماً مستقراً وطيد الأركان، لذلك تفشت السرقات، وكثرت حوادث القتل فيه. ويرى "كاسكل" من ورود أسماء في بعض هذه الكتابات اللحيانية المتأخرة يشعر منها إن أصحابها من إفريقية ومن جنس حائي، احتمال مهاجمة الحبش لساحل البحر الأحمر الواقع فيما بين "لويكة كومة" وحسود مملكة سبأ ونزول الحبش في هذه الأرضين.
ويرى "كاسكل" إن الكتابات المشار إليها، هي من زمن يجب إن يكون محصوراً بين السنة "150" والسنة "300" بعد الميلاد، وفي هذه المدة يجبها إن يكون وقوع غزو الحبش للسواحل العربية المذكورة. ويرى باحثون آخرون إن ملك الحبشة الذي ممكن إن يكون قد غزا هذه السواحل، هو الملك Sembruthes، وهو من ملوك "أكسوم"، وقد عثر الباحثون على طائفة من الكتابات مدونة باليونانية تعود إلى أيامه، ويجب إن يكون غزوه لتلك السواحل قد وقع بين نهاية القرن الرابع للميلاد وبين النصف الأول من القرنة الخامس للميلاد.
ويرى "كاسكل" إن الرومان الذين استولوا على مملكة النبط لم يبلغوا أرض لحيان، بل وقفوا عند حدود النبط، أو عند أرض تبعد مسافة عشرة كيلومترات عن "ديدان"، بديل انقطاع الكتابات التي كان يكتبها الجنود الرومان ويتركونها في الأماكن التي ينزلون بها عند الحد المذكور، فلم يعثر السياح على كتابة يونانية بعد البعد المذكور.
ويظهر من كتابة لحيانية وسمت ب M 28 إن رجلاً من لحيان كان قد زار المواضع: "صار" "صوأر"، و "نشور"، و "ربغ" "رابغ". والكتابة غامضة وزاد في غموضها وعسر فهمها سقوط كلمات مشها، لذلك لا يدرى ما المراد من ذكر هذه المواضع. هل أريد به استيلاؤه عليها وضمها إلى النبط ? أو أريد به توليه الجباية فيها ? أو هو زارها وتاجر معها ? وقد يستنتج منها إن هذه المواضع كانت من مدن اللحيانيين في ذلك العهد.
و "صار" "صاور"، موضع على الطريق بين الحجر ويثرب، وهو الموضع الذي ذكر في جغرافية "بطلميوس" باسم Assara=Asavara. وهو موضع لا يبعد كثيراً عن "الحجر". ويقع عند موضع "البدائع" الذي يبعد زهاء واحد وعشرين كيلومتراً جنوبي شرقي "العلا". وأما "نشأر" "نشير" فهو موضع ذكره "ياقوت الحموي" في معجم البلدان، ولم يعن مكانه، وأما "رابغ"، فموضع لا نستطيع إن نؤكد إنه "رابغ" الحالية، وان كانت التسمية واحدة.
ولسنا نعلم بعد كيف كانت نهاية حكومة لحيان، و من قضى عليها، وإلى أين ذهب اللحيانيون بعد سقوط مملكتهم الذي كان بعد الميلاد كما رأينا.
ويظهر إن قوماً منهم هاجروا إلى الجنوب، وأن قوماً منهم هاجروا إلى العراق فاستقروا بالحيرة، إذ نزلوا في موضع عرف باسمهم. وقد كانوا يتاجرون معها في أيام استقلالهم. ويظن إن موضع "السلمان" المعروف في البادية منسوب إلى الإلَه "سلمان" إله لحيان وربّ القوافل عندهم. وقد كان اللحيانيون ينزلون في طريقهم إلى العراق.
ولا يستبعد إن يكون القسم الأعظم منهم قد عاد إلى البادية، واندمج في القبائل، مفضلاً حياة البداوة على حياة العبودية و الفوضى، فاندمج في القبائل الأخرى على نحو ما حدث لغيرهم من الناس.
وقد عثر مزهرية في "تل أبو الصلابيخ" في جنوب العراق، وجدت عليها كلمة "برك آل" "برك ايل" "بارك ايل"، مدونة بقلم ذهب بعض الباحثين إلى إنه قلم لحياني. وذهب بعض آخر إلى إنه من قلم "المسند"، وأن أصحابها من العرب الجنوبيين.
وقد نسب أهل الأخبار "أوس بن قلام بن بطينة بن جميهر" إلى "لحيان" وهو من مشاهير أهل الحيرة، حكم الحرة أمداً. وقد يكون للحيان الذين ينسب "أوس" إليهم علاقة باللحيانيين الذين أتحدث عنهم.
وقد يكون "بنو لحيان" الذين يذكرهم أهل الأخبار، من بضة ذلك الشعب الساكن في "الديدان" أما اللحيانيون، فهم من "بني لحيان بن هذيل بن مدركة بن الياس بن مضر"، فهم عدنانيون، وقد كانوا ينزلون في شمال شرقي مكة. والظاهر إنهم لم يكونوا من القبائل القوية عند ظهور الإسلام، ولذلك لا نجد لهم ذكرا في أخبار ظهور الإسلام وفي أيام صدر الإسلام.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:13 PM
وكانت منازل "لجان" عند ظهور الإسلام في أرض جبلية. وقد غزاهم الرسول بغزوة عرفت بي "غزوة بني لحيان"، فاعتصموا برؤوس الجبال، وهجم الرسول على طائفة منهم على ماء لهم، يقال له الكدر، فهزموا، وغنم المسلمون أموالهم، وأرسل الرسول عليهم سرية بقيادة "مرثد بن كنان الغنوي" إلى "الرجيع"، فلقي بني لحيان، وقد قتل مرشد في المعركة، وذلك في السنة الرابعة من الهجرة.
وقد هجاهم "حسان بن ثابت" فرماهم بالغدر، وذكر موضعهم وهو "الرجيع"، و ذكر إنهم تواصوا بأكل الجار، فهم من أغدر الناس، و "دار لحيان" هي دار الغدر.
ويذكر الأخباريون إن "تأبط شراً" أتى جبلاً في "بلاد بني لحيان" " ليشتار منه عسلاً، ومعه جماعة، فخرج عليهم اللحيانيون، فهرب من كان مع "تأبط شراً"، فحاصره اللحيانيون، إلا إن "تأبط شراً" أزلق نفسه على جدران الجبل، فلم يلحقوا به، وهرب.
وقد عثر السياح في حوالي السنة 300 بعد الميلاد فما بعدها على كتابات عبرانية ونبطية في وادي "ديدان" تدل على إن قوماً من يهود وقوماً من النبط أو من جماعة كانت تتكلم النبطية كانت قد استوطنت في هذه الأرضين. وكان اليهود قد زحفوا إلى هذه الأرضين وأخذوا يستقرون فيها حتى وصلوا إلى يثرب. فلم ظهر الإسلام، كان معظم سكان وادي القرى إلى يثرب من اليهود.
وقد وجدت في الكتابات اللحيانية أسماء آلهة تعبدوا لها، في طليعتها الإلَه
"ذو غابت" "ذو غابة". وقد عثر على أنقاض معبد له في وسط خرائب المدينة. ووجد فيه آثار حوض للماء، يظهر إن المؤمنين كانوا يتوضأون به أو يغسلون مواضع من أجسامهم للتطهر قبل أداء الشعائر الدينية، كما عثر على اسم إلَه آخر عرف عندهم بي "سلمان"، ويظهر إنه كان يكنى "أبا ايلاف"، ويرى بعض الباحثين إنه إلَه القوافل، أي الإلَه الذي يحمل القوافل ويحرسها في ذهابها وإيابها، وذلك لأن إيلاف القوافل كان من واجب الآلهة، كما يقول هؤلاء الباحثون، مستدلين على ذلك بوضع "قريش" قوافلهم في حماية الآلهة، كما يفهم من آية: )لإيلاف قريش، إيلافهم رحلة الشتاء والصيف، فليعبدوا ربّ هذا البيت، الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف(.
وعثر على اسم إله هو "هانىء كاتب" "هني كتب" ومعناه "عبد كاتب" واسم إلَه آخر هو "ه -محر" "ها - محر" أي "المحر". وقد ذهب "كاسكل" إلى إن الإله "كاتب" هو في مقابل الإلهَ "توت" Thot عند المصريين، إلَه الحكمة.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:14 PM
الفصل الثالث و العشرون
السبئيون
لورود اسم سبأ في القرآن الكريم فضل ولا شك في جميع أهل الأخبار ما بقي في أذهان المسنين عن سبأ و السبئيين، فقد اضطر المفسرون إلى التقاط ما كان ورد عنهم من قصص وحكايات. وما كان القرآن ليشير إلى سبأ، لو لم تكن لهم قصة عند الجاهليين.
وسبأ عند الأخباريين اسم جدّ أولد أولاداً نسلوا، و كانت من ذرياتهم شعوب، و والده هو "يشجب بن يعرب بن قحطان"، و من أولاده قبائل كثيرة انتشرت في كل مكان من جزيرة العرب، قبل الاسلام و بعده، و إليه نسب نسله السبئيون. و قد زعموا أن اسمه الحقيقي ، هو "عبد شمس". و أما سبأ، فلقب لقب به، لأنه أول من سبأ، أي سن السبي من ملوك العرب و أدخل اليمن السبايا، و ذكر بعضهم أنه بنى مدينة "سبأ" و سدَّ مأرب، و أدخل اليمن السبايا، و ذكر بعضهم أنه بنى مدينة "سبأ" و سدَّ مأرب، و غزا الاقطار، و بنى مدينة "عين شمس" بإقليم مصر، و ولى ابنه "بابلون" "بابليون"، و قالوا أشياء أخرى من هذا القبيل .
وليس في النصوص العربية الجنوبية شيء عن نسب سبأ وعن هويته، وليس فيها شيء عن اسمه أو عن لقبه المزعوم، وكل ما ورد فيها إن سبأ اسم شعب، كوّن له مملكة، وترك عدداً كبيراً من الكتابات. وكان يتعبد لآلهة خاضعة به، وله حكام حاربوا غيرهم، إلى غير ذلك من أمور سوف يأتي الكلام عليها.
نعم، نشرت في كتاب REP. EPIG. صورة كتابة، ذكر أنها حفرت على نحاس، وهي في مجموعة P. Lamare، جاء فيها: "عبد شمس، سبأ بن يشجب، يعرب بن قحطان".
ولم تنشر الصورة "الفوتوغرافية" لأصل الكتابة، و انما نشرت كتابتها بالأحرف اللاتينية والعبرانية، ولم يبد المتخصصون رأياً في هذا اللوح وفي نوع كتابته وزمان الكتابة، لذلك لا أستطيع إن أبدي رأياً فيها، ما لم أقف على ذلك اللوح.
وأما حظ سبأ في الموارد التاريخية، فانه لا بأس به بالقياس إلى حظ الشعوب العربية الجاهلية الأخرى، فقد ورد ذكر السبئيين في التوراة وفي الكتب اليونانية واللاتينية وفي الكتابات الآشورية ، ويظن إن كلمة SA-Ba-A-A=Sabu الواردة في نص سومري يعود إلى Aradnanar "باتيسي" "لجش" Lagash "تلو" معاصر آخر ملوك "أور"، أي من رجال النصف الثاني من الألف الثالثة قبل المسيح، تعني أرض سبأ. ويرى "هومل" إن كلمة Sa-bu-um=Sabum التي وردت عند ملوك "أور" في حوالي سنة "2500 ق. م." إنما تعني Seba الواردة في العهد العتيق. و إذا صح إن Saba و Sabum سبأ و السبئيين، صارت هذه النصوص السومرية أقدم نصوص تأريخية تصل إلينا وفيها ذكر "سبأ"، ويكون السبئيون أول شعب عربي جنوبي يصك خبره إلينا، و نكون بذلك قد ارتقينا بسلالم تأريخهم إلى الألف الثالثة قبل الميلاد.
وذهب "هومل" إلى إن السبئيين هم من أهل العربية الشمالية في الأصل، غير إنهم تركوا موطنهم هذه، وارتحلوا في القرن الثامن قبل الميلاد إلى جنوب جزيرة العرب، حيث استقروا في منطقة "صرواح" و "مأرب" وفي الأماكن السبئية الأخرى. كانوا يقيمون على رأيه في المواضع التي عرفت ب "أريبي" "عريبي" "أريبو" في الكتابات الآشورية و ب "يارب" Jareb=Jarb في التوراة. ومن "يرب" "يارب" على رأيه جاء اسم "مأرب" عاصمة "سبأ". ويؤيد رأيه بما جاء في النص: Glaser 1155 الذي سبق إن تحدثت عنه من تعرض السبئيين لقافلة معينية في موضع، يقع بين "معان" و "رجمت" الواقع على مقربة من "نجران". وعنده إن هذا النص يشير إلى إن السبئيين كانوا يقيمون في أيام ازدهار حكومة معين في أرضين شمالية بالنسبة إلى اليمن، ثم انتقلوا إلى اليمن. ويرى في اختلاف لهجتهم عن لهجة بقية شعوب العربية الجنوبية دليلاً آخر على إن السبئيين كانوا في الأصل سكان المواطن الشمالية من جزيرة العرب، ثم هاجروا إلى الجنوب.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:18 PM
وقد ذكر العهد العتيق "شبا" "سبأ" تارة في الحاميين، وذكرهم تارة أخرى في الساميين. ففي الآية السابعة من الإصحاح العاشر من التكوين، وفي الآية التاسعة من الإصحاح الأول من أخبار الأيام الأول: إن "شبا" من "كوش بن حام"، فهم من الكوشيين، أي من الحاميين، على حين إننا نرى في الآية الثامنة والعشرين من الإصحاح العاشر من التكوين إنهم من الساميين. وبين الحاميين والساميين، فرق كبير كما هو معلوم. ثم إننا نرى إن التوراة قد جعلت "شبا" من ولد "يقطان" في موضع، وجعله من ولد "يقشان" في موضع آخر، و يقطان هو ولد من ولد "عابر" Eber. أما "يقشان" فهو ولد من أولاد "إبراهيم" من زوجه ""قطورة"، وفرق بين الاثنين.
و يرى علماء التوراة إن ذكر "شبا" و "سبا" تارة في الكوشيين أي الحامين، وتارة أخرى في اليقطانيين، أو في "اليقشانيين"، هو تعبير وكناية عن انتشار السهبئيين، ونزوح قسم منهم إلى السواحل الإفريقية المقابلة، حيث سكنوا قبها، وكونوا مستوطنات بها في "الأريتريا" وفي اّلحبشة وفي أماكن أخرى. ولهذا ميزتهم التوراة عن بقية السبئيين المقيمين في العربية الجنوبية بجعلهم من أبناء "كوش"، وميزت السبئيين المختلطين بقبائل "يقشان" برجع نسبهم إلى "يقشان"، وبذلك صار السبئيون ثلاث فرق بحسب رواية التوراة، لإنتشارهم و إقامة جماعات منهم في مواضع غريبة عن مواضهعهم، وذلك قبل الميلاد بالطبع بمئات من السنين.
وقد وصفت أرض "شبا" في التوراة بأنها كانت تصدر "اللبان"،وكانت ذات تجارة، وأن تجارها كانوا يتاجرون مع العبرانيين: "تجار شبا و رعمة هم تجارك، بأفخر أنواع الطيب، و بكل حجر كريم والذهب أقاموا أسواقك. حران وكنة وعدن تجار شبا وأشور وكلمد تجارك". واشتهرت قوافلها التجارية التي كانت ترد محملة بالأشياء النفيسة، وعرفت بثروتها وبوجود الذهب فيها. وقد قيل لذهبها "ذهب شبا". و يتبين من المواضع التي ورد فيها ذكر السبئيين في التوراة إن معارف العبرانيين عنهم قد حصلوا عليها من اتصالهم التجاري بهم، وهي محصورة في هذه الناحية فقط، فلا نجد في التوراة عن السبئيين غير هذه الأمور.
وقصة زيارة "ملكة سبأ" لسليمان، المدونة في التوراة، هي تعبير عن علم العبرانيين بالسبئيين، وعن الصلات التجارية التي كانت بينهم وبين شعب سبأ. ولم تذكر التوراة اسم هذه الملكة، ولا اسم العاصمة أو الأرض التي كانت تقيم بها. وقد ذهب بعض نقدة التوراة إلى إن هذه القصة هي أسطورة دونها كتبة التوراة، الغرض منها بيان عظمة ثروة سليمان وحكمته وملكه.
ورأى آخرون إن هذه المملكة لم تكن ملكة على ملكة سبأ الشهيرة التي هي في اليمن، وإنما كانت ملكة على مملكة عربية صغيرة في أعالي جزيرة العرب، كان سكانها من السبئيين القاطنين في الشمال. ويستدلون على ذلك بعثور المنقبين على أسماء ملكات عربيات، وعلى اسم ملك عربي، هو "يثع أمر" السبئي في النصوص الآشورية، في حين إن العلماء، لم يعزوا حتى الآن على اسم ملكة في الكتابات العربية الجنوبية، ثم صعوبة تصور زيارة ملكة عربية من الجنوب إلى سليمان و تعجبها من بلاطه وحاشيته وعظمة ملكه، مع إن بلاط "أورشليم" يكون إلا يكون شيئاً بالقياس إلى بلاط.، ملوك سبأ، ولهذا لا يمكن إن تكون هذه المملكة في نظر هذه الجماعة من علماء التوراة، إلا ملكة مملكة عربية صغيرة لم تكن بعيدة عن عاصمة ملك سليمان، قد تكون في جبل شمر أو في نجد، أو الحجاز.
وذهب بعض العلماء أيضاً إلى إن الغرض من هذه الزيارة لم يكن مجرد البحث عن الحكمة وامتحان سليمان، وإنما كان لسبب آخر على جانب كبير من الأهمية بالقياس إلى الطرفين، هو توفيق العلاقات التجارية وتسهيل التعامل التجاري بينهما.
وقد ذهب المؤرخ اليهودي "يوسفوس" إلى إن هذه الملكة كانت ملكة "أثيوبية" الحبشة ومصر، زاعماً إن Saba اسم عاصمة الأحباش، وأن اسم هذه المملكة Naukalis.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:49 PM
ونجد زعم "يوسفوس" هذا شائعاً فاشياً بين أهبل الحبشة، فهم يذهبون حتى اليوم إلى إن أسرتهم المالكة هي من سلالة سليمان وزوجه ملكة "شبا"، ويدعونها "ماقدة" Makeda. ولا أظن إن "يوسفوس" قد اخترع نفسه تلك القصة، بل لا بد إن يكون قد أخذها من أفواه قومه العبرانيين.
وقد وصف هذا المؤرخ زيارتها لقصر سليمان في "أورشليم"، وذكر إنها عادت إلى مملكتها بعد إن استمعت إلى حكم هذا الملك النبي. وهو يردد بذلك صدى ما جاء في التوراة من إن زيارة تلك الملكة إنما كانت لالتماس الحكمة منه.
ومهما قيل في أصل هذه القصة، وفي خبر المؤرخ "يوسفوس" عن الملكة، فإننا نستطيع إن نقول إنها ترجمة وتعبير عن الصلات التأريخية القديمة الاقتصادية والسياسية التي كانت بين سبأ والحبشة، وعن أثر السبئيين في الأحباش من جهة وبين هذا الفريق والعبرانيين من جهة أخرى، رمز إليها بهذه القصة التي قد تكون زيارة في حقاً، أدهشت العبرانيين، أدهشتهم من ناحية ما شاهدوه من ثراء الملكة وثروتها، حتى أدخلوها في التوراة للإشادة بعظمة سليمان وما بلغه من مكانة وثراء وسلطان.
لقد أدهشت هذه المملكة السبئية "سليمان" حين جاءت مع قافلة كبيرة من الجمال تحمل هدايا وألطافاً من اًثمن المواد الثمينة بالقياس إلى ذلك العهد، و إذا كانت هذه الزيارة قد تمت من العربية الجنوبية حقاً، فلا بد إنها تكون قد قطعت مسافة طويلة حتى بلغت مقر "سليمان" في حوالي السنة "950 ق. م.".
و إذا أخذنا بحديث التوراة عن تجار "شبا" "سبأ"، وعن قوافل السبئيين التي كانت تأتي بالذهب وباللبان وبأفخر أنواع الطيب إلى فلسطين، وذلك في أيام "سليمان" وقبل أيامه أيضاً، وجب رجع زمان هذه القوافل إذن إلى الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك لأن زيارة الملكة: ملكة سبأ لسليمان، كانت في حوالي السنة "950 ق. م."، ومعنى هذا إن السبئيين كانوا إذ ذاك من الشعوب العربية الجنوبية النشيطة في ذلك العهد. وقد كانوا أصحاب تجارة وقوافل وأموال لا يبالون ببعد الشقة وطول المسافة، فوصلوا بتجارتهم في ذلك الزمان إلى بلادة لشام.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:56 PM
وقد قص القرآن الكريم قصة زيارة ملكة "سبأ" لسليمان دون إن يذكر اسم المملكة، غير إن المفسرين والمؤرخين وأهل الأخبار ذكروا إنها "بلقيس" وأنها من بنات التبابعة، وقد صيرها بعضهم "بلقيس بنت ايليشرح"، أو "بلقمة ابنة اليشرح"، أو "بلقيس بنت ذي شرح بن ذي جدن بن ايلي شرح بن الحارث بن قبس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، وهي "بلقيس ابنة الهدهاد بن شرحبيل"، إلى غير ذلك من أقوال. وأرى إن الذين جعلوا اسم والدها الهدهاد، إنما أخذوا ذلك من "الهدهد" الطير الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، والذي نقل نبأ ملكة سبأ إلى سليمان. وقد كان الهدهاد على زعمهم في عداد ملوك اليمن، وجعلوا سليمان ملكاً على اليمن كذلك، جعلوا ملكه على إليمن ثلاثمائة وعشرين سنة، وجعلوا لملك "بلقيس" وحدها مئة وعشرين سنة، إلى غير ذلك من أقوال.
وقد صير "ابن دريد" اسم بلقيس "بلقمة"، وأوجد تعليلاً لهذه التسمية فقال: إنها من "اليلمق"، و اليلمق القباء المحشو، ويقال إنه فارسي معرب.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "بلقيس" لم تكن متزوجة حين قدمت على سليمان، فقال لها "سليمان": لا تصلح امرأة بلا زوج، فزوجها من "سدد بن زرعة"، وهكذا صيروا أمر مملكة سبأ كله بيد سليمان، حتى أمر اختيار زوج لها.
ويرى بعض الباحثين إن ما جاء في التوراة عن السبئيين، لا يعتمد على موارد أصلية ومنابع موثوقة، بل أخذ من موارد ثانوية، ولهذا فإن في الذي جاء في مما عنهم يحملنا على اعتباره مادة كدرة، ليس فيها صفاء.
وقد ذكر السبئيون في المؤلفات اليونانية واللاتينة، وأقدم من ذكرهم من اليونان "ثيوفراستس". والمعلومات التي أوردها عنهم وعن جزيرة العرب وان كانت ساذجة ذات طابع خرافي في بعض الأحيان، إلا إن بعضاً منها صحيح، وقد أخذ من أقوال التجار، ولا سيما تجار الإسكندرية الذين كانوا يستقبلون السلع من العربية الجنوبية وإفريقية، ومن قصص النوتيين الذين كانوا يسلكون البحر الأحمر، و يصلون إلى العربية الجنوبية وسواحل إفريقية والهند للاتجار. وهي قصص سطحية تميل إلى المبالغات
وإلى الأطماع السياسية التي أظهروها تجاه جزيرة العرب، تلك الأطماع التي جعلتهم يسلكون مختلف الطرق لحصول على معلومات عن بلاد العرب، وحالة سكانها ومواطن الضعف التي لديهم للولوج منها في بلادهم، ولتحقيق مطامع استعمارية رمت ابتلاع جزيرة العرب. ولذلك اعتبروا ما يحصلون عليه من أخبار عن هذه البلاد من أسرار الدولة التي لا يحوز إفشاؤها ولا عرضه للناس، وهي قد جمعت أضابير وخزنت في الإسكندرية، لم يسمح إلا لبعض الخاصة من العلماء الثقات الاستفادة منها.
ويعود غالب عمنا بأحوال السبئيين إلى الكتابات السبئية التي عثر عليها في مواضع متعددة من العربية الجنوبية، ولا سيما في الجوف مقر السبئيين. وهي أكثر عدد من الكتابات المعينية و القتبانية والحضرمية وغيرها. وهي تشاركها في قلة عدد المؤرخ منها.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:57 PM
وقد أرخ قسم من النصوص المؤرخة بأيام حكم سبأ أو بأيام أصحاب الجاه والنفوذ. ولذلك صعب على الباحثين تثبيت تواريخها حسب التقاويم الحالية المستعملة عندنا، لعدم علمهم بأيام حكمهم و بشخصياتهم، وصار تقديرهم لها تقديراً غير مؤكد ولا مضبوط، بتقويم حمير الذي يبدأ عادة بحوالي السنة "115" قبل الميلاد، أو السنة "109" قبل الميلاد على بعض الآراء. فان من السهل علينا تثبيت زمنها بالنسبة لسني الميلاد، وذلك بطرح الرقم "115" أو "109" من التقويم الحميري، فيكون التأريخ من السنين التأريخ حسب التقويم الميلادي بصورة تقريبية.
ومبدأ تقويم حمير هو السنة التي تلقب بها ملوك سبأ بلقب جديد، هو لقب
"ملك سبأ وذو ريدان". وهو لقب يشير إلى حدوث تطور خطر في حكم ملوك سبأ، إذ يعنى ذلك إن ملوك سبأ أضافوا إلى ملك سباً ملكاً. جديداً، هو أرض "ذو ريدان"، أرض الريدانيين، وهم الحميرين، فتوسع بذلك ملكهم، وزاد عدد نفوسهم، فأرخوا بسنة التوسع هذه، واعتبروها مبدأ لتقويم. والعلماء الباحثون في تأريخ سبأ، هم الذين استنبطوا إن هذا المبدأ هو في حوالي السنة "115" أو "109" قبل الميلاد
ويلاحظ إن السبئيين لم يهملوا بعد أخذهم بمبدأ التقويم الحميري، التوريخ بالطريقة القديمة المألوفة وأعني بها التوريخ بالأشخاص وبالحوادث الجسام بالسبة لأيامهم. حتى الملوك أرخوا بعض كتاباتهم على وفق هذه الطريقة، وأرخوا البعض الآخر وفقاً للتقويم الحميري الجديد. مما يدل على إنهم لم يتمنوا من اهمال الطريقة القديمة لشيوعها بين الناس. ولدينا أسماء عدد من الأسر والأشخاص أرخت بهم الكتابات السبئية المؤرخة. مثل: "آل حزفر" "حزفرم" و "آل يهسحم" "يهسحم" و "سالم بن يهنعم" و"آل خليل" وغيرهم. وهي تواريخ محلية، لذلك تنوعت وتعددت، ويؤيد ذلك أنا نجد الملك يؤرخ بجملة أشخاص. ولما كان من الصعب الاستمرار بالتأريخ على وفق هذه الطريقة، إذ الحوادث الجديدة تطمس ذكر الحوادث القديمة، كانت التواريخ تتبدل بهذا التبدل، فينسى الناس القديم ويؤرخون بالجديد، وهكذا. وقد حرمنا هذا التغير الفائدة المرجوة من تأريخ الحوادث.
وقد تبين من الكتابات السبئية إن لقب حكّام سبأ، لم يكن لقباً ثابتاً مستقراً بل تبدل مراراً، وأن كل تبدل هو لتبدل الحكم في سبأ ود*********ه في عهد يختلف عنوانه عن العهد القديم. ولذلك صار الحكم أدواراً، واضطر المؤرخون المحدثون إلى التأريخ بموجبها، فدور أول، وهو أقدم أدوار الحكم لقب حكامه فيه: "مكرب سبأ"، ثم دور تالٍ له صار اللقب فيه: "ملك سبأ". ثم دور. آخر تغير فيه عنوان الملك فصار: "ملك سبأ وذو ريدان". وقد وقع في حوالي السنة "115" أو "109" قبل الميلاد. جاء بعده دور جديد صار اللقب الرسمي فيه على هذا النحو: "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت واليمن و أعرابها في المرتفعات وفي التهائم"، وهو آخر دور من أدوار الحكم في سبأ و خاتمة الأدوار.
وبفضل الكتابات السبئية حصلنا على شيء من العلم بأصول الحكم في سبأ وبما سأكتبه و بما كتبه غيري عنهم. وبفضل البقية الباقية من آثار خرائب مدنهم وقراهم ومستوطناتهم استطعنا تكوين إلمامة عن فنهم وعن العمران عنهم، وعن نظم الري والزراعة لديهم وغير ذلك مما سأتحدث عنه. ولولا تلك الكتابات ولولا هذه البقية من الآثار لما صار في إمكاننا الكلام عنهم إلا بإيجاز نحل. وكلنا أمل بالطبع في إن تتبدل الأيام،
فتنعم العربية الجنوبية بالاستقرار، وبرجال ذوي عقول مستقلة نيرة، تفهم روح الوقت و تبدل الزمن فتأمر بنبش الأرض لاستنباط ما هو مدون في باطنها من كنوز روحية ومادية، وعندئذ يستطيع من يأتي بعدنا إن ينال الحظ السعيد بالكتابة عن تلك البلاد كتابة تجعل كتابتنا الحالية شيئاً تافهاً قديماً بالياً تجاه ما سيعثر عليه من جديد. و إني أرجو له منذ الآن الموفقية والنجاح، لأني وان كنت قد دخلت إذ ذاك في باطن الأرض، فصرتُ تراباً ضائعاً بين الأتربة، غير إن لي رجاء وأملاً لا ينقطعان ولا ينتهيان بموت، هو رجاء الكشف عن الماضي الميت و بعثه ونشره وحشره من جديد.
إننا لا زلنا مع ذلك في جهل بنواح عديدة من نواحي الحياة في الممالك العربية الجنوبية التي تكونت في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية. نواح تتعلق بالقوانيين و لأصول التشريع، و بالحياة الاجتماعية و بالحياة الدينية أو الفنية، بل و في عدد من حكم تلك الممالك و في ترتيبهم و أعنالهم و ما قاموا به، و بصلات أولئك الحكام ببقية جزيرة العرب الجنوبية الجاهلي و ان تقدمت في خلال السنين المتأخرة، و لكنها لا تزال مع ذلك في بدء مراحلها و هي تجري ببطء و تؤدة.
ملاك الشرق
20-04-2010, 01:59 PM
المكربون
لقب أقدم حكام سبأ، بلقب "مكرب" في الكتابات السبئية، و في هذا اللقب معنى "مقرب" في لهجتنا، و تدل اللفظة على التقريب من الآلهة، فكان "المكرب" هو مقرب أو وسيط بين الآلهة و الناس، أو واسطة بينها و بين الخلق.
وقد كان هؤلاء "المقربون" "المكربون" في الواقع كهاناً، مقامهم مقام "المزاود" عند المعينين و "شوفيط" Shopet، و جمعها "شوفيطيم" عند العبرانيين، أي "القضاة". و جاء في كتب اللغة: "كرب الامر يكرب كروباً: دنا، يقال كربت حياة النار، أي قرب انطفاؤها، و كل شيء دنا، فقد كرب.
قال أبو عبيد: كرب، أي دنا من ذلك وقرب، وكل دان قريب فهو كارب. وورد: الكروبيون سادة الملائكة، منهم جبريل وميكائيل، و اسرافيل هم المقربون، والملائكة الكروبيون أقرب الملائكة إلى العرش. فللفظة معنى التقريب حتى في عربيتنا هذه: عربية القرآن الكريم.
المكربون
لقب أقدم حكام سبأ، بلقب "مكرب" في الكتابات السبئية، و في هذا اللقب معنى "مقرب" في لهجتنا، و تدل اللفظة على التقريب من الآلهة، فكان "المكرب" هو مقرب أو وسيط بين الآلهة و الناس، أو واسطة بينها و بين الخلق.
وقد كان هؤلاء "المقربون" "المكربون" في الواقع كهاناً، مقامهم مقام "المزاود" عند المعينين و "شوفيط" Shopet، و جمعها "شوفيطيم" عند العبرانيين، أي "القضاة". و جاء في كتب اللغة: "كرب الامر يكرب كروباً: دنا، يقال كربت حياة النار، أي قرب انطفاؤها، و كل شيء دنا، فقد كرب.
قال أبو عبيد: كرب، أي دنا من ذلك وقرب، وكل دان قريب فهو كارب. وورد: الكروبيون سادة الملائكة، منهم جبريل وميكائيل، و اسرافيل هم المقربون، والملائكة الكروبيون أقرب الملائكة إلى العرش. فللفظة معنى التقريب حتى في عربيتنا هذه: عربية القرآن الكريم.
و قد قدّر "ملاكر" Mlaker حكم المكربين بحوالي قرنين ونصف قرن، إذ افترض إن حكم المكرب الأول كان في حوالي السنة "800 ق. م،"، وجعل نهاية حكم المكربين في حوالي السنة "650 ق. م.". وفي حوالي هذا الزمن استبدل - على رأيه - بلقب مكرب لقب "ملك"، وانتهى بهذا التغيير في اللقب دور المكربين.
وقدّر غيره حكم المكربين بزهاء ثلاثة قرون، فجعل مبدأ حكمهم في حوالي السنة "750 ق. م."، ونهاية حكمهم في حوالي السنة "450 ق. م."، وجعل بعض آخر في مبدأ حكم المكربين في القرن العاشر أو القرن التاسع قبل الميلاد. وقد تمكن العلماء من جمع زهاء سبعة عشر مكرباً، وردت أسماؤهم في الكتابات العربية الجنوبية، وكانوا يقيمون في عاصمة سبأ القديمة الأولى مدينة "صرواح". وقد رتب أولئك العلماء أسماء المكربين في مجموعات، وضعوا لها تواريخ تقريبية، لعدم وجود تواريخ ثابتة تثبت حكم كل ملك بصورة قاطعة، ولذلك تباينت عندهم التواريخ وتضاربت، فقدم بعضهم تأريخ الآسرة الأولى، بأن وضع لحكمها تأريخا يبعد عن الميلاد أكثر من غيره، و قصر آخرون في التأريخ، و اخروا، و كل آرائهم في نظري فرضيات لا يمكن ترجيح بعضها على بعض في هذا اليوم.
و قد يأتي يوم يكون في الامكان فيه تثبيت تواريخهم بصورة قريبة من الواقع، استنادا إلى الكتابات التي سيعثر عليها و علاى دراسة الخطوط و تقدير أعمار ما يعثر عليه و تحليل محتوياته بالأساليب الآثارية الحديثة التي تقدمت اليوم كثيراو ستتقدم أكثر من ذلك في المستقبل من غير شك.
ويعد المكرب "سمه على" أقدم مكرب وصل إلينا اسمه. ولا نعرف اللقب الذي كان بلقب به، ومن عادة حكام العربية الجنوبية من مكربين وملوك اتخاذ ألقاب يعرفون بها، ومن هذه الألقاب نستطع التفريق بينهم. ولا نعرف شيئاً كذلك من أمر والده. وقد جعل "فلبي" مبدأ حكمه بحدود عام "800" قبل الميلاد في كتابه "سناد الإسلام" وبحدود سنة "820" قبل الميلاد في المقال الذي نشره في مجلة Le Museon.
وتعد الكتابة الموسومة ب Glaser 1147، من كتابات أيام هذا المكرب. وهي كتابة قصيرة مكتوبة على الطريقة الحلزونية Boustrophedon كأكثر كتابات أيام المكربين، ولقصرها ونقصها لم نستفد منها فائدة تذكر في الوقوف على شيء من حياة هذا المكرب.
وقد عد "كلاسر" الكتابة الموسومة ب Glaser 926 من كتابات أيام هذا المكرب، وتابعه على ذلك "فلبي". وهي من الكتابات المدونة على الطريقة الحلزونية Boustrophedon، وقد كتبت عند إنشاء بناء، وصاحبها "صبحم بن يثع كرب فقضن". وقد ورد فيها اسم "سبأ" و "مرب" أي مدينة "مأرب" و "فيش" "فيشان"، ووردت فيها لفظة "فراهو" أي "سيدة"، قبل اسم "سمه على" الذي كان يحكم شعب "سبأ" في ذلك العهد، ودونت في النص أسماء الآلهة: عثتر، و "المقه" و "ذت بعدن"، على العادة المألوفة في التيمن بذكر أسماء الآلهة في الكتابات، ثم التيمن بذكر اسم الحاكم من مكرب أو ملك يوم تدوين الكتابة.
والنص المذكور ناقص يكمله النص الموسوم ب CIH 955، على رأي بعض ا لباحثين.
%271 1
و للمكرب المذكور و لد اسمه "يدع آل ذرح"، حكم على رأي "فلبي" حوالي سنة "800 ق.م." و قد عثر عدد من الكتابات من أيامه، منها الكتابة التي وجدت في "حرم يلقيس" "محرم بلقيس"، وميزت عن غيرها بعلامة: Glaser 484 وقد ورد فيها إن هذا المكرب أقام جدار معبد "أوم" "أوام" المخصص بعبادة "المقه" "اوم بيت المقه" إلَه "سبأ". وقد قدم القرابين لهذه المناسبة إلى الإلَه "عثتر"، وذكر الإله "هبس" "هوبس"،وتشبه هذه الكتابة شبهاً كبيراً كتابة أخرى وسمت ب Glaser 901 ل "يدع آل ذرح" أيضاً، وقد أخبر "يدع آل ذرح" فيها إنه سور "بيت المقه" وهو معبد الإله بمدينة "صرواح"، وأنه قرّ ب ثلاثة قرابين لهذه المناسبة إلى الآلهة "حرمتم" "حرمة" "حرمت" "حريمت". و يرى "هومل" إن هذه الإلهة هي زوج الإلَه "المقه" إلهَ سبأ.
والنصان: Glaser 1109 و Glaser 1108، يرجعان إلى المكرب "يدع آل ذرح" كذلك، وقد أخر فيها إنه عني بتعمير معبد "المقه" وأضاف أجزاء جديدة إليه، وذكر في أحدهما الإلهَان المقه و عثتر، و ذكر في الأخر الآلهة: عثتر، والمقه، وذات حميم.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:01 PM
وعثر على كتابة أخرى في موضع "المساجد"، بمأرب، تبين منها إن هذا المكرب تقرب إلى إله سبأ الإلَه "المقه" ببناء معبد له.
وتعود الكتابات Af. 17 , Af. 23 , Af. 24 , Af. 38 إلى هذا المكرب كذلك، وهي من الكتابات التي عليها أحمد فخري المصري الذي أمَّ اليمن عام "1917 م". وتعود الكتابة Cih 633 إلى أيامه أيضاً.
وتدل هذه الكتابات على إن "المكرب" المذكور قد اهتم كثيراً ببناء معبد "أوّام" في مأرب، المعبد الذي يعرف بين أهل المنطقة باسم "محرم بلقيس" و بإضافة زيادات عليه وبترميمه أيضاً. وأغلب الظن إنه لم يكن هو الباني له، و إنما كان موجوداً ومبنية قبله، غير إن الباحثين لم يتمكنوا من العثور على اسم بانيه حتى الآن، لأن أعمال الحفر فيه لم تتم بصورة علمية واسعة فيه حتى الآن. والكتابة التي سجلها المكرب الذكور لم تشر إلى بناء المعبد كله، بل أشارت إلى أجزاء معين منه وهي لا تزال تحمل اسمه، وهناك كتابات أخرى تحمل اسمم حكام سبأ من مكربين و ملوك ووجهاء من أضافوا أبنية جديدة إلى هذا المعبد، أو قاموا بإصلاح ما حدث فيه من خلل بمرور السنين.
وقد ذهب "فلبي" إلى إن هذا المكرب كان قد حكم في حوالي سنة "800 ق. م.". و ذهب "فون وزمن" إلى إن حكمه كان في حوالي القرن الثامن قبل الميلاد. أما "البرايت"، فيرى إن حكمه كان في أواسط النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد، أو في أوائله، وثبت آخرون حكمه بحوالي السنة "750 ق. م.".
وكان ل "يدع آل فرح" ولد اسمه "سمه علي ينف"، ورد اسمه في الكتابة CIH 636، وهي كتابة ناقصة سقط أعَثر ما دوّن فيها. ولم يذكر "هومل" اسمه في القائمة التي صنعها لمكربي "سبأ". ولم يذكره "فلبي" كذلك في كتاب 9"سناد الإسلام". غير إنه ذكر اسمه في القائمة التي نشرها في مجلة، Le Museon، وجعله المكرب الثالث، أي إنه وضعه بعد "يدع آل ذرح" والده مباشرة، وجعله مكرباً. ولم ترد في النص المذكور كلمة "مكرب" بعد اسم "سمه علي ينف" و إنما ذكرت بعد اسم "يدع أل ذرح"، وهذا يعني إن هذه الكلمة، وهي "مكرب"، ليست ل "سمه على"، و إنما تخص الأقرب إليها، وهو "يدع آل ذرح".
قد ورد اسم "سمهه علي" بعد اسم "يدع آل" و قبل اسم "يثع أمر" في الكتابة المعروفة
ب Glaser 694. ولم ترد فيها نعوتهم، و لا كلمة "مكرب" التي هي الدلالة الرسمية المنبئة بتبوئهم الحكم.
وقد وضع "فلبي" الكتابتين المرقمتين CIH 368 و CIH 371 في جملة الكتابات من أيام المكرب "سمه علي ينف"4 أما الكتابة الأولى، فصاحبها "عم أمر بن أب أمر ذيبرن"، أي من عشيرة "يبرن" "يبران"، ولعله كان سيداً من ساداتها. وكان من المقربين ل "سمه علي" ولشقيقه "يثع أمر" ولعله كان من ندمائها، بدليل ورود جملة "مودد سمه علي ويثع أمر" في النص، أي أنه كان من المتوددين اليهما، وتعبر لفظة "مودد" عن منزلة رفيعة عند السبئيين تضاهي منزلة "نديم" عند العرب الشماليين.
وقد دوّن "عم أمر" تلك الكتابة عند بنائه بيته "مردعم" "مردع" في مدينة "منيتم" "منيت" "منية". وأما الكتابة الثانية فصاحبها "عم أمر بن أب أمر"، وهو من عشرة أخرى اسمها "ذ لخدم" "لخد"، ويظهر انه كان من أشرافها، فهو شخص آخر يختلف عن الشخص الأول، وان اشتركا في الاسم. ولم يرد في هذه الكتابة الثانية اسم أي مكرب من المكربين. لذلك لا أستطيع أن أضيف هذه الكتابة الثانية إلى أيام "سمه على". والذي حمل "فلبي -" على إضافتها إلى أيام هذا المكرب هو كون اسم صاحب الكتابتين واحداً، فطن انهما رجل واحد، وان صاحب الكتابتين واحد أيضاً، ولورود اسم "سمه على" و "يثع أمر" في النص الأول، أضاف النص الثاني إلى stop النصوص من ايام المكربين. ولو انتبه إلى إن كل واحد منهما هو من قبيلة تختلف عن القبيلة الأخرى، لما أضاف الكتابة الثانية إلى أيام المكربين المذكورين.
وأشار "فلبي" إلى اسم ولد من أولاد "سمه على ينف" سماه "يدع آل وتر" ولم يشر إلى انه كان مكرباً، وذكر انه حصل على اسمه من النصوص Af. 86, 91 92.
ونب "فلبي" زمن تدوين النصوص: Cih495, Cih 493, Cih 492, Cih490 إلى عهد "يثع أمر وتر"2 أما النص Cih490 فقد وضع ناشره و محققه لفظة "ملك" بعد اسم "يثع أمر"، وذلك بإكمال الحرفين الباقيين من الكلمة المطموس آخرها، الواردة بعد "وتر"، وهما "الميم" و "اللام". فإذا كانت القراءة صحيحة، انصرف الذهن عن "يثع أمر وتر" هذا إلى "يثع أمر" آخر يجب أن يكون ملكاً على سبأ. وان كانت القراءة مغلوطة، كان يكون أصلها المطموس لفظة "مكرب"، جاز حينئذ أن يكون "يثع أمر" هو "يثع أمر وتر" المذكور الذي قصده "فلبي". وتتضمن هذه الكتابة خبراً يفيد إن "يثع أمر وتر بن يدع ايل ذرح" جدد بناء معبد الإلهَ "هبس" "هوبس". وقد عثر عليها في الموضع المسمى ب "الدبر" "دبر" في الزمن الحاضر. و يرى "هومل" إن "دبر" "دابر"، هو اسم قبيلة، و قد بنت معبداً بأسمها، و قد جدد بناءه هذا المكرب:يثع أمر وتر".
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:03 PM
وقد ورد اسم "دبر" في كتابات أخرى، ولهذا ذهب "هومل" إلى أنه اسم المعبد المذكور: معبد الإله "هوبس"، و هذه الكتابة من القرن الثامن قبل الميلاد في رأي بعض الباحثين، ومعنى هذا أن حكم هذا المكرب السبئي "يثع أمر وتر" كان قد بلغ ارض معين في هذا في هذا العهد.
وأما النص Cih 492، فهو نص قديم أيضاً، كتب على الطريقة الحلزونية الشائة بيب السبئيين في أيام المكربين.وصاحبه رجل اسمه "حيم بن بعثتر رحضن"، أي من "آل رحضان" "رحاض"، وقد قدم إلى الآلهة "ذات حميم" نذراً لعافيته ولعافية بنته وأولاده. ولكننا لا نجد فيه أي تصريح أو تلميح إلى اسم المكرب "يثع أمر وتر" أو إلى أبيه.
ُأما النص "cih 493"، فصاحبه رجل اسمه "حيم بن عم يدع"، من "آل قدران" "ذ قدرن" فهو امرؤ لا ملة له بصاحب النص المتقدم: Cih 492. وقد ورد في النص اسم ""يدع أيل" و "يثع امر"، ولم يذكر فيه نعت الرجلين.
ومن الجائز إن كون "يدع ايل" و "يثع أمر" المذكوران هما المكربان اللذان نبحث عنهما، أي المكرب الوالد وابنه، و من الجائز ايضا ألا يكونا هما، فهنالك فجوات لا نعرف عمقها في تأريخ سبأ، قد تكون فيها خبايا من أسماء مكربيين وملوك. وأعتقد إن اسم "حيم" هو الذي حمل "فلبي" على حشر النص السابق بن النصوص التي ظن إن لها علاقة بالمكرب "يثع أمر وت"ر"، على اعتبار إن الرجلين رجل واحد، ولكن الواقع أنهما شخصان مختلفان.
و أما النص Cih 495، فصاحبه "حيم بن عم يدع" من "آل قدرن"، أي صاحب النص Cih 493 المذكور، ولذلك أضافه "فلبي" إلى النصوص التي لها صلة بالمكرب "يثع أمر وتر". ولم يرد في هذا النص اسم هذا المكرب ولا اسم أبيه، ولعلهما سقطا في جملة ما سقط من اسطر وكلمات.
وقد وضع "هومل" اسم "يدع أل بين" "يدع ايل بين" بعد اسم "يثع أمر وتر" ليكون المكرب التالي له، وهو - على رأيه - ابنه وخليفته سنة من بعده. ومن أهم أعماله المذكورة في الكتابات، تحصينه وتقويته أبراج مدينة
نشق" من مدن المعينيين. ويدل ذلك على إن هذه المدينة كانت قد دخلت في ممتلكات السبئيين، في زمن لا نعرفه، قد يكون في أيام هذا المكرب وقد يكون قبل ذلك. وان السبئيين كانوا يتبعون خطة التوسع بالتدرج حتى ابتلعوا مملكة "معين". وقد رأيت إنهم كانوا قد استولوا على قرية "دبر" "دابر"، وحصنوها، واتخذوها قاعدة حصينة للإغارة منها على الجوف وعلى المعينيين. ويرى بعض الباحثين إن استيلاء المكرب المذكور، كان في أواسط القرن الثامن قبل الميلاد. وقد أمر ب*********طة تلك المدينة بسور، وقد توسعت رقعتها، إلا إنها لم تْلبث إن انفصلا من السبئيين، ثم عاد السبئيون فاستولوا عليها، في أيام المكرب والملك "كر"ب ايل وتر".
و حكم بعد "يدع ايل بين" المكرب "يثع أمر"، على رأي "هوملَ"، ولم يشر إلى نعته. ويرى "هومل" احتمال كونه ابناً ل "يدع ايل بين" أو شقيقاً له.
أما "فلبي"، فيرى إن "يثع أمر" هو أحد أولاد "سمه على ينف" "سمه على ينوف"، وهو شقيق "يدع ايل بين".
وقد ورد اسمه في النص CIH 563، فيكون بذلك - على رأيه - ابن شقيق "يدع ايل"، لا ابنه. وذكر "فلبي" إنه عرف ب "يثع أمر وتر" وجعله معاصراً للملك سرجون.
و النص CIH 563، مكتوب على الطريقة "الحلزونية"، ويتألف من جملة اسطر، وقد ورد فيه نعت "يثع أمر"، وهو "وتر".
وقد ورد في كتابة من كتابات الملك "سرجون" الثاني "722 -705 ق. م." إنه تسلم هداية من عدد من الملوك، من جملتهم "يثع أمر" It-'Amra Mat Sa-Ba'-ai "Iti'Amra" " السبئي، والممللكة "شمس" ملكة "اريبي" "عريبي". وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن "يثع أمر" المذكور في نص "سرجون" هو "مكرب" سبأ هذا الذي نتحدث عنه. غير إن النص لم يحدد مكان حكم ذلك الملك السبئي، ولهذا ذهب ملك آخر إلى احتمال كونه أحد الملوك السبئيين الحاكمين في شمال جزيرة العرب على مقربة من البادية في أعالي الحجاز أو نجد مثلاً، أو في الأرض الواقعة في المناطق الجنوبية من لأردن
وكان "هومل" ممن يرون إن "يثع أمر" المذكور في نص "سرجون" هو أحد الملوك السبئيين الحاكمين على قبيلة سبئية في شمال جزيرة العرب، غير أنه غير رأيه هذا، وجعل "يثع أمر" هو "يثع أمر" الذي نبحث فيه، أي مكرب سبأ، وذلك عندما عثرت بعثة ألمانية على كتابة للملك "سنحريب" "سنحاريب"، جاء فيها: إنه تناول هدية من ملك سبئي، هو "كرب ايلو" "كرب ايل"، فتيقن عندئذ إن الرجلين المذكورين اللذين قدّما الهدايا، هما المكربان: "يثع أمر" و "كرب ايل".
ولا أجد في تلك الهدايا علامة على خضوع سبأ لحكم الآشوريين، إذ أستبعد بلوغ نفوذ الآشوريين في ذلك الزمن إلى أرض اليمن. ولو كان الآشوريون قد استذلوا السبئيين اليمانيين وحكموهم لذكروا اسمهم في جملة الأمم التي استعبدوها. والرأي عندي إن تلك الهدايا هي مجرد تعبير عن الصداقة التي كانت تربط بين آشور وسبا، خاصة وأن بين اليمن والعراق تجارة مستمرة قديمة ومواصلات متصلة، فلتوطيد الصداقة بين الحكومتين وتسهيل التبادل التجاري بين العراق واليمن أرسل حكام سبأ تلك الهدايا، كما فعل أهل مكة وهم قوم تجار فيما بعد، فقد كانوا يتوددون للاكاسرة ولملوك الحيرة بإرسال الهدايا النفيسة لهم، لكسب ودّهم في تسهيل أمور تجارتهم مع أسواق العراق.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:04 PM
و إذا أخذنا برأي من يقول إن يثع أمر" المذكور في نص "سرجون"، هو "يثع أمر" الذي نبحث فيه، يكون إرسال الهدايا والألطاف إلى "سرجون" في حوالي السنة "715 ق. م.". وقد قدر "فلبي" حكمه بحوالي عشرين سنة، وجعله من حوالي سنة "720" حتى سنة "700 ق. م.".
و تولى الحكم بعد "يثع أمر وتر" ابنه المكرب "كرب أيل بين". وقد ذكر اسمه في الكتابة Cih 627، وهي كتابة قصيرة ناقصة، ورد فيها اسم "كرب ايل بين" ومعه اسم والده "يثع أمر"، و لم يذكر فيها نعت "يثع أمر" وهو "وتر"، وذكرت بعد اسم "يثع أمر" كلمة "مكرب سبأ". وورد اسمه. واسم أبيه "يثع أمر" في كتابات أخرى، ذكرت في بعضها لفظة "وتر"، بعد "يثغ أمر". وذكرت في بعض آخر كلمة "مكرب"، و لم تذكر في غيره.
وقد ورد في الكتابة Cih 634: إن "كرب ايل بين" وسع حدود مدينة "نشق" بمقدار ستين "شوحطاً"، وحسن المدينة.
وورد في أخبار "سنحريب" إنه تسلم هدايا من "كرب ايلو" Ka-ri-bi-lu ملك سبأ، من جملتها أحجار كريمة وعطور. و قد ذهب الباحثون في هذا الموضوع إلى إن هذا السبئي، الذي قدّم الهدايا إلى ملك آشور، هو "المكرب كرب آل بين" الذي نبحث عن سيرته. وإن كان النص الآشوري قد نعته ب "ملك". وذلك لأن الآشوريين لم يكونوا على علم بألقاب حكام سبأ، فلقبوة بلقب "ملك".
وقد جعل "هومل" أسمم "كرب ايل بين" في آخر المجموعة الأولى من مجموعات مكربي سبأ، ووضع إلى جنبه اسم "سمه على ينف"، وصارت مجموعه هذه بذلك على هذا النحو: 1 - سمه على "دون نعت".
2 - يدع ايل ذرح.
3 - يثع أمر وتر.
4- يدع ايل بين.
5 - يثع أمر "لا يعرف نعته".
6 - كرب ايل "بين" و "سمه على ينف"، ولعله كان يشارك شقيقه "كرب ايل بين" في الحكم.
وولى الحكم بعد "كرب ايل بين" ابنه المكرب "ذمر على وتر"، واليه تعود الكتابة الموسومة ب Halevy 349، وقد جاء فيها: إن هذا المكرب أمر بتوسيع مدينة "نشقم"، أي "نشق"، و باصلاح الأرضين المحيطة بها، وبتحسين نظم الري فيهما، وذلك فيما وراء الحد الذي وضعه أبوه لهذه المدينة، وانه قد جعل ذلك وقفاً على شعب سباً.
ويظهر من عناية المكربين بمدينة "نشق"، وهي مدينة معينية في الأصل، إن السبئيين وجدوها أرضاً خصبة غنية و مهمة بالنسبة إليهم، وقد صارت خراباً، فقرروا إصلاح ما تخرب منها، واستصلاح أرضها لإسكان السبئيين فيها، ووسعوا في حدودها، وأصلحوا ما تداعى ووهن من نظم الري فيها، ووزعوا الأرضين الزراعية منها على أتباعهم السبئيين،وحولوها بذلك إلى مدينة سبئية. وقد كانت الشعوب القديمة تتبع هذه السياسية، حيث كانت تستقطع الأرض من المدن التي تفتحها، وتعيها أفرادها، للسكن فيها و لإعمارها وللهيمنة على أهل المدينة لأصليين
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:05 PM
وقد جاء في إحدى الكتابات: إن هذا المكرب أمر بتجديد ما تلف وتداعى من معبد الإله "عثتر"، و إصلاحه. ولم يرد فيها ذكر اسم الموضوع الذي كان فيه ذلك المعبد، كما جاء اسمه في كتابة أخرى دوّنها قيل "قول" كان يحكم قبيلة "يهزحم" و "يزحم".
وتولى بعد المكرب "ذمر على" ابنه المكرب "سمه على ينف" "سمه على ينوف" الحكم. وقد ذكر اسمه في كتابات عدة من أهمها كتابة تشير إلى تعمير هذا المكرب سد "رحبم" "رحاب" للسيطرة على مياه الأمطار والاستفادة من السيول. وهو جزء من المشروع المعروف به "سد مأرب" الذي نما على مرور الأيام، وتوسع حتى كمل في زمن "شهر يهرعش" في نهاية القرن الثالث للميلاد، فصارت تستفيد منه مساحة واسعة من الأرض. وقد بقي قائماً إلى قبيل الإسلام، وعدّ سقوطه نكبة كبيرة من النكبات التي أصابت العربية الجنوبية، حتى ضرب بسقوطه المثل، فقيل: "تفرقوا أيدي سبأ"، ذلك لأن سقوطه أدى إلى تفرق السبئيين، وإلى هجرهم من بلادهم التي ولدوا فيها وإلى تفرقهم شذر مذر في البلاد.
تخبر الكتابة الموسومة ب Glaser 514 إن المكرب "سمه على ينف" ثقب حاجزاً من الحجر، وفتح ثغرة فيه لمرور المياه منها إلى سد "رحبم" "رحاب"، لتسيل إلى منطقة "يسرن" "يسران"، وهي منطقة ورد اسمها في كتابات عديدة، و كانت تغذيها مسايل و قنوات عديدة تأتي بالماء من حوض هذا السد، وتبتلع ماءها من مسيل "ذلة" وهو من المسايل الكبيرة، فتغذي أرضاً خصبة لا تزال على خصبها، ومن الممكن الاستفادة منها فائدة كبيرة باستعمال الوسائل الحديثة في إيجاد المياه.
وكتابة هذا المكرب، هي أقدم وثيقة وصلت إلينا عن سدّ "مأرب"، إنها شهادة مهمة تشير إلى مبدأ تأريخ هذا السد، ولكنني لا أستطيع إن أقول إن السدّ كان من تفكر هذا المكرب وعمله، وانه أول من شق أساسه ووضع بني إنه، فقد يكون السد من عمل أناس غيره حكموا قبله، وما المشروع الذي أقامه هذا المكرب إلا تتمة لذلك المشروع القديم.
إن هذه "لكتابة هي وثيقة ترجع تأريخ السدّ إلى جملة مئات من السنين سبقت الميلاد. ترجعه إلى حوالي السنة "750 ق. م." على رأي بعض الباحثين.
وقد ورد اسم هذا المكرب في عدد من الكتابات أكثرها متكسرة.
وسار المكرب "يثع أمر بين" على سنة أبيه المكرب "سمه علي ينف" في العناية بأمور الري، فأدخل تحسينات كبيرة على سد مأرب، وأنشأ له فروعاً جديدة، ففتح ثغرة في منطقة صخرية لتسيل منها المياه إلى أرض "يسرن" "يسران"، وزاد بعمله هذا في التحكم والسيطرة على مياه السيول، وفي تسخير الطبيعة لخدمة الإنسان، وعمل على تعلية سدّ "رحيم" "رحاب" القديم وتقويته، فوسع بذلك الأرضين الزراعية، وزاد في ثروة أهل "مأرب" الذين زاد عددهم، حتى تغلب على عدد سكان "صرواح" عاصمة المكربين، وتمكنت "مأرب" بذلك من منازعة هذه العاصمة، إلى إن تغلبت عليها، فصارت العاصمة للسبئيين ومقر حكام سبأ، وصاحبة معبد "المقه" إله سبأ الكبير.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن المكرب "سمه علي ينف" والمكرب "يثع أمر بين" كانا المؤسسين الأصليين لسدّ مأرب. ويرجعون زمانهما إلى القرن السابع قبل الميلاد، فيكون إنشاء السد إذن في هذا الزمن على رأي هؤلاء الباحثين.
وقد استمر من جاء بعدهما في إصلاحه وفي إضافة زيادات إليه وفي توسيعه وترميمه، إذ أصيب مراراً بتلف اضطر الحكومات إلى إصلاحه. وقد أشر في الكتابات إلى تهدم جزء منه في سنة "450 ب. م." وسنة "542 ب. م." وقد كان آخر ترميم و إصلاح له في أيام "أبرهة". والظاهر أن تلفاً أصابه بعد ذلك فيما بين السنة "542ب. م." والسنة "570ب. م."، فلم يصلح فترك الناس مزارعهم، واضطروا إلى الهجرة منها، والى ذلك وردت الإشارة في القرآن الكريم.
والى هذا المكرب تعود الكتابة الموسومة بسمة Philby 77، وقد جاء فيها: أنه سوّر وحصن قلعة "حرب" "حريب". ويشير تحصين المدن و بناء القلاع والتوسع في الأرضين، التي تعود إلى شعوب أخرى مثل، قتبان ومعين، إلى توسع السبئيين في عهد المكربين، والى اتخاذ هذه الحصون مواقع هجومية تشب منها جيوشهم على جيرانهم الذين أصاب حكوماتهم الضعف والهزال.
ملاك الشرق
20-04-2010, 02:09 PM
وقد هاجهم هذا المكرب القتبانيين كما يظهر من كتابة عثر عليها في مأرب، فقتل شهم زهاء أربعة آلاف جندي في عهد ملك قتبان الملك "سمه وتر"، ثم هاجم مملكة "معن"، ولا نعرف الخسائر التي لحقت يالمعينيين، للكسر الذي في الكتابة غير آن الظاهر يدل على انه انتصر عليهم، ثم عقب ذلك إخضاع القبائل والمدن التي لم تكن خاضعة لسبأ حتى أرض "نجران". و قد أوقع ب "مهأمرم" "مهامرم" و "أمرم" "امرم" خسائر كييرة، فقتل منها في المعارك التي نشبت قرب "نجران" زهاء خمسة وأربعين ألف رجل، وأسر "63" ألف أسير وغنم واحداً وثلاثين ألف ماشية، وأحرق ودمر عدداً من قراها ومدنها.
وذكر ص********* الكتابة أن من المدن التي أحرقت مدينة "رجمت" "رجمة" مدينة "لعذرايل" ملك "مهامرم" "مهأمرم". والظاهر أن هذه المدينة، كانت عاصمة الملك. وأحرقت أيضاً اكثر قرى هذه المملكة ومدنها وجميع المدن بين "رجمت" "رجمة" "رجمات" و "نجران".
وقد ذكر "الهمداني" موضعاً سماه "رجمة" في اليمن،
وهو اسم يذكرنا بمدينة "رجمت" "رجمة". وقد يكون هو المكان المذكور.
وقد قام المكرب "يثع أمر بين".أعمال عبرانية عديدة. منها بناؤه بابين لمدينة "مأرب"، وتحصينه للمدينة ببروج بناها من "البلق" نوع من الحجر. وقد بنى "مرشوم" ومعبد "نسور"، ومعبد "علم"، ومعبداً في "ريدن" "ريدان"، ومعبداً آخر لعبادة "ذات بعدن" "ذات بعدان" في "حنن" "حنان"، وبنى "عدمن" "عدمان" وعدة أبنية بإزاء باب معبد "ذهبم" "ذهب"، وحفر مسيل "حببض" "حبابض"، و وسع مجرى "رحبم" "رحاب"، وعمقّه حتى غذّى مناطق واسعة جديدة من "يسرن" "يسران" ، وبنى سد "مقرن" "مقران"، وأوصل مياه "مقران" إلى "أبين"، وكذلك سد "يثعن" "يثعان" حيث أوصل مياهه إلى "أبين"، وسد "منهيتم" "منهيت" و "كهلم" "كهل" الواقع مقابل "طرقل".
هذه الأعمال الهندسية التي قام بها هذا المكرب وأسلافه من قبله، للاستفادة من مياه الأمطار،هي من المشروعات الخطيرة التي ترينا تقدم أهل العربية الجنوبية في فن الري والاستفادة من الأمطار في تحويل الأرض اليابسة إلى جنان. ولسنا نجد في التأريخ القديم إلا ممالك قليلة فكرت في مثل هذه المشروعات وفي التحكم في الطبيعة للاستفادة منها في خدمة الإنسان. لقد حوّل هذا السد ارض "أذنة" أو "ذنة" إلى جنان ترى آثارها حتى الآن. إنها مثل حي يرينا قدرة الإنسان على الإبداع متى شاء واستعمل عقله و سخر يده. وليست هذه القصص والحكايات التي رواها الأخباريون عن سد "مأرب" وعن جنان سبأ باطلاً، إنها صدى ذلك العمل العربي الكبير.
وقد ظل حكام سبأ الذين حكموا من بعدهما يجرون إصل*********ت، و يحدثون إضافات على سد مأرب، و يرممون ما يتصدع منه كما يظهر ذلك من الكتابات. وقد تعرض مع ذلك للتصدع مراراً، وكان آخر حدث مهم وقع له هو التصدع الذي حدث فيه سنة "542ب. م."
وذلك في أيام أبرهة.
ويظهر إن تصدعاً آخر وقع له بعد هذه السنة، فأتى عليه، و اضطر من كان يزرع بمائه إلى ترك أرضهم، والهجرة منها إلى ارضين جديدة.
ويظهر من كتابة ناقصة إن هذا المكرب أنشأ أبنية في مدينة "مأرب"، وقد أخذت عناية حكام سبأ بهذه المدينة تزداد، إلى إن صارت مقرهم الرسمي، وبذلك أخذ نجم "صرواح" في الأفول إلى إن زال وجودها.
وذكر اسم هذا المكرب في كتابة أخرى دونت عند تشييده "مذبحاً" عند باب "نومم" ".وم"، لاحتفاله بموسم الصيد المسمى باسم إلاله "عثتر" "صيد عثتر". ولا نعرف اليوم شيئاً عن هذا الصيد الذي خصص باسم الإلهَ "عثتر" لأن الكتابة قصيرة وعباراتها غامضة، ولكن يظهر منها إن مكربي سبأ كانوا يحتفلون في مواسم معينة للصيد، وانهم كانوا يجعلون صلة بينه وبين الآلهة، ولعلهم كانوا يفعلون ذلك تسمياً بأسماء تلك الآلهة، لتبارك لهم فيه، ولتمنحهم صيداً وفيراً. وقد عثر على كتابات حضرمية و غيرها، لها صلة بالاحتفالات التي كانت قام للصيد.
وذكر في كتابة قصيرة اسم "يثع أمر بن سمه على"، فلم تعطنا شيئاً جديداً يفيد في استخراج مادة تاريخية منها.
وقد وضع "فلبي" اسم "ذمر علي ينف" "ذمر علي ينوف" بعد اسم المكرب السابق في قائمته لأسماء المكربين التي نشرها في مجلة: Le Museon. وأبوه، هو "يكرب ملك وتر"، أما "هومل"، فوضع اسم "ذمر علي" بعد اسم "يثع أمر بين"، وأشار إلى إنه غر متيقن من اسم أبيه، وذكر إن من المحتمل إن يكون أبوه المكرب "يثع آمر بين".
وقد ورد في النص: AF. 70 اسم "يكرب ملك وتر". لم يشر إلى إنه كان مكرباً. وقد دوّن "فلبي" أرقام عدة نصوص، لها - على رأيه - صلة ب "ذمر علي". منها النص: CIH 491، وهو نص سقطت منه أسطر وكلمات، ووردت فيه أسماء الآلهة "هبس" "هوبس" و "المقه" و "عثتر" و "ذت حمم" "ذات حمم". وأسماء: "كرب آل" و "ذمر علي" و "الكرب" و "نشاكرب" "كبراقين" أي "كبير أقيان".
ويعدّ "كرب ايل وتر" خاتمة المكرببن وفاتحة الملوك في سبأ. افتتح حكمه وهو "مكرب" على سبأ، ثم بدا له فغير رأيه في اللقب، فطرحه، ولقب نفسه "ملك سبأ". وسار من حكم بعده على سنته هذه، فلقب نفسه "ملك سبأ" إلى إن استبدل فيما بعد أيضاً به لقب "ملك سبأ وذي ريدان" كما سنرى فيما بعد.
أما إذا سألنا عن كيفية حصولنا على علمنا بأن "كرب ايل وتر" بدء حكمه مكرباً ثم ختمه ملكاً، فجوابنا: أننا حصلنا عليه من الكتابات المدوّنة في أيامه، فقد وجدنا إن لقبه في الكتابات القديمة الأولى هو "مكرب"، فعلمنا إنه تولى الحكم مكرباً، ثم وجدنا له لقباً آخر هو "ملك سبأ"، فعرفنا إنه لقب جديد حلّ محل اللقب القديم، ثم وجدنا من جاء بعده يحمل هذا اللقب الجديد، فصار "كرب ايل وتر" آخر مكرب و أول ملك في سبأ في آن واحد.
و يرجع "فلبي" زمان حكم "كرب آل وتر" إلى حوالي السنة "620" حتى "600 ق. م.".
وقد زعم إنه حكم من "620" حتى سنة"610 ق. م." مكرباً، ثم حكم السنين الباقية ملكاً. ورأى بعض آخر إنه حكم في نهاية القرن الخامس قبل الميلاد، وذهب بعض أخر في التقدير مذهباً يخالف هذين التقديرين.
وقد كان "كرب ايل وتر" كما يتبين من بعض الكتابات التي دونت في أيامه مثل الكتابة الموسومة بكتابة "صرواح" و كتابات أخرى سأشير إليها في أثناء البحث محارباً سار على خطة المكرب "يثع أمر بين" في التوسع وفي القضاء على الحكومات العربية الجنوبية الأخرى أو إخضاعها لحكمه و لحكم السبئيين، بل زاد عليه في توسيع تلك الحروب، وفي إضافة أرضين جديدة إلى سبأ، زادت في رقعتها وفي مساحة حكومة السبئيين، ولكنها أنزلت خسائر فادحة بالأرواح، وأهلكت الزرع والضرع والناس في العربية الجنوبية، وان كان قد قام من ناحية أخرى بأعمال عمرانية و بإصلاح ما تهدم وخرب، فان الحرب ضرر،ينزل بالخاسر و بالرابح على حد سواء. وما الربح في هذه الحروب إلا للملوك وللمقربين إليهم من أقرباء وصنائع
ملاك الشرق
21-04-2010, 12:53 PM
وكتابة "صرواح" التي أشرت إليها، هي من أخطر الوثائق التأريخية القديمة التي تتعلق بأخبار سبأ وبأعمال هذا المكرب الملك، دوّن فيها "كرب ايل وتر" كل ما قام به من أعمال حربية وغير حربية، فهي إذن سجل سطرت فيه بإيجاز أعمال المكرب الملك وأفعاله. ولذلك فهي بحق من الوثائق المهمة الخطرة القليلة التي وصلت إلينا في تأريخ الحكام الجاهليين، افتتحها بجملة: "هذا ما أسر بتسطيره كرب ايل وتر بن ذمر على مكرب سبأ عندما صار ملكاً، وذلك لإلهَه المقه ولشعبه شعب سبأ"، تعبيراً عن شكره له ولبقية الآلهة على نعمها وآلائها وتوفيقها له بأن صيّرته ملكاً، وأنعمت على شعبه بالمنن و البركات، بأن نحر ثلاث ذبائح إلى الإلَه "عثتر"، إظهاراً لشكره هذا وتقرباً إليه، وكسا صنمى الإلهين: "عثتر" و "هوبس" "هبس"، تقرباً إليهما وشكراً لهما على نعمهما عليه. ثم انتقل إلى تمجيد آلهته التي وحدت صفوف شعبه بأن جعلت أتباعه كتلة واحدة متراصة كالبنيان المرصوص، أدى واجبه على أحسن وجه، وقام بما عليه خير قيام،
لا فرق في ذلك بن كبير وصغير، وبين طبقة وطبقة. ثم انتقل بعد هذا الحمد والثناء إلى حمد آْخر و ثناء جديد سطره لآلهته إذ باركت في أرضه وأرض شعبه، ووهبت أرض سبأ مطراً سال في الأودية، فأخذت الأرض زخرفها بالنبات،و إذ مكنته من إنشاء السدود، وحصر السيول حتى صار في الإمكان اسقاء الأرضين المرتفعة، و إحياء الأماكن التي حرما الماء، كذلك إحياء أرضين واسعة بإنشاء سد لحصر مياه الأمطار يتصل بقناة "عهل" لسقي "ماودن" "مأودن" و الأرضين الأخرى التي لم تكن المياه تصل إليها، فوصلت إليها بامتلاء حوض السدّ بالماء، حتى سقت "موترم" "موتر" التي جاءها الماء من "هودم" "هوديم" "هودي"، و بإنشائه مسايل أوصلت المياه إلى "ميدعم" "ميدع" و "وتر" و "وقه"، ونظم الري في "ريمن" "ريمان" حتى صارت المياه تسقي كل أرض.
وانتقل "كرب ايل وتر"، بعد ما تقدم إلى التحدث عن حروبه وانتصاراته، فأشار إلى إنه غلب "سادم" "سأد" و "نقبتم" "نقبت" "نقبة"، وأحرق جميع مدن "معفرن" "المعافر"، و قهر "ضبر" و "ضلم" "ضلم" و "أروى" وأحرق مدنهم، وأوقع فيهم فقتل ثلاثة آلاف، وأسر ثمانية آلاف، وضاعف الجزية التي كانوا يدفعونها سابقاً، وفي جملتها البقر والماعز.
ملاك الشرق
21-04-2010, 12:54 PM
ثم انتقل إلى الكلام على بقية أعماله، فذكر إنه أغار على "ذبحن ذ قشرم" "ذبحان ذو قشر" وعلى "شركب" "شرجب"، وتغلب عليها، فأحرق مدنهما، واستولى على جبل "عسمت" "عسمة" وعلى وادي "صير"، وجعلهما وقفاً لألمقه ولشعب سبأ، وهزم "أوسان" في معارك كلفتها ستة عشر ألف قتيل و أربعين ألف أسير، وانتهبت جميع "وسر" من "لجاتم" "لجأتم" حتى "حمن" "حمان"، وأحرقت جميع مدن "انفم" "أنف" و "حمن" "حمان" و "ذيب"، و نهبت "نسم".
ويرى بعض الباحثين إن "لجيت" "لجيأت" "لجيأة"، هو موضع "لجية" في الزمن الحاضر، وأن "حمن" هو موضع يقع على مدخل "وادي حّمان"، أو الموضع المسمى ب "هجر السادة".. وأما "وسر"، فإنها أرض "مرخة" أو جزء منها.
و أصيبت الأرضون التي تسقى بالمطر وهي "رشأى" و "جردن"، بهزيمة منكرة، ونزل بأرض "دئينة" ما نزل بغيرها من هزائم منكرة، وأحرقت مدنها وهتكت مدينة "تفض" واستبيحت ثم دمرت وأحرقت، و نهبت قراها وبساتينها التي تقع في الأرضين الخصبة التي تسقى بماء المطر، وفعلت جيوشه هذا الفعل في الأرضين الأخرى إلى إن بلغت ساحل البحر فأحرقت أيضاً كل المدن الواقعة عليه.
ويظهر من نص "كرب ايل" إن موقع مدينة "تفض"، يجب إن يكون بين أرض "دتنت" والبحر. ولما كانت "دهس" تتاخم "عود" من جهة و "تفض" من جهة أخرى، ذهب بعض الباحثين إلى إن أرض "دهس" هي أرض "يافع" في الزمن الحاضر. أما "تفض"، فأنها الخرائب الواسعة المتصلة بمدينة "خنفر". وقد عرفت "يافع" ب "سروحمير" في أيام "الهمداني". ولا زال أهل يافع يرجعون نسبهم إلى حصر.
وتكوّن الهضاب الواقعة وراء دلتا "أبين" أرض "يافع" في الوقت الحاضر. وقد رأى "فون وزمن" إن "دهس" "دهسم" التي يرد اسمها في النص: Rep. Epig. 3945، هي أرض "يافع".
وذكر "كرب ايل وتر" إنه ضرب "وسر" ضربة نكراء و استولى على كل مناطقها إلى أن بلغ أرض "أوسان" في أيام ملكها "مرتم" "مرتوم"، "مرتو"، "مرت"، "مرة"، فأمر جنوده بأن يعملوا في لشعبها أوسان السيف، واستذل رؤساءه، وجعل رؤساء "المزود" "المسود" وهم رؤساء البلد، رقيقاً للآلهة "سمهت" و قرابين لها، وقرر إن يكون مصير ذلك الشعب الموت والأسر،
وأمر بتحطيم قصر الملك "مرتوم" "مرتم" "مرة" المسمى "مسور" "مسر"، ومعالم ما فيه من كتابات اوسانية، وازالة الكتابات الأوسانية التي كانت تزين جدران معابد اوسان، ولما تم له كل ما أراده ورغب فيه، أمر بعودة الجيش السبئي، من أحرار وعبيد من أرض اوسان ومن المقاطعات التابعة لها، إلى ارض سبأ، فعادة إِليها كما صدر الأمر.
وتذكر الكتابة: إن الملك "كرب ايل" أمر عندئذ بضم "سرم" "سرو" سروم" وتوابعها، وكذلك "حمدن" "حمدان" و لواحقها، إلى حكومة سبأ، و سلم ادارة "سرم" إلى السبئيين، وأحاط المدينة بسور، و أعاد الترع والقنوات و مسايل الماء إلى ما كانت عليه. وأما "دهسم" "دهس" و "تبنى" فقد حلت بسكانها الهزيمة، وقتل منهم ألفا قتيل وأسر خمسة آلاف أسر، وأحرقت أكثر مدنها، وأدمجتا ومعهما مقاطعة "دثينة" "دثنت"، في سبأ. أما مقاطعة "عودم" "عود"، فقد أبقيت لملك "دهسم" "دهس". وقد عدّ "العوديون" الذين انفصلوا عن أوسان حلفاء لسبأ، فأبقيت لهم أملاكهم و الأرضون التي كانت لهم.
وكانت "عود" من أرض "أوسان" في الأصل، ثم خضعت ل "مذحي" "مذحيم". ويرى بعض الباحثين إنها "عوذلة" في الزمن الحاضر.
وجاء في هذه الكتابة، وبعد الجملة المتقدمة: إن "انفم" "أنف" وكل مدنها وجميع ما يخصها من أرضين زراعية وما في مما من أودية ومراعي، وكذلك كل أرض "نسم" و "رشاي" "رشأي" وكل الأرضين من "جردن" "جردان" إلى "فخذ علو" و "عرمو"، وكذلك جميع المدن والنواحي التابعة ل "كحد" و "سيبن" "سيبان" والمدن "اتّخ" "أتخ" و "ميفع" و "رتحم" وجميع منطقة "عبدن" "عبدان" ومدنها وجنودها أحراراً وعبيداً، و "دثينة أخلفو" و "ميسرم" "ميسر" و "دثينة تبرم" "دثينة تبر" "وحرتو" وكل المدن والأودية والمناطق والجبال و المراعي في منطقتي "دث" "داث" وكل أرض "تبرم" "تبرم" وما فيها من سكان وأملاك وأموال حتى البحر، وكذلك كل المدن من "تفض" إلى اتجاه "دهس" والسواحل وكل بحار هذه الأرضين، ومناطق "يل أي" و "سلعن" "سلعان" و "عبرت" "عبرة" و "لبنت" "لبنة" ومدنها ومزارعها، وجميع ما يملكه "مرتوم" ملك أوسان وجنوده في "دهس" و "تبنى" و "يتحم" وكذلك "كحد حضنم" "كحد حضن"، وجميع سكان هذه المناطق من أحرار ورقيق وأطفال و كبار، كل هذه من بشر وأملاك جعلها "كرب ابل وتر" ملكاً لسبأ ولآلهة سبأ.
ويظن إن موضع "ميسرم" "ميسر"، وهو من مواضع ارض "دثينة" هو ارض قبيلة "مياسر" في الزمن الحاضر. وقد ذكر بعض السياح إن في أرض "مياسر" سبع آبار ترتوي منها القبيلة المذكورة التي تقطن ارض "دثينة القديمة.
ولفظة "سيبن" "سيبان" الواردة في النص، هي اسم قبيلة، ورد ذكرها في نص متأخر جداً عن هذا النص، هو نص "حصن غراب". و معنى ذلك إنها من القبائل التي ظلت محافظة على كيانها إلى ما بعد الميلاد. فقد أشير إلى "كبر" "كبراء" وإلى "أقيال" "سيبان". وورد "سيين ذ نصف" أي "سيبان" أصحاب "نصف" "نصاف". ويرى بعض الباحثين إن موضع "نصاف" "نصف"، هو الموضع الذي يقال له "نصاب" في الزمن الحاضر.
و اما "ميفع" "ميفعة"، فتقع في الزمن الحاضر في غرب "وادي نصاب" وفي غرب وادي "خورة". واما "رتح" "رتحم"، فهو اسم قبيلة واسم مدينة في ارض "سيبان". وقد ذكر أيضاً في جملة القبائل التي وردت أسماؤها في نصى "حصن غراب".
ملاك الشرق
21-04-2010, 12:56 PM
و أما "عبدن" "عبدان"، فانه اسم موضع يقع في جنوب "نصاب" في الزمن الحاضر. وقد قال فيه "كرب أيل" في نصه: "وكل ارض عبدان ومدنها وواديها وجبلها ومراعيها وجنود عبدان احراراً وعبيداً". معبراً بذلك عن تغلبه على كل أهل هذه الأرض من مدنيين وعسكر، حضر وأهل بادية ومراعٍ.
وقد صير "كرب ايل وتر" كل ارض "عبدن" "عبدان" ارضاً حكومية، وتقع في الزمن الحاضر في سلطنة "العوالق العليا"، و يلاحظ إن "وادي عبدان" ما زال حتى اليوم بقراه وبمياهه من ارض السلطان، أي إنه أرض حكومية تخص السلطنة.
واستمر "كرب أيل وتر" مخبراً في كتابته هذه: إنه سجل جميع "كحد" وكل سكانها من أحرار ورقيق بالغين وأطفالاً، وكل ما يملكونه، القادرين على حمل السلاح منهم، وجنود "يل أي" و "شيعن" و "عبرت" "عبرة" وأطفالهم، غنيمة لسبأ. ثم ذكر أنه نظراً إلى تحالف ملك حضرموت الملك "يدع ايل" وشعب حضرموت مع لشعب سبأ في هذا العهد ومساعدتهم له، أمر بإعادة ما كان لهم من ملك في "أوسان" إليهم، وأمر بإعادة ما كان للقتبانيين ولملك قتبان من ملك في "أوسان" إليهم كذلك، للسبب نفسه. فأعيدت تلك الأملاك إلى الحضارمة وإلى القتبانيين.
ثم عاد "كرب ايل" فتحدث عن عداء أهل "كحد سوطم" لسبأ وعن معارضتهم له، فقال: إنه أمهر جيشه بالهجوم عليهم، فأنزل بهم هزيمة منكرة وخسائر جسيمة، فسقط منهم خمس مئة قتيل في معركة واحدة، واخذ منهم ألف طفل أسير وألقي حائك ما عدا الغنائم العظيمة والأموال النفيسة الغالية وعدداً كبيراً من الماشية وقع في أيدي السبئيين.
وتحدث "كرب ايل" بعد ذلك عن "نشن" "نشان"، وقد عارضته كذلك وناصبت " العداء، فذْكر إنها أصيبت بهزيمة منكرة، فاستولت جيوشه عليها، و أحرقت كل مدنها ونواحيها وتوابعها، ونهبت "عشر" و "بيحان" وكل ما يخصها من أملاك وارضين. وذكر إن "نشان" "نيشان" عادت فرفعت راية العصيان للمرة الثانية، لذلك هاجمها السبئيون و حاصروها وحاصروا مدينة "نشق" معها ثلاثة أعوام، كانت نتيجتها ضم "نشق" وتوابعها إلى دولة سبأ، وسقوط آلف قتيل من "نيشان" "نشان" "نشن" وهزيمة الملك "سمه يفع" هزيمة منكرة، وانتزاع كل ما كانت حكومة سبأ قد أجرته من أرضين ل "نشن" و إعادتها ثانية إلى سبأ، وتمليك مملكة سبأ المدن: "قوم" و "جوعل"، و "دورم" و "فذم" و "أيكم"، وكل ما كان ل "سمه يفع" ول "نشن" من ملك في "يأكم" "ياكم"، وكذلك كل ما كان لمعبد الأصنام الواقع على الحدود من أملاك وأوقاف حتى "منتهيتم"، فسجلها باسمه وباسم سبأ.
وصادرت سبأ أرض "نشن" الزراعية وجميع السدود التي تنظم الري فيها، مثل، "ضلم"، و "حرمت"، وماء "مذاب" الذي كان يمون "نشن" وأماكن أخرى بالماء، وسجلت ملكاً لسبأ، وخرب سور "نشن" ودمره حتى أساسه. أما ما تبقى من المدينة، فقد أبقاه، ومنع من حرقه. وهدم قصر الملك المسمى "عفرو" "عفر"، وكذلك مدينته "نشن". وفرض كفارة على كهنة آلهة المدينة الذين كانوا ينطقون باسم اللآلهة، ويتكهنون باسكما للناس، وحتم على حكومة "نشن" إسكان السبئيين في مدينتهم وبناء معبد لعبادة إِلَه سبأ الإلهَ "المقه" في وسط المدينة، وانتزع ماء "ذو قفعن" و أعطاه بالإجارة ل "يذمر ملك" ملك "هرم" "هريم"، وانتزع منها كذلك السدّ المعروف ب "ذات ملك وقه" وأجره ل "نبط على" مللك "كمنه" "كمنا"، ووسع حدود مدينة "كمنه" "كمنا" من موضع سدّ "ذات ملك وقه" إلى موضع الحدود حيث النصب الذي يشير إليه، وسوّر "كرب ايل" مدينة "نشق" وأعطاها سبأ لاستغلالها، وصادر "يدهن" و "جزيت" و "عربم"، وفرض عليها الجزية تدفعها لسبأ.
وانتقل "كرب ايل" بعد هذا الكلام إلى الحديث عن أهل "سبل" و "هرم" "هربم" و "فنن"، فذكر إن هذه المدن غاضبته و عارضته، فأرسل عليها جيشاً هزمها، فسقط منها ثلاثة آلاف قتيل، وسقط ملوكها قتلى كذلك، وأسر منهم خمسة آلاف أسير، وغنم منهم خمسين و مئة ألف من الماشية، وفرض الجزية عليهم عقوبة لهم، ووضعهم تحت حماية السبئيين.
وكان آخر من تحدث عنهم "كرب ايل" في كتابته هذه أهل "مهامر" "مه أمر" "مها مرم" "مهأمر"، و "أمرم" "أمر"، فذكر انه هزمهم وهزم كذلك كل قبائل "مه امرم" "مهأ مرم"، و "عوهبم" "عوهب" "العواهب"، حيث تكبدوا خمسة آلاف قتيل، وأسمر منهم اثني عشر آلف طفل، وأخذ منهم عدداً كبيراً من الجمال والبقر والحمير والغنم يقدر بنحو مئتي آلف رأس، وأحرقت كل مدن "مه أمرم" وسقطت "يفعت" "يفعة"، فدمرت وصادر "كرب أيل" مياه "مه أمرم" في "نجران" و فرض على أهل "مه أمر" الجزية يدفعونها لسبأ.
وقد قص "كرب ايل وتر" في كتابة "صرواح" المسماة ب Glaser 1000B أسماء المدن المذكورة والمقاطعات المحصنة التي استولى عليها، وسجل بعضها باسمه وبعضاً آخر باسم حكومة سبأ و بآلهة سبأ. ومن هذه: "كتلم" و "يثل"، و "نب"، و "ردع" "رداع"، و "وقب"، و "اووم" "أوم"، و "يعرت" "يعرتم"، و "حنذفم" "حنذ فم" "حنذف"، و "نعوت ذت فددم" "نعوت ذات فدد"، و "حزرام" "حزرأم"، و "تمسم" "تمس"، وهي مواضع كانت مسورة محصنة بدليل ورود جملة: " وسور وحصن..." بعدها مباشرة.
وأما المواضع التي أمر "كرب ايل وتر" بتسويرها وبتحصينها، فهي: "تلنن" "تلنان" و "صنوت" و "صدم" "صدوم" و "ردع" "رداع" و "ميفع بخجام" "ميفع بخبأم"، و "محرثم" ومسيلا الماء المؤديان إلى "تمنع" وحصن وسور "وعلن" "وعلان" و "مثبتم" "موثبتم" و "كمدر" "كدار"، وذكر بعد ذلك إنه أمر بإعادة القتبانيين إلى هذه المدن، لأنهم كانوا قد تحالفوا مع "المقه" إله سبأ و "كرب ايل" ومع شعب سبأ، أي إنهم كانوا في جانبهم، فأعادهم إلى المواضع المذكورة مكافأة لهم على ذلك.
ثم عاد "كرب ايل"، فذكر أسماء مواضع أخرى استولى عليها وأخذها باسمه، هي: مدينة "طيب"،
ملاك الشرق
21-04-2010, 12:57 PM
وقد أخذها من "عم وقه ذ امرم" "عموقه ذ أمرم"، وأخذ منه أيضاً أملاكه وأمواله في "مسقى نجى"، وفي "افقن" "افقان" و ب "حرتن" "حرتان"، وجبله ومراعيه وأوديته الآتية من "مرس" وكل المراعي في هذا المكان. ثم ذكر إنه أخذ من "حضر همو ذ مفعلم" "حضر همو ذو مفعل"، وهو من الأمراء الإقطاعيين على ما يظهر، هذه المواضع: "شعبم" "شعب"، والأودية، والمراعي التابعة ل "مشرر" إلى موضع "عتب"، ومن "ابيت" "أبيت" إلى "ورخن" و "دعف" وكل الأملاك في "بقتت" و "دنم" "دونم"، فأمر بتسجيلها كلها باسمه، وأمر كذلك بتسجيل "صيهو" باسمه، واشترى "حدنن" أتباع ورقيق "ادم" "حضر همو ذي مفعل" و "جبرم" "جبر" أتباع "يعتق ذ *********ن" "يعتق ذو *********ان" الذي ب "يرت".
وذكر "كرب ايل وتر" بعد ذلك: إنه وسع املاك قبيلته وأهله "فيشان" "فيشن" وانه اخذ من "رابم بن خل امر ذ وقبم
رأيم بن خل أمر ذو وقيم"، كل ما يملكه في "وقيم" من أملاك ومن أرضين ومن أودية و مسايل مياه وجبال ومراع، وسجل ذلك كله باسمه، كما إنه استولى على "يعرت" "يعرتم" وعلى جميع ما يتبعها من مسايل مياه وأودية ومراع وجبال وحصون، فسجله باسمه، واستولى أيضاً على أرض "اووم" "أوم" "أوام" وعلى مسايلها، وسجلها ملكاً له.
ثم ذكر إنه صادر كل أموال "خلكرب ذغرن" "خالكرب ذو غوان" وأملاكه في "مضيقت" "مضيقة" وسجلها باسمه، كما سجل أرض "ثمدت" ومسايل مياهها وحصنها ومراعيها في جملة أملاكه ومقتنياته.
ثم عاد في الفقرة الخامسة من النص، فذكر إنه أخذ كل ما كان يلكه "خل كرب دغرن" "خالكرب ذو غران" في أرض "مضيقة" "مضيقت"، و أخذ كذلك التلين الواقعين في "خندفم" "خندف" والأرضين الأخرى إلى مدينة "طبب"، وسجل ذلك كله فيَ جملة أملاكه. وأخذ كذلك كل ما كان يملكه "خالكرب" في "مسقى نجى"، كما أخذ موضع "زولت" وكل ما يتعلق به وما يخصه من مسايل مياه ومراع.
ثم أخذ أرض "اكربي" "اكرّى" ومسايل مياهها، وسجلها باسمه، كما استولى على "نعوت" من حدّ "شدم" و "خام" "خبأم" "خب أم" إلى الأوثان المنصوبة على الحدود علامة لها.
وقطع "كرب ايل وتر" الحديث عن الأملاك التي استولى عليها وسجلها باسمه، وانتقل فجأة إلى التحدث عن بعض ما قام به من أعمال عمرانية، فذكر إنه أتم بناء الطابق الأعلى من قصره "سلحن" "سلحين" ابتداء من الأعمدة و الطابق الأسفل إلى أعلى القصر وانه أقامه في وادي "اذنة" "اذنت" خزان ماء "تفشن"، ومسابله التي توصل الماء إلى "يسرن" "يسران"، وانه شيدّ و حصّن وقوىّ جدار ماء "يلط" وما يتفرع منه من مساق ومسايل تسوق الماء إلى "أبين". ثم قال: إنه شيدّ وبنى وأقام "ظراب" و "ملكن" "ملكان" لوادي "يسرن" "يسران"، كما بنى أبنية أخرى في وسط "يسرن" و "أبين"، وغرس وعمر أرضين زراعية في أرض "يسرن
ثم عاد فقطع الكلام على ما قام من أعمال عمرانية، وحوله إلى الكلام على أملاكه التي وسعها وزاد فيها، وهي: "ذ يقه ملك" "ذو يقه ملك"، و "أثابن" "أثأب" "أثأبن"، و "مذبن" "المذاب"، و "مفرشم" "مفرش"، و "ذ انفن" "ذو انف" "ذو الأنف"، و "قطنتن" "القطنة" و "سفوتم" "سفوت" و "سلقن" "سلقان"، و "ذ فدهم" "ذ وفدهم"، و "ذ اوثنم" "ذو اوثان"، و "دبسو" "دبس"، و "مفرشم" "مفرش"، و "ذ حببم" "ذو حباب" "ذو حبب"، و "شمرو" "شمر"، و "مهجوم" "مهكوم" "مهجم".
ثم عاد "كرب ايل وتر" فتكلم على الأملاك التي حصل عليها وامتلكها، فذكر إنه تملك في "طرق" موضع "عن . ان" و "حضرو" و "ششعن" "ششون" وذكر إنه تملك موضع "فرعتم" "فرعت" "فرعة" و "تيوسم" "تيوس" و "اثابن" "أثابن" "1 ث ب ن" في ارض "يسرن" وانه تملك "محمين" "محميان" من حدّ "عقبن" "عقبان" حتى "ذي أنف"، وتملك ما يخص "حضر همو بن خل أمر" "حضر همو بن خال أمر" من املاك، وتملك "مفعل" "مفعلم" وكل ما في أرض "ونب" وكل ارض "ونب" وكل أرض "فترم" و "قنت" وكل ما يخص "حضر همو بن خال أمر" من مدن، هي: "مفعلم" و "فترم"، و "قنت" و "جو" "كو" وكل ما فيها من حصون وقلاع وأودية ومراع. ثم ذكر انه باع المدن و الأرضين المذكورة، وهي مدن: "مفعلم"، و "فترم"، و "قنت" و "جو"، التي أخذهما من "حضر همو بن خال كرب" و سجلها باسم قبيلته "فيشان".
وكان قد ذكر في آخر الفترة السابعة من النص وقبل الفقرة الثامنة المتقدمة التي هي خاتمة النص، إنه خرج للصيد فصاد، وقدم ذلك في مذبح "لقظ" قرباًناً للإلَه "عثتر ذي نصد"، كما قدم إليه تمثالاً من الذهب.
وقد أدت حروب "كرب ايل" المذكورة إلى تهدم أسوار كثير من المدن التي هاجمها، فصارت بذلك مدناً مكشوفةً من السهل على الأعراب والغزاة مداهمتها ونهبها، ولهذا اضطر إلى إعادة تسويرها أو ترميم ما تهدم من أسوارها كما اضطر أيضاً إلى تسوير مدن لم تكن مسورة وتحصينها. وفي جهلة المدن التي حصنها وسوّرها أو رمَّ اسوارها، مدينة "وعلان" حاضرة "ردمان"، و "رداع"، و "كدر" "كدار"، ومدن أخرى.
هذا، وأودّ أن الخص الخطط التي سار "كرب ايل" عليها والحروب التي قام بها في الأرضين التي ذكر أسماءها في نصه، على الوجه الآتي: كانت أرض "سأد" أول أرض شرع في مهاجمتها، ثم انتقل منها إلى ارض "نقبتم" "نقبت" "نقبة"، ثم "المعافر"،
ملاك الشرق
21-04-2010, 12:59 PM
ثم سار نحو "ذبحان القشر" "ذبحن قشرم" و "شرجب" "شركاب" "شركب" ثم اتجه في حملته الثانية نحو "أوسان"، حيث أمر جنوده بنهب "وسر لمجأت" وبقية المواضع إلى "حمن" "حمان"، وبحرق كل مدن "آنف" في أرض "معن" حول "يشم" "يشبوم" أو "الحاضنة" في الزمن الحاضر، ومدن "حبان" في وادي "حبّان" و "ذياب" في أرض قبيلة "ذياب" شرق حمير في الزمن الحاضر.
ثم أمر "كرب ابل" نبهب "نسم" "نسام" وأرض "رشأى"، ثم "جردن" "جردان".
وعند ذلك وجه "كرب ايل" جيشه نحو "دتنت" حيث أصيب فيها ملك أوسان بضربة شديدة، فأمر بإحراق كل مدن "دشت" ومدينة "تفض" و "أبين"، حتى بلغ ساحل البحر، حيث أحرق ودمر المدن والقرى الواقعة عليه.
ثم عاد "كرب ايل" فضرب أرض "وسر" مرة أخرى، وأصاب قصر ملك اوسان في "مسور"، حيث هدمه، وأمر بانتزاع كل الكتابات الموجودة في معابد اوسان و تحطيمها. ثم سار جيشه كله إلى أرض أوسان،وبعد إن قضى على كل مقاومة لهم عاد إلى بلاده.
ثم قام بغزو أرضين تقع شمال غربي سبأ. ثم وحد "سروم" وأرض "همدان" وحصن مدنهما، وأ صلح وسائل الري فيها.
وحدثت بعد تلك الحروب حرب وقعت في الجنوب، في "دهس" وفي "تبنو"، حيث احرق "كرب ايل" مدنها، ثم ألحقها كلها مع "دتنت" بسبأ، وفصلت أرض "عود" من "أوسان" فضمت إلى "دهس".
واصيب "كحد ذ سوط" بمعارك شديدة، ويظهر إنها ثارت على "كرب ايل" وأعلنت العصيان عليه. وقد ساعدها وشجعها "يذمر ملك" ملك "هرم" وبقية المدن المعينية المجاورة، مثل "نشن" "نشان"، فسار جيش "كرب ايل" إليها، وأنزل بها خسائر فادحة، وأحرق أكثر مدنها، وحاصر "نشان" مدة ثلاث سنين، مما يدل على إنها كانت مدينة حصينة جداً، حتى نحّى ملكها عنها. ثم انصرف "كرب ايل" إلى إعادة تنظيم الأرضين التي استولى عليها، وإلى تعيين حكام جدد للمناطق التي استسلمت له، و إلى إصلاح أسوار المدن ووسائل الدفاع والري.
أما الحملة الأخيرة من حملاته الصغيرة، فكانت على "مهأمر" "ممه امر" و "أمر" حيث بلغت أرض نجران.
لقد أضرت حروب "كرب أي وتر" المذكور في ضراً فادحاً بالعربية الجنوبية فقد أحرق اكثر الأماكن التي استولى عليها، و أمر بقتل من وقع في أيدي جيشه من المحاربين، ثم أمر بإعمال السيف في رقاب سكان المدن والقرى المستسلمة فأهلك خلقاً كثيرا. ونجد سياسة القتل والإحراق هذه عند غير "كرب أيل" أيضاً، وهي سياسة أدت إلى تدهور الحال في اليمن وفي بقية العربية الجنوبية، وإلى اندثار كثير من المواضع بسبب أصحابها وهلاك أصحابها.
وقد عثرت بعثة "وندل فيلبس" في اليمن على كتابة وسمتها البعثة ب Jamme 819 ، جاء فيها: "وبكرب آل و بسمه". أي "وبكرب ايل وسمه". وحرف الواو هنا في واو القسم، و الكتابة من بقايا كتابة أطول تهشمت فلم يبق منها غير الجملة المذكورة. وقد ذهب "جامه" Jamme . ناشرها إلى إنها من عهد سابق لحكم المكربين، و قد زمن كتابتها القرن الثامن أو السابع قبل الميلاد.
كما عثرت تلك البصمة على كتابات أخرى وسمت ب Jamme 550، وب Jamme 552، و ب Jamme 555، و بJamme557 وردت فيها أسماء لم تذكر بعدها جملة "مكرب سبأ" على عادة الكتابات، غير إن ظاهر النص والألفاظ المستعملة فيه، مثل: "قين يدع ايل بين"، يدلان على إنها أسماء "مكربين" حكموا سبأ قبل عهد الملوك.
فقد دوّن في النصف الأول من النص Jamme550 أسماء المكربين: "يدع آل بين" "يدع ايل بين" و "يكرب ملك وتر" "يكربملك وتر"، و "يثع أمر بين". ودوّن في النصف الثاني من أسماء "يدع آل بين" "يدع ايل بين" و "يكرب ملك وتر" "يكر بمللك وتر"، و "يثع أمر بين"، و "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر"،أي الأسماء المذكورة في النصف الأول نفسها، ما خلا اسم "كرب ايل وتر". فنحن في هذا النص بنصفيه أمام أربعة مكربين، كانوا من "مذمرم" أي من بني "مذمر".
ومدوّن النص والامر بكتابته شخص اسمه "تبع كرب" "تبعكرب"،
و كان كاهناً "رشو" للالهة "ذت غضرن" "ذات غضران"، أي كناية عن الشمس، كما كان بدرجهٌ "قين"، أي موظف كبر مسؤول عن الأمور المالية للدولة أو للمعبد، كأن يتولى إدارة الأموال. وكان "قيناً" لمعبد "سحر"، أي المتولي لأموره المالية والمشرف على ما يصل إلى المعبد من حقوق ومعاملات وعقود من تأجير الحبوس الموقوفة عليه، كما كأن قيناً للمكربين المذكورين. و قد ذكر في نصه إنه أمر ببناء جزء من جدار معبد "المقه" من الحد الذي يحد أسفل الكتابة أي قاعدتها إلى أعلى المعبد، كما أمر ببناء كل الأبراج وما على السقف من أبنية و متعلقاتها، وذلك عن أولاده وأطفاله وأمواله وعن كل ما يقتنيه "هقنيهو" وعن كل تخيله "انخلهو" ب"اذنت" "ادنة" وب "كتم" و ب "ورق" و ب "ترد" و ب"وغمم" "وغم" و ب "عسمت" "عسمة" وب "برام" وب "سحم" وب "مطرن بيسرن"، أي بمنطقة "مطرن" التي في أرض "سرن" "يسران"، وهي تسقى الماء بواسطة قناطر تعبر فوقها المياه، و بمنطقة "ردمن" "ردمان" من أرض "يسرن" "يسران"، التي تروى بمياه السدود، وبأرض "مخضن" الواقعة ب "يهدل".
وقد قام بهذا العمل أيضاً، لأن المقه أوحى في قلبه إنه سيهبه غلاماً، ولأن "يكرب ملك وتر"، اختاره ليشرف على إدارة الأعمال المتعلقة بالحرب التي وقعت بين قتبان وسبأ وقبائلها، فقام بما عهد إليه، وذلك لمدة خمس سنين، وأدى ما كان عليه إن يؤديه على احسن وجه، ولأن الإله "المقه" حرس ووقى كل السبئيين وكل القبائل الأخرى التي اشتركت معهم وكل المشاة "ارجل" الذين ارسلوا على مدينة "تهرجب"، و لأن إلهه حفظه ومكنه من إدارة الأعمال التي عهد الملك إليه، فتولى آمر سبأ والقبائل التي كانت معها، ووجه الأمور احسن وجه ضد الأعمال العدوانية التي قام بها آهل "تهرجب" وغيرهم ضد سبأ، في خلال سنتين كاملتين، حتى وفقه الإلَه لعقد سلام "سلم" بين سبأ و قتبان، فأثابه "يثع أمر بين" على ما صنع.
ويظهر من هذا النص إن "تبع كرب" "تبعكرب"، الكاهن "رشو" و "القين" كان من كبار الملاكين في سبأ في أيامه، له أرضون وأملاك واسعة في أماكن متعددة من سبأ. وقد كانت تدرّ عيه أرب*********ً كبيرة وغلة وافرة، يضاف إلى ذلك ما كان يأتيه من غلات المعبد الذي يديره، والنذور التي تنذر للإله "سحر"، ثم الأرباح التي تأتيه من وظيفته في الدولة.
ويظهر إنه كتب نصه المذكور بعد اعتزاله الخدمة لتقدمه في السن، في أوائل أيام حكم "كرب ايل وتر". ولذلك تكون جميع الحوادث والأعمال التي أشار إليها قد وقعت في أيام حكم المذكورين إلى ابتداء حكم "كرب أيل وتر"، الذي ذكر من أجل ذلك في آخر أسماء هؤلاء الحكام وفي القسم الأخير من النص.
ويظهر من النص أيضاً إن الأعمال الحربية التي قام بها "تبعكرب"، كانت في أواخر أيام ""كرب ملك"، وامتدت إلى أوائل أيام حكم "يثع أمر بين". أرسله الأول إلى الحرب، ومنحه الثاني شهادة إتمام تلك الحرب وانتهائها. فهذا النصر يبحث عن السنين الخمس التي شغلها "تبعكرب" بالأعمال الحربية.
وأما صاحب النص: Jamme 552، فهو "ابكرب" "أب كرب" "أبو كرب" وكان من كبار الموظفين من حملة درجة "كبر"، أي "كبير" إذ كان كبيراً على "كمدم بن عم كرب" "كمدم بن عمكرب"، وهم من "شوذم" "شوذ". وكان "قيناً"، أي موظفاً كبيراً عند "يدع ايل بين" وعند "سمه على ينف" "سمه على ين وف". وقد سجل نصه هذا عند بنائه "خخنهن" و "مذقنتن" قربة إلى الإلَه "المقه" ليبارك في أولاده و أطفاله وبيته "بيت يهر"، وفي كل عبيده ومقتنياته، وذلك في أيام المكربين المذكورين.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:02 PM
واما النص: Jamme 555، فصاحبه "ذمر كوب بن ابكرب" "ذمر كرب بن أبكرب"، وهو من "شوذيم"، أي "بني شوذب". وكان قيناً ل "يثع امر" و ل "يكرب ملك" و ل "سمه على" و ل "يدع ايل" و "يكرب ملك". وقد دونه عند إتمامه بناء جدار معبد "المقه"، من حد الحافة الجنوبية لقاعدة حجر الكتابة إلى اعلى البناء، وذلك ليكون عمله قربة إلى الإله، ليبارك في أولاده و آسرته وذوي قرابته وفي أملاكه وعبيده، وقد ذكر أسماء الأرضين التي كان يزرعها ويستغلها، وليبارك في بيته: "بيت يهر" وفي بيته الآخر المسمى "بيت حرر" بمدينة "جهرن" "جهران"، وفي أملاكه وبيوته الأخرى في أرض العشيرتين ": "مهأنف" و "يبران" "يبرن" كما دونه تعبيراً عن حمده و شكره له، لأنه من عليه فأعطاه كل ما أراد منه، ومن جملة ذلك تعيين قيناً على "مأرب"، واشتراكه مع "سمه على ينف" "سمهعلى ينوف" في الحرب التي وقعت بينه وبين قتبان في أرض قتبان، فأعد ذلك الحرب العدد التي ينبغي لها.
وقد نعت "أبكرب بن نبطكرب" "ابكرب بن نبط كرب" وهو من "زلتن" "زلتان" نفسه ب "عبد" "يدع ايل بين" و "سمه على ينف" و "يثع أمر وتر"، و "يكرب ملك ذرح" و "سمه على ينف"، وذلك في النص: Jamme 557. وقد دوّنه عند قيامه ببعض أعال الترميم والبناء في معبد "المقه"، تقرباً إلى رب المعبد "بعل أوّام" الإله "المقه"، ولتكون شفيعة لديه، لكي يبارك فيه وفي ذريته وأملاكه. وقد اختتم النص بجملة ناقصة أصيب آخرها بتلف، ولم يبق منها إلا قوله: "وملك مأرب".
وللجملة الأخيرة من النص أهمية سنة كبيرة، لأنها تتحدث عن ملك كان على مأرب في ذلك الزمن، سقطت حروف اسمه، ولم يبق منه غير الحرف الأول.
ويتبين من النصوص الأربعة المذكورة إننا أمام عدد من حكام سبأ، لم تشر تلك النصوص إلى أزمنتهم ولا إلى صلاتهم بالحكام الآخرين، حتى نستطيع بذلك تعيين المواضع التي بحب إن يأخذوها في القوائم التي وضعها الباحثون لحكام سبأ.
وقد رأى "جامه" استناداً إلى دراسته لهذه النصوص، وإلى معاينته لنوع الحجر ولأسلوب الكتابة، إن "يدع ايل بين" المذكور في النص: Jamme 552 هو أقدم من "يدع ايل بين" المذكور في النص Jamme 555، ولذلك دعاه ب "الأول"، ودعا "يدع أيل بين" المذكور في النص: Jamme 555 ب "الثاني" و "يدع ايل بين" المذكور في النص: Jamme 550 ب "يدع ايل" الثالث.
ومنح "جامه" "سمه على ينف" "سمعلى ينوف"، المذكور في النص: Jamme 552 لقب "الأول"، ليميزه عن سميه المذكور في النص Jamme 555، وقد لقبه ب "الثاني". كما منح "يثع أمر بين" المذكور في النص: Jamme 555، لقب الأول، ليميزه عن سميه المذكور في النص: Jamme 550 والذي أعطاه لقب "الثاني". وأما "يثع امر وتر" و "يكرب ملك ذرح"، المذكوران في النص: Jamme 552، فلم يمنحهما أي لقب كان لعدم وجود سمي لهما في النصوص الأخرى.
وتفضل "جامه" على "يكرب ملك وتر"، المذكور في النص: Jamme 555 فمنحه لقب "الأول"، ليميزه عن سميه الذكور في النص: Jamme 550 الذي أعطاه لقب "الثاني". وقد وسم "جامه" "يثع أمر بين" المذكور في النص Jamme 555 ب "الأول"، فميزه بذلك عن سميه المذكور في النص: Jamme 550. وأما "كرب ايل وتر"، المذكور في آخر أسماء حكام النص: Jamme 550، فقد ظل بدون لقب، لعدم وجود سمي له.
مدن سبأ
كانت مدينة "صرواح"، هي عاصمة السبئيين في أيام المكربين ومقر المكرب وفيها باعتبارها العاصمة معبد "المقه" إلهَ سبأ الخاص. أما "مأرب"، فلم تكن عاصمة في هذا العهد، بل كانت مدينة من مدن السبئيين، و "صرواح" في هذا اليوم موضع خرب يعرف به "خربة" و ب "صرواح الخريبة" على مسيرة يوم في الغرب من "مأرب"، و يقع ما بين صنعاء ومارب. وقد ذكر "الهمداني" مدينة "صرواح" في مواضع عدة من كتابه "الاكليل"، وأشار إلى "ملوك صرواح ومأرب". وذكر شعراً في "صرواح" للجاهليين ولجماعة من الإسلاميين، كما أشار إليها في كتابه "صفة جزيرة العرب".
وتحدث "نشوان بن سعيد الحميري" عنها، فقال: صرواح موضع باليمن قريبٌ من مأرب فيه بناء عجيب من مآثر حمير، بناه عمرو ذو صرواح الملك بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن حمير الأصغر، وهو أحد الملوك المثامنة".
وزعم إن "قُسّ بن ساعدة الإيادي" ذكر "عمرو بن الحارث القيل ذو صرواح" في شعر له. وذكر غيره من علماء اليمن الإسلاميين هذه المدينة السبئية القديمة أيضاً. وفي إشارتهم إليها ونحدثهم عنها، دلالة على أهمية تلك المدينة القديمة، وعلى تأثيرها في نفوس الناس تأثيراً لم يتمكن الزمان من محوه بالرغم من أفول نجمها قبل الإسلام بأمد.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "صرواح حصن باليمن أمر سلمان عليه السلام الجن فبنوه لبلقيس". وقولهم هذا هو بالطبع أسطورة من اْلأساطير المتأثرة بالإسرائيليات التي ترجع أصل أكثر المباني العادية في جزيرة العرب إلى سليمان وإلى جن سليمان.
وقد عثر في أنقاض هذه المدينة القديمة المهمة على كتابات سبئية بعضها من عهد المكربين. و من هذه النصوص ،
النص المهم الذي تحدثت عنه المعروق بكتابة "صرواح"، و الموسوم عند العلماء ب Glaser 1000 A,B. و صاحبه الآمر يتدوينه هو المكرب الملك "كرب ايل وتر". و هو من أهم ما عثر عليه من نصوص هذا العهد. و قد دوّن فيه اخبار فتوحاته و انتصاراته و ما قام به من أعمال، كما دونته قبل قليل. و لأسماء المواضع و القابائل فيه أهمية كبيرة للمؤرخ و لا شك، إذ تعينه على أن يتعرف مواضع عديدة ترد في نصوص أخرى، و لم نكن نعرف عنها شيئاً، كما اعانتنا في الرجوع بتأريخ بعض هذه الأسماء التي لا تزال معروفة إلى ما قبل الميلاد، إلى القرن الخامس قبل الميلاد، و ذلك إذا ذهبنا مذهب من يرجع عهد "كرب ايل وتر" إلى ذلك الزمن.
و في مقابل خربة معبد صراوح، خربة أخرى تقع على تل، هي بقايا برج المدينة الذي كان يدافع عنها. و هناك أطلال أخرى، يظهر انها من بقايا معابد تلك المدينة و قصورها.
كان على المدينة "كبر" أي كبير، يدير شؤونها، و يصرف أمورها و أمور الارضين التابعة لها، و تحت يديه موظفون يصرفون الأمور نيابة عنه، و هو المسؤول أمام المكربين عن إدارة أمور المدينة و ما يتبعها من قرى و أرضين و قبائل.
و في "صراوح" كان معبد "المقه" إله سبأ، و من هذه المدينة انتشرت عبادته بانتشار السبئيين. و من معابد هذا الإله التي بنيت في هذه المدينة معبد "يفعن" "يفعان" الذي حظي بعناية المكربين.
و قد زارها "نزيه مؤيد العظم", و ذكر أنها خربة في الوقت الحاضر، بنيت على أنقاضها قرية تتألف من عدد من البيوت، و تشاهد فيها بقايا القصور القديمة، و الأعمدة الحجرية المنقوشة بالمسند، و أشار إلى أن القسم الأعظم من المباني القديمة، مدفون تحت الأنقاض خلا أربعة قصور أو خمسة لا تزال ظاهرة على وجه الأرض، منها قصر يزعم الأهلون إنه كان لبلقيس، وكان به عرشها ولذلك يعرف عندهم بقصر بلقيس. كما زار خرائب "صرواح" أحمد فخري من المتحف المصري في القاهرة، وصور أنقاض معبد "المقه" وعدداً من الكتابات التي ترجم بعضها الأستاذ "ركمنس" M. Ryckmans.
ولم تكن "مرب"، أي "مأرب" عاصمة سبأ في هذا الوقت، بل كانت مدينة من مدن سبأ الكبرى، ولعلها كانت العاصمة السياسية ومقر الطبقة المتنفذة في سبأ. أما "صرواح"، فكانت العاصمة الروحية، فيها معبد الإله الأكبر، وبها مقر الحكاّم الكهنة "المكربون". وقد وجه "المكربون" عنايتهم كما رأينا نحو مأرب، فاقاموا بها معبد "المقه" الكبير والقصور الضخمة وسكنوا في فترات، وأقاموا عندها سدّ مأرب الشهير، فكأنهم كانوا على علم بأن عاصمة سبأ، ستكون مأرب، لا مدينتهم صرواح. وقد يكون لمكان مأرب دخل في هذا التوجه.
قوائم بأسماء المكربين
اشتغل علماء العربية الجنوبية بترتيب في حكام سبأ المكربين بحسب التسلسل التأريخي أو وضعهم في جمهرات على أساس القدم، مراعين في ذلك دراسة نماذج الخطوط والكتابات التي وردت فيها أسماء
المكربين، وآراء علماء الآثار في تقدير عمر ما يعثر عليه مما يعود إلى أيام أولئك المكربين، و دراسة تقديراتهم لعمر الطبقات التي يعثر على تلك الآثار فيها. ومن أوائل من عني بهذا الموضوع من أولئك العلماء "كلاسر"، العالم الرحالة الشهير الذي كان له فضل نشر الدراسات العربية الجنوبية والعالم "فرتس هومل"، و "رودوكناكس"، و "فلبي"، وغير هم.
قائمة "هومل"
وقد رتب "هومل" "مكربي" سبأ على هذا النحو: 1 - سمه على، ولم يقف على نعته في الكتابات، واليه تعود الكتابة الموسومة ب Glaser 1147.
2 - يدع آل ذرح "يدع ايل ذرح"، و إلى عهده تعود الكتابات: Arn.9, Glaser 901,1147,484, Halevy 50 3- يثع امر وتر "برخ أمر وتر" وإلى أيامه ترجع الكتابات: Halevy 626,627 4 - يدع آل بين "يدع ايل بين"، وإلى عهده يرجع النص: Halevy 280.
5 -يثع أمر، ولم يذكر نعته، وقد ورد اسمه في النصوص الموسومة ب: Halevy 352,672, Arn. 29..
6 - كرب ايل بين "كرب آل بين".
- سمه على ينف "سمهعلى ينوف" "سمه على ينوف".
ويكوّن هؤلاء على رأيه جمهرة مستقلة، هي الجمهرة الأولى لمكربي سبأ. وتتكون الجمهرة الثانية على رأيه من المكربين: 1 - ذمر عد.
2 - سمه على ينف "سمه على ينف"، "سمهعلى ينوف"، و هو باني سد "رحب"، "رحاب"، وإلى أيامه تعود الكتابات: Glaser 413,414, Halevy 673, Arn.14.
3 - يثع امر بين "يثع أمر بين"، وهو باني سد "حببض"، "الحبابض" وموسع سد "رحب" "رحاب"، والمنتصر على "معن" معين والى عهده تعود الكتابات: Glaser 523, 525, Halevy 678, Arn. 12,13, Glaser 418,419 .
4 - ذمر على، لعله ابن يثع أمر بين.
5 - كرب آل وتر "كرب ايل وتر"، صاحب نص صرواح.
وقد عثر في بعض الكتابات على صورة النعامة محفورة مع كتابة ورد فيها اسم الإله "المقه"، كما عثر على كتابات ذكر فيها اسم هذا الإله وحفرت فيها صورة "نسر". وقد ذهب بعض الباحثين إلى احتمال كون هذه الصور هي رمز إلى الإلَه المقه.
قائمة "رودوكناكس"
ناقش "رودوكناكس" القوائم الني وضعها "كلاسر" و "وهومل" و "هارتمن"، وحاول وضع جمهرات جديدة مبنية على أساس الرابطة الدموية والتسلسل التأريخي، وما ورد في الكتابات من أسماء، فذكر في كتابه: "نصوص قتبانية في غلات الأرض" Katabanische ****e Zur Bodenwiristchaft هذه الجمهرات: جمهرة ذكرت أسماؤها في الكتابة: Glaser 1693، وتتألف من: 1 - يدع آل بين ""دع ايل بين".
2 -سمه على ينف "سمه على ينوف".
3 - يثع مر وتر "يثع أمر وتر".
وجمهرة أخرى وردت أسماؤها في الكتابة Glaser 926 و تتكون من: 1 - يثع أمر.
2- يدع آل "يدع ايل".
3-سمه على.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:05 PM
وتكون لمجموعة رمز إليها ب A.
وذكر مجوعة ثالثة تتألف من: 1- يدع آل "يدع ايل".
2- يثع امر "يثع أمر".
3- يدع اب "يدع أب".
وجمهرة رابعة تتكون من: ا- كرب آل "كرب ايل".
2- يدع اب "يدع أب".
3- اخ كرب "أخ كرب".
وقارن بين "هومل" و "هارتمن"، فذكر الجمهرتين.
1- يدع آل "يدع ايل"0 1- يدع أب "ي لى ع أب".
2- يثع امر "يثع أمر" 2- اخ كرب "أخ كرب".
3- كرب آل "كرب اي ل".
وجمهرة: 1- "يدع آل ""يدع ايل".
2- يثع امر "يثع أمر.
3- كرب آل "كرب ايل".
وهي جمهرة B.
ولخص "رودوكناكس" هذه الجمهرات في جمهرات ثلاث هي:جمهرة A وجمهرة B وجمهرة C.
جمهرة "A" Glaser 926 وتتألف من ? ا- يثع امر "يثع أمر".
2- يدع آل ""يدع ايل".
3- سمه على.
جمهر ة "B" Glaser 1752, 1761 Halevy 626، وتتكون من: ا- يدع آل "يدع ايل"، 2- يثع امر "يثع أمر".
3- كرب آل "كرب ايل".
4- سمه على.
جمهرة "C" Glaser 1693 وقوامها: 1- يدع آل بين "يدع ايل بين".
2-سمه على ينف "سمه على ينوف".
3- يثع امر وثر "يثع أمر وتر".
وفي مناقشه للمجموعات الثلاث المتقدمة عاد فذكر الجمهرات التالية: جمهرة "1": سمه على.
يدع آل ذرح "يدع ايل ذرح"،CIH 366, FR 9, Halevy 50 يثع امر وتر ""يثع أمر وتر"، 626 Halevy CIH 490, "يدع آل بين" "يدع ايل بين"، Halevy 45 جمهرة "2".
يثع امر "يثع أمر" لم يرد نعته ".
كرب آل بين "كرب ايل بين" 352, 672 Halevy سمه على ينف "سمه على ينوف" Halevy 45 وذكر الجمهرة التالية في آخر مناقشته لقوائم أسماء المكربين، وتتألف من: يثع امر بين "يثع أمر بين" Gkaser 926 يدع آ ل بين "يدع ايل بين" فاتح مدينة "نشق" Halevy 630, Glaser 926, 1752.
يثع امر "يثع أمر" Halevy 630, Gkaser 1752 كرب آ ل "كرب ايل" Halevy 633, Gaser 1762 .
سمه على Gaser 926, 1762 وليس في تعداد هذه الجمهرات هنا علاقة بعدد المكربين أو بتسلسلهم التأريخي وإنما هي جمهرات وأسماء متكررة، ذكرها "رودوكناكس" للمناقشة ليس غير، وقد أحببت تدوينها هنا ليطلع عليها من يريد التعمق في هذا الموضوع.
قائمة "فلبي"
وقفت على قائمتين صنعها "فلبي" لمكربي سبأ، نشر القائمة الأولى في كتابه: "سناد الإسلام" ونشر القائمة الثانية في مجلة Le Museon. وقد قدر "فلبي" تاريخاً لكل مكرب حكم فيه على رأيه شعب "سبأ". فقدر في قائمته التي نشرها في كتابه المذكور لكل ملك مدة عشرين سنة، وجعل مبدأ تأريخ كحم أول مكرب حوالي سنة "800" قبل الميلاد. وسار على هذا الأساس بإضافة مدة عشرين عاماً لكل ملك، فتألفت قائمته على هذا النحو: ا- سمه على، أول المكربين، حكم حوالي سنة "800" قبل الميلاد.
2- يدع آل ذرح "يدع ايل ذرح"، وهو ابن "سمهعلى"، حكم حوالي سنة "780" قبل الميلاد.
3- يثع امر وتر بن يدع آل ذرح، حكم حوالي سنة "760" قبل الميلاد.
4- يدع آل بين بن يثع امر وتر، حكم حوالي سنة "740" قبل الميلاد.
5- يدع امر وتر بن سمه على ينف، وهو معاصر الملك الآشوري سرجون، وقد حكم حوالي سنة "720" قيل الميلاد.
6- كرب آل بين بن يثع امر، حكم حوالي سنة "700" قبل الميلاد.
7- ذمر على وتر ولا يعرف اسم والده على وجه التأكيد، وربما كان والده "كرب آل وتر"، أو "سمه على ينف" وربما كان شقيقاً ل "كرب آل بين"، وقد حكم في حوالي سنة "680" قبل الميلاد.
1- سمه على ي نف بن ذمر على، وهو باني سدّ "رحب" "رحاب" وقد حكم حوالي سنة "660" قبل الميلاد.
9- يثع امر بين بن سمه على ينف، وهو باني سدّ "حببضن" احبابض، وقد حكم حوالي سنة "640" قبل الميلاد.
10- كرب آل وتر بن ذمر على وتر، آخر المكربين وأول ملوك سبأ، وقد حكم على رأيه من سنة "620" حتى سنة "610" قبل الميلاد.
أما قائمته التي نشرها في مجلة Le Museon. ، فهي على النحو الآتي: 1- سمه على، وهو أقدم مكرب عرفناه. بدأ حكمه حوالي سنة "820" قبل الميلاد. وقد وضع "فلبي" الكتاإت: CIH 367, 418,488,955 إلى جانب اسم هذا المكرب دلالة على أن اسمه ذكر في فيها، غير أني لم أجد لهذا المكرب أية علاقة.الكتابات: CIH 418, 488, 955، فالكتابة CIH 418 أي Glaser 926 لا تعود إلى هذا المكرب، وإنما تعود إلى مكرب آخر زمانه متأخر عنه. وقد وجدت خطأ مشابهاً في مواضع أخرى من هذه المواضع التي أشار فيها إلى الكتابات التي تخص كل مكرب من المكربين.
2- يدع آل ذرح "يدع ايل ذرح"، حكم حوالي سنة "800" قبل الميلاد. أما الكتابات التي ورد فيهما اسمه، فهي: CIH 366, 418, 488, 490, 636, 906, 955, 975, REP. EPIG. 3386, 3623, 3949, 3950, AF 17, 23, 24, 38.
3- سمه على ينف، وقد حكم حوالي سنة "780" قبل الميلاد. أما الكتابات التي تعود إلى أيامه فهي: Cih 368, 371, Rep. Epig. 3623, Af 86, 91, 92 4- يثع امر وتر، لم يذكر المدة التي حكم فيها، وإنما جعل مدة حكمه مع مدة حكم سلفه ثلاثين عاماً، تنتهي بسنة "750" قبل الميلاد. أما الكتابات التي ورد اسمه فيها، فهي: Cih 138, 368, 371, 418, 490, 492, 493, 495, 634, 955, Rep. Epi. 3623, 4405 وذكر "فلبي" بعد اسم "سمه على ينف" اسم ابنه "يدع آل وتر"، ولكنه لم يشر إلى أنه كان مكرباً. وقد أشار إلى ورود اسمه في الكتابات:af 86, 91, 92.
5- يدع آل بين، وهو ابن يثع أمر وتر. وقد حكم في حوالي سنة "750" قبل الميلاد. وورد اسمه في الكتابات: Cih 138, 414, 492, 493, 495, 634, 961, 967, 979, Rep, Epig. 3387, 3389, 4405, Af 34, 89.
وذكر "فلبي" اسم "سمه على ينف" مع اسم شقيقه "يدع آل بين"، ولم يكن هذا مكرباً، وقد ذكر في الكتابات Cih 563, 631.
6- ذمر على ذرح وهو ابن "يدع آل بن"، وقد حكم حوالي سبة "730" قبل الميلاد. جاء اسمه في الكتابات: Cih 633, 979, Rep. Epig. 3387, 3389, Af. 29 وكان له ولد اسمه "يدع آل" "يدع ايل" لا نعرف نعته، ولم يكن مكربا، وقد ورد اسمه في الكتابات: Cih 633, Af,29.
7- يثع امر وتر. ووالده هو "سمه على ينف" شقيق "يدع آل بين"، وقد ذكرت انه لم يكن مكربا. لم يذكر "فلبي" مدة حكمه، وإنما جعل مدة حكمه مع مدة حكم سلفه "ذمر على ذرح" ثلاثين عاماً، انتهت حوالي سنهْ "700" قبل الميلاد.
8- كرب آل بين، وهو ابن يثع امر وتر، حكم حوالي سنة "700" قبل الميلاد، وورد اسمه في الكتابات: CIH 610, 627, 732, 627, 691, REP. EPIG. 3388, 4125, 4401, AF. 43,86.
9- ذمر على وتر بن كرب آل بين، حكم حوالي سنة "680" قبل الميلاد، وورد اسمه في الكتابات: CIH 610, 623, REP, EPIG. 3388, 4401.
10- سمه على ينف، وهو ابن ذمر على وتر. حكم حوالي سنة "660" قبل الميلاد، وذكر اسمه في الكتابات: CIH 622, 623, 629, 733, 774, Philby 77, REP. PEIG. 3650, 4177, 4370.
11- يدع امر بين، وهو ابن سمه على ينف، حكم حوالي سنة "640" قبل الميلاد، وذكر اسمه في الكتابات:CIH 622, 629, 732, 864, Philby 77, AF 62, III, REP. EPIG. 3653, 4177.
وذكر "فلبي" مع اسم "يثع امر.بين" اسم "يكرب ملك وتر" وقد ورد اسمه في الكتابة: AF 70، ولم يكن مكرباً.
2 ا- ذمر على ينف، وقد حكم حوالي سنة "620" قبل الميلاد، وجاء اسمه في الكتابات: AF 70 ,CIH 491 REP. EPIG. 3498, 3636, 3045, 3946.
3 ا- كرب آل وتر، وهو آخر المكربين، وقد حكم حوالي سنة "615" قبل الميلاد، وورد اسممه في الكتابات: CIH 126, 363, 491, 562, 582, 601, 881, 965, REP. EPIG. 3234, 34498, 3636, 3916, 3945, 3946, Philpy 16, 24, 25, 70? 101, 133?
قائمة "ريكمنس" J. Ryckmans
وقد دوّن "ريكمنس" أسماء المكربين على هذا النحو: ا- سمه على.
2- ي دع آل ذرح ""دع ايل ذرح" وهو ابن "سمه على".
3- سمه على ينف، وهو ابن "يدع ايل ذرح".
4- يثع أمر وتر، وهو ابن "يدع ايل فرح" كذلك.
5- يدع آل بين "دع ايل بين"، وهو ابن "يثع أمر وتر".
6- ذمر عد فرح، وهو ابن ""يدع ايل بين".
7- "يثع أمر وتر، وهو ابن "سمه على ينف"، ابن "يثع أمر وتر" وهو شقيق "يدع ايل بين".
8- كرب ايل بين.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:07 PM
الفَصْل الرَابع والعِشُرون
ملوك سبأ
وبتلقب "كرب ايل وتر" بلقب ملك، وباستمرار ما جاء بعده من الحكام على التلقب به، ندخل في عهد جديد من الحكم في سباً، سماه علماء العربيات الجنوبية عهد "ملوك سبأ" تمييزاً له عن العقد السابق الذي هو في نظرهم العهد الأول من عهود الحكم في سبأ، وهو عهد المكربين، وتمييزاً له عن العهد التالي له الذي سمي عهد "ملوك سبأ وذي ريدان".
ويبدأ عهد "ملوك سباً" بسنة "650 ق. م." على تقدير "هومل" ومن شايعه عليه من الباحثين في العربيات الجنوبية. ويمتد إلى سنة "115 ق. م." على رأي غالبية علماء العربيات الجنوبية، أو سنة "109 ق. م." على رأي "ركمنس" الذي توصل إليه من عهد غير بعيد. وعندئذ يبدأ عهد جديد في تأريخ سبأ، هو عهد "ملوك سبا وذي ريدان".
أما "البرايت"، فيرى أن حكم هذا المكرب الملك في حوالي السنة "450 ق. م."، أي بعد قرنين من تقدير "هومل"3، وبناء على ذلك يكون عهد الملوك- على رأيه- قد بدأ منذ هذا العهد.
وقد قدّر بعض الباحثين زمان كحم المكرب والملك "كرب ايل وتر" في القرن الخامس قبل الميلاد. وقد كان يعاصره في رأي "البرايت" "وروايل" ملك أو مكرب قتبان، الذي حكم بحسب رأيه أيضاً في حوالي سنة "450 ق. م."، وكان خاضعاً ل "كرب ايل وتر"، و "يدع ايل" ملك حضرموت.
ويمتاز هذا العهد عن العهد السابق له، وأعني به عهد حكومة المكربين، بانتقال الحكومة فيه من "صرواح" العاصمة الأولى القديمة، إلى "مأرب" العاصمة الجديدة، حيث استقر الملوك فيها متخذين القصر الشهير الذي صار رمز "سبأ"، وهو قصر "سلحن" "سلحين"، مقاماً ومستقراً لهم، منه تصدر أوامرهم إلى أجزاء المملكة في إدارة الأمور.
و "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر"، هو أول ملك من ملوك سبأ افتتح هذا العهد. لقد تحدثت عنه في الفصل السابق، حديثاً أعتقد انه واف، ولم يبق لدي شيء جديد أقول عنه. وليس لي هنا الا أن أنتقل إلى الحديث عن الملك الثاني الذي حكم بعده، ثم عن بقية من جاء بعده من ملوك.
أما الملك الثاني الذي وضعه علماء العربيات على رأس قائمة "ملوك سبأ" بعد "كرب ايل وتر"، فهو الملك "سمه على ذرح". وقد ذهب "فلبي" إلى احتمال أن يكون ابن الملك "كرب ايل وتر". وقد كان حكمه على حسب تقديره في حوالي السنة "600 ق. م."5.
وقد وقفنا من النص الموسوم ب Cih 374 على اسمي ولدين من أولاد "سمه على ذرح"، ما "الشرح" "اليشرح"، و "كرب ايل". وقد ورد فيه: أن "الشرح" أقام جدار معبد "المقه" من موضع الكتابة إلى أعلاها، ورمم أبراج هذا المعبد، وحفر الخنادق، ووف بجميع نذره الذي نذره لإلهه" "المقه" على الوفاء به إن أجاب دعاءه، وقد استجاب إلهه لسؤاله، فيسر أمره واعطاه كل ما اراد، فشكراً له على آلائه ونعمائه، وشكراً لبقية آلهة سبأ، وهي: "عثتر" ، و "هبس" "هوبس"، و "ذات حمم" "ذات حميم"، و "ذت بعدن" "ذات بعدان"، وتمجيداً لاسم والده "سمه على ذرح" أن أمر بتدوين هذه الكتابة ليطلع عليها الناس. وقد سجل فيها مع اسم شقيقه "كرب آل" "كرب ايل".
أما "كرب ىل" "كرب ايل" أحد أولاد "سمه على ذرح" فلا نعرف شيئاً من أمره. وشد صيره "هومل" خليفة والده، وجاراه "فلبي" في ذلك، وقدر زمان حكمه بحوالي السنة "580ق. م."2.
ووضع "هومل" اسم "الشرح" "اليشرح"، وهو ولد من أولاد "سمه على ذرح" بعد اسم شقيقه "كرب ايل وتر"، وجاراه "فلبي" في هذا الترتيب، ولا نعلم شياً عنه يستحق الذكر.
وانتقل عرش سباً إلى ملك آخر، هو "يدع آل بين" "يدع ايل بين" وهو ابن "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر". وقد ورد اسمه في النص الموسوم ب Glaser 105، ودونه رجل اسمه "تيم". وقد حمد فيه الإلَه "المقه" بعل "أوم" "أوام"، لأنه ساعده وأجاب طلبه، وتيمن بهذه المناسبة بتدوين اسم الملك، كما ذكر فيه اسم "فيشن" أي "فيشان"، وهي الأسرة السبئية الحاكمة التي منها المكربون وهؤلاء الملوك، كما ذكر اسم "بكيل شبام".
وقد ورد في الكتابة المذكورة اسم حصن "الو". وهو حصن ذكر في كتابات أخرى. ويرى بعض الباحثين أن هذه الكتابات هي من ابتداء القرن الرابع قبل الميلاد، أي أن حكم "يدع آل بين"، كان في هذا العهد.
والنص Glaser 529 من النصوص التي تعود إلى أيام "يدع آل بين" "يدع ايل بين" كذلك " وقد ورد فيه اسم عشيرته: "فيشن" "فيشان". وانتقل عرش سبأ إلى "يكرب ملك وتر" من بعد "يدع آل بين" على رأي "هومل"،وهو ابنه
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:10 PM
وقد ذكر اسمه في الكتابة الموسومة ب Halevy 51، وهي عبارة عن تأييد هذا الملك لقانون كان قد صدر في أيام حكم أبية لشعب سبأ ولقبيلة "يهبلح" في كيفية استغلال الأرض واستثمارها في مقابل ضرائب معينة تدفع إلى الدولة، وفي الواجبات المترتبة على سبأ وعلى "يهبلح" في موضوع الخدمات العسكرية، وتقديم الجنود لخدمة الدولة في السلم وفي الحرب. وقد وردت في هذا انص أسماء قبائل أخرى لها علاقة بالقانون، منها قببلة "أربعن" "أربعان"، وكانت تتمنع باستقلالها، يحكمها رؤساء منها، يلقب الواحد منهم بلقب "ملك".
وقد شهد على صحة هذا القانون، وأيد صدق صدوره من الملك، ووافق عليه جماعة من الأشراف وسادات القبائل، قبائل سباً وغيرها، ذكرت أسماؤهم في النص بعد جماعة: "سمعم ذت علم"، أي "سمع هذا الإعلام" أي شهد على صحة هذا البيان، وأيده، ووافق على ما جاء فيه، وهم: "يكرب ملك" و "عم أمر" ابنا "بهلم"، و "سمه كرب بن كريم" "سمه كرب بن كرب"، و "هلك أمر بن حزفرم"، و "عم أمر بن حزفرم"، و "أب كرب بن مقرم"، و "سمه أمر بن هلكم"، و "معد كرب ذ خلفن" "معد كرب ذ خلفن"، و "سمه كرب ذ ثورنهن"، و "نبط آل" ملك قبيلة "أربعن" .
وقد أعلن هذا القانون وأثبت "مثبتم" في السنة الثامنة "ثمنيم" من سني "ذنيلم" "ذي نيل" من سني تقويم "نشاًكرب بن كبر خلل"، وهو من بحفر خنادق وإنشاء بروج تعبيراً عن شكرهم لآلهة سبأ "المقه" و "عثر" و "هوبس" و "ذات حميم"، و "ذات بعدان" و "ذات غضران"، لأنها أنعمت عليه اذ كان قائداً عسكرياً بالتوفيق في عقد صلح بين حكومة سبأ وحكومة قتبان، وقد وضع شروطاً للصلح بين الطرفين على الملك "يثع أمر بين" في مدينة "مأرب"، فوافق عليها، وذلك بعد حرب ضارية استمرت خمس سنوات، كانت قتبان هي التي أشعلت نارها بهجومها على ارض سباً وتعرضها لمدن سبأ بالشرّ. وقد عهد إلى هذا الكاهن و "القين" والقائد أمر محاربة القتبانيين والدفاع عن المملكة، فاستطاع على ما يتبين من النصر وقف هجوم القتبانيين وصدّه، وإجلاء القتبانيين عن الأرضين التي استولوا عليها إلى مدينة "تهرجب" "تهركب".
والكتابة المذكورة، هي من جملة الكتاباًت التي عثر عليها في معبد المقه المعروف عند السبئيين ب "معبد أوام بيت المقه"، في مدينة مأرب. ويظهر من ذكرها أسماء الملوك الثلاثة أن "تيع كرب" "تبعكرب" الكاهن "رشو" والقائد، كان قد خدم هؤلاء الملوك، وكان من المقربين إليهم. وقد نجح في مهمته في عهد الملك "يثع أمر بين" في عقد الصلح بين سبأ وقتبان، وقدم شكره وحمده إلى الإله "المقه" إله سبأ الكبير، ببناء ذلك الجزء من جدار المجد الذي نصبت الكتابة عليه. وقد ساعده في ذلك أهله وعشرته، وذكر أسماء الملوك الثلاثة على الطريقة المتبعة في التمين بذكر أسماء الآلهة وأسماء الحكام الذين في عهدهم تم العمل، وربما على سبيل توريخ الحادث أيضاً. ولما كان "تبعكرب" "تيع كرب" كاهناً "رشو"، فلا استبعد احتمال كونه كاهن معبد "اوام"، لأن كاهناً عادياً لا يمكن أن يقوم بمثل هذا العمل، وأن يتولى قيادة الجيش وإجراء المفاوضات.
وفي هذا النصر إشارة إلى حرب وقعت بين القتبانيين والسبئيين، ظلت مستمرة خمس سنين، وهي حرب من جملة حروب نشبت قبل هذه الحرب ونشبت بعدها بين السبئيين والقتبانيين. وقد انتهت هذه الحرب المتقدمة بتمكن السبئيين من استعادة ما خسروه وبطرد القتبانيين من الأرضين التي استولوا عليها. وفي في النص الموسوم ب Glaser 1693 خبر حرب وقعت أيضاً بين قتبان وسبأ في أيام الملك "يدع أب يجل بن ذمر على" ملك قتبان. وقد دوّْ هذا النص "يذمر ملك" سيد قبيلة "ذرن" "ذران" "ذرأن". وقد قص فيه أعماله وغزواته وحروبه، فذكر أنه تغلب على قبيلة "ذبحن" "ذبحان" صاحبة أرض "حمرر". وعلى قبائل وعشائر أخرى، منها: "ناس" "ناًس"، و "ذودن" "ذودان"، و "صبرم" "صبر"، و "سلمن" "سلمان"، وعلى مدنها ومزارعها وأملاكها. وقد وهبها وحبسها على الإلَه "عم" إلَه قتبان الرئيس و "اني".
وقد أشار "يذمر ملك" في نصه إلى حرب وقعت بين إن وسبأ، واستمرت في أيام "ملوك سباً": "يدع ايل بين" و"سمه على ينف" و "يثع أمر وتر". وحرب تجري في عهد ثلاثة ملوك لا بد أن تكون حرباً طويلة الأجل استمرت سنين، وكان فيها لصاحب النصر شأن خطير فيها، فانتصر على قبائل سبئية عديدة، وانتزع منها أملاكها وسجلها باسم حكومة قتبان.
وحارب مع السبئيين "شعب رعنن"، أي قبيلة "رعن" "رعين". وكان حكامها يلقبون أنفسهم في هذا العهد بلقب "ملك"، كما جاء في نص "يذمر ملك".
وحكم بعد "يثع أمر بين" ابنه "كرب ايل وتر" "كرب آل وتر" واليه تعود الكتابة الموسومة ب Glaser 1571، وهي أمر ملكي أصدره هذا الملك إلى كبار الموظفين وسادات القبائل ومن كان قد ********* حق جمع الضرائب، مثل رؤساء "نزحت" و "فيشان" و "أربعن" و "كبر" كبير "صرواح" "يثع كرب بن ذرح على" وأعيان صرواح. وقد صدر هذا الأمر الملكي في شهر "فرع ذنيلم" "فرع ذي نيل" من سنة "هلك أمر". وقد وقع عليه وشهد بصحته: "كرب ايل يهصدق" من قبيلة "ذي يفعان" و "أب أمر بن حزفرم" و "أب كرب" من قبيلة "نزحتن" و "عم يثع بن مونيان" و "لحى عث بن ملحان" من قبيلة "أربعنهان"، و "أسد ذخر بن قلزان" و "نشأكرب بن نزخنان".
وقد حكم الملك "سمه على ينف" "سمه على ينوف" بعد "كرب ايل وتر" على رأي "هومل" و "فلبي". وقد جعل "فلبى" "كرب ايل" أباً له، غير أنه وضع أمام الاسم "كرب ايل" علامة استفهام دلالة على أنه غير متأكد من دعواه هذه كل التأًكد 2.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:12 PM
وقد ورد اسم "كرب ايل وتر" في الكتابة الموسومة ب Berlin VA 5324 وصاحبها "بعثتر ذو وضأم"، وكان كبيراً على كل قبيلة "أريم" "أريام"، وقد سجلها لقيامه بأعمال زراعية، وبأمور تتعلق بالتروية، مثل حفر أنهار وأغيلة "غيلان" "غيلن"، وبناء سدود لها بحجارة "البلق". وقد ورد فيها أسماء الأماكن التي أجريت فيها هذه الأعمال، وهي: "أثبن" "أثأبن" "أثأبان"، و "مطرن" "مطران"، و "مأتمم"، و "ذفنوتم" "ذوفنوتم" و "سمطانهان"، وهي من مزارع الملك. وغوطة "ذو ضأم" في "سرر أمان". وذكر في آخر النص اسم "ذمر على" وقد سقط لقبه فيه.
وقد ورد اسم "كرب ايل" و "سمه على" في النص المعروف ب REP. EPIG. 4226، وصاحبة رجل اسمه "عم أمر بن معد يكرب". وقد تيمن في نصه بذكر الآلهة. "المقه" و "عثتر"، و "ذات حميم"، و "ذات بعدان"، و "ود". وذكر بعد أسماء هذه الآلهة: "كرب ايل" و "سمه على"، و "عم ريام" "عم ريمم"، و ""يذرح ملك".
وكان "فالبي" وضع اسم "الشرح" "اليشرح" في كتابه "سناد الإسلام"
بعد اسم أبيه "سمه على ينف"، وذكر انه اصبح ملكاً بعده، وذلك على تقديره حوالي سنة "460 ق. م.". ثم ذكت ة هده اسم "ذمر على بين" شقيق "الشرح" الذي حكم على رأي "فلبي" أيضاً حوالي سنة "445 ق. م." ووضع بعده "يدع ايل وتر"، وهو ابن "ذمر على بين"، وقد تولى العرش على تقديره أيضاً حوالي عام "430 ق. م.". ثم وضع بعده "ذمر على بين" وهو- على رأيه- ابن "يدع ايل وتر"، وجعل حكمه في سنة "410" قبل الميلاد، ووضع بعده "كرب ايل وتر"، وكان حكمه في سنة "390" قيل الميلاد.
أما قائمته التي نشرها في مجلة: Le Museon فقد وضع فيها بعد "سمه على ينف" اسم "يدع إيل بين"، وجعله ابن "سمه على"، وجعل حكمه حوالي عام "470 ق. م."، ثم وضع بعده اسم شقيقه "ذمر على"، ولم يجعل "الشرح" ملكاً في هذه القائمة.
وقد ورد في الكتابة الموسومة ب REP. EPIG. 4198 اسم الملك "ذمر على" ملك سباً "ابن ي دع ايل وتر". واسم ابن له بعده، غير أنه أصابه تلف مما أثره. وقد ذكرت فيها أسماء آلهة سبأ، كما ذكر اسم الإلَه "ودّ ذو ميفعان" و "دم ذ ميفعن"، وهو إلَه معيني، كما ورد اسم إلهة معينية، هي "هرن" "هران". وفي ذكر الآلهة السبئية والآلهة المعينية في هذه الكتابة دلالة على اختلاط صاحبها بالمعينيين.
وصاحب الكتابة رجل من "ريمان"، وكان له بيت اسمه "نمرن" نمران و "ريمان" عشيرة من سباً، ويظهر أن جماعة منها نزحت إلى أرض معين، فسكنت بالقرب من "نشق" في مدينة "نمران" التي تعرف اليوم ب "بيت نمران"، ولذلك ذكر آلهة معين مع آلهة سبأ، لاختلاطه بالمعينين. ويرى يعض الباحثين أن ملك سبأ كان قد أسكن هذه الجماعة من الريمانيين عند "نشق" لحماية معين وللدفاع عنها بعد أن خضت لحكم السبئيين.
ولا يستبعد "فون وزمن"، كون الابن الذي عفى أثر اسمه من الكتابة المرقمة ب ERP. EPIG. 4198 هو "سمه على ينف" "سمعهلى ينوف"، المقصود في الكتابة: ERP. EPIG. 4085. وهي كتابة يرى "فون وزمن" إنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وإلى الأيام التي قام بهد "أوليوس غالوس" بحملته على اليمن.
ولدينا جمهرة أخرى جديدة من ملوك سبأ، تتألف من ملكين، هما: "الكرب يهنعم"، و "كرب ايل وتر". وقد عدّها "فلبي" السلالة الثالثة من سلالات الملوك. أما "الكرب يهنعم" فقد ورد اسمه في الكتابة Glaser 291، وقد ذكر أنه كان ملكاً على سبأ، وان اسم أبيه "هم تسع".
وأما "كرب وتر"، فقد ورد اسمه في الكتابة المعروفة ب Glaser 302 وهي من "حدقان" شمال "صنعاء". ويكوّن هذ الملك مع الملك "الكرب"- على رأي "هومل"- جمهرة قائمة بذاتها من جمهرات الملوك.
ووضع "فلي" بعد "كرب ايل وتر" ملكاً اسمه "وهب ايل"، ولم يتأكد من اسم أبيه فوضعه بين قوسين، ووضع أمام اسم الأب علامة الاستفهام دلالة على عدم تأكده، ووضع بعد علامة الاستفهام "ابن سرو"، تعبيراً عن عدم تأكده من صحة اسم هذا الأب، وجعل حكم هذا الملك في حوالي السنة "310 ق. م." ولم يعرف "فلبي" لقب "وهاب ايل".
وتولى الحكم بعد "وهب ايل" ملك اسمه "انمر يهامن" "أنمار يهأمن" "انمر يهنعم" "أنمار يهنعم". أما أبوه، فهو "وهب آل" "وهب ايل" ولا نعرف لقبه الذي عرف به. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن أباه هو الملك المتقدم، ولذلك وضعوه بعده. وقد اختلف الباحثون في كمفية كتابة لقب "أنمار"، فكتبه بعضهم "يهأمن" وكتبه بعض آخر "يهنعم"، ودوّنه بعض آخر على الشكل الأول في موضع، وعلى الشكل الثاني في موضع آخر.
ولعدم وجود صور أصول الكتاباًت ب "الفوتوغراف" في المطبوعات التي نشرت الكتابات التي تعود إلى أيامه، ولأنها أخذتها من استنساخ العلماء لها، أتوقف عن البت في تثبيت لقبه في هذا المكان حتى يتهيأ لي الظفر بصور "فوتوغرافية" لأصول تلك الكتابات، ولهذا السبب كتبت اللقب بالشكلين المذكورين.
وقد نبه مؤلفا كتاب "Sab. Inschr"على ظفرهما بنعت والد "أنمار" من الكتابات: " CIH I.وCIH 517 و CIH642، فجعلاه "يحز". وقد راجعت النص CIH I، فلم أجد علافة بين الملكين، فالملك في هذا النص هو الملك "كرب ايل وتر يهنعم" مللك سبأ، وأبوه هو "وهبا ايل يحز". وأما الملك الذي نتحدث عنه ونقصده هنا، فانه "انمار يهنعم"، ووالده "وهب ايل". وراجعت النص: CIH 517، فوجدته كالنص السابق لا علاقة له بالملك "أنمار" ولا بأبيه، اذ كتب في زمان "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز" أيضاً، ولا علافة له مثل شقيقه بالملك "انمار".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:14 PM
وقد ورد اسم الملك "انمار يهأمن" "يهنعم" في الكتابة الموسومة بCIH 244، وقد سقط منها اسم صاحبها الذي تضرع إلى الآلهة بأن تمنّ عليه بالصحة، وأن تبارك له في نفسه وفي أمواله، وأن ترفع من منزلته ومقامه ومقام ملكه في أيام الملك أنمار يهأمن "يهنعم" ملك سباً. وقد وردت في آخر النص الحروف "ب ت ب"، وأكملها ناشره بإضافة حرف "اللام" إلى الحروف المكسورة، فصارت "ب ت ل ب"، أي "بتالب" ومعناها "بالإله تالب" أو "بحق الإله تالب". ولم يرد في النص بعد اسم الأب نعته، ولم يذكره ناشر النص في كتاب:CIH. أما "ميتوخ" و "مورد تمن" فقد كتباه وجعلاه "يحز".
وأما الكتابة الموسومة ب CIH 642، فلم يرد فيها اسم الملك "أنمار"، ولا اسم "كرب ايل وتر يهنعم"، فلا ادري لِمَ أشار إليها مؤلفا كتاب: Sab. Inschr. على أنه من النصوص التي ورد في نعت "وهب ايل".
". وصاحب هذه الكتابة "مرثد آل بن فسول" "مرثد ايل بن فسول"، وكان "قول" أي قَيْلاً على عشيرة "سمعي"1.
ولدينا كتابة ناقصة، سقط من أولها اسم الآمر بتدوينها، خلاصتها أن صاحب هذه الكتابة قدم تمثالاَ إلى الإلَه "تالب ريم" "تالب ريام" "بعل شصرن" "ش ص ر ن"، أي رب معبد الإلَه المذكور المقام في موضع "شصرن"، لأنه مَنَّ عليه فيردًهُ سالماً من الحرب، وتيمن فيها أيضاً بذكر ملكه الملك "أنمار يهأمن" ملك سبأ. وقد سقطت كلمات من هذه الكتابة سببت تشويهها وغموضها، فلا ندري ما المقصود بهذه الحملة أو الحرب. أهي حملة قام بها الملك "أنمار يهأمن" أم حملة قام بها ملك آخر، أعلنها على الملك "أنمار" ? ويرى مؤلفا كتاب Sab Inschr أن الذي قام بها رجل من "بتع" وقد أمده الملك بمساعدة عسكرية.
وورد اسم الملك "أنمار يهأمن" واسم أبيه، في نص دوّنه أحد سادات "ذ مليحم" "ذي مليحم" "ذي مليح"،
اسمه "وهب ذ سموى اليف" "وهب ذو سموى أليف"، تقرباً إلى الإله: "تألب ريام بعل كبد"، لأنه أجاب دعاءه، فحفظه وساعده، وساعد ابنه وأتباعه، وذلك في أيام الملك المذكور.
وقد جعل "فلبي" حكم "أنمار يهأمن" في حدود سنة "290"، حتى سنة "270 ق. م.". أما "فون وزمن"، فقد جعل حكمه في القرن الأخير قبل الميلاد، فذكر انه كان يحكم في حوالي السنة "60 ق. م.".
وتولى عرش سبأ بعد "أنمار يهأمن" ابنه "ذمر على ذرح"، وقد وصلت إلينا كتابة قصيرة أصيبت في بكسور في مواضع منها، سقط منها اسم "أنمار"، وبقيت كلمة "يهأمن"، وجاء بعدها اسم "ذمر على ذرح" مسبوقاً بالواو حرف العطف، مما يدل على إنها كتبت في أيام أبيه "أنمار يهأمن"، وقد ورد فيها مضافاً إلى اسمي الملكين اسما "ودم" "ود" و "تزاد" "تزأد". وقد قرأ بعض الباحثين اللقب الباقي من اسم "أنمار" على هذه الصورة "يهنعم"، وقد ذكرت إن مردّ هذا الاختلاف إلى اختلاف النساخ.
وانتقل العرش إلى الملك "نشأكرب يهأمن" بعد وفاة "ذمر على ذرح" والده. وقد جعل "هومل" نعته "يهنعم". وقد وصلت الكتابة منه دوّنها عند تجديده وإصلاحه أصنام "أصلم" معبد "عثتر ذ ذب" "عثتر ذي ذب". ويظهر إن أصنام هذا المعبد أصيبت بتلف، فأمر الملك بتجديدها وإصلاح مواضع التلف منها تقرباً إلى الإله "عثتر" الذي خصص به هذا المعبد.
ووصلت إلينا كتابة أخرى من أيام هذا الملك، جاء فيها: أن "نشأكرب يهأمن" قدم إلى "تنف بعلت ذ غضون"، أي إلى "تنف بعلة ذي غضرن" "تنف ربّة ذي غضران" أربعة وعشرين وثناً، لسلامته ولسلامة بيته "سلحن" "سلحين"، ولعافيته وعافية أهله، ولتبعد عند الشر وكل ضر يريده به الشانئون. وذلك بحق "عثتر" و "المقه" ومحق "شمسهو تنف بعلت ذ غضرن" فيظهر من ذلك أن هذا المعبد الذي قدم الملك الأصنام إليه، كان قصد خصص بالآلهة "الشمس النائفة"، وكلمة "تنف" نعت لها، وموضعه في مكان "ذي غضران".
وقد جاء اسم الملك "نشأكرب يهأمن" في نص دوّنه "بنو جرت" "بنو كرت"، "أقول شعبن ذمري وشعبهمو سمهري"6، "ذمرى" وقبيلتهم "سمهر"، دوّنوه تقرباً إلى الإلَه "المقه" "بعل اوم"، أي: رب "أوّام"، ووضعوه في معبده هذا، وهو "معبد أوّام"، حمداً له وشكراً على نعمه وأفضاله لأنه، أي الإلَه "المقه" أسعد ومَنَّ بالشفاء ووفى لسيدهم "نشأكرب يهأمن ملك سباً ابن ذمر على ذرح". ووفقه وأنعم عليه بحاصل وافر وغلة جزيلة قدمت إلى قصره "سلحن" "سلحين"، في أيام الضرّ، أي الحرب وفي أيام السلم. وقدموا من أجل ذلك تمثالين من البرونز، وضعوهما في. مبعده "معبد اوام".ودعوا "المقه" أن يبارك لسيدهم دوما، وأن يمنحه العافية والصحة والقوة، وأن يسعد قصره قصر "سلحين" وكل أتباع "ادم" الملك و "بني جرف" وأقيالهم: وذلك بحق الآلهة: عثتر شرقن، وعثتر ذ ذبن، وهوبس والمقه وذات حميم وذات بعدان وبشمس ملك تنف، وعزيز، وذات ظهرن ربّا "عركنن" وقدما نذرهما إلى عثتر شرقن والمقه رب اوام.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:16 PM
وقد ورد اسم هذا الملك في نص دوّنه "غوث" و "اسلم" وابنه "ابكرب" "أبوكرب" من "بني جميلن عرجن"، أي. "بني آل الجميل العرج"، وهم "كبراء" قبيلة "ميدعم" "ميدع"، وذلك حمداً للإلَه و "المقه تهوان بعل أوّام"، الذي أجاب نداءهم وأغاثهم ومنَّ " عليهم وعلى بيتهم "سلحين" "سلحن" في "جميلن" "الجميل"، وحماهم في الغارة التي أمر بها الملك "نشأكرب يهأمن" على "اًرض عربن"، أي ارض الأعراب لانقاذ أصدقائهم ومواطنيهم من أهل مأرب، وكذلك الجنود والحيوانات التي كانت معهم وإعادتهم إلى مأرب. وإعادوا في نهاية النص حمدهم الإله "المقه" وذلك بحق بقبة الآلهة: عثتر، وهوبس، وذات حميم، وذات بعدان، و "بشمس ملكن تنف".
ويظهر من هذا النص إن أعراباً كانوا قد أغاروا على جماعة من السبئيين، أو انهم هاجموا ارض سبا، فأرسل الملك "نشاكرب يهأمن" قوة من الجيش ومن الأهلين للإغارة عليهم في أرضهم: "ارض العرب" ولاسترجاع ما أخذوه من غنائم واسلاب وأسرى. وكان في جملة من اشترك في هذه الغارة "ابوكرب بن أسلم".
فلما عاد رجالها إلى مأرب سالمين، قدم "أبو كرب" وابوه اسلم وشخص آخر اسمه "غوث" إلى الإلَه "المقه ثهوان" تمثالين وضعوهما في معبده معبد "أوّإم"، تخليداً لهذا الحادث، وتعبيراً عن شكرهم له.
وهذا النص من أقدم نصوص المسند التي تشير إلى الأعراب والى غاراتهم على السبئيين أو على قوافلهم، ومن اقدم النصوص التي ورد فيها اسم "عربن" أي "الأعراب" و "ارض عربن" أي ارض الأعراب. ولم يعين النص موضع "ارض العرب"، فلا ندري أكان قصد أرضاً معينة، ام اراد البادية. والبوادي هي في كل مكان. والأعراب هم في كل مكان من جزيرة العرب، وفي جملتها اليمن بالطبع، وسترى بعد وفي إثناء كلامنا على أيام "يرم أيمن" وأخيه "برج يهرجب"، إخبار غارات وحملات عسكرية أرسلها الملك على الأعراب الساكنين في محاذاة ارض قبيلة "حاشد" وعلى أعراب آخرين "وثبوا على ساداتهم وأمرائهم ملوك سبأ".
وقد وردت في هذا النص جملة "ارضت عربن". فيظهر من ذلك أن اللغة السبئية كانت تعد لفظة "أرض" اسماً مذكراً، وإذا أرادت تأنيثه، قالت: "أرضت"، على حين أن "الأرض" في عربيتنا اسم مؤنث فقط.
وقد عثر على نص آخر، أمر الملك "نشأكرب يهأمن"، بتدوينه، عند تقديمه ستة تماثيل إلى الإلَه "المقه"، لسلامته وسلامة قصره "سلحين"، وسلامة أمواله وأملاكه، وليمنَّ عليه بالسعادة. وعثر على اسمه في نصوص أخرى، كلها في مضمون هذا النص، إذ تخبر عن تقديم هذا الملك تماثيل إلى معابد آلهته، حمداً لها وشكراً، إذ منّت عليه، ولتديم أغداق نعمها وألطافها وبركتها عليه.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن الملك "نشأكرب يهأمن" هو من قبيلة "همدان"، ذلك لأن اسمه من الأسماء الهمدانية المعروفة. وخالف غيرهم هذا الرأي، وقالوا إلْه لم يكن من همدان، وإنا كان من "بني جرت". من قبيلة "سمهر" "سمهرام". وهم يبعدونه بذلك عن "همدان
ويعارضون في كونه آخر ملك من ملوك الأسرة السبئية الحاكمة، بل يشكون في كون أبيه كان ملكاً فعلياً على سبأ.
ويظهر من النصوص المتقدمة أن "نشأكرب يهأمن" كان يقيم في قصر "سلحين" بمأرب، وهو مقر ملوك سبأ ومركز حكمهم. وقد كان حكمه فيما بين السنة "75 ا" والسنة "60 ا" قبل الميلاد على رأي "جامه".
ويلاحظ أن الملك كان يتقرب إلى "شمس تنف بعلت غضرن"، أي إلى الآلهة الشمس تنف ربة موضع "غضرن"، تقرب إليها حتى في أثناء أقامته في عاصمته "مأرب" وفي بيت حكمه قصر "سلحين". ويدل هذا على إن الملك لم ينس آلهة قبيلته وعلى رأسها الآلهة "الشمس"، فقدمها على بقية الآلهة وذكرها مع الإلَه "المقه" إ اسَه سبأ الخاص. والآلهة "شمس تنف"، هي إلهة "بني جرت" من قبيلة "سمهرم" "سمهرام".
ولسنا على علم بمن حكم بعد "نشأكرب"، ولهذا ترك الباحثون بموضوع ترتيب ملوك سبأ فراغاً بعده، يشر إلى عدم معرفتهم باسم من حكم فيه. وقد تصور "فلبي" انه دام ثلاثين عاماً، بدأ سنة "30" وانتهى في سنة "200" قبل الميلاد. وقد وضع "هومل" اسم "نصرم يهأمن" على رأس جمهرة جديدة، رأى إنها حكمت "سبأ"، بعد هذه الفجوة التي لا نعلم من حكم فيها ولا مدتها، ووضع مقابله علامة استفهام للدلالة على انه لا يقول ذلك على سبيل التأكيد، وإنما هو احتمال يراه ولمجرد رأي هو نفسه غير واثق به.
وقد وضع "فلبي" "نصرم يهنعم" "ناصر يهنعم" على رأس الجمهرة الجديدة التي حكمت سبأ في هذا العهد، وجعله رأساً على الجمهرة الرابعة من جمهرات حكام السبئيين، وجعل حكمه في حوالي السنة "200 ق. م."، وجعل له شقيقاً هو "صدق يهب". وقد كتب "فلبي" النعت على هذه الصورة: "يهنعم". أما "هومل" وغيره، فقد كتبوه على هذه الصورة "يهأمن".
واستند "هومل" في وضعه "نصرم يهأمن" هذا الموضع إلى النص الموسوم ب Glaser 265،وقد ورد في عدد من الأشياء كانوا مقربين عند "ناصر يهأمن" منهم "أوسلة بن أعين" "أوسلت بن أعين" الذي هو في نظر بعض الباحثين "أوسلة رفشان" الهمداني. ولما كان "أوسلة" هذا يعاصر "وهب ايل يحز" وكان من جملة المقربين إلى "ناصر يهأمن"، رأى "هومل" أن مكان "ناصر يهأمن" يجب أنْ يكون إذن بعد الفجوة المذكورة مباشرة وقبل اسم "وهب ايل يحز"، فوضعه في هذا المحل.
والنص المذكور، مكتوب على صخرة ناتئة في وسط مرتفعات وعرة مسننة في "جبل ثنين". وذكر "خليل يحيى نامي" أنه رآه ونقشه في "هجر ثنين" وهي تبعد عن غربي "ناعط" زهااء ساعتين على البغال، وهي بين قبيلة "حاشد" و "أرحب". وقد كتب لمناسبة الانتهاء من إنشاء بناءٍ. وقد تيمن فيه على العادة بذكر "ناصر يهأمن" وأخيه "صدق يهب"، وبذكر أسماء من ساعد في إتمام البناء، ومن قام بتسقيفه، وهم من الأشراف وسادات القبائل. ويلاحظ أن النص قد أهمل لقب "ملك" الذي يكتب عادة بعد اسم كل ملك، فلم يذكر بعد اسم "ناصر يهأمن" ولا بعد اسم "صدق يهب".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:38 PM
وقد ورد اسم "ناصر يهأمن" في النص المنشور برقم "7" من كتاب: "نشر نقوش سامية من جنوب بلاد العرب وشرحها". وقد أخبر "ناصر يهأمن" فيه أنه قدم إلى حاميه "تالب ريم بعل حدثن": أي "تالب ريام" رب معيد "حدثان" صنماً، ابتهاجاً بسلامته وعافيته. وفي النص المرقم برقم "21" المنشور في الكتاب نفسه، وقد دوّنه جماعة من "همدان"، لمناسبة إنشائهم بيتاً اسمه "وترن" "وترن" "وتران"، وجعلوه في حماية حاميهم الإلَه "تالب ريام"، وتيمناً بهذه المناسبة دوّنوا اسم "ناصر يهأمن" و "صدق يهب"، وليزيد الإلَه "تالب ريام" من نفوذ قبيلة "همدان" التي ينتسب إليها هؤلاء. ويلاحظ أن هذا النص وكذلك النص الآخر لم يذكر لقب "ملك" بعد اسم "ناصر يهأمن".
وأصحاب هذا النص، هم: "برج يحمد" "بارج يحمد"، ونجوه "يرم نمرن" "يريم نمران"، و "نشأكرب"، و " كربعثت"، بنو "أنضر يهرجب" من "بني ددن" "بني دادان". وقد ورد اسم هذه الجماعة،
وهم من أسرة واحدة، في نص آخر، يظهر منه أنهم كانواُّ يقيمون في موضع "اكنط" "أكنط"، المعروف في عهدنا باسم "كانط". وقد ذكر "الهمداني" بيتاً من بيوت "أكانط" سماه "زادان"، قد يكون اسم عشيرة هذه الأسرة المسماة "دادان"، حُرف فصار "زادان".
ولم يلقب "ناصر يهأمن" ولا "صدق يهب" في نص آخر بلقب "ملك" وأصحاب هذا النص من "همدان" كذلك. وقد دوّنوا فيه هذه الجملة: "وبمقم مرايهمو" قبل اسم "نصرم يهأمن"، أي "رحق أمريهم"، أو "وبمقام أمريهم"، أو "وبجلالة أو رئاسة أميريهم"، ولم نجد في هذا النص أيضاً ما يشير إلى انهما كانا ملكين، أو إن أحدهما كان ملكاً على سبأ أو همدان.
وأرى إن في أعمال هذه النصوص للقب "ملك"، وفي عدم تدوينها له بع اسم "نصرم يهأمن" "ناصر يهامن"، دلالة قوية على إن "ناصر يهأمن" لم يكن ملكاً، وإنما كان أميرأ، يؤيدها ويؤكدها استعمال النصوص قبل الاسم لفظة "امراهمو" "مرايهمو"، التي تعني "أميريهم".
ولو كان "ناصر" أو شقيقه "صدق يهب" ملكين لما نعتا في بعض هذه النصوص ب "أميرين"، ولما أهملت النصوص لفظة "ملك" هذا الإهمال. ولا حجة لرأي من قال انه كان ملكاً، لأنه كان صاحب لقب، وهذا اللقب هو "يهأمن"، وهو نعت خاص بالملوك، ذلك لأننا لا نملك دليلاً قاطعاً يثبت إن كل من كان ينعت نفسه بنعت كان ملكاً، وان نوعاً خاصاً من النعوت كان قد حرم على الناس، لأنه خصص بالملوك. وآية بطلان هذا الرأي أننا نجد كثيراً من سادات القبائل وسائر الناس يحملون ألقاباً أيضاً من نوع ألقاب الملوك، فليس في الألقاب تخصيص وتنويع في نظري.
وبناء على ما تقدم، لا نستطيع إدخال "ناصر يهأمن" ولا أخيه "صدق يهب" في عداد ملوك سباً، ونرى وجوب اعتدادهما سيدين كبيرين من سادات قبيالة "همدان"، كان لهما سلطان واسع على قبيلتها وفي سباً، ولذلك ذكر أشراف القبيلة اسميها في كتاباتهم، ولقبوهما بلقب "أمرائهم" فالواحد منهم هو بمنزلة "أمير"، ومعنى ذلك إن "ناصر يهأمن" كان أميراً على همدان، وكذلك كان أخوه. والظاهر إن تقديم اسم "ناصر يهأمن" على اسمم أخيه، يشير إلى إن "ناصر يهأمن" كان أكبر سناً من شقيقه، لذلك كان هو المقدم عليه.
ويظهر من بعض النصوص التي ذكرت اسم "ناصر يهأمن" انه كان قوياً، وله قوة عسكرية ضاربة، وتحت إمرته عدد من القادة، بدليل ورود لفظة "مقتت"، جمع "مقتوى"، ومعناها "الضباط" و "القادة"، وقد اشتركت قواته في بعض المعارك، في عهد الملك "نشأكرب يهأمن"، وكان من المعاصرين له. والظاهر انه بقي حياً إلى أيام "وهب ايل يحز". وبناء على هذا يكون قد عاش في حوالي السنة "75 ا" والسنة "150" قبل الميلاد، وذلك على افتراض إن حكم "نشأكرب يهأمن" كان فيما بين السنة "175" والسنة "160" قبل الميلاد، وان حكم "وهب ايل يحز" كان بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد، على حسب تقدير "جامه".
وليس في استطاعتنا تحديد العمل الذي قام به "صدق يهب" في همدان، فليس في النصوص التي بين أيدينا ما يكشف الستار عن ذلك. ولا نعرف كذلك زمان وفاة "صدق يهب"، والظاهر إن وفاة كانت في أيام "وهب ايل يحز" اذ انقطعت أخباره منذ ذلك الحين 1.
وليس بين الباحثين في العربيات الجنوبية أي خلاف في أصل "ناصر يهأمن" وأخيه، فقد اتفقوا جميعاً على انه من قبيلة "همدان"، ذلك لأنهما نصّا صراحة في أحد النصوص المدونة باسمهما على انهما من همدان. ويظهر من ذلك إن قبيلة همدان كانت قد أخذت تؤثر في هذه الأيام تأثيراً كبيراً، حتى لقبّ ساداتها أنفسهم بلقب "ملك"، متحدين بذلك سلطة ملوك سبأ الشرعيين.
ووضع "هومل" "وهب آل يحز" "وهب ايل يحز"، بعد "ناصر يهأمن"، وسار "فلبي" على خطاه. وقد كان زمان حكمه في حدود سنة "180 ق، م." على تقدير "فلي". وكان يعاصره "أوسلت رفش" "أوسلة رفشان"، أمير "همدان"، وهو والد الأمرين "يرم أيمن" و "برج يهرحب" "بارج يهرحب".
ويظهر من النص: Glaser 1228أن "وهب ايل يحز"، تحارب هو و "الريدانيون" ورئيسهم إذ ذاك "ذمر على". وقد ساعد "وهب ايل يحز" في هذه الحرب "هوف عم" "هو فعم" و "مخطرن" "مخطران" و"سخيم" و "ذو *********ان" و "بنو بتع"، وانضم إلى جانب الريدانيين "سعد شمس" و "مرثد". وتشر هذه الكتابة وكتابات أخرى إلى مساع بذلها رؤساء "ريدان" في منافسة ملوك سبأ وانتزاع العرش منهم.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:41 PM
وقد ورد في النص المذكور: "سعد شمس ومرثدم" وقبيلته "ذو جرت" بمدينة "صنعو". وهذه هي المرة الأولى التي يرد فيها اسم "صنعو" "صنعاء". وقد ورد اسمها بعد ذلك بقليل في الكتابتين: Jamme 692 و Jamme644. ويظهر من ذلك أن "صنعو" كانت في ضمن أرض قبيلة "جرت"، غير إنها كانت قريبة جداً من حدود أرض قبيلة "بتع". وأما "شعوب" التي لا تبعد سوى كيلومتر واحد أو كيلومترين عن الجهة الشمالية الغربية من "صنعاء"، فقد كانت في أرض قبيلة "بتع".
وقد أشير إلى حرب "وهب ايل يحز" مع الريدانيين، في النص الموسوم ب Jamme 561 Bis، وهو نص دوّنه "يرم أيمن" "يريم أيمن"، وأخوه "برج يهرحب" وابنه "علهان" أبناء "أوسلت رفشان"، وهم من "همدان" أقيال "أقول" قبيلة "سمعي" ثلث "حاشد"، وذلك عند تقديمهم تمثالاً إلى الإله " المقه ثهون": بعل "اوام" لأنه من عليهم وعلى عبيده "ادم هو
"ادمهو" أبناء همدان: وعلى قبيلتهم حاشد، وأغدق عليهم نعماءه وأعطاهم غنائم كثيرة في الحرب التي وقعت بين ملوك سبأ وبين "بني ذي ريدان"، واشتركوا فيها، إذْ ترأسوا بعض القوات. وكذلك في غاراتهم على أرض العرب المجاورين لقبيلة حاشد والنازلين على حدودها، أولئك العرب الذين أخطأوا خطأ تجاه أمرائهم وساداتهم ملوك سبأ "املك سبا"، وتجاه بعض قبائل ملك سبأ، ولأن الإلَه "المقه"، أنعم عليهم بأن جعل الملك "وهب ايل يحز" "ملك سبأ" راضياً عنهم، مقرباً لهم، ولأنه أعطاهم ذرية ذكوراً وحصاداً جيداً، ولكي يديم نعمه عليهم ويبارك فيهم ويعطيهم الصحة والقوة وذلك بحق عثتر و "المقه" وبحق حاميهم "شيمهم" وشفيعهم "تالب ريام".
ويتبين من هذا النص إن "يرم أيمن" وشقيقه كانا تابعين لملك سبأ، وانهما كانا مع "علهان بن برج" من الأقيال على عشيرة "سمعي" التي تكون ثلث مجموع قبيلة "همدان" في هذا العهد، وانهم كانوا في خدمة ملك سبا.
ويظهر انهم إنما أشاروا إلى مهاجمتهم لأرض العرب، والعرب المخالفين لأمر ملك سبأ لأن هؤلاء العرب كانوا على حدود أرض قبيلة همدان، وقد تعرضت أرض هذه القبيلة وارض قبائل أخرى لغارات هؤلاء الأعراب، الذين كانوا ينتهزون الفرص لغزو الحضر كما هو شأنهم في كل زمان ومكان. وقد نجحوا في تأديب هؤلاء الأعراب، كما نجحوا في الاشْتراك مع بقية قوات "وهب ايل يحز" في تكيد "بني ذي ريدان" خسائر فادحة في الحرب التي نشبت بينهم وبين هذا الملك. وقد كان الريدانيون أسلاف الحميريين من سكان اليمن البارزين في هذا العهد.
وقد ميّز أهل اليمن وبقية العربية الجنوبية أنفسهم عن أهل الوبر، أي القبائل المتنقلة التي تعيش في الخيام، أن دعوا قبائلهم بأسمائها، وهي قبائل مستقرة تسكن قرى ومدناً ومستوطنات ثابتة وسموا القبائل البدوية المتنقلة، ولا سيما القبائل الساكنة في شمال العربية الجنوبية "عربن" أي أعراب، وسمّوا أرضهم "أرض عربن" و "ارضت عربن"، أي أرض العرب.
ويظهر من ورود جملة "أملك سبا"، أي "ملوك سبأ" الواردة في هذا النص وفي نصوص أخرى، وجود ملوك عدة كانوا يحكمون سبأ في زمان تدوين هذه النصوص. ولكننا نرى إن هؤلاء الملوك لم يكونوا ملوكاً فعليين، حكموا سبا بالاشتراك مع ملك سبأ الحاكم، وإنما كانوا رؤساء وسادة قبائل خاضعين لحكم المك، وقد كانوا أصحاب امتيازات، يحكمون أرضهم حكماً مباشراَ مع اعترافهم بحكم ملك سبأ عليهم، ويجوز انهم كانوا يلقبون أنفسهم بلقب ملك، على سبيل التعظيم والتفخيم ليس غير، فهم ملوك مقاطعات وأرضين، لا ملوك حكومات كبيرة كحكومة سبأ.
وقد ورد اسم "وهب ايل يحز" في الكتابة الموسومة ب:cih 360، وصاحبها "سعد تألب يهئب" من موضع "سقهن" "سقرن" "سقران"، ذكر فيها أنه قدم إلى الإلَه "تالب ريام" نذراً: تمثالاً وضعه في معبد الإلَه في "رحين"، في أيام سيده "مراسموا" الملك "وهب ايل يحز". وقد ورد اسم صاحب هذه الكتابة في النص الموسوم ب Mm33+34،
وقد دونه جماعة من "بني بتع" و "سخيم" و "ذي نعمان" تقرباً إلى الإله "عثتر شرقن"، لأنه نجى "سعد تألب يهثب"، ومد في عمره في الحروب التي أشعلها في "ردمان" وفي أماكن أخرى. ولا يعقل بداهة قيام مدوّني النص، وهم سادات القبائل، ببناء "نطعت" وذلك تقرباً إلى الإله "عثتر شرقن" إذ منّ على "سعد تألب يهئب" باًلحياة والنجاة في الحروب التي خاضها، لو لم يكن لهذا الرجل علاقة بهذه العشائر ولو لم يكن من أهل الجاه والمكانة والسلطان، ويتبين من كتابات أخرى أنه كان محارباً اشترك في حروب عدة، فلعته كان من كبار قواد الجيش في أيام "وهب ايل يحز"، وقاد جملة قبائل في القتال منها، هذه التي دونت تلك الكتابة.
وذكر اسم الملك "وهب ايل يحز" في كتابة ناقصة قصيرة، أشير فيها إلى "كبر خلل"، اي "كبير" قبيلة أو موضع "خليل" والى اسم الملك "وهب ايل يحز" "ملك سبأ". والظاهر أن صاحب تلك الكتابة أو أصحابها كانوا من أتباع "كبير خليل".
ولم نعثر حتى الآن على اسم والد "وهب ايل يحز".
ولم ترد في نصوص المسند الشارةٌ ما إلى مكانته ومنزلته، لذلك رأى بعض الباحثين أن أباه هذا لم يكن من الملوك، بل ولا من الأقيال البارزين، وإلا أشير في النصوص إليه، إنما كان من سواد الناس، وأن ابنه "وهب ايل يحز" هذا أخذ الحكم بالقوة، ثار على ملوك سبأ في زمن لا نعلمه، وانتزع الملك منهم، ولقب نفسه بلقب "ملك سباً" 0 أما ابنه الذي جاء من بعده، فقد لقب نفسه بلقب "ملك" كما لقب والده بلقب ملك. ولو كان والد "وهب ايل يحز" ملكاً، لذكر إذن في النصوص، ولأشير إلى لقبه.
وقد جعل "جامه" حكم "وهب ايل يحز" بين السنة "160" والسنة "145" قبل الميلاد.
وانتقل الحكم بعد وفاة "وهب ايل يحز" إلى ابنه "انمرم يهأمن" "أنمار يهأمن"، على رأي "جامه"،في حين أغفله أكثر من بحثوا في هذا الموضوع وقرروا إن الحكم انتقل إلى "كرب ابل وتر يهنعم"، وهو ابن "وهل ايل" مباشرة بعد وفاة أبيه. ويرى "جامه" إن حكم "انمار يهأمن" ابتدأ بسنة "145" قبل الميلاد، وهي سنة وفاة أبيه وانتهى بسنة "130" قبل الميلاد، حيث انتقل الحكم إلى شقيقه من بعده.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:43 PM
وقد ورد اسم هذا الملك في النص الموسوم ب Jamme 562 وقد دوّنه "سخمان يهصبح" من "بني بتع"، وكان "ابعل بيتن وكلم أقول شعين سمعي"، أي "سيد بيت وكل"، وقيل عشرته "سمعي" التي تكوّن ثلث قبيلة "حملان"، عند تقديمه "صلمن" تمثالاّ إلى الإلَه "المقه رب أوّام"، وضعه في معبده "معبد آوّام"، لوفائه لكل ما طلبه منه، ولاستجابته لدعائه، ولأنه وفقه ووفق أهله وعشيرته في مرافقة الملك "أنمار يهأمن ملك سباً" ابن "وهب ايل يحز ملك سبأ" في عودته من "بيت بني ذي غيمان" إلى قصره "سلحين" مقر ملكه بمدينة مأرب، ووفق مرافقيه وأقباله وجيشه في عودته هذه، ولأنه منّ على صاحب النص بأن منحه أنماراً كثيرة وغلة وافرة وحصاداً جيداً، وليديم نعمه عليه، وذلك بحق الآلة: عثتر، وهوبس، والمقه، وذات حميم، وذات ة بعدان، و "شمس ملكن تنف"، وبحاميه، وشفيعه تالب ريام بعل شصر. وقد وضع التمثال والكتابة المدونة تحت حماية "المقه" في معبده "أوّام" ليحميها من كل من يحاول تغيير موضعهما أو أخذهما.
وقد كان "سخمان يهصبح" من الأقيال الكِبار في هذا العهد. كان قيلاً على "سمعي" كما كان سيداً من سادات "بيت وكل".
أي من أصحاب الرأي المطاعين في عشيرة "سمعي". والظاهر أنه كان في موضع "وكل" ناد، أي دار للرأي والاستشارة، يحضره كبار العشيرة ويتشاورون فهيما يحدث من حادث هذه العشيرة. فهو بمنزلة "دار الندوة" عند قريش.
ويظن أن الملك "أنمار" المذكور في النص: Rep. Epig 3992 والذي لم يذكر نعته، هو هذا الملك. وقد دوّن هذا النصر رحل اسمه "وهب ذي سمي أكيف ذو مليح" "م ل ي ح": وذلك عند تقربه إلى الإلهَ "تالب ريام بعل كبدم"، بتقديمه تمثالاً إليه، تعبيراً عن شكره وحمده له، لأنه منّ عليه وساعده وأجاب كل ما طلبه منه، ومكنه من خصم له خاصمه في عهد الملك "أنمار".
وانتقل الحكم بعد وفاة "أنمار يهأمن" إلى شقيقه "كرب ايل وتر يهنعم"، وقد ذكر. اسمه في كتابات عديدة لا علاقة لها به، وإنما دوّنته فيها تيمناً باسمه وتخليداً لتاريخ الكتابة ليقف على زمانها الناس. وأهم ما فيَ هذه الكتابات من جديد، ورود اسم إلَه فيها لم يكن معروفاً قبل هذا العهد ولا مذكوراً بين الناس، هو الإلَه "ذ سموي"، أي "صاحب السماء" "صاحب السماوات" أو "رب السماء".
وسأتحدث عنه وعن هذا التطور الجديد الذي حدث في ديانة العرب الجنوبيين فيما بعد.
وقد ذكر اسم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" في النص الموسوم ب Jamme 568 وقد دوّنه أناس من "بني عثكلن" "عثكلان"، حمداً وشكرا للإله "المقه ثهوان" الذي أنعم عليهم وحباهم بنعمه، وأعطاهم حصاداً جيداً وغلة وافرة، وليزيد في توفيقه لهم ونعمه عليهم، وليبعد عنهم أذى الحسّاد وشر الشانئين. وقد كتب في عهد الملك "كرب ايل وتر يهنعم بن وهب ايل يحز"، ليبارك الإلَه "المقه" فيه.
كما جاء اسم هذا الملك في نص آخر دوّنه قبل من أقيال "غيمان" وسم -Jamm 564، دوّنه عند تقديمه "صلهن" تمثالاً إلى الإلهَ "المقه" حمداً به وشكراً على إنعامه عليه وعلى جيش وأقيال الملك "كرب ايل وتر يهنعم"، ولأنه من عليه وأعطاه حاصلاً طيباً وغلة وافرة وأثماراً كثيرة، وليمنّ عليه وعلى قومه في المستقبل ايضاً، وذلك بحق المقه وفي الألة عثتر ذي ذبن، وبحر حطبم، وهوبس، وثور بعلم، وبالمقه بمسكت، ويثو برآن، وذات حميم، وذات بعدان، وبحاميهم وشفيعهم حجرم قمحمم بعل حصنى "تنع"، ولمس بعل بيت نهد، وعثتر الشارق، والمقه بعل أوّام.
ويظهر من هذا النص إن صاحبه كان يتولى وظيفة مهمة في "مأرب"، وانه كان مقدماً في بيت الحكم قصر "سلحين"، وكان يساويه في هذه المنزلة رجل اسمه "رثدم" "رثد" من "مأذن"، اذ كان يحكم مأرباً أيضاً، ويتمتع بمنزلة كبيرة في دار الحكم "قصر سلحين". وقد حكما مأرباً معاً بتفويض من الملك وبأمر منه، حكما من القصر نفسه، اذ كانت دائرة عملها فيه ". ويظهر منه أيضاً إن اضطراباً وقع في مأرب في زمان حكمهما، دام خمسة أشهر كاملة، أثّر تأثيراً كبيراً في العاصمة، وقد سأل، الحاكمان الملك أن ي*********هما حق التدبير للقضاء على الفتنة، فأصدر الملك أمراً أجابها فيه إلى ما سألآه الحاكمين، غير إن نار الفتنة لم نخمد بل بقيت مشتعلة خمسة أشهر كاملة، كان الملك في خلالها يلح على الحاكمين بوجوب قمع الفتنة وإعادة الأمن، واستطاعا ذلك بعد مرور الأشهر المذكورة باشتراك الجيش في القضاء عليها.
ولم يذكر النص الأسباب التي دعت أهل مأرب إلى العصيان، ولكن يظهر إن من جملة عواملها تعيين صاحب النص، واسمه "أنمار"، وهو من "غيمان" حاكماً على مأرب، وكان أهل العاصمة يكرهون أهل غيمان، وكانوا قد حاربوهم في عهد الملك "أنمار يهأمن" شقيق "كرب ايل وتر يهنعم"، فساءهم هذا التعيين ولم يرضوا به. ولما أبى الملك عزله، ثاروا وهاجوا مدة خمسة أشهر حتى تمكن الجيش من إخماد ثورتهم.
وقد ذكر "كرب ايل وتر" في النص: Jamme 565 بعد اسم "يرم أيمن"، وفيه نعته، وهو "يهنعم"، وعبر عنهما بلفظة "ملكي سبأ"، أي "ملكا سبأ"، واستعمل لفظة "واخيهو"، أي "وأخيه"، وقد ترجمها "جامه" بمعنى "حليفه"، فالتآخي في نظره بمعنى التحالف والحلف. وإذا أخذنا بهذا المعنى، فنستنتج من ذلك أن العلاقات بين الحاكمين لم تكن سيئة. يوم كتب هذا النص وان ادعى كل منها أنه ملك سبا، وإنما يظهر أنهما كانا يحكمان معتاونين، بدليل ما ورد في النص من أن "املك سبا"، أي ملوك سبا كلفوا صاحبي النص أن يخوضا معارك أمروهما بخوضها، فخاضاها ورجعا منها بحمد الإلَه "المقه" سالمين.
ويرى "جامه" أن حكم الملك "كرب ايل وتر يهنعم" امتد من سنة "130" حتى السنة "115" قبل الميلاد، أو من سنة "115" حتى السنة "00 ا" قبل الميلاد. وبذلك يكون حكم "وهب ايل يحز" وحكم ابنيه "أنمار يهأمن" و "كرب ايل وتر يهنعم" قد امتدا من سنة "160" حتى السنة "115" أو "100" قبل الميلاد.
وليس لنا علم عن ذر"ة الملك "كرب اُّل وتر يهنعم"، فليس في أيدينا نص ما يتحدث عن ذلك. وكل ما نعرفه أن الحكم انتقل بعد أسرة "وهب ايل يحز" إلى مللك آخر هو الملك "يرم أيمن"، وهو من "همدان"، وهمداّن كما قلت فيما سلف من القبائل التي اكتسبت قوة وسلطاناً في هذا العهد، وقد سبق أن تحدثت عن "ناصر يهأمن" وعن شقيقه "صدق يهب".وقلت إنهما من همدان، وقد حان الوقت للكلام على هذه القبيلة التي ما تزال من قبائل اليمن المعروفة، ولها شاًن خطير في المقدرات السياسية حتى الآن.
الآن وقد انتهيت من الكلام على آخر مللك من ملوك "سبأ" وختمت به عهداً من عهود الحكم في سبأ، أرى لزاماً علي أن أشير إلى ملك قرأت اسمه في نص قصير، نشر في كتاب CIH وكتاب REP. EPIG. يتألف من سطر واحد، هو: "وهب شمسم بن هلك أمر ملك سبا"، ولم أجد اسمه فيما بين يدي من قوائم علماء العربيات الجنوبية لملوك "سبأ"، ولم أعثر على نصوص أخرى من عهده، فتعسّر عليّ تعيين مكانه بين الملوك. وقد يعثر على نصوص جديدة تكشف عن شخصية وهويته ومحله بين الملوك.
وأود أيضاً إن أشر إلى ورود اسم مللك ذكر في النص:Jamme 551، واسمه "الشرح بن سمه على ذرح" "الشرح بن سمهعلى ذرح"، وقد نعت فيه ب "مللك سبأ" وهو صاحب هذا النص والآمر بتدوينه، ذكر فيه إنه شّيد ما تبقى من جدار المعبد من الحافة السفلى للكتابة المبنية في الجدار حتى أعلى المعبد، تنفيذاً لارادة المقه التي ألقاها في قلبه، فحققها على وفق مشيئة ذلك الإلَه وارادته، ليمنحه "المقه" ما أراد وطلب،
وذلك في الآلة: "عثتر" و "هوبس" و "المقه" وبحق "ذات حميم" و "ذات بعدان"، وبحق أبيه "سمه على ذرح" "ملك سبأ"، وبحق شقيقه "كرب ايل".
وورد اسم الملك "يدع ايل بن كرب ايل بين" "مللك سبأ" في النص:Jamme 558، الذي دوّنه قوم من عشيرة "عبلم" "عبل" "عبال"، عند تقديمهم ثمانية "امثلن" "أمثلن"، أي تماثيل إلى معبد الإلَه "المقه" "بعل" أوّام ليحفظهم ويحفظ أولادهم وأطفالهم ويعطيهم ذرية، وليبارك في أموالهم، وليبعد عنهم كل بأس وسوء ونكاية، وحسد حاسد وأذى عدوّ. وقد ذكر في النص بعد اسم الملك "كرب ايل بين" اسم "الشرح بن سمه على ذرح"2.
هذا ولا برد لنا- وقد انتهينا من ذكر اسم آخر مللك من ملوك سباً- من إبداء بعض الملاحظات على هذا العهد. ففيما كان الناس في عهد المكربين وفي عهد الملوك الأول إلى عهد "كرب ايل وتر بن يثع أمر بين" المعروف ب "الثاني" في قائمة "هومل" لملوك سباً،
قد صرفوا تمجيدهم إلى إلَه سبأ الخاص وهو "المقه" تليه بقية الآلهة، وجدنا الكتابات التي تلت هذا العهد، تمجيّد معه أرباباً آخرين لم يكن لهم شأن في العهدين المذكورين، مثل الإلَه "تألب ريام"، وهو إلَه "همدان" خاصة، ومثل الإلَه "ذ سموى" "فهو سماوي"، أي الإلَه "رب السماء" "رب السماوات". وفي تمجيد بعض الناس لآلهة جديدة، دلالة صريحة على حدوث تطورات سياسية وفكرية في هذا العهد.
وتفسير ذلك أن بروز اسم إلَه جديد، معناه وجود عابدين له، متعلقين به، هو عندهم حاميهم والمدافع عنهم، ففي تدوين اسم "تالب ريام" بعد "المقه" أو قبله في الكتابات، دلالة على علو شأن عابديه، وهم "همدان"، ومنافستهم للسبئيين، وسنرى فيما بعد أنهم نافسوا السبئيين حقاً على الملك، وانتزعوه حيناً منهم. وطبيعي إِذن أن يقدم الهمدانيون إلى إلههم "تألب ريام" الحمدَ والثناء، لأنه هو إلههم الذي يحميهم ويقيهم من الأعداء، ويبارك فيهم وفي أموالهم، وكلما ازداد سلطان هَمدان، أزداد ذكره، ونعدد تدوين اسمه في الكتابات.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:45 PM
أما الناحية الفكرية، فإِن في ظهور اسم الإلهَ "ذ سموى"، دلالة على حدوث تطور في وجهة نظر بعض الناس بالنسبة إلى الألوهية وتقربهم من التوحيد وعلى ابتعاد عن فكرة الألوهية القديمة التي كانت عند آبائهم وأجدادهم وعن "المقه" إلهَ شعب سبأ الخاص.
ويلاحظ أيضاً ظهور لقب "يهأمن" و "يهنعم" منذ هذا الزمن فما بعده عند ملوك سبأ. وقد رأينا أن ألقاب مكربي سبأ وملوك الصدر الأول من سبأ لم تكن على هذا الوزن: وزن "يهفعل"، وهو وزن عرفناه في ألقاب مكربي وملوك قتبان فقط، اذ رأينا الألقاب: "يهنعم" و "يهرجب" و "يهوضع" تقترن بأسماء الحكام. وفي تلقب ملوك سبأ بها دلالة على حدوث تطور في ذوق الملوك بالنسبة إلى التحلي بالألقاب.
ويتبن من دراسة الأوضاع في مملكة سبأ أن أسراً أو قبائل كانت صاحبة سلطانّ، وكانت تتنافس فيما بينها، وتزاحم بعضها بعضاً. منها الأسرة القديمة الحاكمة في مأرب، ثم الأسرة الحاكمة في حمير، ثم "سعي"
وهي قبيلة كبيرة صاحبة سلطان وقد كونت مملكة مستقلة، منها "بنو بتع" وفي أرضهم وهي في الثلث الغربي من "سمعي" تقع أرض "حملان" وعاصمتها "حاز" و "مأذن". ثم الهمدانيون، ومركزهم في "ناعط". ثم "مرثدم" "مرثد" وهم من "بكلم" "بكبل"، ومواطنهم في "شبام أقيان". ثم "كرت" "جرت" "جرة" ومنها "ذمر على فرح".
مأرب
وإذا كانت صرواح عاصمة المكربين ومدينة سبأ الأولى، فإن "مرب" "م رب" "مريب"، أي مأرب هي عاصمة سبأ الأولى في أيام الملوك، ورمز الحكم في سبأ في هذا العهد. وهي وان خربت وطمرت في الأتربة إلاً أن اسمها لا يزال سبأ معروفا، ولا يزال موضعها مذكوراً، ويسكن الناس في "مأرب" و"مأرب" الحاضرة هي غير مأرب القديمة، فقد أنشئت الحاضرة حديثاً على أنقاض المدينة الأولى، على مرتفع تحته جزء من أنقاض المدينة القديمة وتقع في القسم الشرقي من مدينة "مأرب" الأولى
وقد كانت مأرب كأكثر المدن اليمانية الكبيرة مسورة بسور قوي حصين له أبراج، يتحصن به المدافعون اذا هاجم المدينة مهاجم. وقد بني السور بجحر "البلق" كما نص عليه في الكتابات، وهو حجر صلد قُدَّ من الصخور، أقيم على أساس قوي من الحجر ومن مادة جيرية تشد أزره، وفوقه صخور من الغرانيت. ويحيط السور بالمدينة، بحيث لا يدخل أحد إليها الا من بابين. فقد كانت مأرب مثل "صرواح" ذات بابين فقط في الأصل.
وأعظم أبنية مأرب وأشهرها، قصر ملوكها ومعبدها الكبير. أما قصور ملوكها فهو القصر المعروف بقصر "سلحن" "سلحين" "سلحم". وقد ورد ذكره في الكتابات، وعمر ورمم مراراً. وقد ورد في لقب النجاشي "ايزانا" Ezana، ملك "أكسوم"، وذللك في حوالي السنة "350 م" ليدل بذلك على امتلاكه لأرض سبأ واليمن. وقد عرف في الإسلام، وذكره "الهَمْداني" في جملة القصور الشهيرة الكبيرة في اليمن.
ويقع مكانه في الخرائب الواسعة الواقعة غرب المدينة، والى الجنوب من خرائبه خرائبُ أخرى على شكل دائرة، تحيط بها أعمدة، يظهر إنها لم تكن مبنية في الأصل. وتشاهد أعمدة وأتربة متراكمة هي بقايا معبد "المقه" إلَه سبأ،
المعروف ب "المقه بعل برآن" "المقه بعل بران" أي معبد "المقه" "رب برأن". وفي الناحية الشمالية والغربية من المدينة وفي خارج سورها، تشاهد بقايا مقبرة جاهلية، يظهر إنها مقبرة مأرب قبل الإسلام. وتشاهد آثار قبورها، وقد تبين منها ان بعض الموتى وضعوا في قبرهم وضعاً، وبعضهم دفنوا وقوفاً، وقد حصل "كلاسر" وغيره من السياح والباحثين على أحجار مكتوبة، هي شواهد قبور %)345( وعلى مسافة خمسة كيلومترات تقريباً من مأرب، تقع خرائب معبد شهير، كانت له شهرة كبيرة عند السبئيين، يعرف اليوم ب "حرم بلقيس" وب "محرم بلقيس"، وهو معبد "المقه بعل أوم"، أي معبد الإله "المقه" رب "أوام". ويرى بعض الباحثين أن هذا المعبد هو مثل معبد "المقه" في "صواح" والمعبد المسمى اليوم ب "المساجد" من المعابد التي بنيت في القرن الثامن قبل الميلاد. وقد بناها المكرب "يدع ايل ذرح".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:47 PM
وقد يكون المعبد الخرب في "روديسيا" والمعبد الآخ في "اوكاندا" "أوغاندا"، من المعابد المتأثرة بطراز بناء معبد "حرم بلقيس"، فان بينهما وبين هذا المعبد شبهاً كبيراً في طراز البناء وفي المساحة والإبعاد.%)346( وعلى مسافة غير بعيدة من "حرم بلقيس"، خرائب تسمى "عمائد" "عمايد" في الزمن الحاضر، منها أعمدة مرتفعة بارزة عن التربة، ويظهر إنها بقايا معبد "برأن" "برن" "بران" خصص بعبادة الإله "المقه" الذي ذكر في الكتابة الموسومة ب Glaser 479 وفي الجهة الغربية من هذا المعبد، تشاهد أربعة أعمدة أخرى هي من بقايا معبد آخر.
قوائم بأسماء ملوك سبأ
قائمة "هومل"
أول ملك وآخر مكرب هو "كرب آل وتر" "كرب ايل وتر" الذي جمع بين اللقبين: لقب "مكرب" المقدس ولقب "ملك" الدنيوي. وقد تلاه عدد من الملوك وأبناء الملوك هم: سمه على ذرح.
الشرح بن سمه على ذرح.
كرب آل وتر بن سمه على ذرح.
يدع آل بين بن كرب آل وتر.
يكرب ملك وتر.
يثع أمر بين.
كرب آل وتر.
ويرى هومل إن أسرة جديدة تربعت عرش "سبأ" بعد هذه الأسرة المتقدمة، خلفتها إما رأساً وإما بعد فترة لا نعرف مقدارها بالضبط، قدّرها بنحو خمسين سنة امتدت من سنة "450" حتى سنة "400" قبل الميلاد. وتتألف هذه الأسرة من: سمه على ينف.
الشرح.
ذمر على بين.
وهناك أسرة أخرى حكمت "سبأ" تنتمي إلى عشيرة "مرثد" من "بكيل" تتألف من: وهب آل "وهب ايل" راجع النصين: )Glaser 179( )Glaser 223 وهمامن "حاز". انمرم يهنعم "أنمار يهنعم"، وهو إبن "وهب آل".
ذمر على ذرح.
نشاكرب يهنعم "نشأكرب يهنعم".
نصرم يهنعم ? "ناصر يهنعم".
وهب آل يحز "وهب ايل يحز".
كرب آل وتر يهنعم.
فرعم يهنب "فارع ينهب".
ويرى "هومل" إن الملك، "الكرب يهنعم بن حم عثت" "الكرب يهنعم بن حمعثت" و "كرب آل وتر" هما من جمهرة جديدة من جمهرات ملوك سبأ.
قائمة "كليمان هوار"
وتتألف هذه القائمة، وهي قديمة، من الجمهرات الآتة الجمهرة الأولى وقوامها: سمه على فرح.
الشرح.
كرب آل.
الجمهرة الثانية ورجالها: يثع امر.
كرب آل وتر.
يدع آل بين.
الجمهرة الثالثة وتتكون من: وهب آل يحز.
كرب آل وتر يهنعم.
الجمهرة الرابعة ورجالها: وهب آل.
أنمار يهنعم.
الجمهرة الخامسة وأصحابها: ذمر على ذرح.
نشاكرب يخعم.
ولم يشر إلى مكان الملكين "يكرب ملك وتر" و "يرم ايمن" بين هذه الجمهرات، وان كان أشار إلى "يرم ايمن" في قائمة الملوك الهمدانيين. قائمة "فلبي"
1- كرب آل وتر. حكم على تقديره حوالي سنة "620" قبل الميلاد.
2- سمه على ذرح لم يتأكد من اسم والده، ويرى أن من المحتمل أن يكون كرب آل وتر. حكم حوالي سنة "600" قبل الميلاد.
3- كرب آل وتر بن سمه على ذرح. حكم حوالي سنة "580" قبل الميلاد.
4- الشرح بن سمه على ذرح. تولى الحكم حوالي سنة "570" قبل الميلاد.
5- يدع آل بين بن كرب آل وتر. صار ملكاً حوالي سنة "560" قبل الميلاد.
6- يكرب ملك وتر بن يدع آل بين. تولى الحكم سنة "540" قبل الميلاد.
7- يثع أمر بين بن يكرب ملك وتر. حكم حوالي سنة "520" قبل الميلاد.
8- كرب آل وتر بن يثع أمر بين. تولى الحكم في حدود سنة "500" قبل الميلاد.
9- سمه على ي نف. لم يتأكد "فلبي" من اسم أبيه، وحكم على رأيه حوالي سنة "480" قبل الميلاد.
10- الشرح بن على ينف. حكم حوالي سنة "460" قبل الميلاد.
- ذمر على بين بن سمه على ينف. تولى الحكم في حدود سنة "445" قبل الميلاد.
12- يدع آل وتر بن على بن. تولى حوالي سنة "430" قبل الميلاد.
13- ذمر على بين بن يدع آل وتر. تولى الحكم في حدود سنة "410" قبل الميلاد.
14-كرب آل وتر بن ذمر على بين. حكم حوالي سنة "390" قبل الميلاد.
15- وترك "فلبي" فجوة بعد اسم هذا الملك قدرها بنحو عشرين عاماً، ثم ذكر اسم الكرب يهنعم. وهو على رأي "فلبي" من الأسرة الملكية الثالثة التي حكمت مملكة سبأ، وقد حكم في حوالي سنة "330 ق. م.".
16- كرب آل وتر. حكم في حدود سنة "330 ق. م.".
17- وهب آل ولم يتأكد من اسم أبيه، ويرى إن من المحتمل أن يكون اسمه "سرو". حكم في حدود سنة "310 ق. م.".
18- انمار يهنعم بن وهب آل يحز. حكم في حدود سنة "290 ق.م.".
19- ذمر على ذرح بن انمار يهنعم. حكم في حدود سنة "270 ق.م.".
20 نشاكرب يهنعم بن ذمر على ذرح. حكم حوالي سنة "250 ق. م.".
وترك "فلبي" فجوة أخرى بعد اسم هذا الملك قدرها بنحو ثلاثين عاماً، أي من حوالي سنة "230" إلى سنة "200" قبل الميلاد، ذكر بعدها اسم: 21- نصرم يهنعم "ناصر يهنعم"، وهو من أسرة ملكية رابعة، وكان له شقيق اسمه "صدق يهب". حكم في حدود سنة"200" قبل الميلاد.
22- وهب آل يحز. حكم في حوالي سنة "180" قبل الميلاد.
23- كرب آل وتر يهنعم بن وهب آل يحز.حكم في حوالي سنة "160" قبل الميلاد.
وقد اغتصب العرش "برم ايمن" وابنه "علهن نهفن" "علهان نهفان" في حدود سنة "145" إلى سنة "115" قبل الميلاد، وهما مكونا الأسرة الهمدانية المالكة، وقد استعاد العرش الملك: 24- فرعم ينهب في حدود سنة "130" قبل الميلاد.
25- الشرح يحضب بن فرعم ينهب. حكم حوالي سنة "125" قبل الميلاد، وهو من ملوك "سباً وذو ريدان".
قائمة "ريكمنس"
وقد رتب "ريكمنس" أسماء ملوك سبأ على النحو الآتي: 1- كرب وتر "كرب ايل وتر".
2- يدع آل بين "يدع ايل بين".
3- يكرب ملك وتر.
4- يثع أمر بين.
5و6- سمه على ذرح وكرب ايل وتر "الشرح".
-سمه على ينوف إسكله على ينف".
8- يدع آل وتر "يدع ايل وتر".
9- ذمر على بين.
10- يدع آل ذرح "يدع ايل ذرح".
11- يثع أمر وتر.
12- سمه على ينف "سمه على ينوف".
13- ذمر على بين "الشرح".
14- يدع آل "يدع ايل".
15- ذمر على ذرح.
16- نشأكرب يهأمن، وهو على رأيه آخر الملوك من الأسرة الشرعية الحاكمة. وقد انتقلت سبأ بعده من حكم الملوك السبئيين إلى حكم أسرة جديدة يرجع نسبها إلى قبيلة "همدان وذلك سنة "115" قبل الميلاد وكان أول من تولى الحكم منها الملك "نصرم يهأمن" "ناصر يهأمن".
وترك "ريكمنس" فراغاً بعل "نصرم يهأمن"، ذكر بعده اسم "وهب آل يحز" "وهب ايل يحز"، وكان منافسه "أوسلت رفشان"، ثم ذكر بعد "وهب آل يحز" اسم أنمار يهنعم، وكرب ايل وتر يهنعم، نمم يرم أيمن. ثم اسم "فرعم ينهب"، وهو من "بكيل"، وكان معاصراً ل "علهان نهفان" وابنه "شعرم أوتر"، وهما من "حاشد".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:49 PM
الفَصْل الخَامِس وَالعِشُرون
همدان
ومن القبائل الكبيرة التي كان لها شأن يذكر في عهد "ملوك سبأ"، قبيلة "همدان" والنسّابون بعضهم يرجع نسبها إلى: "أوسلة بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة الخيار بن زيد بن كهلان"، وبعض آخر يرجعونه إلى "همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان"، إلى غير ذلك من ترتيب أسماء نجدها مسطورة في كتب الأنساب والأخبار.
ويرجع أهل الأنساب بطون همدان، وهي كثيرة، إلى "حاشد" و "بكيل". أما "حاشد"، فتقع مواطنها في الأرضين الغربية من "بلد همدان"، وأما "بكيل"، فقد سكنت الأرضين الشرقية منه. وهما في عرفهم شقيقان من نسل "جشم بن خيران بن نوف بن همدان". وقد تفرع من الأصل بطون عديدة، ذكر أسماءها وأنسابها "الهمداني" في الجزء العاشر من "الإكليل"، وهو الجزء الذي خصصه بحاشد وبكيل.
وقد ورد في الكتابات العربية الجنوبية أسماء عدد من المدن والمواضع الهمدانية ورد عدد منها في "صفة جزيرة العرب" و "الإكليل" وفي كتب أخرى، ولا يزال عدد غير قليل من أسماء تلك المواضع أو القبائل والبطون التي ورد ذكرها في الكتابات باقياً حتى الآن. وتقع هذه المواضع في المناطق التي ذكرت في تلك الكتاباًت، وهي تقيدنا من هذه الناحية في تعين مواقع الأمكنة التي وردت أسماؤها في النصوص، ولكننا لا نعرف الآن من أمرها شيئاً.
وكان للهمدانيين مثل القبائل الأخرى إله خاص بهم، اسمه "تالب" "تألب" اتخذوا لعبادته بيوتاً في أماكن عدة من "بلد همدان". وقد عرف أًيضاً في المسند ب ""تالب ريمم" "تألب ريمم"، أي "تألب ريام". وقد انتشرت عبادته بين همدان، وخاصة بعد ارتفاع نجمهم واغتصابهم عرش سبأ من السبئيين، فصار إله همدان، يتعبد له الناس تعبدهم لإله سباً الخاص "المقه"، فتقربت إليه القبائل الأخرى، ونذرت له النذور. ونجد في الكتابات أسماء معابد عديدة شيدت في مواضع متعددة لعادة هذا الإلَه، وسميت باسمه.
وقد تنكر الهمدانيون فيما بعدد لإلَههم هذا، حتى هجروه. ولما جاء الإسلام كانوا يتعبدون- كما يقول ابن الكلي- لصنم هو "يعوق"، وكان له بيت ب "خيوان". وقد نسوا كل شيء عن الإله "تألب ريام"، نسوا انه كان إلَهاُ لهم، وانه كان معبودهم الخاص، الا انهم لم ينسوا اسمه، اذ حولوه إلى إنسان، زعموا انه جد "همدان" وانه هو الذي نسل الهمدانيين، فهم كلهم من نسل "تألب ريام".
ولم يكتف الهمدانيون بتحويل إلههم إلى إنسان، حتى جعلوا له أباً سموه "شهران الملك"، ثم زوّجوه من "ترعة بنت يازل بن شرحبيل بن سار بن أبي شرح يحضب بن الصوار"، وجعلوا له ولداً منهم "يطاع"،و "يارم".
وأما أبوه "شهران"- على حد قول أهل الأخبار- فهو ابن "ريام بن نهفان"، صاحب محفد "ريام". وأما "نهفان"، والد "ريام"، فهو ابن "بتع" الملك، وشقيق "علهان بن بتغ"، وكان ملكاً كذلك. وأمهما "جميلة بنت الصوّار بن عبد شمس". وأما "بتغ"، فهو ابن "زيد بن عمرو بن همدان"، وكان قريباً ل "شرح يحضب بن الصوّار بن عبد شمس"، واليه ينسب سد "بتغ".
وإذا دققنا النظر في هذه الأسماء، أسماء الآباء والأجداد والأبناء والبنات والحَفدة والأمهات، نجد فيها أسماء وردت حقاً في الكتابات، إلا أن ورودها في مما ليس على الصورة التي رسمها لها أهل الأخبار. ف "ترعة" مثلاً، وهو اسم زوجة "تألب ريام" المزعومة، لم يكن امرأة في الكتابات، وإنما كان اسم موضع شهير ورد اسمه في الكتابات الهمدانية، عرف واشتهر بمعبده الشهير المخصص بعبادة الإله "تألب ريام" معبد "تألب ريام بعل ترعت". والظاهر أن الأخباريين- وقد ذكرت أن منهم من كان يستطيع قراءة المساند لكن لم يكونوا يفهمون معاني هذه المساند كل الفهم-لما قرأوا الجملة المذكورة ظنوا أن كلمة "بعل" تعني الزواج كما في لغتنا، فصار النص بحسب تفسيرهم "تألب زوج ترعت". وهكذا صيّروا "ترعت" "ترعة" زوجة ل "تألب ريام"، وصيّروا "تألب ريام" رجلاً زوجاً، لأنهم لم يعرفوا من أمره شيئاً.
و "أوسلة" الذي جعلوه اسماً ل "همدان" والد القبيلة، هو في الواقع "أوسلت رفشن" في كتابات المسند. وهو والد "يرم ايمن" "يريم أيمن" "ملك سباً".
وقد عرف "الهمداني" اسم "اوسلت رفشن" "أوسلة رفشان"، فذكر في كتابه "الإكليل" إن اسمه كان مكتوباً بالمسند على حجر بمدينة "ناعط"، ودوّن صورة النص كما ذكر معناه. ويظهر من عبارة النص ومن تفسيره إن "الهمداني" لم يكن يحسن قراءة النصوص ولا فهمها، وان كان يحسن قراءة الحروف وكتابتها. ولم يتحدث "الهمداني" بشيء مهم عن "أوسلة رفشان" في الجزءين المطبوعين من "الإكليل"، وقد ذكره في الجزء الثامن في معرض كلامه على حروف المسند، فأورده مثلاً على كيفية كتابة الأسطر والكلمات. وذكره في الجزء العاشر في "نسب همدان"، فْي حديثه عن "يطاع" و "يارم" ابني "تألب ريام بن شهران" على حد قول الرواة، ولم يذكر شيئاً يفيد انه كان على علم به.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:51 PM
وأرى إن أهل الأنساب أخذوا نسهم الذي وضعوه ل "أوسلة" ولغيره من أنساب قبائل اليمن القديمة من قراءتهم للمساند. وقد كان بعضهم- كما قلت- يحسن قراءة الحروف، الا انه لم يقهم المعنى كل الفهم، فلما قرأوا في النصوص "اوسلت رفشان بن همدان"، أي "أوسلة رفشان من قبيلة همدان"، أو "أوسلة رفشان الهمداني" بتعبير أصح، ظنوا إن لفظة "بن" تعني "ابن"، ففسروا الجملة على هذا النحو: "أوسلة رفشان بن همدان" وصيّروا "أوسلة" ابناً لهمدان، مع إن "بن" في النص هي حرف جر بمعنى "من"، وليست لها صلة ب "ابن".
و "اوسلت" "أوسلة" مركبة من كلمتين في الأصل، هما: "أوس": بمعنى "عطية أو "هبة"،و "لت" "لات"، وهو اسم الصنم "اللات"، فيكون المعنى "عطية اللات"،أو "هبة اللات". ومن هذا القبيل "أوس آل"، ا الاكليل أيَ "أوس ايل"، ومعناها "وهب ايل" و "عطية ايل"، و "سعدلت" أي "سعد لات" و "عبد لات" و "زيد لات"، وما شاكل ذلك من أسماء.
وقد أغفلت النصوص التي ذكرت اسم "أوسلت رفشان" اسم أبيه. غير أن هناك كتابات أخرى ذكرت من سمته "أوسلت بن أعين"، "أوسلة بن أعين، فذهب علماء العربيات الجنوبية إلى أن هذا الرجل الثاني هو "أوسلة رفشان" نفسه، وعلى ذلك يكون اسم أبيه "أعين"، وهو من همدان. وقد عاش في حوالي السنة "125 ق. م." على تقدير "البرايت".
وقد جعل "فون وزمن" "أعين" من معاصري "ياسر يهصدق" الحميري و "ذمر على ذرح" ملك السبئيين، و "نشأكرب يهأمن" من أسرة "جرت" "كرت" "كرأت" "جرأت". وجعل زمانهم في حوالي السنة "80" بعد الميلاد. وهو تقدير يخالف رأي "فلبي" و "البرايت" وغيرهما ممن وضعوا أزمنة لحكم الملوك.
وقد ذكر اسم "أوسلت رفشان" فْي نص وسمه العلماء ب Cih 647، وهو نص قصير مثلوم في مواضع منه، يفهم منه أنه بنى بيتاً، ولم ترد في النص أين بني ذلك البيت، ولا نوع ذلك البيت: أكان بيت سكنى أم بيت عبادة.
وقد عاش "أوسلت رفشن" "اوسلة رفشان" في حوالي السنة "110 م" على رأي "فون وزمن". وكان من المعاصرين للملك "رب شمس" "ربشمس" من ملوك حضرموت، وللملك "وهب آل يحز" "وهب ايل يحز"، وهو من ملوك "بني بتع" من "سمعي". أما "فلبي"، فيرفع أيام هؤلاء المذكورين إلى ما قبل الميلاد، أي إلى العهود التي سبقت تأليف حكومة "سبأ وذي ريدان". وأما "البرايت"، فجعل أيامه في حوالي السنة "100ق. م.".
وجعل "فون وزمن" "سعد شمس أسرع"، الذي هو من "مرثد" من فرع "بكيل" من المعاصرين له "اوسلت رفشن" "أوسلت رفشان". وتقع أرض "مرثد" في "شبام أقيان".
ويظهر من النص الموسوم ب Cih 287 إن "أوسلت" كان "مقتوى"، أي قائداً كبيراً من قواد الجيش عند "ناصر يهأمن"، ثم صار قيلاً "قول" على عشيرة "سمعي"، في أيام "وهب ايل يحز". فبرز اسمه واسم أولاده وصار لهم سلطان في عهد هذا الملك. والظاهر انه كان كبير السن في هذا العهد، وان وفاته كانت في أيام "وهب ا"ل".
وقد عرفنا من الكتابات اسم ولدين من ولد "أوسلت رفشان" أحدهما "يرم أيمن"، والآخر "برج يهرجب"، "برج يهرحب". وقد ورد اسماهما في عدد من الكتابات، منها الكتابة الموسومة ب Jamme 561 Bis التي تحدثت عنها في أشاء كلامي على "وهب ايل يحز". وقد وجدنا فيها إن الشقيقين وكذلك "علهان نهفان" وهو ابن "برم أيمن"، كانوا أقيالاً اذ ذاك على عشيرة "سمعي"، التي تكوّن ثلث عشائر قبيلة "حاشد"، وانهم كانوا قد أسهموا في الغارة التي شنها الملك "وهب ايل يحز" على الأعراب.
وقد ورد اسماهما في الكتابة الموسومة ب Glaser 1359, 1360، وقد تبين منها انهما كانا قيلين "قول" على قبيلة "سمعي" ثلث "حاشد"، وانهما قدما إلى حاميهما الإلَه "تالب رينمم" "تألب ريام"، بعل "ترعت"، أي رب معبده المقام في "ترعت" "ترعة"، ستة تماثيل "ستتن أصلمن"، لأنه من على "يرم أيهن" بالتوفيق والسداد في مهمته، فعقد الصلح بين ملوك. سبأ وذي ريدان وحضرموت وقتبان،
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:53 PM
وذلك بعد الحرب التي وقعت بينهم فانتشرت في كل البلاد والأرضين، بين هؤلاء الملوك المذكورين وشعوبهم وأتباعهم. وقد كان من منن الإلَه "تألب رْيام" على "برم أيمن" إن رفع مكانته في عين ملك سبأ، فاتخذه وسيطاً في عقد صلح بينه وبين سائر الملوك، فنجح في مهمته هذه، وعقد الصلح وذلك في سنة "ثوبن بن سعدم بن يهسم".
وقد اختّم النص بدعاء الإله "تألب ريام" أن يوفق "يرم أيمن" ويديم له سعادته، ويرفع منزلته ومكانته دائماً في عين سيده "امراهمو مللك سبأ" مللك سبأ، ويبارك له، ويزيد في تقدمه، وينزل غضبه وثبوره "ثبر" وضرره وتشتيته على أعداء "برم أيمن" وحساده وكل من يتربص الدوائر بي "تألب ريام".
ويتبين من هذا النص الموجز-الذي كتب لإظهار شكر "يرم أيمن" لإلهه "تألب ريام" على توفيقه له، وعلى ما منّ عليه به من الإيحاء إلى ملك سبأ بأن يختاره وسيطاً- أن حرباً كاسحة شاملة كانت قد نشا في العربية الجنوبية في أيام الملك "كرب ايل وتر يهنعم"،
وأن الملك كلفه إن يتوسط بين المتنازعين، وهم حكومات سبأ وذي ريدان وحضرموت وقتبان، ويعقد صلحاً بينهم، وأنه قد أفلح في وساطته، وسر كثراً بنجاحه هذا وباختياره لهذا المركز الخطير، الذي اكسبه منزلة كبيرة، وهيبة عند الحكومات، فشكر إلهه الذي وفقه لذلك، وقد كان يومئذ هؤلاء من الأقيال. وقد ساعدته هذه الوساطة كثيراً، ولا شك، فمهدت له السبيل لأن ينازع "ملك سبأ" التاج.
وقد اتخذ "كلاسر" من سكوت النص عن ذكر اسم "معين" دليلاٌ على انقراض "مملكة معين"، وفقدان شعب معين استقلاله، وهو رأي عارضة بعض الباحثين.
وقد وصل إلينا نص قصير لقب فيه "يرم ايمن" بلقب "ملك سبأ"، وقد سجله ابناه، ولقب ابناه بهذا اللقب كذلك. وهو نص ناقص أعرب فيه ابنا "يرم أيمن" عن شكرهما للإلَه "تألب ريام" لأنه منّ وبارك عليهما. فهذا النص آذن من النصوص المتأخرة بالنسبة إلى أيام "يرم أيمن".
وانتهى إلينا نص مهم، هو النص المعروف ب Wien 669، وقد دوّنه أحد أقيال "أقول" قبيلة "سمعي"، وقد سقط اسمه من الكتابات، وبقي اسم ابنه، وهو "رفش" "رفشان" من آل "سخيم".
آما قبيلة "سمعي" المذكورة في هذا النص، فهي "سمعي" ثلث "ذ حجرم" "ذو حجر". وقد قدم هذا القيل مع ابنه "رفشان" إلى الإله "تألب ريام" "بعل رحبان" "بعل رحبن" نذراً، وذلك لعافيتهما ولسلامة حصنهما، حصن "ريمن" "ريمان"، ولخير وعافية قيلهما وقبيلته "يرسم" التي تكوّن ثلث "ذي حجر"، وليبارك في مزروعاتهما وفي غلات أرضهما، ولينزل بركته ورحمته " على "يرم أيمن" و "كرب ايل وتر" ملكي سبأ. وقد ختم النص بتضرع "تالب ريام" أن يهلك أعداءهما وحسادهما وجميع الشانئين لهما ومن يريد بهما سوءاً.
وقد جعل "فون وزمن"، "يرم أيمن" معاصراً ل "أنمار يهأمن" الذي ذكره بعد "وهب ايل يحز"، ثم ل "كرب ايل يهنعم"، وهما في رأيه من المعاصرين ل "شمر يهرعش الأول" من ملوك "حمير" أصحاب "ظفار". وجعل "كرب ايل وتر يهنعم" معاصراً للملك "كرب ايل بين" ملك سبأ الشرعي من الأسرة الحاكمة في "مأرب".
وجعل "يرم أيمن" من المعاصرين ل "مرثد يهقبض"، وهو من "جرت" "كرت" "كرأت" ول "مرثدم" "مرثد" الذي ذكر بعد "نبط يهنعم" آخر ملوك قتبان، كما جعله من المعاصرين للملك "يدع ايل بين" من ملوك حضرموت. وجعل حكم "يرم أيمن" فيما ببن السنة "130" والسنة "140" بعد الميلاد.
وقد نشر "جامه" نصاً وسمه ب Jamme 565 جاء فيه: إن جماعة من "بني جدنم" "جدن" قدموا إلى الإلَه "المقه بعل أوّام" نذراً تمثالاّ "صلمن" لأنه منّ عليهم بالعافية ووفقهم في الغارة التي أسهموا في ما بأمر سيديهما ملكي سبأ: برم أيمن وأخيه كرب ايل وتر، ولأنه بارك لهما ومنحهما السعادة بإرضاء مليكهما. وقصد بلفظة "واخيهو" حليفه، لأنهما متآخيان بتحالفهما. ويلاحظ أن هذا النص قد قدم اسم "برم أيمن" على اسم الملك "كرب ايل وتر" مع أن هذا هو ملك سباً الأصيل، ولقب "يرم ايمن" بلقب ملك، أي أنه أشركه مع الملك "كرب ايل" في الحكم، وفي هذا دلالة على إن "يرم أيمن" كان قد أعلن نفسه ملكاً على سبأ، ولقب نفسه بالقلب الملوك وان الملك الأصلي اعترف به،
طوعاً واختياراً أو كرهاً واضطراراً، فصرنا نجد اسمي ملكين يحملان هذا اللقب: لقب "ملك سبأ" في وقت واحد.
وقد ورد اسم "يرم أيمن" في النص الموسوم ب Cih 328 وقد لقب فيه بلقب "ملك سبأ"، الا إن النص لم يذكر اسم ملك سباً الأصيل الذي كان يحكم اذ ذاك. وقد ذكر في هذا النص اسم الإله "تألب ريام"، وهو إلَه همدان. ولم يذكر معه اسم أي إله آخر. ولما كان صاحب النص همدانياً، وقد كان "يرم أيمن" ملك همدان ولمجدها، لم يذكر اسم ملك سبأ ولم يشر إليه، واكتفى بذكر ملكه فقط.
هذا وليس في استطاعتنا تثبت الزمن الذي لقب فيه "يرم أيمن" نفسه بلقب "ملك سباً". فقد رأيناه قيلاً في أيام الملك "وهب ايل يحز" ورأينا صلاته به لم تكن على ما يرام في بادئ الأمر، وانه كان يتمنى لو إن الإلهَ "المقه" أسعده بالتوفيق بين ملكه وبينه. ثم لا ندري ما الذي حدث بينهما بعد ذلك. ولكن الظاهر إن طموح "يرم أيمن" دفعه إلى العمل في توسيع رقعة سلطانه وفي تقوية مركزه، حتى نجح في مسعاه، ولا سيما في عهد "كرب ايل وتر يهنعم"، فلقب نفسه بلقب "ملك"، وأخذ ينقش لقبه هذا في الكتابات، وصار يحمل اللقب الرسمي الذي يحمله ملوك سباً الشرعيون حتى وفاته.
بلقب "ملك"، وأخذ ينقش لقبه هذا في الكتابات، وصار يحمل اللقب الرسمي الذي يحمله ملوك سباً الشرعيون حتى وفاته.
"علهان نهفان"، و "برج يهرجب" "برج يهرحب" "بارج يهرحب". "برج يهاًمن". أما "علهان نهفان"، فهو الذي تولى الملك بعد أبيه. وقد لقب ب "ملك سبا"، وعاصر "كوب ايل وتر يهنعم" وابنه "فرعم ينهب"، وقد ذكر "نشوان بن سعيد الحميري" إن "علهان اسم ملك من ملوك حمير، وهو علهان بن ذي بتع بن يحضب بن الصوّار، وهو الكاتب هو وأخوه نهفان لأهل اليمن إلى يوسف بن يعقوب، علمها السلام، بمصر في الميرة لما انقطع الطعام عن أهل اليمن". ففرق "نشوان" بين "علهان" و "نهفان"، وظن انهما اسمان لشقيقين. وقد دوّن "الهمداني" صور نصوص ذكر انه نقلها من المسند، وفرّق فيها أيضاً بين "علهان" و "نهفان"، فذكر مثلاّ انه وجد "في مسند بصنعاء على حجارة نقلت من قصور حمير وهمدان: علهان ونهفان، ابنا بتع بن همدان"، و "علهن ونهفن ابنا بتع همدان صحح حصن وقصر حدقان..". فعدّ "علهان" اسماً، و "نهفان" اسم شقيقه. وقد ذكر الاسم صحيحاً في موضع، ولكنه عاد فعلق عليه بقوله: "وإنما قالوا علهان نهفان، فجعلوه اسماً واحداً لما سمعوه في فيهما من قول تبع بن أسعد: وشمر يرعش خير الملوك وعلهان نهفان قد أذكـر
وانما اراد إن يعرف واحداً بالثاني، فلما لم يمكنه أن يقول العلهانان.. قال علهان نهفان".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:54 PM
ويلاحظ إن قراءة "الهمداني" للمسند الأول، هي قراءة قرئت وفق عربيتنا، فجعل "علهن" "علهان" و "نهفن" "نهفان" و "همدن" "همدان"، أما قراءته للمسند الثاني، فهي الأعلام، فان المسند لا يكتب "علهان" بلى يكتب "علهن"، وهكذا بقبة الأسماء.
ونسب "نشوان بن سعيد الحميريّ" هذا البيت إلى "أسعد تبع"، وعلق على اسم "علهان نهفان".بقوله: "أراد علهان ونهفان فحذف الواو". ف اسم"علهان نهفان" إذن اسما رجلين على رأي هذين العالمين، وعلى رأي عدد آخر من العلماء مثل "محمد بن أحمد الأوساني" أحد من أخذ "الهمداني، علمه منهم. وهو في الواقع اسم واحد لرجل واحد. ولا أدري كيف أضاف "الهمداني" و "الأوساني" وغيرهما ممن كان يذكر أنه كان يقرأ المسند حر ف "الواو" بين "علهان نهفان"، فصيروه "علهان" و "نهفان"، وجعلوهما اسمين لشقيقين.
وقد أدى سوء فهم أهل الأخبار لقراءاتهم للمساند إلى اختراع والد للأخوين "علهان" و "نهفان"، أو ل "علهان نهفان" بتعبير أصح، فصيروه "بتع بن زيد بن عمرو بن همدان"، أو "ذا بتع بن يحضب بن الصوّار". وعرف "نشوان" "ذا بتع" بأنه "ذو بتع الأكبر"، وهو ملك من ملوك حمير، واسمه نوف بن يحضب بن الصوار، من ولده ذو بتع الأصغر زوج بلقيس ابنة الهدهاد ملكة سبأ وصيّروه "تبعاً"، فقالوا: "علهان نهفان ابنا تبع بن همدان". ويظهر أن النساخ قد وقعوا في حيرة في كيفية كتابة اسم والد "علهان"، فكتبوه "بتعاً"، وكتبوه "تعباً" وكلا الاسمين معروف شهير، فوقعوا من ثم في الوهم.
وأما اسم الوالد الشرعي الصحيح، فهو "يرم أيمن"، كما ذكرت، وأما الاسم المخترع، فقد جاؤوا به من عندهم بسبب عدم فهمهم لقراءة نصوص المسند. فقد وردت في النصوص جملة "علهن نهفن بن بتع وهمدان"، فظن قراء المساند من أشياخ "الهمداني" وأمثالهم "ممن كانوا يحسنون قراءة الحروف والكلمات، الا انهم لم يكونوا يفهمون معاني الألفاظ والجمل في الغالب" أن لفظة "بن" تعني هنا "ابن"، فقالوا: إن اسم والد "علهان نهفان" أو "علهان" و "نهفان" على زعمهم إذن هو "بتع".
على حين أن الصحيح، إن "بن" هي حرف جرّ يقابل "من" في عربيتنا، ويكون تفسير النص: "علهان نهفان من بتع وهمدان" و "بتع" اسم قبيلة من القبائل المعروفة المشهورة.
وأما "بتع" فقد ذكرت أن النساخ هم الذين أخطأوا في تدوين الاسم، وأن "الهمداني" وغيره كانوا قد كتبوه "بتعاً"، لا "تبع". ولكن النساخ أخطأوا في الكتابة" فكتبوا اسم "بتع" "تبع" على نحو ما شرحت.
وورد في النص الموسوم ب Glaser 865 اسم "علهان نهفان". وقد رأيت نقله هنا، لأن في ذلك فائدة في شرح اسم أبيه. فقد ورد فيه: "علهن نهفن بن همدن بن يرم ايمن ملك سبأ"، أي "علهان نهفان من همدان ابن يرم ايمن ملك سبأ"، فأنت ترى أن لفظة "بن" المكتوبة قبل "همدن"، أي "همدان" هي حرف جرّ. أما "بن" الثانية المذكورةْ قبل "يرم أيمن" فإنهما بمعنى "ابن"، فصارت الأولى تعني أن "علهان نهفان" هو من قبيلة همدان، واما أبوه، فهو "يرم أيمن ملك سبأ"، ولعدم وقوف أولئك العلماء على قواعد العربيات الجنوبية، لم يفهموا النص كل حقيقته.
وقد ورد اسم "علهان نهفان" في كتابة وسمها العلماء ب Glaser 16، وصاحبها رجل من "يدم" "آل يدوم" اسمه "هعّان أشوع"، ذكر أنه قدم هو وأبناؤه إلى الإله "تالب ريمم بعل ترعت" تمثالاً ، وذلك لخيره ولعافيته ولعافية أولاده، ولأنه أعطاهم كل أمانيهم وطلباتهم، ولأنه خلصهم ونجاهم في كل غزوة غزوها لمساعدة "مراهمو علهن نهفن بن بتع وهمدن"، أي لمساعدة سيدهم وأميرهم: علهان تهفان من "بتع" من قبيلة همدان، وليمنحهم غلة وافرة وأثماراً كثيرة، وليمنحهم أيضاً رضى أربابهم آل همدان وشعبهم حاشد "حشدم"، وليهلك وليكسر وليصرع كل عدو لهم وشانئ ومؤذ. ولم يلقب صاحب هذا النص "علهان" بلقب "ملك"، وإنما استعمل لفظة "مراهمو" "مرأهمو"، أي أميرهم أو سيدهم، ويظهر لي في هذا الاستعمال إن هذا النص قد كتب قبل انتقال العرش إلى "علهان" من أبيه، وهذا أغفل اللقب.
ووجد اسم "علهان نهفان" واسم ابنه "شعرم أوتر" في كتابه دوّنها "حيوم يشعر" "حيو يشعر"، وأخوه "كعدان"، وذلك لمناسبة بنائهم أسوار بيتهم: "وترن" "وتران"، ولم يشر النص إلى هوية هذا البيت، أهو بيت للسكنى، أم بيت للعبادة اسمه "بيت وترن"، أي معبد وترن، خصصوه بعبادة الإلَه "عثتر" الذي ذكر اسمه في آخر النص.
وتعدّ النصوص الموسومة ب Cih 2 وcih 296 و Cih 305و Cih 312 من النصوص المدونة في أيام "علهان" حين كان قيلاَ، ولذلك ورد فيها اسمه دون أن تلحق به في جملة "ملك سبأ". أما النصوص الأخرى، فقد كتبت في الأيام التي نصب فيها نفسه ملكاً على سبأ ولقب نفسه باللقب المذكور منافساً ملك سبأ الحاكم في مأرب في حكمه، مدعياً على الأقل انه مللك مثله.
وليس في استطاعتنا التحدث عن الزمن الذي تلقب فيه "علهان تهفان" بلقب "ملك". فلا ندري أكان قد لقب نفسه به حين وفاة والده مباشرة، أم بعد ذلك ? فإذا كان الظن الأول تكون الكتابات المذكورة قد دونت في أيام أبيه، وإذا كان الثاني تكون هذه الكتابات قد دونت في عهد لم يكن "علهان" تمكن فيه من حمل هذا اللقب لسبب لا نعرفه، قد يكون تخاصم الأسرة على الارث، وقد يكون ضعف "علهان" في ذلك الوقت، وخوفه من ملك سبأ الذي كان أقوى منه.
ولا ندري كذلك متى أشرك "علهان" ابنه "شعرم أوتر" "شعر أوتر" معه في الحكم، اذ حصل المنقبون والسياح على كتابات سبئية لقب فيها "علهان" وابنه "شعرم أوتر" بلقب "ملك سبأ" و "ملكي سبا".
وفي هذه الجمل دلالة على أن "شعر أوتر" كان يشارك أيضاً في لقبه في أيامه، وانه اسهم معه في إدارة الملك. وأغلب الظن إنه أشركه معه في الحكم لحاجته إليه في تثبيت ملكه في وضع سياسي قلق، إذ كانت الثورات والحروب منتشرة، وكان حكّام سبأ وحضرموت وحمير والحبش يخاصم بعضهم بعضاً، فرأى "علهان" إشراك ابنه معه في الحكم وتدريبه على الإدارة، وبقي على ذلك حتى وفاة "علهان" وعندئذ صار الملك له وحده، فلقب نفسه بلقب "ملك سبأ".
لقد كان لا بدّ ل "علهان نهفان" من السعي في عقد معاهدات ومحالفات مع الحكومات والقبائل، لتثبيت الملك الذي ورثه من أبيه، ولا سيما مع الحكومات المناوئة والمنافسة لحكومة "مأرب". ونجد في كتابة همدانية تضرعاً إلى الإلَه "تالب ريام" ليوفق "علهان نهفان" في مسعاه بالاتفاق مع ملك حضرموت لعقد معاهدة إخاء ومودّة، حتى "يتآخيا تآخياً تاماً"، وذلك في المفاوضات التي كانت تجري بينهما في موضع "ذت غيل" "ذات غيل".
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:57 PM
وقد نجحت مفاوضات "علهان" مع ملك حضرموت "يدع أب غيلان" في التآخي معه، وفي عقد معاهدة صداقة بينهما، وأفاد من ذلك فائدة كبيرة، اذ أصبحت هذه المملكة التي تقع في نجوب سبأ وفي نجوب الريدانيين والمتصلة اتصالاً مباشراً بالحميريين في جانبه، فإذا لم تقم حضرموت بأي عمل حربي ضد أعداء علهان، فإن مجرد وقوفها إلى جابه يفيده كبيرة كبيرة، إذ يفزع ذلك أعداءه، ويضطرهم إلى تخصيص جزء من قواتهم العسكرية للمحافظة على حدودهم مع حضرموت خوفاً من هجومها عليهم سنوح الفرص.
وكان فرح "علهان" بنجاح مفاوضاته مع ملك حضرموت، واتفاقه معه كبيراً، وقد نجح فعلاً في عقد ذلك الحلف، فتراه يحارب الحميريين ويهاجمهم، يؤيده في ذلك مك حضرموت "يدع أب غيلان"، لقد هاجمهم من الشمال، وهاجمهم الحضارمة من الشرق، فانتصر على الحميريين، في "ذت عرمن" "ذات عرمن" "ذات العرم"، وهو موضع يظهر انه قريب من "ذات العرم"، وربما كان هو نفسه.
وهكذا حصل "علهان" على ثمرة شهية من هذا الحلف. وقد كان الحميريون من المقاتلين المعروفين ومن المغيرين على غيرهم، فانتصار "علهان" عليهم هو ذو مغزى عظيم.
ويظهر إن "يدع أب غيلان" ملك حضرموت لمُ يُعمّر طويلاً، لأننا نقرأ في أحد النصوص إن أحد الهمدانيين كان يتوسل إلى الإلهَ "تألب ريام" إن يمن عليه بعقد حلف بين "علهان" ملك سباً و "يدع ايل" ملك حضرموت. ويظن إن الملك "يدع ايل" هذا، هو الملك "يدع ايل بين"، وهو ابن "يدع أب غيلان"، الذي هو ابن "امينم" "أمين" كما جاء ذلك في النص الموسوم ب Erp. Epig 4698. وإذا أخذنا بما جاء في النص المنشور في كتاب "نشر نقوش سامية قديمة"، وهو النص المرقم ب"19"، فإننا نستنتج منه إن الملك "يدع أب غيلان"، كان قد توفي في أيام "علهان نهفان" وان الملك "علهان نهفان"، صار يرجو عقد حلف مع ابنه "يدع ايل" الذي ولي في أواخر أيام حكم "علهان" على ما يظهر. ولذلك توسل صاحب النص أو أصحابه إلى الإلَه "تألب ريام" ربّ همدان أن يساعده على عقد ذلك الحلف.
وحوّل "علهان نهفان" أنظاره نحو الحبشة أيضاً لعقد معاهدة معها، وقد أشار إلى هذا في كتابة ملكية سجلها هو وابناه "شعرم أوتر" و "يرم أيمن" ونعت كل واحد منها في هذه الكتابة ب"مللك سباً".
وقد جاء في مقدمتها أنه هو وابناه قدّموا إلى "تألب ريام بعل ترعت" ثلاثين تمثالاً من الذهب، وفضةٌ لا صلاح حرم الإله في معيده "يهجل"، وأصلحوا إصل*********ت كثيرة في فنائه، وفي أملاكه، لأنه أجاب طلباتهم، ومنّ عليهم، ولأنه وفقه في عقد تحالف مع "جدرت" "جدروت" ملك "نجاشي" الحبشة، ولأنه وفق الوفد الذي قام بالمفاوضات، فتمكن من تعظيم اتفاقية بين الطرفين حتمت عليهما التعاون في أيام السلم والحرب لرد كل اتداء يقع على الطرفين، ومحاربة كل عدو يريد سوءاً بأحدهما.
وأشير أيضاً إلى اسمي "سلحين" و "زررن" "زراران" "زريران"، وقد كانا متحالفين مع "جدرت"، فشملها بذلك هذا الحلف.
وقد ورد اسم "علهان نهفهان" في كتابات أخرى، ناقصة ويا للأسف، وقد سقطت منها كلمات في مواضع متعددة فأضاعت علينا المعنى. وقد أشير فيها إلى جيوش "علهان" وأعرابها، كما أشير إلى "ردمان" و "مذحيم" و "قتبان" والى أقيال وسادات قبائل ملك الحبشة،
والى "ذي ريدان"، وإلى أعراب مللك حضرموت. ويرى "فون وزمن" أن في ذكر أقيال وسادات قبائل مللك "حبشت" الحبشة في هذه الكتابات دلالةً على أن الحبش لم يكونوا يمتلكون أرض Kinaidokolttitai ، أي ساحل الحجاز من ينبع ثم ساحل عسير فقط، بل كانوا يمتلكون أيضاً الساحل المسيطر على مضيق باب المندب، وقد كان ملكهم إذ ذاك هو الملك "جدرت" "جدرة" المذكور.
ويرى "فون وزمن" أن الحلف الذي عقد بين "علهان" ومللك الحبشة، عقد بعد الحرب التي شنها "علهان" ومن ساعده فيها، وهم ملك حضرموت ومللك الحبشة ضد "حمير". وقد كان ابنه "شعرم أوتر" "شعر أوتر" يشارك أباًه في الحكم إذ ذاك، ولهذا ذكر في الكتابة. وقد فرض "شعر أوتر" سلطانه على حمير وأخضعها له، وذلك في أوائل أيام حكمه. إما الحبش، فكانوا يمتلكون الأرضين التي ذكرتها وأرض قبيلة "اشعرن" أي "الأشعر". و قد حمد "علهان نهفان" وابناه الإله "تألب ريام" أيضاً، لأنه نصرهم وساعدهم في الحرب التي وقعت بينهم وبين "عم انس بن سنحن" "عمى أنس بن سنحان"، وبينهم وبين قبيلة "*********ان". وقد توسط أمير اسمه "شابت ابن عليان" "شبت بن علين"، أو من "آل عليان" بين "عمى أنس" و "*********ان
الريدانيين لتكوين جبهة واحدة قوية في محاربة "علهان" وقد انضمت إليها قبائل معادية للهمدانيين، واشتبكوا مع جيش "علهان" غير إن الإله "تألب ريام"- كما يقول "علهان"- نصره على أعدائه، فانهزموا وهزم الذين من "حقلان" "الحقل"، ويظهر انهم كانوا قد حاربوا "علهان" أيضاً، وخربت حقولهم، وعندئذ جاءوا إلى "علهان" طائعين، وندموا على ما فعلوا، ووضعوا رهائن عنده، هم: "اشمس بن ريام"، أو من "ريام" "آل ريام" و "حارث بن يدم" "حرث بن يدم".
لقد كان حكم "علهان نهفان" فْي حدود سنة "135 ق. م." على تقدير "فلبي"، أو في النصف الأول من القرن الأخير قبل الميلاد على رأي آخرين. وفي حوالي السنة "60 ق. م." على رأي "البر ايت"، وفي حوالي السنة "160" بعد الميلاد على رأي "فون وزمن". وفي حوالي السنة "85" قبل الميلاد على تقدير "جامه"، أما نهاية حكمه فكانت في حوالي السنة "65" على تقديره أيضاً.
ودق جعل "كروهمن" حكم "شعر أوتر" في حوالي السنة "50" أو "60" بعد الميلاد. ومعنى هذا إن حكم أبيه "علهان" يجب أن يكون بعد الميلاد، ليتناسب مع الحكم الذي وضعه "كروهمن" لابنه.
وقد عثر علماء العربيات الجنوية على عدد من الكتابات ورد فيها اسم "شعرم أوتر"، لُقّب في بعضها ب "مللك سبأ"، ولقب في بعض آخر ب "مللك سبأ وذي ريدان"، ومعنى هذا إنها أحدث عهداً من الكتابات الأولى، وان "شعر أوتر" كان قد بدأ عهد حكمه حاملاً لقب "مللك سبأ"، وهو اللقب الذي تلقب به منذ ايام أبيه، ثم غيره بعد ذلك بأن أضاف إليه جملة هي: "وذي ريدان"، فصار لقلبه في الدور الثاني من حكمه: "مللك سبأ وذي ريدان".
غير أن لدى الباحثين في العربيات الجنوبية نصاً وسموه ب Glaser 1371 لقب فيه كل من "علهان نهفان" و "شعر أوتر" ابنه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا أن لقب "ملك سبأ وذي ريدان" كان قد ظهر في أيام "علهان" لا في أيام ابنه، وأن "علهان" نفسه كان قد تلقب به مع ابنه في أواخر أيام حكمه. وهناك من الباحثين من يملك في صحة النص، ويرى إن كاتب النص كان هو الذي وضع هذا اللقب، سهواً أو معتمداً، وأن "علهان" لم يحمل هذا اللقب، وان ابيه هو الذي حْمله. ومهما يكن من شيء، فإن النص المذكور هو النص الوجد الذي نملكه، لقب فيه "علهان" على هذا النحو.
ومن الكتابات التي يجب إن نضيفها إلى أوائل أيام "شعرم أوتر" "شاعر أوتر" كتابة عثرت عليها بعثة "وندل فيلبس"، وقد نشرها "الدكتور خليل يحيى نامي" في "مجلة كلية الآداب" بجامعة القاهرة. وقد بدأت بجملة: "شعرم اوتر ملك سبا بن علهن نهفن مللك سبا"، أي "شعر اوتر مالك سبأ بن علهان نهفان ملك سبا". ولتلقيب "شعر اوتر" فيها ب "ملك سبأ" فقط دون ذكر "ذي ريدان" يجب رجعها إلى الأيام الأولى من حكمه. وقد ذكر "شعر اوتر" فيها انه قدم إلى الإلَه "المقه بعل أوام" صنماً "صلم" تقرباً إليه، وتحدث عن حرب وقعت في موضع يسمى "تمعن ?" وعن رجل اسمه "سعد تألب" وعن رجل آخر اسمه "حيوم بن غثريان" "حيم بن غثر بن" " وذكر أن الحرب كانت قعد وقعت في شهر "ذالت الت ذخرف وددال بن حيوم بن كبر خلل خمسن"، أي في شهر "ذي إلالات من السنة الخامسة من حكم وددايل بن حيوم بن كبير خليل"، ثم ذكر بعض الشهور التي وقع فيها القتال.
والظاهر إنها قد كانت قد انتهت في مصلحته، وان القائد الذي أمره بمحاربة عدوه كان قد انتصر عليه، لذلك تقدم إلى الإلهَ "المقه بعل، اوام" بنذره، وهو الصنم المذكور. وقد لقب "شعرم أوتر" نفسه في موضع من النص ب "شعرم أوتر ملك سبا وببيتن سلحين وغمدن وادمهوسبا وفيشن"، أي شعر اوتر ملك سبأ وبيت سلحين وغمدان. وعبيده "سباً وفيشان". وذكر البيتين أي القصرين "سلحين" و "غمدان"، هو كناية عن الملك. و "سلحين" هو قصر الملوك ومستقرهم في مأرب، و"غمدان" هو قصرهم ومقرهم في صنعاء. وقد أخذت صنعاء تنافس مأرب منذ هذا الزمن حتى حلت محلها في الأخير.
وقد جاءت في النص جملة: " كما أمر المقه أن يحارب حيوم حتى حريب". و "حريب" هي مدينة مشهورة وواد بين بيحان ومأرب. وهي من مواضع حمير. فالحرب يجب أن تكون قد تناولتٌٌ أرض حمير. وقد كان الحميريون في هذا الزمن يحاربون السبئيين.
ولدينا نص وسمه العلماء ب Cih 334، وهو نص مهم من الوجهة التأريخية يتحدث عن حرب أعلنها "شعرم أوتر ملك سبأ وذي ريدان" "شعر أوتر ملك سبأ وذي ريدان" عان "العز يلط" مللك حضرموت. ولم يذكر لقب "العز" فيه. وقد ذهب بعض الباحثين إلى انه "العز يلط" "العذ يلط" ابن الملك "عمذخر" "عم ذخر". وقد انضم إلى الحضارمة عدد من القبائل والجنود المرتزقة، ويذكر النص إن الهمدانيين أتباع "شعرم أوتر" تغلبوا على جيوش حضرموت، فانتصرت عليها في موضع "ذت غيلم" "ذات غيل" "ذت غريم" "ذات غراب"، "ذات غ. رم". وبعد هذا النصر عيّن "شعرم أوتر" أحد رجاله، ويدعى "سعدم احرس بن غضيم" "سعد أحرس بن غضب" قائداً حارساً للحدود. وقد أغار "سعد" هذا بقوة مؤلفة من مئتي محارب من قبيلة "حملان" من المخلصين للملك على أرض "ردمان" فأنزلت بها أضراراً فادحة، ووقعت معارك دموية هلك فيها خلق من الردمانيين.
ووصل "شعرم أوتر" نفسه بجيوشه إلى موضع سقطت حروفه الأولى من اسمه وبقي حرفان منه، وهما "... وت" ، لذلك يرى "كلاسر" انهما بقية اسم عاصمة حضرموت مدينة "شبوت" "شبوة"، أو "موت" على رأي غيره، ووصل "شعرم" إلى موضع آخر اسمه "صوارن" "صواران" "صوأرن" "صوارن". وقد عاد "سعد أحرس" بغنائم كثيرة من حروبه هذه وغزواته، شاكراً الإله "تألب ريام بعل ترعت"، إن سره وعافاه وشفاه من جروحه في غزوته المذكورة.
ويظهر أن "صوأرن" هي "صوران" التي ذكرها "الهمداني"، وتعرف اليوم ب "العادية" وهي في حضرموت في "وادي الكسر". ويظهر من ذلك أن جيش "شعرم اوتر" قد وصل إلى قلب حضرموت.
ويرى "كلاسر" أن "شعرم أوتر" كان قد استطاع إن ينتصر على بعض قبائل حمير، فانضمت إليه، على حين كانت القبائل الحميرية الأخرى منحازة إلى خصمه "الشرح يحضب"، وأن هذا النزاع الذي أدى إلى نشوب الحرب بينه وبين مللك حضرموت كان بسبب تنافسهما في اقتسام تركة "قتبان". وقد تحارب "شعرم" عند "يريم"، حيث كان خصمه "الشرح يحضب" أو الحضرميون، قد هاجموا هذه الجبهة، على حين قام قائده "سعد" بالهجوم على ردمان الذين أرادوا اكتساب الفرص بالمباغتة للحصول على غنائم، فهاجمهم "سعد" وكبدهم خسائر فادحة.
ملاك الشرق
21-04-2010, 01:59 PM
ويظهر من دراسة النص المتقدم إن الملك "شعر اوتر" كان قد وجه جيشاً مؤلفاً من سبئيين ومن حميريين ومن قبائل أخرى إلى ارض حضرموت للقضاء على جيشها والاستيلاء عليها ولا سيما القسم الشرقي اقليم "ظفار". واستطاع جيشه إن ينزل خسائر كبيرة بقوات "العز" المرتزقة وبجيشه النظامي، الذي كان يحارب خارج حضرموت، بدليل ورود اسم موضع "ذت غيلم" في النص. وموضع "ذت غيلم"، أي "ذات غيل" الذي نشبت فيه معركة بين الجيشين، هو مكان في أرض قتبان، وفي "وادي بيحان". ثم عاد فأنزل بجيش حضرموت خسارة أخرى، وذلك حين أراد جيش "العز" مباغتة جيش "شعر اوتر" وهو في معسكره، ولكن يقظة صاحب النص الذي كان يحرس الملك وجيشه وهو على رأس قوة مؤلفة من مئتي محارب من حملان، أفسدت خطة الهجوم، واضطر جيش "العز" إلى التراجع، فتعقبه صاحب النص ومحاربوه، ولكنه فوجئ بهجوم "الردمانيين" محاولين مباغتة الجيش من المؤخرة، فاشتبك معهم فأصيب بجرح في أثناء القتال، ولكنه تمكن من ذلك من صد المهاجمين ومن الرجوع سالماً إلى منزله معافى، ولذلك قدم إلى إلهه الحمد والشكر، لأنه عافاه ونجاه ونصره 1.
وقبل عودة صاحب النص إلى وطنه سالماً، كان قد رافق ملكه في حملته على بقية الأرضين التابعة لحكم الملك "العز"، فذكر انه رافقه في حملته على مدينتي "... وت" و "صوارن"، وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على الحضارمة في هذين المكانين. وقد قرأ بعض الباحثين اسم المدينة الأولى "شبوت"، وقرأها بعض آخر "رسوت"، وزعموا إنها "ريسوت"، وهي مدينة معروفة في الجنوب الشرقي من حضرموت. وأما "صوأرن" "صواران" فهي على مسافة "115" كيلومتراً إلى الشرق من شبوة.
وقد تمكن جيش الملك "شعر أوتر" من الانتصار على جيش "العز" ومن الاستيلاء على العاصمة "شبوت" "شبوة". ونجد خبر هذا النص في النصين الموسومين ب Jamme 636و Jammm 637 وفي نصوص أخرى. والنص الأول يحدثنا بأن صاحبه وقد سقط اسمه منه بسبب تلف أصاب مقدمته، قد حمد ربه "المقه" وشكره اذ من عليه وأغدق نعمه عليه وهو في حضرموت مع جيش سيده وملكه "شعر أوتر" "مللك سبأ وذي ريدان"، الذي حارب حضرموت واستولى على "شبوة" التي لم تمتثل أوامر الملك وقاومته، ولأنه أي ربّه "المقه" نصر ملكه ووفقه في هذه الحرب فعاد سالماً ظافراً إلى المدينة "مأرب" بالأسلاب والغنائم من ماشية وأموال وأسرى، مما سر الملك ورعيه، ولأنه من علية فرزقه أولاداً ذكوراً.
وأما النص الثاني، وهو النص Jamme 637، فقد حمد صاحبه ربه "المقه" اذ وفقه ومن عليه فحصل على غنائم من مدينة "شبوة" التي قاومت الملك "شعر أوتر" فاكتسحها، فقدم لمعبده: "معبد أوّام" تمثالاً تعبيراً عن شكره له واعترافاً بمننه عليه. فيظهر منه إن هذا الرجل، واسمه "ظبنم أثقف بن حلحلم"، كان نفسه في جملة من دخل مدينة شبوة من جيش "شعر أوتر"، فحصل على أسلاب وغنائم جعلته يحمد إلَهه عليها ويشكره ويقدم إليه ذلك التمثال تعبيراً عن تقربه إليه.
وعثر المنقبون على نص مهم آخر رقم بJamme 632 ، يفيد أن جيش "شعر اوتر" استولى على "شبوة" وعلى مدينة "قنا" ميناء حضرموت الرئيسي في ذلك العهد، وان صاحبي النص "حمعثت ارسف بن رابم" و "مهقبم بن وزعان"، وهما "بدرجة "مقتوى"، أي درجة قادة الجيش الكبار، في جيش "اسدم اسعد"، الذي هو من بني "سأرن" "سأران" و "محيلم" كانا قد تقربا إلى الإلَه "المقه ثهوان" بأربعة تماثيل وثور،
وضعوها في معبده المخصص لعبادته المسمى "معبد أوام"، تعبيراً عن حمدهما وشكرهما له، إذ منَّ عليهما واسبغ عليهما نعمه، وافاض عليهما الغنائم والأموال وأعاد لمجدهما ورئيسهما "أسد أسعد" من بني "سأران" سالماً غانماً من كل المعارك التي خاضها في سبيل سيده الملك "شعر أوتر" "ملك سبأ وذي ريدان" يصحب الغنائم والأموال والماشية، ولأنه أغدق عليهما أيضاً الغنائم الوافرة التي سرت خاطرهما وقد حصلا عليها في جملة ما حصلوا عليه من "شبوة" ومن مدينة "قنا"، وقد سألا الإله "المقه" أن يديم بركته عليه وعلى سيدهما "أسد اسعد"، وأن يبعد عنهم شر الأعداء.
وفي النص الموسوم ب Jamme 741 وبJamme 756، أن شخصاً اسمه "هيثع بن كلب ذكرم" السبئي، وهو من عبيد "آل نعم برل" و"آل حبت" "آل حبة"، كان قد نذر نذراً للإله "المقه ثهوان"، بأن يقدم له تمثالين بعضها في معبده "أوام"، اذا منّ عليه ووفقه وأعاده سالماً من "شبوة" ومن البحر، فلما أجاب دعاءه فأعاده سالماً معافى، قدّم النذر ووضعه في ذلك المعبد، وقد سأل ربّه أن يديم نعمه عليه ويبارك فيه ويسعده ويظهر أن لهذا النص علاقة بالنصوص المتقدمة التي تتحدث عن غزو جيش "شعر أوتر" لحضرموت، وأن صاحبه كان في جملة من اسهموا فيها.
ويظهر من جملة: "بن شبوت وبن بحرن"، ومعناها "من شبوة ومن البحر"، إن جيش الملك "شعر أوتر" كان قد هاجم الحضارمة من البر ومن البحر، وان الذين استولوا على مدينة "قنا" كانوا قد هاجموها من البحر. ولم يذكر النص المكان الذي أبحر منه جيش "شعر أوتر" للاستيلاء على السواحل الجنوبية من حضرموت، ولا بد من أن يكون ذلك المكان من الأمكنة التابعة لحكم الملك "شعر أوتر" أو لحكام كانوا محالفين له وعلى صلات حسنة به. وللنص الموسوم ب Geukens I صلة بهذه الحرب وبانتقام جيش "شعر أوتر" من "بني ردمان" الذين أرادوا مباغتة جيشه من المؤخرة وتدميره. ويظهر منه إن القائد "أسدم أسعد" "أسد اْسعد"، الذي كأن معسكراً مع الجيش في مدينة "القاع" ومعه قائد آخر هو "ربيبم أخطر" "ربيب أخطر"، خرجا من هذه المدنية مع جيش الملك "شعر أوتر" لمحاربة "قتبان" و "ردمان" و "مضحيم" و "اوسان"، وانضمت إليهما قوة من "بني بكيل"، قبيلة القائدين وبقيا مع الملك يحاربون معه حتى بلغ مدينة "قنا".
ولما رجعا إلى وطنهما، رجعا بغنائم كثيرة وبأموال طائلة حتى وصلا إلى مدينة "حرمتم" "حرمت" "حرمة"، ولما وصل "أسد اًسعد" إلى موطنه، وجد إن الأحباش كانوا اغتنموا فرصة انشغال جيش "شعر أوتر" بمحاربة "العز" فأغاروا عليه وأصابوه بأضرار كبيرة. ويظهر انهم أغاروا عليه وعلى أرضين أخرى كانت تابعة للملك "شعر أوتر"، في إئناء هجوم الردمانيين على مؤخرة جيش "شعر" ولعل ذلك كان باتفاق قد تم بينهم وبين بني ردمان. ومهما كان الأمر فان تحرش الأحباش هذا ب "شعر أوتر" دفعه إلى الانتقام منهم ومحاربتهم.
ونجد نبأ هذه الحروب في النص الموسوم ب Jamme 631 إذ يخبرنا القائد "قطبان أوكان" "قطبن اوكن"، وهو من "بني جرت" أقيال عشيرة "سمهرم يهولد"، بأنه قدم إلى الإلَه، "المقه ثهوان" تمثالين وضعهما في معبده "معبد أوام"، حمداً له وشكراً لأنه منّ عليه بنعمته، فمّكنه من التنكيل بمن تجاسر وتطاول فأعلن الحرب على "شعر أوتر" ملك سبأ وفي ريدان، ولأنه أعانه فقتل من أعداء الملك عدداً كبيراً، ولأنه أنعم عليه بأن أعانه في رد عادية المعتدين الذين أعلنوا حرباً على الملك من البحر ومن الأرض "بن ذبحرم ويبسم"،
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:33 PM
ومكنه من تكبيدهم خسائر كبيرة ومن أسر عدد كبير منهم ومن الاستيلاء على غنائم كبيرة مهنهم، ولأنه ساعده وأيده في مهمته التي كلفه سيده "شعر أوتر" إياها، وهي مهاجمهّ أرض الحبشة "أرض حبشت"، و "جدرت" ملك "حبشت"، أي ملك الحبشة وأكسوم، ولأنه أعاده سالماً مع كل من اشترك معه في المعارك أو قام باًلواجبات العسكرية التي عهد إليه إن يقوم بها ضد النجاشي "نجشين"، ولأنه ساعده وأعانه "هعن" في كل المعارك التي وقعت بين مدينة "نعض" ومدينة "ظفار"، التي تقدم نحوها "بيجت" "ب ي ج ت" ولد النجاشي "نيجش" ومن كان معه من قوات جيشه، فنزل بها وتمكن منها، وعندئذ أعانه "المقه" ربه على الحبش بأن أوحى إليه بأن يباغتهم ليلاً، فباغتهم وانتزع "قتروعد" منهم، وهو جزء من مدينة "ظفار"، فذعر الحبش والتجأوا إلى حصن في وسط "ظفار" فتحصنوا فيه وأخذوا يقاومون منه. غير انهم لم يتمكنوا من الاحتماء به طويلا في مقاومة قوات سبأ، لأن الإله "المقه" عزز جيش "قطبان أوكان" بقوات "لعززم يهنف يهصدق" "ملك سبأ وذي ريدان" التي كانت قد وصلت إلى هذه الجبهة واتصلت بقواته. وعندئذ حاصرت الأحباش وقتلت منهم ونهكتهم،
ثم اتفق القوم في اليوم الثالث من الحصار على أن يباغتوا الحبش ليلاَ، فيهاجمهم قوم من ذمار وجماعة من الفرسان وعشائر من "بني ذي ريدان"، ويأخذونهم على غرة، وقد نجحت هذه الخطة وبوغت الحبش وقتل منهم أربعمئة جندي، قطعا رؤوسهم، وفي اليوم الثالث أيضاً ترك "قطبان أوكان" جبهة "ظفار" وتوجه ليعقب فلول الحبش إلى أرض المعافر "معفرم". فلما أدركهم قتل، قوماً منهم واتصل بهم، فاتجه الباقون هاربين إلى معسكراتهم، وفي اليوم الثاني من هذا الالتحام تداعى الأحباش فتركوا منطقة ظفار، وذهبوا إلى المعاهر "معهرتن".
وقد أنهى "قطبان أوكان" صاحب النص نصه بالتوسل إلى الإله "المقه ثهوان" أن يمدّ عمر سيده "لحيعثت يرخم" "ملك سبأ وذي ريدان" وضعه الصحة والقوة والمعرفة، وان يقهر أعداءه وخصومه، وان يبارك له ولأهله، ويمنحه أثماراً وافرة وغلة كثيرة في موسمي الصيف والخريف وسيارك في زرع أرضه وأرض عشيرته في الصيف وفي الشتاء
ويتبين من هذا النص انه ما كاد جيش "شعر أوتر" ينتصر على حضرموت وعلى الردمانيين حتى فوجئ بالحبش يشنون حرباً عليه ويتصدون له. فكلف الملك القائد "قطبان أوكان" إن يسير إلى من عصى وتمرد وخالف أوامر الحكومة للقضاء عليه، ثم يسير على رأس قوة إلى أرض الحبشة: يحارب بها "جدرت" ملك الأحباش والأكسوميين "عدى أرض حبشت ب عبر جدرت ملك حبشت وا*********ن" فنفذ القائد أمره وأتم الخطط العسكرية التي وضعت له، ثم عاد مع جنده سالماً، ولم يشرح النص كيف بلغ القائد أرض الحبشة، وهل قصد بأرض الحبشة الحبشةَ المعروفة والسواحل الإفريقية المقابلة لبلاد العرب، أو قصد موضعاً آخر فًي العربية الجنوبية? ولكن الذي يقرأ النص ويدقق في جملة ويوفق بين معانيها، يخرج بنتيجة تجعله يرى إن المراد من جملة "على أرض الحبشة إلى جدرت ملك الحبش والأكسوميين"، أرض الحبش في إفريقية، لأن الملك "جدرت" ملك الحبشة وأكسوم، لم يكن يقيم في بلاد العرب، ولكن في إفريقية،
فأمر "شعر أوتر" قائده بالسير إلى أرض الحبشة إلى "جدرت"، معناه التوجه إلى إفريقية لمحاربة النجاشي "جدرت" 0 أما "الحبش" الذين كانوا في بلاد العرب، فقد كانوا تحت حكم "بيجت ولد النجاشي"، فلا يمكن أن تكون الأرض المحتلة هي المقصودة. والظاهر إن القائد المذكور ركب البحر مع جنوده من "الحديدة"، وتوجه منها إلى السواحل الإفريقية فنزل بها، وباغت أهلها بغزو من وجده أمامه، ثم جمع كل ما ظفر به من أموال ومن أناس أسرهم وعاد بهم وبالأموال مسرعاً إلى بلاده، فاشترك في بقية المعارك التي ذكرها في نصه، وفي جملتها محاربة الحبش الذين تحت إمرة "بيجت".
و "معاهر" على ما يظهر حصن "وعلان" في "ردمان". وقد استدل "فون وزمن" من عدم تدوين اسم الملك "شعر أوتر" في نهاية النص ومن ذكر اسم الملك "لحى عثت يرخم" "ملك سبأ وذو ريدان" فيه، تقرباً إليه وتيمناً به، على وفاة "شعر أوتر"، وتحكم الملك "لحيعثت" عند تدوين هذه الكتابة
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:35 PM
وقد انتهت المعارك التي جرت مع الحبش النازلين في السواحل الجنوبية من جزيرة العرب بطردهم عن "ظفار" المدينة التي احتلوها، وصاروا يهاجمون منها جيش "شعر أوتر"، وطردوا من كل أرض "معافر"، ولكنهم ذهبوا إلى "معاهر" "معهرتن" حيث بقوا هناك.
ويظهر إن الأحباش ومن انظم إليهم من قبائل باغتوا حكومة "شعر أوتر" بالهجوم عليها من البحر والبر "بن ذبحرم ويبسم": وامتدت رقعة الهجوم من مدينة "نعض" إلى مدينة "ظفار". ويظهر أن "بيجت ولد النجاشي" كان قد تلقى إمداداً من إفريقية، فصار يهاجم بها السواحل، ويعبئ بها سفنه لمهاجمة الأماكن البعيدة عن منطقة احتلاله. ولم يتحدث النص عن مصيره بعد هزيمة جيشه من ظفار ومن أرض "معافر"، والظاهر أنه بقي في ارض "المعاهر" "معهرت" "معهرة"، وأن السبئيين لم يزيحوا الحبش عنها، فبقوا معسكرين ومتحصنين في هذه الأرض وفي الحصن.
ولدينا نص وسم ب Jamme 633 يفيد إن صاحبه واسمه "ابكرب احرس" "أبو كرب أحرس"، وهو من بني "عبلم" و "يحمذيل" "يحمد آل" "يحمد ايل" كان قد تولى امر الحميريين المستقرين الذين صاروا بين جيشين وانه قام بواجبه، غير انه أصيب بمرض صار يعاوده، وأنه لما عاد من "لحج" قدم تمثالاً إلى الإلهَ "المقه ثهوان" وضعه في معبده: "معبد اوام" وذلك ليحفظه من كل سوء، لأنه ساعده على تحمل مرضه، وأعاده إلى دياره من "لحج"، وقد قدم نذره هذا في شهر "دنم" من سنة "أيكرب بن معد كرب" "أبو كرب بن معد يكرب بن فضحسم". وليس في هذا النص شيء عن هوية الجشين، ويرى بعض الباحثين أن المراد بذلك إن الحميريين المذكورين كانوا في ذلك العهد قد صاروا بين فرقتين من فرق الجيش، جيش "شهر أوتر": فرقة مؤلفة من محاربين سبئيين، وفرقة مؤلفة من محاربين حميريين، وأن الحكومة عيِنت صاحب النص على الأهلين الحميريين الذين صاروا بين الجيشين، ليضمن تعاونهم وتآزرهم مع الجيشين، وييسّر لهم الطعام والماء. ولم يشر النص إلى قتال أو حرب يومئذ، ولكن يظهر أن وجود الفرقتين هناك كان بسبب وجود حالة غير طبيعية، ولعلها حالة الحرب التي أتحدث عنها.
ويحدثنا القائد المتقدم، أي "ايكرب احرسر"، في نص آخر له يتألف من "46" سطراً، وسمه الباحثون ب Jamme 635 وهو من النصوص التي دوّنها وسجلها "جامه" Jamme أحد أعضاء البعثة الأمريكية لدراسة الإنسان، بأنباء معارك واضطرابات وانتفاضات قام بها القبائل ضد سيدها الملك "شعر أوتر" في الجنوب وفي الشمال، في البحر وفي البر "يبسم"، اشترك فيها هذا القائد، وقد حمد الإلَه "المقه" بعد عودته منها كلها سالماً معافىً، لأنه هو الذي حرسه وحماه وحفظه، واعترافاً بنعمه هذه عليه، قدم إليه تمثالاً وضعه في معبده المخصص بعبادته المسمى "معبدا أوّام". وقد توسل إلى إلَهه "المقه" بأن يديم نعمه عليه وعلى ملكه "شعر أوتر" ملك سبأ وذي ريدان، وان يبعد عنه كل أذى وشر، وان يهلك أعداءه وحساده.
وذكر القائد بعد هذه المقدمة إن في جملة الحروب والمعارك التي خاضها في سبيل الملك، حروباً خاضها مع "اشعرن" "اشعران" و"بحرم" ومن انظم اليهما من ناس، وحروباً خاضها في منطقة خلف مدينة "نجران" "نجرن"، لمحاربة مقاتلي الحبش "حبشن" ومن كان يؤازرهم ويساعدهم. ويظهر من هذا النص إن نجران كانت في أيدي الحبش في هذا الزمن.
وكانت منازل "الأشاعرة" الأشاعر "الأشعر" "الأشعريون" في القديم منتشرة على الساحل الغربي من "جيزان" إلى "باب المندب" أما في أيام "الهمداني"، فقد كانت في أرض "معافر" المعافريين.
وأما "بحرم" "بحر"، فقد كانت عشيرة من عشائر "ربيعة" "ربيعت" "ربعت".
ويظهر من دراسة هذا النص إن الملك "شعر أوتر" كان قد هاجم أولاٌ أرض "اشعرن" "أشعران"، ثم هاجم "بروم"، وكان القائد صاحب النص يحارب معه. وبعد إن انتهى من قتالهما انتقل بجيشه للقتال في منطقة "نجران" حيث كان الحبش قد تجمعوا فيها، فقاتلهم وقاتل من كان معهم. ثم نقل القتال إلى الغرب إلى "قريتم" "قرية" وهي "لبني كاهل" "كهل"، "قريتم ذت كهلم". فتحارب جيش "شعر أوتر" مع سيد المدينة "بعل هجرن"، أي مع صاحب مدينة "قرية"، وتغلب عليه، وحصل على غنائم كثير ة منها. ثم حارب "ربيعة" ثور ملك "كدت" "كدة" كندة وقحطان "بعل ربعت ذ الثورم ملك كدت وقحطن".
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:36 PM
ويظهر من هذا النص إن "ربيعة "" "ربعت" كانت من القبائل المعروفة يومئذ، وكانت تابعة لحكم "ثور"، "مللك كندة وقحطن". وقد انتصر على جميع من حاربهم من أهل "قريتم" ومن اتباع الملك "ربيعة" ملك كندة وقحطان، واستولى على غنائم كثيرة، في جملتها خيول وأموال طائلة، كما أخذ عدداً من الأسرى.
وقد كاف الملك "شعر أوتر"، صاحب النص بعد المعارك المذكورة أن يتولى قيادة بعض "*********ان حضلم" "*********ان حضل"، وبعض أهل نجران وبعض الأعراب، لحرب المنشقين من بني "يونم" "يوان" ومن أهل "قريتم" وقد حاربهم "ابكرب احرس" "أبو كرب أحرس" عند حدود "يكنف ارض الأسد مجزت مونهن ذ ثمل" أرض "الأسد مجزت مونهان" الذي هو صاحب "ثمل" "ثمال". ثم عاد مع جيشة كله سالماً غير مصابين بأذن.
ويظن إن المراد من "بني يونم"، "بني يوان"، الياوانيين، اي من "يونم" "يوان" وهم قوم من اليونان، استوطنوا في جزيرة العرب، وقد ورد اسمهم في النص: Glaser 967. ويظهر انهم كانوا يحالفون "قريتم" في هذا العهد وقد جاؤوهم ليساعدوهم على الملك "شعر أوتر".
وإما "الأسد مجزت مونهن"، فإسم علم على شخص، يظهر انه كان إن يحكم أرض "ثمل" "ثمال". ويظهر انه لم يكن يلقب نفسه ب "ملك"، بدليل عدم ورود هذا اللقب بعد اسمه في النص. وقد كان كذلك من المخالفين ل "شعر أوتر" ومن المعارضين له.
ويظهر من تكليف الملك قائدة أبا كرب احرس "أبكرب أحرس" إن يتولى بنفسه قيادة هذه القوى، إن الملك قد وجد فيه حنكة عسكرية وجدارة جعلته يثق به، فكافأه بتسليمه قيادتها إليه.
ويظهر إن غنائم السبئيين من "قريتم" "قرية"، كانت كثيرة جَداً، اذ نجد إشارة إليها في نصين آخرين. ففي أحدهما شكر وحمد ل "المقه"، لأنه منَّ على عبده "شحرم" "شحر" من "بني حذوت" "حذوة" و "رجلم" "رجل"، وأعطاه غنائم كثيرة من غنائم تلك المدينة، جعلته سعيداً، وفي النص الثاني شكر لهذا الإلَه كذلك، دونه "قشن أشوع" وابنه "ابكرب" "أبوكرب" وهما من "صعقن" "صعقان"، لأنه منَّ عليهما فأغناهما بما غنموا من "قريتم" قرية، اذ كانا يساعدان سيدهما "شعر أوتر"، ولذلك قدما إليه نذراً: تمثالاً، تعبيراً عن حمدهما له، وليمنَّ عليهما وعلى سيديهما: "شعر أوتر" وأخيه "حيو عثتر يضع" "ملكي سبأ وذي ريدإن".
ولدينا نص وسم ب Jamme 640 يتحدث عن مساعدة "شعر أوتر" "العز" مللك حضرموت في القضاء على تمرد قبائل حضرموت وثورتهم عليه. ولم يذكر النص أسباب ذلك التمرد، والظاهر إنها تمردت على ملكها، لأنه تعاون مع "شعر أوتر" الذي فتح حضرموت واخذ جيشه منهو غنائم كثيرة، وانزل بالحضارمة خسائر فادحة، فغضوا عليه لتعاونه ه ملك سبأ.
وقد جاء في هذا النص اسم مدينة دعيت "هجرن اسورن"، اي مدينة أسورن "أسوران"، ويظن إنها مدينة "أوسرة" Ausra، التي ذكرها بعض الكتبة اليونان، وهي موضع "غيظت" "غيظة" التي تقع على مسافة "220" كيلومتراً جنوب غربي "ريسوت".
وقد ورد اسم "حيو عثتر يضع" في هذا النص، وهو شقيق الملك "شعر أوتر"، غير انه لم يضع بعده لقب "ملك سبأ وذي ريدان".
ولدينا نص آخر دوّنه رجل اسمه "ربيعت" "ربيعة"، ذكر فيه انه قدّم تمثالاً إلى الإلَه "المفه"، لأنه إعاده سالماً معافىً من كل المعارك التي اشترك فيها والحرب التي شنها، وقد سأل إلَهه إن يحفظه وان يمنَّ عليه وعلى سيديه "شعر أوتر" و "حيو عثتر يضع". ولم يذكر النص في شيئاً عن تلك المعارك وعن المواضع التي دارت فيها رحاها.
وبعد النص: Cih 398 من النصوص التي تتحدث عن تألريخ سبأ، اذ تحدث عن "شعر أوتر"، على انه "ملك سبأ وذي ريدان" ثم تحدث في الوقت نفسه عن "الشرح يحضب"، وعن اخيه "يأزل بين"، وقد لقبهما ب "ملكي سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا ان الحكم سبأ وذي ريدان كان ل "شعر أوتر" وللأخوين: "الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين" ،وهما من أسرة همدانية أخرى سأتحدث عنها في موضع آخر, وقد توسل صاحب النص إلى آلهته بأن تمنَّ عليهما بالصحة والعافية والنصر.
وقد أثار هذا النص جدلاً بين علماء ا العربيات الجنوبية في معاصرة "علهان نهفان" ل "فرعم ينهب"، وفي حكم "شعر أوتر" و "الشرح يحضب" وشقيقه، وتقلب كل واحد منهم بلقب "ملك سبأ وذي ريدان" فذهبوا في ذلك مذاهب، إذ ليس من المعقول إن يكون مقر حكم "شعر أوتر" و "الشرح يحضب" وأخيه في "مأرب"، ويكون حكمهم حكماً مشتركاً. فبين أسرة "شعر اوتر" وأسرة "الشرح" تنافس قديم، لا يمكن إن يسمح بحكم هؤلاء الثلاثة من مدينة مأرب، وبحملهم لقباً واحداً عن رضى واتفاق
وذهب بعضهم إلى إن هذا النص لا يشير إلى حكم الأخوين، في أيام حكم "شعر اوتر"، وإنما يشير إلى انهما حكما بعده، وإذن فلا غرابة في القضية، اذ لم يكن الحكم مشتركاً وفي زمن واحد. وذهب بعض آخر إلى إن حكم "الشرح" وشقيقه كان مستقلاً عن حكم "شعر اوتر"، وان الأخوين لم يكونوا مرتبطين ب "شعر اوتر" بأي رباط، وإنما كانا يعدّان أنفسهما المللكين الشرعيين، وان الحكم إنما انتقل إليهما من أبيهما "فرعم ينهب" وذهب آخرون إلى إن "فرعم ينهب" كان قد وضع أساس الحكم والملك في منطقة تقع غرب"مأرب" وان "الشرح يحضب" و "يأزل بين"، خلفاه على ملكه، واهتبلا الفرص للاستيلاء على عرش سبأ، حتى اذا سنحت لهما، لقبا أنفسهما بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، وذلك بعد اختفاء ذكر "شعر اوتر" وأخيه " "حيو عثتر يضع"، وصارا بذلك ملكي سبأ وذي ريدان، وإنما كان حكمهما على جزء من تلك المملكه.
وقد جاء اسم "شعر اوتر" مع لقبه "ملك سبأ وذي ريدان" في النص الموسوم ب Jamme 638، وقد سقطت الأسطر الأولى فيه فلم يعرف مدوّنه وصاحبه. وقد ذكر فيه اسم والد الملك، وهو "علهان"، وقد لقب فيه بلقب "ملك سبأ" فقط.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:40 PM
وقد ثبت الآن من نصوص عثر عليها من عهد غير بعيد إن "حيو عثتر يضع" كان شقيقاً ل "شعر أوتر"، وانه كان قد شارك شقيقة في التلقب ب "ملك سبأ وذي ريدان". ويظهر إن ذلك كان بعد مدة حكم فيها "شعر اوتر" حكماً منفرداً، أي من غير مشاركة أخيه له في اللقب، بدليل ورود اسمه في النص Jamme 640 بعد اسم أخيه ،ولكن من غير تدوين أي لقب له.
وذكر في هذا النص اسم "عبد عثتر بن موقس"، وهو من سادات "*********ان"، وقد هاجمته جيوش "شعرم اوتر" وهزمته، وكبدته خسائر، وكان قد هدم وخرب معبداً لعبادة "المقه" في موضع "اوعلن" "اوعلان" "محرم بعل اوعلن"، فعد صاحب النص هذه الهزيمة عقاباً وجزاء من الإلَه "المقه" انزله عليه لفعلته هذه بمعبده. فيظهر من هذا النص إن "شعرم اوتر" كان قد اغار على ال*********انيين أو على القسم الذي يترأسه "عبد عثتر" منهم، وأصابهم بضرر فادح، ففرح بذلك صاحب النص، لتطاول "عبد عثتر" على معبد "المقه" إلَه السبئيين واستخفافه به.
ولم يذكر صاحب النص السبب الذي حمل "شعرم اوتر" على مهاجمة سيد *********ان، اذ عزاه إلى انتقام الإلَه "المقه" منه، فكأن هذا الإلَه هو الذي سلط "شعرم اوتر" عليه، لينتقم منه جزاء فعلته المنكرة بمعبده، ولعل "عبد عثتر" كان قد تجاسر على "شعرم اوتر" فهاجم أرضه، أو انه خاصمه وعارضه أو عصى امرأَ له، فهاجمه "شعرم اوتر" وانتقم منه.
واختم صاحب النص المذكور نصه بتقديم حمده وشكره لإلَهه، اذ منّ عليه فمكنه من الدفاع عن تربة بلاده، وأغدق عليه نعماءه فنحه غلة وافرة وثماراً كثيرة. وذلك في أيام سيديه الملكين، وفي عهد "القول" القيل "رثد أوم يزد بن حبب". وفي أيام "بني عنن" "بني عنان" وشعب "صرواح"، ثم ذكر أسماء الآلهة.
ويظهر من النص و صاحبه كان ممن اشتركوا في الحروب، ولعلّه كان من قادة الجيش فيها، أو من سادات القبائل الذين أسهموا مع قبيلتهم فيها. وكان في جانا "الشرح"، وأخيه "يأزل" وقد يكون ذكر "شعر اوتر" وذكر لقبه معه على سبيل الحكاية، لا الاعتراف بكونه ملكاً على سبأ وذي ريدان.
ولم يذكر صاحب النص السبب الذي حمل "شعرم اوتر" على مهاجمة سيد *********ان، اذ عزاه إلى انتقام الإلَه "المقه" منه، فكأن هذا الإلَه هو الذي سلط "شعرم اوتر" عليه، لينتقم منه جزاء فعلته المنكرة بمعبده، ولعل "عبد عثتر" كان قد تجاسر على "شعرم اوتر" فهاجم أرضه، أو انه خاصمه وعارضه أو عصى امرأَ له، فهاجمه "شعرم اوتر" وانتقم منه.
واختم صاحب النص المذكور نصه بتقديم حمده وشكره لإلَهه، اذ منّ عليه فمكنه من الدفاع عن تربة بلاده، وأغدق عليه نعماءه فنحه غلة وافرة وثماراً كثيرة. وذلك في أيام سيديه الملكين، وفي عهد "القول" القيل "رثد أوم يزد بن حبب". وفي أيام "بني عنن" "بني عنان" وشعب "صرواح"، ثم ذكر أسماء الآلهة.
ويظهر من النص و صاحبه كان ممن اشتركوا في الحروب، ولعلّه كان من قادة الجيش فيها، أو من سادات القبائل الذين أسهموا مع قبيلتهم فيها. وكان في جانا "الشرح"، وأخيه "يأزل" وقد يكون ذكر "شعر اوتر" وذكر لقبه معه على سبيل الحكاية، لا الاعتراف بكونه ملكاً على سبأ وذي ريدان.
وقد شارك ابناه الحكم في حياته، فلقب على العادة الجاريه ب "ملك سبأ وذي ريدان". وإما اسم "شعرم اوتر"، الذي سقط القسم الأول منه،وهو "شعرم" من الكتابة، فانه اسم الأب لا الشخص الذي ذهب "هومل" اليه.
وورد اسم "شعرم أوتر" وبعده اسم "حيو عثتر يضع" في كتابة أخرى يدعى صاحبها "ربيعت" "ربيعة"، وقد قدم إلى الإلَه "المقه" تمثالاً من الذهب، لأنه أعاده سالماً من غزوة غزاها، ومن حرب حضرها في سبيل "شعرم أوتر"، وتضرع إلى "المقه" أن يديم نعمته عليه، ويمدّ في عمره، ويبارك فيه وفي سيديه" "شعر أوتر وحيو عثتر يضع".
ولما كأن صاحب هذه الكتابة من السبئيين، وكنا قد وجدنا كتابات أخرى حمدت وذكرت "شعرم أوتر" بخير، وكان أصحابها من السبئيين كذلك فإننا نستنتج من ذلك كله إن قسماً من السبئيين كانوا منحازين إلى هذا الملك، وانهم كانوا يعترفون به ملكاً على سبأ وذي ريدان وان "الشرح يحضب" لم يكن يحكم كل سبأ والقبائل التابعة للسبئيين.
وذكر اسم "شعرم أوتر" في نصين آخرين قصيرين، هما بقايا نصينّ. ورد في أحدها اسم "ظفار"، وقد أهمل فيه لقبه. إما النص الثاني فقد دون عند بناء بيت، وقد لقما فيه ب "ملك سبا وذي ريدان".
ويظهر إن "شعر أوتر" قد تمكن من بسط سلطانه على أكثر حكومات العربية الجنوبية وعلى قبائلها، ما خلا المناطق التي كان ت في أيدي الحبش، وهي الأرضون الغربية من اليمن والواقعة على ساحل البحر الأحمر.
لقد جعل "جامه" حكم "شعر اوتر" فيما بين السنة "65" والسنة "55" قبل الميلاد، وجعل نهاية حكم شقيقه "حيو عثتر يضع" في السنة "50" قبل الميلاد، وهي سنة انتقال الملك من أسرة "يرم أيمن" إلى أسرة "فرعم ينهب" التي بدأت حكمها في أرض تقع حوالي "صنعاء" ثم وسعت حكمها حتى شمل مملكة سبأ وذي ريدان كلها.
هذا، وأود أن أشر هنا إلى إن النص: Jamme 631 المكتوب في أيام الملك "شعر أوتر" والذي تحدثت قبل قليل عنه، قد ورد فيه اسم ملك هو "لعززم يهنف يهصدق"، وملك آخر اسمه "لحيعثت يرخم". وقد لقب كل واحد منهما ب "ملك سبأ وذي ريدان". ومعنى هذا وجود ملكين آخرين كانا يحكمان في أيام "شعر أوتر" كل منهما يلقب بلقب "ملك سباً وفي ريدان".
واذا أضفنا إليهما والى الملك "شعر أوتر" الشقيقين "الشرح يحضب" و "يأزل بين"، وقد كانا يلقبان بهذا اللقب أيضاً، نجد أمامنا خمسة ملوك يلقبون بلقب واحد. ويرى بعض الباحثين إن الملك "لعززم يهصدق"، كان ملك أرض "ظفار" وما جاورها، وهو الذي هاجمه الحبش وانتصروا عليه، وكان يحكم هذه الأرضين حكماً مستقلاً فلما هاجمه الحبش، أسرع الملك "شعر أوتر" لنجدته على نحو ما ورد في النص.
وأما الملك "لحيعثت يرخم"، فقد ورد اسمه في نص وسمه العلماء ب Rep.epig. 263، ولسسنا نعرف من أمره اليوم شيئاً يذكر. ويظن انه من ملوك المقاطعات، بأي الملوك الصغار المحليين،وقد كان حكمه يتناول الأرضين الواقعة شمال أرض ظفار.
يتبين لنا مما تقدم أن ملوك سبأ لم يكونوا ينفردون وحدهم بالحكم دائماً، وإنما يظهر بين الحين والحين ملوك ينازعونهم الملك واللقب، يبقون أمداً مستقلين وقد يتغلبون على الملوك الشرعيين الأصليين ويسلبونهم الملك، كالذي فعله
"الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين"، إذ كانا ملكين يحكمان أرض "صرواح" ثم بسطا سلطانهما على أرضين أخرى ثم انتزعا العرش نهائياً، وصارا الملكين على مملكة "سباً وذي ريدان".
لقد انتهيت من الكلام على أسرة "اوسلة رفشان"، وهي من عشيرة "بتع" من قبيلة "حاشد" أحد فرعي "هَمْدان"، وقد وجب الكلام الآن على أسرة همدانية أخرى ظهرت في هذا الزمن أو قبل ذلك بقليل، وانتزعت الملك من السبئيين، وأخذته لها، وهذه الأسرة هي أسرة "نصرم يهأمن" التي سبق أن تحدثت عنها في أثناء كلامي على "ملوك سبأ". فقد كان "نصرم يهأمن" من قبيلة همدان أيضاً، فنحن إذن في عصر سبئي، إلا أن الحكم فيه لم يكن في أيدي ملوك سبئيين، ولكن كان في أيدي ملوك من همدان.
أسرة "يرم ايمن"
1- أوسلت رفشان "اوسلت رفشن".
2- يريم أيمن "يرم أيمن".
3- علهان نهفان "علهن نهفن".
4- شعر أوتر "شعرم اوتر".
5-حيو عثتر يضع.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:42 PM
الفَصْل ا لسَّادِس وَُالعشرُون
أسر وقبائل
تحدثت عن ملوك سبأ، وعليَّ الآن أن أتحدث عن الأسر وعن القبائل التي كانت لها أعمال بارزة ملحوظة في هذا العهد، اذ كانت من القوى الموجهة، ولتوجيهها أثر مهم في سياسة زمانها.
وأول من يجب إن أبدأ بهم، "فيشن" "فيشان". فمنهم كان مكربو سبأ، ومنهم كان الملوك. ولا بد أن يكون الفيشانيون من القبائل القوية الكثيرة العدد، والا لم تخضع لها القبائل الأخرى ولم تسلم لها بالقيادة والسيادة.
وكانت "صرواح" عاصمة المكربين، من أهم مواطن الفيشانيين. وقد ورد في الكتابة الموسومة ب Glaser 926 انهم كانوا أصحاب "عهرو"، أي ناد يشبه "المزود"، أو "دار ندوة" قريش، يجتمع فيه ساداتهم للتشاور في الأمور، وللتحدث عما يحدث لهم.
وقد أضاف المكرب والملك "كرب ايل وتر" إلى أسرته والى قبيلته "فيشن" "فيشان" أملاكاً واسعة كما ذكر ذلك هو نفسه في كتابته: "كتابة صرواح". وقد أخذ تلك الأملاك من القبائل التي عارضته وحاربته، فتوسعت رقعة منازلها بفضل هذه الأملاك.
وجاءت في بعض النصوص، جملة هي: "سبأ وفيشان"، فعطفت "فيشان" على سبأ، مما يدل على إن "فيشان" لم تكن في عداد سباً في نظر القوم اذ ذاك.
وقد جاء في النص:Jamme 558 إن: "يدع ايل" وهو ابن "كرب ايل بين" "ملك سباً" وكذلك "الشرح"، وهو ابن "سمه على ذرح"، كانا من عشيرة "شعبهمو" "شعب" "فيشن"، أي "فيشان"2. فقيشان إذن من الأسر القديمة المعروفة في اليمن، ومنها كان أقدم حكام سباً.
وقد ولدت قبيلة أخرى عدداً من الملوك، جلسوا على عرش سبأ وحكموا السبئيين وغيرهم. وهذه القبيلة هي قبيلة "مرثد" وهي من "بكل" "بكيل". وكانت تتعد للإله "المقه" إله السبئيين الأول. وقد أقامت له معابد عديدة، منها معبده المسمى بي "المقه ذهرن"، أي معبد "المقه" في "ذي هرن" "ذي هران". و "هران" من المواضع التي ذكرها "الهمداني".
ومن ملوك سباً الذين تبوأوا العرش، وهم من "مرثد" الملك "أنمار يهأمن بن وهب ايل" الذي سبق أن تحدثت عنه، وأكثر الكتابات التي ترجع إلى عهده، عثر عليها في مدينة "حاز" في جنوب "عمران
ومن ملوك سبأ الذين أصلهم إلى "مرثد"، الملك "الشرح يحضب" وأبناؤه. وقد دوّن اسم "الشرح" في جملة كتابات عثر عليها في "شبام سخيم". وكانت لمرثد أرضون غنية واسعة في الجزء الغربي من "بلد همدان"، وهي جزء من ارض "بكل" "بَكِيل". تستغلها قبائل "بكيل" وبطونها لقاء جعل تدفعه لسادات القبائل والملوك، يتفق على مقداره، ويقال لعقد هذه الاتفاقيات "وتف" "وتفن". وتشرف معابد "المقه" على أوقاف واسعة لها، تؤجرها أحياناً لسادات القبائل بمبالغ يتفق عليها الطرفان.
وقد وصلت إلينا جملة عقود "وتف" عقدت بين كهُان معابد "المقه" وسادات "مرثد"، منها الاتفاقية المعروفة ب Glaser 131. وقد تعهدت "مرثد" فيها لمعبد "المقه بعل اوم" بالوفاء له بما اتقق عليه، تدفعه له في وقته في كل سنة، كما تعاقدت عليه في الشروط المدونة في "الوتف"، على أن يهبها الإلَه "المقه" غلة وافرة ومحصولاٌ جيداً. ويظهر إنها لم تف للمعبد بما اتفق عليه، ولم تسلم له حصته كما ينبغي، وصادف جدب انزل أضراراً بمرثد، ففسر الكهان ذلك بغضب إِلهي أرسله "المقه" على "مرثد" لعدم وفائهم بالعهد، فارتأي سادتهم أن يكفروا عما بدر منهم،
والوفاء في الموسم المقبل، فجددوا العهد، وكتبوه مجدداً تأكيداً على أنفسهم أمام الإله "المقه" الذي وافق على ذلك ورضي به. ويعني ذلك بالطبع رضاء الكهّان وموافقتهم على تجديد العقد.
وتحكمت "مرثد"، بما لها من سلطان واتساع أرضين، في عشائر أخرى، دانت لها بحق "الجوار"، وعدت سادة "مرثد" سادتها كذلك. وقد اختارت كل عشيرة منها من شاءت من سادة مرثد، فكان ممن ساد منهم عشيرة "عرن" "عران" سيد من "مرثد" اسمه "ريبم" أي "ريب". وقد ورد اسمه في نص كتبه في سنة "خرف" "خريف" "عم كرب بن سمه كرب بن حزفرم" وذلك حمداً وثناء على الإلَه "المقه" رب معبد "ذ هرن" "ذي هران"، لمننه ونعمائه، وتعبيراً عن حمده وشكره، قدم له نذراً أهداه إلى ذلك المعبد.
وكان "بنو ارفط" "بن ارفط" من القبائل التي دانت بسيادة "بني مرثد" عليهم، كما يتبين من كتاباتهم. فقد عبروا عنهم ب "امرائهم بني مرثد"، وعبروا عن سيادة "بني مرثد" عليهم بجملة "آدم بن مرثدم"، أي "********* بني مرثد"، وفي هذا التعبير دلالة واضحة على انهم كانوا اتباعاً لبني كل مرثد، خاضعين لهم، فأن لفظة "ادم" لا تقال الا تعبيراً عن التبعية والخضوع.
وعرفنا من الكتابات اسم قبيلة أخرى كانتُّ تعدّ نفسها في جوار "بني مرثد" وولائهم. وهي قبيلة "نشم" "نبش" "نابش"، وقد قدّم أحد أبنائها نذراً إلى "المقه ذي هران"، وذكر إن ذلك كان في أيام سيده وأميره "يثعم" أي "يثع" من مرثد".
ويعد "بن اخرف" "بنو اخرف"، وهم على ما يظن "بنو الخارف" من اتباع "مرثد" أيضاً. وقد ورد في النص: Cih 79 اسم أحد رؤسائهم من "مرثد"، وهو "يفرعم" "يفرع". وقد ذكر "نشوان بن سعيد الحميري": إن "الخارف بطن من همدان من حاشد"، وذكر نسبهم وبطونهم في الجزء العاشر من "الإكليل".
وكان "بنو وهرن" "بنو وهران"، من اتباع "مرثد" كذلك، وقد صرح بذلك أحدهم في كتابة قدمها إلى "المقه ذي هران".
ومن القبائل التي اعترفت بسيادة "مرثد" عليها، "بنو كنبم" "بنو كنب" و "بنو عبدم ذي روثن" أي "بنو عبد" أصحاب "روثان"، و"بنو أرفث" و "بنو ضنيم"، أي "بنو ضب" و "بنو أسدم"، أي "بنو اسد"، الذين تعبدوا لألمقه بمعبده في موضع "صوفن" "صوفان"، و"بنو يهفرع" و "بنو أشيب"، و "بنو قرين" "قورين"، و "بنو حيثم" "بنو حيث"، و "بنو ذنحن" "بنو ذنحان"، وغيرها.
و "روثان" من الأسماء المعروفة في اليمن، وقد كان محفداً من المحافد، وقد ذكره "الهمداني" في "الإكليل".
وقد ورد في النص Cih 102 اسم جماعة تدعى "بنو مضن"، "بنو مضان"، وهم من "ابكلن" "أبكل" من سكان مدينة "عمران"، وقد ورد اسم هذه المدينة في نصوص أخرى، يظهر منها أن أصحابها كانوا من "بني ابكلن" "أبكل".
ولعلّ لما ذكره "الهمداني" من وجود قبائل تنتسب إلى "الأسد بن عمران" علاقة ب "بني أسدم" "أسد" الذين ذكرتهم قبل قليل، كانوا نزولاً في "عمران" فنسبوا إليها.
سخيم
ومن القبائل في هذا العهد قبيلة "سخيم"، التي ورد اسمها في مواضع من هذا الكتاب. وكانت تتمتع بمنزلة محترمة ومكانة مرموقة، ولها أرضون تؤجرها لمن دونها من القبائل بجعالة سنوية وخدمات تؤديها لسادات هذه القبيلة. وتعد منطقة "شبام سخيم" الموطن الرئيسي ل "بني سخيم". وقد تحدث "الهمداني" عن "شبام سخيم"، فقال: "ومن قصور اليمن، شبام سخيم، وكان فيها السخيميون من سخيم بن يداع بن ذي *********ان... وبها مآثر وقصور عظيمة. ومن شبام هذه تحمل الفضة إلى صنعاء، وبينهما أقل من نصف نهار"7. فجعل "الهمداني" "السخيمييين" من "ذي *********ان". وقد أخذ هذا النسب من موقع أرض "سخيم" التي تقع في أرض "*********ان"، فصار هذا نسباً للسخيميين على مرور الأُّيام.
وكان له "بني سخيم" سلطان واسع في "شبام سخيم"، ولهم في هذا الموضع "مزود" يجتمعون فيه، ويتداولون في تصريف أمورهم في السلم والحرب. وكان منهم "اقول" "اقيال" حكموا قبائل أخرى. وقد قام رجالهم بأعمال عمرانية مثل فتح طرق، وحفر قنوات ومسايل للمياه، يساعدهم عليها أتباعهم من "بني سخيم" ومن القبائل الأخرى التي كانت نزولاً عليهم. ولتغلب "سخيم" على موضع "شبام"، عرف باسمهم تمييزاً له عن مواضع أخرى عرفت أيضاً باسم "شبام".
وقد وصلت إلينا أسماء طائفة من سادات "سخيم"، قاموا بأعمال عمرانية دونوها في كتاباتهم، أو ساعدوا اتباعهم على القيام ببعض الأعمال العمرانية، فذكروا أسماءهم لذلك اعترافاً بفضلهم عليهم. ومن هؤلاء شيخ اسمه "يشرح آل اسرع" "يشرع ايل اسرع" وكان رئيساً على سخيم. وعثر على اسمه في عدد من الكتابات وجدت في "الغراز"، وجد في احداها انه ساعد قبيلة سقط اسمها من النص "وكانت تابعة لبني سخيم" على بناء "مزود" لها، فذكر اسمه لذلك في الكتابة اعترافاً بفضله على أصحاب النص.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:45 PM
ومن سادات ورؤساء "سخيم" "الرم يجعر" "الريام يحعر" "الريم يجعر"، وكان "قول" قيلاً على "سمعي"، التي تكوّن ثلث "حجرم" في أيام الملك "وتر يهأمن" "وتر يهأمن"، وهو ابن الملك "الشرح يحضب" ملك سبا وذي ريدان. وقد أرسله الملك لمحاربة "*********ان جددن"، أي *********ان النازلة ب "جددن" "جددان"، فانتصر عليها وعلى من انضم إليها، كما يدعي النص التي سجله هذا القيل.
وكان له "سخيم" سلطان على فرع من قبيلة "سمعي"، هو الفرع الذي استقر في "حر"،وقد اختار له "اقولاً" اقيالاً من "بني سخيم"، ولعل هذا الفرع ترك موطنه الأصلي لخصام وقع له مع بقمة فروع "سمعي"، فهاجر إلى هذا الموضع، ونزل في جوار "سخيم" وعدّ منهمّ "وحكمه لذلك أقيال من سخيم. ويجوز أن يكون هؤلاء السمعيّون هم سكان هذه المنطقة في الأصل، إلاّ أن "سخياً" تغلبوا عليهم، وصارت لهم الإمارة في "شبام"، فصار "سمعي حجر" اتباعاً لهم. والظاهر أن "حجراً" كانت تعد ملك "سخيم" أو تابعة لسلطانهم السياسي، ولذلك كان أفيال "اليرسميين" من "بني سخيم" كذلك.
وقد كانت "سخيم" من القبائل المهمة في أيام "الشرح يحضب" "اليشرح يحضب". وقد ورد في كتابة عثر عليها في "شبام سخيم"، كتبها جماعة من "سمعي" التابعين لسخيم، حمد للآلهة وثناء عليها، اذ منت على أصحابها بالمنن والنعماء، ورجاء منها بأن تمن عليهم بالخير والبركة وعلى ملكهم "الشرح يحضب" "اليشرح يحضب" وأولاده وعلى "أقولهم" أقيالهم السخميين، أي من "بني سخيم". ويظهر إن رؤساءها اكتسبوا قبل تولي "الشرح" العرش قوة وسلطاناً جعلا قبيلتهم ذات مكانة حين صار العرش إليه.
وكما كان لملوك معين ومأرب وحمير وغيرهم قصورهم وحصونهم التي صارت رمزاً لهم ولشعوبهم، كذلك كان لملوك "سمعي" وسخيم قصرهم الذي عرف بهم، وهو "حصن ذو مرمر"، وقد بني على مرتفع من الأرض يبلغ ارتفاعه زهاء "210" أمتار عن السهل الذي يقع فيه، فيشرف على مدينة "شبام سخيم" القديمة. وهو حصن قوي، حصن بسور متين ليمنع المهاجمين من الوصول إليه. وقد ذكر اسمه في عدد من الكتابات، وبقي هذا الحصن قائماً إلى حوالي السنة "1583 م". فهدمه والي اليمن العثماني ليبني بحجارته مدينة جديدة.
وكان لسادات سخيم قصر يسمى "بيتن ريمن"، أي "بيت ريمان"، وقد نعت أصحابه أنفسهم ب "ابعل بيتن ريمن"، أي سادات وأرباب بيت ريمان. وقد ورد اسمه في عدد مهن النصوص. ويلاحظ إن أصحاب "بيت ريمان" كانوا أقيالاً على "يرسم".
ومن سادات وأرباب وأصحاب "ابعل" "بيت ريمان"، القيل "شر حعثت أشوع" وابنه "مرثدم"، وهما من "سخيم"، وكانا قيلين على بطن "برسم" من بطون "سمعي" في أيام الملكين: "ثأران يهنعم" و "ملككرب يهأمن" "ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".
وكان "وهب اوم ياذف" "وهب أوام يأذف" وشقيقه "يدم يدرم" من أصحاب "بيت ريمان"، ومن أقيال "يرسم" التي هي من "سمعي" المكونة لثلث "حجرم".
ومن بطون "سمعي"، التي تكوّن ثلث "حجرم" بطن "يرسم"، وكان يحكمه في أيام "نشأكرب يأمن"، وهو ابن "الشرح يحضب"، جماعة من "سخيم". وقد كلفوا محاربة "*********ن جددن"، أي "*********ان جددان". وكانت قد ثارت على "سبأ وذي ريدان"، فانتصروا عليها واخذوا غنائم وأسرى منها، كما تعهد رؤساؤها بإطاعة أوامر الملوك.
ومن اتباع "سخيم" عشيرة عرفت ب "ذ مليحم" "ذي مليح"، وكانت تقيم في "الغراز". ويظهر إنها كانت في الأصل من المعينيين، ثم هاجرت إلى "شبام"، فنزلت على "بني سخيم". وقد هاجر غيرهم من المعينيين إلى ارض السبئيين، مثل "سريعم" اي "بني سريع"، وهاجر غيرهم إلى أماكن أخرى، والظاهر إن هجرتهم هذه حدثت بعد ضعف معين.
وقد بلغنا نص دوّنه زعيم من زعماء "ذي مليحم" "ذي مليح" اسمه "وهب ذو سموى اكيف"، تقرباً إلى الإلَه "تالب ريمم بعل كبدم" "تألب ريام بعل كبد"، لأنه أجاب دعاءه، فحفظه وساعده، وساعد ابنه وأتباعه، وذلك في أيام الملك "أنمار يهأمن" ملك سباً ابن "وهب ايل يحز"
خسأ
وخسأ من القبائل التي ذكرت في عدد من الكتابات، وكانوا نزولا" على "بني سخيم"، الذين كانوا يعدّونهم سادة عليهم، لأنهم أصحاب الأرض.
ويظهر أن جماعة من "خسأ" كانت قد نزلت أرض "الهان"، إذ ورد في نصٍ: "خسا ذ الهن"، "
خسأ ذو الهان". وتعني هذه الجملة أن "خسأ" كانوا يقيمون في موضع "ذي الهان"، أو "خسأ" أصحاب "الهان". وقد كان هؤلاء الخسئيون يجاورون قبيلة "عقريم" أي "عقرب"، "العقارب".
وعرف من الكتابات أن "خسأ" كانت تتعبد لإلَه خاص بها، هو الإله "قينن"، أي "قينان". ومن جملة المعابد التي خصصت به، معبد أقيم له في "اوتن" "اوتان"، وقد تعبدت له أيضاً بعض القبائل التي كانت متحالفة مع "خسأ". وقد ذكر "الهمداني" موضعاً سماه "قينان"، قد يكون له صلة باسم ذلك الإلَه. ولم يبلغني أن المؤلفات العربية أشارت إلى هذا الإلَه.
وقد ورد اسم "الهان" علماً في ارضٍ في عدد من الكتابات، كما ورد اسم علم لقبيلة. وربما كانت أرض "الهان" هي "مخلاف الهان" المذكور في المؤلفات الإسلامية.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:48 PM
وقد ذكر "الهمداني" مخلاف "الهان"، فقال إنه مخلاف واسع غربي حقل جهران، وأن "الهان" بلد مجمعها "الجنب" "جنب الهان"، ويسكنها "الهان بن مالك أخو همدان وبطون من حمير"، وذكره في مواضع من "الاكليل".
وورد في الكتابة الموسومة بcih 40 اسما قبيلتين مع اسم "الهان" هما:
"مها نفم" "مهأنف"، و "بكيلم" اي "بكبل".
وقد ذكر في إحدى الكتابات رجل يسمى "تهوان"، وكان من "ذي الهان"، تعاون واشترك مع "عقرب" "عقارب" في بناء محفد "صدقن" "صدقان"، وهو محرم الإله "قينان"، كما تعاون معهم في بناء بيت "يجر".
عقرب
وعرف من الكتابات اسم عشيرة أخرى، هي "عقربم"، أي "عقرب" أو "عقارب"، ولا يزال هذا الاسم معروفاً في العربية الجنوبية حتى الآن. وقد ورد "العقارب" اسماً لقبيلةُ زعم إنها من نسل "ربيعة بن سعد بن *********ان بن الحاف بن قضاعة بن مالك بن حمير"، كما ورد اسماً لجبل يعرف ب "لجبل العقارب"، وقد عرف "العقارب" باسم "عقربي". وذكر "ابن مجاور" قبيلة "عقارب" في جملة القبائل الساكنة في منطقة "عدن"، فلعل لهذه الأسماء صلة بقبيلة "عقرب" "عقارب" المذكورة.
وقد كانت "عقرب" تابعة لي "بني سخيم ! وحليفة لهم، ونازلة في جوارهم. يفهم ذلك من الجمل والتعبيرات في كتاباتهم الدالة على خضوعهم ل "بني سخيم" مثل "ادم بن سخيم"، أي "********* وخدم بني سخيم"، فهو تعبير يدل، على العبودية والخضوع.
*********ان وردمان
و*********ان من القبائل الكبيرة القوية التي ذكرت في عدد كبير من الكتابات العربية الجنوبية. وقد رأينا اسمهم لامعاً في أيام المعينيين، وقد ذكرت انهم هاجموا مع السبئيين قافلة معينية كان يقودها "كبيران"، وحمد المعينيون آلهتهم وشكروها على نجاة هذه القافلة، وهي من القبائل العربية الحية السعيدة الحظ، لأنها ما تزال معروفة، ولها مع ذلك تأريخ قديم قد نصعد به إلى الألف الأول قبل الميلاد.
ويرجع النسابون نسب "*********ان" إلى "*********ان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة" أو إلى "*********ان بن عمرو بن مالك بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن عمرو بن عريب بن كهلان بن سبأ"، ويميزون بين "*********ان قضاعة"، وهم إخوة "بَليّ" و "حيدان"، وبين "*********ان أدد" ث وقد يذكرون "*********ان" أخرى في "مذحج".
وقد صير اسم "*********ان" بمرور الزمان، اسم رجل نسل ذري تكاثرت وتوالدت، فكانت منها هذه القبيلة العيظمة، وقد جعل له النسابون. أباً وجداً وأجداداً بعد هذا الجد، كما جعلوا له ولداً ذكروا أسماءهم. ويمثل هذا النسب الاختلاط الذي كان بين ال*********انيين وغيرهم من القبائل بمرور الزمان حتى أيام النسابين، فدوّن على نحو ما وصل إلى عملهم من أفواه الرواة.
ومواطن ال*********انيين قديماً، أرضون متصلة بأرض السبئيين، فكانوا يسكنون في جوار "مأرب" و "صرواح"، وهي لب أرض سبأ، ثم هاجرت جماعات منهم فسكنت الأرضين العالية من شرق "صنعاء"،وقد قيل لل*********انيين الذين سكنوا هذه المنطقة "*********ان العالية"، تمييزاً لهم عن "*********ان قضاعة"، وهذا التمييز لا يستند إلى حقيقة، يمكن رجعها إلى اختلاف النسب. وإنما نشأ من اختلاف طبيعة المكان، ومن الأحوال السياسية والاقتصادية التي فرقت بين ال*********انيين، وباعدت بين فروعهم، فظن انهم من نسبين مختلفين.
وقد كان ال*********انيون يعبدون عند ظهور الإسلام لصنم لهم اسمه "عم أنس" "عميأنس". وقد ذكر "ياقوت الحموي" أنه "في *********ان كانت النار التي تعبدها اليمن"، ذكر ذلك في أثناء حديثه عن "مخلاف *********ان" المنسوب إلى "*********ان قضاعة". وقد تكون هذه العبادة- إن صح قول ياقوت- قد اقتبست من الفرس عَبَدة النيران
وقد ذهب "الويس شبرنكر" و "نيبور" إلى إن قبيلة "*********ان" هي "حويلة" المذكورة في التوراة، ولكن هناك صعوبات كثيرة تحول دون قبول هذا الرأي.
وقد اقترن اسم "*********ان" باسم "ردمان" في كثير من النصوص. ويدل هذا بالطبع على وجود روابط وثيقة بين الجماعتين. وقد حكم ال*********انيين والردمانيين أقيالٌ من "ذي معاهر"، فكان القيل سيداً على القبيلتين في آن واحد في غالب الأحايين، وفي ذلك دلالة بالطبع على الصلات والروابط السياسية التي ربطت بين *********ان وردمان وذي معاهر "ذ معهر".
وقد عرف الإسلاميون "أقيال ذي معاهر"، فذكرهم الهمداني في مواضع من كتابه "الإكليل"، ذكر مثلاً أن "شحرار قصر بقصوى مشيد ببلاط أحمر للقيل ذي معاهر"، وذكر أيضاً "قصر وعلان بردمان، وهو عجيب، وهو قصر ذي معاهر، ومن حوله أموال عظيمة". ويشير قول الهمداني الأخير إلى الصلات التي تربط هؤلاء الأقيال بردمان، والى أن أولئك الأقيال كانوا يقيمون بأرض ردمان.
ويرى "كلاسر" إن قصر "وعلان"، الذي هو في "ذي ردمان"، كان مقر أقيال "ذي معهر"، أي أقيال ردمان. فوعلان إذن هو قصرهم، وهو مثل القصور الأخرى التي كانت للملوك وإلأقيال. وهي قصور وحصون يحتمي بها اذا شعر بالخطر، ولذلك عُدَّت رمزاً للدولة وللحكم.
وترد لفظة "ذ معهر" علماً في الكتاباًت على "ردمان" و "*********ان". وقد ذكر أيضاً في نص "أبرهة" الذي دوّنه سنة "543م" لمناسبة إصلاح سد مأرب وترميمه اذ جاء فيه: "ذ معهر بن ملكن". وقد ذهب "كلاسر" إلى إن المراد من "ذي معهر"، في هذا المكان ابن "أبرهة"، وكان قد تلقب- على رأيه- بهذا اللقب، الذي يشير إلى قصر "ذي معهر" بردمان.
ومن أقيال "ذي معاهر" الذين حكموا ال*********انيين والردمانيين، القيل "قول" "كرب اسرع" "كرب أسرع"، وكان من أسرة غنية لها أرضون زراعية خصه: تسقى بمياه الآبار في وأدي "ضفخ" "ضفخم"، ووادي "أخر" وفي أرض "ذات حراض" "ذات حرض"، و وادي "مذيق"، وأماكن أخرى.
وقد عُنيت أسرته بإصلاحها، وبإروائها من آبار حفرتها في هذه الأماكن، وكتبت ذلك على الحجارة، تسجيلاً لعملها هذا، ليكون وثيقة شرعية بامتلاكها لهذه المواضع.
وورد اسم قيل آخر من أقيال "ذي معاهر" الذين حكموا القبيلتين المذكورتين هو القيل "كرب أسأر"، كأنت له أملاك في أرض "ذات حرض" "ذات حراض" بوادي "مضيق".
وورد اسم قيل آخر حكم القبيلتين معاً، هو القيل "نصرم يهحمد" "نصر يهحمد" "ناصر يهحمد"، وهو من "ذ معهر" "ذي معاهر"، وقد دون هذه الكتابة لمناسبة قيامه بإصلاح أرض "وادي ملتنتم" "وادي ملتنت" حيث حفر آباراً، وأنشأ سدودا، وزرع أشجاراً أثمرت، وبذر حبوباً. وقد سجل ذلك ملكاً خاصاً ب "آل معاهر"، وباسمه وأعلنه للناس في شهر "صيد" من سنة مئة وأربع وأربعين من التقويم السبئي، وتقابل سنة تسع وعشرين بعد الميلاد.
ويعد هذا النص، من النصوص المهمة، ولعله أقدم نص مؤرخ وفق تقويم ثابت معروف وصل إلينا.
ويظهر من ذكر اسم الملك "العزيلط"، وهو ملك حضرموت في هذا النص، ومن تعبير "القيل" صاحب النص عن الملك بلفظة "سيده"، أي سيد "نصر يهحمد": انه كان تابعاً له، وفي ارض كانت اذ ذاك، أي في النصف الأول من القرن الأول للميلاد، تحت حكم حكومة حضرموت. وقد دوّن هذا القيل أسماء الآلة: "عثتر"، و "سين ذو علم"، و "عم ذو دونم"، و "وعلان"، و "عم ذو مبرم" إله "سليم"، و "عثتر ذو صنعتم"، و "ودّ إلَه منو..."، و "ذات بعدان"، و "ذات ظهران"، و "عليت" إلَهة "حررم" "حرر"، و "شمس" إلَهة "وبنن" و "علفقن". ذكر كل هذه الآلهة، ولم ت ذكر إلَه سبأ الرئيس وهو "المقه"، وفي اغفاله اسم "المقه" دلالة على انه لم يكن على صلة حسنة بالسبئيين، وانه لم يكن يعترف بسيادتهم عليه ذلك لأنه كان نحت حكم ملك حضرموت.
وقد ورد اسم "*********ان" في نص مهم جداً تعرض لخبر حرب نشبت في أيام ملوك "سبأ"، سقط منه اسم الملك، وسقطت منه كلمات عدة وأسطر أضاعت المعنى.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:50 PM
وقد شارك أصحاب هذه الكتابة في هذه الحرب، وعادوا منها موفورين سالمين، ولذلك سجلوا شكرهم للإلهَ "المقه" رب مدينة "حرونم" "حرون" "حروان"، لأنه نجّاهم، ومن عليهم بنعمة السلامة. ويفهم من الكلمات الباقية في النص أن قبيلة "*********ان" كانت قد ثارت على سبأ، فجهز السبئيون حملة عسكرية عليهم، دحرت *********ان، وتغلبت عليها، وحصل السبئيون على غنائم كثيرة. وكان يحكم "*********ان" قيل لم يرد في النص اسمه، ولعله سقط من الكتابة، وقد أشير إليه ب "ذي *********ان".
وورد في نص "معيني" ما يفيد اعتراض جماعة غازين من ال*********انيين لقافلة معينة كانت تسلك طريق "معان" التجاري، وقد أفلتت من أيدي الغزاة ونجت، ولذلك شكرت الآلهة، لأنها ساعدتها في محنتها، وحمتها، ونجّتها من التهلكة، وعبرت عن شكرها هذا بتدوين النص المذكور.
وقد وقفت على معبد "ودّ *********"، إليه معين وقفاً في ارض "أيم"، كما سبق أن تحدثت عن تعرض ال*********انيين والسبئيين لقافلة تجارية معينة في الطريق بين "ماون" "ماوان" و "رجمت" "رجمة". وفي هذين الخبرين دلالة على نشاط ال*********انين في مناطق تقع شمال اليمن قبل الميلاد بزمان، وعلى أنهم كانوا من الذين يتحرشون بالطرق التجارية ويعترضون سبل المارة، كما يفعل الأعراب. ولعل هؤلاء ال*********انيين كانوا من الأعراب المتنقلين.
وقد حكم الردمانيين أقيال منهم أيضاً. فقد ورد في أحد النصوص: "قول ومحرج شعبن ردمن ذ سلفن"، أي "قيل ومحرج قبيلة ردمان صاحبة سلفان"، ويقصد ب "سلفان" "السلف" "السلاف"، فردمان هؤلاء أصحاب الكتابة هم "ردمان السلف" "السلاف". ولم يكن هذا القيل من "ذي معاهر".
والردمانيون هم من الشعوب العربية القديمة أيضاً، وقد ساعدوا القتبانيين مراراً، وحالفوا شعباً آخر هو شعب "مضحيم" "مضحي"، وتعاون الشعبان في مساعدة "قتبان" ضد سبأ. وقد لعبوا دوراً مهماً في أيام عدد من ملوك سبأ، وقد كانوا من المناهضين لحكم "شعر أوتر"، ولما أرسل جيشاً عليهم لانزال ضربة بهم قاوموه وأنزلوا خسائر كبيرة به.
ويظهر إن أرض ردمان دخلت- بعد أن فقدت استقلالها- في جملة الأرضين التي خضعت لحكم قتبان، ثم استولت عليها بعد ذلك دولة حضرموت. ثم دخلت بعد ذلك في جملة أملاك دولة "سبأ وذي ريدان".
وقد ذهب "كلاسر" إلى أن شعب Rhadmaei المذكور في بعض الموارد الكلاسيكية هو "ردمان"، ويؤيد قوله بما ذكره "بلينيوس" من إن الشعب المذكور ينتسب إلى جد اسمه Rhadmanthus واسم هذا الجد قريب جداً من ا سم "ردمان".
ويظهر من عدد من الكتابات المدونة في أيام "الشرح يحضب" إن أرض "ردمان" وقسماً من ارض "*********ان" كانت تابعة لملك حضرموت في ذلك الزمان، وان قسماً من *********ان كان خاضعاً ل "أقيال جدن" "جدنم" أهل "حبب" "حباب" عند "صرواح". ومعنى هذا إن القسم الشرقي من أرض *********ان الواقع شرق وادي "ذنه" عند أسفل أرض "مراد" كان هو القسم التابع لحضرموت في هذا الزمن. وأما القسم الأكبر، وهو القسم الشمالي الغربي من أرض *********ان، فقد كان تابعاً في هذا الزمن لملك "سبأ وذي ريدان".
جدن
وورد اسم "جدن" في كتابات عهد "ملوك سبأ"، وهو اسم موضع وامم قبيلة. ويظهر منها انهم كانوا أصحاب حكم وسلطان، بدليل ورود جملة هي: "ادم جدنم" أي "********* جدن" في كتابات دوّنها أناس كانوا في خدمتهم وولائهم. ويذكرنا اسم "ذي جدن" المذكور في الكتب الإسلامية، وموضع "جهدن" بهذا الاسم القديم.
القديم.
وورد اسم قبيلة أو أسرة عرفت ب "ددن"، أي "دادان" "ددان"، وقد ذكروا في جملة نصوص. فورد في أحدها انهم تقدموا بوثن "صلمن" إلى معبد الإلَه "تألب ريام" المسمى بمعبد "خضعتن" "خضعة"، وهو في مدينة "أكانط". وتقع مدينة "أكنط" في بلد "همدان". وقد ذكرها "الهمداني" مراراً في كتبه، وذكر أن فيها قصر "سنجار". وكان يسكن بها جماعة يعرفون ب "زادان"، ينسبون إلى "مرثد بن جشم بن حاشد" على حد قول أصحاب الأنساب.
وقبيلة "يهبلبج" من القبائل التي عاشت في عهد "ملوك سبأ" وقد ذكرت، في أمر أصدره الملك "يدع ايل بن يكرب ملك وتر"، في أمر تنظيم الجباية التي تؤخذ من هذه القبيلة ومن "سبأ" في مقابل استغلال الأرضين الخاضعة للدولة واستثمارها.
أربعن: وجاء ذكر قبيلة اسمها في الكتابات "اربعن"، "أربعن" أو "أربعان" "أربعين"، كان يحكمها سادات، وقد لقبوا بلقب ملك، وقد عرفنا منهم، "نبط آل" "نبط ايل"، وقد ذكر في نصHalevy الذي سجله الملك "يكرب ملك يدع ايل بين"، الصادر في كيفية جمع الضرائب من القبائل. وعرفنا اسم ملك آخر، هو: "لحى عث بن سلحان" "لحيعث بن سلحن" وملك ثالث يدعى "عم أمن بن نبط ايل"، وكان من معاصري الملك "يثع أمر بين" مللك سبأ.
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:52 PM
ولم يكن ملوك "اًربعن"، ملوكاً كباراً بالمعنى المفهوم من لفظ "ملك"، ولم نكن مملكة "أربعن" بالمعنى المفهوم من لفظة "ملكة"، وإنما كانوا أمراء قبيلة، وسادات قبائل، تمتّعوا بشيء من الاستقلال في حدود أرض قبيلتهم، وقد أعجبتهم لفظة "ملك" فحملوها. وقد كانوا في الواقع دون ملوك سبأ أو معين أو حضرموت أو "قبان بكثير، وكانت مملكة "أربعن" إمارة أو "مشيخة" كما نفهم من هذه اللفظة في المصطلح الحديث.
بتع
رأينا إن سلالة من "بتع" حكمت "سبا وذو ريدان". وقرانا في الكتابات ولا سيما كتابات "حاز" وكتابات مواضع أخرى تقع في صميم "بلد همدان" أسماء رجال هم من "بني بتع"، فمن هم "بنو بتع"?
والجواب: إن "بتع" قبيلة من قبائل "حاشد" و "حاشد" من همدان. ف "بنو بتع" أذن هم من "همدان". ولذلك تجد إن معظم الكتابات التي تعود إلى "بني بتع" عثر عليها في أرضين هي من مواطن همدان، مثل "حاز" و "بيت غفر" و "حجة" "حجت"، ومواضع أخرى هي من صمم أرض بتع.
ويرد اسم "حاز" في مواضع من "صفة جزيرة العرب" و "الإكليل"، وقد قال عنها الهمداني: "وحاز قرية عظيمة وبها آثار جاهلية ". وذكر إن سد "بتع" "الخشب" مما يصالى "حاز" ينسب إلى "بتع بن زبد بن همدان". وقد صيّر "الهمداني" وغيره "بتعاً" اسم رجل، جعلوه جد "بني بتع"، وجعلوا له والداً أسموه: "زيد بن همدان"، بينما هو اسم في قبيلة في ذلك الوقت.
وكانت "بتع" على ما يتبين من النصوص، تتمتع بنفوذ واسع ومكانة ظاهرة، ولها أرضون واسعة تؤجرها للافخاذ والبطون، من "بتع" ومن غير "بتع"، تأتي إلى أقيالها بأرباح طائلة. وكان رؤساء البطون والأفخاذ الذين يؤجرون الأرضين من "بتع" يعدون أنفسهم بحكم أقامتهم في كنف أقيال "بتع" وفي جوارهم أتباعاً لهم، ولههم حق السيادة عليهم. ويعبرون عن ذلك في كتاباتهم بحملة: "ادم بتع" "أدم بتع"، أي ********* أو خدم بتع، ويقصدون بها أنهم كانوا أتباعاً لهم. ويذكرون أسماء الأقيال في كتاباتهم، ويشيدون بفضلهم ومساعداتهم، ويدعون لهم فيها بطول العمر والخير والبركة، ويرجون من آلهتهم أن تزيد في سعادتهم ومكانتهم وأرباحهم.
وقد جمع "هارتمن" أسماء الأقيال البتعيين الذين وردت أسماؤهم في الكتابات، وهم: "برقم" "بارقم" "بارق" و "فرح آل يحضل" "ذرح ايل يحضل" و "هوف عثت" "هوفعثت"و "لحى عثت اوكن" "لحيعثت أوكن" و "مرثد علن اسعد" "مرثد عيلان أسعد" و "نشاكرب أوتر" "نشأكرب أوتر"، و "نشاكرب يزان" "نشأكرب يزأن" و "نشأكرب نهفن يجعر"، و "رب شمس نمرن" "رب شمس نمران" "ربشمس نمران" و "ردمم يرحب" "ردم يرحب"، و "عريب بن يمجد"، و"سعد اوم تمرن" "سعد أوام نمران"و "سخمن يهصبح" "سخمان يهصبح" و "شرحم يهحمد" و "شرحم غيلن" "شرح غيلان"، و "شرحم" "شرح" "شارح"، و "شرح ال" "شرح ايل"، و "شرح عثت" "شرحعثت" و "شرحب ال" "شرحب ايل" "شرحبيل"، و "كرب..."، و "يهمن" "يهامن" "يهأمن" وآخرون. ومن هؤلاء من ساد على "سمعي"، ومنهم من ساد على قبائل أخرى.
?سمعي
ومن أتباع "بتع" عشيرة "سمعي" ، ويظن بعض الباحثين إنها كانت في الأصل فرقة تجمع أفرادها عبادة الإله "تالب"، ثم أصبحت عشيرة من العشائر القاطنة في أرض همدان، توسعت وانتشرت وسكنت بين "حاشد" و "حملان" وفي "حجر". وكانت تستغل الأرضين التي يمتلكها الأقيال البتعيون، فكانوا يعدّون أصحاب تلك الأرض أقيالاً عليهم، ونسبوا إلى الأرض التي أقاموا فيها أو العشائر التي نزلوا بينها، فورد "سمعي حملان" و "سمعي حشدم"، أي "سمعي حاشد"، و "سمعي حجرم" أي "سمعي حجر". و "سمعي حملان" هم السمعيون الذين استوطنوا أرض حملان، واختلطوا بالحملانيين، لذلك نسبوا إلى "حملان"، فقيل "سمعي حملان". وأما "سمعي حشدم"، فهم السمعيون الذين سكنوا أرض حاشد، واختلطوا بقبيلة "حاشد" وقد كانوا يقطنون ارض "ريام". وأما "سمعي حجرم"، أي "سمعي حجر"، فهم سكان "حجر" على مقربة من "شبام"، وهم يكوّنون جزءاً من "سمعي"، وقد ورد في الكتابات: "سمعي ثلث في حجرم".
وظهر من عدد من الكتابات إن عشيرة "سمعي"، قد كانت مملكة يحكمها ملوك، ولم تكن هذه المملكة بالطبع سوى "مشيخة" صغيرة بالقياس إلى مملكة سباً، كما ورد اسم هذه العشيرة منفرداً، أي انه لم يقرن بحملان أو حاشد أو حجر أو غير ذلك من الأسماء. وفي ذلك دلالة على إنها قد كانت وحدة واحدة كسائر العشائر والقبائل، أو إن قسماً من "سمعي"، كان مستقلاّ منفرداً بشؤونه لا يخضع لحكم قبيلة أخرى عليه، أو إن "سمعي" كانت في وقت تدرين تلك الكتابات قبيلة قوية، يحكمها ساداتها الذين لقبوا أنفسهم بألقاب الملوك، ثم أصابها ما يصيب غيرها من القبائل من تفكك وتجزؤ وتشتت، فتجزأت وطمع فيها الطامعون، فخضعت عشائر منها لحكم قبائل أخرى مثل "حاشد" و"حملان"و"حجر".
ويصعب علينا بيان المدة التي تمتعت فيه هذه القبيلة بالاستقلال، وهو استقلال لم يكن بالبداهة مطلقاً،بل كان استقلالاّ من نوع استقلال "المشايخ" والرؤساء: استقلال في التصرف في شؤون القبيلة والمنطقة التي تتصرف فيها.
أما في العلاقات الخارجية، فيظهر إنها كانت مقيدة بسياسة الحكومات الكبيرة التي كانت لها السلطة والقوة مثل مملكة سبا وفي ريدان.
ومن الملوك السمعيين الذين وصلت أسماؤهم إلينا، الملك "يهعن ذبين بن يسمع ال بن سمه كرب"، أي "يهعان ذبيان بن يسمع ايل بن سمه كرب" "يهعان ذبيان بن إسماعيل بن سمه كرب"، والملك "سمه افق بن سمه يفع" "سمه أفق بن سمهيفع". جاء اسمهما في النص Glaser 302. وقد افتتحه الملك "يهعان"، بالدعاء إلى الإلَه "تالب" "تألب" في مبعده في "صبين" "صبيان" بأن ينعم عليه ويبارك له ولأولاده: "زيدم" "زيد" و "يزد ال" "يزيد ايل"، وأولادهما وأملاكهم جميعاً وبيتهم والمسمى بيت "يعد" "يعود" وأرضهم: أرض "تالقم" "تألق"، وفي الأملاك التي ورثت عن الملك "سمعي أفق بن سمه يفع" ملك سمعي من أرض زراعية وقرى ومدن. وأرض "نعمن" "نعمان" وغيرها. وجاء في النص ذكر "بنو رأبان" "رابن" حلفاء "سمعي" و "عم شفق"، وهو "قول" قيل "يرسم"، و "اقولن" أقيال "يهيب" و "املك مريب"، أي "ملوك مأرب"، و "شعبن سمع"، أي قبيلة "سمع" "سميع"، و "كرب ال وتر" "كرب ايل وتر" ملك سبأ.
حملان
وقد ورد اسم "حملان" في عدد من الكتابات. منها الكتابة الموسومة ب Glaser 179 التي دونت في أيام الملك "أنمار يهنعم بن وهب ايل يحز" ملك سبأ، دوّنها جماعة من "بتع"، وهي ناقصة، سقطت منها أسطر وكلمات. وقد قدموا إلى الإلَه " "تألب ريام" تمثالاً، لأنهم رجعوا سالمين من الحرب معافين. ويظهر أن أصحاب هذه الكتابة قاموا مع الملك بغزو في أرض "حملان"، فلما رجعوا سالمين قدموا هذا النذر إلى الإلَه "تألب ريام".
وكان "بنو حملان" أتباعاً ل "بتع". وقد ذكروا ذلك في كتاباتهم حيث دونوا جملة "ادم بتع"، كالذي ورد في الكتابة:CIH 224، وقد دوًنها رجال من "ذي حملان" "ادم بتع"، لمناسبة بنائهم بيتهم و "مذقنة تريش" وذلك بتوفيق من الإلَه "تألب ريام بعل شعرم" وبمساعدة رؤسائهم وسادتهم ورئيسهم صاحب أرضهم "سخمان يهصبح" من "بتع"، وبمساعدة قبيلتهم الساكنة بمدينة "حاز".
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:54 PM
يهيبب
وكان أقيال "سمعي" أقيالاً على عشيرة "يهيبب" "ي ه ي ب ب" وعشيرة لا نعرف اليوم عنها شيئاً يذكر. ويرى "كلاسر" إن أرض "يهيبب" تقع على مقربة من مكة أو في جنوبها، ويرى احتمال وجود موضعين يقال لهما "يهيبب"؛ موضع قرب مكة أو في جنوبها، وموضع آخر على ساحل الخليج الذي سماه "بطلميوس" Sinus Sachalites في الأرض التي اشتهرت عند "الكلاسيكيين" بالبخور واللبان، ولعله المكان الذي دعاه "بطلميوس" Jobaritae. ويرى إن الأول هو "يوباب" في التوراة.
يرسم
وأما "يرسم"، فقبيلة كانت تقيم في هذه المواضع من أرض همدان. وقد ورد في إحدى الكتابات اسم "قول" قيل يدعى "عم شفق بن سروم" "عمشفيق بن سروم" "عم شفيق بن سروم"، وكان من أقرباء ملك "سمعي"، وكانت أرضه عند "حدقان"، وقد أشار "الهمداني" إلى "قصر حدقان". وكان هذا القيل من "سروم".
وكان اقيال "يرسم" من "بني سخيم"، وقد أشار "اليرسميون" إلى ذلك في الكتابات، ومنها الكتابة الموسومة ب SE 8. وقد ذكرت فيها جملة: "يرسم ثلث ذ حجرم"، أي "يرسم ثلث ذي حجر". ويفهم من هذه الجملة أن عشيرة "يرسم" كانت تستغل جزءاً من أرض حجر. وورد في كتابات أخرى أن قيلاً من أقيالها كان من "سروم".
وقد ورد في كتابة أن جماعة من "بني الهان" و "عقرب" بنوا محفداً لهم، هو "محفد صدقن" "محفد صدقان" ليكون "محرماً" للإله "قبنان" أي حرماً لهذا الإله، في معبد "يجر"، وذلك بعون الإلَه "تألب ريام" "رب كبدم" "كبد" وقينان وبمساعدة أصحاب أرضهم "بني سخيم" وقبيلة "يرسم". ومعنى هذا إن هذه القبائل كانت متجاورة متعاونة، وقد كانت تتعاون فيما بينها عند القيام بالأعمال الكبيرة التي تحتاج إلى مال ورجال مثل هذا المعبد الذي خصص بعبادة الإله "قينان"، والذي بناه جماعة من "الهان" و "عقرب" بمساعدة وعون "بني سخيم" و "يرسم".
بنو سمع
أما "بنو سمع" "بنو سميع"، فقد كانوا أتباعاً ل "بني بتع" "ادم بن بتع" "أدم بني بتع"، كما يفهم من الكتابة Cih 343. وقد ورد فيها اسم الإلهَ "تألب ريمم بعل قدمن ذ دمهن"، أي الإله "تألب ريام ربّ قدمان في ذي دمهان". وجاء اسم الإله "تألب ريمم بعل قدمن" في كتابة أخرى، أصحابها من "بن سمع" "بني سميع" كذلك. وقد ذكروا أنهم نذروا للإلَه صنماً، ليقيهم ويقي أملاكهم ومقتيناتهم وما يملكونه بمدينة "مريب" أي "مأرب" فمدينة "قدمن" "قدمان" إذن مدينة من مدن "السميعيين"، وبها معبد الإله "تألب" المعروف ب "تألب ريام بعل قدمان". وتقع في أرض "دمهان". ويجوز أن يكون "قدمان" اسم موضع صغير في "دمهان"، أو اسم المعبد، وقد ورد في كتابات أخرى.
رمس
وجاء اسم عشيرة "رمس" في الكتابة MM 137، وهي كتابة مدونة على أطراف اناء ثمين جداً قدم نذراً إلى الإلَهة "ذات بعدان" أي الشمس. والظاهر إن عشيرة "رمس" كانت تجاور عشيرة "سميع"، وانها كانت تملك أرضين تجاور الأرض التي نزلت بها "سميع"، وتؤجرها لغيرها كما يتبين ذلك من استعمال جملة "أدم رمسم" أي "********* رمس"، وكلمة "امراهمو" التي تعني "امراؤهم" في بعض الكتابات. حيث يفهم من أمثال هذه التعابير إن الرمسيين كانوا يحكمون عشائر أخرى كانت نازلة في أرضهم وتعيش في كنفهم وجوارهم. وقد ورد اسم "الرمسيين" في كتاب "صفة جزيرة العرب"، فلعل لهم علاقة وصلة بهؤلاء الرمسيين.
وأما عشيرة "رابن" "رأبان" التي ورد ذكرها في النص Glaser 302 أي نص الملك "يهعن" "يهعان" ملك "سمعي". فهم عشيرة قديمة كانت في أيام المكربين وفي أيام ملوك سبأً، وكانت مواطنها أرض "نهم" وأعالي "الخارد". ولكنهم تنقلوا إلى مناطق أخرى بعد ذلك. والظاهر انهم Rabanitae أو Raabeni الذين كان يحكمهم ملك يعرف بIlasaros على ما ورد في الكتب "الكلاسيجة".
واذا صح انهم هم "رأبان" دلّ ذلك على أن "الرأبانيين" قد تمكنوا من الاستقلال ومن تكوين مملكة أو "مشيخة" تلقب رؤساؤها بألقاب الملوك.
سقران
ومن أتباع "بتع" عشرة معروفة تقع منازلها في منطقة "حاز" عثر على عدد من الكتابات تعود إليها في "حاز" و "بيت غفر" و "حجه"، وهذه العشيرة هي "سقرن" أن "سقران".
ويظهر من جملة "ادم بن بتع" "أدم بني بتع" التي وردت في كتاباتهم أنهم كانوا أتباعاً لبتع ولسادات "بتع" الذين كانوا "أقولاً"، أي "أقبالاّ" على السقرانيين. والظاهر أنهم كانوا يعيشون في كنف "البتعيين" وفي أرضهم يستأجرونها منهم ويستغلونها مقابل أتاوة يدفعونها لبتع، وهم يؤجرونها لمن دونهم من العشائر والأفراد، لورود عدد من الكتابات دوّنها أناس اعترفوا بسيادة "سقران" عليهم وبأنهم "ادم" "أدم" أي اتباع لهم.
قرعمتن
وورد في الكتابات اسم عشيرة عرفت بي "قرعمتن" "قرعمتان"، ويظهر إنها كانت في جوار "بتع" و "سقرن" "سقران". وقد عرفت الأرض التي نزلت بها بهذا الاسم كذلك
ملاك الشرق
22-04-2010, 02:56 PM
الفَصْل ا لسَابع وَالعِشُرون
ملوك سبأ وذو ريدان
نحن الآن في عهد جديد من عهود تأريخ مملكة "سبأ"، هو عهد ملوك "سباً وذو ريدان". لقد كان حكام "سبأ" يتلقبون كما رأينا بلقب "ملوك سبأ"، أما لقبهم في هذا العهد فهو "ملوك سباً وذو ريدان".
ففي حوالي السنة "115 ق. م." أو في حوالي السنة "118 ق. م."، أو بعد ذلك بتسع سنين، أي في حوالي السنة "109"، خلع "ملوك سباً" لقبهم القديم واستبدلوا به لقباً آخر حبيباً جديداً، هو لقب "ملك سبأ وفي ريدان"، إشارة إلى ضم "ريدان" إلى تاج سبأ. وبقي هذا اللقب مستعملاّ حتى أيام الملك "شهر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان". ثم بدا له رأي دفعه لتغييره، فاتخذ بدله لَقَبَ "ملك سباً وذي ريدان وحضرموت ويمنت" دلالة على توسع رقعة سبأ مرة أخرى، فدخلت بذلك حكومة سبأ في عهد ملكي جديد.
هذا ما كان عليه رأي أكثر الباحثين في تأريخ سبأ في زمن نشوء لقب "ملك سبأ وذي ريدان" وفي سبب ظهوره عند السبئيين. وقد اتجه رأي الباحثين المتأخرين إلى إن ظهور هذا اللقب إنما كان قد وقع بعد ذلك، وأن "الشرح يحضب" الذي هو أول من حمل ذلك اللقب، لم يحكم في هذا الزمن، وإنما حكم بعد ذلك في أواخر القرن الأول قبل الميلاد إيان حملة "أوليوس غالوس" على العربية الجنوبية في حوالي السنة "24 ق. م."، وعلى ذلك يكون اللقب المذكور قد ظهر في أواخر القرن الأول قبل الميلاد، لا في سنة "115" أو "109" قبل الميلاد.
وبناء على هذا الرأي الحديث المتاخر، لا تكون السنة "115 ق. م."أية علاقة بهذا اللقب الجديد، بل لا بد أن تكون لها صلة بحادث مهم آخر كان له وقع في تأريخ العربية الجنوبية، ولهذا جعل مبدأ لتقويم يؤرخ به. وقد زعم بعض الباحثين إن ذلك الحادث هو سقوط مملكة معين في أيدي السبئيين وزوال حكم الملوك عنها، وخضوع المعينيين لحكم "ملوك سبأ". ولما كان ذلك من الأمور المهمة في سياسة الحكم في العربية الجنوبية، جعل مبدأ لتقويم يؤرخ به.
ورأى بعض آخر إن السنة المذكورة، هي سنة انتصار سبأ على "قتبان"، واستيلائها عليها وضمها إلى حكومة سبأ. و "ريدان"، قصر ملوك سبأ، ومقر سكنهم وحكمهم. ونظراً لأهمية هذه السنة اتخذت مبدأ لتاريخ، وبداية لتقويم.
واذا أخذنا بهذا التفسير المتأخر، وجب علينا إذن ترك هذا الزمان واتخاذ زمان آخر لظهور لقب "ملك سباً وذي ريدان"، وهو زمان يجب الا يبعد كثيراً عن السنة "30 ق. م."، ففي هذا الزمن كان حكم "الشرح يحضب" و "شعرم أوتر" على رأي القائلين بهذا الرأي من علماء العربيات الجنوبية.
ويعد تأريخ "سبأ وذو ريدان" من أصعب عهود تأريخ "سبأ" كتابة، على كثرة ما عثر عليه من كتابات طويلة أو قصيرة تعود إلى هذا العهد. ولانزال في توقع كتابات أخرى نأمل أن تسد من الثغرات والفجوات التي لم تتمكن الكتابات التي وصلت إلينا من سدها، ولا أن تزيل الغموض الذي يحيط بهذا ا لتأريخ.
لقد عثر- كما قلت- على كتابات عديدة دوّنت في هذا لعهد، ومنها ما عثر عليه حديثنا ولكنها لم تخفف من عنائنا مما نلاقيه من مشكلات عن تأريخ هذه الحقبة، بل زادت أحياناً في مشكلاتنا هذه. فقد جاءت بأسماء متشابهة وبأخبار اضطرت الباحثين على خير وجهات نظرهم في كثير مما كتبوه، تغييراً. مستمراً والى إعادة النظر في القوائم التي وضعوها لحكام هذا العهد، كما باعدت بين وجهات نظر بعضهم عن بعض، فصارت لدينا جملة آراء تمثل وجهات نظر متباينة.
وتأريخ هذا العهد هو تاًريخ مضطرب قلق، نرى "الشرح يحضب" يلقب نفسه فيه ب "ملك سبأ وذي ريدان"، ثم نرى خصماً له يلقب نفسه باللقب نفسه، مما يدل على وجود خصومة ونزاع واختلاف على العرش،لا اتفاق وائتلاف. ثم نجد كتابات أخرى تدين بالولاء ل "الشرح يحضب" ولخصمه، معاً وفي وقت واحد، وفي كتابة واحدة، وهو مما يشير ويدل على وجود اتفاق واختلاف. وهذه الكتابات تزيد في متاعب المؤرخ وتجعل من الصعب عليه التوصل إلى نتائج تأريخية مرضية مقنعة.
وترينا كتابات هذا العهد، أن الوضع كان قلقاً مضطرباً.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:01 PM
وأن حروباً متوالية كانت تقع في تلك الأيام، لا تنتهي حرب، إلا وتليها حرب أخرى. وان المنتصر في الحرب كان كالخاسر، فهو ينتصر في حرب، ثم يخسر في حرب أخرى. وذلك لأن كفاءات مؤججي تلك الحروب كانت في مستوى واحد. ولهذا كان الخاسر فيها، لا يلبث أن يعود بسرعة فيقف على رجليه، يحمل سيفه ليحارب من جديد. حتى كادت الحروب تصير هواية، أو لعبة مألوفة، أما الخاسر الوحيد فهو: الشعب. أي الناس المساكين التابعين لحكامهم، الذين يكونون اسواد، لكنه سواد لا رأي له في حكم ما ولا كلمة. يساق من حرب إلى حرب، فيسمع ويطيع، لعدم وجود قوة له تمكنه من الامتناع.
والمتشاجرون البارزون في تلك المعارك والحروب، هم سادات "همدان"" وسادات حمير، أصحاب "ريدان"، وسادات حضرموت وقبان، وأقيال وأذواء وأصحاب أطماع وطموح، ارادوا اقتناص الفرص لتوسيع نفوذهم، واصطياد الحكم وانتزاعه من الجالسين على عرشه. ووضع مثل هذا، أضعف العربية الجنوبية بالطبع،
وأطمع الحبش فيها، حتى صيرهم طرفاً آخر في النزاع، وفريقاً عركاً قوياً من فرق اللعب بالسيوف في ميدان العربية الجنوبية، يلعب مع هذا الفريق ثم يلعب مع فريق آخر، ضد الفرق الأخرى. وغايته من لعبه، التغلب على كل الفرق، وتصفيتها، ليلعب وحده في ميادين تلك البلاد. لذلك نجد أخبار تدخل الحبشة في شؤون هذا العهد وفي العهد الذي جاء بعده، بارزة واضحة مكتوبة في كتابات أهل العربية الجنوبية. ومكتوبة في بعض كتابات الحبش.
وقد رأينا في الفصل السابق كيف تخاصم بيتان من بيوت همدان هما بيتا: "علهان نهفان" و "فرعم ينهب" بعضهما مع بعض على الاستئثار باًلحكم، والسيادة على مملكة سبأ. وكيف أن كل بي ت من البيتين كان يدعي أن له الحكم والملك، وأنه ملك سبأ، أو "ملك سبأ وذو ريدان"، وأنه هو الملك الحق.
ثم رأينا إن "شعر أوتر" "شعرم أوتر"، صار يلقب نفسه بلقب "ملك سبأ وذو ريدان"، وان خصمه "الشرح يحضب"، لقب نفسه بهذا اللقب أيضاً، ومعنى ذلك حكم سبأ لأرض "ريدان" وهي أرض حمير على أغلب الآراء. وقد رأينا إن تلك الخصومة، لم تبق لمجرد خصومة ونزاع وادعاء على مللك، بل كانت خصومة عنيفة اقترنت بمعارك وحروب.
وليس في الكتابات التي بين أيدينا حتى الآن أي خبر يشرح لنا كيف انضمت حمير إلى لمجاً، أو كيف لقب "الشرح يحضب" أو معاصره "شعر أوتر" أنفسها بلقب "مللك سبأ وذي ريدان" وماذا كان موقف ملوك حمير من هذا الاندماج. ولما كان كلا الرجلين "الشرح يحضب" و "شعر أوتر" من همدان، فهل يعني هذا إن الهمدانيين كانوا قد تمكنوا من حمير وغلبوا ملوك حمير على أمرهم، واضطروهم إلى الخضوع لحكمهم، فاعترفوا بسيادتهم عليهم، وتعبيراً عن ذلك الاعتراف وضعوا: "ذا ريدان" بعد اللقب الملكي القديم? إن الإجابة عن هذا السؤال، لا يمكن أن تكون إجابة مقبولة الا بعد أمد، فلعل الأيام تجود على الباحثين بكتابات حميرية تشرح موقف حمير الرسمي من هذا اللقب، كأن تعطيهم اللقب الذي كان يلقب الحمريون به ملوكهم، أو تشرح علاقة أولئك الملوك ب "ملوك سبأ وذي ريدان"، وماذا كان موقف ملوك "ريدان" من ملوك "سلحن" "سلحين" حصن "مأرب" ومقر الملوك.
ولكننا نجد فيا بعد إن الحمريين لم يكفوا عن قتال "الشرح يحضب"، ولاعن قتال "شعرم اوتر" "شعر أوتر" حتى بعد تلقبهما بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، كما سنرى إن قسماً من قبائل حمير كان في جانب "شعر أوتر" وان قسماً آخر كان في جانب "الشرح يحضب" وان قسماً ثالثاً كان خصماً عنيداً للجانبين، وكان في جانب خصوم ملوك "سبأ وذي ري دان"? ومعنى هذا إن اللقب الجديد، لم يغنِ أصحابه من قتال حمير، وان الحميريين ظلوا يقاومون العهد الجديد غير مبالين بدعاوى ملوك همدان، وقد دام القتال كما سنرى عهداً طويلاً أضر بالجانبين من غير شك.
وقد أصاب هذا النزاع العربية الجنوبية بأسوأ النتائج، فهدمت مدن، وخربت قرى، وتحولت مزارع كانت خضراء يانعة إلى صحاري مجدبة عبوسة.
وتأثر اقتصاد البلاد ة باستمرار الحروب، وبهروب الناس من مواطنهم ومن مراكز عملهم إلى مواطن بعيدة، فتوقفت الأعمال، وسادت الفتن والفوضى. وقد كان المأمول تحسن الأوضاع بعد توسع ملك مملكة سبأ واندماج الإمارات وحكومات المدن فيها وانتقال السلطة إلى ملك واحد ذي ملك واسع، إلا أن هذا التنافس الشديد الذيَ أثاره المتنافسون على عرش الملكة، أفسد كل فائدة كانت ترجى من هذا ا التطور السياسي الخطير الذي طرأ على نظام الحكم في العربية السعيدة.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:03 PM
وقد برهنت حملة الرومان على العربية السعيدة وقد وقعت في هذا العهد، وكذلك حملات الحبش، وقد وقعت في هذا العهد أيضاً، على أن حكومة "سبأ وذو ريدان" لم تكن حكومة قوية متماسكة، ولم تكن لديها قوات حربية قوية، ولا جيوش منظمة مدربة، حتى لقد زعم من أرخ تلك الحملة من الكتبة اليونان، أن الرومان لم يقاتلوا العرب، ولم يصطدموا بقواتهم اصطداماً فعلياً على نحو اصطدام الجيوش، وأن المحاربين العرب، لم يكونوا يملكون أسلحة حربية من الأسلحة المعروفة التي تستعملها الجيوش، وأن كل ما كان عندهم هو الفؤوس والحجارة والعصي والسيوف، ولذلك لم يتجاسروا على الالتحام بالرومان. وقد لاقى الرومان من الحر والعطش والجوع، ما جعلهم يقررون التراجع والعودة إلى بلادهم، فهلك أكثرهم من العوامل المذكورة. ويؤيد هذا الرأي أيضاً توغل الحبش في العربية الجنوبية وتدخلها في أمورها الداخلية، مع إنها دون الرومان في القوة وفي التنظيم الحربي بكثير. وتوغلهم هذا يدل على أن العربية الجنوبية لم تكن تملك اذ ذاك قوة بحرية قوية، بحيث تقف أمام الحبش، وتمنعهم من الوصول إلى السواحل العربية مع أن الحبش أنفسهم، لم يكونوا يملكون قوة بحرية يعتد بها. ولعل الرومان ساعدوهم في نزولهم في البلاد العربية، لأنهم كهانوا تحت تأثيرهم، كما صاروا تحت تأثير الروم، أي البيزنطيين من بعدهم، ولا سيما بعد د*********هم في النصرانية.
ويبدأ عهد "ملوك سبأ وذو ريدان" بالنزاع الذي كان بين "الشرح يحضب" وأخيه "يزل بين "يأزل بين" ابني "فرعم ينهب" من جهة، وبين "شعرم أوتر" و "يرم أيمن"، وهما ابنا "عهان نهفان" "علهن نهفن" من جهة أخرى، وهو في أصله نزاع قديم له تاًريخ سابق ومقدمات ترجع إلى أيام أجداد الطرفين، فالنزاع الذي فتح به عهد "سبأ وذو ريدان"، هو فصل أول من جزء من كتاب هو جزء متمم لكتاب سابق. ولا نريد هنا أن نعيد الحديث عن تلك الخصومة التي شغلت الأجيال الأخيرة من مملكة سبأ.
وحظ "الشرح يحضب" لا بأس به، بالقياس إلى من تقدمه من المكربين أو الملوك، فقد بقي حياً في الإسلام، وخلد في كتب الإسلاميين، فذكره "الهمدانى" في كتابه "الإكليل"، وسماه "إلى شرح يحضب"، ونسب إليه قصر "غمدان"، وروى له شعراً زعم انه قاله، وذكر إن "بلقيس" هي ابنته. وحكى "ياقوت الحموي" قصة في جملة القصص التي رواها الأخباريون عن بناء قصر "غمدان"، نسبها إلى "ابن الكلبي"، زعم فيها إن باني هذا القصر هو "ليشرح بن يحصب". و "ليشرح بن يحصب" هو "الشرح يحضب". وقد ذكر في صور أخرى،مثل "أبي شرح" و "يحضب شرح"، وهي-ولا شلك-من تحريفات النساخ.
ونسب "الطبري" بلقيس إلى "ايليشرح"، فجعلها ابنته. أما "حمزة الأصبهاني"، فقد جعلها "بلقيس بنت هداد بن شراحيل". وقد قصد ب "شراحيل" "الشرح يحضب"، ولا شلك، فصيرها حفيدة له.
وهكذا رفع أهل الأخبار أيام "الشرح يحضب"، فصيّرها في عهد "سليمان مع وجود فرق كبير جداً بين زماني الرجلين وقد نص في الكتابات على أصل "فرعم ينهب"، فذكر انه من "بكيل" وذكر انه من "مرثد"، و"مرثد" عشيرة من عشائر "بكيل". فهو إذن من قبيلة "همدان"، من غير شك، الا اننا لا نعرف عنه ولا عن والده شيئاً يذكر فلا ندري أكان والده من البارزي المعرفين في ايامه أم لا. ونستطيع أن نقول بكل تأكد إنه لم يكن ملكاً، والا ذكر اسمه، وأشير إله والى لقبه في النصوص التي ورد فيها اسم ابنه "شعر أوتر" شعرم أوتر". ومعنى ذلك ان ابنه "شعرم أوتر" لم يكن من الأسر المالكة الحاكمة، بل انتزع الملك بنفسه وكوّن نفسه، ومهد الحكم بذلك لويه: "الشرح يحضب" و يأزل بين"
وقد ورد اسم "فرعم ينهب" فرع ينهب" فارع ينهب" في النصوص Jammme 566 و CIH 299 و "نشر رقم 59". وأشير في النص Jamme 566 إلى "الشرح يحضب" و"يأزل بين" ابنيْ "فرع ينهب"، ولكنه لم يذكر بعد الاسمين واسم الوالد جملة "املك سبا"، بل ذكر " ملك سبأ"، أي أن هذا اللقب يعود إلى "فرع ينهب"، كما انه ذكرت في السطرين الأول والثانية جملة "رَجُليْ ملكن"، أي "رَجُليْ الملك"، مما يدل على أنه قصد ملكاً واحداً، وهو "فره ينهب". وأما لفظة "رجلي"، فتعني "ربشمس اضاد" "ربشمس اضأد" و "سعد شمسم" "سعد شمس" شقيقه، وقد كانا مقربين عند الملك يقضيان أمور، فهما الجلان المختاران عنده، وموضع سره.
وقد لقب " فرع ينهب" في النص: "نشر 59" ب "ملك سبأ". وقد ذكر فيه أسماء إلَهين، هما: "بعل أوّام"، أي المقه، و "سمع" "سميع" وهو "بعل حرمتن"، اسم مكان فيه معبده.
ويرى "فون وزمن" إن الملك "فرعم ينهب" "فرع ينهب" "فارع ينهب" "الفارغ ينهب"، هو الملك الوحيد الذي نعرفه في هذا العهد. ويرى إن سبب عدم تحرش حمير به، هو بسبب كونه ملكا لقبائل سبئية محتمية بأرضين مرتفعة محصنة. ويرى إن عهد مشاركة ابنه " معه في الحم، كان في أيام وجود "ياسر يهنعم الأول" وابنه "شمر يهرعش الثاني" في "ظفار" و "مأرب" ويرى أيضاً إن "فرع ينهب" وابنيه كانوا ثلاثتهم تابعين لسلطان ملوك حمير: "ملوك سيأ وذو ريدان".
كان "الشرح يحضب" مقاتلاّ محارباً، ذكر انه قاتل في أيام أبيه "فرعم ينهب" حمير وحضرموت، لتحرشهم بسبأ وغزوهم لها. وقد سجل خبر حربه هذه معهم فْي كتابة وصلت إلينا، سقط منها اسم صاحبها، يفهم منها إن صاحبها قدم إلى معبد "المقه" المقام في "ذ هرن" "ذي هران" وثناً مصنوعاً من الذهب، حمداً له وشكراً، لأنه مكن سيده "الشرح يحضب بن فرعم ينهب" من أعدائه، ومنَّ عليه بالنصر وأوقع بعدوه هزيمة منكرة وخسائر جسيمة، ولأنه نصر سيديه "الشرح" وشقيقه "يأزل بين" في غزوهما حمير وحضرموت، ولأنه مكنهما، وهما على رأس جيوش "سبأ" و "بحض" "باحض" من الانتصار على قوات "اظلم بن زبنر" "أظلم بن زبنر".
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:05 PM
ولم ترد في هذا النص إشارةٌ إلى موقف الهمدانيين من حضرموت وجمر في حربهما هذه مع سبأ، فلم يرد فيه انهم ساعدوهم أو اشتركوا معهم. أما "أظلم بن زبفر"، فالظاهر انه هو الذي كان يقود القوات المشتركة التي حاربت السبئيين، قوات حمير وحضرموت.
وفي النص Glaser 119 خبر غزو "الشرح يحضب" أرض حمير وحضرموت ولم يكن "الشرح" يومئذ ملكاً، ولكنه كان في درجة "كبر" أي "كبير" على "أقين" "أقيان" "كبر اقين" "كبير أقيان". وهي الدرجة التي كان عليها حتى صار ملكاً. وقد عاد "الشرح" بغنائم كثيرة، وبعدد كبير من الأسرى. ووصول لهيب هذه الحرب إلى أرض "*********ان". وقد قدم صاحب هذه الكتابة إلى حاميه وإلهه "ومن بعل علمن" "رمان بعل علمان"، الحمد والشكر على هذا التوفيق الذي وفقه له "الشرح"، وقدم إلى معبده نذراً هو وثن "صلمن" تعبيراً عن هذا الشكر.
والكتابات التي نُعِتَ "الشرح يحضب" فيها ب "كبر اقين" "كبير أقيان" إذن هي من الكتابات القديمة من أيامه يوم كان في درجة "كبر" "كبير"، أي في منصب عال رفيع من مناصب الدولة. فقد عثر على كتابات في "شبام أقيان" وفي "شبام سخيم"، ظهر منها إنها من هذا العهد.
ومنطقة "اقيان" التي كان "الشرح يحضب" "كبيراً" عليها، هي "شبام أقيان". وتقع عند سفح "جبل كوكبان".
أصبح للحميريين في هذا الوقت شأن يذكر: أصبحوا قوة فعالة في السياسة العربية الجنوبية، وزجوا أنفسهم في هذا النزاع الداخلي في حكومة سبأ دون أن يقيّدوا أنفسهم بجبهة معينة. كانّت سياستهم هي مصلحتهم. وأما حضرموت فقد كانت تفتش عن حليف لها لتحافظ على حياتها وكيانها، كانت قد تحالفت مع "علهان" على حكومة مرثد، وحافظت على عهدها هذا، فأيدت جانب "شعرم أوتر" في نزاعه مع الشرح يحضب.
غير أن مملكة حضرموت لم تبق مدة طويلة إلى جانب "شعر أوتر"، اذ نراها- كما يظهر من النص Glaser 825- في حرب مم مه أيام تلقبه بلقب "ملك سبأ وذو ريدان". وربما كان اختلافهما على أسلاب "ضبان" هو سبب افتراق حضرموت عن همدان. فقد تمكن شعر اوتر من الاستيلاء على جزء من أرض حمير ومن استمالة قسم من حمير إليه، بينما سال قسم آخر إلى "الشرح يحضب". وأرادت حضرموت ضم أرض "ردمان" إليها، وأرض ردمان من الأرضين التي كانت تابعة لمملكة قتبان، وهنا وقع الاختلاف. فقد كان "شعر أوتر" يريدها لنفسه، فحارب من أجلها في المعركة التي وقعت عند "ديرم" "ديريم" "دير".
ويظهر من الكتابات لمذكورة أن الردمانيين انتهزوا فرصهْ الحرب التي نشبت بين "شعر أوتر" و "العز" ملك حضرموت، فأغاروا على أرض سبأ، وقصدوا سد مأرب يلحقوا به أضراراً، غير أن قبيلة "حملان" التي كانت تحرس السد قابلتها ورجعتها إلى حيث أتت، وبذلك أخفق غزو ردمان ولم ينل السدّ أي سوء كان. وقد يكون هذا الهجوم بأمر من مللك حضرموت، كانت الغاية منه، أنزال ضربة قاصمة بالسبئيين، بتخريب سدّ هم الذي هو عرق الحياة بالقياس إليهم والى مأرب العاصمة، فترتاح بذلك حضرموت. وقد كان هذا الغزو في أيام "الشرح".
وأغلب الظن أن وقوع هذا الغزو كان أثناء الحرب التي نشبت بين "شعر أوتر" ومللك حضرموت.
وقد كان "الشرح يحضب" يومئذ ضد حضرموت. وقد ورد اسمه في النص المذكور الا انه لم يشر إلى موقفه منها، ولكن ذكر على العادة اسمه ولقبه ثم ذكر اسم "شعرم أوتر" بعده، فلا ندري أكان قد أسهم هو أيضاً في هذه الحرب مع "شعر أوتر"، أم وقف موقف المتفرج ينتظر النتيجة ليعن موقفه من بعد، مهما يكن من شيء فقد أحس مللك حضرموت بموقف "الشرح"، وعرف انه يريد إن يتربص به، فأوعز إلى الردمانيين بغزو أرض مأرب وبتهديم السد على نحو ما ذكرت.
وقد حارب الردمانيون الحضارمة كذلك، وكانوا في هذا الزمن حلفاء لحمير. ويرى بعض الباحثين إن حمير كانت إلى جانب "الشرح يحضب"، وقد ساعدته في قتاله الحضارمة. وفي النص المذكور مواضع غامضة ونواقص تحتاج إلى دراسة جديدة وإعادة نظر في صحة نقل الكتابة عن الأصل.
ولم تنقطع حروب "الشرح يحضب" مع حمير وحضرموت بعد توليه العرش، فإنا لنجد في نصٍ إن "الشرح"، وكان يومئذ ملكاً على "سبأ وذي ريدان" قد حاربَ الحميريين والحضرميين، وكان أخوه اذ ذاك يشاركه في لقبه هذا. وقد انتصر فيها على أعدائه، غير إن مثل هذه الانتصارات وفي مثل تلك الأيام وفي أرض وعرة متموجة قبلية، لا يمكن أن تكون انتصارات حاسمة، تأتي بنتائج إيجابية لمدة طويلة. ذلك لأن المغلوبين سرعان ما يجمعون شملهم أو يتحالفون مع قبائل أخرى، فيعلنون حرباً أخرى، والحروب كما نعلم جزء من حياة القبائل.
وقد ورد اسم "الشرح يحضب" وأخيه "يأزل بين" في النص الموسوم Glaser 220، وهو نص دوّنه جماعة من "بتي بتع"، و "بنو بتع" هم من "همدان". دونوه عند إتمامهم بناء "معبد" و "مزود"، تيمناً به وتخليداً له، وليقف الناس على زمن البناء ذكروا اسمي الملكين.
ولم يرد فيه اسم "شعرم أوتر" أو غيره من نسله، مع انهم من "بتع"، و "شعرم أوتر" من "بي بتع". وقد يكون من تعليل ذلك إن هؤلاء البتعيين كانوا من أتباع "الشرح يحضب"، وان قسماً من "بتع" كانوا مع "الشرح"، فلم يشيروا إلى اسم "شعرم أوتر"، وقد يكون تعليله إن "شعرم أوتر" كان قد توفي قبل "الشرح"، أو إن "الشرح" كان قد تغلب عليه، أو على من ولي الأمر بعده، ولم يعد أمامه أحلى ينافسه من البتعيين.
وفي الكتابات التي وسمت ب Jamme 574 و Jamme 575 و Jamme 5905 ، وهي كتابات عثر عليها منذ عهد غير بعيد، أخبار عن معارك وحروب وقعت بين الملك "الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين" من جهة، وبين الأحباش ومن كان إلى جانبهم من قبائل من جهة أخرى. يحدثنا الملكان في النص: Jamme 574 انهما انتقما "نقمن" من الحبش ومن حلفائهم قبائل "سهرتن" "سهرة"، وذلك في معارك وقعت في مقراتهم "بمقرهمو"، أي منازلهم وديارهم الثابتة في وادي سهام، فأنزلا بهم خسائر فادحة، ثم توجه الملك "الشرح يحضب"، ومعه بعض جيشه وبعض أقياله لمحاربة "احزب حبشت" أي أحزاب الحبشة، ويريد بهم فلول الحبش
وجيوشهم، فالتقى بها في وادي سردد، واشتبك بالحبش وبقبائل سهرة في موضعين حيث جرت معارك معهم في موضع "ودفتن" "ودفتان" وموضع "وديفان" "ودفن"، ثم في "لقح". ثم اشتبك بعد هذه المعارك بخمس وعشرين جماعة من جماعات "ا*********ن" و "جمدن" "جمدان" و "عكم" عك، وبجماعات من سهرة. وقد أنزل بكل هذه الجماعات خسائر فادحة، وغنم منها غنائم كبيرة، وأخذ منها أسرى وماشية كثيرة، ثم عاد إلى مدينة "هجرن صنعو" صنعاء. وحين وصل إليها جاءه رسل "تنبلتم" "جمدن" "جمدان" ومعهم أطفالهم يريدون أن يضعوهم ودائع عنده، تعبيراً عن طاعتهم له، وإقراراً بخضوعهم لحكمه. فحفظهم رهائن عنده. وقد أقسموا، وأقسم قوم من أهل "لقح" يمين الإخلاص والطاعة، وحمد "الشرح يحضب" مع شقيقه "المقه ثهوان" على هذا التوفيق.
ويظهر من هذا النص إن الأحباش، ومعهم أهل "سهرة" الذين كانوا قد استقروا واستوطنوا "وادي سهام" ، كانوا قد تحرشوا بالسبئيين، وقاتلوا جيوش "الشرح يحضب"، أي جيوش مملكة "سبأ وذي ريدان"، فقرر الملك الانتقام منهم والأخذ بثأره، فاتجه نحو الشمال حيث تقابل مع الحبش في "وادي سردد"، على مسافة "40" كيلومتراً شمال مدينة "الحديدة". فوقعت معارك بينه وبينهم في سهل "ودفين" "ودفتان" و "دفن" "ووفان"، وفي أرض "لقح" "لقاح". وقد تقابل السبئيون بعد "لقاح" بجماعات عددها خمس وعشرون جماعة من "أكسوم" و "جمدن" جمدان، وعك، وسهرة. علبها جيش "الشرح" وشتت شملها. ثم عاد الملك بعد ذلك إلى "صنعاء"، حيت استقل رسل "جمدن"، على نحو ما ذكرت.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:07 PM
ويحدثنا النص ب Jamme 575عن معارك وقعت أيضاً بين "الشرح يحضب" وأخيهّ "يأزل بين" من جهة، وبين الأحباش وحلفائهم عشائر "سهرة" وعشائر أخرى من جهة ثانية، ويذكر أن الملك "الشرح يحضب" وضع خطة محاربة الأحباش وحلفائهم وهو في "صنعاء". وبعد أن أتم كل شيء، أرسل مقدمة من الأدلاء "بقد ميهمو دلولم"، لتتعرف على مواضع العصابات المنشقة. ثم سار الجيش إلى أرض عشائر "سهرة" حيث أبلغ بوجود عصابات فيها، كانت منتشرة في كل مكان ابتداء من موضع حصن "وحدة" "وحدت" "عرن وحدت". فلما رأت العصابات ذلك الجيش، ظعنت "ظعنو" إلى البحر "لبحرن"، فتعقب آثارها حتى أدركها فحاربها. ثم التف حول الحبش وحلفائهم من "عك" و "سهرة" الذين كانوا قد عسكروا بعيداً عن مواضع أطفالهم وأموالهم، فأعمل الجيش فيهم السيف، فقتل منهم عدداً كبيراً وذبح الجيش، حتى صاروا بين قتيل أو أسير، وحصل جيش "الشرح" على غنائم كثيرة من هؤلاء.
ثم اتجه جمش "الشرح يحضب" بعد هذه المعارك نحو الشرق، لمنازلة فلول الأحباش وبقيتهم وكذلك عك وبقية حلفائهم، فبلغ موضع "عينم" "عين" و "هعان" "هعن"، واصطدم بهم، فأعمل فيهم السيف حتى تغلب عليهم وأخذ منهم عدداً كبيرا من الأسرى واستولى على غنائم كبيرة، عاد بها، حيث وضعت أمام شقيق "الشرح يخضب"، أي "يأزل بين" في "صنعاء" وفي قصر "سلحن" سلحين، أي قصر الملك في مأرب.
ولا نعلم شيئا أكيداً عن موضع حصن "وحدت" "وحدة"، ويظن بعض الباحثين أنه لا يبعد كثيراً عن وادي "صور"، وهو أقرب إلى البحر منه إلى الهضاب، ذلك لأن العصابات كانت قد هرعت منه إلى البحر، لتنجو بنفسها من تعقب جيش "الشرح" لها. وهناك وادٍ يسمى "وادي وحدة"، وهو في أرض حمير، غرب-"قعطبة" التي تقع على مسافة "125" كيلومتراً شمال غرب "عدن" وحوالي "170" كيلومتراً شمال شرقي "مخا".
ولا نعلم شيئاً أكيداً عن موضع "عينم" "عين" "العين"، واذا ذهبنا إلى انه موضع "العين" الذي يقع على مسافة أربعين كيلومتراً من شمال شرق صنعاء وزهاء عشرة كيلومترات من جنوب غربي عمران، واذا فرضنا إن "هعن" وهو الموضع الثاني الذي جرى فيه القتال هو موضع "هواع" الذي يقع على مسافة "35" كيلومتراً من شمال غرب عمران، فان ذلك يقربنا من منازل قبائل "بكيل" المذكورة في السطر الثالث من النص، حيث كانت قد اشتركت مع الحبش في قتال جيش "الشرح يحضب" كما يفهم منه. وهذا مما يحملنا على الذهاب إلى أن "عينم" هي "العين"، أن "هعن" هي "هواع".
وقد أشير في نص ب Jamme 590. إلى معارك وحروب وقعت مع عشائر "سهرة"، إذ يحدثنا في هذا النص: "وهب أوم" و "سعد أوم"، وهما من بني "كربم" "كرب" و "معدنم" "معدن"، بأنهما قدما إلى الإلَه "المقه" "بعل أوام" تمثالاّ، لأنه من عليها فأعادهما سالمين من "سهرة"، حيث قاتلا هناك مع سيدهما "الشرح يحضب"، ولأنه أعادهما سالمين من المعارك التي جرت فيها، وكانا في جيش هذا الملك، حيث هوجمت قطعات "مصر" جيش ذي ريدان في حقل "ريمتم" "ريمت" "ريمة"، ولأنه أنعم عليهما بغنائم كثيرة وبأسرى، ولكي يديم نعمه عليها وعلى سيديهما الملكين.
وتنبئنا النصوص: Jamme 578 و Jamme 850 و Jamme 581 و Jamme 586 و Jamme 589 بأن الملكين الأخوين حاربا "كرب ايل ذي ريدان" وكل من كان معه من كتائب محاربة "كل مصر" وقبائل "أشعب" ومن محاربي حمير الذين حاربوا إلى جانبه وحالفوه وكذلك "ولدعم"، أي القتبابيين. وقد اجتمعت كل هذه القوى تحت إمرة "كرب ا"ل" وتقدمت نحو "حقل حرمتم" "حرمة"، ففاجأتها قوات الملكين عند "اساي" "أسأى" و "قرنهن" "قرننهن" حتى "عروشتن" و "ظلمن
ضلمان" و "هكريم" "هكرب"، فأذاقتها الموت، ومع ذلك بقيت تلك القوات، منشقة خارجة على طاعة الملكين، تباغت قواتهما بين الحين والحين، تغدر وتخون، لا تراعي ذمة ولا تخشى عقابا، على الرغم من الخسائر التي حلت بها، فقرر الملكان عندئذ محاربتها، وسارت قواتهما إلى "كرب ايل ذي ريدان" والى حلفائه الذين انضموا إليه وساعدوه: من حمير ومن قتبان، ومن أقيال وجيوش وفرسان، وكانوا قد تجمعوا في وادي "اظور" "أظور"، ولما وصلت قوات الملكين، اشتبكت بهم عند مدينتي "يكلا" "يكلأ" و "ابون" "أبون"، فتغلبت عليهم قوات الملكين، واضطرت بعض كتائب "كرب ايل" إلى التقهقر إلى مواطنها، وغادر "كرب ايل" المكان تاركاً فيه من تبقى من جيشه ولم يرسل رسلاً عنه، وسرعان ما أعلنوا انصياعهم لأوامر الملكين وخضوعهم له، وحلفوا على الطاعة. أما "كرب ايل ذي ريدان" فقد لجأ إلى مدينة "هكرم" "هكر" فتحصن بها، وأغلق أبوابها، فاضطر الملكان إلى قصد أرض حمير، ومحاصرة المدينة التي اقتحمت ونهبت.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:09 PM
يظهر مما تقدم إن قوات "الشرح يحضب" هاجمت قوات "كرب ايل ذي ريدان" في أرض "حرمتم" "حرمة" في بادىء الأمر، وتقع على مقربة من جبل "أتوت"، جنوب شرقي "ريدة". وقد ألحقت قوات "الشرح" قوات "كرب ايل" خسائر متعددة، وهزمتها في جملة معارك وقعت فيما بين "اساى" "أسأى" و "قرننهن" "قرننهان"، و امتدت حتى "عرشتن" و "ظلمن" "ظلمان" و "هكريم" "هكر". وهي مواضع لا نعرف من أمرها شيئاً يذكر. ويظن إن موضع "عروشتن" هو "العروش" في أرض "رداع". وهناك مواضع أخرى يقال لها "عروش"، منها موضع ذكره "كلاسر"، وسماه "بلاد العروش"، ويقع على مسافة "95" كيلومتراً جنوب غربي مأرب، وزهاء "70" كيلومتراً جنوب قي شرقي صنعاء، وموضع آخر يسمى بهذا الاسم يقع في منتصف طريق صرواح وذمار.
وهناك موضع يقال له "ظلمة" "ظلمه"، يقع على مسيرة ثلاث ساعات من غرب "سحول" السمحول. و "سحول" في أرض حمير. ويقع وادي سحول في شمال "إب"، فلعل له علاقة بموضوع "ظلمان".
ويظهر من النص، Jamme 578 أن "كرب ايل" بعد أن أصيب بهزائم في أرض "حرمة" في المعارك التي أشرت إليها، نبذته قبائل حمير، فاضطر إلى أن يتراجع إلى أماكن أخرى، ليجمع فلوله ويضم إليه من بقي موالياً له، فاستطاع إن يجمع اعوانه وانصاره ومن كان يميل إليه ويؤيده، جمعهم في وادي "أظور"، غير إن قوات الملكين هاجمته فأصابته بهزيمة اضطر على أثرها إلى الالتجاء إلى مدينتي "يكلا" "يكلأ" و "ابون" "أبون" "أبوان"، وأجبر على إن يعطي عهداً بالولاء للملكين، وكل الاعتراف بسيادتهما عليه. إلا أنه تحصن بمدينة "هكرم" "هكر"، وامتنع بها وأغلق عليه الأبواب عندما جاءته قوات الملكين تطلب منه الاستسلام. وهاجمت قوات الملكين المدينة، واستباحتها، فاضطر "كرب ايل إلى الاستسلام واعلان طاعته وخضوعه لملكين.
ويحدثنا النص ب Jamme 586 بأن الملكين تمكنا من سحق عصيان حمير ومن انزال خسائر فادحة بمحكاربيهم ومن تأديب عشائرها، ثم أنزلا خسائر فادحة بقوات "كرب ايل" وبكتائب حمير المحاربة التي كانت معه، وغنما من هذه المعارك غنائم كثيرة.
وقد قام صاحب النص بغارة مع أربعين جندياً على منطقة "سرعن" سرعان، فوجدوا هناك مئة جندي من جنود حمير فباغتوهم، وقتلوا منهم سبعة وعشرين نفراً، ثم تقدم صاحب النص على رأس قوة مكونة من خمسين جندياً من "سرعان"، فهاجم قبيلة "قشمم" "قشم"، وتمكن رجاله من قتل "الزاد" "الزأد" من عشيرة "ربحم" "ربح" "رباح"، ومن قتل واحد وخمسين محارباً من رجاله. ثم عاد رجاله بغنائم كثيرة وبعدد من الأسرى.
ويظهر إن القتيل "الزاد" "الزأد"، كان رئيساً من رؤساء العشائر، ومن مثيري الاضطرابات والفتن، ومن العصاة على حكم سبأ وذي ريدان. وأما "قشم"، فقبيلة أو عشيرة، كانما منازلها جنوب "ردمان" وغرب "مضحيم" مضحي.
وقد سجل الملكان أخبار انتصارات لهما في نص موسوم ب Jamma 576. وقد افتتح نصهما بمقدمة تخبر إن الملكين انتصرا بفضل توفيق الإله "المقه ثهون" "المقه ثهوان" ومساعدته لهما على جميع أعدائهما من المحاربين والقبائل ومن ثار عليهما، ابتداءً من القبائل النازلة في الشمال وفي الجنوب إلى المحاربين الذين حاربوا على اليابسة وفي البحر، وانهما لذلك شكرا إلههما بأن قدما إليه تماثيل تعبيراً عن حمدها له وامننه الطائلة عليها، ولأنه وفقهما أيضاً في أسر "ملكم" مالك، ملك "كدت" "كدة" "كندة"، وأسر جماعة من سادات قبيلة "كدت" "كدة" "كندة"، لأن "مالكاً" كان قد ساعد أعداء "المقه" وأعداء الملكين:
مراقيس بن عوفم" "مرأقيس" امرىء القيس بن عوف، ملك "خصصتن" "خصصتان". وقد وضعوا في مدينة "مرب"، وبقوا فيها إلى أن سلم لهما الشاب "مراقيس" "مرأقيس"، وكذلك ابن الملك "مالك" وأبناء سادات كندة، ليكونوا رهائن عندهما، فلا يحنثوا بيمين الطاعة للملكين. وقد سلموا للملكين أفراساً وحيوانات ركوب وجمال.
ويظهر من الفقرة المتقدمة من النص إن "مالكاً" كان من "كندة" "كدة" وكان ملكاً عليهما أيام حكم "الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل بين". وقد ساعد "مراقيس" "مرأقيس" "امرئ القيس" مك مملكة صغيرة اسمها "خصصتن" "خصصتان"، الذي كان ضد سبأ، فأثارت هذه المساعدة غضب الملكين، فساقا جيوشهما على كندة وعلى "خصصتن"، وقد انتصرا عليهها، فاًسر ملك كندة، وأسر معه عدد من سأدات كندة، فأخذوا إلى مدينة تسمى "مرب"، يظن الباحثون إنها ليست "مأرب"، بل مدينة أخرى من مدن شعب "مرب" Marabites الذي يسكن أرض عدن، ووضعوا رهائن فيها، إلى أن جيء ب "مراقيس" "مرأقيس"، وهو ملك شاب، وبإبن ملك كندة وبأولاد سادات كندة حيث وضعوا رهائن عند الملكين، ليضمنا بذلك بقاء كندة ومملكة "خصصتن" على الطاعة والاخلاص لهما.
ويظن إن أرض مملكة "كدت" "كدة" كندة كانت في جنوب "قشم". وأما أرض "خصصتن"، فتقع في أرض "عدن".
وقد تحدث الملكان بعد انتهاء كلامهما على كندة وعلى "خصصتن" عن حملات تأديبية انتقامية أرسلاها على أحزاب "احزب" حبشية محاربة، أي عصابات منهم كانت تعيث فساداً فتغير وتغزو، وعلى عشائر "سهرة"، وعلى "شمر ذي ريدان"، وعشائر حمير، وذلك لأن كل من ذكروا حنثوا ببمينهم وخاسوا بوعدهم الذي قطعوه على أنفسهم، فثاروا على ملكي "سبأ وذي ريدان"، فخرج الملكان من "مأرب" إلى "صنعاء"، لمحاربة "شمر ذي ريدأن" وعشائر حمير و "ردمان" و "مضحيم" "مضحى". وقاد الملك "الشرح يحضب" بعض أقياله وجيشه وفرسانه ودخل أرض حمير، حيث حطم مقاومة حمير وقمع ثورتها، واقتحم "بيت ذ شمتن" "بيت شمتان" ومدينة "دلل" دلال و "بيت يهر" ومدينة "اظور" على حدود أرض "قشم"، وأباح تلك المدن، وحصل منها على غنائم طائلة وأسَر كثيرين، ثم عاد إلى معسكره بين مأرب وصنعاء.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:12 PM
ويظهر من هذا الخبر أن "شمر ذي ريدان" ومن كان معه من عشائرحمير ومن الحبش وعشائر "سهرة"، خاصم ملكي سبأ، فجرد المللك "الشرح يحضب" حملة عسكرية عليه وعلى حلفائه قادها بنفسه، فتمكن كما يذكر في نصه من الانتصار عليها ومن التغلب على المتحالفين ومن فتح المدن المذكورة. غير أن هذا النصر لم يحقق له اسكات "شمر ذي ريدان" وإخماد حركته وحركات من كان معه، إذ سرعان ما عاد "شمر" إلى العصيان والى الثورة على ملكي سبأ، والى تجدد القتال بينه وبينهما، وسرعان ما عاد مع حلفائه الحبش يقارعون جيش "سبأ وذي ريدان" بالسيوف في معارك عديدة ذكرت في النص Jamme 576 وفي نصوص أخرى.
فبينما كان الملك "الشرح يحضب" مع جنوده في معسكراته بين مأرب وصنعاء، أرسل "شمر ذي ريدان" كتائب "مصر" من حمير إلى الأرض المحيطة بمدينة "باسن" "باًسان" والى المدينة نفسها، التي هي "بوسان"، لتقوية استحكاماته هناك، وللاستعداد لمقاومة "سبأ وذي ريدان"، فأسرع "الشرح يحضب وتقدم على رأس أقياله وقوّاده وجيوشه نحو المدينة المذكورة، ففتحها واستباحها، وحصل جنوده على أسرى وغنائم، ثم اتجه الملك "الشرح يحضب"
منها نحو سهل "درجعن" "درجعان"، فلم يجد أحداً يحاربه، لأن قوات "شمر" كانت قد انسحبت منه، فاتجه منه إلى أرض "مهانفم" مهأنف، وأرسل قوات خاطفة سريعة غزت سكانها، وتمكنت منهم وحصلت على غنائم كثيرة وعلى أسرى، ثم اجتازت قوات الملك حمر "مقلن" "يلرن" يلران، قاصدة مدينة "تعرمن" "تعرمان"، فافتتحتها وأسرت أهلها ثم عادت بأسراها وبغنائمها إلى معسكراتها بمدينة "نعض" "ناعض" فرحة مسرورة.
وقبيلة "مهانف" "مهانف" من القبائل المعروفة، التي ورد اسمها في عدد من الكتابات. وقد افترن اسمها باسم قبيلة "بكيل" في النص: Cih 140، وذكرت مع قبيلة أخرى تسمى "ظهر" ظهار.
وعاد "الشرح يحضب" فقاد جيشه لغزو القسم الشرقي من أرض "قشمم" "قشم"، فتمكن منه، وافتتح مدينة "ايضمم" "أيضم"، وكلى الأماكن الواقعة في هذه المنطقة من "قشم"، ثم عاد الجيش إلى معسكراته في مدينة "نعض".
وتحرك الملك "الشرح يحضب" مرة أخرى، فخرج من مدينة "نعض" على رأس قواته إلى أرض قبيلة "مهانفم" "مهأنف"، وكانت قواته تتألف من مشاة وفرسان، وفتح مدينتي "عثى" و "عثر"، وأخذ منهما غنائم كثيرة، وحصل على أسرى، ثم تركهما واتجه نحو مدينة "مذرحم" "مذرح" وهي مدينة عشيرة "مذرحم" "مذرح" "مذراح"، فحاربها وحارب عشيرة "مهأنف" التي فرت إلى مدينة "ضفو" "ضاف"، ففتحها وأخذ غنائم منها، ثم غادرها إلى مدينة "يكلا" "يكلأ" "يكلىء" حيث وجد بعض رؤساء ريدان وبعض كتائب حمير، فالتحم بهم وهزمهم من موضع "مرحضن" "مرحضان"، وتعقب فلولهم حتى بلغ "يكلا" "يكلأ"، وعندئذ عادت قوات "الشرح يحضب" إلى مدينة "نعض"، حيث معسكرها الدائم.
وقد انتهز الحميريون فرصة انسحاب قوات "الشرح يحضب" إلى "نعض" ففاوضوا رؤساء "يكلا" "يكلأ" على الاتفاق معهم للانتقام من السبئيين ولمهاجمة وادي "سر نجررم" "وادي نجرر" فأسرع الملك "الشرح" نحو "يكلا"، فبلغه إن روساءها لم يكونوا على وفاق مع حمير، وانهم دفعوهم عنهم، فعاد الملك إلى قواعد جيشه في مدينة "نعض"، ثم غادرها إلى "صنعاء".
وعلم الملك "الشرح يحضب"، وهو في "صنعاء" بأن "شمر ذي ريدان" قد أرسل رسلاً إلى "عذبة" "عذبت" عذبة ملك "أكسوم" ليدعوه إلى شد أزر "شمر" ومساعدته على "الشرح يحضب". فقرر الملك الاسراع لمباغتة "شمر" ومن كان يؤيده، وترك "صنعاء" في الحال، لمباغتة عشائر حمير و "ردمان" و "مضحيم" "مضحي"، وأرسل في الوقت نفسه رسلاً إلى الحبشة "حبشت". وقد هاجمت قواته سهل "حرور" و "ارصم" "أرص" و "درجعن"، فتغلبت على سكان هذه المواضع، وأخذت منهم أسرى وغنائم. وقد سار جيش الملك حتى بلغ موضعي "قريب" و "قرس" "قريس"، فردم آبارهما، واستولى على مدينة "قريس"، واتجه "الشرح يحضب" من هذه المدينة نحو أرض "يهبشر" و "مقرام" "مقرأم" و "شددم" "شدادم" "شدد" "شداد"، وأخذ غنائم وأسرى من أهل هذه الأرضين. وعندئذ وجد نفسه نحو "بيت راس" "بيت رأس"، فاستولى عليه وعلى كل حصونه وابراجه، وعلى مدينة "راسو" "رأسو"، ثم توجه نحو "بيت سنفرم" "بيت سنفر" حيث اخذ كل العصاة الذين كانوا قد اختلفوا فيه. ثم قصد مدينة "ظلم"، فوجه إليها قوات كبيرة من المشاة بقيادة ضباطه الكبار، فاستولت عليها، ودحرت خيرة قوات "شمر ذي ريدان" التي وضعها فيها، فجمع "شمر" قواته وكل من ساعده من حمير وردمان ومضحي، ليصد جيش "الشرح يحضب" وعسكر بها بين مدينتي "هرن" "هران" و "ذمر" "ذمار"، وأقام هناك استعداداً لجولة جديدة.
ورأى "الشرح يحضب" وجوب مباغتة هذه القوة المتجمعة، قبل إن يشتد ساعدها وتصبح قوة محاربة قوية، فسار على رأس الف وخمسمئة جندي وأربعين فارساً، ومعه عدد بن الأقيال، حتى التقى بجمع "شمر ذي ريدان" ومعه عشائر من حمير وردمان ومضحي، وزهاء ستة عشر الف بعير، فباغت "الشرح يحضب" جمع شمر، وهرب بعض الريدانيين وبعض عشائر حمير إلى مدينة "ذمار"، وذهب بعض الفرسان ومعهم قوات أخرى إلى معسكرتهم في "انحرم" "أنحر" و "طريدم" "طريد"، واخذ قسم من القوات يطارد "شمر ذي ريدان". ولم يتحدث النص مما وقع بعد ذلك، اذ اصاب آخر الكتابة تلف، أو لأن بقيتها كتبت على حجر آخر لمّا يعثر عليه، فأضاع خبر بقية الحملة.
ولكن النصوص: Jamme 577 و Jamme 585 و CIH 314+954 تفدينا في الوقوف على انباء معارك وقعت بين "شمر ذي ريدان" وحلفائه وبين "الشرح يحضب" بعد المعارك المتقدمة. وقد اصاب النص Jamme 577 تلفٌ اضاع فهم مقدمته، فاقتحم بحملة: وقتل فرسه، ثم اتجهوا نحو مدينة "زخنم" "زخان"، واصابوا غنائم من كتائب حمير وردمان ومضحي ارضتهم، ثم غادرهم الملك "الشهرح يحضب" وذهبوا إلى "ترزنن" "ترزنان".
فيظهر من هذه الفقرة إن الملك "الشرح يحضب" اكتفى بعد انتصاره على خصومه في معركة مدينة "زخان"، فعاد إلى قاعدته، وذهب قسم من جيشه إلى مدينة "ترزنن"، ليستجم من القتال.
ثم يذكر النص أن "شمر ذي ريدان" ومن انضم إليه من حمير ومن "ولد عم" أي القتبانيين، صدوا عن الحق، وعصوا، وتجمعوا للزحف ثم ذهبوا إلى "ذمار" فتحصنوا فيها، ثم اتجهوا نحو مدينة "نعض"، ثم رجعوا وعسكروا بين المدينتين، فواجهتهم قوات "الشرح يحضب" وتعقبتهم في المواضع المذكورة، وأنزلت بهم خساثر كبيرة، ثم رجعت بغنائمها إلى مدينة "صنعاء". ومعها ماشية كثيرة وأسرى وغنائم وأموال طائلة.
ويظهر أن "شمر ذي ريدان" قد تمكن خلال هذه المدة من إقناع الحبش بالانضمام إليه ومساعدته في حروبه مع خصمه "الشرح يحضب"،فأمده "جرمت ولد نجشين"، "جرمة ولد النجاشي" "جرمة بن النجاشي" بكتائب حبشية محاربة قوّتْ مركزه كثيراً، ترأسها هو بنفسه وجاءته أمداد من "سهرة"، فاًخذ يتحرش بالسبئيين، مما حمل الملك "الشرح يحضب" على السير إليه لمقابله مترئساً قوة قوامها ألف محارب وستة وعشرون فارساً، فاصطدم ببعض قوات "شمر" وتغلب عليها وأخذ منها أسرى وغنائم، ثم حدث إن وصلت أمداد من الحبش لمساعدة تلك الكتائب المندحرة في موضع "احدقم"
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:15 PM
أحدق"، فقابلها مشاة "رجام" "رجاله" من جيش الملك "الشرح يحضب" أنزلوا بها خسائر وشتتوا شملها، وعاد الملك "الشرح يحضب" مع أقياله ورجاله إلى صنعاء، ومعه أسرى وغنائم وأموال طائلة.
وقد انتصر "الشرح يخضب" على الحبش كذلك، وعدد "جرمة" إلى قواعده مغلوباً على أمره، جزاء نكثه العهد وازدرائه بمهمة الرسل الذين أرسلهم "الشرح يحضب" إليه لإقناعه بعدم مساعدة "شمر ذي ريدان" ومن انضم إليه، وذلك كما يذكر النص.
وتطرق النص بعد ما تقدم إلى الحديث عن دحر ثائر آخر كان قد أعلن الثورة على الملكين، اسمه: "صحبم بن جيشم" أي "صحبة بن جيش"، "صحاب بن جياش". ويظهر أن ثورته لم تكن على درجة كبيرة من الخطورة لذلك لم يرأس "الشرح يحضب" نفسه الحملة التي أرسلت لقضاء عليه، بل رأسها قائد من قواده اسمه "نوفم" "نوف"، وهو من "همدان"و"غيمان". وقد تألفت الحملة من محاربين من "حاشد" ومن "غيمن" "غيمان".
فانتصر "نوف" على خصمه انتصارأَ كبيراً، وكان في جملة ما جاء به من تلك الحملة رأس صبح ويديه.
وتقع مدينة "غيمان" على مسافة اثني عشر كيلومتراً من جنوب شرقي مدينة صنعاء.
وانتقل الحديث من مقتل "صحب بن جيش" إلى الكلام على ثورة قبيلة "نجرن" "نجران" على الملكين. وكانت هذه القبيلة قد أكرهت من قبل على الخضوع والاستلام لحكم "سباً ذي ريدان"، ولكنها عادت فأعلنت عصيانها على الملكين، بتحريض من الحبش، فسار الملك "الشرح يحضب" بنفسه على رأس قوة من أقياله وفرسانه عليها، فحاصر مدينة "ظربن" "ظربان" مدة شهرين، فصبرت وقاومت ولم تسلّم، لأنها كانت تؤمل أن تصل اليها امداد ومساعدات وقوات من ملك حضرموت الذي وعدها بذلك ومن قبيلة نجران، فقوى ذلك الأمل عنادها، وشد من عزيمتها على الدفاع عن نفسها، ولطول مدة الحصار الذي دام شهرين، قرر الملك العودة إلى صنعاء.
وقد ترك الملك "الشرح يحضب" قسماً من جيشه لمراقبة الأوضاع، وضعه تحت قيادة قائدين من قواده الكبار، أحدهما: "نوفم" "نوف" الذي قتل الثائر "صحب بن جيش". ووصلت في خلال هذه المدة أمداد إلى ممثل النجاشي "سبقلم" "سبقل"، الشي يمثله في مدينة "نجران" ولدي قبيلة نجران، فهاجم القائدان بقواتهما وبمساعدة رجال محاربين من حاشد وغيمان وبأربعة عشر فارساً، واديي نجران، فأنتصرا وحصلا على غنائم عادا بها سالمين إلى "صنعاء".
وبمساعدة رجال محاربين من حاشد وغيمان وبأربعة عشر فارساً، واديي نجران، فأنتصرا وحصلا على غنائم عادا بها سالمين إلى "صنعاء".
ويظهر أن رجوع "الشرح يحضب" إلى "صنعاء" كان من أجل اعادة تنظيم صفوف جيشه ولوضع خطة محكمة لملاقاة أعدائه حتى إذا تم له ذلك ووضع الخطط اللازمة لمهاجمة أعدائه، غادر صنعاء متوجهاً إلى وادي "ركبتن" "ركبتان"، وقد التقى فيه بأعدائه فأنزل بهم خسائر كبيرة، فقتل عدداً كبيرأَ منهم، وأسر عدداً من سادات "مراس" وأحرار "احرر" نجران، فسيقوا إلى "مسلمن" "مسلمان". ولم يستطع خليفة "عقبهو" النجاسي إن يساعد المنكسرين.
وقد اعلن المنهزمون خضوعهم لحكم الملكين، ولكي يحافظوا على وعدهم هذا ويعبروا عن طاعتهم هذه، وضعوا ابناءهم وبناتهم رهائن في مدينة "صربن" "صرباًن" وفي وادي نجران. ولوجود بعض التلف في نهاية الفقرة الرابعة عشرة، لا نعلم ماذا حدث من تفاصيل في حصار نجران. غير إن النص يعود فيذكر إن "924" قتلهم الأعداء في المعركة وان "562" اسيراً وقعوا في ايدي قوات "الشرح يحضب"
وان "68" مدينة فتُحت ونهبت وابيحت، وان ستين الف حقل من الحقول التي يرويها الماء دمرت، وان سبعاً وتسعين بئراً دفنت ودمرّت، وغنم المحاربون غنائم كثيرة رجعوا بها شاكرين إلهَ سبأ على ما اشار النص إلى مقري حكم الملكين: "قصر سلحن" "قصر سلحان" في مأرب وقصر "غندن" "غندان" الذي هو قصر غمدان عند اهل الأخبار.
ويعد النص الموسوم Cih 314 من النصوص المههة المتعلقة بالحروب المذكورة. فهو يتحدث عن امور خطيرة وقعت في تلك الأيام. وقد جاء في هذا النص: إن "رب شمس"، قيل "قول" عشيرة "بكلم"، اي "بكيل" التي تكوّن ربع "ذريدت" "ذي ريدة"، و "وهب أوم" من "جدنم" "جدن" و "خذوت" "خذوة"، وكانا "مقتويي" "الشرح يحضب" وشقيقه "يأزل"، نذرا للالهَ "المقه بعل مسكت ويث" و "برأن"، تمثمالين من الذهب، لأنه من على سيديهما الملكين، وحفظهما، وكان ذلك في شهر "ذي قيل" من السنة السادسة من سني "تبع كرب بن ود ال" "تبعكرب بن ود ايل"، ولأنه ساعدهما ونصرهما وأذلَّ اعداءهما، واكره "شمر ذي ريدان" على ارسال رسول عنه يطلب الصلح منهما، واجبر الريدانيين واحزابهم وحلفاءهم الحبشة من مدينتي "زوم" و "سهرة" على الطاعة والخضوع، وعلى طلب عقد الصلح، على حين كان "شمر ذو ريدان وحمير"، يطلب النجدة حلفائه الحبشة لمحاربة ملكي سبأ. ولكن الإله "المقه" خيب ظنه، وخذله، ونصر الملكين: "ملكي سبأ وذي ريدان
وقد ساعد "شمر ذي ريدان" واشترك معه في هذه الحرب عدد من القبائل منها: "سهرتن" "سهرتان"، و "ردمن" "ردمان"، و "*********ن" "*********ان"، و "مضحيم" "مضحي". وأرسا، قوة لحماية مدينة "باسن" "بأسن" "بأس"، وهي من المدن الواقعة في جنوب غرب "وعلان". وقد تقدم السبئيون في اتجاه مدينة "ظلم" لمحاربة "شمر" ومجابهته، حتى انتصروا عليه في مدينة "ذمر" ذمار.
وقد كان "شمر" من "ذي ريدان"، اي من حمير، ويظهر أنه أراد مزاحمة "الشرح يحضب" وأخيه على العرش، أو انه اختلف معهما، فوقعت الحرب بينهما، وتقدم "شمر" بقبائل "حمير" و "أولاد عم" "ولد عم" أي قتبان والقبائل الأخرى، واصطدم بجيش السبئيين على نحو ما ورد في النص.
ويظهر أن "شمر ذي ريدان" اضطر بعد ذلك إلى الاتفاق مع "الشرح يحضب" والى الخضوع والاستسلام له، فانتهت بذلك معارضته له، وتولى قيادة جيشه في حربه مع حضرموت
ويمكن تلخيص الوضع السياسي في عهد "الشرح يحضب" على هذا النحو: كان خصم "الشرح" ومنافسه على الملك في هذا العهد هو "شمر"، وهو من حمير، أي سيد "ريدان" "ذ ريدن"، وعاصمته "ظفار". وقد استعان بالحبش، وطلب مساعدتهم على "الشرح يحضب"، فاضطر إلى الاستسلام له، ثم اشترك مع السبئيين في محاربة ملك حضرموت "العذ".. وكان يومئذ تحت حكم السبئيين. أما "شعرم أوتر" الهمداني، فكان من المؤيدين ل "الشرح يحضب" وكان يحمل أيضاً لقب "ملك سباً وذي ريدان".
وفي هذا النص اشارة إلى تدخل الحبش في شؤون العربية الجنوبية في هذا العهد، والى وجودهم في مواضع من السواحل، والى تكوينهم مستعمرات فيها تتمون من الساحل الإفريقي المقابل.
وأنا لا إستبعد احتمال اتفاق الرومان مع الحبش يوم أرسلوا حملتهم المعروفة على العربية الجنوبية بقيادة "اوليوس غالوس"، وذلك باتفاق عقده حكامهم في مصر وقد كانا خاضعة لهم اذ ذاك مع ممثلي الحبش يقضي بأن يسهلوا لهم أمر الوصول إلى العربية الجنوبية، ويقدموا لهم المساعدات اللازمة، وان يتعاونوا جميعاً في الأمور السياسية والاقتصادية، وفي مقابل ذلك يضمن الرومان للحبش مصالحهم في العربية الجنوبية ويقتسمونها فيما بينهم، أو يحافظون على مستعمرات الحبشة فيها
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:17 PM
ويظهر من الكتابات إن الحبش كانوا يغيّرون سياستهم في العربية تبعاً للاحوال التغيرة، فنراهم مرة مع الحميريين، وتارة عليهم، ونجدهم في حلف مع "شعرم أوتر"، ثم نراهم في حلف آخر ضده، ونجدهم مرة أخرى على علاقات حسنة ب "الشرح يحضب"، ثم نجدهم على أسوأ حال معه. وهكذا نرى سياستهم قلقة غير مستقرة، كل يوم هي في شأن، وهي بالطبع نتيجة للاحوال القلقة المضطربة التى كانت تتحكم في العربية الجنوبية اذ ذاك، ولمصالح الحبش الذين كانوا يريدون تثبيت أقدامهم في السواحل العربية المقابلة وتوسيع رقعة ما يملكونه باستمرار.
ويظهر من النص المتقدم إن "بكيل" التي تكوّن ربع "في ريدة" كانت مع الملكين "الشرح" و "يأزل"، و "بكيل" هي عشيرة الملكين، وقد كانت تنزل في أرض "ريدة" اذ ذاك.
وقد رأى بعض الباضين إن "شمر ذ ريدن" "شمر ذي ريدان" هو "شمر يهرعش"، وان الذي حارب "الشرح يحضب" وأخاه "يأزل"، هو هذا الملك. ومعنى ذلك انهم رجعوا زمان "الشرح يحضب" زهاء "250" سنة اذ جعلوه في أوائل القرن الرابع للميلاد، وهو رأي يعارضه باحثون آخرون. وقد صيّروا "الشرح يحضب" من المعاصرين للملك "امرىء القيس" المذكور في نص النمارة، والمتوفي سنة "328 م"، وذكروا إن "مراقس"، الوارد في السطر الثاني من النص:Ry 535 هو "امرؤ القيس" المذكور
وقد وردت في النص المتقدم جملة "هجرن صنعو ورحبتن"، أي "مدينة صنعاء ورحبة" "رحابة". وقصد ب "صنعو" مدينة صنعاء عاصمة اليمن حتى اليوم. وأما "رحبة" أو "رحابة" "الرحبة"، فإنه مكان ذكره "الهمداني"، لا يبعد كثيراً عن صنعاء. ويكون هذا النص أول نص على ما نعلم وردت فيه إشارة إلى صنعاء. وهناك موضع آخر اسمه "صنعاء" وموضع اسمه "رحابة" أو "راحبة" يقعان في منطقة "مأرب" على الجهة اليمنى من وادي "ذنة"، ظن بعضهم أنهما الموضعان المذكوران في النص.
والرأي الغالب أن النص المذكور قصد ب "صنعو" مدينة "صنعاء"، وذلك لورود اسم قصر "غندن" "غ ن د ن" "غندان" أي "قصر غمدان" في كتابة أخرى من أيام "الشرح يحضب"، و "قصر غمدان" قصر معروف بقي قائماً إلى الإسلام، وقد كان في صنعاء. ورقم هذه الكتابة هو: Cih 429. وقد ذكر مع القصر اسم القصر "سلحن" "سلحان" "سلحين" وهو دار الملوك الحاكمين في مدينة مأرب، فيكون "الشرح يحضب" قد أقام في القصرين، وحكم منهما. وقد ذكر "الهمداني" أن "الشرح يحضب" هو التي بني قصر غمدان، وأن "شاعرم أوتر" "شعرم أوتر" هو الذي أسس سور صنعاء. ويعرف قصر "غمدان" ب "غندن" "غندان" في الكتابات، فهو إذن من القصور الملكية القديمة مهن أيام السبئيين.
وقد أشر إلى مدينة "صنعو" في النص: REP. EPIG. 4139، وكان أصحابة مقتوين للأخوين الملكين "الشرح يحضب" و "يأزل بين". وقد وردت فيه أسماء اشخاص من "بني سارن" "بني سأران" و "محيلم" و"نعمت" "نعمة" و "موضعم". وقد جاءت أسماء هؤلاء في النص CIH 411 الذي دوّنوه تقرباً إلى الإلهَ "المقه ثهون بعل اوم" "المقه ثهوان بعل أوام".
ويتحدث النص: Jamme له عن معارك وقعت بين أعداء "تجمعوا وقتلوا" في وادٍ سقط اسمه من النص. وقد انتصر "الشرح يحضب" على أعدائه وغلبهم.
ويتحدث النص بعد ذلك عن حرب أعلنها الملكان على حمير وحضرموت، غير انه لم يذكر أية تفاصيل عنها. وكل ما ورد فيه إن حمير انضمت من بعد إلى سباً وذي ريدان، واشتركت معها في بعض الحروب. ومعنى هذا إنها عقدت معاهدة صلح وانها حالفت الملكين.
ويرى بعض الباحثين إن النص:REP. EPIG 4336، الذي ذكرت فيه حرب وقعت بين "شمر في ريدان" من جهة و "ابانسم بن معهر"، أي "أبأنس بن معهر" "أب أنس بن معهر"، أو من "آل معهر" "معاهر" و "ب*********م" وملك سبأ، وملوك حضرموت، من جهة أخرى، هو من النصوص المتأخرة التي دوّنت بعد النص المتقدم، أي بعل النص: Jamme 115 دوّن بعد يأس حضرموت وحلفاء "شمر ذي ريدان" من احراز اي انتصار كان على "الشرح"، فتفرقوا لهذا السبب عن "شمر" وانضموا إلى جانب الملك "الشرح"، وخاصموا "شمرا". ولهذا نجد حضرموت مع "الشرح يحضب" في محاربة حليفها السابق "شمر ذي ريدان".
ويحدثنا نص ناقص لم يدوّن تدويناً صحيحاً حتى الان إن ثورة صرت في أيام "الشرح يحضب" قام بها "أيسن"، أي "إنسان" ثار على الآلهة، اسمه: "نمرن" "نمران" أو انه كان من عشيرة تسمى ب "نمران"، وتجرأ على آلهته بثورته هذه على "ملك سبأ وذي ريدان،. ثم يذكر النص، الا انه بفضل الآلهة ورحمتها تمكن "الشرح يحضب" من تأديب هذا الغر: هذا "الإنسان نمران" "أيسن نمرن" الذي حارب الآلهة والبشر "انسن"، بل حارب حتى ذوي قرابته ورحمه، فاستحق العقاب. وانه شكراً للإلَه "عثتر ذ ذبن بعل بحر حطبم"، أي الإله "عثتر ذو ذبن رب معبد محر حطبم" الذي ساعد عبده "الشرح يحضب" ومن عليه بالنصر والعافية والخير، وعلى قصريه: "سلحن" "سلحان" "سلحين" و "غندن" "غدان"، أي "قصر غمدان" بصنعاء، وعلى "صرواح"، وادام عليه نعمه، ووقاه كل بأس، تيمن باعلان ذلك للناس، ليحمدوا الإلهَ، وليشكروا نعم الالهة عليهم، ولتديمها عليه بحق: "عثتر" و "هوبس" و "المقه" و "ذت حمم" "ذات حميم"، "ذات حمى" و "ذت بعدن" "ذات بعدان" "ذات بعدان" و "شمسم" "شمس".
وقد يكون في تعيبر "ايسن نمرن" "انس نمرن"، ومعناه "الانسان نمران"، بعض الاستهجان والازدراء بهذا التائر، الذي هو "رب شمس نمرن"، أي "رب شمس نمران" أحد "اقول" أقيال قبيلة "بتع" على رأي بعض العلماء. وقد ورد اسمه في كتابة دوّنها رجال يظهر أنهم كانوا من أتباعه، ومن قبيلة "بتع"، وذلك لشكر الإلَه "تالب ريام بعل شصرم"، لأنه منّ عليهم بالعافية، وأسعد قيلهم "رب شمس نمرن" "رب شمس نمران"، وبارك على قبيلته.
ويظهر أن ثورة "نمران" "نمران اوكان" "نمرن اوكن"، كانت ثورة خطيرة كبيرة على "الشرح يحضب"، ولذلك كان القضاء عليها من الأمور المهمة بالقياس إليه.
إن "الإنسان نمران" "انسن نمرن" "إنسان نمران" الذي ثار على سيده وأغضب آلهته بثورته هذه، هو "رب شمسم نمرن" "رب شمس نمران" أحد أقيال "بتع" على رأي "موردتمن" و "ميتوخ" الذي ورد ذكره في احدى الكتاباًت. وقد دوّنها رجال يظهر أنهم كانوا من أتباعه، أي من قبيلة "بتع" شكراً للإلَه "تالب ريمم بعل شصرم" "تألب ريام بعل شصر" لأنه منّ عليهم بالعافية، وأسعد قيلهم "رب شمس نمران"، وبارك في قبيلته.
وقد ورد في أحد النصوص: "رب شمسم نمرن بن بتع"، أي "رب شمس نمران من آل بتع". والضاهر أنه هو القيل المذكور في النص المتقدم الموسوم ب Mm 82 ، Rep.epig 3621. وقد ذكر "فلبي" إلى "رب شمس" هذا، هو الملك "رب شمس نمران ملك سبأ وذي ريدان". وذكر أن هذا الملك عرف بواسطة هذا النص الذي عثر عليه في "مأرب"، واستنتج من ذلك أن هذه الأسرة أسرة "بتع" التي تقطن في الهضبة هضبة همدان، امتدّ نفوذها حتى بلغ السهل الذي تقع به "مأرب". ولا أدري كيف توصل "فلبي" إلى أن "رب شمس نمران" الذي هو من "آل بتع" أي هذا القيل هو الملك "رب شمس نمران" الذي هو "ملك سبأ وذي ريدان" فليس في هذا النص الذي أشار إليه إشارة يمكن إن يستدل مها على أن "رب شمس نمران المذكور فيه، هو ملك من ملوك سبأ وذي ريدان. فهذ النص لا يخصه اذن، وانما هنالك نص آخر رقمه:rep. Epig 4138 ورد فيهه "رب شمس نمران ملك سبأ وذي ريدان"، وهو نص لم يشر إليه "فلبي" سأتحدث عنه في حديثي عن هذا الملك.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:18 PM
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن النص المذكور لم يكن يقصد ثائراً من أهل اليمن ثار على الآلهة والإنسان، وإنما قصد به حملة "أوليوس غالوس"، التى جاءت من الخارج إلى اليمن. وهي معادية بالطبع لأهل اليمن ولآلهتها، فشكر "الشرح يحضب" الذي كان هو الملك يومئذ آلهته، لأنها نصرته على القادمين المغيرين، وأنقذت شعبه منهم1.
ويعارض "جامه" Jamme رأي من يقول إن المراد من النص: CIH 429 حملة "أوليوس غالوس"، ويرى أن المراد من "نمران" هو "نمران أوكان" "نمرن اوكن" الذي ورد اسمه في النصوص Jamme 594 Jamme 684 Jamme 711 Jamme 739 Jamme 758.
وقد ورد اسم "نمران أوكان" مع اسم أخيه "جحضم احصن"، وهما ابنا "سعدم" "سعد" في النص Jamme 594 ، كما ورد في هذا النص اسما الملكين: "الشرح يحضب" و "يأزل بين". أما النصوص الأخرى، فلم يذكر فيها اسم "يازل بين". وقد استنتج "جامه" من ذلك أن صاحب النص:5 Jamme 594 كان قد دوّنه في أيام حكم الملكين. أما النصوص الأربعة الأخرى، فقد دوّنت بعد ذلك، دونت في أيام انتقال الحكم إلى "الشرح يحضب"، أى إلى أيام انفراد هذا الملك بالحكم وحده بعد الحادث المجهول آلذي لا نعرف من أمره اليوم شيئاً والذي أدى إلى إغفال اسمم "يأزل بين" في النصوص.
ويظهر من النصين: Jamme 739 Jamme 758 انه كان تحت إمرة الأخوين "نمران اوكان" و "جحضيم احصن" قائدان كبيران بدرجة "مقتوى". ومعنى هذا إن هذين الأخوين كانا من أصحاب القوة والسلطان في هذا العهد، ولا يستبعد أن يكونا قد ألّفا جيشاً خاصاً بهما، يحاربان به. ويرى "جامه" إن الشعور بالعظمة قد ركب رأس "نمران أوكان"، حتى دفعه إلى الثورة على سيده "الشرح يحضب" على النحو المذكور في النص: CIH 429.
وقد ذكر اسم "يأزل بين" بعد اسم شقيقه "الشرح يحضب" في الكتابة CIH 954. وقد نعتا فيها به "ملكي سبأ وذي ريدان". وقد ورد فيها اسم "المقه بعل مسكت ويث وبران". وهي من بقايا نص سقطت أسطره الأولى، وذكرت فيه اسماء، عدد من الرجال من "بني جدن".
وذكر اسمهما على الترتيب نفسه في النص، CIH 398 وهو نص سقطت منه كلمات، ولا سيما في الأسطر الأولى منه. فسبب سقوطها عدم فهمنا المراد فهماً صحياً. وقد دعيا في النص ب "ملكي سبأ وذي ريدان". غير اننا نلاحظ أيضاً انه ذكر في السطر الثامن منه اسم "شعرم أوتر"، ونعته ب "ملك سبأ وذي ريدان"، مع إن "شعرم اوتر" "شعر أوتر" كان خصماً للملكين
"الشرح يحضب" و "يأزل بين"، فلم ذكر معهما في النص? وعلى أي محمل نحمل هذا القول? ويلاحظ إن كلمة "مراهم" "مرأهم" أي "سيدهم" "سيده" ذكرت مباشرة قبل اسم "شعر أوتر"، كما ذكرت كلمة "مرايهمي" أي "سيديه" أو "سيديهم" قبل جملة "الشرح يحضب واخيهو يازل بين" أي: "الشرح يحضب وأخيه يأزل بين". فنرى من هذا النص إن صاحبه نعت الثلاثة: "شعر أوتر" و "الشرح يحضب" وأخاه "يأزل بين" ملوكاً على "سبأ وذي ريدان". فهل يدل هذا على إن هؤلاء الثلاثة حكموا حكماً مشتركاً وفي وقت واحد? وقد كان "شعر أوتر" يحكم في مكان بينما كان "الشرح" وأخوه "يأزل" يحكمان في مكان آخر، وان صاحب النص أو أصحابه كانوا يملكون أرضين في جزءي المملكة، لذلك اضطر أو اضطروا إلى ذكر الملوك الثلاثة في النص? هذه أسئلة تصعب الاجابة عنها بالإستناد إلى هذه الكتابة التي لم تتعرض لعلاقات "شعر" مع "الشرج" وأخيه، ولا يمكننا استخراج أي جواب منها مقنع في هذا الوقت.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:20 PM
ويرى "هومل" أن السبب الذي من أجله ذكر اسم "شعر أوتر" في هذا النص هو لأجل أن ينتقم الإله "المقه" التي دعا في هذا النص منه، ولكي ينزل رحمته ونعمته على "الشرح" وعلى شقيقه "يأزل". الذين استطاعا في النهاية أن بنتصرا على خصمهما "شعر أوتر"، وأن "شعر أوتر" هذا هو الذي قصده أحد النصوص، حيث أشير إلى الإنسان الذي ثار على سيده.
وقد وردت في هذا النص جملة "ارضن *********ن"، أي "أرض *********ان"، و "محرم بعل اوعلن" "محرم بعل أوعلان"، و "شعب صروح"، أي قبيلة صرواح.
ونشر في مجلة Le Museon نص آخر. ذكر فيه اسم "الشرح يحضب" وقد وردت قبل اسم "الشرح يحضب" جملة "ملك سبأ وذو ريدان ابن"، وقبلها ثلاثة أحرف هي: "ح م د" "حمد"، وهي بقايا كلمة. ويظهر أن أصحاب النص قد تيمنوا بذكر اسم أحد أبناء "الشرح يحضب" ممن كانوا ملوكاً على سبأ وذي ريدان. غير إن هذا الاسم طمست معالمه بفعل العوامل الطبيعية وتقادم العهد، فلم يبق منه أثر. وذكرت بعد "الشرح يحضب" جملة "مك سبأ وذو ريدان".
وقد لفتت بعض الكتابات، قدّر بعض الباحثين عددها بأحد عشر نصاً، أو أكثر من ذلك بقليل، أنظار العلماء إليها، لأنها لم تذكر اسم "يأزل بين" خلافاً للكتابات الأخرى التي يربو عددها على هذا العدد، والتي تذكر اسم الشقيقين معاً. فاستنتج من اغفال تلك النصوص لاسيم "يأزل" أن حدثاً وقع له أخذه إلى العالم الثاني، وذلك في حياة اخيه "الشرح يحضب"، فصار الحكم إلى "الشرح يحضب" وحده، وبقي على ذلك إلى أن بدا له ما حمله على اشراك ابنه معه في الحكم، فصار اسم ابنه يرد بعد اسمه في الكتابات.
ويواجه هذا الاستنتاج مشكلة ليس من السهل حلها. مشكلة عثور الباحثين على كتابات ورد فيها اسم "يأزل بين" مدوناً فيها بعد اسم أحد أبناء "الشرح يحضب". ومعنى هذا إن "يأزل بين" لم يكن قد مات في أيام "الشرح"، بل بقي حياً وشهد نفسه وفاة شقيقه ثم عاش فعاصر حكم أحد أبناء شقيقه. فلا يمكن الأخذ إذن برأي من يقول انه كان قد أدركه أجله في حياة أخيه، اللهم الا اذا قلنا إن "يأزل بين" المذكور بعد "نشأكرب يهأمن يهرجب"، وهو ابن "الشرح يحضب"، لم يكن "يأزل بين" شقيق "الشرح يحضب"، بل شخصاً آخر، كأن يكون ابناً ل "وتر يهأمن" شقيق "نشأكرب"، أو ابناً ل "نشأكرب نفسه". وعندئذ يكون في امكاننا الادعاء بوفاة "يأزل" شقيق "الشرح" في حياة أخيه.
وهناك احتمال آخر قد يكون مقبولاً للعقل أكثر من الاحتمال الأول، هو احتمال بقاء "يأزل" حياً وادراكه أيام حكم أولاد شقيقه. وعندئذ يمكن تفسير اختفاء اسمه في الكتابات في الأيام المتأخرة من حكم "الشرح" بوقوع خصومة بين الأخوين اشتدت حتى أدت إلى وقوع قطيعة بينهما والى حذف اسم "يأزل"، وهو أصغر سناً من أخيه من الكتابات. أي إلى خلعه وتجريده من اللقب الرسمي وهو لقب الحكم. وقد بقي مخاصاً لشقيقه حتى أدركت شقيقه، ثم مخاصماً لابن أخيه "وتر يهأمن" إلى ولاية شقيقه "نشأكرب يهأمن يهرحب" الحكم. فلما ولي "نشأكرب" عرش "سبأ وذي ريدان" " أشرك عمه معه في الحكم، ولهذا أدرج اسمه من جديد في الكتابات، ادرج بعد اسم "نشأكرب" الملك الفعلي وارث العرش.
أما كيف أشرك "يأزل" مع ابن أخيه في الحكم، وكيف عاد مرة ثانية إلى الحياة الرسمية العامة? فليس في استطاعتنا الجواب عن ذلك جواباً أكيداً. ولا يستبعد احتمال قيام أناس بالتوسط بين العم وبين ابن أخيه لاصلاح ذات بينهما، وقد يكون "نشأكرب" هو الذي صالح عمه وأرضهاه، لداقع شخصي، أو لمصلحة رآها، أو لاضطراره إلى ترضيته، لضف مكانته أو شخصيته، ناًراد الاستعانة به لتقوية مركزه. على كل فاذا كان "يأزل بين" هذا، هو "يأزل بين" شقيق "الشرح" فيحب أن يكون قد تقدم في السن حين عاد إلى الحكم.
ولدينا نص من نصوص ال "وتف" أمر به "الشرح" ولم يذكر اسم أخيه فيه، وقد وجه به إلى قبيلة "يرسم" في شهر "ذو نسور الأول" وفي وفي السنة السادسة من بني "معد يكرب بن تبع كرب" "معد كرب بن تبع كرب" من آل "حزفرم" "حزفر"، وقد ذكرت فيه أسماء عدد من سادات هذه القبيلة. وفي النص حديث عن أحوال المزارعين والفلاحين والآبقين الذين يهربون من المزرعة إلى مزارع أخرى، ولا سيما من الأرض التي يشمل أحكامها هذا النص، وهي: وادي "يفعن" "يفعان"، وأرض "يبلح"، وهي من "رأس مق...ن" إلى "غضران".
ويتبين من هذا النص أن الفلاحين، وأكثرهم من المسخرين، كانوا يفرّون من مزارعهم، للتخلص من عملهم المرهق الشاق فيها، ولعدم تمكنهم من كسب قوتهم، فصدر هذا الأمر في معالجة هذه المشكلة. وهي مشكلة أدت إلى تلف المزارع، واعراض الناس عن الزراعة بسبب اكراه الفلاحين على العمل فيها صخرة، ولقسوة أصحاب الأرض وموظفي الحكومة عليهم.
وقد عثر في أرض "شبام سخيم" على كتابة، ذكر فيها "الشرح يحضب" وابنه، وأقيال "سمعي" وهم من سخيم، وذكر بيت "ريمان". و"ريمان" هم من القبائل التي ذكرت في عدد من الكتابات.
وقد جاء اسم "الشرح يحضب" وحده في النصوص: "أحمد فخري:94و 95و 123"، وهي من نصوص هذا العهد: عهد انفراد "الشرح" بالحكم، متلقباً ب "ملك سبأ وذي ريدان".
ويعود النص Jamme 571 إلى هذا العهد كذلك، وهو نص يتوسل فيه صاحبه إلى إلهه بأن يمنّ عليه بالسعادة والعافية، وبأن يبارك في أثماره "اثمرن" وفي حاصل حصاده "افقلم"، وبأن يبعد عنه كل شرّ، ويرد عنه كيد الكائدين، وحسد الشانئين.
وأما النص: Jamme 567 ، فقد كتب في هذا العهد أيضاً. دوّنه رجل اسمه "ابامر اصدق" "أبأمر أصدق" "أب أمر أصدق"، وهو من بني "صريهو معد كرب" "صريهو معد يكرب"، وولداه "برلم" "برل"، و "كربعثت" "كرب عثت"، وذلك عند تقديمهم ثلاثة تماثيل من ذهب إلى الإله "المقه ثهوان"، وذلك لمناسبة نوم "برلم" الذي أصابه وألمّ به، في شهر "عثتر" من سنة "سمهكرب بن ابكرب" "سمهوكرب بن أبكرب" من بني "حذمت" "حذمة"، ولمناسبة الحكم الذي رآه في منامه وتحقق فيما بعد، ولمناسبة شفائه من مرضه. ولكي يديم نعمه عليهم جميعاً، ويعطيهم ذرية طيبة صحيحة، وثماراً كثيرة وحصاداً جيداً وغلة وافرة، ويمن على سيدهم "الشرح يحضب، ملك سبأ وذي ريدان، بن فرعم ينهب ملك سبأ".
والى هذا العهد أيضاً يعود النص: Jamme 572. وقد دوّنه ضابطان كبيران "مقتوي" من ضباط "الشرح يحضب ؛ ملك سبأ وفي ريدان"، لمناسبة تقديمها تمثالاً من رصاص أو نحاس "صرفن" "صراف"، يزن ثلاثمئة "رضف"، تعبيراً عن حمدهما وشكرهما له، لأنه من على سيدهما "الشرح يحضب" بالشفاء والصحة، ونجاه من عاقبة مرضه "بن مرض مرض بهجرن مرب"، بمدينة "مأرب". ولكي ينعم عليه ويزيل عنه كل بأس "باستم" وكل أرق "مقيظم" أصابه، ولكي ينعم عليهما ويسعدهما ويبعد عنهما حسد الحاسدين وأذى الأعداء.
ويتبين من هذا النص أن مرضاً نزل بالملك "الشرح يحضب"، وهو بمأرب وقد أصيب بأرق "مقيظم" وقلق، ولم يذكر النص سبب المرض، ولكن يظهر أنه كان قد أصيب بأعياء وتعب بدني ونفسي، حتى استولى عليه الأرق والاضظراب، ولهذا توسل هذان الضابطان إلى الإله "المقه" بأن يشفي سيدهما مما ألمّ به.
وتعد الكتابات: Jamme 568 و Jamme 569و Jamme 570من نصوص هذا العهد. وصاحب النص الأول رجل اسمه "سعد شمس اسرع" وهو من "جرت" "جرة"، وكان من أقيال عشيرة "ذمرى". وقد قدم هو وابنه "مرثدم يهحمد" مرثد يهحمد، إلى الإله المقه تمثالاً، ليمنّ على سيدهما الملك، وليحفظه من كل سوء، ولكي يبارك فيهما ويزيد نعمه عليهما وعلى أهلهما من "جرت" وعلى قبيلتهما قبيلة "سمهرن" سمهران.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:22 PM
وقد قدّم أصحاب النص: Jamme 569، وهم من عشيرة "مربان" "كربأن"، تمثالاً مؤنثاً "صلمتن"، ويظهر أنه يقصد تمثالاً لامرأة- وذللك ليحظوا برضى ملكهم "الشرح يحضب". وأما النص: Jamme 570 فقد دوّنه رجل، سقط اسمه الأول من النص، وبقي نعته فقط، وهو "ركبن"، أي "ركبان"، وقد قال عن نفسه: "عبد ملكن"، أي عبد الملك، يقصد خادم الملك، ذلك لأنه تمهل في عمله، فلم يجمع غلة اليوم الثامن من المزرعة، فكفّر عن تمهله هذا وتجاهله أمر الإله "المقه" الذي كان عليه أن يقوم بخدمته وبأن يحضر موضع أداء الشعاثر له، وذلك بتقديمه ذلك التمثال وبأن يقوم بجني غلة المزرعة على نحو ما يرام. ويلاحظ أنه استعمل جملة: "ولشرح يدهو ولسنهو"، أي: "وليشرح يده ولسانه"، ويقصد بها التوسل إلى الإله "المقه" بأن يبسط يد الملك ولسانه، أي يبارك في يده ولسانه، كما نقول: يشرح الله قلبه، فهي من التعابر المستعملة عند العرب الجنوبيين في ذلك العهد.
ولم يذكر اسم "يأزل بين" في النصين:rep. Epig. 3990 و Rep. Epig 4150 وصاحب النص الأول هو "يجعر بن سخيم" وكان قيلاً "أقول" على عشيرة "سمعي" المؤلفة لثلث "ذي حجرم". وقد قدم إلى الإله "تألب ريام" "بعل كبدم" خمسة تماثيل لينعم ويبارك على سيده "الشرح يحضب"، ملك سبأ وذي ريدان، وعلى ابنه "وترم" "وتر". وليبارك فيه وفي بيته "بيتو" "ريمان".
والنص: Rep.epig 4150 صاحباه لشقيقان، "شرح عثت أريم" وشقيقه "رثد ثون" تمثالاً إلى الإله "عثتر ذ ذبن" "عثتر ذو ذبان"، "بعل بحر حطبم" حامدين "حمدم" له وشاكرين، اذ منَّ عليهما، وأوفى لهما ما طلبا وسألا، وكان ذلك في أيام "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان وابنه وتر".
ويلاحظ إن النصين لم يذكرا بعد "وترم" لقبه، ولم يكتبا جملة "ملك سبأ وذي ريدان". ويظهر انهما كتبا في أيام انفراد "الشرح يحضب" بالحكم. وتولى ابنه "وتر" ادارة الأمور، لمساعدة أبيه فقط، ولم يكن قد منحه أبوه يومئذ حق التلقب بألقاب الملوك.
لقد بلغننا الآن نهاية أيام حكم "الشرح يحضب" لقد رايناه محارباً مقاتلاً حارب الحبش، وحارب حمير، وحارب حضرموت، وحارب قبائل أخرى. لا يكاد يعود إلى احدى عاصتيه "مأرب" أو صنعاء ليستقر في قصريه ومقري حكمه: قصر "سلحان" أو "غمدان" وليستريح بعض الوقت، حتى تشتعل ثورة هنا أو هناك تدفعه إلى ترك راحته والاسراع نحوها للقضاء عليها واخمادها حتى لا يمتد لهيبها إلى مكان آخر. لقد أجهدته هذه الحروب وتلك الفتن، فأتعبت جسمه ونهكت أعصابه، حتى أصيب مرارأَ بأمراض وطغى عليه الأرق، وهذا ما حمل المقربين إليه على التوسل إلى آلهتهم، لتمنَّ عليه بالشفاء وبنوم هادىء مريح، ولتمنحه الراحة والاستقرار، وتبعد عنه الأتعاب وشر الأعداء الأشرار وحسد الحاسدين، دلالة على كثرتهم وتعبيراً عن تلك الفتن المتتالية التي كانت في تلك الأيام.
وقد كلفت هذه الحروب وتلك الثورات العربية الجنوبية أثماناً باهظة، وأنزلت بها خسائر فادحة في الأرواح والأموال، واحلت بكثير من مواضعها الدمار والخراب، ونغصت عيش أهلها. فجعلتهم في حالة نفسية قلقة مضطربة، بدليل ما نجده من توسلات ترتفع إلى الالهة تدعوها بأن تمن على عبيدها بنعمة الطمأنينة والهدوء والاستقرار، كما نشرت فيها الأوبئة والأمراض التي كانت تفتك بالناس بالجملة فتكاً، وأحلت الهلاك بالمزارع والحقول،
وبالمدن فردمت آبار، عاشت عليها الزراعة والقرى والمدن، واقتلعت الأشجار، وأتلفت الحقول والمزارع، وأوذيت مجاري المياه التي تسقيها، وخربت مدن، وأعمل في أهلها السيف، أو سيقوا أسرى، ووضع على هذا النحو لا بد أن يخلق تعاسة وبؤساً، ويوثر في الوضع العام بجملته تاثراً سيئاً، يصير ارثاً ينتقل إلى الطبيعة الجديدة.
وقد لاحظ "ريكمنس" J.Ryckmans إن هذا الاقتتال وهذا النظام الاقطاعي يصادف زمن حلول الخيل محل الجمل في القتال في أواسط جزيرة العرب وجنوبيّها، كما لاحظ W.Dostal.أن جويش العربية الجنوبية استعملت سروجاً جيدة لدوابها التي تحارب عليها، وأن قبائل أواسط جزيرة العرب، حسنت من أنظمتها وكفايتها في القتال مما أكسبها قدرة في الغزو بسرعة والانتقال من مكان إلى مكان في مدة قصيرة، فأكسبها شاًناً عسكرياً وسياسياً. فأثر كل ذلك في السياسة العامة المجزيرة، إذ لم تبق القوى العسكرية محصورة في مناطق الزراعة في هضاب جنوب جزيرة العرب، وانما انتقلت إلى بقية أنحاء جزيرة العرب، إلى مواضع الآبار والرياض والعيون حيث تركزت الزراعة كما حدث في يثرب وفي الطائف وفي أماكن زراعية أخرى، أو إلى مواضع تقع على طرق قوافل مثل مكة، أهلتها لأن تختص بالتجارة، وان تنال مكانة بها.
لقد وضع "جامه" حكم "الشرح يحضب" مع أخيه "يأزل بين"، اذ كانا يحكمان حكماً مشتركاً في حوالي السنة الخمسين قبل الميلاد، وجعل نهاية هذا الحتم المزدوج حوالي السنة الثلاثين قبل الميلاد، حيث حكم "الشرح" حكماً منفرداً لا يشاركه فيه أحد. وقد دام هذا العهد إلى حوالي السنة العشرين قبل الميلاد أوبعدها بقليل.
واذا جارينا رأي "جامه" المتقدم، ورأي الباحثين الذين ذهبوا إلى أن حكم "الشرح يحضب" كان في النصف الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، وفي الربع الأخير منه، جاز لنا القول بأن "إلساروس" Ilasaros، الذي ذكره "سترابون" على انه ملك السبئيين في أيامه، وكانت في عهده حملة "اوليوس غالوس" هو هذا الملك "الشرح يحضب". ولكن جمهرة أخرى من الباحثين والمتخصصين في العربيات الجنوبية ترجع أيام "الشرح" إلى ما قبل ذلك، فقد جعل "فلبي" مثلاً حكمه فيما بين السنة "125" والسنة "105" قبل الميلاد.
هذا، ويلاحظ إن بعض الكتابات التي اغفلت "يأزل"، ذكرت ابن "الشرح" بعد أبيه، ودعت له ولأبيه بالعافية ودوام البركة والنعمة، الا إنها لم تنعته بنعت، مما يدل على انه لم يكن يحمل لقب "ملك سبأ وذي ريدان" آنذاك.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:23 PM
وقد اختلف افى الباحثون في ضبط اسم الشخص الذي ولي الحكم بعد "الشرح يحضب"، فقد وضع "فلبي" اسم "يأزل بين" بعد "الشرح يحضب"، دلالة على انه هو الذي حكم بعده، ثم وضع "نشأكرب يهأمن يهرحب" من بعده، وهو ابن "الشرح يحضب"، ومعناه انه هو الذي حكم بعد وفاة عمه. اذ إن "يأزل بين" هو شقيق "الشرح يحضب" كما رأينا.
ووضع "فلبي" اسم "وتر يهأمن" بعد "نشأكرب يهأمن يهرجب"، وهو كذلك أحد أبناء "الشرح يحضب". ويرى بعض الباحثين أن "وتراً" اتخذ لقب "يهأمن" بعد اعتلائه العرش، وكان قبل ذلك يعرف ب "وتر". وقد ورد اسمه في عدد من الكتابات.
أما "ريكمنس"، فقد دوّن اسم "يأزل بين" بعد "الشرح يحضب" وقد جعله شريكاً له في الحكم، ومعاصراً ل "حيو عثتر يضع"، وهو ابن "شعر أوتر" والمالك من بعده، وآخر من حكم من أسرة "علهان نهفان" "علهن نهفن". ثم جعل الحكم في "نشأكرب يهأمن" ابن "الشرح يحضب". وذكر معه اسم "وتر" غير انه لم يذكر انه ولي الحكم، كما انه لم يذكر أي شيء آخر عنه. ثم ترك فراغاً، ذكر بعده اسم "ذمر على بين".
وأما "جامه"، فقد نصب "وتر يهأمن" ملكاً من بعد "الشرح يحضب" الذي هو أبوه، وجعل حكمه ملكاً في حوالي السنة "5" قبل الميلاد، حتى السنة "10" بعد الميلاد.
و "وتر يهأمن"، هو "وتر" تحدثت عنه، وقلت إن اسمه قد ورد في النصين Erp. Epig. 3990 وrep. Epig 4150 اللذين ورد اسمه فيها غير مقرون يلقب، ولا جملة "ملك سبأ وذي ريدان". أما في النصوص الأخرى، فقد ذكر فيها لقبه، وهو "يهأمن"، وذكر بعده شعار حكمه ملكاً، وهو "ملك سبأ وذي ريدان".
ويرى "ميتوخ" و "موردتمن" إن من المحتمل أن يكون "وتر يهأمن" المذكور في النصين: Cih 10 و Cih 258، هو "وتر يهأمن" هذا الذي نبحث عنه. وقد ذكرت بعد "وتر يهأمن" في النص Cih 10 جملة "ملك سبأ". ويرى "ميتوخ" و "موردتمن" أيضاً إن ابن "الشرح" كان يعرف ب "وترم" "وتر" وذلك قبل اعتلائه العرش. فلما أصبح ملكاً، عرف ب "وتر يهأمن"، أي باتخاذ لقب "يهأمن" لقباً رسمياً له
ويتحدث النص: Jamme 601 عن معارك وقعت في أرض "*********ن جددن" "*********ان جددان"، تولى ادارتها وقيادتها "الرم يجعر" "الريام يجعر" "الرام يجعر" "الريم يجعر"، وهو من عشيرة "سخيمم" "سخيم"، وكان قيلاً "قول" على عشيرة "سمعي"، التي تكوّن ثلث قبيلة "ححجرم". وهو صاحب النص، والآمر بتدوينه. وقد ذكر فيه: إن سيده الملك "وترم يهأمن" "ملك سبأ وذي ريدان ابن الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان" أمره بأن يسير إلى عشائر "*********ان" "*********ن"، ويؤدبها لأنها عصت الملك، وشجعت قبائل أخرى على العصيان، فانضمت إليها. وقد استطاع هذا القائد كما يذكر في نصه أن يقهر الثائرين ويحطم مقاومتهم، ثم عاد بعد ذلك بغنائم كثيرة، سرت الملك فشكر الإلهَ "المقه ثهوان" "بعل أوام" الذي وفقه ونصره، فقدم إليه تمثالين له، تعبيراً عن شكره، وعن مننه عليه، اذ نصره في معركتين مع قبائل *********ان ومن انضم البها، اللتين قهر فيها أولئك الثائرين، ولكي يزيد من نعمه عليه، ويبارك في ملكه وفيه وفي أهله ويعطيه بركة في زرعه وقوة في جسمه. ويبعد عنه اذى الأعداء.
والنص: Jamme 602 هو في معنى النص الأول وفي مضونه، وصاحبه هو "الرم يجعر" نفسه. وأما النص: Jamme 603، فقد أمر بتدوينه "فعرم بن مقرم" "فرع بن مقر" "الفارع بن مقر"، وأولاده، وهو من عشيرة "عقبان" "عقبن"، وذلك لمناسبة انشائهم "سقه"، أي "سقاية" صهريجاً و "مزوداً" وصرحاً في "ذ عقبن" "ذي عقبان". وتيمناً بهذه المناسبة قدّموا إلى الإلَه المقه تمثالاً حمداً له وشكراً على أنعنه عليهم، وكان ذلك في أيام: "وتر يهأمن ملك سبأ وذي ريدان".
وشكر "وهبم اصدق" "وهب اصدق" "وهاب أصدق"، الإلَه "المقه" على نعمه التي أنعمها عليه. وتعبيراً عن حمده وشكره له، قدّم إلى معبده "أوّام" ثلاثة أصنام "تماثييل"، وذلك في أيام "وتر يهأمن، ملك سبأ وذي ريدان"، ابن "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان". وقد سجل شكره هذا في نص، وسمه الباحثون بJamme 604. ومما يلفت النظر فبه ورود جملة: "وبشمس ملكن تنف"،أي: وبشمس الملك تنف، ويقصد بها وبشمس إلهة الملك: ونعتها تنف.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:26 PM
والنصوص الثلاثة الأخرى، هي في أمور شخصية، لا صلة لها بالسياسة وبالحرب وببقية النواحي من الحياة العامة، كل ما فيها توسلات وتضرعات إلى الآلهة بأن تمنَّ على أصحابها بالخيرات وبالبركات وبالسعادة وبأولاد ذكور "أولدم اذكرم"، وما شاكل ذلك. ولذلك لا أجد فائدة في الكلام على مضونها في هذا المكان.
وقد وضع "جامه" اسم "نشأكرب يهأمن يهرحب" بعد اسم "وتر يهأمن" في الحكم. و"نشأكرب" هذا هو أحد أبناء "الشرح" أيضاً، فهو شقيق "وتر يهأمن".
وقد حصل الباحثون على عدد من الكتابات من أيام حكم "نشأكرب"، من جملتها الكتابة: Jamme 619، وصاحبها رجل اسمه "رب ايل اشوع" "ربئيل أشوع"، وانه "ددال" "دودايل" "دادايل" "داديل" من عشيرة "حلحلم" "حلحل" "حلاحل". وقد كان "رب ايل أشوع" عاقب "عقبت" الملك على مدينة "نشقم" أي "نشق". ويراد ب "عقبت" "عاقب"، درجة نائب الملك، أو ممثله الذي يمثله ويدير مكاناً مام وقد دوّن كتابته عند شفائه من مرض ألمَّ به وهو في مدينة "نشق"، ومن اضطراب وقع له في معدته، ومن سقوط بعيره بعثرة عثرها، فسقط "رب ايل أشوع" من ظهره على ما يبدو من النص، ولكي يحظى برضى سيده "نشأكرب يهأمن يهرحب، ملك سبأ وذي ريدان ابن الشرح يحضب، ملك سبأ وذي ريدان".
وسجل "رب ايل" وأخواه "يزد" "يزيد" و "هوف ال" "هوف ايل" "هوفئيل" ،هم من "ال ذخرم" "آل ذخر" شكرهم وحمدهم للإلهَ "المقه ثهوان" "بعل أوام"، لأنه نجاهم مما ألمّ بهم من أمراض، وخفف عنهم كل شين نزل بهم "تشينت هشين"، ومن كل مصيبة ألمت بهم فنهكتهم، سجلوه على لوح وضعوه في معبد ذلك الإلَه، كما أهدوا إليه صنماً، أي تمثالاً، تعبيراً عن شكرهم وحمدهم له، وكان ذلك في عهد هذا الملك الذي نتحدث عنه.
وج.اء اسم "نشأكرب" في النص: Rep. Epig. 3563، وقد نعت فيه ب "ايمن يهرحب" بدلاّ من "يهأمن يهرحب". وفي النص: Rep.epig 4191 قد سقط اسم أصحابه فيه، وكانوا أقيالاً "اقول" على قبيلة سقط اسمها فيه أيضاً، وقد عبروا عن أنفسهم ب "ادم نشأكرب"، أي "عببد نشأكرم"، على سببل الأدب والتعظيم للملك. وقد ذكروا فيه أنهم أهدوا اللإلهَ "المقة بعل اوعلن"، أي المقه رب "أوعلان"، صنماً "صلمن" مصنوعاً من صريرف "صرفن" أي فضة أو رصاص أو نحاس، بحسب تعريب الباحثين لكملة "صرف" "صرفان"، وصنماً آخر من ذهب، لأنه منَّ عليهم وأجاب كل ما سألوه.
وقد سجل الملك "نشأكرب يهأمن يهرحب" نصين آخرين، أحدهما النص:Jamme 611، والآخر النص Jamme 611. دوّن في النص الأول أنه أهدى لمعبد "المقه ثهوان"، وهو معبده المسمى "اوام" "بعل اوم"، صنمين، أي تمثالين من ذهب، لأنه أجاب دعواته "واستوفين كل دعت" ووفى له كل ما طلبه منه، وأعطاه "برق الخريف"، "ببرق خرف" أي الأمطار التي تتساقط في موسم الخريف، فتحيي الأرض وتغيث الزرع، وذلك في سنة "نشأكرب من معد يكرب" من "فضحم" "فضح الثاني"، ولأنه حفظه من البرد "بردم"، وربما قصد به مرض "البرداء"، أي "الملاريا" التي تجعل المريض وكأنه يرتجف من البرد. أو ربما قصد به نزلة أصابته، ومن "اربيم" وقد ترجمها "جامه" ب "جراد"، ومن سحب الهوام والحشرات التي ظهرت في هذا الموسم، بمناسبة حدوث هذا البرق، "بهيت برقن". و"كي يزيد في نعمه عليه ويباركها، ويحفظه ويحفظ ملكه "ملكهمو" ويحفظ جيشه "خمسهمو" "خميسه"، ولكي يثبر "لثبر" ويحط "وضع" من شأن كل شانىء وحاسد وعدو له.
وأما النص: Jamme 611، فيذكر فيه "نشأكرب يهأمن يهرحب"، انه قدّم صنماً، "صلمن"
إلى معبد الإلَه "المة"، وهو معبد "اوم" "أوام"، حمداً لذاته، لأنه أعطاه كل ما أراده وطلبه منه، ووفاه له، قدمه في شهر "هوبس وعثتر" من سنة "نشأكرب بن معد يكرب" من "حذمت" حذمة الثالث "ثلثن". ولكي يديم نعمه عليه، ويمنحه القوة والحول، ويبارك في ملكه "ملكهمو"، ويعز جيشه، ويقهر أعداءه.
ولدينا نص آخر من النصوص التي أمر "نشأكرب" بتدوينها، هو النص الذي وسم بJamme 877، يخبر فيه انه أهدى لمعبد الإلَه "المقه ثهوان"، وهو معبد "بعل أوام"، صنماً "صلمن"، لأنه من عليه، وأوحى إليه في قلبه بأن يقدمه إليه، ولأنه أجاب كل ما سأله وطلبه منه. وقد أهداه له في شهر "هوبس" من سنة "سمه كرب" "سمهكرب بن ابكرب" من "حذمت" حذمة الثالث "ثلثن". ولكي يديم نعمه عليه، وييارك فيه، ويبعد عنه أذى الأشرار والأعداء، وذلك بحق "المقه ثهوان" "بعل مسكت" و "يثو برن" "يثو برءآن".
وورد اسم هذا الملك في نص آخر وسم ب Jamme 621 وصاحبه من عشيرة "عبلم" "عبال" "عبل" "عبيل"، من بني "ااذنن" "أأذنان" "أأذن". وقد دوّنه تعبيراً عن حمده لذات إلهه "المقه" الذي وفى له كل مطلب طلبه منه، وذلك في عهد "نشأكرب"، كما ورد اسمه في النص Jamme 622 وصاحبه "ابكرب اصحح" "أبو كرب أصحح": وولداه "يحمد يزن" "يحمد يزان" "يحمد يزأن" "يحمد يزءان"، و "أحمد يزد" "أحمد يزيد"، وهم من "آ ل جرت" "جرة" ومن "آل انبر" "أنبر" "ال انبر" وقد دوّنا فيه حمدهما وشكرهما للإله "المقه"، الذي أغناهم وأنعم عليهم بغنائم حرب أرضتهم، ولمي يمن عليهم بتنفذ أي أمر يكلفهم الملك "نشأكرب" اياه، ولكي يبارك في زرعهم وفي حاصلهم الشتوي وحاصل الخريف وحاصل الصيف، ولكي يمنحهم البركة في أرضهم ويوفر لهم الماء لإسقاء زرعهم: ويبعد عنهم كل بأس "بن باستم" ويبعد الأرق عنهم، وكل مكروه وكل أذى وحسد الشانئين البعيدين والقريبين. ويلاحظ ورود اسم "أحمد" و "يحمد" في هذا النص
ويتحدث النص Jamme 612 عن حملة قام بها "احمد يغنم" "أحمد يغنم"، وهو ابن "نشاى" "نشأى"، وكان من كبار ضباط "مقتوى" الملك "نشأكرب"، بأنه أهدى لمعبد "بعل اوام"، المخحص بعبادة الإلَه "المقه" صنماً من ذهب، لأنه منَّ عليه وافاض عليه بنعمه، وأيده في الحملة التي قادها مع أقيال "اقولن" وجيش الملك إلى أرض حضرموت، ولأنه أعاده سالماً بريئأ "اتو ببريتم" معافى بعد أن قتل رجلين، ولكي يزيد في نعمه عليه وتوفيقه له، وليبعد عنه أذى الشانئين.
والنص المذكور نص موجز، لم يذكر أسماء المواضع التي حارب فيها جيش "سبأ وذي ريدان" في حضرموت، ولا الأسباب التي أدت إلى ارساله إلى هناك. ويظهر من ايجازه هذا ومن عدم إشارته إلى عودته بغنائم وأسرى وأموال، إن الحملة المذكورة لم تكن حملة كبيرة. وإلا قادها الملك نفسه، فقد كان من عادة الملوك عندهم ترؤس الحملات الكبيرة، وادارة الحروب بأنفسهم اذا كانت كبيرة، ولو رئاسة شكلية أو رمزية. وعدم إشارة هذا النص إلى وجود الملك مع رجال الحملة، يشير كما قلت إلى صغر حجمها، والى أن الغاية التي ارسلت من أجلها لم تكن ذات خطر، وقد تكون لمجرد تأديب قبائل من حضرموت تحرشت بسبأ أو عصت أمر ملك حضرموت. فأرسلها الملك "نشأكرب" لتأديب تلك القبائل الثاثرة.
ونقرأ في النص: Jamme 616 خبر معارك اشترك فيها أصحاب النص، وهم من بني "سخيم" سادات "بيت ريمان". وكانوا أقيالاً "اقول" على عشيرة "يرسم" من عشيرة "سمعي" التي تؤلف ثلث قبيلة "هجرم" "هجر"، كما كانوا من كبار ضباط الملك "نشأكرب"، أي من درجة "مقتوى". وقد نشبت تلك المعارك من امتناع عدد من القبائل عن دفع ما استحق عليها من في ضرائب، مما حمل الملك على ارسال حملة عسكرية إليها، تمكنت من تأديبها واخضاعها، فاضطرت عشاثر "*********ان جددم" "*********ان جدد" إلى ارسال ساداتها وأشرافها إلى مدينة صنعاء "صنعو" لمقابلة الملك وعرض طاعتهم عليه وخضوعهم له. وقد رضي المللك عنهم، وأدّوا ما استحق عليهم من إتاوة، وبذللك نجحت هذه الحملة. وسر أصحاب النص- وهم قادتها- بهذا النصر.
وتحدث النص بعد ذلك عن عصيان قبيلة "دوات" "دوأت ا وعشاثرها، وهي "اباس" "أبأس" و "ايدعن" "ايدعان"، و "حكمم" "حكم" و "حدلنت" و "غمدم" "غمد" و "كهلم" "كاهل" و "اهلنى" "أهلاني"، و "جدلت" "جدلة" و "سبسم" "سبس"، و "حرمم" "حرم" "حرام" و "حجرلمد"
و "أومم" "أوم" و "رضحتن" "رضحتان" من "حرت" "حرة". وقد ثارت كل هذه العشائر، وعصت الملك، وامتنعت من دفع الضرائب، فاضطر الملك إلى إرسال قوة عسكرية عليها، التقت بها في أسفل الأودية "بسفل اوديتن": "بارن" "بئران" "بأرن" "بأران" و "خلب" و "تدحن" "تدحان"، فانتصرت عليها، أي على العشائر الثائرة، واخذت منها غنائم كثيرة وأسرى.
وعثر على كتابات أخرى، ورد فيها اسمه ثم اسم "يأزل بين" من بعده، وذلك على هذا النحو: "نشأكرب يهأمن يهرحب، ملك سبأ وذي ريدان ابن الشرح يحضب، ويأزل بين، ملكي سبأ وذي ريدان". وقد أوجد ورود هذا الاسم-وذلك كما ذكرت سابقاً- للباحثين الذين قالوا بوفاة "يأزل بين" في أيام حياة "الشرح" مشكلة، خلاصتها: انه اذا كان "يأزل بين" قد توفي في أيام شقيقه، فلمَ ذكر اسمه في هذا النص وفي نصوص أخرى مثله? أفلا يدل ورود اسمه في النص على انه لم يمت في ذلك العهد ولكن بقي حياً، وعاد فحكم مع ابن أخبه "نشأكرب"، بعد ترضيته أو لأسباب أخرى لا نعرفها، فعاد اسمه، فظهر مرة أخرى في الكتابات?
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:28 PM
أما الذين أبقوا "يأزل بين" حياً ولم ُيميتوه ، فانهم يعتمدون على هذه النصوص في دعواهم ببقائه على قيد الحياة، وبمشاركته ابن أخيه في الحكم، وأما غيرهم، فقد تعمدوا إلى حجج وأعذار في تفسير ما ورد في النصوص، في جملتها إن ذكر اسمه لا يدل على بقائه حياً حتى ذلك الزمن، وان ذكره في الكتابات معناه الإشارة إلى عم الملك، وقد كان ملكاً، وأن "نشأكرب" إنما ذكره ليبين للناس أنه سيسير على سنة أبيه وعمه في مقاومة اعدائه بتجريد الحملات عليهم ومحاربتهم، وأنه سيخالف بذلك سياسة شقيقه "وترم يهأمن" الذي سلك خطة التهدئة وحل المشكلات بطريقة المفاوضات والسلم. ودليلهم على ذلك، ورود جملة نصوص من أيامه، فيها أخبار حروب وقتال، على حين لا نجد من أخبار القتال في أيام شقيقه غير خبر واحد ورد في نص واحد، هو النص: Jamme 601 الذي مر ذكره. ولكن، هل نحن على علم يقين بأننا لن نعثر في المستقبل على نص ما من أيام "وترم يهأمن"، فيه نبأ عن حرب أو حروب? ثم من يدر بنا أنه كان مسالماً? أفلا يجوز أن يكون قصر حكمه، هو الذي حال بينه وبين خوض المعارك? ثم ما الدليل على أن ذكر اسم "يأزل بين" في نصوص آيام "نشأكرب"، معناه اتباع سياسته وسياسة شقيقه في الحرب? وليس في النصوص أية اشارة ولا أي تلميح يدفعنا إلى التفكير في هذا التفسير أو التأويل.
ومن الكتابات التي دوّن فيها اسم "يأزل بين" بعد اسم "نشأكرب"، الكتابه Jamme 608. وصاحبها هو الملك "نشأكرب يأمن يهرحب" نفسه. وقد دوّنها حمداً للإلَه "المقه ثهوان" "بعل اوام" وشكراً له على نعمه وإفضاله، وذكر أنه قدم في هذه المناسبة صنماً أي تمثالاً من صريف "صرفن" فضة أو رصاص أو نحاس زنته ألف "رضى" "رضيم"، ليكون تعبيراً عن شكره، وتقربه إليه.
وتعد الكتابة: REP. EPIG 4233 من كتابات هذا العهد، وصاحبها رجل اسمه "يصبح" وقد سقط اسم أبيه من النص. وقد ذكر فيها أنه قدم خمسة تماثيل إلى الإلَه "المقه ثهوان"، لأنه منَّ على عبده "يصبح" فأفاض عليه بنعمه، وأجزل له العطاء: ومنحه رضى سيده الملك، ولكي يديم نعمه هذه عليه، ويبعد عنه كل أذى وشر، بحق الإله: المقه.
والى هذا العهد أيضاً تجب إضافة النص: Jamme 611، الذي سبق أن تحدثت عنه في أثناء كلامي على الكتابات التي امر الملك "نشأكرب" بتدوينها باسمه، إذ ذكر فيها اسم عمه "يأزل بين".
لقد انتهيت الآن من كلامي على "آل فرعم ينهب"، ووجب عليَّ، التحدث عن أسرة جديدة حكمت "سبأ وذا ريدان"، هي أسرة يبدأ حكمها بحكم "ذمر على بين". ولكنني أرى التحدث عن أسرتين كان لهما شأن في هذا الزمن: اسرة "وهب اوم يضف" "وها أوم ياضف"، وأسرة "سعد شمسم أسرع" "سعد شمس أسرع".
وقد ورد اسم "وهب اوم يضف" "وهب أوم يأضف" "وهب اوام يضف" في عدد من الكتابات، وذكر مع اسمه اسم شقيق له يعرف ب "يدم يدرم". وقد عاصرا الملك "الشرح يحضب"، كما عاصرا "نشأكرب يهأمن يهرحب". وقد عرفنا من الكتابات أسماء عدد من أولاد "وهب أوم يأضف" "وهب اوم يضف" هم: "حمعثت أزأد" "حمعثت ازاد"، و "ابكرب اسعد" "أبو كرب أسعد" و "سخيمم يزان" "سخيم يزأن" و "وهب اوم يسبر" "وهب أوم يسبر"، و "نشأكرب يدرم" "نشأكرب يدرم".
ويظهر من النص: Jamme 616إن "وهب أوم" وأخاه، كانا من عشيرة "سخيم"، وكانا "ابعلا" على بيت ريمان "ابعل بيتن ريمن" أي أصحاب "بيت ريمان"، وكانوا أقيالاء على عشيرة "يرسم" من قبيلة "سمعي" التي تكوّن ثلث "ذي هجرم". فيظهر منه ومن النصJamme718 انهما من عشيرة "سخيمم"، أي سخيم.
وقد كانت أسرة "وهب أوم" وأولاده، وشقيقه "يدم" تستغل أرضين حكومية تابعة للملك، أجرها لها الملك "الشرح يحضب" وفق أمر ملكي أصدره باسمه، وأعلنه، عثر عليه الباحثون، فوسموه بREP. EPIG. 4646. وقد ذكر في النص اسمي ولدين من أولاد "وهب أوم"، هما: "حمعثت"، و "اكرب"، كما أشر إلى عشرة "يرسم" و "سخيم". وهو من النصوص المهمة التي تتعلق بالزراعة وباستغلال الأرضين في ذلك الزمن.
وأما أسرة "سعد شمسم اسرع" "سعد شمس أسرع، فان أهميتها تزيد على أهمية الأسرة المتقدمة، إذ كانت لاسمها صلة بالملك "الشرح يحضب"، كما جاء في النصوص:Jamme 626 و Jamme 627 و Jamme 628 و Jamme 629 و Jamme 630. فقد نسب "سعد شمس أسرع" وابنه "مرثد يهحمد" في النصوص المذكورة إلى "الشرح يحضب"، فذكر أنهما "ابنا" الملك، ولقبا فيها ب "ملكي سبا وذ ايدن"
أي ملكي سبأ وذي ريدان"، مما يدل على أنهما كانا ملكين.
وصاحب النص: Jamme 626 رجل اسمه "ينعم اذرح" "ينعم أذرح"، وقد دوّن مع اسمه اسم ولديه: "ابكرب" "أبكرب" "أبوكرب" و "كبرم" "كبر"، وهم من "غيمان". واشترك معهم في تدوينه رجل آخر اسمه: "ناسم" "نأسم" "نأسن"، وكانوا أقيالاّ على قبيلة "غيمان". وقد ذكروا أنهم أهدوا صنماً إلى الإلَه "المقه ثهوان" "بعل أوام" كما أوحي إليهم، حمداً له وشكراً، إذ منَّ عليهم، ومنحم السعادة والعافية، وجعل "سيداهم: سعد شمس أسرع وابنه مرثد يهحمد، وهما ملكا سبأ وذي ريدان وابنا الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان" يرضيان عنهم، ولكي يديم الإله المقه نعمه عليهم، وذلك بحق عثتر وهوبس والمقه وذات حميم وذات بعدان وبشمس الآهة الملك الملقبة ب "تنف" "تنوف" وبحق لمجدهم "وبشمهمو" "حجرم قحمم" "حجر قحم" "حجر قحام"، بعل القلعتين "عرنهن": "تنع" و "لمس".
وأما أصحاب النص: Jamme 627، فهم: "هو فعثت يزان" "هو فعثت يزأن" و "إلى كبسيم" "آل كبسي"، وهم أقيال "اقول" عشيرتي "تنعمم" "تنعم" و "تنعمت" "تنعمة".
وقد ذكروا فيه انهم أهدوا لمجد "أوام"، وهو معبد "المقه"، صنماً "صلما" لأنه أوحى إليهم انه سيجيب مطالبهم، وبوفي لهم كل ما سألوه من دعوات، فينزل عليهم الغيث، ويمطرهم بوابل الخير والبركات، ويسقي جانبي وادي "يعد" "يعود" و "اتب" "أتب" وأرضاً من أرض "تنعمم" "تنعم"، ولأنه أنبأهم بأنه سيملأ "ماخذ همو"، أي سد "يفد" وأرض يفد بأمطار الربيع وبأمطار الخريف، وبماء جار دائم، وبأنه سيرفع حظوتهم عند "سعد شمس أسرع وعند ابنه مرثد يهحمد ملكا سبأ وذي ريدان، ابني الشرح يحضب، ملك سبأ وذي ريدان" ويقربهم إليهما تقرباً يرضيهم، ولأنه وعدهم بأنه سيمنحهم السعادة والمال والطمأنينة، وانه سيسرّ خواطرهم، ويمنحهم غلة وافرة وأثماراً غزيرة وحصاداً طيباً، وذلك بحق الآلهة: "عثتر" و "هوبس" و "المقه" و "بذات حميم" و "بذات بعدان" وبحق "شمس ملكن تنف"، أي: بحق الشمس إلهة الملك الملقبة ب "تنف"، وبحق "المقه" "بعل شوحط"، وبحق "شمسهمو بعلت قيف رشم"، أي: "الشمس" ربة "قيف رشم" "قيف رشام"، وقد جعلوا نذرهم تقدمة للإلَه "عثتر شرقن" "عثتر الشارق" و "المقه بعل أوام".
وأما النص Jamme 628، فهو النص المتقدم نفسه، فلا حاجة بنا إلى الكلام عليه. وأما النص: Jamme 630، فانه كالنصوص السابقة: حمد وشكر للإله "المقه ثهوان" "بعل أوام"، لأنه منّ على "لحيعثت اصححل" وهو من "يهعن" "يهعان"، بكل ما سأله وطلبه منه، وأمطره بشآبيب نعمه وافضاله، وبوابل من فضله، ورفع منزلته وأعطاه الخطوة عند "سعد شمس اسرع"، وعند ابنه "مرثد يهحمد"، ملكي سبأ وذي ريدان، ابني الشرح يحضب، ملك سبأ وفي ريدان. ولكي يديم نعمه عليه، ويتمها عليه وعلى بيته، ويعطيه أثماراً وحصاداً جيداً كثيراً من كل أرضه "بن كل أرضتهمو"، وبقية من كل الأمراض والآفات.. في "عثتر" و "هوبس" و "المقه" و "بذات حميم" و "بذات بعدان" وفي "شمس ملكن تنف" شمس إلهة الملك تنف.
والنص Jamme 629، هو من أهم النصوص المذكورة، لورود أخبار ومعارك وحوادث تاًريخية فيه لم ترد في أي نص آخر من النصوص المعروفة عن هذا العهد وعن هذه الأسرة وصاحب النص رجل اسمه "مرثدم" وقد سقط لقبه في النص، وقد دوّن اسم ابنه: "ذرح اشوع" "ذرح أشوع" معه، وهما من "جرفم" "جراف" "جرف" أقيال عشيرة "يهب عيل" "يهبعيل". وقد دوّناه عند تقديمها صنماً إلى الإلَه "المقه ثهوان" "بعل أوام"، حمداً له وشكراً، لأنه وفقهما وأسبغ نعمه عليهما، ولأنه وفق "ذرحن" "ذرحان" في كل المعارك والحروب التي خاضها لمساعدة سيديه "سعد شمس أسرع" وابنه "مرثد يهحمد" "ملكي سبأ وذي ريدان"، ابني "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان".
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:31 PM
وقد حمد "ذرحن" "ذرحان" إلهه وشكره إذ نجاه من المعارك التي حدثت في أرض عشيرة "ردمان" "ردمن"، تلك المعارك التي هاجمها حلف تكوّن من "وهب ايل"، الذي هو من "معاهر" ومن "*********ان" وحضرموت وقتبان وردمان ومضحيم "مضحى" ومن كل من انضم إليهم من ناس "وكل انس" ومن أعراب، وذلك لمغاضبة سيديهما ملكي سبأ ومعارضته ويظهر إن "ذرحان" كان قد حوصر أو وقع في مشكل في أرض ردمان، وربما في "وعلان"، عاصمة "ردمان"، وبقي محاصراً أو في وضع حرج صعب حتى جاءته قوات أنقذته مما وقع فيه، وعاد فالتحق بجيش سيديه الملكين لمحاربة ذلك الحلف.
وقد أسرع الملكان، فعبأا جيشهما ومن كان معها من تبع "ادمهمى" ومحاربين "ذبن اسبعن" وأقيال، واتجها نحو "وعلان"، حيث واجها الأحلاف: واجهما "يدع ايل" ملك حضرموت، ومن معه من أهل حضرموت و "نبطعم" "نبط عم"، ملك قتبان، ومن كان معه من أهل قتبان، و "وهب ايل" من "معاهر" و*********ان و "هصبح" و "مضحيم"، ومن كانوا معهم. وقد جرت معارك انتهت بانتصار "ملكي سبأ وذي ريدان" على رجال الحلف. ولم تذكر الأسطر التي دوّن فيها خبر هذه المعارك أسماء المواضع التي نشب فيها القتال: ولم تأت كذلك بأية تفاصيل عنها ولا عن فداحة الخسائر التي منيت بها قوات ذلك الحلف.
ويظهر إن "ذرحان" كان قد ترأس قوة مؤلفة من مقاتلين من "فيشن" "فيشان" ومن "يهبعيل" "يهب عيل"، وأخذ يهاجم بها بعض الأعداء، الا انه وقع في وضم عسكري حرج، اذ حاصره أعداءه، ولم يتمكن من النجاة بنفسه وبقواته الا بعد اسراع الملكين أنفسهما على رأس قواتهما لفلك الحصار عنه. وقد نجحا في ذلك، وسلم مع قوته من الوقوع في الأسر. ولما خلص ونجا، أخذ يهاجم فلول بعض الأعداء، فنجح في هجومه وحصل على غنائم وأموال. وعاد فانضم إلى جيش الملكين، وعاد الملكان إلى مدينة "مأرب" سالمين غانمين.
ويتحدث "ذرحان" بعد ذلك عن معارك نشبت في منطقة مدينة "حلزوم" ومدينة "مشرقتن" "مشرقتان" "المشرقة". وكان "ذرحان" يحارب مع جيش الملكين في خلال هذه المعارك. وقد حاصر جيش الملكين مدينة "حلزوم" ثم افتتحها وأباحها فأخذ ما وجد فيهما من أموال، ثم هاجم المواضع الأخرى على جاني الأودية والسهول" وتركها للنهب والسلب، ودمرّ المعابد "الحرم" "محرمت" والهياكل "وهيكلت"، وخرب كل المساقي "مسقي" التي تروي الأرضين في هذه المناطق. وبذلك انتهت معارك هذه المنطقة بتفوق الملكين على أعدائه. ويظهر إن الجيش لم يتمكن من افتتاح مدينة "مشرقتن" "المشرقة"، فبقيت صامدة مقاومة، حتى اضطر إلى ترك حصارها والارتحال عنها.
ثم ينتقل النص إلى الحديث عن معارك أخرى أدت إلى احتلال مدينة "منوبم" "منوب"، كل مدن "كل هجرن" ومصانع عشيرة "اوسن" أوسان، والى الاستيلاء على مدينة "شيعن" "شيعان". ولم يذكر شيئاً مفصلاً عن هذه المعارك، ولا عن الأماكن الأخرى التي وقعت فيها، ولا عن الغنائم والأموال التي أخذها الجيش من هذه المواضع. ويرى بعض الباحثين إن مدينة "منوبم"، هي "منوب"، وهي من مدن "بني بدا"، وان وادي "منوب" من الأودية التي تصب في وادي حضرموت في غرب "الحوطة"، التي تقع على مسافة عشرين كيلومتراً من نجوب شرق "شبام". وأما شيعان فتقع على مسافة ثمانين كيلومتراً جنوب "تمنع".
ثم يتحدث النص بعد ذلك عن معارك أخرى اشترك فيها "فرحان" وقائد آخر اسمه "رب شمسم يعر" "ربشمس لي حر" "رب شمس يعر"، وهو من "علفقم" "علفق" "علافق"، وكانا يحاربان في أرض قتبان، وقد وقعا على ما يظهر منه في وضع حرج، وذلك في منطقة مستوطنات حضر "احضر" وأعراب. حتى وصلت أمداد إلى "تمنع". وتمكنا بفضل "المقه" ورحمته بهما ومساعدته لهما من الخلاص والنجاة مما وقعا فيه، ثم عادا مع الملكين، وشقوا طريقهم إلى "مأرب" وعادوا جميعاً سالمين
ويظهر أن "مرثدم" "مرثد" أبا "ذرحان أشوع" كان في مدينة "صنعاء" "صنعو" وذلك بأمر من الملك للقيام بأعمال نيطت به، كما ناط الملكان بخمسة أقيال آخرين القيام بأعمال خاصة بمدينة "رحبتن" "الرحبة" في خلال الحملتين وتقع مدينة "رحبتن" "الرحبة" "الرحابة" "رحبتان" على مسافة عشرين كيلومتراً شمال شرقي مدينة صنعاء.
ويطن أن الملك "نبطعم" "نبط عم" ملك قتبان المذكور في هذا النص، هو الملك "نبطعم يهنعم بن شهر هلال"، الذي حكم فيما بين السنة "20" والسنة "30" بعد الميلاد على رأي "جامه". وقد حكم أبوه "شهر هلال يهقبض" فيما بين السنة "10" والسنة "20" بعد الميلاد، على رأيه أيضاً. و "نبطعم يهنعم" هو أبو الملك "مرثدم" ملك قتبان التي حكم فيما بين السنة "30" والسنة "45" بعد الميلاد.
و "تمنع" المذكورة في هذا النص، هي "تمنع" عاصمة قتبان. ولورود اسمها في هذا النص أهمية كبيرة، لأنه يدل على إنها كانت موجودة في هذا الزمن، وأنها بقت إلى ما بعد الميلاد: أي إلى القرن الأول منه، إذا ذهبنا مذهب "جامه" في التقدير المذكور.
هذا، ونحن لا نعلم في الزمن الحاضر عن الملكين المذكورين شيئاً يذكر. وقد وضع "جامه" حكم "سعد شمسم" وابنه "مرثدم يهحمد" فيما بين السنة "20" والسنة "30" بعلا الميلاد. أي انه جعل حكمهما بعد حكم الملك "نشأكرب يهأمن يهرحب" ابن "الشرح يحضب" الذي انتهى حكمه في حوالي السنة "20" بعد الميلاد على رأيه.
أما "فون وزمن"، فوضع زمان حكم "سد شمس أسرع" في حوالي السنة "110" بعد الميلاد. ووضع زمان حكم "مرثد يهحمد" في حوالي السنة "130" بعد الميلاد. وذكر إن "الشرح يحضب"، هو "الشرح يحضب" الأول الذي جعل ابتداء زمان حكمه سنة "80" للميلاد. وهو من "مرثد" من "بكيل"، والذي كان يحكم "شبام أقين" "شبام أقيان". وقد أشار إلى وجود ملك آخر اسمه "الشرح يحضب" ميزّه عن الأول بإعطائه لقب "الثاني" وقد جعل زمان حكمه سنة "200" أو "206" للميلاد.
وقد يذهب الظن إلى إن الملكين المذكورين هما في الواقع "سعد شمسم أسرع" وابنه "مرثدم يهحمد" اللذين كانا من "جرت" جرة، وكانا قيلين على قبيلة "ذمرى"، كما نُصَّ على ذلك في الكتاباتJamme 568 و Jamme 606 و Jamme 607 و Jamme 653. وكانا في خدمة "الشرح يحضب" وفي خدمة ابنه "وترم"، لأن اسمي الملكين واسمي القيلين أسماء واحدة، ولأن زمانهما وزمان الملكين زمان واحد، الا إن هذا الظن يصطدم بكون القيلين من "جرت" "آل جرة"، وبكون الملكين من نسل "الشرح يحضب"، كما يفهم ذلك من كلمة "بني"، أي ابني بالتثنية الواردة بعد اسمهما ولقبهما وقبل اسم "الشرح"، ولم يكن الملك من أسرة "جرت" "جرة".
وجملة "سعد شمسم اسرع وبنهو مرثدم يهحمد ملكي سبأ وذ ريدن بني الشرح يحضب ملك سبأ وذ ريدن"، ومعناها: "سعد شمس أسرع وابنه مرثد يهحمد ملكا سبأ وذي ريدان، ابنا الشرح يحضب، ملك سبأ وذي ريدان"، الواردة في النص Jamme 629، جملة مثيرة في الواقع تثير التساؤل عن المراد من لفظة "بني" المذكورة فيها، فلو فسرناها بمعنى "ابني" أي ولدي "الشرح" اصطدمنا بحقيقة إن "مرثدم يهحمد"، لم يكن ابناً للملك "الشرح" وإنما كان حفيداً له، والحفيد غير الابن في اللغة وفي التعبير. ولذلك صار هذا التفسير غير منسجم مع واقع الحال.
أما لو فرضنا أن البنوة المقصودة، هي بنوة تبن، أي إن "سعد شمس أسرع" لم يكن ابناً من صلب "الشرح يحضب"، بل كان ابناً بالتبني جوبها بمعضلة أخرى، هي أن "سعد شمس أسرع" لم يكن في عمر يتبنى فيه في العادة، ثم إن ابنه نفسه كان قيلاً أي في عمر لا بد أن يكون قد جاوز فيه سن المراهقة، وهو أولى على كل حال من والده بالتبني بالنسبة إلى سنه. ولو كان التبني له، لما جاز لأبيه أن يسمي نفسه ابناً للملك بالمعنى المفهوم من التبني. لذا ننحن أمام معضلة لا يمكن حلها في الزمن الحاضر، ولا يمكن حلّها إلا بعثور المنقبين على كتابات جديدة تتعلق بهذه الأسرة، وبشخصية "الشرح يحضب" نفسه، فلعل "الشرح" رجل آخر، حكم في غير هذا الزمن.
ويفهم من النص Glaser 1228 أن "سعد شمس أسرع" وابنه "مرثد يهحمد". وقد لقبا أنفسهما بلقب "ملك سبأ وفي ريدان" كانا حليفي الملك "ذمر على يهبر"،وقد حاربا معه الملك "وهب ال يحز"
"وهب ايل يحز"، الذي كان مسيطراً على نجاد قبيلة "سمعي"، وقد انتصر "ذمر على يهبر" وحليفاه فيها، غير أن هذا النص لم يكن حاسماً على ما يظهر.
أسرة فرعم ينهب
1- فرعم ينهب.
2- الشرح يحضب بن فرعم ينهب.
3- يأزل بين بن فرعم بنهب، أي شقيق الشرح يحضب.
4- نشأكرب يأمن يهرحب، "نشأكرب يهأمن يهرحب". وهو ابن الشرح يحضب.
5- وترم يهأمن "وتر يهأمن". وهو ابن الشرح يحضب. ومنهم من يقدم "وتر يهأمن" على أخيه "نشأكرب يهرحب".
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:33 PM
الفَصْل اَلثَامِن وَالعِشرُون
سبأ وذو ريدان
أضفت في الفصل السابق ابر الملكين "سعد شمس أسرع" و "مرثد يهحمد" إلى آخر أسماء الملوك الذين حكموا بعد "الشرح يحضب"، وذلك حكاية على لسان "جامه" وبحسب ترتبه لأولئك الملوك، ولما تراءى له من دراسته لطبيعة الأحجار المكتوبة التي عثر عليها، ومن دراسته أسَاليب وأشكال الحروف وطرق نقشها على تلك الأحجار. أما غيره من الباحثين القدامى في العربيات الجنوبية، فلم يذكروهما لأنهم لم يكونوا قد وقفوا على الكتابات التي أوردت اسميهما، لأنهم لم يكونوا قد عرفوها اذ ذاك، اذ هي من الكتابات التي اكتشفت من عهد غير بعيد.
وقد اختلف الباحثون في تأريخ حكومة سبأ في تثبيت اسم الملك الذي حكم بعد آخر ابن من أبناء الملك "الشرح يحضب"، وتباينت آراؤهم في ذلك. وترك "ريكمنس" فراغاً بعد اسم "نشأكرب يهأمن يهرحب" و "وتر" تم دلالة على انه يرى وجود فجوة في الحكم لا يدري من حكم فيها،
وضع بعدها اسم "ذمر على بين". وقد جعله من المعاصرين للملك "العز" ملك حضرموت. أما "جامه"، فقد وضع كما قلت اسمي الملكين "سعد شمس أسرع" وابنه "مرثد يهحمد"، بعد اسم الملك "نشأكرب يهأمن يهرحب"، ثم دوّن اسم "ذمرء على بين" بعد اسم "مرثد يهحمد"، دلالة على انه هو الذي كان قد حكم بعده. وقد جعل ابتداء حكمه في حوالي السنة الثلاثين بعد الميلاد، وانتهاء حكمه في حوالي السنة الخامسة والأربعين للميلاد.
وأما "فلبي"، فقد وضع اسم "وتر يهأمن" بعد اسم "نشأكرب يهأمن يهرحب"، ثم وضع اسم "ياسر يهصدق" من بعده. وقال باحتمال كون "ياسر" ابناً من أبناء "وتر"، ثم دوّن اسم "ذمر على يهبر" من بعد "ياسر"، وهو ابن "ياسر"، ثم دوّن اسم "ثارن يعب يهنعم" من بعده ثم وضع اسم "ذمر على يهبر" بعد "ثارن" وعبر عنه بالثاني، ليميزه بذلك عن "ذمر على" المتقدم، ثم جعل اسم "ذمر على بين" من بعده، وهو الملك الذي أتحدث عنه الآن، والذي جعله "ريكمنس" و "جامه" على رأس أسرة جديدة حكمت بعد زوال حكم أبناء "الشرح يحضب" على نحو ما ذكرت.
وسأسير في هذا الفصل في ترتيب حكام "سبأ وذي ريدان"، وفقاً للقائمة التي وضعها ورتبها "ريكمنس" مع مراعاة القائمة التي وضعها "جامه" والإشارة إلى القوائم الأخرى حسب الإمكان.
ولا نعرف من أمر "ذمر على بين" شيئاً تذكر. وقد ورد اسمه في نص وسم Cih 373، غير انه لم يلقب فيه بلقب "ملك سباً وذي ريدان"، على حين لقب ابنه به. فحمل هذا بعضهم على التريث في الحكم بأنه كان ملكاً. وقد جعل "جامه" حكمه فيما بين السنة الثلاثين والسنة الخامسة والأربعين بعد الميلاد.
وقد ورد في هذا النص المتقدم، أي النص: Cih 373 اسم ابن من أبناء "ذمر على بين"، هو "كرب ايل وتر يهنعم"، وقد لقب فيه وفي نصوص أخرى ب "ملك سبأ وذي ريدان"، ومدوّن النص: Cih 373 وصاحبه هو الملك "، كرب ايل وتر يهنعم" أمر بتدوينه عند تقديمه نذراً إلى الإلَه "المقه"، ليوفي له وليبارك عليه وعلى قصره "سلحن" "سلحين" "سلحان" وعلى مدينة "مريب" مأرب. وقد ذكر مع اسمه اسم ابن له هو "هلك امر" "هلك أمر".
ووصل إلينا نقد ضرب عليه اسم "كرب ايل"، وأول من أشار إلى هذا النقد "بريدو" Prideaux الذي بين أن ال "مونكرام" Monogram، أي الحروف المتشابكة المضروبة على النقد، تشير إلى نعت هذا الملك. وقد بحث "موردتمن" كذلك في هذا الموضوع.
وقد ذهب "ريكمنس" إلى إن "كرب ايل وتر يهنعم"، كان يعاصر الملك "العز" مللك حضرموت.
وللملك "كرب ايل وتر يهنعم" كتابة أخرى أمر هو نفسه بتدوينها، هي الكتابة التي وسمت ب ERP. EPIG 3895. وهي قصيرة ناقصة، سقطت منها كلمات عدة. وقد ورد فيها اسم ابن الملك، وهو "هلك امر" "هلك أمر"، ولم يلقب "هلك أمر" فبه بي "ملك سبأ وذي ريدان".
ويظهر من ورود اسم الملك "كرب ايل وتر يهنعم"، وحده في بعض النصوص ملقباً ب "ملك سبأ وذي ريدان" أن هذا الملك حكم وحده في بادئ الأمر، لم يشاركه أحد، ثم بدا له فأشرك ابنه "ذمر على ذرح" معه، وذلك في العهد الثاني، وهو العهد الأخر من حكمه. لورود اسم "ذمر على ذرح" من بعد اسم أبيه، منعوتاً بنعت الملوك.
ويلاحظ ورود اسم "هلك أمر" ابن " كرب ايل وتر يهنعم" وفي كتابات الدور الأول من دوري حكم أبيه، إلا انه لم يلقب فيها ب "ملك سبأ وذي ريدان". أما كتابات الدور الثاني من أدوار حكم "كرب ايل"، فلا نجد فيها اسمه وإنما في فيها اسم شقيقه "ذمر على ذرح". وقد تلقب ب "ملك سبأ وذي ريدان" دلالة على أنه كان يحكم مع أبيه حكماً ملكياً مزدوجاً. وقد، يعني هذا وفاة "هلك أمر" في أيام حكم أبيه، ولهذا اختفى اسمه من الكتابات.
وقد قدر "البرايت"، F.P.Albright حكم "كرب ايل وتر يهنعم" وابنه "هلك أمر" في منتصف القرن الأول للميلاد.
وقد وضع "فلبي" اسم "ذمر على ذرح" بعد "هلك أمر"، وهو شقيقه. وقد ذكر اسمه في النص الموسوم ب CIH 791، وقد كان حكمه بحسب تقدير "فلبي" فيما بين السنة "75 ب.م." و السنة "95 ب.م.".
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:38 PM
أما الكتابات التي ذكر فيها "ذمر على ذرح" مع أبيه فيها، فهي الكتابة:REP.EPIG 4132 والكتابة REP.EPIG. 4771. والكتابة الأولى قصيرة أصيبت مواضع منها بتلف. ويلاحظ أن النص لم يذكر "ملك سبأ وذي ريدان" بعد اسم "كرب ايل وتر يهنعم" الذي سقط من الكتابة، ولم يبق منه إلا الحروف الأخيرة من نعته "يهنعم". وأما النص REP.EPIG. 4771، فقد أهمل فيه لقب "كرب ايل" الذي هو "وتر يهنعم"، واكتفى بذكر اسمه الأول وحده وهو "كرب ايل"، ثم دونت بعده جملة "ملك سبأ وذي ريدان وذمر على ذرح ملك سبأ وذي ريدان". وهو من النصوص التي عليها في مأرب.
ولدينا عدد من الكتابات دوّن فيها اسم الملك "ذمر على ذرح"، منها الكتابة CIH 143، والكتابة CIH 729، والكتاب CIH 791 والكتابة Jamme 644، والكتابة،Jamme 878 والكتابة Geukens 12 والكتابة REP.EPIG. 4391 وبعض هذه الكتابات ليست من أيامه ولكنها من أيام ابنه "يهقم"، وقد ذكر فيها لأنه أبوه، كما إن بعضها مثل الكتابة: REP.EPIG. 4391 مؤلف من سطر واحد: "ذمر على ذرح، ملك سبأ وذي ريدان".
ويحدثنا النص: Jamme 644، عن عصيان قام به رجل اسمه "لحيعثت بن سم همسمع" "لحيعثت بن سمهسمع"، ومعه قبيلته قبيلة "شددم" "شدادم" "شداد"، ورجل آخر اسمه "رب اوم بن شمس" "رب أوام بن شمس" ورجال آخرون انضموا إليهم وأيدوا حركتهم. وقد ثاروا على سيدهم "يهقم" وهو ابن "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان"، وهاجموا قصر "سلحن" "سلحين" "سلحان"، قصر الملوك ومقر الحكم في "سبأ وذي ريدان" ودخلوه، واعتصموا به. فهب رجل اسمه "أوس ال يضع" "أوس ايل يضع" "أوشيل يضع"، وهو من قبيلة "غيمان"، وكان قيلها أيضا، فهاجم الثوار وتغلب عليهم، وطردهم من القصر، ويظهر انه أخذهم غرة، فصان بذلك القصر من الأذى، وهربوا عن مأرب، وحمد "أوسئيل" ربه "المقه" اذ وفقه وساعده في انتصاره على الثوار، وقدم إليه تمثالاً من ذهب تعبيراً عن شكر،ه وحمده له.
ويحدثنا صاحب النص المذكور، وهو "أوس ايل يضع"، بأن العصاة هربوا من مأرب، وتحصنوا في مواضع أخرى، واستمروا في عصيانهم هذا، فأمر عندئذ "يهقم" بعض عشائر "غيمان" إن تهاجم ارض "شددم" "شداد" من مدينة "صنعاء" "صنعو" وتقضي على "لحيعثت بن سمهسمع"، فهاجم جنود "غيمان" العصاة في موضع "كومن" "كومنان"، وتغلبوا عليهم واستنقذوا منهم خيلاً وإبلاً ودواب أخرى، وأخذوا منهم غنائم وأسرى وحراس الأسرى الذين كانوا قد وضعوهم في "كومنن". وسرَّ قيلهم كثيراً إن أرضى بذلك قلب سيده "يهقم" وأخذ منهم بثأره.
وقامت جماعة أخرى من محارب قي يخمان بتعقب ثلاثة مقاتل من العصاة كانوا قد فروا من مأرب، وكانوا قد ساعدوا رئيس العصابة في هجومه على قصر "سلحن". وقد لحقت بهم وأعملت السيف فيهم، ثم عادت بعد إن أفنتهم. وقد غنم الغيمانيون من المعركتين ستمئة رأس من الماشية وأربعة أفراس.
ولا نجد في هذا النص اشارةّ ما، لا إلى الملك "ذمر على"، ولا إلى موضع وجوده في ذلك العهد. ويظهر انه كان خارج "مأرب"، وإلا لما اغفل النص الإشارة إليه. أما ابنه، فقد كان في مأرب على ما يظهر منه. ويلاحظ أن النص قد ذكر لفظة "مراهموا" أي سيده قبل اسم "يهقم"، ويعود الضمير إلى صاحب الكتابه، أي "سيد صاحب الكتابة"، ولكنه لم يذكر بعد اسم "يهقم" جملة "ملك سبأ وذي ريدان"، دلالة على أنه لم يكن ملكاً اذ ذاك، وأن صاحب الكتابة كان يعترف بسيادته عليه.
وفي النص:Jamme 878، نبأ معارك جرت في أيام "يهقم" كذلك، غير إن النص أصيبت مواضع منه بالتلف، أفسد علينا المعنى، كما أن فيه غموض وإيجاز يصعب معه استخراج شيء مهم منه عن تلك المعارك التي خاضها أصحاب النص مع "يهقم" الذي كتب اسمه على هذه الصورة "يها..."، لوجود تلف في بقية الاسم وتلف آخر في أول السطر الجديد يليه اسم ".. مر على ذرح"، مما يدل على إن المراد "يهقم" المذكور، وانه هو الذي تولى قتال المخالفين.
ووضع "جامه" اسم "كرب ايل بين" "كربئيل بين" بعد اسم "ذمر على ذرح، وهو ابن "ذمر على ذرح"، وجعل حكمه فيما بين السنة الثمانين والسنه الخامسة والتسعين بعد الميلاد.
وتعود الكتابة: Jamme 642 إلى أيام هذا الملك، وقد دوّنها شخص اسمه "حربم ينهب" "حرب ينهب"، من عشيرة "هللم" "هلال" "هلل"، عند شفائه من مرض "بن مرض"، ألمّ به ولزمه حتى قدم مأرباً، فعوفي من مرضه هذا في شهر "ذى ال الت" "ذى الالت" "الئيلت" "الئيلوت". وقد حمد "حرب" ربه وشكره على أن من عليه بالشفاء، وقدم إليه نذراً:صنماً "صلمن" تعبيرا عن هذا الشكر، وليبارك فيه وفي سيده "مرأهم"، "كرب ايل بين ملك سبأ وذي ريدان، ابن ذمر على ذرح وليديم الإلَه نعمه عليه ويرزقه أولاداً ذكوراً". ويلاحظ أن النص لم يدون جملة "ملك سبأ وذي ريدان" بعد اسم "ذمر على ذرح" على حسب القاعدة المتبعة في تدوين أسماء الملوك.
والنصان: Jamme 643 و Jamme 643، يكمل أحدهما الآخر. فالنص الثاني هو تتمة وتكملة للنص الأول. وهما على جانب كبير من الأهمية عند المؤرخ، لورود أخبار تأريخية فيهما، لم ترد أية إشارة إليها في نصوص أخرى
وصاحباهما رجلان من عشيرة "جرت" "جرة"، وهي عشيرة معروفة مر بنا اسمها مراراً، وكان منها أقيال عشيرة "سمهرم" "سمهر"، وصاحبا النصين هما من أقيال "سمهرم"، اسم أحدهما "نشأكرب واسم الآخر "ثوبن" "ثوبان". وقد دوّنا في النصين أخبار معارك خاضاها، وكانا قائدين فيها من قواد جيش "كرب ايل بين" "ملك سبأ وفي ريدان"، وقد أمرهما الملك بقادة كتائب من جيشه، وكذلك فرسانه لمحاربة ملك حضرموت ومن عصى أمره فثار عليه، أو من انضم إلى ملك حضرموت من عشائر وحضر.
ويظهر من مقدمة هذا النص إن العلاقات لم تكن حسنة بين "ملك سبأ وذي ريدان" وملك حضرموت، وان مناوشات ومعارك كانت قد وقعت بين حكومة سبأ وحكومة حضرموت، مناوشات أتعبت الطرفين على ما يظهر حتى اضطرا في الأخر إلى عقد صلح بينهما، وأخذا الأيمان على أنفسهما بوجوب المحافظة على ما اتفقا عليه. وقد وافق ملك حضرموت وهو "يدع ايل" فضلاً عن ذلك على إن يكون في جانب ملك "مأرب"
وان يحافظ على حسن الجوار، وان يضع تحت تصرف الملك "يدع ايل بين" قوة من حرس "يعكرن" "يعكران" وهو ملك آخر من ملوك حضرموت يوجهها حيث يشاء تكون عنده في مأرب. غير إن هذا الاتفاق لم يدم طويلاً، فسرعان ما نكث ملك حضرموت بعهده كما يقول النص، وخالف وعده، بحجة إن "كرب ايل بن" أرسل قوة من محاربي "سمهرم" "سمهر"، وضعها تحت قيادة "نشأكرب إلى "حنن" "حنان"، وهي مدينة لا تبعد كثيراً عن "مأرب"، فخالف بذلك ما اتفق عليه، وأحل نفسه بذلك من تنفيذ ما اتفق عليه وزحف على بعض المواضع ليهدد باستيلائه عليها الملك.
وكان الملك "كرب ايل بين" قد أمر قائده "نشأكرب" بأن يذهب بثلاثمائة محارب من اهل "سمهرم" إلى مدينة "حنن" "حنان"، فلما وصل بهم إليها، اعترضه ملك حضرموت ومنعه من الد********* إليها، لكي يقوم فيها بتنفيذ أوامر ملكه التي كلفه تنفيذها، وهي تتعلق ببناء مواضع لتعزيز الأمن في هذه المدينة. وقد عرض "نشأكرب" على الملك "يدع ايل" ملك حضرموت الأمر الملكي الذي يأمره فيه بتنفيذ ما كلفوه اياه، فرفض قبوله، وطلب منه أن يعود برجاله إلى مأرب، فاستاء ملك سبأ، وهاج على ملك حضرموت.
ويظهر إن "يدع ايل" ملك حضرموت، كان يريد إبقاء منطقة "حنن" "حنان" بدون حراسة ولا قوات تحميها ليفرض سلطانه عليها. وقد استغل ضعف "سبأ وذي ريدان" في هذا الوقت فأراد التدخل في شؤونها، وحل نفسه مع جنوده في مدينة "حنن" "حنان" مع إنها مدينة سبئية تابعة لملك "سبأ وذي ريدان". وكان قد صمم أيضاً على إخضاع القسم الجنوبي الشرقي من سبأ لحكمه، فارتاع "ملك سبأ وذي ريدان"، وشعر بالخطر الذي سيتهدد مملكته لو تساهل في ذلك، وسمح لملك حضرموت بأن يتصرف في الأمور كيف يشاء فأمر قائده بالذهاب إلى تلل المدينة لتحصينها وابعاد الحضارمة منها، فلما وصل إليها، صادف وجود ملك حضرموت فيها، وأدرك ملك حضرموت سبب قدوم هذا القائد على رأس هذه القوة، فمنعه من تنفيذ ما كلف اياه، لئلا يتعزز حكم سبأ في هذه المدينة السبئية، وتصرف "يدع ايل" وكأنه ملك سبأ، لا ملك حضرموت ولا ملك آخر غيره هناك. فصرف "نشأكرب" ومن كان معه، ولم يعبأ بأمر ملك "سبأ وذي ريدان" الذي عرض عليه. ثم توجه إلى أرض معين ليهدد سبأ ويفاجئها بحرب.
إتجه نحو مدينة "يثل" أولاً، وهي من مدن معين المهمة القديمة. فلما وصل إلى أبوابها، فتحت له ولجنوده، واستقر بها مدة. ثم اتجه منها نحو مدينتي "نشقم" "نشق" و "نشن" "نشان"، وهما من مدن "معين" القديمة المهمة كذلك، فحاصرهما وأخذ يهاجم مواضع التحصين والدفاع فيهما. فقرر ملك "سبأ وذي ريدان" الإسراع بإرسال نجدات إليهما تمكنهما من مقاومة الحضارمة ومن الصمود أمامهم. امر بوضعها تحت قيادة "نشأكرب و "سمه يفع" "سمهو يفع" "سمهيفع" وهو من "بتع". وقد تألفت من كتائب محاربة ومن فرسان. ولما جاء خبر وصول المدد إلى المدينتين، أبلغه به "منذر" أي أحد الذين كانوا يسترقون الأنباء ويبعثون بها إلى الحكومات التي أرسلتهم للتجسس على خصومهم، أسرع فترك حصار المدينتين، وعاد إلى "يثل" ليتحصن بها.
وقرر الملك "كرب ايل بين"، مهاجمة خصمه بنفسه، فسار على رأس قوة من جيشه من عاصمته "مأرب"، واتجه نحو "يثل"، وأمر قائديه بالزحف مع قواتهم نحو "يثل" أيضاً. وهكذا هاجم "ملك سبأ وذي ريدان" مدينة "يثل" من ناحيتين، لتطويق "يدع ايل" فيها. وقد سار القائدان من مدينة "نشق"، فلما بلغا "يثل"، وكان ملكها قد وصل إليها كذلك، هاجمت قوات "سبأ وذي ريدان" قوات حضرموت فهزموها، واضطر ملك "حضرموت" إلى ترك "يثل" و الاتجاه منها نحو "حنن" "حنان". وكان هذا الملك قد حاول قبل ارتحاله نحو "يثل" نهب "المعبد" الحرام "محرمن
وأخذ ما فيه، غير أن قوات القائدين المذكورين الزاحفة من "نشق" أدركته، فخاف من الالتحام بها، وفرّ نحو "يثل"، وبذلك أنقذ المعبد الحرام من النهب. ويرى "جامه" أن ذلك المعبد هو المعبد المعروف ب "محرم بلقيس" بن الناس في هذا العهد.
ويكمل النص الثاني، وهو النص Jamme 643 Bis، آخر خبر ورد في النص الأول، فيقول: إن قوات إضافية وصلت من مأرب، إلى الملك وقائديه، وعندئذ اتخذت هذه القوات خطهّ المهاجمة، فهاجمت ملك حضرموت وجيش حضرموت، وأنزلت به خسائر فادحة، فتكت بألفي جندي من جنود حضرموت، واستولى السبئيون على كل ما كان عند الحضارمة من خيل وجمال وحمير ومن كل حيوان جارح "جرح" كان عند ملك حضرموت، وبذلك ختم هذا النص، بالنص على انتصار "سبأ وذي ريدان" على ملك حضرموت .
ونحن لا نعلم ماذا جرى بعد هذا النصر الذي أحرزه السبئيون على حضرموت إذ ليست لدينا نصوص تتحدث عن ذلك. ولكننا نستطيع أن نقول إننا تعودنا قراءة أخبار أمثال هذه الانتصارات ثم تعودنا أن نقرأ بعد ذلك أن المهزوم يعود فيحارب المنتصر الهازم، وان المعارك لم تكن تنتهي حتى تبدأ بعد ذلك معارك انتقامية جديدة أخذاً للثأر. لقد صارت العربية الجنوبية ويا للأسف وكأنها ساحة لعب، لا تخلو من اللعب إلا لفترات الراحة والاستجمام.
هذا، ونحن لا نعرف في شيئاً يذكر عن الملك "يعكرن" "يعكران" ملك حضرموت الثاني التي ورد اسمه في النصين المتقدمين، إذ لم يرد اسمه في نصوص أخرى، ولا أمل لنا إلا في المستقبل، فقد يعثر على كتابات جديدة يرد فيها اسم هذا الملك.
وقد قدر "جامه" حكم الملك "يهقم" والملك "كرب ايل بن" فيما بين السنة "80" والسنة "90" بعد الميلاد. وفي هذا الزمن كان أيضاً حكم ملكي حضرموت "يدع ايل" و "يعكرن" "يعكران".
وقد ترك "ريكمنس" فراغاً بعد اسمي "هلك أمر" و "ذمر على ذرح" إشارة إلى فجوة لا يدري من حكم فيها، ثم دون بعده اسم "وتر يهأمن"، ثم ترك فراغاً دوّن بعده اسم. "شمدر يهنعم"، ثم عاد فترك فراغاً ثالثاً دون بعده اسم "الشر يحمل"، ثم ترك فراغاً ذكر بعده "عمدان بين يهقبض"، ثم فراغاً خامساً دوّن بعده اسم "لعز نوفان يهصدق"، ختمه بفراغ سادس دوّن بعده اسم "ياسر يهصدق".
ووضع "فلبي" اسم "ياسر يهصدق" "يسر يهصدق"، بعد "وترم يهأمن". وجعل مبدأ حكمه حوالي سنة "60 ق. م."، وذكر إن من المحتمل أن يكون "وترم" "وتر" هو والده. وقد ورد اسمه في النص: Cih 41، وهو نص دوّنه جماعة من أقيال قبيلة "مهانفم"، عند بنائهم بيتهم "مهورن" "مهور" و "يسر" و "مزوداً" اسمه "حرور"، وقد وردت فيه أسماء الإلهة: "عثتر شرقن" أي "عثتر الشارق" و "عثتر ذ جفتم بعل علم"
و "شرفن"، و "ذات حميم" "بعلى محرمن ريدان" أي ربّا "حرم ريدان"، و "الهموبشر"، أي إلههم "بشر". ودوّن بعد أسماء الإلهة اسم الملك "ياسر يهصدق ملك سبأ وذي ريدان"، ولم يذكر اسم والد "ياسر" في هذا النص. والكتابة المذكورة من "ضاف" ب "قاع جهران" شمال "ذمار". و "قاع جهران" هو "مهانفم" في كتابات المسند.
ويعد النص المذكور من أقدم النصوص الحميرية التي وصلت إلينا. ويرى "فون وزمن"، انه أول نص يصل إلينا لقب فيها ملك من ملوك حمير بلقب "ملك سبأ وذو ريدان". ومعنى هذا إن ملوك حمير كانوا قد نافسوا الأسرة السبئية الشرعية ونازعوها على العرش، وتلقبوا بهذا اللقب الذي هو من ألقاب ملوك سبأ الشرعيين.
وأرض "مهأنف" "مهانفم" هي "قاع جهران"، ومعنى ذلك إن هذه الأرض كانت تابعة لهذا الملك في ذلك العهد.
ويعدّ "ياسر يهصدق" "يسر يهصدق" من حمير، ومعنى هذا إن حمير التي نازعت الأسرة القديمة لسبأ عرشها لقب حكامها أنفسهم باللقب الرسمي الذي يتلقب به ملوك "سبأ" الأصليون، تعبيرأَ عن إثبات حقهم في الملك. وقد حكم "ياسر"- على رأي "فون وزمن"- في حوالي السنة "75 م" أو "80 م". وكان يقيم في "ظفار"، في حصن "ريدان". ويري "فون وزمن" انه في خلال المدة التي انصرمت بين حملة "أوليوس غالوس" وبين حكم "ياسر يهصدق"، لم يصل إلينا أي نص من نصوص المسند.
وجعل "جامه" حكم "ياسر يصدق" بين السنة "200" والسنة "205" بعد الميلاد.
وقد وضع "فون وزمن" اسم "الشرح"، بعد اسم "ياسر يهصدق"، وجعل أيامه في حوالي السنة "90" بعد الميلاد. وقد ذكر انه من حمير والى أيامه تعود الكتابة المرقمة Cih 140.
وعرف ولد من أولاد "ياسر" اسمه "ذمر على يهبر"، وقد ذكر في النص Cih 356. وقد عثر على بعض النقود ضرب عليها اسم صاحبها، وهو "يهبر"، فلعله هذا الملك.
وذكر اسم الملك "ذمر على يهبر" واسم أبيه "ياسر يهصدق" في الكتابة المذكورة، وقد جاء فيها: إن هذا الملك قاتَل رجلاّ من "بني حزفرم" "بني حزفر" "آل حزفر"، و "آل حزفر" هم عشيرة من "ذي خليل" وهي عشيرة قديمة شهيرة، أخرجت جملة "مكرب" "مكارب" و "ملوك". ويرى "فون وزمن" إن هذه الحرب كانت ضد الأسرة السبئية المالكة المتوارثة للعرش من عهد قديم، وان هذا الملك الذي هو من "حمير"، استولى على حصن "ذت مخطرن" "ذات مخطران" "ذات المخاطر"، واستولى على "مأرب" عاصمة سبأ في هذه الحرب 3.
ومعنى هذا أن حمير استولت على سبأ وحكمها، فصارت مأرب خاضعة لها. وقد دام خضوع سبأ لحمير إلى أيام "ثأرن يعب" وهو ابن "ذمر على يهبر" "ذمر على يهبأر"، إذ نجد على مأرب ملكاً، هو الملك "ذمر على ذرح". وقد قدّر "فون وزمن" زمان استيلاء حمير على مأرب بحوالي عشر سنين.
وورد اسم "ذمر على يهبر" واسم أبيه "ياسر يهصدق" في الكتابة Rep. Epig.310، والآمر بكتابها هو "تبع كرب" "تبعكرب" من آل "حزفرم" "حزفر"، وقد قدّم إلى الإله "المقه" نذراً يتألف من أوثان لتوضع في معبد هذا الإله ولحمايته ولخير أرضه وحصنه. ويظهر أن أملاكه كانت في منطقة "رحب" "رحاب".
وقد قام "ذمر على يهبر" ومعه ابنه "ثارن يعب يهنعم" الذي أشركه أبوه معه في الحكم، بإعادة بناء سد "ذمر" "ذامر" "ذو أمر" "ذمار" في منطقة "أبين"، وذلك لتهدم السدّ القديم الذي كان يمد أهل مأرب بالماء. فأعادا بذلك الحياة لمساحة واسعة من أرضين موات. وقد قام بهذا العمل عمال من شعب "سبأ" ومن "ذو عذهبن" "ذى عذهب"، وقدما في ذلك قرابين إلى آلهتهما: "عثتر" و "سحر" نحراها في معبد "نفقن" "نفقان".
وذكر "ذمر على يهبر" مع ابنه "ثارن" في الكتابة المرقمة بrep. Epig 4708، وقد كتبت على تمثال من البرنز محفوظ الآن في متحف "صنعاء"، وذكرت فيها أسماء أصحابها ، وهم قوم "آل ذرح"، وورد فيها اسم معبد "صنع" "صنعو"، ولعله "صنعاء".
وقد ورد اسم "ثارن يعب يهنعم" في الكتابة الموسومةREP.EPIG. 4909 ، وهي كتابة سجّلّها رجلان من أشراف حمير، أوفدهما ملكهما "ثارن يعب" إلى الملك "العذ يلط" "العز بلط"، ملك حضرموت، لتهنئته باعتلاء العرش وتلقبه باللقب الملوكي في حصن "أنودم" "أنود". ويرى بعض الباحثين أن ذلك كان في حوالي السنة "200 ب. م.". أما "فلبي" فجعل زمانه في حوالي السنة "20 ق. م."، ومعنى هذا أن زمان حكمه كان بعد حملة "أوليوس غالوس" بقليل، وهو تقدير لا يقره عليه أكثر علماء العربيات الجنوبية.
وأما "جامه"، فقد جعل زمان حكمه بين السنة "265" والسنة "275، بعد الميلاد، وجعله معاصراً للملك "العذ يلط" ابن "عم ذخر" "العذ يلط بن عمذمر" ملك حضرموت. وقد جعله "فون وزمن" معاصراً للملك "نشأكرب يهأمن يهرحب" "نشأكرب يهأمن يهرحب"، الذي حكم على رأيه في حوالي سنة "230 ب. م." إلى "240 ب. م.".
وقد ذكر مع ابنه في الكتابة المعروفة ب Rep.epig.3441وهي تخص أعمالاً عمرانية أمر بها "ذمر على" وابنه "ثارن" تتعلق بسد "ذو أمر" "ذمر" "ذمار".
وورد اسم "ثارن يعب" في النص: Cih 457، وقد ذكر معه اسم أبيه "ذمر على يهبر"، وقد دوّنه جماعة من "بني ذى سحر" عند تقديمهم إلى الإلهة أوثاناً، لحماية سيديهما الملكين "ذمر على يهبر" وابنه "ثارن يعب"، ولحماي أملاكهم ورعايتهم. وقد ذكرت في الكتابة أسماء الآلهة التي توسل إليها أصحابها ورجوا منها الحماية والرعاية، وهي: "عثتر" و "سحر بعلى نفقن" و "هبس" و "المقه" و "ذات حميم" و "ذات بعدان" و "شمس".
وورد اسم "ثارن يعب" في نهاية النص:cih 569، وهو نص قصير مؤلف من ثلاثة أسطره.
وقد خلف "ثارن يعب" على عرش سبا ابنه الملك "ذمر على يهبر"، الذي يمكن أن نطلق عليه "ذمر على يهبر الثاني"، تمييزاً له عن جده. وقد وجد اسمه في نص أرخ بشهر "ذو نسور" "ذ نسور"، وقد سقط اسم السنة التي أرخ بها من النص.
وقد وضع "فون وزمن" اسم "شمر يهرعش" من بعده، ودعاه ب "الأول" تمييزاً له عن "شمر يهرعش" الآخر الذي ولي الحكم بعده بأمد طويل. وقد جعل "فون وزمن" "شمر يهرعش الأول" معاصراً ل "أنمار يهأمن" ول "كرب ايل وتر يهنعم" من "بني بتع"، من قبيلة "سمعي". وقد كان حكمه في حوالي السنة "140" بعد الميلاد.
أما "ريكمنس"، فقد دوّن اسم "ذمر على يهبأر" بعد "ياسر يهصدق" ونعته ب "الأول" ثم دوّن اسم "ثارن يعب يهنعم" من بعده، ثم ترك فراغاً وضع اسم "ذمر على يهبأر" بعده، ونعته به "الثاني" ليميزه عن الأول، ثم ترك فراغاً، ذكر بعده اسم "رب شمس نمران"، ثم وضع فراغاً آخر، ذكر بعده ملكاً سماه "الشرح يحضب" "الشرح يحب"، ثم ذكر بعده ملكين أحدهما اسمه: "سعد شمس أسرو"، وآخر اسمه مكسور لم يبق منه إلا ثلاثة أحرف، هي "حمد"، ثم دوّن فراغاً بعد هذين الاسمين، وختمه بذكر اسم "ياسر يهنعم"، ثم اسم "شمس يهرعش" وهو ابنه من بعده، وقد كان معاصراً للملك "شرح ايل" ملك حضرموت. وب "شمر يهرعش" أنهى "ريكمنس" قائمته لملوك "سبأ وذي ريدان".
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:42 PM
أما "فلبي"، فقد وضع اسم "ذمر على بين" بعد اسم "ذكر على يهبر" الثاني. وقد وضع علامة استفهام أمامه دلالة على انه غير متأكد من اسم أبيه. وربما كان ابن أخ "ذمر على يهبر الثاني". وزعم أنه حكم حوالي سنة عشرين بعد الميلاد.
ووضع "فلبي" اسم "كرب ال يهنعم" "كرب ايل وتر يهنعم"، بعد اسم "ذمر على بين"، ثم اسم "هلك امر" "هلك أمر" من بعده، ثم "ذمر على ذرح"، وقد سبق إن تكلمت عنهم،إذ قدمتهم وفقاً لقائمة "ريكمنس".
ووضع "فلبي" اسم "يدع ال وتر" بعد "ذمر على ذرح" أبيه. وقد جعل حكمه من حوالي السنة 95 حتى السنة "115ب. م".
ويظن "فلبي" أن "يدع ال وتر"، هو الشخص المسمى بهذا الاسم في النص: Cih 771 ويحتما في نظره أن يكون ابنه.
وذكر "فلي" أنه منذ المسنة "115" إلى السنة "245 ب. م."، حكم عرش "سبأ وذي ريدان" ملوك من أسرة "بني بتع" من "حاشد"، و"حاشد" قبيلة من "همدان". وقد بلغ عددهم اثني عشر ملكاً، جمعهم في ست مجموعات،
ولم يضع أمام كل ملك زمان حكمه كما فعل في قائمته للملوك الذين حكموا قبلهم، ذلك لأنه-كما بين هو نفسه- غير واثق من معرفة زمان حكمهم، ولا من ترتيب المجموعات وإنما رتبهم على ما أدّاه إليه اجتهاده، لا غير.
ومن هؤلاء الملوك، الملك "شمدر يهنعم" "شمدار يهنعم"، وقد عرف اسمه من نقود عثر عليها ضربت في مدينة "ريدان"، وهي مما بعد الميلاد، ولا نعرف من أمره شيئاً آخر.
ووضع "فلبي" بعد الملك المذكور اسم "عمدن بين يهقبض" "عمدان بيّن يهقبض"، وقد ورد اسمه في النص الموسوم ب Glaser 567، كما وجد مضروباً على نقدُ ضرب في مدينة "ريدان". وقد صور رأسه على النقد، فبدا وجهه حليقاً، وظفائر رأسه متدلية على رقبته. وأول من وجهّه أنظار الباحثين إلى هذا النقد، "موردتمن" Mordtmann، و "بريدو" Prideux .
ووجد اسم "عمدان بين يهقبض" في نص عثر عليه في "حرم بلقيس"، وقد لقب ب "ملك سبأ وذي ريدان". وهو نص ناقص، ذكر فيه اسم الإلهَ "عثتر".
ووضع "فلبي" بعد الملكين المذكورين اللذين كوّنا المجموعة الأولى، "نشأكرب يزن" "نشأكرب يأزن" ثم "وهب عثت يفد". وهما يكوّنان المجموعة الثانية من المجموعات الست التي تصور إنها حكمت في المدة المذكورة.
وقد ورد اسماهما في النص: CIH 336، ولم يلقبا ب "ملك سبأ وذي ريدان". ولم أجد في هذا النص إشارة ما يمكن أن يستدل بها على انهما ملكان. ولم يذكر "هومل" اسميها مع من ذكر من الملوك الذين حكموا بعد "الشرح يحضب" والذين رتب أسماء من عليهم بحسب حروف الهجاء، ويبلغ عددهم، في رأيه، زهاء عشرين ملكاً.
وذكر "فلبي" إن والد الملكين المذكورين هو "تصح بن يهزحم".
ودوّن "فلبي" اسمي ملكين آخرين بعد المكين المتقدمين، أحدهما "هوتر عثت يشف"، والآخر "كرب عثت يهقبل".
وانتقل بعد ذلك إلى مجموعة أخرى تضمنت اسمي ملكين أيضاً، هما "نشأكرب أوتر"، و "شهر أيمن". وقد ورد اسم "نشأكرب أوتر" في النص الموسوم: Om II,2، غير انه لم يلقب فيه بملك، وقد رجح "هومل" كونه ملكاً، للقبه الذي هو من نوع الألقاب التي يستعملها الملوك.
ودوّن "فلبي" اسم "رب شمس نمران" "ربشمس نمران"، بعد "شهر أيمن". وذكر انه مذكور في النصر الموسوم ب Rep. Epig. 6321، وهو نص عثر عليه في "مأرب"، ووجد اسمه في نصوص أخرى عثر عليها في "حاز" معقل "همدان" ومقر "رب شمس". وقد استدل "فلبي" من وجود النص المذكور في "مأرب" على بلوغ سلطانه وسلطان قومه "آل بتع" هذا المكان.
وأما غير "فلبي" مثل "ريكمنس" و "جامه"، فقد قدموا- كما رأينا-مكان الملك "رب شمس نمران" "ربشمس نمران" في القوائم التي رتبوها لملوك "سبأ وذي ريدان". وقد جعل "جامه" زمان حكمه بين السنة "120" والسنة "140" بعد الميلاد.
وجعل "فون وزمن" زمان حكم الملك "ربشمس نمران" فيما بين السنة "160" والسنة "170" أو "80 ا" بعد الميلاد. وجعله من المعاصرين للملك "يدع أب غيلان" ملك حضرموت. وممن أدرك أيام حكم "علهان نهفان" ملك همدان.
وورد اسم "رب شمس نمران" في النص: Rep. Epig. 41388 وهو نص مهم وردت فيه أخبار حروب وغزوات قام بها "عبد عثتر" وأخوه "سعد ثون" ابنا "جدنم" "جدن" أو من آل "جدن"، بأمر من سيدهم "رب شمس نمران ملك سبأ وذي ريدان". فلما عادا إلى مواطنها سالمين، دوّنا شكرهما وحمدهما للإلهَ "المقه" الذي من عليهما بالعافية وحفظهما وأعادهما بصحة جيدة، وأنقذهما "المقه بعل حروان" من الوباء الذي عمّ كل الأرض، وبارك عليهما في مدينة "نعض"، إذ أنعم عليها لمجدهما "رب شمس نمران". وقد دعوا في هذه الكتابة ل "المقه ثهوان" و "ثور بعلم بعل حروان" بأن يبارك عليها ويحفظها ويمنّ عليهما بالعافية وبأولاد ذكور، وبثمار كثيرة وجني جيد، وذلك بحق الإلهة: "عثتر وهوبس والمقة وذات حميم وذات بعدان وشمس".
ويظهر من هذا النص أن وباءً كان قد عم البلاد في عهد هذا الملك فأهلك خلقاً كثيراً. وقد حمدا الآلهة التي جعلتهما من الناجين. ويظهر أنهما كانا من قواد جيش هذا الملك الذي كلفهما غزو أعدائه ومحاربتهم. وورد في النص اسم قبيلة "جرش"، ولعل لاسم "جرش"
وهو اسم موضع في اليمن-علاقة باسم هذه القبيلة.
ويظهر أن الوباء الذي أشار إليه "عبد عثتر" هو الوباء الذي أشير إليه في النص الموسوم ب Jamme 645. وصاحبه رجل اسمه "وهب ايل" من "يهعن" "يهعان" ومن "قرضنن" "قرضان". وقد دوّن هذا الرجل نصه حمداً للإلَه "المقه ثهوان" "بعل أوام"، وشكراً له على نعمه عليه بأن حفظه وسلمه وصانه من الوباء "بن خوم" والطاعون "وعوس" ومن الموت "موتت" الذي عمِّ البلاد، وذلك في سنة "حيم" "حي" "حيي" "حيوم" "حيو" ابن "ابكرب" "أبو كرب" من "كبر خلل ثكمتن" كبراء "خليل ثكمتان". فصانه وحفظه من هذا الوباء العام الذي انتشر في الأرض "وموتت كون بارضن"، فأهلك خلقاً من الناس. وليمنّ عليه ويبارك فيه وفي أرضه وزرعه، ويعطيه أثماراً كثيرة وغلةً وافرة من جميع مزارعه في "مأرب" و "نشق" و "رحبتن" "رحبتان". ولينال حظوة ورفعة عند سيده "رب شمس نمران، ملك سبأ وذي ريدان".
وليس هذا الوباء الفتاك الذي انتشر في الأرض في أيام هذا الملك، هو أول وباء نسمع به ففي الكتابات إشارات إلى أوبئة عديدة أخرى، كانت تعم البلاد بين الحين والحين ولا سيما بعد الحروب التي لا تكاد تنقطع، وبعد الحروب الكبيرة الماحقة التي قام بها الملوك فخربوا المدن ودمروا مجاري المياه، وأباحوا مواضع السكنى، والبشر، وتركوا جيف القتلى في مواضعها لتنتشر الأوبئة والأمراض.
وقد ذب "ريكمنس" إلى أن الوباء المذكور هو جزء من وباء عام كان قد انتشر من الهند نحو الخارج، فجاء إلى جزيرة العرب ووصل حوض البحر الأبيض وطفح في "سلوقية" Seleucia وقد وقع ذلك سنة "165" للميلاد.
وورد اسم "رب شمس نمران" "ربشمس نمران" في نصوص أخرى وسمت ب CIH 164، ب Geukens 10، وب Jamme 496. و"رب شمس نمران"، معروف لدينا معرفة حسنة، وهو من "بتع"، ومن "ملوك سبأ وذي ريدان"، لورود ذلك صرحاً في بضعة نصوص أحدها عثر عليه في مأرب، وعثر على البقية في "حاز" أي في ة إلى همدان.
والنص الذي عليه في مأرب هو النص المعروف ب REP. EPIG. 3621. وهو نص قصير يظهر انه بقية نص أطول لم تبق منه غير كلمات.
ودوًن "فلبي" اسم "سخمن يهصبح" "سخمان يهصبح" بعد "رب شمس نمران". وقد ورد اسمه في كتابتين، هما Glaser 208 و Glaser 136 غير انه لم يلقب فيهما ب "ملك سبأ وذي ريدان". وقد استدل "فلبي" من كلمة "مراهمو"، أي سيدهم، الواردة قبل اسمه انه كان ملكاً. وورد اسم رجل يعرف ب "أجرم يهنعم بن سخمان". ويرى "فلبي" احتمال كون "سخمان" هذا هو "سخمان يهصبح"، واحتمال كون "أجرم" أحد أبنائه. ولم يذكر "هومل" اسم "سخمان" في جملة من ذكرهم من مكلوك "سبأ وذي ريدان".
وللسبب المذكور جعل "فلبي" "أجرم يهنعم" ملكاً بعد "سخمان يهصبح" ثم ذكر من بعده "سعد أوم نمران". وقد ذكر في النص: Glaser 210، وهو من النصوص التي عثر عليها في المدينة الهمدانية "حاز". ويرى "هومل" أن ".. نمران ملك سبأ وذي ريدان" الذي سقط اسمه من النص: Glaser 571 وبقي فيه نعته وهو "نمران"، قد ينطبق على "سعد أوم نمران" هذا الذي نتحدث عنه، كما ينطبق على "رب شمس نمران".
و ب "سعد اوم نمران" ختم "فلبي" هذا العهد الذي استمر- على رأيه- من سنة "115 ب. م." حتى السنة "245". وقد حكم فيه مهلوك من بني "بتع"، وقد كونوا- على حسب رأيه أيضاً- الأسرة السادسة من الأسر التي حكمها عرش "سبأ". ثم وضع بعد هذه الأسرة أسرة جديدة جعلها الأسرة السابعة، وهي من "بكيل". وقد جعل أول رجالها الملك "العذنوفان يهصدق" "العز نوفان يهصدق"، وقد حكم- على حسب رأيه- من سنة "245 ب. م." حتى السنة "260 للميلاد".
ووضع "فلبي" اسم "ياسر يهنعم" بعد "العذ نوفان". وهو على حسب ترتيبه الملك الستون من ملوك سبأ، الذين حكموا السبئيين من مكربين وملوك. وهو والد "شمر يهرعش" الملك الشهير المعروف بين الأخباريين. وبذلك ننتقل من أسرة قديمة إلى أسرة جديدة، ومن عهد قديم إلى عهد آخر جديد.
وأما "فون وزمن"، فإنه لم يذكر اسم من حكم مباشرة بعد "ربشمس نمران"، بل ذكر اسم "شعرم اوتر" وهو من "همدان" بعد اسم "علهان نهفان" الذي أدحرك أوائل حكم "ربشمش نمران"، كما ذكر اسم "فرعم ينهب"، وهو من "جرت" "جرة" وقد جعل حكمه في حوالي السنة "180" بعد الميلاد.
وذكر اسم "حيو عثتر يضع" مع اسم "شعرم اوتر" دلالة على انه حكم معه في أواخر أيام حكمه. ثم ذكر اسم "لحيعثت يرخم" من بعده. وجعله معاصراً ل "لعزز يهنف يهصدق" ملك حمير " وجعل "ياسر يهنعم" الأول وهو والد "شمس يهرعش" الثاني معاصراً د "لحيعثت يرخم" وقال إن في أيامه استولى الحميريون على مأرب. وكان معاصراً ل "الشرح يحضب الثاني" الذي حكم مع أخيه "يازل بين".
وجعل "فون وزمن" زمان حكم "الشرح يحضب" الثاني في حوالي السنة "200" للميلاد. ثم جعل حكمه مع أخيه في حوالي السنة "210"، ثم عاد فجعله يحكم وحده في حوالي السنة "220" إلى السنة "230" حيث ذكر اسم "نشأكرب يأمن يهرحب" من بعده، وجعل على حمير في أثناء هذه المدة "كرب ايل" "ذو ريدان" و "ثأرن يعب يهنعم"، وعلى حضرموت "العزيلط"، الذي تحالف مع "ثارن يعب".
وذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على وتر يهبر" بعد "ثارن يعب يهنعم" ثم جعل "عمدان بين يهقبض" على عرش سبأ". ثم "ياسر يهنعم الثاني" من بعده، وقد حكم مع ابنه "شمر يهرعش الثالث"، الذي انفرد بالحكم في حوالي السنة "300" بعد الميلاد وقبل أن أنتهي من هذا الفصل وأختمه، أود أن أشير إلى،نافسة كانت بين الأسرة السبئية الحاكمة المنحدرة من "فيشان" صاحبة قصر مأرب، وبين أسر أخرى لم تكن لها صلة بالعرش، ولكنها ادعت لنفسها حق حكم سبأ وذي ريدان. وتلقب أفرادها باللقب الرسمي المقرر للحكم ونازعت الملوك الشرعيين في حق الحكم والسلطان. فنجد الهمدانيين مثلاً وهم يحكمون الثلث الشمالي من دولة "سمعي" القديمة من مقرهم "ناعط"، ونجد "بني بتع"، وهم يحكمون الثلث الغربي لمملكة "سمعي"، "حملان" وعاصمته "حاز" وكذلك "مأذن"، ثم نجد "مرثدم" أي "مرثد" ومعها "أقيان" "شبام أقيان"، و "جرت" بما في ذلك كنين "كنن".
هذا، ولا بد لي وقد انتهيت من تدوين هذا الفصل من الإشارة إلى أن عهد "ملوك سبأ وذي ريدان" هو من أصعب الفصول كتابةً في تاريخ سبأ، على كثرة ما عثر عليه من كتاباته، ذلك لأن الكتابات لا تقدم إلينا مواطئ تمكّن الإنسان أن يقف عليها ليتعرف ما حوله من أمور، ثم إن بعضها ناقص أصابه التلف، فأثر في معناه، إلى غير ذلك من أمور. لذا نجد علماء العربيات الجنوبية متباينين في تثبت تأريخ هذا العهد وفي أسماء الملوك، وأعتقد إن هذا الخلل لن يصلح، وان الفجوات لن تحشى وتملأ، الا يعد أمد، بعد استقرار الأمور في اليمن بحيث يسمح لأصحاب العلم بالبحث عن الكنوز المدفونة لاستنباط ما فيها من سر دفين عن هذا العهد والعهود الأخرى من تأريخ اليمن القديم.
صنعاء
وقد لمع اسم "صنعو"، أي "صنعاء"، في أيام "الشرح يحضب"، وهي لا بد أن تكون قد بنيت قبله بزمن. وقد أشار "الشرح يحضب" إلى قصر له بها، هو قصر "غندن" "غندان" المعروف في المؤلفات الإسلامية بقصر "غمدان"، وقد ذكره بعد قصره القديم الشهير قصر "سلحن" "سلحين" رمز الملكية في سبأ. وهكذا صارت لصنعاء مكانة ازدادت على مرور الأيام، حتى صارت عاصمة اليمن ومقر الحكّام.
قائمة "ريكمنس"
وقد رتبّ "ريكمنس" أسماء ملوك "سبأ وفي ريدان" على النحو الآتي: 2- فرعم ينهب، وكان معاصراً ل "علهان نهفان".
2- الشرح يحضب، وقد حكم على رأيه في حوالي السنة 25 قبل الميلاد وكان يعاصره "شعرم اوتر" "شعر أوتر". وأما ابنه "يازل بين" "يأزل بين"، فكان معاصراً ل "حيو عثتر يضع".
3- نشأكرب يهأمن.
4- ذمر على بين.
5- كرب ايل وتر يهنعم، وكان معاصراً للملك "العز" ملك حضرموت.
6- "هلك أمر"- ذمر على ذرح.
7- وتر يهأمن.
8- شمدر يهنعم.
9- الشرح يحمل.
10- عمدان بين يهقبض.
11- لعز نوفان تهصدق "لعز نوفن يهصدق".
12- ياسر يهصدق.
13- ذمر على يهبر "ذمر على يهبأر" الأول.
14- ثارن يعب يهنعم.
15- ذمر على يهبر "ذمر على يهبار" الثاني.
16- رب شمس نمرن "ربشمس نمران".
17- الشرح يحضب.
18- 19- سعد شمس اسرو ...... "......" حمد
20- ياسر يهنعم.
21- شمر ت يهرعش.
أسرة ذمر على بين
1- ذمر على بين.
2- كرب ايل وترُّ منعم، "كربئيل وتر يهنعم".وهو ابن ذمر على.ين.
3- هلك امر "هلك أمر". وهو ابن كرب ايل.
4- ذمر على ذرح، وهو ابن كرب ايل وتر يهنعم، وشقيق هلك أمر.
5- يهقم.
6- كرب ايل بين، "كربئيل بين". وهو ابن ذمر على ذرح.
أسرة ياسر يهصدق
1- ياسر يصدق.
2- ذمر على يهبر. وهو ابن ياسر يهصدق.
3- ثرن يعب "ثارن يعب يهنعم" "ثارن يركب" "تارن يرحب" وهو ابن ذمر على يهبر.
4- ذمر على يهبر. وهو ابن ثارن يعب يهنعم. ويمكن تلقيبه بالثاني تمييزاً له عن الأول.
5-ثارن يهنعم "ثرن يهنعم.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:44 PM
الفَصْل التَاسِعَ وَالعِشرُون
ممالك وإمارات صغيرة
وعرف من الكتابات القتبانية، شعب يقال له "أوسن" أو "أوسان". وكانت أرضوه تكوّن جزءاً من مملكة قتبان، مثل دهس و "دتنت" "دتنة" و "تبنى" ومناطق أخرى كانت تابعة لقتبان. وقد عرف من الكتابات أن الأوسانيين كوّنوا حكومة، حكمها ملوك، وصلت أسماء بعضهم إلينا، ولكنها حكومة صغيرة لم تبلغ مبلغ حكومة قتبان، أو حضرموت أو معين، أو سبأ.
ولعلّ الأوسانيين الذين أدركوا الإسلام، هم من بقايا "أوسان". وقد كان من جملة من اعتمد علهم الهمداني في أخبار اليمن القديمة، رجل ينهب إلى أوسان، هو "محمد بن أحمد الأوساني"، زعم أنه كان يحسن قراءة الكتابات العربية الجاهلية المدونة بالمسند.
وقد وهبت لنا هذه المملكة الصغيرة بضعة تماثيل منحوتة من الرخام، يجوز أن نعدها من أنفس ما عثر عليه من تماثيل في جزيرة العرب حتى الآن. وهي تماثيل بعض ملوك أوسان، وتعد، أول تماثيل تصل إلينا من تماثيل ملوك العرب. وقد كتب على قاعدة كل تمثال اسم الملك الذي يمثله، فهذا تمثال كتب عليه: "يصدق آل فرعم ملك اوسان بن معد ال"، وهذا تمثال ثان نقش على قاعدته اسم الملك الذي يمثله: "زيدم سيلن بن معدال"،
الفَصْل التَاسِعَ وَالعِشرُون
ممالك وإمارات صغيرة
وعرف من الكتابات القتبانية، شعب يقال له "أوسن" أو "أوسان". وكانت أرضوه تكوّن جزءاً من مملكة قتبان، مثل دهس و "دتنت" "دتنة" و "تبنى" ومناطق أخرى كانت تابعة لقتبان. وقد عرف من الكتابات أن الأوسانيين كوّنوا حكومة، حكمها ملوك، وصلت أسماء بعضهم إلينا، ولكنها حكومة صغيرة لم تبلغ مبلغ حكومة قتبان، أو حضرموت أو معين، أو سبأ.
ولعلّ الأوسانيين الذين أدركوا الإسلام، هم من بقايا "أوسان". وقد كان من جملة من اعتمد علهم الهمداني في أخبار اليمن القديمة، رجل ينهب إلى أوسان، هو "محمد بن أحمد الأوساني"، زعم أنه كان يحسن قراءة الكتابات العربية الجاهلية المدونة بالمسند.
وقد وهبت لنا هذه المملكة الصغيرة بضعة تماثيل منحوتة من الرخام، يجوز أن نعدها من أنفس ما عثر عليه من تماثيل في جزيرة العرب حتى الآن. وهي تماثيل بعض ملوك أوسان، وتعد، أول تماثيل تصل إلينا من تماثيل ملوك العرب. وقد كتب على قاعدة كل تمثال اسم الملك الذي يمثله، فهذا تمثال كتب عليه: "يصدق آل فرعم ملك اوسان بن معد ال"، وهذا تمثال ثان نقش على قاعدته اسم الملك الذي يمثله: "زيدم سيلن بن معدال"،
ولا نعرف من أمر هؤلاء الملوك شيئاً يذكر، والظاهر إن تمثال "معد ال "سلحن" "معد ايل سلحان" يمثل والد "يصدق ايل فرعم شرح" كما جاء ذلك مدوناً في قاعدة التمثال الرابع، ويظهر إن "يصدق ايل فرعم" هو غيير "يصدق ايل فرعم شرح عثت" كما يتبين ذلك من اختلاف صورتي التمثالين. وتفدينا هذه التماثيل فائدة كبيرة في تعرف نماذج ملابس الأوسانيين وعلى زينتهم وكيفية تنظيم شعور رؤوسهم، وعلى غير ذلك مما له علاقة بمظهر الانسان، وبالفن من حيا الجودة والخلق والتعبير عن النفس والاتقان.
وجاء اسم الملك "يصدق ال فرعم شرح عت" في كتابة أوسانية أمرت بكتابتها امرأة اسمها "رثدت" "رثدة"، وقد جاء فيها إنها قدمت إلى سيدها المذكور ملك أوسان، تمثالاً من الذهب، ليحفظ في معبد "نعمن" "نعمان"، وهي من كتابات النذور. ويظهر إنها قدمت هذا النذر لحادث وقع للملك، فتوسلت لدى آلهة أوسان بأن تمنَّ على الملك وتبارك فيه، وهي في مقابل ذلك تقدم لها نذراً تمثالاً من ذهب، ولا بد أن تكون هذه المرأة من الأسر الرفيعة التي لها شأن ومكانة، ولعلها كانت من أسرته
وجاء في كتابة أوسانية أخرى تحطم اسم صاحبها وزالت معالمه: أنه قدم تمثالاً "صلمت" من ذهب إلى سيده "مراس" "مرأس" "يصدق ايل فرعم شرح عتت" ملك أوسان. ولا بد أن يكون هذا التقديم لمناسبة حدثت للملك، فأراد هذا الوجيه التعبير عن تقديره لسيده الملك بتقديم هذا التمثال المصنوع من الذهب. وتشبه هذه الكتابة الكتابة المرقمة ب Jaussen Nr. 159 bis وهي لأخت هذا الملك، وقد سقط اسمها من الكتابة بتهشم حدث في الحجر، وبقيت منه بقية، هي: "ذت بغيثت اخت ..."، وجاء فيها إنها قدمت إلى سيدها "سقنيت مراس" صنماً من ذهب "صلم ذ ذهبم"، ولم تذكر المناسبة التي دعتها لتقديمه. وكان له شقيق هو "زيد سيلن" "زيد سيلان".
ويرى بعض الباحثين أن زمان حكم الملك "يصدق ال فرعم شرح عت" "يصدق ايل فارع شرح عت" كان في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد حتى حوالي السنة "450" قبل الميلاد. وقد استدلوا على ذلك من طراز التمثال الذي نحت ليمثل ذلك الملك.
فان شكل اللباس الذي نحته النحات ليكون لباس الملك، هو على النسق اليوناني في التماثيل اليونانية المنحوتة قبل منصف القرن الخامس قبل الميلاد. ويرى الباحثون احتمال شراء مثل هذه التماثيل من "غزة" في فلسطين، إِذ كانت سوقاً مهمة يقد عليها العرب للاتجار، وفيها معروضات يونانية وغيرها، ينقلها التجار إلى جزيرة العرب، وفي جملتها الأصنام التي أثرت في الفنانين العرب، فصاروا ينحتون تماثيلهم على شاكلتها، وفي جملتها تمثال الملك المذكور الذي يجب أن يكون قد نحت فيما بين النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد إلى حوالي السنة "450 ق. م.".
وعرفت أسماء ملوك آخرين من ملوك أوسان، لا نعلم من أمر أصحابها شيئاً يذكر، منها "معد ايل سلحان بن ذي يدم" وقد رأى "جوسن" Jaussen إن الاسم الأخير هو "زيدم" بدلاً من "ذيدم". ولقب "سلحن" "سلحان" من الألقاب التي تكرر ورودها مدونة على تماثيل ملوك أوسان، وعلى بعض الكتابات التي عثر عليها في "أبنة" وفتي المعاهدة المعقودة بين "سلحن" و "زررن" "زراران"، أي بين ملك "نجاشي" الحبشة وملك "سبأ". ويرى "ميتوخ" إن "سلحن" "سلحان" أحد المتعاقدين في المعاهدة المذكورة ما كان ملكاً حبشياً، ولكن ملكاً من ملوك أوسان. وأما "زررن"، فانه ملك من ملوك قتبان.
ووجد اسم ملك آخر من ملوك أوسان، هو "عم يثع غيلن لحى"، محظوراً على تمثال من المرمر مكتوباً كتابة حسنة. وقد نعثر في المستقبل على تماثيل أخرى لملوك العرب الجنوبيين من أوسانيين وغيرهم، اذ لا يعقل انفراد أوسان من بين سائر الشعوب العربية الجنوبية بصنع التماثيل.
وذكر "فلبي" ملكاً من ملوك أوسان يقلال له "يصدق ايل فرعم زغمهن الشرح"، ولا نعرف من أمره شيئاً. ووردت في الكتابتين الموسومتين Jaussen 72,73 وب Jaussen 75,83 ، أسماء ملوك أوسانيين منها: "زيحمن بن الشرح ملك أوسان"، و "عم يثع ملك أوسان" و "يصدق ايل فرعم عم يثع"، و "الشرح ابن يصدق ايل"، وهي أسماء لقب ببضعها بلقب ملك، وحرم بعضها هذا اللقب، ولا نعرف عن أصحابها شيئاً يذكر.
وقد كانت "أوسان" قبل استيلاء قتبان عليها وإدماجها في حكومة قتبان، مملكة ذات تجارة مع الخارج، تتاجر مع إفريقية، وتحكم أرضين أخرى ليست في الأصل من "أوسان"، مثل: "دهس"، و "تبنو" و "كحد". استدل بعض الباحثين من إطلاق مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" على الساحل الإفريقي الواقع شمال "بمبا" Pemba و "زنزبار" "زنجبار" اسم "الساحل الأوساني" عليه،
على إن الأوسانيين كانوا قد حكموه، ونزح بعضهم إليه فسكنه، وصار تابعاً لأوسان، ولا يمكن حدوث ذلك بالطبع لو لم تكن الأوسانيون أقوياء ولهم أرض واسعة في العربية الجنوبية ذات عدد كبير من السكان بحيث يسمح لهم بالاستيلاء على الساحل الإفريقي. ويرجح العلماء زمان حكم الأوسانيين لذلك الساحل الإفريقي إلى ما قبل السنة "400 ق. م.".
وتقع ملكة أوسان في جنوب "قتبان". وير من الحكومات العربية الجنوبية الصغيرة، إلا إنها كانت ذات أهمية، إذ كانت تمتلك الساحل الإفريقي الذي أشهرت إليه، وتتاجر مع سكانه. وقد كان ميناء "عدن" من جملة الأماكن التابعة لهذه المملكة.
ومن ملوك أوسان، ملك فكر اسمه في النص الموسوم ب Glaser 1600 الذي تحدث عن حملة قام بها الملك "كرب ايل وتر" على جملة قبائل وإمارات وحكومات ملية صغيرة، فبعد أن استولى هذا الملك على مدينة "شرجب" بين الجوف ونجران، ساق جيوشه إلى "أوسان"، فقتل ستة عشر ألف رجل، وأسر أربعين، واحتل أماكن أخرى كانت تابعة لأوسان، هي: "حمن" "حمان"، و "انفم" "أنف" و "حبن" "حبان" و "ديب "دياب" و "رشا" "رشاى"، و "جردن" "جردان"، و "دتنت" "دتنه"، و "تفذ" إلى ساحل البحر. وذكر النص بعد ذلك معبد "مرتوم" "مرتم" "مرتو" الذي اسمه "مسور"، أما ملك "أوسان" فكان اسمه "مرتوم" "مرتو".
وقد كانت قتبان حليفة لسبأ في هذه الحرب.
ملاك الشرق
22-04-2010, 03:46 PM
وقد يكون تعيرنا أدق وأصح لو قلنا إنها كانت تابعة لها في هذا العهد. ولذلك اشتركا مع السبئيين ضد الأوسانيين. أما "أوسان"، فكان إلى جانبها "دتنت" و "دهس" و "تبنى" وبعض قبائل "كحد". وقد رأيت أن جميع هذه القبائل ومعها "أوسان" كانت تابعة لمملكة قتبان. ويظهر إنها ثارت على قتبان، وانفصلت عنها، فتكوّنت مملكة أوسان، ودخلت القبائل الأخرى في هذه المملكة، أي مملكة أوسان، أو إنها تحالفت معها، وانفصلت كل في منطقتها فكوّنت إمارة أو ملكة صغيرة. فلما انتهى "كرب ايل وتر" من مملكة أوسان، تعقب هذه القبائل، وأخضعها لحكمه. ويظهر أن ملك "دهس" الذي كان في حلف مع أوسان، أو خاضعاً لها، انتهز فرصة انتصار "كرب ايل وتر" على أوسان فأعلن انفصاله عنهم وانضمامه إلى السبئيين، فكافأه "كرب ايل وتر" بإعطائه جزءاً من ارض أوسان هو أرض "ادوم" "أودم".
وقد احتل السبئيون أرض أوسان وأرض تبنى، ووهبوا أرض "كحد ذ حضنم لإلهَ سبأ "المقه".
أي إن الملك "كرب ال" "كربئيل" "كرب ايل" وهبها لحكومة ولشعب سبأ، وأنعم على قتبان وحضرموت ببعض الأرضين التي غنمها من الأوسانيين. ويظهر إنها كانت قتبانية وحضرمية في الأصل، غير إن الأوسانيين اغتصبوها منهم، فأعادها "كرب ايل" إلى قتبان وحضرموت، لمساعدتهما له. وقد كان ملك قتبان الملك "وروايل" اذ ذاك.
ويظهر من عبارة "وقني كرب ايل كل قسط كحد... جوم لا لمقه ولسبا"، ومن جملة "كل قسط كحد حرهو وعبد هو"، إن أرض "كحد" ذ حضنم" التي وهبت لألمقه ولشعب سبأ، أصبت ملكاً خاصاً بالملك "كرب ايل"، وان جميع أهل "كحد" أحراراً وعبيداً صاروا أنباعاً له، يستغلون الأرض ويدفعون إليه الغلات.
وقد جعل "فلبي" الملك "مرتو" في رأس قائمته التي وضعها لملوك "أوسان"، وجعل زمان حكمه فيما بين السنة "620" والسنة "600 ق. م." وذلك ليجعله معاصراً ل "كرب ايل وتر" الذي جعل حكه في هذا الزمن. وهو رأي يعارضه أكثر الباحثين في العربيات الجنوبية،اذ جعلوا حكمه في حوالي السنة "450" قبل الميلاد، أو بعد ذلك بقليل.
ووضع "فلبي" اسم الملك "ذ يدم" "ذ يد" "زيد"، بعد اسم الملك "مرتو"، وجعل زمان حكمه في حوالي السنة "230 ق. م.". فترك بذلك فجوة كبيرة لا يدري من حكم فيها. ولم يعرف اسم والد الملك "ذيدم"، وقد ذكر انه كان من عشيرة "بغيثت.
ثم ذكر "فلبي" "معد ايل سلحن" بعد "ذيد"، وجعله ابناً له. وجعل حكمه في حوالي السنة "210 ق. م."، وذلك جرياً على طريقته في وضع مدة "20" سنة لكل ملك يقضيها في الحكم. ثم جعل "يصدق ايل فرعم شرح عت" من بعد "معد ايل" وجعله ابناً له. وصيّر زمان حكمه في حوالي السنة "190 ق. م." وجعل "زيد سلحن" شقيقاً له، كما جعل له أختاً. ثم وضع الملك "معد ايل سلحن" بعد "يصدق ايل فرعم"، وجعله ابناً له، وجعل زمان حكمه في حوالي السنة "170 ق. م.". ثم صير "يصدق ايل فرعم عم يثع" ملكاً من بعده، وهو ابن "معد ايل سلحن"، وجعل حكمه في حوالي السنة "150 ق. م.". ثم جعل "فرعم زهمهن الشرح" ملكاً من بعده، وهو ابن "يصدق ايل فرعم عم يثع"، وجعل حكمه في حوالي السنة "135 ق. م". ثم ذكر "عم يثع غيلن لحى" من بعده، وهو ابن "يصدق ايل فرعم عم يثع"، وقد جعل حكمه حوالي السنة "120 ق.م 0".
ولم يذكر "فلبي" ملكاً آخر بعد هذا الملك، وإنما ذكر أنه في حوالي السنة "115 ق. م." ضم "الشرح يحضب" "ملك سبأ وذي ريدان" مملكة أوسان إلى أرض السبئيين.
ويعارض ترتيب "فلبي" لأسماء ملوك "أوسان" رأي كثير من علماء العربيات الجنوبية، فقد ذهب أكثرهم إلى تقديم الملوك الذين ذكرهم "فلبي" بعد الملك "مرتو" عليه " وجعلوا زمانهم أقدم من زمانه، فقدروا زمان الملك "يصدق ايل فزعم شرح ايل" في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد مثلاَ، أي قبل سنة "450 ق. م."، وهذا يعني انه أقدم عهداً من "مرتو"، أي إن رأيهم هو عكس ما ذهب "فلبي" إليه.
وقد ذهبت "بيرين" J. Pirenne إلى إن أوسان كانت مملكة في أواخر القرن الأول قبل الميلاد، أو بعد الميلاد بقليل، وأن حكم الملك "يصدق ايل فرعم شرحعت بن ودم" كان في حوالي السنة "24 ق. م.".
لقد كان معبد "نعمان" المعبد الرئيسي عند الأوسانيين. وقد خصص بعبادة الإلَه زود"، وهو إلههم الكبير. وبقع هذا المعيد في "وادي نعمان". وقد ورد اسمه في عدد من الكتابات الأوسانية.
الجبانيون
لقد ورد في تأريخ "بلينيوس" اسم شعب من الشعوب العربية الجنوبية، سماه Gebbanitae، وقال إن له عدة مدن أكبرها "ناجية" "نجية" Nagia و Thamna "تمنه" "ثمنه". وكان في "تمنه" خمسة وستون معبداً، وقد يكون في هذا العدد شيء من المبالغة، الا انه مع ذلك يدل على ضخامة هذه المدينة وسعتها، بدليل وصول اسممها إلى اليونان، ومبالغة هذا المؤرخ في عدد معابدها. ولما تحدث عن اللبان، قال: انه لم يكن يسمح بتصديره الا بواسطة هذه المملكة، والا بعد دفع ضريبة إلى ملكها، وتبعد العاصمة مسافة "5%148" ميلاً عن "غزة" يقطعها الإنسان في خمس وستين مرحلة على ظهور الجمال.
وفي أثناء كلام "بلينيوس" عن "المرّ" ذكر إن ملك ال "الجبانيين" Gabbanitae كان يأخذ لنفسه ربع الغلة، وذكر إن بلادهم تقع ما بين أرض شعب دعاه Astramitica وأرض شعب آخر يسمى Ausaritie = Ausaritae أشار إلى أن للمملكة ميناء يسمى Ocilia، وان حق بيع القرفة كان محصوراً بالملك وحده. وذكر أشياء أخرى عن هذا الشعب.
أشياء أخرى عن هذا الشعب.
ومعارفنا عن هذا الشعب قليلة، ويظن انه كان من الشعوب التي كانت تؤلف مملكة قتبان، وانه استقل في زمن ربما لا يبعد كثيراً عن أيام "بلينيوس". وكانت مواطنه بعد استقلاله في جوار القتبانيين في الجنوب الشرقي منهم بين قتبان وسبأ على بعض الآراء، أو في غربهم على رأي "كلاسر". ويرى "كلاسر" انه عشيرة أو طائفة من القتبانيين. ويظن بعض الباحثين انهم "جبأ". وقد ذكر "الهمداني" موضعاً سماه "جبأ" وقال فيه: "جبأ مدينة المفاخر، وهي لآل الكرندي من بني ثمامة آل حمير الأصغر"، وقال: " إن جبأ وأعمالها هي كورة المعافر، وهي في فجوة بجن جبل "صبر" وجبل "ذخر" في وادي الضباب". وقد ورد في النصوص المعينية اسم "جبأ" "جبأن" مع اسم المعينيين. ولكني لا أستطيع أن أوافق على رأي من يقول إن "الجبئيين Gabbanitae ، ولذلك دعوتهم ب "الجبانيين" انتظاراً للمستقبل الذي قد يرشدنا إلى اسم يرد في النصوص العربية الجنوبية يكون مرادفاً للفظة المذكورة.
نجران
وذكرت "نجران" كما رأينا مع "رجمت" "رجمة"، فهي أذن من المواضع القديمة من عهود ما قبل الميلاد، سواء أكان اسم نجران اسم أرض أو اسم مدينة وهي في منطقة خصبة جداً ذات ماء، ولذلك صارت طريقاً مهماً للقوافل المتجهة من العربية الجنوبية في الشمال، أو الآتية من الشمال في طريقها إلى العربية الجنوبية. ولموقعها المهم هذا تعرضت للغزو ولطمع الطامعين فيها، فأصيبا لذلك بأضرار فادحة مراراً. وقد سماها "بطلميوس" "نكرا ميتربوليس" Nagara Metropolis، أي مدينة "نكرا"، و ذكرت في نص "النمارة" الذي يعود عهده إلى سنة 328 م.
ومع أهمية "نجران"، فإننا لا نعرف من تأريخها القديم غير شيء قليل. وقد ورد اسمها في كتابة أشارت إلى حملة على النبط، "نباطو"، ويظهر أن أصحاب الحملة أو الغزاة كانوا قد توجهوا من العربية الجنوبية نحو الشمال، لأنها تذكر إنها اتجهت من "نجران" نحو "نباطو" فدمرتها، أي دمرت مدينة النبط.
مملكة مهأمر: و "مهأمرم" "مهأمر" مملكة صغيرة نستطيع أن نقول إنها إمارة من الإمارات التي لقب سادتها أنفسهم بلقب "ملك
ومقرها على ما يظهر من الكتابات مدينة "رجمت" "ركمت" "رجمة". وكان لها مجرى ماء منبعه في "نجران". وتقع أرض "أمرم" "أمر" "أمير" في شرقها في امتداد البادية، وفي جنوب "مهأمر" في بعض الأماكن. ويرى بعض الباحثين أن "رجمت" هي في أرض "نجران" في الزمن الحاضر، أو في منطقة تتاخمها في شمالها.
وقد جاء اسم "رجمت" كما رأينا في الكتابة المعينية التي وسمها العلماء ب Glaser 1150، وقد بحثت عنها في أثناء حديثي عن دولة "معين" وقلت إن من رأي بعض العلماء أن تلك الحرب نشبت بين الفرس "الماذويين" في أيام ملكهم Atraxerxes Ochus وبين المصريين، في حوالي السنة "343 ق. م". ويظهر من تلك الكتابة أن مدينة "ركمت" كانت معروفة اذ ذاك، وكانت ذات شأن وخطر، وتقع على طريق القوافل التي تصل "معين" والعربية الجنوبية بمصر.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "رجمت" هي في الواقع مدينة من مدن "نجران"، وان "نجران" لم تكن في الأصل مدينة معينة، وإنما هي أرض تضم جملة مدن، منها هذه المدينة، الا أن الناس خصصوا لفظة "نجران" على مرور الزمان بإحدى المدن، هي مدينة "رجمت"، حتى عرفت بها، فضاع بذلك اسمها القديم. ويستشهدون على صحة رأيهم هذا بأمثلة عديدة وقعت في العربية الجنوبية.
ويحتمل على رأي ""موردتمن" أن تكون "رجمت" "ركمت" هي "رعمة" في التوراة و "رعمة" في التوراة الابن الرابع ل "كوش". وقد ذهب إلى أن مراد التوراة من "كوش" في هذا المكان العربية الجنوبية. ومن أولاد "كوش" "شبا"، أي "سبأ"، و "دادان". وقد ذكر تجار "رعمة" مع تجار سبأ في سفر" حزقيال".
ملاك الشرق
22-04-2010, 11:53 PM
الفَصْلُ الثًّلاَثون
الحميريون
وجب علينا الآن البحث عن شعب لعب دوراً خطيراً في سياسة العربية الجنوبية، في هذا الوقت وقبله بمئات من السنين، وهذا الشعب هو: "حمير" الذي لا زال قائماً يلعب دوراً مهماً بين القبائل العربية الجنوبية حتى الآن.
كانت حمير من القبائل العربية المعروفة في العربية الجنوبية عند الميلاد، حتى وصل خيرها إلى اليونان والرومان، فدعوها باسم Homeritai وب Omyritaiو Omeritae و Hamioei ونحو ذلك. وقد اعتبر "بلينيوس" حمير من أكثر الشعوب العربية الجنوبية عدداً، وذكر إن عاصمتهم مدينة Sapphar، ويقصد بذلك مدينة "ظفار". وعرفوا باسم Hemer عند الحبش. وأشار إلى اسم مدينة من مدنهم، سماها "مسلة" Masala = Mesala = Mesalum وفي كلام هذا الكاتب عنهم إشارة إلى أن مدينة "ظفار" كانت عاصمة حمير في أيامه، وان الحميريين كانوا قد تمكنوا في أيامه من تكوين شخصيتهم ومن إثبات وجودهم في العربية الجنوبية يومئذ.
الفَصْلُ الثًّلاَثون
الحميريون
وجب علينا الآن البحث عن شعب لعب دوراً خطيراً في سياسة العربية الجنوبية، في هذا الوقت وقبله بمئات من السنين، وهذا الشعب هو: "حمير" الذي لا زال قائماً يلعب دوراً مهماً بين القبائل العربية الجنوبية حتى الآن.
كانت حمير من القبائل العربية المعروفة في العربية الجنوبية عند الميلاد، حتى وصل خيرها إلى اليونان والرومان، فدعوها باسم Homeritai وب Omyritaiو Omeritae و Hamioei ونحو ذلك. وقد اعتبر "بلينيوس" حمير من أكثر الشعوب العربية الجنوبية عدداً، وذكر إن عاصمتهم مدينة Sapphar، ويقصد بذلك مدينة "ظفار". وعرفوا باسم Hemer عند الحبش. وأشار إلى اسم مدينة من مدنهم، سماها "مسلة" Masala = Mesala = Mesalum وفي كلام هذا الكاتب عنهم إشارة إلى أن مدينة "ظفار" كانت عاصمة حمير في أيامه، وان الحميريين كانوا قد تمكنوا في أيامه من تكوين شخصيتهم ومن إثبات وجودهم في العربية الجنوبية يومئذ.
وقد ذكرت حمير في نص "عيزانا" Ezana، ملك "اكسوم" Askum، ودعيت في النص اليوناني منه ب Omeritai = Omyritai أي حمير.
ولم يعثر الباحثون على اسم حمير في الكتابات التي ترجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بمئات من السنين مع ورود أسماء قبائل أخرى كانت تقيم في المواضع التي نزل بها الحميريون. مثل "حبان" "حبن" و "ذيب". فقد جاء اسم "حبن" "حبان" في الكتابة الموسومة ب REP.EPIG. 3945، وهي كتابة يرجع بعض الباحثين زمان تدوينها إلى حوالي السنة "400" قبل الميلاد. و "حبان"، مدينة وأرض تقع غرب "ميفعة"، ءلى الطريق المؤدية إلى "شبوة". أما "ذيب" "ذيلب" فقبيلة، كانت منازلها ما بين "عوالق الأحور" من الغرب ومنطقة "قنا". وتضيم "دلتا" "ميفعة"، وهي من القبائل التي كانت تسكن القسم الشرقي من "حمير" أي الأرض التي هاجمت منها حُمير مملكة حضرموت.
ويذهب "فون وزمن" إلى أن اسم حمير لم يكن قد لمع في هذا العهد على أنه اسم قبيلة حاكمة، وأن اسمها لم يلمع الا بعد أن تحالف الحميريون مع قبائل أخزى مثل "ذياب"، فصاروا بحلفهم هذا قوة، وصار لهم نفوذ.
وقد ورد اسم قبيلة "حبن" "حبان" و "ذيب" "ذياب" في النصوص المتأخرة كذلك مثل كتابات "عقلة".
وقد عرف الحميريون عند أهل الأخبار أكثر من بقية الشعوب العربية الجنوبية الأخرى التي نتحدث عنها، وقد جعلوا "حميراً"، وهو جدّ الحميريين في زعمهم، ابناً ل "سبأ"، وصيروه "حمر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان". وقد سموه "العرنج" وزعموا أنه كان ملكاً، وأنه ملك بعد ملك أبيه "سبأ"، وأنه أول من تتوج بالذهب، وملك خمسين سنة، وعاش ثلاثمئة عام، وكان له من الولد ستة، منهم تفرعت قبائل حمير، وكانت بينهم حروب، إلى أمثال ذلك من أقوال.
وقد حاول بعض أهل الأخبار إيجاد تفسير للفظة "حمير"، ولكلمة "عرنج"، فذكروا أوجهاً متعددة للتسمية. وقد اعترف "ابن دريد"، بأن من الصعب الوقوف على الأصل الذي اشتق منه اسم "حمير" أو "العرنج"، لأن هذه أسماء قد أميتت الأفعال التي اشتقت منها. وقد ذكر أن بعض أهل اللغة زعموا أنه سمي حمير، لأنه كان يلبس حلة حميراء، وذكر أيضاً "أن هذه الأسماء الحميرية لا تقف لها على اشتقاق لأنها لغة قد بعدت وقدم العهد بمن كان يعرفها" ويطلق أهل الأخبار لصب "تبع" على الملوك الذين حكموا اليمن، وعلى مجموعهم "التابعة". وهم في حيرة من تفسير المعنى.
وقد ذكر أكثرهم أنهم إنما سموا تبعاً و "تبابعة" لأنهم قي يتبع بعضهم بعضاً كلما هلك واحد قام مقامه آخر تابعاً له علما مثل سيرته. أو لأن التبع ملك يتبعه قومه، ويسيرون خلفه تبعاً له. أو لكثره أتباعه. أو من التتابع، وذلك لتتابع بعضكم بعضاَ. وذكروا إن أحد التبابعة كان قد صنع "الماذيات" من الحديد، وان الحديد سخر له، كما سخر للنبي "داوود". وأشير إلى "تبع" في القرآن الكريم: )أهم خير أم قوم تبع( و )أصحاب الأيكة وقوم تبع(. وقد ذكر بعضهم أن هذا اللقب لا يلقب به إلا الملوك الذين يملكون اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم "بنو جشم بن عبد شمس" أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمى ملكاً. وأول من لقب ممهم بذلك "الحارث بن ذي شمر" وهو الرائش، ولم يزل هذا اللقب واقعاَ على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن. وذكر أهل الأخبار أن تبع عند أهل اليمن لقب هو بمنزلة الخليفة للمسلمين وكسرى للفرس وقيصر للروم. وكان يكتب إذا كتب: بسم الذي ملك براً وبحراً.
واختلف علماء التفسير في اسم "التبع" الحميري المذكور في القرآن الكريم، فذهب بعضهم إلى أنه من حمير، وأنه حَيّر الحيرة وأتى "سمرقند" فهدمها. وذهب بعض آخر إلى أن تبع كان رجلاً من العرب صالحاً، وأنه لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا، وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم إلى دينه، وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار. قال نعم فتحاكموا إليها، وكان معه حبران، فغلب الحبران النار، ونكصت على عقبها، فتهوّدت حمير، وهدم "تبع" بيت "رئام"، وهو بيت كانوا يعظونه وينحرون عنده ويكلمون منه، وانتصر عليهم.
وقد ذكروا إن تبعاً أول من كسا البيت، وان الرسول نهى عن سبّه. وروي انه قال: "لا أدري تبع نبياً كان أم غير نبي". ويظهر من هذا القصص المروي عن "تبع" والذي يعود سنده إلى "كعب الأحبار" و "وهب ابن منبه" و "عبد اللّه بن سلام" في الغالب، انهم قصدوا ب "تبع" الملك "اسعد أبو كرب" الذي تهوّد. يؤيد هذا الرأي نص كثير من المفسرين والأخباريين على اسمه، ونسبتهم القصص المذكور إليه.
وذكر "ابن كثير" إن "أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليماني" هذا هو "تبع الأوسط" وانه ملك قومه ثلاثمائة سنة وستاً وعشرين سنة? ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث الرسول بحو من سبعمائة سنة إلى غير ذلك من قصص يرجع سنده إلى المذكورين.
هذا وللتبابعة قصص طويل في كتب أهل الأخبار، فيها قصص عن نسبهم، وفيها قصص آخر عن فتوحاتهم وحروبهم، وكلام عن دياناتهم، وحديث عن حكمهم وأحكامهم، تجده مبسوطاً مفروشاً في صفحات تلك الكتب، تجد فيها بعض التبابعة وفد آمنوا برسالة الرسول ووقفوا على اسمه وذلك قبل ميلاده بمئات من السنين. وتمنّوا لو عاشوا فأدركوا ايامه وذبوّا عن حياضه. هذا أحدهم وهو التبع "اسعد أبو كرب بن ملكيكرب"، يقول: شهدت على أحـمـد انـه رسول من اللّه باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمـره لكنت وزيراَ له وابن عـم
وجاهدت بالسـيف أعـداءه وفرجت عن صدره كلّ هم
فهو يشهد برسالة الرسول، ويؤمن بها قبل مبعثه بنحو من سبعمائة سنة، ويرجو لو مدّ في عمره، فوصل إلى أيام الرسول، أذن لجاهد وحارب معه، وفرِّج عنه كل همّ، لأنه كان يعلم بما سيلاقيه الرسول من قومه من أذى وعذاب. ولصار له وزيراً وابن عم
ملاك الشرق
22-04-2010, 11:56 PM
ويذكر بعض الأخباربين، إن تبعاً قال للأوس والخزرج ، كونوا هنا حتى يخرج هذا النبي، صلى الله عليه وسلم، أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه. إلى غير ذلك من قصصن يحاول إن يجعل للتبابعة علم سابق قديم برسالة الرسول باسمه وبمكان ظهوره. وبتهيؤ القحطانيين ومنهم أهل المدينة لتأييده وللذبّ عنه، ولنشر دينه على رغم قريش أهل مكة، وهم لبّ العدنانيين.
وتجد في كتب أهل الأخبار بعض التبابعة وقد صيروا مسلمين حنفاء يدعون إلى الدين الحق وينهون قومهم عن عبادة الأصنام. وتجد فيها أحاديث قيل إن رسول الله قالها في حق التبابعة مثل قوله: "لا تسبوا تبعاً، فانه كان قد أسلم"، أو " لا تسبوا تبعاَ فانه كان رجلاً صالحاً" "ولا تسبوا تبعاً فانه أول من كسا الكعبة". أو لا ما ادري أكان في تبع نبياً أم غير نبي". وتجد فيها أكثر من ذلك فقد بلغ الحال ببعض أهل الأخبار إن صيّروا بعض التبابعة أنبياء وفاتحين، بلغت فتوحاتهم الصين في المشرق و "روما" في المغرب. وهذا القصص كله هو بالطبع من حاصل ذلك النزاع السياسي الذي كان بين القحطانيين والكتلة المعادية لها، كتلة العدنانيين.
وما هذا الالحاح الذي يؤكد أيمان التبابعة بإلَه واحد وتسليمهم برسالة الرسول وتدينهم بدينه،
وفي عدم جواز سب التبابعة أو لعنهم أقول ما هذا الالحاح الا دليل ظاهر محسوس على إن من الناس من كان يلعن التبابعة ويسبهم ويشتمهم، ولم يكن هذا الشتم أو اللعن موجهاً إلى التبابعة بالذات بالطيع، بل كان موجهاً لليمن وللقحطانيين عامة، وللرد صليهم وضعت تلك الأحاديث وأمثالها على لسان الرسول. وقد ظهر أجداد أهل اليمن فيها احسن وأخير من أجداد قريش، وأهل مكة، ظهروا فيها مؤمنين موحدين، كسوا البيت الحرام، وكانوا هم أول من كسوه، وعنوا بالبيت اذ عمّروه مراراً، وقدروا مكانته قبل الإسلام بزمان طويل خير تقدير.
وذكر "المسعودي" إن "تبعاً" المعروف ب "تبع الأول" عن أول من حكم بعد "الهدهاد بن شرحبيل بن عمرو بن الرائش"، وقد ملك-على زعمه- أربعمائة سنة، ثم ملكت بعده بلقيس بنت الهدهاد. ولم يشر إلى صلة "تبع الأول" بالهدهاد، والظاهر من قوله: "وذكرَ كثير من الناس أن بلقيس قتلته"، أنه كان على رأي أهل الأخبار وأصحاب "كتب التبابعة"، مغتصباً للعرش ليست به بالهدهاد صلة ونسب. فأول من حكم باسم "تبع" على رواية المسعودي هو تبع المذكور.
وكلمة "تبع" لم ترد في نصوص المسند، لا بمعنى ملك، ولا بمعنى آخر له علاقة بحكم أو بوظيفة أو بملك. وقد أطلقت تلك النصوص على اختلاف لهجاتها لقب "ملك" على الملوك، أي على نحو إطلاقنا لها في عربيتنا، ولهذا يرى المتشرقون أن كلمة "تبع" هي "بتع" القبيلة التي تحدثت عنها من "همدان". وحرفت الكلمة فصارت "تبع".
وقد كان الحميريون يسيطرون على القسم الجنوبي الغربي من العربية الجنوبية في أيام مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري"، ولا سيما في مدينة "ظفار" وحصنها الشهير المعروف ب "ريدان"، الذي يرمز إلى ملك حمير والذي يحمي العاصمة من غارات الأعداء. وهو بيت الملوك وقصرهم أيضاً. وقد كانت منازل حمير في الأصل إلى الشرق من هذه المنازل التي ذكرها مؤلف الكتاب. كانت تؤلف جزءاً كل من أرض حكومة قتبان وتتصل بحكومة حضرموت.
وتقع في جنوب "ميفعه". وتؤلف أرض "يافع" المسكن القديم للحميريين، وذلك قبل نزوحهم عنها قبل سنة "100" قبل الميلاد إلى مواطنهم الجديدة. حيث حلّوا في أرض "دهس" "داهس" وفي ارض "رعين" حيث كانت "رعين" " فأسسوا على أشلائها حكومة "ذو ريدان".
وحدود أرض حمير في مواطنها القديمة: "ارض" "رشأى" "رشاى" و "حبان" "حبن" في الشمال وأرض حضرموت في الشرق، وأرض "ذيب" "ذياب" في الغرب. وقد كانت في الأصل جزءاً من حكومة قتبان.
و يظهر من الكتب العربية إن الحميريين كانوا يقطنون حول "لحج" في منطقة "ظفار" و "رداع" وفي "سرو حمير" و "نجد حمير".
وقد عرفت الأرض التي أقام بها الحميريون ب "ذي ريدان" "ذ ريدن"، نسبة إلى "ريدن" "ريدان"، قصر ملوك حمير بعاصمتهم "ظفار". وهو عند حمير بمثابة قصر "سلحن" "سلحان" "سلحين"، وقصر "غمدن" "غمدان" عند السبئيين.
وقد اخذ حصن "ريدان" اسمه من حصن اقدم عهداً منه كان في قتبان، بني عند ملتقى اودية في جنوب العاصمة "تمنع"- عرف ب "ذي ريدان" "ذ ريدان"، وقد بني على جبل يسمى ب "ذي ريدان" يؤدي إلى "حدنم" "حدن". ولما كان الحميريون يقيمون في هذه الأرض المعروفة ب "ذي ريدان" وذلك حينما كانوا اتباعاً لمملكة قتبان، لذلك أطلقوا على الحصن الذي بنوه ب "ظفار" اسم حصن "ذي ريدان"، تيمناً باسم قصرهم القديم، وأطلقوا "ذي ريدان" على وطنهم الجديد الذي أقاموا فيه بعد ارتحالهم عن قتبان، ليذكرهم. اسم وطنهم القديم.
وقد عشر على كتابة في خرائب حصن "ريدان" القديم، الذي كان قد بناه الريدانيون أيام أقامتهم بقتبان، قدّر الخبراء زمان كتابتها بحوالي السنة "400" قبل الميلاد.
ويقع حصن "حدي" عند حافة الجبل الذي تقع عليه خرائب "ريدان" وهو اسم يذكرنا باسم "حدنم" المذكور.
وقد كان الحميريون أتباعاً لمملكة قتبان قبل انتقالهم إلى وطنهم الجديد، فأرضهم كانت خاضعة لحكومة قتبان تؤدي الجزية لها وتعترف بسيادة ملوك قتبان عليها، ولذلك أطلق السبئيون عليهم "ولد عم" أي ولد الإلهَ "عم" و "أمة عم" "ملّة عم" وهو إلهَ قتبان. وتعني تلك الجملة "جماعة عم"، أي قتبان ومن يخضع لها من قبائل، ف "عم" هو رمز قتبان. وهو تعبر يؤدي معني التبعية والجنسية بالمعنى الحديث. ولما كان الحميريون إتباعاً لقتبا في ذلك العهد، وان لم يكونوا يتعبدون للإلَه "عم" إلَه قتبان، ادخلوا في جملة "ولد عم" للتعبير عن المعنى المذكور.
وقد عثر الباحثون على كتابات مؤرخة، سنة 1094 أرخت بالتقويم العربي الجنوبي الذي يرجع عهده إلى السنة "115" أو "109" قبل الميلاد. عثر عليا قي ارضين حميرية. وقد تبين كل من تحويل تلك السنين إلى سنين ميلادية، إنها تعود إلى السنة "400" للميلاد فما بعد.
ويرى بعض الباحثون إن السنة المقابلة لسنة "115" أو "09 ا" قبل الميلاد، وهي السنة الأولى من سني التقويم العربي الجنوبي، هي سنة نشوء حكومة حمير وظهورها إلى الوجود بصورة فعلية. ولهذا صار الحميريون يؤرخون بها لما لها مهن أهمية في الناحية السياسية عندهم.
وقد كان الحميريون يغزون أرض حضرموت ويتحرشون بطرق تجارتها ولاسيما طريق "شبوة"- "قنا" "قانه"، المؤدي إلى المدن الجنوبية والساحل لذلك اضطرت حضرموت إلى إقامة سور يسد الوادي "وادي لبنا" "لبنه"، أقيم من حجارة قوية بحيث سدّ الوادي، فليس للمارة سبيل سوى الباب الذي يحرسه حراس أشداء. ويظهر إن إقامة ذلك السور كان قبل السنة "400" قبل الميلاد.
وقد اكتسح الحميريون أملاك غيرهم من جيرانهم فاستولوا على أرض "رعين". وقد كانت "رعين" مملكة صغيرة حكمها ملوك كما تبين ذلك من الكتابات. وقد كانت هذه المملكة تحكم أرض "عرش" وقد استولى عليها الحميريون أيضاً كما استولوا على كل الأرضين التي، كانت خاضعة لحكم ملوك "رعين" "رعين". فأضافوها إلى حكومة "ريدن" "ريدان" "ذي ريدان". وقد حدث ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد.
وقد كانت مملكة "رعين" كما يتبين كل من الكتابة الموسومة ب Glaser 1693 في حلف مع سبأ ضد ملكة "قتبان"، ويظهر إنها كانت مع سبأ لتدافع بذلك عن نفسها إذ كانت جارة لقتبان، ولقتبان مصالح خطيرة في أرض "رعين".
ويتبين من النص الموسوم ب Glaser 1693 الذي يعود عهده إلى أيام الملك "يدع أب يجل"، والذي يرجع بعض علماء العربيات الجنوبية عهده إلى حوالي السنة "200" قبل الميلاد- أن "رعين"، كانت مملكة إذ ذاك، وفي أرض "رعين" أقام الحميريون دولتهم حيث اتخذوا "ظفار" عاصمة لهم. وكانوا قد زحفوا على هذه الأرض وعى "دهس" "داهس" والمعافر واستقروا بها، حيث تغلبوا على سكانها الأصليين، وأقاموا حكومة حمير، التي أخذت تنافس سبأ وتتوسع في أرض القتبانيين وغيرهم، متوخية انتزاع السلطة من السبئيين.
وقد كان "شطر ذي ريدان" الذي تحدثت عنه في أثناء كلامي على "الشرح يحضب" من أقيال حمير ومن ساداتهم البارزين في ذلك الوقت. وقد رأينا انه كان نشطاً محارباً يتصل بالحبش وبملك "نجران"، وبملك حضرموت، وبكل من يجد فيه عداوةً ونصباً
"الشرح يحضب" ليمكنوه من التغلب عليه، ومن انتزاع الحكم منه. ولكنه لم يتمكن مع كل ذلك من التغلب على "الشرح"، بل اضطر في الأخير إلى التصالح معه، والى الاعتراف بسيادته، حتى أنه صار قائداً من قواد جيشه في حربه التي أثارها "الشرح" على حضرموت. كما عوقبت "نجران" عقاباً شديداً نتيجة لاندفاعها مع "شمر" وتأييدها له، وإعلانها الحرب على "ملك سبأ وذي ريدان".
ويظهر من وصف "بلينيوس" Pliny، أن القسم الجنوبي من ساحل البحر الأحمر كان تابعاً لملك حمير، صاحب "ظمار". ويظهر من الكتابة CIH 41 أن مملكة حمير كانت تضم رعين و "ذمار" "ذمر" والأرض التي تقع في الشمال المسماة ب "قاع جهران" في الوقت الحاضر. فيظهر من ذلك أن الحميريين كانوا قد تمكنوا من الاستيلاء على الهضبة وعلى المناطق الجنوبية من اليمن الممتدة على البحر الأحمر. ونحن لا نملك في الوقت الحاضر أي نصوص تشير إلى الوقت الذي استولت حمير فيه على هذه الأرضين. ويظن البعض أن ذلك قد كان في أيام حملة الرومان على اليمن،
فاستغل الحميريون هذه الفرصة، فرصة ضعف حكومة السبئيين، فاستولوا على تلك الأرضين.
وقد يرجع زمان استيلاء حمير على ميناء "قنا" الشهير، وهو أهم ميناء في حضرموت إلى هذا العهد، أو إلى عهد يقع بعد ذلك بقليل.
ولم تكن علاقات حمير بسبأ علاقات طيبة في الغالب. بل يظهر أنها كانت نزاع وخصومة في أكثر الأوقات. وتجد في كتابات السبئيين إشارات إلى حمير والى نزاع سبأ معهم. وقد دعوهم ب "حمير" "حمر" "حمرم" وب "ذي ريدان" "ذ ريدن" و "ببني ذي ريدان"، ودعوا ملوكهم: "ذمر على ذي ريدان" و "شمر ذي ريدان" وب "كرب ايل ذي ريدان".
وقد استطاع الحميريون من الاستيلاء على "مأرب". استولوا عليها جملة مرات. لقد تمكن أحد ملوكهم من احتلالها ود*********ها، ويظهر إن ذلك كان بعد حملة الرومان على اليمن، فعدل في لقبه الملكي الرسمي وهو "ذو ريدان"، وجعله مثل لقب الملوك السبئيين الشرعيين. وهو "ملك سبأ وذي ريدان"، الذي يشير إلى استيلاء سبأ فيما مضى على حمير وضم أرضهم إلى أرض سبأ. والظاهر إن "اقول" أقيال سبأ:
ثاروا على الحميريين فأخرجوهم من "مأرب"، وأعادوا العرش إلى العائلة السبئية المالكة، فحكموها بصفتهم ملوك سبأ وذو ريدان، وان لم تعن لهم سيطرة فعلية على أرض حمير، واحتفظ ملوك حمير باللقب الجديد الذي لقبوا أنفسهم به، وهو "ملك سبأ وذو ريدان"، مع انهم كانوا قد أخرجوا من أرض سبأ، وان لم يكن قد بقي لهم أي نفوذ فيها. وهكذا صرنا نجد حاكمين: أحدهما سبئي وآخر حميري، يلقب كل واحد منهما نفسه بلقب "ملك سبأ وذو ريدان".
وقد جعل "فون وزمن" استيلاء حمير على مأرب في حوالي السنة "110" بعد الميلاد. وعاد فذكر إن الحميريين استلوا على "مأرب" مرة أخرى، وذلك في حوالي السنة "200" أو "210" للميلاد. واستند في حكمه هذا على الكتابة الموسومة ب Jamme 653.
ومن ملوك حمير الملك "يسرم يهصدق" "ياسر يهصدق"، الملقب ب "ملك سبأ وذو ريدان" في الكتابة الموسومة 41 CIH. ويرى "فون وزمن" انه حكم بعد الميلاد. حكم في النصف الثاني من القرن الأول بعد الميلاد، فيما بين السنة "70" و "80" بعد الميلاد.
ملاك الشرق
22-04-2010, 11:59 PM
وقد وضع "فون وزمن" اسم "الشرح" بعد اسم "ياسر يهصدق"، وجعل أيامه في حوالي السنة "90" بعد الميلاد. وقد ذكر انه كل من حمير والى أيامه تعود الكتابة المرقمة ب Cih 140. ويرى هذه الكتابة هي أقدم كتابة ورد فيها خبر حرب وقعت بين حمير وسبأ.
ثم ذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على يهبأر" بعد اسم "الشرح" وقد جعل حكمه في حوالي السنة "100" بعد الميلاد. والى زمانه تعود الكتابة الموسومة ب Cih 365. وكان يعاصره الملك "شهر هلال يهقبض" ملك قتبان. ويرى "فون وزمن" إن "ذمر على يهبار" "ذمر على يهبأر" حارب شخصاً من "بني حزفر" "بن حزفرم". و "بنو حزفر" هم من عشيرة "ذ خلل" "ذو خليل"، وهم عشيرة قديمة يرجع اليها نسب مكربو سبأ وأكثر ملوك السبئيين. ويرى احتمال كون هذه الحرب قد وقعت مع أحد أفراد العائلة السبئية المالكة. وقد تمكن "ذمر على" من الاستيلاء على حصن "ذت مخطرن" "ذات مخطران"، ومن د********* "مأرب". وقد قام هو وابنه "ثارن" "ثأران" بترميم سد مأرب وببناء المواضع التي تخربت منه. وذلك لأنه كان قد خرب، وذكر إن تخرب السد هذا، هو تخرب لم يصل خبره إلينا. وقد قدم الملكان قرابين وهما بمأرب إلى "عثتر" "عثتار" و "سحر" بمعبد "نفقان" "نفقن".
وقد بلغ الحميريون على رأي "فون وزمن" أوج أيام عزهم في هذا العهد. فقد حكموا السبئيين ومعهم "ذ عذبهن" "ذو عذبهان"، الذين نعتوا أنفسهم ب "ادم"، اي الأتباع .
ثم وضع "فون وزمن" اسم "ثارن يعب" "ثأران يعب"، بعد اسم "ذمر على". و إلى زمانه تعود الكتابتين Cih 457 و Cih 569.
ثم وضع "فون وزمن" اسم "شمر يهرعش الأول" من بعده، وقد كان معاصرا ل "أنمار يهأمن" ول "كرب ايل وتر يهنعم" من "بني بتع" من قبيلة "سمعى". وقد كان حكمه في حوالي السنة "140" بعد الميلاد .
وذكر "فون وزمن" أن السبئيين تمكنوا من الاستيلاء على حمير، فصارت تابعة لهم، وكان ذلك في أيام "ملك سبأ وذي ريدان" "شعرم أوتر" "شعر أوتر"، و بقيت حمير خاضعة لهم إلى أن ثارت عليهم بزعامة "لعزز يهنف يهصدق" "العز يهنف يهصدق" "لعز يهنف يهصدق" "لعز نوفن يهصدق" حيث ولي عليهم وحكم بلقب "ملك سبأ وذي ريدان".
وقد جعل "فون وزمن" زمان حكم "لعزز يهنف يهصدق"، فيما بين السنة "190" و "200" بعد الميلاد. وجعل أيام حكمه في أيام استيلاء "جدرت" "جدرة" الحبشي على "ظفار" .
وقد جاء اسم الملك "لعزز يهنف يصدق" في الكتابة الموسومة ب Jamme 631 وقد لُقّب فيها بلقب "ملك سبأ وذو ريدان". كما بعد أسطر من ورود اسمم الملك السبئي "شعر أوتر" "ملك سبأ وذو ريدان". كما جاء اسم الملك "لحيثت يرخم" الذي لقب أيضا بلقب "ملك سبأ وذو ريدان". وقد سجل هذه الكتابة أحد القادة السبئيين. ويظهر إن السبئيين والحميريين كانوا قد كونوا جبهة واحدة لمحاربة الحبش الذين هاجموا اليمن في عهد "جدرت" "جدرة".
وقد وقعت اضطرابات في هذا العهد، دامت حوالي قرن ونصف قرن. لم تنعم اليمن في خلال هذه المدة بالراحة والاستقرار. فنجد في الكتابات التي وصلت إلينا عن هذا العهد ذكر فتن وحروب وأوبئة وغزوات وغارات. وتجد ملوكاً و إقطاعيين يحاربون بعضهم بعضاً. ويعزو "ريكمنس" سبب ذلك إلى إدخال الخيل في الحروب وحلولهما محل الجمل. مما ساعد على حركة القتال، وفي نقل الحروب بصورة أسرع إلى جبهات كان الجمل يقطنها ببطء. كما يررى "دوستل" W. Dostal أن لتحسين السروج التي كان يستعملها المحاربون الفرسان دخل في هذه الحروب والاضطرابات.
اشد أدى استعمال الخيل في الحروب وتحسين سروجها على رأي الباحثين المذكورين إلى إحداث تطور خطير في أسلوب القتال. كما أدى إلى ظهور قوة محاربة لها نفوذ في الأحداث وفي سياسة جزيرة العرب هي قوة الأعراب. فقد أدى استخدام البدو للخيل إلى إمعانهم في الغزو والى إغارتهم على الحظر طمعا في أموالهم وفي ما عندهم من أمتعة ومال. كما أدى إلى الإكثار كل ن غزوهم بعضهم بعضا، والى التدخل في شؤون الحكومات. و صار لهم نفوذهم في الأمور السياسية والعسكرية في العربية الجنوبية، واضطرت حكومات هذه الأرضين على أن تحسب لهم حساباً، كما استخدموا الأعراب في قتالهم مع الحكومات الأخرى المنافسة لها، وفي محاربة الأقيال و الأذواء.
ثم جعل "فون وزمن" اسم "ياسر يهنعم الأول" من بعده، وقد حكم معه ابنه "شمر يهرعش"، الذي لقبه بالثاني، تمييزاً له عن "شمر" المتقدم. و في عهدهما احتل الحميريون "مأرب"، و صارت "سبأ" تابعة لهم. وكان ذلك في حوالي السنة "200" للميلاد. وكان يعاصرهما "عذبة" نجاشي الحبشة في هذا الوقت.
ويرى "فون وزمن" أن الكتابات العربية الجنوبية انقطعت فجأة بعد هذه الكتابة المتقدمة عن ذكر ملوك "همدان"، فلم تعد تذكر شيئاً عنهم، ويعزو سبب ذلك إلى الأوبئة التي اجتاحت البلاد والى تألق نجم الأسرة الحميرية الحاكمة التي تمكنت على ما يظهر من الاستيلاء على عاصمة سبأ "مأرب" وعلى نجاد سبأ والى انفراد سادة "مضحى" "مضحيم" "مضحم"، وقد تكون استولت على ردمان كذلك.
وفي هذه الظروف حكم "ياسر يهنعم" الذي لقبه "فون وزمن" بالأول مع ابنه "شمر يهرعش" الذي لقبه ب "الثاني" الذي اشترك معه بالحكم ثم انفرد به وحده فحكم في "ظفار" وفي "مأرب".
ثم نصب "فون وزمن" شخصاً دعاه "كرب ايل ذو ريدان" بعد "شمر يهرعش الثاني" وجعله معاصراً للنجاشي "زوسكالس" Zoskales، وجعل حكمه في حوالي السنة "210" بعد الميلاد. وهو شخص لا نعرف اسمه الملكي الكامل. ويرى "فون وزمن"
انه هو المقصود في الكتابات Jamme 578,586,589، وهي كتابات دوّنها خصومه. ويظهر من إحدى الكتابات إن جيوش خصميه "الشرح" و "يأزل" بلغت "سرعن" في "ردما ن" و "قرننهن" "القرنين" و "عروشتن" "العرائش" في نجاد قبيلة "حرمتم" "حرمت" "حرمة"، في أرض "مراد" بين "مأرب" و "قتبان"، و إنها استولت على الحصن الجبلى المنيع "عر اساى" "عر الاسى" "عر أسأي" شرق "ذمار".
وقد نشبت حرب أخرى بينه وبين خصميه، اضطرته إلى الاعتراف بسيادة "الشرح" و "أخيه" عليه، غير انه عاد فثار على خصميه، فخسر في هذه المرة أيضاً. خسر مدينة "هكر" التي اشتهرت بقصرها الملكي على قمة التل، وخسر "رداع" و "ظفار" فاضطر إلى الفرار.
ثم جعل "فون وزمن" "ثارن يعب يهنعم" من بعده، وقد كان حكمه في حوالي السنة "230" حتى السنة "240" للميلاد.
ثم ذكر "فون وزمن" اسم "ذمر على وتر يهبأر" من بعده، وقد كان حكمه في حوالي السنة "250" للميلاد. ثم انتقل منه إلى "عمدان بين يهقبض" الذي جعل حكمه في حوالي السنة "260" حتى السنة "270" للميلاد.
وجعل "فون وزمن" الملك "ياسر يهنعم" من بعد "عمدان بين يهقبض" وقد نعته بالثاني، وجعل حكمه مع ابنه "شمر يهرعش" الذي لقبه بالثالث، والذي انفرد وحده بالحكم بعد وفاة والده فحكم حتى السنة "300" للميلاد. وقد كان يعاصره الملك "شرح ال" و "رب شمس".
وجعل "فون وزمن" حكم الملك "ياسر يهنعم الثالث" و "ثارن ايفع" "ثأرن أيفع" بعد حكم "شمر يهرعش الثالث". وقد كان حكم "ياسر يهنعم" الثالث منفرداً في بادئ الأمر ثم أشرك ابنه "ذرأ أمر أيمن" معه في الحكم، وذلك في الشطر الثاني من أيام حكمه. وقد عاصرا "عزانا" ملك الحبش الذي غزا اليمن. ثم جعل "ذمر على يهبر"، من بعد الاثنين المذكورين، وهو ابن "ثارن يكرب" "ثأرن يكرب".
وذكر "فون وزمن" إن "ذمر على يهبر" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم" في الشطر الثاني من أيام حكمه، وذللك فيما بين السنة "340" والسنة "360" للميلاد. وجعل في حوالي هذا العهد خراب سد مأرب للمرة الثانية.
وفي هذا العهد دخل ملك حمير في النصرانية بتأثير "ثيوفيلوس" عليه. وبنيت كنائس في "ظفار" وفي "عدن". فما أشرك الملك "ثأران يهنعم" "ثارن يهنعم" ابنه "ملك كرب يهامن" "ملكيكرب يهأمن" معه في الحكم.
وذكر أنه في حوالي السنة "378" للميلاد ترك معبد "اوم" "أوام"، وأهمل، بسبب انصراف أكثر الناس عن التعبد فيه وتركهم عبادة آلهة سبأ القديمة.
وذكر "فون وزمن" أن الملك "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن" حكم منذ السنة "385" للميلاد مع ولديه: "اب كرب اسعد" "أبو كرب أسعد" و "ذرأ أمر أيمن". ثم ذكر بعدهم اسم "أبو كرب أسعد" مع ابنه "حسن يهأمن" "حسّان يهأمن". وقد ذكر أن "أبا كرب أسعد" هو الذي حكم بعد والده "ملكيكرب يهنعم" "ملكيكرب يهأمن"، ثم حكم مع ابنه "حسان يهأمن" حكماً مشتركاً، مستعملين لقباً جديداً هو: "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم و تهمتم". وذلك في حوالي السنة "400" للميلاد.
ويعرف "أبو كرب أسعد" "ابو كرب اسعد" ب "أسعد تبع" عند أهل الأخبار. و يذكرون أنه اعتنق اليهودية أثناء نزوله بيثرب في طريقه إلى اليمن.
وقد ذهب "فون وزمن" إلى أن الذين حكموا حمير كانوا من أسرة ملكية واحدة. ولكنهم يرجعون إلى فرعين. وذهب "ريكمنس" إلى أن ملوك حمير كانوا أسرتين: أسره "ياسر يهنعم" وأسرة "ياسر يهصدق"، وقد حكم أعضاء الأسرتين متفرقتين ولكن في وقت واحد.
و ظفار، هي عاصمة حمير. وقد اشتهرت بجزعها، ولا تزال تشتهر به. وقد تفنن الحميريون في تجميله بحفر محور ونقوش لحيوانات ونباتات وأزهار عليه، وفي صقله، ويستعمل عقداً يوضع حول العنق وخاتماً لتزيين الأصابع. و اشتهرت بأنها موطن لغة حمير فقيل: من دخل ظفار حمر، لأن لغة أهلها الحميرية.
وقد زالت معالم قصر ريدان بظفار، و موضعه اليوم ربوة مربعة الشكل تعرف ب "ريدان"، بقي منه "سرعبان" " أي طوفيين بشكل هندسي، من الحجر المنحوت. وقد زار "كلاسر" مدينة ظفار والخرائب الواقعة على الربوة المتاخمة لآثار ظفار من الجنوب. وقد سمى ذلك الخرائب القائمة على الربوة ب "حصن زيدان". وقد شك، في كونه "حصن ريدان" القديم. ولكن بعض الباحثين لا يؤيدون رأيه هذا. وأظن إن كلمة "زيدان" هي تحريف للاسم القديم "ريدان".
وقد اشتهرت حمير عند أهل الحجاز بمصانعها، فقيل: مصانع حمير. وفي: كلام النبي لوفد كندة: "إن الله أعطاني ملك كندة و مصانع حمير، وخزائن كسرى وبني الأصفر، وحبس عنيّ شر بني قحطان، و أذل الجبابرة من بني ساسان، وأهلك بني قنطور بن كنعان".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:00 AM
ترتيب ملوك حمير
هذا وقد رتب "فون وزمن" بعض ملوك حمير ترتيباً زمنياً على هذا النحو: 1 - ياسر يهصدق. وقد حكم بحسب رأيه في حوالي سنة "75" ب. م.
2 - ذمر على يهبر. وقد كان حكمه في حوالي سنة "100 ب. م.".
3 - ثأران يعب. وقد كان حكمه في حوالي سنة "125 ب. م.". ثم وضع فراغاً بعده، يدل على حكم ملك من بعده لا يعرف زمانه، ووضع بعده حكم الملك "شمر يهرعش" الأول، وقد كان حكم ذلك الملك الذي لم يعرف اسمه و لا خبره ولا أسرته في حوالي سنة "150 ب. م.".
4 - ثم وضع بعد اسم "شمر يهرعش الأول" فراغاً ذكر إن حمير صارت فيه تابعة للسبئيين، وذلك في عهد "ملك سبأ وذو ريدان شعرم اوتر" "شعر أوتر". ثم وضع بعده اسم الملك "لعزز يهنف يهصدق" "لعزز يهأنف يهصق".
5 - ثم ذكر بعد "لعزز يهنف يهصدق" اسم الملك "ياسر يهنعم"، وقد نعته ب "الأول"، ليميزه عن ملكين آخرين عرفا بهذا الاسم.
6 - ثم وضع بعده اسم ابن له دعاه ب "شمر يهرعش الثاني".
7 - ثم وضع بعده اسم ملك بقي من اسمه الأول فقط، وهو "كرب ال" "كرب ايل"، وقد نعته ب "كرب ايل ذو ريدان".
8 - ثم وضع اسم الملك "ذمر على وتر يهبر" "ذمر على وتر يهبأر" من بعده.
9 - ثم اسم "ثارن يعب يهنعم" ثم ترك فراغاً، ذكر بعده اسم.
- الملك "عمدان بين يهقبض".
11- ثم الملك "ياسر يهنعم الثاني".
12- ثم "شمر يهرعش الثالث".
13- ثم اسم الملك "ياسر يهنعم الثالث".
14- ثم "ثارن ايفع" "ثأران أيفع".
15- ثم "ذرارمر ايمن" "ذرأ أمر أيمن". وهو ابن "ياسر يهنعم الثالث".
16- ثم ذكر اسم ملك لم يتأكد من لقبه هو "ثأران ى..." "ثأران ي...".
17- وذكر بعل ه الم "ذمر على يهبر" "ذمر على يهبأر".
18- ثم ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم".
19- ثم ذكر اسم ابنه الملك "ملكيكرب يهأمن" "ملك ضرب يهأمن".
20- ثم ذكر اسم ابنه "ابكرب اسعد" "أبو كرب أسعد" و "ذرا امر ايمن" "ذرأ أمر أيمن".
21- ثم "أبو كرب أسعد" ومعه ابنه "حسن يهأمن" "حسان يهأمن" 22- ثم اسم "شرحب ال يعفر" "شرحبيل يعفر"، "شرحب ايل يعفر".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:03 AM
الفصل الحادي و الثلاثون
سبأ و ذو ريدان و حضرموت و يمنت
وفي حوالى السنة "300 ب. م."، أو بعد ذلك بقليل، لحقت اللقب الرسمي لملوك "سبأ وذي ريدان" إضافة جديدة، هي "حضرموت ويمنت"، فصار "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت وينت"، و صرنا نقرأ أسماء الملوك، ونقرأ بعدها هذا اللقب الجديد.
وفي الإضافة الجديدة دلالة على إن مملكة "سبأ وذي ريدان" عدّت حضرموت منذ هذا العهد أرضاً تابعة لها وخاضعة لحكمها، ليس لها منذ هذا الضم في استقلال ولا ملوك، و إنها عدّت أرض "يمنت" خاضعة لها وجزءاً من ممتلكاتها كذلك. و معنى هذا إن رقعة أرض "سبأ وذي ريدان" قد توسعت كثيراً بهذا الضم.
وكلمة "منت"، لم ترد قبل هذا العهد لا في المسند ولا في كتب "الكلاسيكيين" ولهذا فهي بالنسبة إلينا لفظة جديدة، وقفنا عليها في الكتابات التي دوّنت بعد الميلاد. وقد يأتي زمان يعثر فيه العلماء على كتابات تحمل هذه الكلمة، وترجع بها إلى ما قبل الميلاد.
ويمنت - في رأي "كلاسر" - كلمة عامة تشمل الأرضين في القسم الجنوبي الغربي من جزيرة العرب، من باب المندب حتى حضرموت. وكانت تتألف من مخاليف عديدة، يحكمها إقبال و أذواء مستقلون بشؤوتهم، ولكنهم يعترفون بسيادة "ظفار" أو "ميفعة" عليهم. ومن أشهر مدن "يمنت" الساحلية في رأي "كلاسر" - Ocelis عند باب المندب، و "عدن" Arabia Emporium و "قانه" "قنا" Cane في حضرموت.
وتعني "يمنت" في العربيات الجنوبية الجنوب، وقد رأى "فون وزمن" أنها تعني القسم الجنوبي من أرض حضرموت، وهي الأرض التي كانت عاصمتها "ميفعت" "ميفعة" في ذلك الزمان.
ومن "يمنت" ولدت كلمة اليمن التي توسع مدلولها في العصور الإسلامية حتى شملت أرضين واسعة، لم تكن تعدّ من اليمن قبل الإسلام، تجدها مذكورة في مؤلفات علماء الجغرافيا والبلدان والموارد الأخرى.
واليمن عند أهل الأخبار أرض واسعة يحدّها من الغرب بحر القلزم، أي البحر الأحمر، ومن الجنوب بحر الهند، أي البحر العربي في اصطلاحنا ومن الشرق البحر العربي، وتتصل حدود اليمن الشمالية إلى حدود مكة حيث الموضع المعروف ب "طلحة الملك".
وقد أورد أهل الأخبار على مألوف عادتهم تفاسير لسبب تسمية اليمن يمناً، فذكروا إن اليمن إنما سميت يمناً نسبة إلى يمن بن قحطان، وقيل إن قحطان نفسه كان يسمى بيمن. و قيل إنما سميت بيمن بن قيدار، و قيل سميت لأنها يمين الكعبة، و قيل سميت بذلك لتيامنهم إليها، و قيل لما تكاثر الناس بمكة و تفرقوا عنها، التأمت بنو يمن إلى اليمن، و هو أيمن الأرض.
وأول ملك نعرفه حمل اللقب الجديد، لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، هو الملك "شمر يهرعش" المعروف ب "شمر يرعش" عند الإسلاميين. أما أبوه، فهو و "يسر يهنعم" "ياسر يهنعم"، المعروف والمشهور أيضاُ مثل ابنه بين أهل الأخبار.
وقبل أن أدخل في موضوع "شمر يهرعش" وفي أبيه، أودّ إن أبين أن الباحثين في هذا اليوم ليسوا على اتفاق في عدد من تسمى ب "ياسر يهنعم" وفي أيام حكمهم، و كذلك في عدد من تسمى ب "شمر يهرعش" وفي أيام حكمهم فبينما كان قدماؤهم يذهبون إلى وجود "ياسر يهنعم" واحد ووجود "شمر يهرعش" واحد، ذهب بعض المحدثين إلى وجود شخصين اسم كل واحد منهما "ياسر يهنعم"، وشخصين اسم كل وأحد منهما "شمر يهرعش" واسم والد كل واحد منهما "ياسر يهنعم".
وقد ذهب "فون وزمن" إلى وجود ثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "ياسر يهنعم"، وثلاثة ملوك كان اسم كل واحد منهم "شمر يهرعش". واسم والد كل واحد منهم "ياسر يهنعم". أما "ياسر يهنعم الأول"، فجعل زمان حكمه في حوالي السنة "200"
للميلاد. وقد حكم معه ابنه المسمى ب "شمر يهرعش"، وقد لقبه الثاني ليميزه عن ملك آخر حكم قبله وتسمى بهذا الاسم أيضاً، وهو "شمر يهرعش"، الذي دعاه بالأول، وقد حكم في حوالي السنة "140" للميلاد. ولم يعرف اسم والده.
وجعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم الثاني" في حوالي السنة "270" للميلاد، وقد حكم ابنه "شمر يهرعش الثالث" معه، ثم حكم "شمر يهرعش الثالث" وحده. ثم نصب ملكاً آخر من بعده، جعل حكمه في حوالي السنة "330" للميلاد سماه "ياسر يهنعم الثالث" حكم مع ابنه "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم".
ويعرف "ياسر يهنعم" عند أهل الأخبار ب "ياسر أنعم" و ب "ناشر النعم" و ب "ياسر ينعم" و ب "ناشر ينعم" و ب "ناشر أنعم"، وزعموا انه إنما عرف بذلك لإنعامه عليهم، ووالده في نظرهم "عمرو بن يعفر بن حمير بن المنتاب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ"، أو "يعفر بن عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن يعفر بن سكسك بن وائل بن حمير بن سبأ"، أو "عمرو ذي الأذعار"، أو "عمرو بن يعفر بن شرحبيل بن عمرو ذي الأذعار". وزعموا أنه سار إلى وادي الرمل بأقصى الغرب، فلم يجد وراءه مذهباً، فنصب صنماً من نحاس، وزبر عليه بالمسند: "هذا الصنم لناشر أنعم، ليس وراءه مذهب، فلا يتكلف أحد ذلك فيعطب".
وقد حكم "ياسر أنعم" أو "ناشر النعم" أو "ناشر ينعم" بعد "بلقيس بنت ايليشرح" معاصرة "سليمان" "1021 - 981 ق. م."، على رواية من روايات أهل الأخبار، أو بعد ثلاثين سنة أو أربعين من حكم "سليمان" لحمير، حيث أخذه منه وأعاده إلى حمير. فملكهم هو، وكان ملكه خمساً وثلاثين سنة. و هكذا رجع أهل الأخبار زمان "ياسر أنعم" إلى ما قبل الميلاد، وصيّروه معاصراً لسليمان، و هو من رجال أواخر القرن الثالث للميلاد.
أما سبب اشتهاره بين أهل الأخبار ب "ناشر النعم"، أي "محي النعم" فلأنه كما يقولون "أحيا ملك حمير"، أو "لإنعامه عليهم بما قوى من ملكهم و جمع من أمرهم"، أو "لإنعامه على الناس بالقيام بأمر الملك ورده ذلك بعد زواله". و"فضله العميم هذا على حمير، نعتوه بالنعت المذكور.
ونسب الأخباريون إلى "ناشر النعم" الغزوات و الفتوح. زعموا انه جمع حمير و قبائل قحطان، وخرج بالجيوش إلى المغرب حتى بلغ البحر المحيط، فأمر ابنه "شمر يرعش" إن يركب البحر، فركب في عشرة آلاف مركب، وسار يريد وادي الرمل، ونزل "ناشر النعم" على صنم "ذي القرنين" فأخرج عساكره إلى الإفرنج و "السكس" وأرض "الصقالبة"، فغنموا، وسبوا، ورجعوا إليه بسبي عظيم. ولما رجع "شمر" من المحيط إلى أبيه،
أمر بمنارة فبنيت إلى جانب منارة ذي القرنين، ثم أمر فكتب في صدر التمثال الذي عليها من النحاس بالمسند: هذا الصنم لياسر أنعم الحميري، و ليس وراءه مذهب، فلا يتكلفن ذلك فيعطب. ونسبوا إليه فتح الحبشة، و إرسال العساكر إلى أرض "الروم بني الأصفر"، وملكهم يومئذ "باهان بن سحور بن مدين بن روم بن سامك بن رومي بن عيص بن سامك بن رومي بن عيص، وهو الأصفر بن يعقوب" وذكروا انه غلب على أرض على الترك، وسار إلى التبت والصين وأرض الهند. فلما بلغ "نهاوند" و "دينور"، مات بها فدفنه ابنه "شمر" في ديار الغربة، وولي الملك بعده.
و رأيت قرائح أهل الأخبار إلا أن تضيف إلى "ناشر النعمِ" شعراً، فيه فخر وفيه حماسة، زعمت أنه قاله. وأضافت إلى ابنه شعراً، زعمت أنه قاله في رثاء أبيه. ولم تنس هذه القرائح أن تأتي بنماذج من كلامه العربي العذب، لترينا أنه كسائر ملوك اليمن يتكلم بلسان عربي مبين
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:06 AM
أما نحن، فلا نعلم شيئاً من أمر هذه الفتوح و الغزوات، ولا من أمر هذا المنظوم أو المنثور. و إنما الذي نعرفه أنه كان يسمى "ياسر يهنعم"، لا "ناشر النعم" كما جعله الأخباريون، وأنه عاش في القرن الثالث للميلاد، وبينه وبين سليمان مئات من السنين، وأنه لا يمكن أن يكون قد خلف "بلقيس" معاصرة "سليمان" على حد زعم أهل الأخبار، ولا أن يكون قد انتزع الملك من "سليمان". ولا أن يكون صاحب فضل ونعمة على حمير، لأنه أنقذهم من حكم "سليمان". وكل ما في الأمر أن الاسم كان بالنسبة إلى أهل الأخبار غريباً، فصّيروه "ناشر النعم"، وابتكروا له قصصاً في تفسير معنى ذلك الاسم.
واذا كان حكم "ياسر يهنعم" في النصف الثاني من القرن الثالث للميلاد، فإنه يكون من المعاصرين لمملكة "تدمر"، وربما كان قد عاصر المملكة الشهيرة "الزباء"، و أدرك أيام سادات الحيرة اول مؤسسي أسرة لخم. وقد قدّر بعض الباحثين في العربيات الجنوبية زمان حكم "ياسر يهنعم" بأوائل النصف الأول من القرن الثالث للميلاد، أي في حوالي سنة "201" أو "207" للميلاد فما بعدها.
ولا نعرف اسم والد "ياسر يهنعم" إذ لم يرد ذكره في النصوص. أما أهل الأخبار فقد عينوه وثبتوه على نحو ما ذكرت، وصيره "حمزة" "شراحيل"، - وهو على زعمه - عم "بلقيس" التي حكمت اليمن قبل عمها "ناشر النعم". وقد ذهب "فلبي" مستنداً إلى دراسة بعض الفصول إلى احتمال كون "العذ نوفان يهصدق" الذي وضع اسمه قبل اسم. "ياسر يهنعم" والداً له.
و قد ورد اسم "ياسر يهنعم" في جملة نصوص، منها نص رقّمه العلماء ب Cih 46، عثر عليه في موضع "يكرن" "يكاران"، "يكر" "يكار" أرخ بشهر "ذو المحجة" "ذو محجة" "بورخن ذ محجتن" "ذو الحجة" من سنة "385" من التأريخ الحميري الموافقة لسنة "270 م" من سني "مبحض بن ابحض" "مبحض بن أبحض". وقد جاء فيه اسم الإله "عثتر ذو جوفت" بعل "علم" و "بشر" " أي إله وسيد موضعيْ "علم" و "بشر"، واسم قبيلتي "مهأنف" و "شهر".
وقد تبين من الكتابات إن "ياسر يهنعم" كان قد حكم وحده في بادئ الأمر، لم يشاركه أحد في اللقب ولا في الحكم، ثم بدا له ما حمله على اشراك ابنه "شمر يهرعش" معه، بدليل ذكر اسمه من بعده، وبعده: "ملك سبأ وذي ريدان"، فصرنا نقرأ الكتابات المتأخرة المدونة في هذا العهد وبها اسم الملكين.
وورد اسم "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" في نص آخر مؤرخ كذلك، أرخ في شهر "مذران" "مذرن" سنة "316" من سني تقويم "نبط ال" "نبط ايل" دوّنه "فرعن يزل بن ذرنح" "فرعان يأزل بن ذرنح"، و "يعجف" رئيس قبيلتي "قشم" "قشمم" و "مضحيم" "مضحى"، وذلك عند بنائهما "ماجلهمو" "مأجل" صهريجين بخزنان فيهما المياه لإسقاء أرضين لهما مغروسة بالكروم، وكان ذلك في ايام سيديهما "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش" ملكي "سبأ وذي ريدان". ولهذه المناسبة تيمنا يذكر اسمي الملكين.
وقد قدّر "فلبي" مبدأ تقوم "نبط ايل" بسنة "40 ق. م."، فإذا أخذنا بهذا التقدير، يكون هذا النص قد دوّن حواقي حوالي سنة "276 ب. م.".
وأودّ إن ألفت نظر القارئ إلى إن أحد النصين قد أرخ ب "سني نبط" "نبط ال" "نبط ايل"، وأن النص الآخر قد أرخ بسني "مبحض بن أبحض"، كما عثر على نصين آخرين أرخا بسني "مبحض بن أبحض".
وقد ذهب العلماء الى إن الناس كانوا يؤرخون في ذلك الزمان وفق تقويمين، أي تأريخين مبدأ أحدهما تقويم "نبط" "نبط ايل"، ومبدأ ثانيهما تقويم "مبحض بن أبحض". والفرق بين التقويمين خمسون سنة، أو خمس وسبعون سنة. وقد بقي الناس يؤرخون بهذين التقويمين أمداً، ثم مالوا إلى التوريخ بتقويم واحد، إلى أن أهمل أحدهما إهمالاً تاماً. ويرى "بيستن" أن التقويم الذي أهمل وترك، هو تقويم "نبط" "نبط ايل"، وأن الذي بقي مستعملاً هو تقويم "مبحض بن أبحض".
ويرى "بيستن" أن الكتابات السبئية المتأخرة، قد أرخت وفق تقويم مبحض بن أبحض"، وإن لم تشر إلى الاسم، إذ أسقطته من الكتابات.
أما مبدأ هذا التقويم، فيقع فيما بين سنة "118" و "110 ق، م،". غير أن الناس لم يؤرخوا به عملياً وفي الكتابات إلاّ في القرن الثالث بعد الميلاد. أما، فيما قبل القرن الثالث للميلاد، فقد كانوا يؤرخون على عادتهم بتقاويم محلية مختلفة.
ويرى "ريكمنس" أن التواريخ التي أرخت بها النصوص المؤرخة في عهد "ياسر يهنعم" وفي عهد ابنه "شمر يهرعش" تختلف عن التقويم السبئي المألوف الذي يبدأ-على رأيه- بسنة "109 ق. م." وهي لذلك لا يمكن أن تثبت وفق هذا التقويم.
وقد حارب "ياسر يهنعم" الهمدانيين الذين تعانوا مع قبائل "ذي ريدان"، لمهاجمة "مأرب"، غير أنه باغت الهمدانيين في غرب "صنعاء" وتغلب عليهم.
وفي النص الموسوم ب Cih 353 خبر ثورة للحميريين على "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يرعش" في "ضهر". وقد حاصر "ياسر" الحميريين. ويرى "فون وزمن" إن هذه الثورة حدثت في حوالي سنة "300 ب. م.". وقد عثر على كتابات في كل منطقة "ضهر"، وهي لا تبعد كثيراً عن "صنعاء". وفي هذه المنطقة خرائب "دورم"، كما عثر على كتابات في "ثقبان" بين "ضهر" و "صنعاء" .
أما الذي حارب "شمر يهرعش بن ياسر يهنعم"، كل من الحميريين، وذلك كما جاء في النص المتقدم، أي النص الموسوم ب Cih 353 ف "يرم ايمن" وأخيه "برج" "بارج". فيكون حكمها أذن في أيام "شمر يهرعش"، أي في القرن الثالث للميلاد. وهذا مما يشير إلى إن العلاقات بين الطرفين أي بين "سبأ" و "حمير"، كانت قد تعرضت لهزة عنيفة خطيرة حتى تحولت إلى حرب، أشير إليها في هذا النص.
ومن النصوص التي تعود إلى الدور الثاني من أدوار حكم "ياسر يهنعم" النص: Jamme 646، وصاحبه شخص اسمه "شرح سمد بن يثار" "شر حسمد بن يثأر" وآخر اسمه "الفنم" "الفن" "الفنان". وكانا من كبار الضباط في حكومة "ياسر يهنعم" وابنه "شمر يهرعش"، ومن درجة "مقتوى" وقد دوّنا نصهما حمداً وشكراً للإلَه "المقه" "بعل أوام"، لأنه مكنهما من الشخص الذي أراد إحراج "ذ حرجهو" مكانتهما وزعزعتها عند سيدهما "شمر يهرعش"، ولكن "المقه" منَّ عليهما وشملهما بفضله ولطفه، فنصرهما عليه وأبطل خطته في إحراج مكانتهما "بحر جنهو"، عند سيدهما. وتعبيراً عن حمدهما وشكرهما له، وتقدما إلى الألَه "المقه" بصنم "صلمن" وضعاه في معبد "اوام", ولكي يمنَّ عليهما ويبعد عنهما أذى الأعداء وحسد الحاسدين.
وورد اسم "ياسر يهنعم" واسم ابنه "شمر يهرعش في نص Jamme 647 وهو نص دوّنه ضابطان كبيران "مقتوى" من ضباط الملكين، لمناسبة ولادة مولود لهما "هو ولدم"، وقد شكرا فيه الإلَه "المقه" "بعل اوام" على هذه النعمة، وتوسلا إليه بأن يمنَّ عليهما بأولاد آخرين، وبأن يرفع من مكانتهما عند سيديهما الملكين، وبأن ينصر جيشهما ويرفع مكانه قصر "سلحن" "سلحين" "سلحان" مقر الملوك مأرب ومن منزلة قصر "ريدان"، وتوسلا إليه بأن يبارك في كل ما قام به الملكان من أعمال، وبأن يبارك في كل مشروع وضعوه في خلال السنين السبع في أي مكان كان في مأرب أو في صنعاء
"قباذ ابن شهريار" الفارسي. ولما بلغه أن الصغد والكرد وأهل نهاوند ودينور هدموا قبر "ناشر النعم" وفرقوا رخامه وزجاجه وما كان فيه من جزع وغيره، غضب غضباً شديداَ ونذر لله نذراً "ليرفعن ذلك القبر بجماجم الرجال حتى يعود جبلاً منيفاً شامخاً كما كان". ثم سار بجيوشه وبأهل جزيرة العرب، فسار إلى أرمينية، فبلغ ذلك قباذ، فأمر الترك بالمسير إلى أرمينية، فسارت الترك تريد أرمينية فقاتلهم قتالاً شديداً، ثم هزمهم فقتلهم قتلاً ذريعاً، ثم سار نحو المشرق فتغلب على قباذ، واستولى على الفرس، وأعاد بناء قبر أبيه. ثم هدّم المدائن بدِينَوَرَ و "سنجار" بين نهاوند ودينور "فجميع الأرض التي خربها شمر يهرعش، سماها بنو فارس شمركند، أي شمر خرّب باللسان الفارسي، فأعربته العرب بلسانها، فقالوا "سمر قند"، وهو اسمها اليوم"، ثم بسط سلطانه على الهند، وعيّن أحد أبناء ملوك الهند ملكاً على الصين، ثم عاد فسار إلى مصر، ومنها إلى الحبشة، فاستولى عليها، وهرب الأحباش إلى غربي الأرض، إلى البحر المحيط، فتبعهم "مشر" حتى بلغ البحر، ثم رجع قافلاً المشرق، فمرّ بمدينة "شدّاد بن عاد" على البحر، فأقام بها خمسة أحوال. ثم ذهب لزيارة قبر والده، ثم رجع إلى بلاده إلى "قصر غمدان"، فأقام فيه إلى إن توفي، وعمره ألف سنة وستون عاماً، بعد أن ملك الأرض كلها. وزعم بعض أهل الأخبار انه هو الذي بنى الحيرة بالعراق.
وزعم "حمزة" إن والد "شمر" هو "إفريقيس"، وذكره على هذا النحو: "يرعش أبو كرب بن إفريقيس بن أبرهة بن الرايش، وانما سمى برعش لارتعاش كان به". وذكر إن رواة أخبار اليمن تفرط قي وصف آثاره، تم ذكر بعض ما ذكروه عنه، وذكر إن بعض، الرواة يزعمون انه كان في زمان "كشتاسب"، وان بعضاً آخر يزعم انه كان قبله، وان "رستم بن دستان" قتله، وجعل ملكه سبعاً وثلاثين سنه.
وقال الأخباريون إن "شمر يرعش" هو أول ملك أمر بصنعة الدروع المفاضة التي منها سواعدها وأكّفها وهي الأبدان، وقد فرض على فارس ألف درع يؤدونها كل عام، وكان عامله عليهم "بلاس بن قباذ"، وجعل على الروم ألف درع، يؤدونها كل عام، وكان عامله على الروم "ماهان بن هرقل". وجعل على أهل بابل وعمان والبحرين ألف درع، وعاف أهل اليمن ألف درع. وجعلوا أهل "التبت" من بقايا قوم "شمر يرعش". وذكروا عنه قصصاً أخرى من هذا القبيل. ولم ينسوا بالطبع حكمه وشعره، فذكروهما.
أما علمنا عنه، فيختلف عن علم أهل الأخبار عنه. وقد حصلنا على علمنا عنه من كتابات المسند من أيامه. وهي كلها خرس صامتة، ليس فيها شيء من أخبار تلك الفتوحات المزعومة والحروب الواسعة التي أشعلها "شمر" على زعمهم في جميع أنحاء الأرض،
وليس فيها كذلك شيء، عن نقل حمير إلى "التبت" وإسكانه لهم في تلك الأرضين البعيدة، وليس فيها شيء ما عن قبر والده بدينور، ولاعن تهديمه لمدينة "سمر قند".
ونستطيع تقسيم كتابات المسند من أيام "شمر يهرعش" إلى قسمين: كتابات من أوائل أيام حكمه، أي الأيام التي حكم فيها بلقب "ملك سبأ وذي ريدان"، ولم يكن قد استولى بعد على حي حضرموت ويمنت، وكتابات من العهد الثاني من أيام حكمه، أي العهد الذي لقب فيه نفسه بلقب "ملك سبأ وذي ريدان ويمنت" حتى وفاته وانتقال الحكم إلى خليفته في الحكم.
ومن كتابات الدور الأول، الكتابة التي وسمها العلماء ب Glaser 542، وقد سقطت اسطر منها. وهي على جانب كبير من الأهمية بالنسبة إلى من يريد الوقوف على تأريخ التشريع عند الجاهلين. ترينا قانوناً سنهّ الملك لشعب سبأ، أهل "مأرب" وما والاها، في تنظيم البيوع بالمواشي والرقيق.
فحدد المدة التي يعد فيها البيع تماماً، وهي امد شهر، والمدة التي يجوز فيها رد المبيع إلى البائع، وهي بين عشرة أيام وعشرين يوماً. كما بين حكم الحيوان الهالك في أثناء المدة التي يحق للمشتري فيها رد ما اشتراه إلى البائع، فحددها بسبعة أيام. فإن مضت هذه الأيام، وهلك الحيوان في حوزة المشتري وجب عليه دفع الثمن كاملاً إلى البائع، ولا يحق له الاعتراض، عليه والاحتجاج بأن الحيوان قد هلك في أثناء مدة أجاز له القانون فيها فسخ عقد الشراء.
ويعد النص الموسوم Cih 407 من النصوص المهمة من الأيام الأولى من أيام حكم "شمر يهرعش". وهو يتحدث عن حرب قام بها جيش "شمر" في شمال غربي اليمن، امتدت رقعتها حتى بلغت اليم. شملت أرض "عسير" و"صبية" "صبا". بين وادي "بيش" ووادي "سهام". وهي أرض تهامة. قام بها ضد قبائل "سهرت" "سهرة" و "حكم" عك وغيرها. وصاحبه رجل اسمه "أبو كرب"، وهو في درجة "مقتوي" أي قائد في جيش شمر، وقد أبلى في هذه الحرب بلاءً حسناً، فقتل ثلاثين من الأعداء، وقتل أسيرين، وغنم فيها كثيراً. فقدم من أجل ذلك إلى الإله "المقه ثهون بعل أوم" تمثالين من الذهب،
وتمثالاً من الفضة، لأنه مَنّ عليه فأنقده من مرض أصابه في مدينة "مأرب" مدة ثمانية أشهر، ولأنه مَنَّ عليه في الحرب التي اشتعلت في "وادي ضمد"، وامتدت حتى موضع ال "عكوتين" "عكوتنهن" وساحل البحر. وقد انتصرت فيها جيوش "شمر" على جميع من قبائل تهامة عسير. ومن القبائل التي ورد اسمها في هذا النص: "ذسهرتم"، أي "ذو سهرت" "ذ سهرتن" "ذو سهرت" "ذو سهرة" "سهرة" "ساهرة" و "دوأت" و "صحرم" "صحار" "صحر" و "حرت" "حرة" و "عكم".
فيتبين من هذا النص أن الملك "شمر يهرعش" سير حملة عسكرية إلى جملة قبائل من قبائل عسير وتهامة حتى ساحل البحر، فانتصرت الحملة عليها، وتعقبت القبائل في البحر، وجرت معارك في وسطه، ونزلت بالمنهزمين، وهم على أمواج البحر، خسائر فادحة. وقد استدل بعض الباحثين من إشارة "أبي كرب" إلى الخسائر التي منى بها المنهزمون وهم في البحر، إلى أن أولئك المنهزمين كانوا من الحبش الذين كانوا يحكمون ساحل تهامة، وأن المعركة قد وقعت في البحر الأحر.
ويقع موضع "عكوتن" "العكوتان" شمال "وادي ضمد". وأما "صحار" "صحرم"، فيقيمون اليوم حوالي "صعده". وأما "سهرتم" "سهرة"، فقبيلة تقع منازلها في تهامة، وربما كانت منازلها من "وادي بيش" في الشمال إلى "وادي سردد" "وادي سردود" في الجنوب. وقد كانت هذه القبيلة على صلات قوية بالحبش في أيام "الشرح يحضب". وقد أدت فتوحات "شمر يهرعش" في هذه الأرضين التي بلغت سواحل البحر الأحمر إلى د*********ه في نزاع مع الحبش الذين كانوا يحتلون مواضع من الساحل، ويؤيدون بعض القبائل لوجود أحلاف عقدوها معها.
و "عكم" "عك" من الأسماء المعروفة التي ترد في كتب أهل الأخبار. أما هنا، فانه اسم قبيلة.
والى هذا العهد أيضاً تعود الكتابة: Jamme 649. وهي من الكتابات التي تتحدث عن حروب وقعت في أيام "شمر يهرعش". وقد دوّنها رجل اسمه "وفيم احر" "وفي أحبر" "وافي احبار"، وهو من "حبب" "حبيب" و "هينن" "هينان" و "ثارن" "ثأران" "ثئرآن"، وهم من "عمد" و "سارين" "سأريان" و "حولم".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:09 AM
أقيال "اقول" عشائر "صروح" "صرواح" و "*********ان حضلم" "*********ان حضل" و "هينان". وكان "وفيم احبر" ضابطاً كبيراً "مقتوى" عند "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذو ريدان"، دوّنها لمناسبة تقديمه صنماً "صلم" إلى الإله "المقه" "بعل أوّام" لأنه نجاه وحفظه وأعانه في كل المعارك والمناوشات والغزوات "سبات" "سبأت"، التي خاضها لمعاونة "شوعن" سيده الملك، وذلك في "سهرتن ليت" "سهرتان ليت"، و "خيون" "خيوان" و "ضدحن" "ضدحان"، و "تنعم" و "نبعت" "نبعة"، ولأنه ساعده وقوّاه ومكّنه من قبل خمسة محاربين في خلال هذه المعارك، أطار رؤوسهم بسيفه، ولأنه مكّنه من أخذ أسير، ومن الحصول على غنائم كثيرة، ولأنه أنعم علما قبيلته بغنائم كثيرة حصلت عليها من هذه المعارك، وبأسرى جاءت بهم إلى مواطنها. ولأنه عاد معها سالماَ غانماً معافى.
وأرض "سهرتن ليت"، هي جزء من أرض "سهرتن"، وتقع غرب "دوت" "دوات" "دوأة". ويسقيها "وادي ليت" "وادي ليّة". وأما "خيون" "خيوان"، فموضع يقع على وادي "خبش"، في المنطقة المهمة من "حاشد". وهو مدينة تقع في جنوب شرقي "جيزان"، وعلى مسافة "90" كيلومتراً تقريباً جنوب شرقي صعدة، وحوالي "105" كيلومترات شمال "صنعاء".
وأما موضع "ضدحن" "ضدحان"، فانه وادي "ضدح" "الضدح" الذي يوازي "وادي أملح"، ويقع إلى الجنوب منه. وعلى مسافة "35" كيلومتراً إلى جنوب شرقي "الاخدود". وأما موضع "نبعت" "نبعة"، فانه "نبعه"، وهو تلال تقع بين وادي "حبونت" "حبونة" ووادي "ثار" "ثأر". وقد يكون موضع "نبعة" المكان الذي يسمى اليوم "مجونة" الذي يقع على مسافة "25" كيلومتراً شمال شرقي "بئر سلوى" وعلى مسافة "63" كيلومتراً من شمال غربي "الأخدود". واذا كان هذا الرأي الأخير صحيحاً، صار موضع "تنعم"، فيما بين "صندحان" و "نبعت" "نبعة". وتحدث النص عن معارك أخرى، وقعت بعد المعارك المقدمة، وقد اشترك فيها مدوّن النص. اذ يذكر "وفيم أحبر"، انه قاتل وأعان سيده "شمر يهرعش وذلك في وادي "ضمدم" "ضمد"، وانه ذهب مع سرية لاستطلاع الأخبار عن قبيلة "حرت" "حرة"، وقد قتل خمسة محاربين من محاربي العدو، قطع رؤوسهم، وقد كان ذلك أمام سريته، مما ترك أثراً مهماً فيهم. ثم يذكر انه أصيب في هذه المعارك بخمسة جروح، أصابت وركيه وقدميه وفرسه "ندف". وقد خشي من إن يؤدي الجرح الذي أصاب قدميه إلى قطهما، وخشي على فرسه كذلك من إن تنفق من الجرح الذي أصابها، غير إن الإلَه "المقه" لطف به، فشاه وعافاه، وشفى فرسه وأعاده مع قبيلته التي حاربت معه، إلى موطنه، غانماً محلاً مع عشيرته بالغنائم وبالأموال التي استلبوها من أعدائهم، وبعدد من الأسرى.
وقد قائل "وفيم أحبر"، مرة أخرى في وادي "حرب" "حريب"، على مقربة من "قريتهن" "قريتهان" "القريتان"، ثم جاء إليه أمر سيده الملك "شمر يهرعش"، بأن يتجه على رأس قوة تتألف من "170" محارباً من المشاة من عشيرتيه "صرواح" و "*********ان"، ومن ستة فرسان وذلك لمهاجمة عشائر "عكم" "عك" و "سهرت" "سهرة" ولا نزال ضربة قاصمة بها، فاتجه نحوها، والتقى بها عند "عقبت ذر جزجن" "عقبة ذر جزجان"، وألحق بمها خسائر، حاربها من وقت شروق الشمس، وطول النهار وحين اشتدت حرارة الشمس إلى وقت الغروب، وكل الليل حتى طلع "كوكبن ذ صبحن"، كوكب الصبح، فاضطرت إلى الهروب، وعندئذ أدار وجهه نحو فلولها، فقتل منها، وقد ذبح محارباً واحداً أمام المحاربين، وأخذ أسيرين. وكان عدد من قتل من الأعداء عند المعركة "كقبت ذر جزجن" "عقبة ذر جزجان" مائة وعشرة محاربين، وعدد من وقع في الأسر من المحاربين "46" أسيراً محارباً، وعدد من سبي "2400" سبي، وغنم من الإبل "316" بعيراً، عدا عن الماشية الأخرى التي نهبت وأخذت.
والى هذا العهد أيضاً يعود النص: Jamme 650. وصاحبه شخص اسمه "بهل اسعد" "باهل أسعد" من عشيرة "جرت" "جرة" ومن عشيرة "بدش" أقيال "اقول" عشيرة "ذمرى هوتن" "ذمرى هوتان"، التي تكوّن ربع قبيلة "سمهرم" "سمهر". وكان ضابطاً كبيراً بدرجة "مقتوي" عنه الملك "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان". وقد سجله لمناسبة إهدائه معبد "أوام" " وهو معبد الإلهَ "المقه" "بعل اوام"، صنماً، من العُشْر "ابن عشر يعشرن" الذي يعشر من كل زرع ليكون نصيب الإلهَ "المقه ثهوان". أخذه من حاصل زرع الصيف "قيظن" ومن ثمار الجنينات أو الجني "جنين"، وجعله قربة له، لكي يمنَّ عليه بالنعم، ويبارك فيه وفي أمواله وفي سيده الملك، ولأنه أسعده وحفظه في تهل المناوشات والحروب والغزوات "بكل سبات وحريب سباو" التي خاضها، ولأنه عاون "شوعن" سيده الملك، في المعارك وفي القتال وفي المناوشات التي وقعت بين قوات الملك التي اشترك هو فيها وبين قبيلة "سهرتن" "سهرتان"، والتي انتهت بانتصار "سبأ وذو ريدان"، وعاد الجيش منها محملاً بالغنائم وبالأسلاب وبالماشية التي انتزعت من الأعداء وبالأسرى.
وليمنّ عليه في المستقبل فيعطيه ذرية طيبة "هنام" "هنأم" هنيئة من أولاد ذكور، وليرعاه ويحفظه ويقيه في المعارك التي سيخوضها من أجل سيده الملك.
فيظهر من هذا النص إن "بهل أسعد"، كان يتحدث عن المعارك والمناوشات التي وقعت في أرض "سهرتن" "سهرتان" "سهرة"، بين الملك "شمر يهرعش" وبين رجال قبيلة "سهرتن" العاصية التي مهر اسمها مراراً فيما سبق في عداد القبائل الثائرة المحاربة لحكومة سبأ، والتي كانت قد منيت بخسائر كبيرة ومع ذلك فإنها لم تترك عداءها لملوك مأرب.
وفي النص: Jamme 651 أخبار مهمة سجلها لنا رجل اسمه "عبدعم" من "مذرحم" "مذرح"، ومن "ثفين" "ثفيان"، وكان من كبار ضباط "مقتوي" جيش الملك "شمر يهرعش". وقد ذكر انه أهدى معبد "أوام" صنماً "صلمن"، وهو معبد الإله "المقه" لأنه منَّ عليه وشمله بلطفه وفضله، اذ أعانه وأعان من كان معه من رجال عشيرته "شعبهو" ومن أتباعه ومحاربيه الذين كانوا معه ومن انضم إليه من أهل البيوتات ومن سواد الناس "محقر" "حقراء"، من ابناء البيتين المتصاهرين: "همدان" و "بتع" اذ أمره سيده الملك، بأن يذهب بهم، إلى "مأرب" "مريب"، ليحميها ويقيها من الأمطار التي ستتساقط في اليوم التاسع من يوم موسم سقوط المطر المعهود "وذنم ذنم بيوم تسعم عهدتن"، وفي أوائل أيام الشهر، وفي أيام الموسم الثاني من سقوط المطر، وقد آمره الملك بأن يقوم بهذا الواجب، حتى شهر "أبهى".
وقد حمد صاحب النص إلهه "المقه" لأنه وحّد بن البيتين: بيت "همدان" وبيت "بتع"، ولأنه أعانه في القيام بعمله الذي كلف به، فكافح وهو على رأس جيش "خمس" "خميس" سبأ ومن كان معه لبناء سور وحصون "مأرب" وفي إقامة حواجز وموانع وسدود لتحويل بين السيول وبين اكتساحها المدينة، وفي إنشاء مباني وأحواض "مضرفن" في جهة "طمحنين" "طمحنيان"، حتى تمكنّ من إنجاز كل ما كلف به، دون إن يخسر جندياً واحداً من الجنود الشجعان الذين كانوا من جنود "كبر رحلم" كبير "رحلم" "رحال"، فأرضى بذلك سيده الملك وشرح صدره.
وتوسل بعد ذلك إلى الإله "المقه" لكي يقيه من كل "باس" "بأس"، أي من كل أذى وشر، ولكي يرفع من منزلته وينال الرضى والحظوة عند سيده الملك. ويمنحه غلة وافرة وأثماراً كثيرة من أثمار الصيف والخريف في كل مزارعه وتوسل إليه أيضاً بأن يبعج عنه كل نكايات "نكين" الأعداء.
ويشير هذا النص إلى سقوط أمطار غزيرة في ذلك الموسم، هددت مدينة "مأرب"، فأمر الملك الشخص المذكور بأن يقوم على رأس قوة من جيش سبأ ومن كبار "همدان" و "آل بتع"، بتقوية سور مأرب وتحصينه وحمايته من مداهمة السيول له، وبإنشاء سدود وموانع لمنع الأمواج العاتية من اكتساح مأرب والأماكن الأخرى. وذلك بمن جمعهم من الناس من سوادهم ومن ساداتهم، للقيام بهذه الأعمال.
ولمنع المسخرين الذين سخروا من الفرار، وقد وضع الملك جيشاً تحت تصرف هذا القائد، في جملته مفرزة من جنود الكبير "كبر رحلم" "كبير رحلم" "رحال".
وسجل شقيقان كانا من "حظرم عمرت" "حظرم عمرة"، ومن ضباط "مقتوي" الملك "شمر يهرعش" حمدهما فشكرهما في كتابتهما التي وسمها الباحثون ب Jamme 652، للإله "المقه" لأنه منَّ على سيدهما باًلعافية وبالبركة وأوفى له ما أراد، ولأنه رفع حظوتهما عنده وزاد في رضاه عنهما. وليرعاهما ويحفظهما في أيام الحروب وفي أيام السلم، ويقيهما أذى الأشرار وحسد الحساد، ولكي يعاونهما ويشد الإله أزرهما في إرضاء سيدهما، ويبارك في قصره، أي قصر الملك: "سلحن" "سلحين" "سلحان".
ويحدثنا النص: Jamme 653 بحمد "سباكهلن"، أي "سبأكهلان" لربهم "المقه" وشكرهم له، لأفضله وإنعامه عليهم، بأن استجاب لدعائهم، فأمطرهم بوابل من رحمته، وأنزل الغيث عليهم وذلك مع برق "برق خرف" الخريف، أي موسم أمطار الخريف، الذي تساقط عليهم سنة "تبعكرب بن ودال" "تبعكرب بن ودايل" من "حزفرم" "آل حزفر" الثالث. وقد استبشروا به وشروا. وسألوا ربهم "المقه" وذلك في اليوم الرابع من ذي "فقهى"، شهر ذي "مليت" الذي هو من أشهر الخريف "ذ منذ خرفن"، بأن ينزل عليهم غيثاً يسقي أوديتهم ويكفي زرعهم، غيثاً يرضيهم ويسرهم ويثلج صدورهم، وبأن يغال أهل "سبأكهلان" رضى سيدهم "شمر يهرعش" ويرفع من حظوتهم "حظى"عنده.
وقد كتب النص المذكور بمدينة "مأرب" " قبل ثلاث سنوات من الكتابة المرقمة Cih 314+954، التي يخلد فيها "الشرح يحضب الثاني" وأخوه "يأزل بين" "يازل بين" "يزل بين" انتصارهما على السبئيين وطردهما "شمر يهرعش" من مأرب.
وذكر جماعة من "عقبم" "عقب" "عاقب" "عقاب"، بأنهم أهدوا معبد "أوام" صنماً "صلمن"، وذلك حمداً للرب "المقه" وشكراً له لأنه رزقهم ولداً ذكراً، ولكي يرزقهم أولاداً ذكوراً، ولكي يبارك فيهم وفي أموالهم ويرضي سيدهم "شمر يهرعش" عنهم ويرفع من منزلتهم وحظوتهم عنده، ولكي يبارك في زرعهم ويعطيهم غلة وافرة وحصاداً جيداً.
ويذكر "شرح ودم" "شرحودم" "شرح ودّ"، و "رشدم" "رشيدم" "راشد" "رشيد"، وهو بدرجة "وزع" "وازع"، أي سيد قبيلة "ماذن" "مأذن"، انهما قدّما صنماً إلى الإلهَ "المقه ثهوان"، لأنه أوحى إلى قلبهما بأنه سيمنحه ولداً "رشدم" ولذا يسميه "ودّاً" وذلك من زوجته "اثتهر" "حلحلك". وانه سيعطيه مولوداً غلاماً "غلمم"، عليه إن يسميه "مرس عم" "مرسعم"، وانه سيرزق عبده "شرح ودم" و لداً ذكوراً، وانه سيمنحهما غلة وافرة وحصاداً جيداً، وانه سيرفع من مكانتهماَ عند سيدهما الملك، وسيبارك في زرعهما وفي زرع قبيلتهما، وذلك في موسمي الصيف والخريف.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:11 AM
وفي النصف الثاني من سني حكمه، تلقب "شمر يهرعش الثالث"، أي "شمر يهرعش" الذي نبحث فيه الآن بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". وتدل هذه الإضافة الجديدة إلى اللقب، على استيلاء "شمر يهرعش" على حضرموت، أو على جزء كبير منها، أما "يمنت" فيرى "فون وزمن" إن المراد بها الأرضون التي تكوّن القسم الجنوبي من مملكة "حضرموت". ويستدل على رأيه هذا بوجود عاصمتين لحضرموت، هما: "شبوة" و "ميفعة"، مما يدل على انقسام الملكة إلى قسمين: قسم شمالي يدعى حضرموت، وقسم جنوبي يعرف ب "يمنت" "يمنات" اليمن.
ويقع النصف الثاني من حكم "شمر يهرعش" في رأي "فون وزمن"، ما بين "285 ب. م." أو "291 ب. م." أو "310 ب. م." أو "316 ب.م." وبمعنى هذا في رأيه أن "شمر" كان يعاصر "امرأ القيس بن عمرو" المذكور في نص النمارة المتوفي سنة "328 م" والذي حارب وأخضع قبائل عديدة، منها مذحج ومعد وأسد "اسدين" ونزار "نزرو"، ووصل إلى "نجران" عاصمة "شمر"6. وقد يعني ذلك أن حروباً نشبت بين الملكين.
ولم يشر نص "النمارة" إلى بقية اسم "شمر"، لنعرف من كان ذلك الملك الذي كان يحكم ذلك الزمان، والذي كانت مدينة "نجران" مدينته اذ ذاك. ويظهر من هذا النص أن قتالاً نشب بين قوات "امرئ القيس" و "شمر" صاحب نجران، وأن النص كان لامرئ القيس.
وإذا كان ما ذهب إليه "فون وزمن" صحيحاً من معاصرة "امرئ القيس" ل "شمر يهرعش"، فإن هذا يعني أن جزيرة العرب كانت في ذلك الزمن أي في أوائل القرن الرابع للميلاد، ميداناً للتسابق بين رجلين قويين: "شمر يهرعش" وهو من العربية الجنوبية، و "امرئ القيس" وهو من الشمال، وأن العرب كانوا قد انقسموا إلى حزبين: عرب شماليين وعرب جنوبيين، وأن "امرأ القيس" كان قد توغل في جزيرة العرب حتى بلغ "نجران" وأعالي العربية الجنوبية، وأخضع القبائل المذكورة لحكمه. وهي قبائل يرجع النسابون نسب أكثرها إلى "عدنان"، وفي جملتها "الاسدين" أي "أسد" و "نزار" "نزرو". هذا، وأن وصول "امرئ القيس" إلى نجران، وإخضاعه للأعراب وقبائل عدنانية يقيم بعضها على سدود العربية الجنوبية الشمالية، جعله أمام "شمر يهرعش"، ووضع مثل هذا لا بد من أن يثير نزاعاً وخصومةً بين الرجلين.
ولا يستبعد اصطدام "امرئ القيس" ب "شمر يهرعش"، أو بأي ملك آخر ملك "نجران" " ما دام ذلك الملك قد حكم قبائل "معي" النازلة في الحجاز وفي نجد والتي تتصل منازلها بحدود نجران. وقد خضغت "معد" لحكم ملوك الحيرة، كالذي يظهر من نص كتاب "شمعون" الذي هو من "بيت أرشام" Simeon of Beth Arsham، حيث ذكر "طيايا حنبا "حنفا" ومعدايا" في معسكر "المنذر" الثالث ملك الحيرة. و "طيايا" هم الأعراب الشماليون و "معدايا" هم "معد". وكما يفهم أيضاً من نص "مريغان".
ويرى بعض الباحثين إن "مرالقس بن عمرم ملك خصصتن" الذي ورد اسمه في النص: Ryckmans 535 الذي سبق إن تحدثت عنه في إثناء كلامي على "الشرح يحضب"، وأخيه "يازل بين"، هو "امرؤ القبس" البدء، ملك الحيرة. ويرى أيضاً إن "شمر ذي ريدان" المذكور في النص أيضاً، هو "شمر يهرعش". وبناء على ذلك يكون "مالك" ملك "كدت" كندة من المعاصرين لامرئ القيس ولشمر يهرعش أيضاً.
أننا لا نملك أي نص يشير إشارة صريحة إلى حدوث قتال بين "شمر يهرعش" و "امرئ القيس". غير إن لدينا نصاً هو النص المعروف ب Jamme 658، يرى بعض الباحثين إن فيه تلميحاً إلى إن الحرب المذكورة فيه، هي حرب نشبت بين قوات الرجلين،
وان القائد المذكور فيه، أعني القائد "نشدال" "نشي ايل"، هو قائد عربي شمالي "ويحتمل على رأيهم إن يكون قائداً من قواد جيش "امرئ القيس". ويظهر من النص إن قوات "شمر يهرعش" كانت قد تجمعت في مدينة "صعدتم". أي مدينة "صعدة" في "*********ان" العالية، أي الشمالية "*********ان اجددن"، ثم تقدمت منها نحو الشمال الغربي إلى حدود "*********ان" القديمة في "وادي دفاء"، حيت حاربت القبائل المجاورة قبائل "شنحن" "شنحان" الساكنة في الغرب، ثم نزلت من مساكنها إلى ارض "سهرتن" "سهرتان" ثم اجتازت هذه الأرض إلى وادي "بيش"، وهي الحدود القديمة للعربية الجنوبية " ثم تقدمت منها نحو الشمال إلى "وادي عتود" الذي يقع في الأرض المسماة ب Kinaidokoltitai عند الكلاسيكيين. وفي هذه الأرض اصطدمت قوات "شمر" بقوات "نشد ايل" القائد المذكور.
ويظهر من نص عثر عليه منذ عهد غير بعيد أن قائداً من قواد "شمر" كان قد قاد أعراباً غزا بهم ملك "أسد"، وأرض "تنخ" "تنوخ" التي تخص "الفرس" "فرس"، أي "فارساً". وذلك.ِ أن أرض "تنخ" "تنوخ"، كانت تحت حكم مملكتين، يقال لإحداهما "قطو"، وللأخرى "كَوك" أو "كوكب"، وقد أنزل أعراب "شمر" بهما خسائر فادحة. ثم عاد ذلك القائد بعد نجاحه في غزوه هذا صحيحاً معافي إلى نجران، حيث قدم إلى الآلهة، شكره، وسجل ذلك في النص المذكور.
وقصد القائد بأرض "تنخ" أرض الأحساء في الزمن الحاضر، وكانت منزل قبائل "تنوخ" في ذلك الزمن. وقصد ب "قطو" "قظوف" "القطيف"، Qtw'f وفي إشارة القائد إلى مهاجمة تلك الأرضين، أي أرض تنوخ، التي كانت تحت سيادة "فرس"، أي الفرس الساسانيين، تأييد لروايات الأخباريين التي تذكر أن "شمر يهرعش" "شمر يرعش" غزا أرض الفرش.
هذا ولا بد من أن يكون "شمر" قد كان على اتفاق تام مع أعراب نجد، ولا سيما سادة "كدتم" "كدت"، أي كندة في ذلك الزمن، إذ كان من العسير عليه غزو الأحساء وساحل الخليج، لو لم يكن على صلات بهم حسنة. وقد كان هؤلاء الأعراب ينزلون فيما يسمى الأفلاج والخروج في الزمن الحاضر. وتعد الأفلاج من مواطن "كدت" كندة منذ زمن "شعرم أوتر" "شعر أوتر" في حوالي السنة "180 م"، وقد عبر عنهم ب "ذال ثور" أي "ذي آل ثور" في النص Jamme 635 و كذلك في زمن "الشرح يحضب لثاني" في أثناء حكمه مع "يأزل"، أي في حوالي السنة "210 ب. م.". وربما قبل ذلك أيضًاً حيث نجد في تاريخ "بلينيوس" ما يشي إليهم، إذ ورد في تأريخه: Dae Aiathuri of Aunuscabales، ويكمن تفسيرها ب "ذي آل ثور في عين الجبل". و "آل ثور" هم كندة، وقد عرفوا بهذا النسب عند أهل الأخبار.
والنص المذكور، هو نص وسمه العلماء ب "شرف الدين 42". وقد ورد فيه أن الملك "شمر يهرعش" أمر قواته بغزو أرض "ملك" "مالك" ملك "أسد" "ملك اسد". فتقدمت نحوها، واتجهت منها نحو أرض "قطوف"، أي القطيف، حتى بلغت موضع "كوكبن" "كوكبان" "كوكب" ثم "ملك فارس وأرض تنخ" "ملك الفرس" أي "الأرض التابعة للفرس" وأرضى تنوخ. وقد دوّن النص قائدان من قواد "شمر يهرعش"، كانا من "ريمن ذ حزفرم"، أي من "ريمان ذوي حزفر"، ومن "عنن" "عنان". وذلك بعد عودتهما سالمن غانمين من ذلك الغزو.
وقد كانت "مذحج" تنزل في الأفلاج او حولها وفي المنطقة المسماة ب "جبل طويق" في الزمن الحاضر. والظاهر إن غزو "امرئ القيس" لنجد قد اضطر اكثر قبائل "مذحج" إلى الهمجرة نحو الجنوب. وكانت حسنة الصلات ب "كدت" اي كندة، التي اضطرت أيضاً إلى الهجرة إلى الجنوب. ولهذا انضمتا إلى جيوش "شمر يهرعش"، والى جيوش من جاء بعده من الملوك. وقد أشر إليهما في الكتابات ب "كدت ومذحجم". وقد أدت هجرة كندة ومذحج وبقية أعراب نجد إلى الجنوب نتيجة لغزو العرب الشماليين لهم إلى استيطان قسم كبير منهم في العربية الجنوبية، ود*********هم في جيوش ملوك حمير، وذلك لتهديد أعدائهم بهم، اذ كانوا أعراباً أشداء، يحبون الغزو والقتال، حتى صاروا قوة رادعة مخيفة، ولهذا السبب أدخل اسمهم في لقب الملوك كما سترى فيما بعد.
ومن جملة القواد الذين تولوا قيادة الأعراب، أو الكتائب الخاصة التي ألفها التبابعة مهنهم، قائد اسمه "وهب اوم" "وهب أوام"، وكان من قادة "شمر يهرعش"، وقائد اسمه "سعد تالب يتلف" "سعد تألب يتلف"، وكان في أيام "ياسر يهنعم الثالث" وابنه "ذرأ أمر" وذلك على رأي "فون وزمن".
أننا لا نعرف حتى الآن كيف استولى "شمر يهرعش" على حضرموت، وكيف ضمها إلى سبأ، اذ لم نتمكن من الظفر بكتابة فيها حديث عن كيفية قضاء "شمر" على استقلال تلك المملكة. وعلمنا بضم حضرموت إلى سبأ، مقتبس من اللقب الجديد الذي لقب "شمر" به نفسه على نحو ما ذكرت.
وقد رأى بعض الباحثين إن سقوط "شبوة" وتدميرهما في قبضة قوات "شمر" كان في القرن الرابع للميلاد وقبل استيلاء الحبش على العربية الجنوبية بزمن قصر.
ذهب "ريكمنس" إلى إن الحبش احتلوا العربية الجنوبية حوالي السنة "335" بعد الميلاد، ودام احتلالهم هذا لها إلى حوالي السنة "370 م"، ولم يذكر من حكم بعد "شمر يهرعش"، غير انه وضع "ملكيكرب يهأمن" في نهاية احتلال الحبش لليمن، أي بعد سنة "370 م"، ووضع لفظة "حسن" في قوس قبل "ملكيكرب يهأمن" ثم ذكر بعد "أب كرب أسعد" "ذرأ أمر أيمن".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:13 AM
وفي النص Jamme 656 خبر حرب وقعت بين "شمر يهرعش" وحضرموت. وقد لقب "شمر يهرعش" فيه بلقبه الجديد: "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" وذكر أن حضرموت كانت اذ ذاك تحت حكم ملكين اسم أحدهما: "شرح ال" "شرح ايل" "شرحئيل"، واسم الآخر "رب شمس" "ربشمس" "رب شمسم". وزعم أن الملكين المذكورين هما اللذان أعلنا "هشتا" الحرب على الملك "شمر يهرعش"، غير أن النص لم يتحدث، كعادة النصوص إلى الأسباب التي حملت الملكين على إعلان تلك الحرب. وقد ذكر أن عاقبتها كانت سيئة بالنسبة لحضرموت، إذ خسرت فيها، وان الحرب كانت قد وقعت في "سررن" "سرران"، وأن أصحاب النص وكانوا من "سبا كهلن" "لسبأكهلان"،عادوا مع عشيرتهم من تلك الحرب سالمين غانمين. وقد قدموا عُشر حاصل غلتهم من زرع أرضهم ب "رحبتن" "رحابتان" "رحبتان"، للإلَه "المقه" ليبارك فيهم ويديم نعمه عليهم ويزيد مكانتهم عند سيدهم "شمر يهرعش، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" ولكي يعطيهم غلة وافرة وحصاداً طيباً هنيئاً.
وقد شهد أصحاًب هذا النص المعركة أو المعارك التي جرت في وادي "سررن" السر، وهو وادٍ يقع على مسافة سبعة كيلومترات من مدينة شبام، ويعرف ب "وادي سر" "وادي السر". ولم يتحدثوا عن معارك أخرى. مما يدل على أنهم لم يشتركوا في غير هذه المعركة، وأنهم عادوا بعدها قبيلتهم التي ساهما في القتال إلى مواطنهم.
وفي النص: Jamme 662 خبر مهم له علاقة وصلة بالنص السابق وبالعلاقات فيما بين سبأ وحضرموت في هذا العهد. خبر يفيد أن "شبوت" "شبوة" كانت في أيدي السبئيين في هذا العهد، وأن الملك "شمر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، كان قد عين "يعمر اشوع" "يعمر أشوع"، وهو سيد "وزع" من سادات "سبأ"، على مدينة "شوة"، عينه عليها لحمايتها وللمحافظة على الأمن فيها، وقد ذهب إليها ومعه قوم من "سبأ". وقد سر "يعمر أشوع" بالطبع بهذا التعيين وشكر ربه "المقه" على هذا التوفيق العظيم الذي حصل عليه بفضله.
فيظهر من هذا النص إن "شبوة" وهي عاصمة حضرموت، كانت في أيدي "شمر يهرعش"، قبل اختيار "يعمر أشوع" ليكون حاكماً عليها، ومعنى هذا إن جزءاً من حضرموت كانت قد أصبح في جملة أملاك سبأ، وهذا ما حمل "شمر يهرعش" على إلحاق جملة "وحضرموت ويمنت" إلى لقبه السابق، وهو "ملك سبأ وذو ريدان". غير إن السبئيين لم يكونوا قد استولوا على كل مملكة حضرموت،
بدليل ما ورد في النص السابق من وجود ملكين كانا يحكمان حضرموت وهما: "شرح ايل" و "ربشمس" "رب شمس". ويظهر إن "شرح ايل" هذأ هو الملك "شرح ايل" "شرحئيل" المذكور في النص Cih 948. أما الملك "ربشمس"، هذا فهو ملك آخر لا صلة له ب "ربشمس" الذي هو ابن الملك "يدع ايل بين" ملك حضرموت ووالد ملك آخر اسمه "يدع ايل بين" كذلك.
ويتبين من النص: Cih 948-وهو نص فيه أمور غامضة غير مفهومة، وعبارات غير واضحة، أمر الملك "شمر يهرعش" نفسه بتدوينه-إن الملك المذكور حارب الملك "شرح ال" "شرحئيل" "شراحيل" "شرح ايل" ملك حضرموت، وانه انتصر عليه انتصاراً كاسحاً. ويظهر إن الملك "شمر يهرعش" اضطر إلى قيادة حكمة جديدة على حضرموت، لأن الحظارمة انتهزوا فرصة عودة الملك "شمر يهرعش" إلى سبأ، وعودة معظم جيشه معه، سوى الحاميات التي. تركها في بعض المدن والمواضع مثل "شبوة" التي مرّ ذكرها، فثاروا على السبئيين، ثاروا بقيادة الملك "شرح ايل الذي مرّ ذكره، مما حمل الملك "شمر يهرعش" على الإسراع بالاتجاه نحو حضرموت للقضاء على الثورة. ويظهر من هذا النص ومن النصوص الأخرى إن الحظارمة وإن اندحروا وأصيبوا بهزائم في هذه المعارك الا انهم لم يتركوا النضال في سبيل الاستقلال وفي سبيل التخلص من حكم سبأ، وان ما تذكره النصوص السبئية من أخبار الهزائم الفادحة والانتصارات الباهرة هي من قبيل المبالغات في غالب الأحيان
ويلاحظ أن النص المذكور، قد أغفل اسم الملك الثاني "ربشمس" "رب شمس" الذي كان يشارك "شرح ايل" في حكم حضرموت. ولا ندري بالطبع سر إغفال اسمه. كما يلاحظ أيضاً أنه سمي الملك ب "شمر يهرعش"، بدلا من "شمر يهرعش" كما يرد في كل النصوص الباقية. ويلاحظ أن الأخباريين لا يسمون هذا الملك الا ب "شمر يرعش".
وبعد أن عاد الملك "شمر يهرعش" من حملته على وادي حضرموت، عاد فقاد حملة أخرى على أرض "ارض *********ان الددن" "أرض *********ن الددن"، "*********ان الدودان". وقد كلف الملك أحد قواده بأن يعسكر في مدينة "صعدة" "بهجرن صعدتم"، ويضع بها حامية. ثم يقوم بقطع الطريق على بعض فلول "*********ان الدودان"، وقد نفذ القائد ما طلب منه، فتعقب تلك الفلول. ولما أنهى الملك الحرب التي قام بها في أرض "*********ان الدودان" حارب جيشه فلول "سنحن" "سنحان" في وادي "دفا". وقد منّ الإلَه "المقه" عليه، فأعطاه غنائم وأسرى وسبايا واموالاً طائلة، أرضته وشرحت صدره.
وعاد الملك "شمر يهرعش" فأصدر أمره بوجوب الزحف على "سهرتن" "سهرتان" و "حرتن" "حرتان"، أي أرض قبيلة "حرت" "حرة". وهي أرض ورد اسمها قبلاً، حيث بلغ للملك إن زحف عليها، وذلك قبل استيلائه على حضرموت. ولما انتهت القوات من مقاتلة "سهرتن" و "حرتن"،
اتجهت نحو الشمال لمحاربة فلول "نشدال" "نشد ايل" في وادي "عتود"،الذي يصب في البحر الأحمر، والذي يقع على مسافة "85" كيلومتراً إلى الشمال الغربي من "جيزان". وتقع مدينة "جيزان" حوالي ثمانية كيلومترات إلى الشمال الشرقي من مصبه في البحر.
ويتحدث نص Jamme 660، عن غارة قام بها رحل اسمه "حرثن بن كعبم" "الحارث بن كعب"، ورجل آخر اسمه "سددم بن عمرم" "سداد بن عمرو "سدد بن عمر"، وكانا "جرينهن"، وقد تعني اللفظة منزلة من المنازل الاجتماعية، ومعها محاربان من محاربيهم هما: "نخعن" "النخع" "نخعان" و "جرم"، على "ذخزفن" بمدينة مأرب "هجرن مرب"، فحققوا ما أرادوا ثم خرجوا من "مأرب" ومعهم "يعمر" سيد "وزع" سبأ. فأمر الملك "شمر يهرعش" أحد رجاله واسمه "وهب اوم" "وهب اوام"، بأن يقتفي آثار الجناة ويقبض عليهم. فخرج إليهم وتعقبهم وقبض عليهم، وجاء بهم إلى الملك حيث عرضهم عليه في قصره "سلحن" "سلحين" "سلحان" بمدينة مأرب.
وكان "وهب اوم"، الذي تعقب الجناة وقبض عليهم، من كبار الموظفين قي حكومة "شمر يهرعش"، وكان بدرجة "كبر" أي "كبير" وهي درجة رفيعة في الحكومة تعني إن صاحبها موظف من أكبر الموظفين في الدولة، وان الملك عينّه ممثلا عنه لإدارة المقاطعات. وقد وضعت تحت تصرف هذا الكبير إدارة ثماني مقاطعات وقبائل هي: "حضرموت" و "كدت" "كندة" و "مذحجم" "مذحج" و "بهلم" "باهل" و "حدان" "حدأن" و "رضوم" "رضو" و "اظلم" "أظلم" و "امرم" "أمرم". والأسماء الأولى هي أسماء قبائل معروفة. معروفة عند أهل الأخبار كذلك. ولا يزال بعضها معروفاً حتى اليوم.
وشخص تناط به إدارة هذه القبائل والأرضين، لا بد وان يكون من الموظفين الأكفاء في عهد "شمر يهرعش". ويظهر من تسلسل أسماء المواضع والقبائل إنها كانت متجاورة يتاخم بعضها بعضاً. اذ لا يعقل إدارة شخص في ذلك الوقت مقاطعات مترقة وقبائل متباعدة من الوجهة الإدارية.
ويشير هذا النص إلى نوع من التنظيم الإداري الذي كان في حكومة سبأ في أيام هذا الملك.
ويعد النص: Jamme 657 من النصوص التي تعود إلى هذا العهد أيضاً. وهو نص دوّنه شخص من "مرحبم" أي "مرحب"، لمناسبة تقديمه ثلاثة أصنام إلى ربه "المقه ثهوان"، لأنه أجاب طلبة ومنَّ عليه بتحقيقه كل ما سأله من رجاء وتوسلات. ولكي يحقق كل ما سيطلبه من مطالب من إعطائه أثماراً كثيرةً من كل مزارعه، ومن حمايته وحفظه من كل سوء، ومن رجائه في أن يحظى بمكانة محمودة عند ملكه.
والنص: Jamme 661، هو كذلك من النصوص التي تعود إلى هذا العهد. وقد كتبه جماعة لمناسبة شفائهم من مرض خطير كاد أن يقضي عليهم، أصيبوا "مرضو" به في مدينة "ثت" "ثات"، فلما شفوا منه، حمدوا ربهم "المقه ثهوان" "بعل أوام"، لأنه من عليهم إذ شفاهم وحفظهم، وتوسلوا إليه أيضا، بأن يعطيهم القوة واسعة، وبأن يمنحهم غلة وافرة ويبارك في زرعهم، ويبعد عنها أعداءهم وشانئهم بحق "المقه ثهوان".
وقد استنتج "جامه" من النص: CIH 353، أنه قد كان للملك "شهر يهرعش" شقيق اسمه "ملكم" "ملك" "مالك"، وقد سقط لقبه من هذا النص، وقد استنتج منه أيضاً أنه كان قد حكم مع أخيه "شمر" وشاركه في في الحكم. ولم يرد اسم "ملكم" هذا في نص آخر، لذلك لم يدخل أكثر الباحثين في العربيات الجنوبية اسمه في عداد ملوك سبأ وذي ريدان.
وقد وضع "فلبي" اسم "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش" وقال: إن من المحتمل أن يكون أحد أبناء "شمر"، وقد جعل حكمه في حوالي السنة "310 ب. م.".
أما "فون وزمن"، فجعل من بعده ولداً له سماه "ياسر يهنعم"، ولقبه بالثالث، ليميزه عن "ياسر يهنعم" والد "شمر يهرعش"، وعن "ياسر يهنعم" الأول الذي عاش قبله
وأما "ريكمنس"، فذهب إلى إن "ياسر يهنعم" هذا لم يكن ابناً لي "شمر يهرعش"، بل كان أباه، وقد حكم مع ابنه في بادئ الأمر حكماً مشتركاً، ثم انفرد ابنه بالحكم وأخذة لنفسه إلى إن مات، فعاد الحكم إلى أبيه "ياسر يهنعم" فأشرك "ياسر" هذا ابنه "ثارن ايفع" "ثأران أيفع" في الحكم، ثم أشرك ابنه الآخر "ذرأ أمر أيمن" معه في الحكم أيضاً. ويعارض "فون وزمن" هذا الرأي، اذ يراه تفسيراً غريباً لا مثيل له في الحكم، ويقتضي أن يكون عمر "ياسر" أذن عمراً طويلاً جداَ.
وقد جعل "فون وزمن" حكم "ياسر يهنعم" الثالث وابنه "ثارن أيفع" فيما بين السنة "310" و "325" للميلاد. تم ذكر اسم "ثارن يركب" "ثأران يركب" من بعدهما. وقد جعل زمانه فيما بين السنة "320" و "330" للميلاد. ثم وضع "فون وزمن" أيام حكم "ياسر يهنعم الثالث" وابنه "ذرأ أمر أيمن" في النصف الأول من القرن الرابع للميلاد، في حوالي السنة "330" بعد الميلاد و "336" بعد الميلاد. واذا كان هذا الافتراض صحيحاً أو قريباً من الصحيح، فانه يكون قد عاصر أو أدرك أيام "قسطنطين الكبير" "313 - 337 ب.م".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:16 AM
ويظهر من ذلك إن "فون وزمن" عاد فأعاد الحكم إلى "ياسر يهنعم" الثالث الا انه قرن حكمه هذا مع حكم ابن آخر له هو "ذرأ أمر أيمن".
وأما "جامه"، فقد ذهب مذهب "ريكمنس" في أن "ياسر يهنعم" الذي وضع هو أيضاً اسمه بعد اسم "شمر يهرعش" هو والد "شمر يهرعش" وقد حكم بعد ابنه "شمر" بسبب حادث لا نعرف سببه، حكم مع ابن له حكماً مشتركاً، تم حكم مع ابن آخر له، حكم مع "ذرأ أمر أيمن" من حوالي السنة "305" وحتى السنة "320" للميلاد تقريباً، ثم حكم مع ابنه الآخر "ثارإن يفع" "ثأران أيفع" من حوالي السنة "320" وحتى السنة "325" للميلاد تقريباً.
ويرى "جامه" أن تولي الأب الحكم بعد الابن ليس بحادث مستغرب، فهنالك أمثلة لعودة الآباء إلى الحكم بعد حدوث شيء لأبنائهم، وعودة "ياسر يهنعم" إلى احكم بعد "شمر" هو مثل من تلك الأمثلة. ثم إن اسم "ياسر يهنعم" هو نفس السم والد "شمر"، لذلك يرى "جامه" أنه هو والد "شمر" نفسه وأنه حكم مع أولاده مراراً.
وعندي أن في رأي "جامه" هذا، تكلف وتصنع، واتفاق اسمن لا يدل حتماً على إن الاسمين لمسمى واحد، وإن كان الزمن متقارباً. ثم من يثبت لنا أن "ياسر يهنعم" الذي يرد اسمه في النص: Jamme 664 و Jamme 665 هو "ياسر يهنعم" الأول والد "شمر يهرعش". لا سيما وان لقب "ياسر يهنعم" في النصين يختلف عن لقب "ياسر" والد شمر. وفي افتراض أخذ "ياسر" لقبه الجديد من اللقب الذي أحدثه ابنه في أيامه، تكلف بيّن واضح لا يؤيده أيضاً دليل، ثم إن تصور اشتراكه في الحكم مع أربعة أولاد، هو تصر غريب أيضاً. ولذلك أرى أن "ياسر يهنعم" هذا هو شخص آخر، وليس بوالد "شمر". وأما أنه ابن "شمر يهرعش"، فلا اعتقد انه رأي صحيح. أيضاً. فلو كان ابن "شمر" لذكر اسم والده في النصين، كما هي العادة في النصوص. وقد كان من فخر الملوك ذكر أسماء آبائهم في النصوص، إلا اذا لم يكونوا ملوكاً، فإنهم كانوا يغفلون أسماءهم، أو يذكرونها دون لقب. وقد كان "شمر يهرعش" ملك، وصاحب لقب جديد، فقد كان من فخر "ياسر يهنعم" ذكر اسم والده بع لقبه لو كان ابن شمر حقاً.
وقد ورد اسم "ذرأ أمر أيمن" مع اسهم والده "ياسر يهنعم" في النص: Jamme 665، وهو نص مهم جداً، فيه أخبار حروب وأنباء عن الأعراب، أي أهل الوبر في العربية الجنوبية، وعن الأدوار التي كانوا يقومون بها من النواحي السياسية والحربية والاجتماعية. كما إن فيه أخبارا عن التنظيمات الإدارية اذ ذاك. وصاحب النص موظف كبير من موظفي الدولة اسمه: "سعد تالب يتلف بن جدنم"، أو من "آل جدنم"، أي "جدن". وكان بدرجة "كبر"
أي "كبير" على أعراب ملك سبأ "كبر اعرب ملك سبأ" وعلى "كدة" أي كندة وعلى "مذحجم"، أي "مذحج"، وعلى "حرمم" "حرم" "حرام"، وعلى "بهل"، أي "باهلم" "باهلة" وعلى "زيد ال" "زيد ايل"، وعلى كل أعراب سبأ "وكل اعرب سبا"، وأعراب حمير وأعراب حضرموت وأعراب "ينت"، أي اليمن. وقد دوّنه لمناسبة تخليده ذكرى حروب قام بها في أرض حضرموت وفي مواضع أخرى، كلفه القيام بها سيده الملك "ياسر يهنعم" وابنه "ذرأ أمر اًيمن".
وقد أمر ذلك الكبير بالذهاب إلى حضرموت، فذهب إليها ومعه محاربون من أعراب ملك سبأ ومن كندة "كدة"، وانضم إليه سادات "ابعل" "نشقم" "نشق" و "نشن" "نشان". ولما وصل مدينة "عبرن" "عبران" اصطدم بمحاربيها، وجرت معارك بين الطرفين. وتقع "عبرن" غرب "وادي العبر" ويقال لها "حصن العبر"، وهي مدينة ذات آبار. وقد اشترك في المعركة محاربون ركباناً "ركبم" وفرساناً "افرسم" ومشاة. ويقصد ب "ركبم" المحاربون الذين كانوا يركبون الجمال ويقاتلون عليها، وب "افرسم" المحاربون الفرسان، أي الذين يحاربون وهم على ظهور الجياد. وقد ذكر إن عدد المحاربين الراكبين كان "750" محارباً راكباً، وان عدد الفرسان كان سبعين فارساً. وقد اصطدمت إحدى المفارز التي كانت مقدمة للجيش "مقدمتن"، بمفرزة أرسلها ملك حضرموت لمباغتة محاربي "نشق" و "نشان" و "مأرب"، وأخذهم على غرة لإيقاعهم في الأمر
فوقعت معركة عند موضع "ارك". وقد تمكن قائد الحملة "سعد تألب يتلف" من التغلب على الحضارمة ومن تخليص مقدمته وإنقاذ من كان قد وقع أسراً في أيدي المستوطنين الحضر من أهل المدر الساكنين في مستوطنات "احضرن"، ثم اتجه بجيشه نحو "دهر" و "رخيت"، فجرت معركة تغلب فيها على أهل الموضعين وحصل منهم على غنائم وأسرى، وأموال، واقتاد جمالاً وثيراناً وبقراً وغنماً كثيراً، أخذها معه، ثم اتجه نحو الأرضين المخفضة "سفل" حتى بلغ "عيون خرصم" "أعين خرصم" "أعين خرص"، حيث تحارب مع من كان هناك من العصاة والمنشقين والأعداء.
ودخل السبئيون بعد هذه المعركة معركة أخرى دخلوها مع قطعات "مصر" حضرموت. المتقدمة "قدمهو". وكانت تتألف من "3500" جندي راكب "اسدم ركبم" ومن "125" فارساً "افرسم"، وكان يقودها قائدان: "اسود يهمو": أحدهما: "ربعت بن ولم" "ربيعت بن والم" "ربيعة بن وائل"، وهو من آل "هلم" ومن ا ل "الين" "ألين"، وثانيهما: "افصى بن جمن" "أفصى بن جمان"، ثم قائد الركبان "نحل ركبن" وأقيال "أقول" وكبراء "اكبرت" حضرموت وأسباطهم. وقد أصيبت قوات حضرموت بخسائر، قتل منهم "850" محارباً بحد السيف، وأسر "اقصى"، وكان قائداً بدرجة "نحل" وأسر "جشم"، وهو "نحل افرسم"، أي قائد الفرسان، وأسر معهما "470" محارباً، وعدد من أقيال وكبراء حضرموت. وأسر "45" فارساً من فرسان حضرموت، وغنم ثلاثين فرساً وأخذ 1200 جمل ركوب مع رحالها "برحلهن". وهكذا انتهت هذه المعركة بانتصار السبئيين على حضرموت.
وأمر الملك قائده بأن يقاتل "بساعم" "بسأعم"، وأن يذهب لمساعدة قبيلة "جدنم" "جدن". فذهب ومعه "35" فارساً وقطعات من جيشه على "بسأعم"، والتحم به، وتمكن من إنقاذ كل الروايا "كل روتهمو" المحملة على الدواب، وكل الأمتعة المحملة على حيوانات الركوب، كما استولوا على ابل من ابل "بسأعم". وعاد القائد مع جنده بعد ذلك سالماً غانماً بفضل الإله "المقه" ونعمه عليه.
ويظهر إن عهد "ياسر يهنعم الثالث" وعهد ابنه "ذرأ أمر أيمن" كانا من العهود السيئة لحكومة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ففيهما انفصلت "حضرموت" عن تلك الحكومة، واستقلت ارض "سهرت" "سهرتن" "سهرة" "السهرة" واستعاد الحبش سلطانهم في السواحل الغربية للعربية الجنوبية. وانتهز "الأقيال" وسادات القبائل هذه الفرصة، فكوّنوا حكومات إقطاعية، يحارب بعضها بعضاً، وعمّت الفوضى تلك البلاد.
وأما النص: Jamme 664 الذي دوّن فيه اسم "ياسر يهنعم" و "ثارن ايفع" "ثأران ايفع" "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، أي "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ويقصد ب "ملوك" "ملكا"، أي ملكين أثين، فصاحبه رجل اسمه "ال امر ينهب" "ايل أمر ينهب"، وهو من "سحر" "سحار"، وكان قد أهدى معبد "المقه ثهوان" "بعل أوام" صنماً، لأنه أوحى إليه بأنه سيهبه ولداً ذكراً.
وقد وهبه ولداً سماه "برلم" "برل" "بارل". ولأنه أوحى إليه بأنه سيهبه أولاداً ذكوراً في المستقبل وانه سيرفع من منزلته ومكانته عند سيديه: "ياسر يهنعم وثارن ايفع املك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، أي "ياسر يهنعم وثارن أيفع ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ولأنه أوحى إليه بأنه سيعطيه غلة وافرة وأثماراً كثيرة من أرضه الزراعية "ارضهمو" بمأرب وبنشق وبنشان.
ويلاحظ إن هذا النص لم يشر إلى إن "ثأران أيفع" كان ابناً ل "ياسر يهنعم"، اذ لم يورد لفظة "وبنهو" التي تعني "وابنه" بل ذكر "الواو" وحده، أي حرف العطف. ومعنى هذا إن "ثاران أيفع" لم يكن من أبناء "ياسر يهنعم"، بل كان غريباً عنه. ثم يلاحظ إن النص ذكر لفظة "املك" أي "ملوك" بعد اسم "ثأران أيفع"، والواجب إن يكتب "ملكي"، أي "ملكا"، في حالة التثنية لا الجمع، فلعل ذلك من خطأ الكاتب أو الناسخ للنص.
وقد وضع "جامه" اسم "كرب ال وتر يهنعم" "كرب ايل وتر يهنعم" "كربئيل وتر يهنعم" بعد اسم "ثأران أيفع"، وجعل حكمه من سنة "325" حتى السنة "335" "ميلادا. ثم نصب "ثأران يركب" ملكاً من بعده، وقد جعل حكمه من سنة "330" حتى السنة "335" للميلاد. ثم ذكر اسم "ذمر على يهبر" من بعده، وأعطاه لقب "الثاني" ليميزه بذلك عن "ذمر على يهبر" الذي حكم قبله بأمد. وذكر أنه حكم من سنة "335" حتى السنة "340" للميلاد، ثم وضع اسم "ثأران يهنعم" من بعده ثم اسم "ملكيكرب يهأمن" "ملكي كرب يهأمن" ثم اسمي ملكين هما: "ابكرب اسعد" و "ذرأ أمر أيمن".
وأما "فون وزمن"، فوضع اسم "ذمر على يهبر" "ذمر على يهبأر" بعد اسم "ثارن يركب"، ثم عاد فذكر اسم "ذمر على يهبر" مع ابنه "ثارن يهنعم"، بمعنى أنهما حكما معاً فيما بين السنة "340" والسنة "350" للميلاد. ثم ذكر أن "ثأرن يهنعم" حكم مع ابنه "ملكيكرب يهأمن" حكماً مزدوجاً، ثم حكم "ملكيكرب يهأمن" مع ابنيه "أبو كرب أسعد" و "ذرأ أمر أيمن". ثم أشار إلى انفراد "أبو كرب أسعد" مع ابنه "حسن يهامن" "حسان يهأمن" باحكم في حوالي السنة "400" للميلاد.
وقد ورد اسم الملك "كرب ال وتر يهنعم" "كرب ايل وتر يهنعم" في النص: Jamme 666. وصاحبه رجل اسمه: "ابكرب ابهر" "أبو كرب أبهر"، ورجل آخر اسمه: "عبد عثتر اشوع" "عبد عثتر أشوع"، و "وهب أوم أسعد"، وكانوا أقيالاً "اقول" على عشيرة "عضدن" "عضدان"، وكانوا هم منها. وقد تقدموا إلى الإله "المقه". بصنم هو عبارة عن تمثال فرس وعليه راكبه " "ركبهو"، وذلك حمداً له وشكراً لأنه مَنَّ عليهم وحماهم من مالك الأرض "بن محر"، ولأنه أسعدهم، ولكي يبعد عنهم كل أذى وسوء وكل عدو حاسد، ويعطيهم القوة والحظوة والمكانة عند سيدهم "كرب ال يهنعم" "ملل سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ويمنحهم حصاداً طيباً وغلة وافرة.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:20 AM
ويلاحظ إن هذا النص سمى الملك "كرب ال يهنعم" "كرب ايل يهنعم" ولم يذكر لفظة "وتر" بين "كرب ايل" و "يهنعم". وقد وضع "جامه" لفظة "وتر" بين الاسمين من عنده لاعتقاده بأن هذا الملك هو الملك "كرب ايل وتر يهنعم" الذي يرد اسمه في نص آخر وسم ب Jamme 667.
وأما النص: Jamme 667، فصاحبه رجل اسمه "رببم" "ربيب"، وهو من: "خلفن انمرم" "خلفان أنمر" "خلفان أنمار" ومن "حيم" "حيوم". وقد ذكر فيه انه قدّم صنماً إلى الإله "المقه ثهوان" "بعل اوّام"، لأنه من عليه، بأن حفظه ونجاه من الثورة "بن حبل" والاضطرابات "وقسدت" "ق س دت" التي وقعت بمدينة "ظفار"، وذلك قبل هذا اليوم "بقدمى ذن يومن" ولكي يديم نعمه ومننه عليه وينيله رض وحظوة "حظى ورضو" سيده الملك "كرب ال وتر يهنعم، ملك سبا وذ ريدن وحضرموت ويمنت"، أي "كرب ايل وتر يهنعم.، ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".
وقد ورد اسم الملك "ذمر على يهبر" في النص Jamme 668، وورد معه اسم ابنه "ثأران يهنعم". وأصحابه جماعة من "سباكهلن"، أي "سبأ كهلان". وقد حمدوا فيه الإله "المقه" لأنه نجى وحمى وحفظ أصحاب النص، ولأنه منَّ عليهم فمكّنهم من الحصول على غنائم في المعارك التي خاضوها ومن
اخذ سبي من أعدائهم، مما أثلج نفوسهم وشرح صدورهم وأفرحهم، ولكي يبارك فيهم ويرضى عنهم سيدهم الملك "ذمر على يهبر" وابنه "ثارن يهنعم" وهما "ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، ولكي ينعم عليهم "وليهعنهمو"، ويمتعهم في الحياة "متعنهمو" ويبعد عنهم كل أذى وسوء.
وورد اسم "ثارن يهنعم" "ثأران يهنعم"، وبعده اسم ابنه "ملك كرب" يهامن" "ملككرب يهأمن" "ملككرب يهأمن" "ملكي كرب يهأمن"، في النص: Jamme 669، وهو نص دوّنه جماعة من عشيرتي: "عبلم" "عبل" "عبال" و "قترن اتون" "قتران أتوان"، حمدوا فيه الإله "المقه" لأنه أنعم عليهم، فوهبهم مولوداً ذكراً، ولأنه أوحى إليهم بأنه سيهبهم أولاداً ذكوراَ، وانه سينجيهم من الضر والسوء، ولأنه أمات "وميت" "يحمد" الذي دخل أرضهم وقاتل أولادهم، وآذاهم، ولأنه حفظ أخاهم وشفاه، مما أصيب به من مرض جعله صامتاً هادئاً، وتعبيراً عن شكرهم وحمدهم هذا، أهدوا معبده صنماً "صلمن"، وكتابة "مسدم" "مسندم"، وكانت زنتهما "عصيم" "عصى"، وقدموا ثورين "ثنى ثورن" إلى "كلونم" "كلوان".
ويلاحظ إن هذا النص لم يذكر مع اسم "ملككرب" "ملك كرب" "ملكيكرب" لقبه وهو "يهأمن" من بعده، بل أهمله.
كما ورد اسمه وبعده اسم ابنه في النص: Jamme 670. وقد دوّنه "شرحعثت اشوع" "شرحعثت أشوع"، وابنه "مرثدم" "مرثد"، وهما من "سخيمم" سادات "بيت ريمان" "ابعل بيتن ريمن"، وأقيال عشيرة "يرسم" من قبيلة "سمعي" التي تكوّن ثلث "حجرم" "حجر". وقد كتباه لحمد الإله "المقه" وشكره، لأنه من على عبده "شرحعثت أشوع" فعافاه مما ألم به من مرض شديد "ضللم" كاد إن يقضي عليه، حلّ به بمدينة "ظفار". ولأنه أعاد إليه ابنه "كسدم"، فساعده. ولكي يبارك فيه وفي انبه "مرثد"، ويبعد عنهما كل مرض، ويرفع من مكانتهما لدى الملكين: "ثأران يهنعم وابنه ملك كرب يهأمن، ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت".
وكتب جماعة من "سخيم" سادات "بيت ريمان" "ابعل بيتن ريمن" وأقيال "اقولن" "يرسم" من عشيرة "سمعن"، التي تكوّن ثلث عدد "حجرم ذ *********ن جددتن" "حجر *********ان جددتان"، نصاً وسم ب Jamme 671 وذلك ليكون معبراً عن حصدهم وشكرهم لإلَه "المقه"، الذي منَّ عليهم بنعمه وساعدهم بالقيام بالعمل الذي كلفهم به سيداهم: "ثأران يهنعم" و "ملككرب يامن"
"ملك كرب يأمن" "ملكيكرب يأمن"، "ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت"، وهو أن في قدموا ويقودوا "لقتد من" جيش الأعراب "خمس بعرب"، ويتجهوا إلى السد "عرمن" الذي تهدم "بكن ثبرت عرمن بحببض"، عند موضع "حببض" "حبابض" وموضع "رحبتن" "رحبتان" "الرحبة" "الرحابة"، فتداعت جدرانه ومبانيه وأحواضه وسدوده الفرعية ومضارفه "مضرفن"، الواقعة فيم بين "حبابض" و "رحبتن" "الرحبة" وخرب منه ما مقداره سبعون "شوحطم" "شوحطا". وقد حمدوا الإلَه "المقه" وسبّحوه لأنه أجاب دعوتهم، فحبس الأمطار والأمواج والسيول عنهم حتى تمّ العمل وأقاما الأسس والجدران والسد. ولأنه وفقهم في خدمة سيديهم "ثأران يهنعم"، و "ملككرب يامن" "ملك كرب يأمن" "ملكيكرب يأمن".
ويظهر من هذا النص أن خراباً كان قد حل بسد "حبابض"، فتهدم قسم منه فأضر ذلك بالمزارع التي كانت ترتوي منه. وأن الملك أمر باصلاحه وبإعادة بنائه، وقد تم هذا العمل في عهده.
وأما الذي حكم بعد "ذرأ أمر أيمن" الذي هو ابن "ياسر يهنعم الثالث"، فهو "ذكر على يهبأر". وكان قد حكم على رأي "فون وزمن" في حوالي السنة "340 ب. م.". وقد استنتج "فون وزمن" رأيه هذا من كتابة ورد فيها اسم القائد "سعد تألب يتلف"، وهو في خدمة "ذمر على يهبأر". ولما كان هذا القائد قد خدم في عهد "ياسر" وابنه، رأى إن "ذمر على يهبأر" يجب إن يكون هو الملك الذي تولى احكم بعد "ذرأ أمر أيمن". وقد نعته ب "ذمر على يهبأر الثاني" تمييزاً له عن ملك سابق حكم بهذا الاسم.
وقد تكن القائد المذكور من الوصول إلى موضع "صوران" "صورأران" الواقع غربي الطريق المؤدية إلى روضة "سررن" "سرران" بوادي حضرموت. واشترك في معركة نشبت في "سرران" على مقربة موضع "مريمت" "مريمات". وهو موضع تقع آثاره وخرائبه اليوم بين "سيوون" و "تريم"، في المكان الذي سماه "بطلميوس" Marimatha.
ولا نعلم من أمر "ذمر على يهبأر" شيئاً يذكر. أما الذي جاء بعده في الحكم، فهو "ثارن يهنعم"، ثأران يهنعم"، وهو ابنه. وقد حكم جمع أبيه حكماً مشتركاً بعد السنة "340 م" على رأي "فون وزمن". وقد عثر على عدد من الكتابات من أيامه. وفي عهده تصدع السد، سدّ مأرب، للمرة الثالثة على ما جاء في المسند.
ولعل النصوص الموسومة ب Jamme 669 وjamme 670 و Jamme 671 هي آخر النصوص التي تقرأ فيها اسم الإله "المقه"، إلهَ سبأ الكبير ورمز السبئيين. وقد عثر عليها المنقبون في معبده بمدينة مأرب، المعبد المعروف ب "أوم" "أوام"، وهي مكتوبة في عهد الملك "ثارن يهنعم" وابنه "ملككرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن". وإذا كان هذا الانقطاع صحيحاً، أي أن المنقبين لن يعثروا على كتابات أخرى تحمل اسم ذلك الإلَه وتمجده، فإنه يمكن تفسيره عندئذ بإعراض ملوك سبأ منذ عهد هذين الملكين، أي منذ أواخر القرن الرابع بعد الميلاد، عن عبادة "المقه" وبقية آلهة سبأ، ود*********هم في التوحيد.
ولو افترضنا احتمال عثور الباحثين على كتابات مفقودة فيها اسم "المقه"، فإن عهدها لن يكون طويلاً، ذلك لأننا سوف نرى بعد قليل أن الملك "ملك كرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن" وهو ابن الملك "ثأرن يهنعم" "ثاران يهنعم"، يتجاهل بعد توليه الحكم اسم "المقه"، ولا يتقرب إليه على سنة الملوك الماضين، بل يتقرب إلَه جديد هو الإلَه "ذ سموى"، أي الإلَه "رب السماء"، وهو تحول يدل على حدوث تغير عند هذا الملك بالنسبة إلى ديانة آبائه وقومه، ويدل على د*********ه في ديانة جديدة، هي ديانة "رب السماء"، أو "رب السماوات"، وهي ديانة تعبر عن عقيدة التوحيد، وعن اعتقاد الملك بوجود إلَه واحد هو "رب السماء".
وقد عثر على الكتابات المذكورة ب "منكث" خارج خرائب "ظفار". ويرى بعض الباحثين احتمال حدوث هذا التحول في عهد الملك "ثارن يهنعم"، ويرون إن هذا التحول يتناسب كل التناسب مع الرواية المعزوّة إلى "فيلوستورجيوس" Philostorgios عن كيفية تنصير الحميريين، اذ زعم إن "ثيوفيلوس" Theophilos كان قد تمكن من اقناع ملك حمير بالد********* في النصرانية، فدان بها، وأمر ببناء كنائس في "ظفار" وفي "عدن".
وكان القيصر "قسطنطين الثاني" "350 -361 م" هو الذي أرسله إلى العربية الجنوبية ليدعو إلى النصرانية بين أهلها. ويؤيدون رأيهم هذا بالكتابة المذكورة التي يرجع عهدها إلى سنة "378 م" أو "384 م" فعي غير بعيدة عن أيام "ثارن يهنعم"" ويحتمل لذلك إن يكون هو الملك الحميري، الذي بدّل دينه الوثني، ودخل في ديانة التوحيد.
ويتحدث النص: Jamme 671 من بين النصوص المذكورة عن تصدع أصاب وسط سد مأرب الكبير وعن سقوطه، وعن قيمام الملك "ثأرن يهنعم" "ثأران يهنعم" بإصلاحه وأعادته إلى ما كان عليه. ويكون هذا الخبر، هو ثاني خبر يصل إلينا مدوناً في كتابات المسند عن تصدع السد إلى هذا العهد.
أما الكتابة التي ورد فيها اسم الإله "ذ سموى" "رب السماء"، فتعود إلى الملك ".ملككرب يهأمن" "ملك كرب يهأمن" "ملكيكرب يهأمن"، وهو ابن الملك "ثارن يهنعم". وقد عثر عليها في "منكث" خارج خرائب "ظفار". وقد ورد فيها مع اسمه اسم ولدين من أولاده، هما: "ابكرب اسعد" "أبو كرب أسعد"، و "ذرأ أمر أيمن" "ورأ أمر ايمن"، وكانا يشاركانه في الحكم لورود لقب الملوكية الكامل بعد اسميهما. وقد تقربوا بها إلى الإلهَ "ذ سموى"، أي "إلهَ السماء"، وذلك في سنة "493" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "378" أو "384" للميلاد.
وقد أغفل "فلبي" الإشارة إلى "ياسر يهنعم الثالث" ثم من جاء بعده إلى "ملك كرب يهأمن"، فلم يذكرهم في قائمته لملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". وقد قلت إنه في جعل "يرم يهرحب" بعد "شمر يهرعش"، ومن المحتمل-في نظره-أن يكون أحد أولاد "شمر"، ثم ذكر إن الأحباش استولوا على العربية الجنوبية بعده، وذلك في حوالي السنة "340 ب. م."، وقد دام حكمهم حتى سنة "375 م"، حيث ثار عليهم "ملكيكرب يهأمن"، ويحتمل في نظره أن يكون أحد حفدة "يرم يهرحب"، فطرد الأحباش من العربية الجنوبية، وأقام نفسه ملكاً.
وقد ورد اسم "ملك كرب يهأمن" محرفاً في كتب أهل الأخبار، فدعاه "حمزة" ب "كلي كرب بن تبع"، وقد جعل حكمه خمساً وثلاثين سنة. وسمّاه "الطبري" "ملكي كرب تبع بن زيد بن عمرو بن تبع"، وسماه "المسعودي" "كليكرب بن تبع"، ودعاه "القلقشندي" "كليكرب بن تبع الأقرن"، الذي حكم على زعمه بعد "شمر يرعش" "شمر مرعش"، ثلاثاً وخمسين سنة، وقبل ثلاثاً وستين سنة، واسمه زيد. وهو على زعمه ابن "شمر". وذكر إن الأقرن إنما عرف بالأقرن لشامة كانت في قرنه.
وانتقل الملك بعد وفاة "ملكَ كرب يهأمن" إلى ابنه "أب كرب أسعد" "أبي كرب أسعد"، ويرى المستشرقون أنه "أسعد كامل تبع" الذي يزعم الأخباريون انه أول من تهوّد من التبابعة ونشر اليودية بين اليمانيين.
وقد جعل "الطبري" حكم "أبو كرب أسعد" بعد حكم "شمر يهرعش"، اذ قال: "ثم كان بعد شمر يرعش بن ياسر ينعم تبع الأصغر، وهو تبان اسعد أبو كرب بن ملكيكرب بن زيد بن تبع الأول بن عمرو ذي الأذعار، وهو الذي قد قدم المدينة، وساق الحبرين من يهود إلى اليمن، وعمر البيت الحرام وكساه" وتهود وطلب من قومه الد********* في اليهودية. "وقال الكلبي: تبع هو أبو كرب أسعد بن ملكيكرب، وإنما سمي تبعاً لأنه تبع من قبله. وقال سعيد بن جبير: هو الذي كسا البيت الحبرات". وذكر أنه قال شعراً أودعه. عند أهل يثب، "فكانوا يتوارثونه كابراً عن كابر إلى إن هاجر الني صلى الله عليه وسلم فأدّوه إليه. ويقال كان الكتاب والشعر عند أبي أيوب خالد بن زيد". وورد في مسند الإمام "أبي حنيفة": "أول من ضرب الدينار تبع، وهو أسعد بن كرب".
وقد تحدث "الهمداني" عن "أبي كرب اسعد"، فقال: " فأولد ملكيكرب بن تبع الأكبر: أسعد تبع بن ملكيكرب. وهو أسعد الكامل، وتبع الأوسط" "وكانت امه من فايش بن شهاب بن مالك بن معاوية بن دومان بن يكيل بن جشم بن جبران بن نوف بن همدان،
ومولده نجمر من ديار فايش بن شهاب". و "خمر" موضع بظواهر همدان. "ونشأ بجبل هَنْومَ من أرض همدان... فأولد أسعد تبع بن ملكيكرب: كرباً وهو الفدى، وبه كان يكنى... ومعدى كرب وحسان وعمراً... وجبلاً... فهؤلاء... خمسة أنفر بنو أسعد بن ملكيكرب وقال اللبخي وغيره: خطيب بن أسعد. والخطيبون بأكانط ومدر من ولده" فيكون ولد "أسعد" ستة نفر على هذه الرواية.
وذكر "الهمداني" إن والد "أسعد" هو "ملكيكرب بن تبع الأكبر. وهو الرائد بن تبع الأقرن بن شمر يرعش بن إفريقس ذي المنار بن الحارث الرائش بن إلى شدد". وعرف "تبع الأقرن" بالأقرن، لشمامة كانت في قرنهْ.
وقد اورد "الهمداني" في كتابه "الإكليل" أشعاراً كثيرة نسبها إلى "أسعد بن ملكيكرب"، بعضها قصائد، ذكر انه نظمها في مناسبات مختلفة. وقد تطرق في بعض منها إلى أنساب الناس والى أمور ذكر انه تنبأ بها قبل وقوعها بمئات من السنين، ومنها ظهور الرسول ومبعثه في قريش. وذكر "الهمداني" إن شعر "أسعد" وفصاحته من شعر وفصاحة "همدان". ونسب له شعراً في مدحهم.
ويلاحظ أن أهل الأخبار قد صيّروا اسم "اب كرب اسعد" "أبكرب أسعد" "أبو كرب أسعد" على هذا النحو: "أسعد تبع" و "أسعد تبع بن ملكيكرب" و "أسعد الكامل"، فأسقطوا "اب كرب" "أبكرب" منه، وأخذوا الجزء الأخير منه وهو "اسعد". ويظهر إن فتوحاته كانت قد تركت أثراً في ذاكرة أهل اليمن، وقد بقي ذلك الأثر إلى الإسلام، ولكن الزمن والعصبية لعبا دوراً خطيراً في تكييفه حتى طغى عليه الطابع الأسطوري، فوصل إلينا على نحو ما نجده في كتب أهل الأخبار والتواريخ.
ولمد تولى هذا الملك - على رأي المستشرقين-الحكم منفرداً من سنة "400" بعد، الميلاد حتى حوالي سنة "415" أو "420 ب. م." على رأي، أو من سنة "385" حتى سنة "420 ب. م." على رأي آخر، أو من سنة "378" حتى سنة "415 ب. م." على رأي "فلبي". والذي أراه إن حكمه امتد إلى ما بعد السنة "430" للميلاد، كما سأشرح ذلك في موضعه. وقد أضاف إلى لقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" الذي ورثه من أبيه إضافة جديدة في آخره، هي: "واعربهمو طودم وتهمتم"، أي "وأعرابها في الجبال وفي التهائم"، فصار بذلك أًول ملك سيحمل هذا اللقب.
ولا بد إن تكون للإضافة التي ألحفت بآخر اللقب معنى سياسي مهم، اذ لا يعقل إن يكون هذا الملك قد ألحقها باللقب اعتباطاً من غير قصد. والظاهر إن الذي حمله على إلحاقها به، هو ظهور أهمية الأعراب، ولا سيما أعراب الهضاب وأعراب جنوب نجد من قبائل "معد" وقبائل تهامة او التهائم، أي المنخفضات الساحلية ، بالنسبة إلى زمانه اذ صاروا يؤثرون في سياسة العربية الجنوبية تأثيراً واضحاً، وصار في استطاعتهم احداث تغيير كبير في الوضع السياسي، فانتبه لقوتهم هذه وأعارها أهمية كبيرة، فأضاف اسمهم إلى اللقب، دلالة على سيطرته عليهم وخضوعهم له، كما فعل الملوك الماضون بإضافة أسماء جديدة إلى ألقابهم الملكية كلما اخضعوا أرضاً من الأرضين.
ومعنى ذلك إن حكم "أبو كرب اسعد" كان قد شمل التهائم بأعرابها وقراها وكذلك قبائل معدّ التي تمتد منازلها من أرض نجران إلى مكة ونجد.
وعلى مقربة من مدينة "غيمان" قبر ينسب إلى هذا الملك، وقد فتح من عهد غير بعيد. وذكر أن "غيمان" كانت مقراً للتبابعة مدة ما، وان "أب كرب أسعد" أقام بها زمناً. ويظن إن الرأس المصنوع من البرنز الذي يمثل رأس امرأة والمحفوظ في المتحف البريطاني، والرأس الجميل الذي يمثل مهارة فائقة في الصنعة ويمثل رأس رجل، كلاهما قد أخذ من ذلك القبر.
ويقع قبر "أسعد أبو كرب" أسفل التل الذي أقيم عليه قصر "غيمان" "حصن غيمان". وقد دل البحث في موضعه على انه يعود إلى عهود متعددة، وان جملة ترميمات وإصل*********ت أدخلت على هذا القصر.
وقد ذكر "الهمداني" إن "ابيكوب أسعد" خَان قد أقام في مدينة "بينون"، أوقام أيضاً في مدينة "ظفار" أقام في قصر "ريدان" ب "ظفار" وفي قصر "هكر" بمدينة "بينون"، كما أقام في قصر "غيمان" وفي قصر "غمدان" بصنعاء وهي كلها من قصور اليمن وحصونها الشهيرة المذكورة في تأريخ اليمنْ.
وقد أخذ جماعة من المستشرقين برواية أهل الأخبار في تهود "أب كرب أسعد" "أبكرب أسعد"، فجعلوه على رأس أسرة متهودة حكمت منذ هذا العهد. وجعله "فلبي" رأس الأسرة الثامنة من الأسرة التي حكمت السبئيين بحسب ترتيبه لقائمة الأسر الحاكمة.
ويدل عثور "فلبي" على كتابة دوّن فيها اسم "أب كرب أسعد" واسم ابنه "حسان يهأمن" في وادي "مأسل الجمح" "ماسل جمح"، في موضع مهم على طريق بين "مكة" والرياض، ولا يزال يعرف اسم جمح على أن هذا الموضع كان من جملة الأرضين الخاضعة لحكم ذلك الملك، وان نفوذه كان قد جاوز اليمن حتى بلغ نجداً. وبلغ هذه الأرض المهمة التي تجتازها القوافل والتجارات حتى اليوم، وكانت تعدّ من منازل قبائل "معد" في ذلك الحين، وهي قبائل متحالفة يجمع شملها هذا الاسم.
والكتابة التي أقصدها، هي الكتابة التي وسمت ب Philby، وقد دوّنت عند إقامة حصن في وادي "ماسل الجمح"، وورد فيها اسم موضع آخر هو "مودم ضمو". ويرى "فلبي" انه المكان المسمى "دودمي" "دوادمي" في الزمن الحاضر. وقد وردت فيها أعلام أخرى، منها: "كدت" "كدة"، و "سود"، و "وله" "وده".
وقد ذكر "الهمداني" إن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نُميَر". واسم "نمير"، قريب من اسم قبيلة Nomeritae التي ذكرها "بلينيوس" اذ قال:Nomeritae Mesala Oppido، ولذلك ذهب بعض الباحثين إلى إن "مأسل الجمح" كان من مواضع "نمير"، وذلك في أيام "بلينيوس"، أي في أواخر القرن الأول قبل الميلاد فما بعده.
ويظهر إن الملك "أب كرب أسعد" أقام هذا الحصن في "وادي مأسل" ليكون معقلاً تقيم فيه قوات سبئية لحماية الطريق من هجوم القبائل وتعرضها للقوافل التي تسلك هذا الوادي محملة بالبضائع والتجارات بين اليمن ونجد، وهو طريق مهم من الطرق التي تصل أرضى اليمن بنجد وبشرق الجزيرة.
وقد افتتح نص: Philby بجملة: "ابكرب اسعد وبنهو حسن يهأمن ملكي سبا وذ ريدان وحضرموت
ويمنت واعربهمو طودم وتهمتم بن حسن ملك كرب يهامن ملك سبا وذ ريدان وحضرموت ويمنت"، أي "أبو كرب اسعد. وابنه حسان يهأمن، ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطوأد والتهائم، أبنا حسان ملكيكرب يهأمن ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". فيفهم منها إذن أن اسم والد "أبي كرب اسعد" هو "حسان ملكيكرب يهأمن"، لا "ملكيكرب يهأمن". فهل نحن أمام ملك واحد، عرف ب "ملكيكرب يهأمن" وب "حسان ملكيكرب يهأمن"، ام أمام ملك آخر غير الملك "ملكيكرب يهأمن"? ويتبين من هذا النص إن الملكين كانا قد غزوَا "كسباو" ارض "مودم ضمو". غزواها بجمع من أهل حضرموت وسبأ وبني مأرب أي أهل مأرب وبأصاغر الناس "صغرم". وكان في جيشهما "المقتوين" "مقتوتهمو"، أي القادة: قادة الجيش. وأشير في النص إلى أعراب كندة "باعربهمو كدت" والى "سود" و "وله" "واله".
ولدينا كتابة وسمت ب Ryckmans 534، ورد فيها اسم الملك "أبو كرب اسعد" وأشير فيها إلى ستة أولاد من أولاده. وهي كتابة مورخة، ويقابل تأريخها الحميري "543" السنة "428 م" أو "4344 م"، كما عثر على كتابة أخرى وسمت ب Ryckmans 534 يرى من حرسها إنها يجب إن تكون قد كتبت بعد السنة "433" أو "439 م". ومعنى هذا إن حكم "أبي كرب اسعد"، قد جاوز السنة "328 ب. م." أو السنة "430 ب. م.، أي إن تقدير الذين جعلوا نهاية حكم "أبي كرب اسعد" في سنة "415ب. م." أو "420 ب. م."، هو تقدير خاطى. والظاهر انهم قد وقعوا في هذا الخطأ، لأن الكتابتين المذكورتين لم تكونا قد نشرتا في ذلك العهد.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:24 AM
وقد أشير في الكابة Rossi 24 إلى ستة أو سبعة أبناء للملك "أبو كرب اسعد". وتشير الكتابة الموسومة ب Ryckmans 409 إلى حملة قام بها الملك "أبو كرب أسعد" وابنه الأول "حسان يهأمن" على "وادي مأسل" في أرض "معد". وقد ساهم بها معه جمع من "كندة". ونجد قبيلة "كندة" ذكر في الكتابات التي يعود عهدها إلى ما بعد الميلاد.
وذهب "كروهمن" إلى إن ورود اسم "أبو كرب اسعد" في النص: Jamme 856- وهو من النصوص السبئية المتأخرة - يجعل أيامه في السنين الثمانين فما بعد من القرن الخامس للميلاد. وقد قدّر أيام حكمه بحوالي السنة "400" بعد الميلاد.
ويظهر إن حكم الملك "ابي كرب اسعد"، كان حكماً طويلاً، وان عمره كان عصراً طويلاً أيضاً وذلك لأنه كان ملكاً إلى ما بعد السنة "430" بعد الميلاد، واذ قد ذكر ملكاً مع والده في النص المؤرخ بسنة "378 ب. م." أو "384 ب. م."، فيكون مجموع حكمه قد بلغ زهاء خمسين سنة أو اكثر من ذلك بقليل. ولو فرضنا انه كان في حوالي العشرين من عمره يوم ذكر مع أبيه في النص، فيكون عمره أذن يوم وفاته حوالي السبعين، أو بعد ذلك بسنين.
لقد استطاع "ابو كرب اسعد" توسيع ملكه، حتى بلغ البحر الأحمر والمحيط الهندي والأقسام الجنوبية من نجد، وربما كان قد استولى على جزء كبير من الحجاز. وفي روايات أهل الأخبار عن فتوحاته وعن غزواته أساس من الصحة، وان دخل فيها عنصر المبالغة والقصص. ولا بد إن يكون هذا الملك ذا شخصية قوية وكفاية مكنته من القيام بتلك الفتوحات والتغلب على القبائل، حتى تركت أعماله أثراً بقي يتنقل بين الأجيال، ويتطور بمروره على الأفواه حتى وصل إلينا على الشكل الذي نقرأه في كتب أهل الأخبار.
وقد ذكر "الطبري" إن "اسعد ابو كرب بن ملكيكرب"، ونعته ب "تبع" كان قد قدم بجيوشه الأنبار، وأسكن من قومه الأنبار والحيرة، ثم رجع إلى اليمن. وذكر غيره انه "تبان اسعد أبو كرب بن قيس بن زيد الأقرن بن عمرو ذي الأذعار، وهو تبع الآخر، ويقال له الرائد، وكان على عهد يستأسف أحد ملوك الفرس الكيانية وحافده اردشير، وملك اليمن والحجاز والعراق والشام، وغزا بلاد الترك والتبت والصين، ويقال إنه ترك ببلاد التبت قوماً من حمير... وغزا القسطنطينية ومر في طريقه بالعراق فتحير قومه فبنى هناك مدينة سماها الحيرة... ويقال انه أول من كسا الكعبة المُلأ ونجعل لبابها مفت*********ً وأوصى ولاتها من جرهم بتطهيرها ودام ملكه ثلثمائة وعشرين عاماً".
وهذه الفتوحات التي نسبوها إلى "تبان أسعد"، هي مثل الفتوحات التي نسبوها ل "شمر يرعش"، وهي في الواقع تكرار لها. والظاهر إنها خلط بين فتوحات الملكين التي وضعها لهما أهل الأخبار.
ونصب بعض أهل الأخبار من بعده "ربيعة بن نصر بن الحارث بن نمارة ابن لخم" ملكاً على اليمن، ثم ذكروا انه رأى "رؤيا هالته فسار بأهله إلى العراق وأقام بالحيرة، وحكم عليها، ومن عقبه كان النعمان بن المنذر ملك الحيرة". وهناك طريق بري يربط المناطق المرتفعة الزراعية بالمناطق الشمالية، وهي مناطق مأهولة ومن اكثر أرض اليمن كثافة سكان، يسمى ب "درب أسعد كامل" أو "طريق اسعد كامل"، نسبة إلى هذا الملك، وهو يصل الي شمال "الطائف" ويتصل بطريق الحجاز. ويمتد من "خيوان" وأعالي "*********ان" في اتجاه "بيشة" و "ريع المنهوت"، ثم في الممر الضيق المؤدي إلى "الطائف". ويستعمل تجار "عمران" هذا الدرب.
ويظهر هذا الدرب تحولا خطيراً في الطرق البرية القديمة التي كانت تسير في محاذاة حافة الصحراء الشرقية المتصلة بالجوف، اذ يشير إلى تحول هذه الطرق من الأرض السهلة إلى الهضاب التي يعيش عليها المزارعون الذين يعيشون على الزراعة التي تعتمد على المطر. وقد شمل هذا التحول فيما شمله طريق البخور واللبان القديم.
وجعل "فلبي" الحكم ل "ورو أمر أيمن" بعد وفاة "أبي كرب أسعد". وهو شقيقه. قد حكم على رأي "فلبي" من سنة "415 م" حتى سنة "425 م"، ولما توفي انتقل الحكم إلى "شرحبيل يعفر" "شرحب ايل يعفر"، وهو ابن "ابي كرب اسعد". وقد حكم على تقدير "فلبي" أيضاً من سنة "415 ب.م." حتى سنة "455 ب. م."، وحكم على تقدير "هومل" من سنة "420 م" حتى سنة "455 م". ولكن "فلبي" في كتابه "النجاد العربية" عاد فجارى "هومل" فيما ذهب إليه في تقدير مدة حكم "شرحبيل يعفر"، فجعلها منذ سنة "420 ب. م." حتى سنة "455 ب. م.".
وأما "جامه"، فوضع: "ابكرب اسعد" واسم شقيقه "ذرا امهر ايمن" "ذرأ أمر أيمن" بعد اسم "ملككرب يهأمن". وقد حكم "أبكرب أسعد" مع والده في حوالي السنة "365" وحتى السنة "375" للميلاد. وأما "ذرأ أمر أيمن"، فجعله مشاركاً لوالده في الحكم وذلك في حوالي السنة "375" وحتى السنة "385" للميلادْ.
ولكن "جامه" عاد فوضع بعد القائمة المتأخرة لحكام سبأ، والتي انتهت في القائمة "e"،
باسمي "ذرأ أمر ايمن" و "أبكرب اسعد"، قائمة أخرى دعاها ب "F"،وقد خصصها بمن حكم في النصف الأول من القرن الخامس للميلاد، ابتدأها باسم "حسن ملككرب يهأمن" "حسان ملكيكرب يهأمن"، وجعل حكمه من حوالي السنة "415" حتى حوالي السنة "425" للميلاد، ثم وضع اسم "ابكرب أسعد" من بعده، وجعل حكمه في حوالي السنة "425" وحتى السنة "430" للميلاد. ثم ذكر اسم "حسان يهأمن" "حسن يهامن" من بعده، وقد شارك "ابكرب أسعد" في احكم من سنة "425" حتى سنة "435" للميلاد، ثم دوّن اسم "شرحبيل يعفر" من بعد "أبكرب اسعد" وقد جعله شريكاً في الحكم ل "أبكرب اسعد" من حوالي السنة "450" حتى السنة "440" للميلاد.
وقد أغفل "فلبي" وغيره اسم "حسان يهأمن"، وهو ابن "أب كرب اسعد"، فلم يذكره بعد اسم أبيه، مع انه ذكر معه في النص Philby، ونعت مثله ب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابهاً في الجبال والتهائم".
وقد عرف أهل الأخبار اسم "حسان"، وذكروا انه حكم من بعد أبيه "أسعد أبو كرب"، وذكروا اسمه على هذا النحو: "حسان بن تبع اسعد ابي كرب"، ولم يذكروا لقبه. وقد زعموا انه أغار على طسم وجديس باليمامة وإنه حارب "جذيمة" ملك الحيرة، وكان "جذيمة" قد خرج يريد طسماً وجديس في منازلهم من "جوّ" وما حولهم، فوجد "حسان" قد أغار على طسم وجديس باليمامة، فانكفأ راجعاً بمن معه، فأتت خيول "تبع" على سرية لجذيمة فاجتاحتها. فهو من معاصري "جذيمة" على رأي أهل الأخبار.
و "حسان" هذا هو الذي أفنى "جديساً" على رواية أهل الأخبار، وهو الذي فقأ عيني "اليمامة" في شعره، وان "النمر بن تولب العكلي"، أشار في شعره إلى قصتها أيضاً.
وذكر "الطبري" إن "حسان بن تبع" الذي أوقع بجديس، "هو ذو معاهر، وهو تبع بن تبع تبان اسعد ابي كرب بن ملكيكرب بن تبع بن أقرن وهو ابو تبع الذي يزعم أهل اليمن انه قدم مكة، وكسا الكعبة، وان الشعب من المطابخ إنما سُمي هذا الاسم لنصبه المطابخ في ذلك الموضع وإطعامه الناس،
وان أجياداً إنما سمي اجياداً، لأن خيله كانت هنالك، وانه قدم يثرب فنزل منزلاً يقال له منزل الملك اليوم، وقتل من اليهود مقتلة عظيمة بسبب شكاية من شكاهم إليه من الأوس والخزرج بسوء الجوار، وانه وجّه ابنه حسان إلى المسند وشمراً ذا الجناح إلى خراسان، وأمرهما إن يستبقا إلى الصين، فمر بسمرقند فأقام عليها حتى افتتحها، وقتل مقاتلتها، وسبى وحوى ما فيها ونفذ إلى الصين فوافى حسان بها، فمن أهل اليمن من يزعم انهما ماتا هنالك، ومنهم من يزعم انهما انصرفا إلى تبع بالأموال".
وقد زعم "الطبري" أيضاً إن "حسان بن تبان اسعد ابو كرب بن ملكيكرب ابن زيد بن عمرو ذي الأذعار" سار بقومه من أهل اليمن يريد إن يطأ بهم ارض العرب وارض العجم، كما كانت التبابعة قبله تفعل، فلما كان بالعراق قتله أخوه "عمرو بن تبان اسعد أبو كرب" ورجع "عمرو" بمن معه من جنده إلى اليمن. وأصيب بمرض نفسي، وقتل خلقاً من قومه لندمه على قتله أخاه، ثم لم يلبث أن هلك.
وقد زعم إن "عمراً" هذا عرف ب "موثبان"، وانه قتل أخاه بموضع "رحبة طوق بن مالك"، التي عرفت ب "فرضة نعم".
وقد زعم الأخباريون، إن الأمر قد مرج في حمير بعد وفاة "عمرو" وتفرّقوا، فوثب عليهم رجل من حمير لم يكن من بيوت المملكة منهم، يقال له: "لخنيعة ينوفه ذو شناتر"، فملكهم، فقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم، حتى قتله "ذو نواس" في قصة من القصص المألوف وروده من أهل الأخبار.
وذكر "القلقشندي"، إن الذي حكم بعد "ربيعة بن نصر" الذي حكم اليمن على زعمه بعد "تبان أسعد"، هو "حسان ذو معاهر"، وهو "ابن تبان اسعد أبي كرب"، ثم مَلَّكَ أخاه "عمرو بن تبان اسعد أبي كرب" من بعده، ونعته ب "الموثبان"، وذكر أنه حكم ثلاثاً وستين سنة، ومات عن أولاد صغار وأكبرهم قد استهوته الجن، فوثب على الملك "عبد كلال ابن مثوب"، فملك أربعاً وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر.
قد ترك لنا "شرحبيل يعفر" "شرحب ايل يعفر" نصاً مهماَ وسمه علماء العربيات الجنوبية ب Glaser 554، وهو وثيقة تتعلق بتصدع سدّ مأرب الشهير في أيامه وإعادة بنائه، فقص علينا فيه الحادث، وتحدث عن مقدار ما افقه على الفعلة والعمال لإعادة البناء. ويتألف هذا النصر من مئة سطر. جاء فيه: أن "شرحبيل يعفر ملك سبأ وذي ريدان و حضرموت و يمنات وأعرابها في النجاد والنهائم ابن أبي كرب اسعد ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت و أعرابها في النجاد والتهائم"، قام بتجديد بناء سد مأرب وترميمه على مقربة من موضع "رحب" "رحاب". وعند "عبرن" "عبران"، وقام بإصلاح أقسام منه حتى موضع "طمحن" "طمحان" "الطمح"، كما قام بحفر مسايل المياه وبناء القواعد والجدران بالحجارة، وقوّى فروعه،
و بنى أقساماً جديدة، وأوصلها بعضها ببعض بين "غيلن" "غيلان" "الغيل" و "مفلل" "م ف ل ل" "مفلول"،وجدد سد "يسرن" "يسران"، وقام بإعاشة العمال ومن اشتغل ببنائه، وتمت هذه الأعمال في شهر "ذي داون" "ذي دأون" من سنة "564" "565" من التأريخ الحميري، أي سنة "449" "450" "456" للميلاد. ويشير هذا العمل بالطبع إلى حدوث تصدع في السدّ اضطر الملك إلى تجديد بناء أقسام منه، وترميم ما أمكن ترميمه من أقسام أخرى، وإضافة أقسام جديدة إليه.
ويظهر من هذا النص ايضاً إن السد قد تهدم بعد مدة قصيرة، وذلك في شهر "ذو ثبتن" "ذو الثبت" من سنة "565" من التقويم الحمبري، أي سنة "450" أو "451"، "455" "456" للميلاد، فأثر ذلك تأثيراً سيئاً جداً فيمن كان ساكناً في جواره، حتى اضطر من كان ساكناً "رحبن" "الرحبة" إلى الفرار إلى الجبال خوف الموت، فأسرع الملك إلى الاستعانة بحمير وبقبائل حضرموت لإعادة بناء السد، فتجمع لديه زهاء عشرين آلف رجل اشتغلوا بقطع الحجارة من الجبال وحفر الأسس وتنظيف الأودية و إنشاء خزانات لخزن المياه وعمل أبواب ومنافذ لمرور الماء والسيطرة عليه، حتى تمَّ ذلك في شهر "ذو دأو" من سنة "565" من تأريخ حمير. وذكر ما أنفقه على العمال وما قدمه لهم من طعام وما م ذبحه من بقر و أغنام، و ما صرفه من دبس "دبسم"و خمر و غير ذلك مما ذكره و فصله. و قد استخدم الملك عشرين الف رجل لإصلاح السد.
لقد قلّ شأن مأرب في هذا العهد، وأخذ الناس يرحلوان عنها إلى مواضع أخرى مثل "صنعاء" التي تألق نجمها حتى صارت مقراً للحكام الذين أقاموا في قصر،"غندن" "غندان"، أي "غمدان"، وفدا يكون لتصدع السد مراراً، دخل في هذا التحول، حيث أجبر المزارعين على ترك أرضهم التي أصابها التلف والجفاف والارتحال إلى ارضين أخرى، فتركوها إلى الهضاب والجبال. وقد يكون لتحول السياسي الذي أصاب هذا العهد دخل أيضاً فيه.
وفي تصدع السد بعد مدة ليست طويلة من ترميمه و إصلاحه وتجديده، وبعد إنفاق أموال طائلة عليه واشتغال آلاف من العمال في بنائه، شيء يثير السؤال عن سبب سقوطه أو سقوط جزء منه بهذه السرعة، فهل تهدّم من سقوط أمطار غزيرة جداً في هذا العام لم يكن في طاقة السد احتمالها فسقط? أو إن بناء السد لم يكن قد كمل تماماً، فسقطت أمطار غزيرة سببت انهيار الأماكن الضعيفة من المواضع التي لم تكن قد تمت، فانهار لذلك ? أو انه انهار بفعل كوارث طبيعية مثل زلزال أو بركان? إلى هذا الرأي الأخير يميل "فلبي" في كتابه به " سناد الإسلام ".
إن مما يؤسف عليه حقاً إن هذا النص لم يذكر أسماء القبائل التي هربت من "رحبتن" "رحبت" "الرحبة" خوفاً من الهلاك. وعلى الجملة، فالمستفاد منه بكل صراحة إن القبائل التي كانت تقطن هذه المنطقة تفوقت وتشتتت لتهدم السد.
و فيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأْ. ولكننا لا نستطيع بالطبع أن نقول إن هذا ا الحادث الذي وقع في أيام "شرحبيل" هو الحادث المقصود في روايات الأخباربين، وهي روايات تغلب عنصر الخيال والابتداع والمبالغات فيها على عنصر الحقيقة و التأريخ.
وفي النص كما نرى ونقرأ جملة مهمة تشير إلى انتشار عقيدة التوحيد في ذلك الزمن بين اليمانين، و إلى الابتعاد عن آلهة اليمن القديمة. وتشير إلى ظهور "إلَه السماء والأرض" أو "إله السماوات والأرض"، فهو إلَه واحد، يرعى ملكوت السماء والأرض. وفي هذه العقيدة اعتقاد بوجود إله واحد. فقد ورد في النص: "بنصر وردا الهن بعل سمين وأرضن"، أي "بنصر وبعون الإلَه رب السماوات والأرض"، وهي عقيدة ظهرت عند أهل اليمن بعد الميلاد بتأثير اليهودية والنصرانية ولا شك.
و في جملة "الهن ذلهو سمين وأرض" الواردة في النص: Ryckmans 507 ومعناها: "الإله الذي له السماوات والأرض"، تعبير عن التوحيد أيضاً وهي من نصر يرجع إلى هذا الملك أيضاً. فنحن إذن في عصر آخذت عقيدة التوحيد تنتشر فيه.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:27 AM
وقد انتقل احكم بعد "شرحبيل يعفر" "شرحب ايل يعفر" إلى "عبد كلال" "عبد كللم" "عبد كلالم" على رأي "هومل". وجاراه "فلبي" في رأيه هذا، وجعل حكمه منذ سنة "455 م" حتى سنة "460 م". و لم يشرح "هومل" الأسباب التي دفعته إلى اعتبار "عبد كلال" ملكاً.
أما "فلبي"، فرأى انه كَان كاهناً، وسيد قبيلة ثار على ملكه، طمعاً في الملك أو إخماداً للثورة التي أجج الملك نيراتها على آلهة قومه، فغلبه، وربما كان ذلك بفضل مساعدة مملكة "اكسوم" له، و لكنه لم ينعم بالملك طويلاً، فلم يزد مدة حكمه على خمس سنين.
وقد ورد اسم "عبد كلال" في النص الموسوم ب Glaser 7. وذكر معه اسم "هنام" "هنم" "هانئ" و "هعلل"، وهما ابناه. ووردت بعد أسمائهم عبارة: "الهت قولم" " أي "سادة أقيال"، وهي جملة تدل على انه هو وابناه كانوا أقيالاً، فان كانت كلمة "قولم" اسم علم، صار معناها "آلهة قولم"، أي "سادة قول"، على اعتبار إن "قول" اسم قبيلة، ولا يفهم من التفسيرين على كل حال إن "عبد كلال" كان ملكاً. وقد دوّن هذا النص عند بنائهم بيت "يرت": "براو وهشقرن بتهمو يرت".وذكرت بعد هذه الكلمات جملة: "بردا رحمنن"، أي: "بعون الرحمن" وذلك في سنة "573" من التأريخ الحميري، المقابلة لسنة "458" الميلادية. وليست في هذا النص إشارة لا إلى ثورة ولا إلى ملك، ولا إلى تعلق بآلهة قديمة ودفاع عنها بل الأمر على العكس، فجملة "بردا رحمنن
تدل على انه كان مثل "شرحبيل يعفر" موحداً أيضاً، يدين بإله واحد، هو "الرحمن" الذي ظهرت عبادته متأخرة كذلك، وانه لم يكن على دين اجداده في عبادة "المقه" وبقية الأصنام.
وذكر الأخباريون إن من ملوك حمير ملكاً اسمه "عبد كلال"، وكان مؤمناً يدين بدين المسيح، فآمن بالني قبل مبعثه. ومن ولده "الحارث بن عبد كلال" وهو أحد الملوك الذين وفدوا على رسول الله من ملوك حمير، فأفرشهم رداءه، وهم: "الأبيض بن حمال"، و "الحارث بن عبد كلال"، و "أبرهة بن شرحبيل بن أبرهة بن الصباح"، و "وائل بن حجر الحضرمي". يضاف إليهم "جرير بن عبد الله البَجَليّ"، و "عبد الجد الحكمي" في رواية أخرى. ودوّن اسمه في نسخة "كتاب التيجان" المطبوعة على هذه الصورة "عبد كاليل بن ينوف"، وجعل ملكه أربعاً وستين سنة، وذكر أنه حكم بعد "عمرو بن تبان"، وأنه كان مؤمناً على دين عيسى، ولكنه ستر إيمانه.
وجعله بعض المؤرخين "عبد كلال بن مثوب"، وذكروا انه وثب على ملك التبابعة بعد وفاة "عمرو بن تبان اسعد" عن أولاد صغار، وأكبرهم استهوته الجن، فملك أربعاً وتسعين سنة، وهو تبع الأصغر، وله مغاز وآثار بعيدة فلما توفي ملك أخوه "مرثد"، وقد ملك سبعة وثلاثين عاماً.
من روايات الأخباريين هذه ومن تشابه الاسمين، استنتج "فون كريمر" و "هومل" وغيرهما أن "عبد كلال" المذكور في النص هو "عبد كلال" المذكور عند الأخباريين، وأنه كان لذلك ملكاً.
و "عبد كلال"، هو رجل ثائر لم يكن من أبناء الملوك، وإنما اغتصب العرش اغتصاباً على رأي أهل الأخبار، وقد زعم بعضهم إن الذي حكم بعده أخوه لأمه واسمه "مرثد"، وقد حكم سبعاً وثلاثين سنة. ثم ملك من بعده ابنه "وليعة بن سرثد"، ثم ملك من بعده "ابرهة بن الصباح بن لهيعة بن شيبة بن مرثد بن ينف بن معد يكرب بن عبد الله بن عمرو بن ذي أصبح، الحارث بن مالك"، وقبل إنما ملك تهامة فقط.
وذكر "الهمداني"، أن "عبد كلال" ونعته ب "الأكبر ذي الحدث"، كان قائد "حسان بن تبع". وكان على مقدمته إلى اليمامة يوم قتل جديساً، وقريش تقول: إن "حسان بن عبد كلال هذا حاربهم وأسروه" تم ذكر إن "حسان بن عبد كلال بن ذي حدث الحميري"، أقبل من اليمن "في حمير وقبائل من اليمن عظيمة، يريد أن ينقل أحجار الكعبة من مكة إلى اليمن، ليجعل حمير الناس البيت عنده والى بلاده، فأقبل حتى نزل نخلة، فأغار على سرح الناس ومنع الطريق، وهاب أن يدخل مكة، فلما رأت كنانة وقريش وقبائل خندف ومن كان معهم من أفناء مضر ذلك، خرجوا إليه ورئيس القوم يومئذ "فهر بن مالك"، فاقتتلوا قتالاً شديداً، فهزمت حمير وأسر حسان بن عبد كّلال ملك حمير، أسره الحارث بن فهر، وقتل في المعركة فيمن قتل: قيس بن غالب بن فهر. وكان حسان عندهم بمكة أسيراً ثلاث سنين، حتى افتدي منهم، فخرج به، فات بين مكة واليمن".
وقد علِّق "الهمداني" بعد ذلك على هذا الخبر، فقال: "ما سمعت العلماء ولا أحد من عُرّاف حمير، يثبت هذه الحرب التي كانت بيت حمير وقريش، وإنما كانت خزاعة الغالبة، يثبت عصر فهر على مكة، ولم يكن همَّ بحمل حجارة البيت سوى تبع بمشورة هذيل بن مدركة". فهو مثل سائر أهل اليمن المتعصبين لقحطان لا يؤيد خبر تلك الحرب، التي تجعل النصر لأهل مكة. ويضع تبعة ما يذكره أهل الأخبار من نقل حجارة الكعبة إلى اليمن على عاتق "هذيل بن مدركة"، من سادات مكة.
وشاهدت اليمن في سنة "460" للميلاد أو قبل ذلك بقليل ملكاً جديداً اسمه "شرحبيل يكف" "شرحب ال يكف" "شرحب ايل يكوف"، كانت نهاية حكمه في سنة "470" للميلاد على تقدير "هومل" و "فلبي". وهو ملك لا نعرف اسم أبيه، ولا نعرف علاقته بالملك السابق. ويرى "فلبي" انه على الرغم من هذا اللقب الطويل: "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الأطواد وفي تهامة"، الذي يشير إلى تملّك صاحبه العربية الجنوبية الغربية، فقد طل الأحباش في بقعتهم الضيقة التي ارتكزوا عليها يحاربون حكومة "حمير" وهم البقية الباقية من عقد الإحتلال السابق.
وقد جاء اسم "شرحب ايل يكف" "شرحبيل يكف" في كتابة مؤرخة بسنة "575" من التقويم الحميري، المقابة لسنة "460" للميلاد. وقد وردت في الكتابة جملة: "رحمنن وبنهو كرشتش غلبن"، أي "الرحمن وابنه المسيح الغالب"، وقد استعمل لفظة "كرشتش" في مقابل لفظة Christus، مما يدل على إن صاحبها نصراني. وقد استعمل المصطلح اليوناني، ويظهر إن نصارى اليمن كانوا قد أخذوه من المبشرين، وعرّبوه على الصورة المذكورة. وقد ذكر بعد تلك الجملة اسم الملك ونعته الذي هو: "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في النجاد وفي التهائم".
وقد بقي من تأريخ النص اسم الشهر وهو "ذ حجت"، أي "ذو الحجة" "ذو حجة" والعدد الأول من اسم السنة وهو خمسة. ويرى "فلبي" احتمال كون السنة "585" أو "575""من التاريخ، الحميري، أي سنة "470" أو "460" للميلاد.
وورد اسمه في كتابة أخرى ناقصة وقد سقطت منها حروف وكلمات. وقد ذهب "جامه" إلى أن "شرحبيل يكف" "شرحب ايل يكوف"، كان قد حكم حكما منفرداً، وذلك من سنة "570" حتى سنة "580" من التقويم الحميري، ثم اشرك معه أولاده الثلاثة في أحكم،
وذلك من سنة "580" حتى سنة "585" من التقويم المذكور، ثم حكم مع ولدين من ولده، وذلك من سنة "585" حتى سنة "590" من التقويم الحمري، ثم حكم ابنان من أبنائه وذلك من سنة "590" حتى سنة "595" من التقويم المذكور، ثم حكم من بعدهما "معد يكرب ينعم" حكماً منفرداً وذلك من سنة "595" حتى سنة "600"من ذلك التقويم، ثم خلفه "عبد كلال" الذي حكم من سنة "600" حتى سنة "602" من التقويم الحميري.
ووصل إلينا نص أرخ بسنة "582" من التأريخ الحميري، أي سنة "467" للميلاد، وفيه كلمات مطوسة، منها كلمة أو كلمات سقطت بعد كلمة "شرحب ايل" "شرحبيل"، وبعدها "معد كرب ينعم" "معد يكرب ينعم". ويستدل بتأريخ هذا النص على إن المراد ب "شرحبيل" "شرحب ايل" الملك "شرحبيل يكف" "شرحب ايل يكف" الذي نتحدث عنه. ولم يرد في هذا النص اسم ابن آخر من أبنائه غير هذا الابن، وهو "معد كرب ينعم" "معد يكرب ينعم".
وقد وجد مدوناً في إحدى الكتابات أسماء ثلاثة أولاد من أولاد "شرحبيل يكف"، هم: "نوفم" "نوف" "نوّاف" "نائف"، و "لحيعت ينف" "لحيعث ينوف"، و "معد يكرب ينعم" وقد نعتوا جميعاً بالنعت الملكي المعروف مما يدل على أنهم كانوا قد اشتركوا جميعاً في الحكم.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:31 AM
وقد ورد اسم "شرحبيل يكف" في عدد من كتابات أخرى. وقد ذكر معه في بعضها اسم ولدين من أولاده هما: "لحيعت ينف" و "معد يكرب ينعم" "معد يكرب ينعم"، وقد لقبا بلقب "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، مما يدل على أنهما حكما حكماً مشتركاً وتهانا ملكين.
وحكم بعد "شرحبيل يكف"-في رأي "هومل"-ولداه "معد يكرب يهنعم" و "لحيعثت ينف" "لحيعث ينف" "لحيعث ينوف"، وذلك من حوالي سنة "470 م" حتى سنة "495 م". أما "فلبي"، فقد وضع في قائمته التي رتبها في كتابه "سناد الإسلام لملوك سبأ، اسم "نوف" بعد اسم "شرحبيل يكف"، وقدّر مدة حكمه منذ سنة "470 م" حتى سنة "480" "490 م" ووضع اسم "لحيعثت ينف" بعده، وجعل مدة حكمه منذ سنة "480 ب. م." حتى سنة "550 ب. م.".
و "لحيعثت ينف" هو "لخيعة بن ينوف ذو شناتر" المذكور عند أهل الأخبار. وقد زعم بعضهم انه حكم سبعاً وعشرين سنة.
وقد ورد اسم "معد يكرب يهنعم" "معد يكرب ينعم" واسم شقيقه "لحيعثت ينف" "لحيعت" في النص: Ryckmans 264 وفي النص CIH 620 وورد اسم "لحيعثت" وورد معه اسم "نوف"، وهو شقيقه في النص: Ryckmans 203.
وقد ذكر "فلبي" انه في حوالي سنة "495 م" شبتّ ثورة قام بها "مرثد الن" "مرثد علن?"، غير إنها أحبطت، ووضع بعل اسم "لحيعثت ينف" اسم "معد يكرب ينعم"، وقدّر مدة حكمه بعشرسنين، منذ سنة "490 م" حتى سنة "500م"، أي انه شارك، على رأيه، أخاه في احكم. أما الذي حكم بعد الأخوين "معد يكرب يهنعم" و "لحيعثت ينف"-في رأي "هومل" - فهو "مرثد الن" وقال انه قد حكم من حوالي سنة "495 م" حتى سنة "495 م".
أما "جامه"، فقد وضع اسم "عبد كللم" "عبد كلالم"، أي "عبد كلال" بعل اسم "معد يكرب ينعم"، وقد جعل حكم "معد يكرب" فيما بين السنة "595" والسنة "600" من التقويم الحميري، أي بين سنة "480" أو "486" للميلاد والسنة "485" أو "491" للميلاد. وجعل حكم "عبد كلال" فيما بين السنة "600" والسنة "603" من التقويم الحميري، أي سنة "485" أو "491" للميلاد، والسنة "487" أو "493" ل!ميلاد. ثم جعل فراغاً لا يدري من حكم فيه، جعله يمتد من السنة "602" حتى السنة "610" من التقويم الحميري، أي ثماني سنين، ثم ذكر بعده اسم الملك "مرثد الن ينف" "مرثد علن" "مرثد علان"، وجعل حكمه من سنة "610" حتى السنة "620" من التقويم الحميري، أي من سنة "495" أو "501" حتى السنة "505" أو "511" للميلاد.
ووصل إلينا نص وسم ب CIH 596، وهو ناقص ويا للأسف، ورد فيه اسم الملك "مرثد الن ينف" "مرثد الن ينوف" وقد لقب فيه باللقب المألوف: "ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي التهائم"، يظهر انه الملك "مرثد الن" الذي عناه "هومل". وقد أصيبت اسطر النص بأضرار، أتلفت كلمات منه وأفسدت علينا المعنى. وقد وردت في السطر السابع منه كلمة "ومهرجتم"، مما يفهم إن حرباً وقعت في البلاد في تلك الأيام. ف "الهرج" في العربيات الجنوبية بمعنى الحرب، وان فتنة حدثت، لا ندري سببها. ومهما يكن من شيء، فهي لم تكن بعيدة عهد عن أيام حكم "ذي نواس" ذلك العهد الذي انتهى بد********* الحبشة ارض اليمن.
ووضع "هومل" بعد اسم "مرثد الن" اسم "ذي نواس"، وقد حكم-على تقديره-من سنة "515 م" حتى سنة "525 م"، وبه ختمت-في رأيه-سلسلة ملوك الحميريين.
وقد عثر على كتابة وسمت ب Philby 228 ورد فيها اسم ملك من ملوك "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعرابها في الجبال وفي تهامة"، هو "معد يكرب يعفر". وأرخت هذه الكتابة بشهر "ذي القيض" "ذ قيضم" من سنة "631" من التأريخ الحميري الموافقة لسنة "516 م".
ومعنى هذا أن هذا الملك قد حكم قبل حكم "ذي نواس" بمدة قليلة. ونحن لا نعلم في الزمن الحاضر شيئاً من صلة هذا الملك ب "ذي نواس".
وقد عبث الدهر ببعض كلمات هذا النص وحروفه، فأضاع علينا معاني مفيدة. وردت فيه أسماء اعلام، هي: "سبأ"، و "حميرم" "حمير"، و"رحبتن" أي "رحبة" "الرحابة". وقد ورد اسم "رحبتن" في عدد من النصوص على انه اسم موضع. أما هنا، فهو اسم قبيلة، لورود كلمة "أشعبهمو" قبل "سبا وحميرم ورحبتن". ووردت كلمة "واعربهمو"، وبعدها جملة "كدت ومذحجم... وبني ثعلبت ومذر وسبع". وفي النص حروف طامسة حرمتنا معرفة بعض الأعلام.
وإما "كدت"، فقد قلت إن رأي علماء العربيات الجنوبية إنها "كندة". ويظهر من ورود اسمها في النصوص التي ترجع إلى ما بعد الميلاد، أنها اخذت تؤثر تأثيراً واضحاً في سياسة العربية الجنوبية بعد الميلاد، ولا سيما بعد توسع سلطان القبائل وتدخل الأعراب في الشؤون السياسية لعدم الاستقرار ولتدخل الحبش في شؤون العربية الجنوبية، وتقاتل الملوك والاقيال بعضهم مع بعض.
ويتبين من ورود كلمة "اعربهمو" قبل كلمة "كدت" في النص، أن قبيلة كندة كانت من القبائل الأعرابية أي البدوية، ولم تكن من القبائل المستقرة، النازلة في منازل ثابتة. ولهذا استعان بها حكام اليمن في تأديب القبائل اليمانية أو قبائل معد وقبائل نجد التي كانت تغزو اليمن، كما كانت نفسها تهاجم حكام اليمن وتغزو أرضهم، فصار لهم من ثم شأن يذكر في سياسة اليمن في هذا الوقت.
و "مذحجم" لقبيلة "مذحج"، وهي من القبائل المعروفة، وينسبها أهل الأنساب إلى مذحج بن مالك بن أدد. ويذكرون إن مذحج اكمة ولدت عليها أمهم فسموا مذحجاً وقد ورد اسم هذه القبيلة في النص: Ryckmans 508 المدوّن في أيام الملك "يوسف أسأر" الذي سأتحدث عنه، ورد في نص قتباني، هو النص الذي وسم ب REP. EPIG. 4688. وقد ذكر بعده اسم قبيلة "رغض"، ويظن البعض أن في قراءة الحرف الأول شيئاً من التحريف، وأن الحرف الأول هو حرف "ب" لا "راء"، فيكون اسم القبيلة "بغض" لا "رغض"، وهو اسم القبيلة "بغيض". وبغيض من القبائل العربية المعروفة.
وأما "ثعلبة"، فهي قبيلة "ثعلبان" التي ورد اسمها في السطر الثالث عشر من نص "سميفع أشوع" المحفوظ في متحف "استانبول"، وفي نص: Philby 123 حيت ورد: "الهت ثعلبن"، " "آلهة ثعلبان"، أي: سادة قبيلة "ثعلبان".
ويفهم من هذا النص إن حرباً أو فتنة كبيرة كانت قد حدثت في أيام هذا الملك، أسهمت فيها القبائل المذكورة، وهي: سبأ وحمير ورحبة وكدت "كندة" ومضر وثعلبة، وذلك قبل احتلال الحبش لليمن بقليل أو في أيام "معد يكرب يعفر"، وفي سنة "516 م". وقد مهدت هذه الفتنة الطريق للأحباش أن يدخلوا إلى العربية ويحتلوها بسهولة، وذلك بسبب الخصومات التي كانت بين القبائل وظهور الروح القبلية التي لا تعرف التعاون الا، في سبيل مصلحة القبيلة حسب.
وتولى الملك بعد "معد يكرب يعفر" الملك ذو نواس، وهو زرعة ذي نواس بن تبان اسعد ابي كرب بن ملكيكرب بن زيد بن عمرو في رأي الأخبارين، وهو يوسف ذو نواس بعد تهوّده في رأيهم أيضاً. ولقد زعم بعض أهل الأخبار انهه كان من أبناء الملوك، وزعم بعض آخر انه لم يكن من ورثه الملك، ولا من أبناء من حازه قبله، وإنما أخذه أخذاً. قيل: كانت له ذؤابتان تنوسان على عاتقه بها سمي ذا نواس.
ولا يعرف أهل الأخبار اسم الملك "معد يكرب يعفر"، بل ذكروا اسم ملك آخر قالوا انه حكم قبل "ذي نواس" زعموا إن اسمه "لخيعة ينوف ذو شناتر"، وقالوا انه لم يكن من بيوت المملكة، بل كان من حمير، وثب على الملك، فملك حمير،
وقتل خيارهم، وعبث ببيوت أهل المملكة منهم. وكان أمرءاً فاسقاً، اذا سمع بالغلام من أبناء تلك الملوك زرعة ذو نواس بعث إليه، ليفعل به كما كان يفعل بأبناء الملوك قبله، فلما خلا به، وثب عليه ذو نواس بالسكين فطعنه به حتى قتله، ثم احتز رأسه، فخرجت حمير والأحراس في أثر ذي نواس حتى أدركوه، فقالوا له: ما ينبغي لنا إن يملكنا الا انت اذ أرحتنا من هذا الخبيث فملّكوه، واستجمعت كليه قبائل حمير وقبائل اليمن، فكان آخر ملوك حمير.
أما "ابن قتيبة"، فقد زعم إن "ذا شناتر" رجل لم يكن من أهل بيت الملك ولكنه من أبناء المقاول، أي من طبقة الأقيال "اقول". وقد اتفق مع غيره من أهل الأخبار في قصة غلظه وفحشه، وفعله القبيح بأبناء الملوك، وفي ارساله إلى ذي نواس يستدعيه إليه ليفعل به ما كان يفعل بغيره، وفي قتله إياه.
وتهوّ د ذو نواس وتهوّدت معه حمير، وتسمى "يوسف".هذا ما عليه أكثر أهل الأخبار وقد ذكر "ابن كثر" في تفسيره، انه كان مشركاً.
وبهذه القصة والطربقة صيّر أهل الأخبار ابتداء ملك "ذي نواس
وذكر "ابن هشام" إن ذا نواس كان آخر ملوك حمير، وذكر آخرون إن ذا جدن، وهو ابن ذو نواس قد خلف أباه على حمير. وفي رواية أخرى إن ملك حمير لما انقرض وتفرق قي الأذواء من ولد زيد الجمهور، قام ذو يزن بالملك، واسمه علي بن زيد بن الحرث بن زيد الجمهور، أو علي بن الحرث بن زيدبن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد الجمهور، فسار عليه الحبشة وعليهم أرياط، ولقيهم فيمن معه، فانهزم واعترض البحر فأقحم فرسه وغرق، فهلك بعد ذي نواس وولى ابنه مرثد بن ذي يزن مكانه، وهو الذي استجاشه امرؤ القيس على بني أسد.
وكان من عقب ذي يزن أيضاً، علقمة ذو قيفال بن شراحبيل بن ذي يزن ملك مدينة "الهون"، فقتله أهلها من همدان.
ولم يصل الينا شيء من هذا القصص الذي رواه الأخباريون عن ذي نواس مكتوباً بالمسند. ولم يرد اسمه في أي نص من نصوصه حتى الآن.
وزعم المؤرخ "ابن العبري" Barhebeaeus، أن "ذا نواس" واسمه "يوسف"، وكان من أهل الحيرة في الأصل، وكانت امه يهودية من أهل "نصيبين" Nisibis، وقعت في الأسر، فتزوجها والد "يوسف" فأولده منها. ومعنى هذا أنه لم يكن يمانياً،
بل يهودياً وفد على اليمن من الحيرة. وقد لاحط بعض المستشرقين إن اسم "يوسف ذو نواس"، ليس على شكل وطراز اسماء وألقاب ملوك اليمن، وهذا ما دعاهم إلى التفكر قي احتمال وجود شيء من الصحة في روإية "ابن العبري"، لا سيما وأن يهود اليمن ويثرب وخيبر كانوا من المؤيدين للساسانيين ومن المناصرين لهم.
وقد اختلف الأخباريون في مدة حكمه، فقال بعضهم: انه ملك ثماني وثلاثين سنة. وذكر المسعودي وآخرون أنه حكم مئتي مشة وستين سنة. وذكر حمزة أنه ملك عشرين سنة. وهكذا هم فيه وفي غيره مختلفون.
واذا ما استثنينا الأخبار التي رويت عن تعذيب "ذي نواس" لنصارى نجران، فإننا لا نعرف شيئاً آخر مهماً عن اعمال هذا الملك، الذي كان متحاملاً جداً على النصارى والنصرانية حتى انه راسل ملك الحيرة لكي يؤثر عليه فيحمله على أن يفعل بنصارى مملكته ما يفعله هو بهم. ولعله كان يريد بذلك أن يكوّن حلفاً سياسياً مع ملوك الحيرة ومن ورائهم الفرس لمقاومة الحبش الذين كانوا قد وطئوا سواحل اليمن وأقاموا لهم قواعد فيها
وعقدوا معاهدات مع الأمراء المنافسين ملوك حمير، وصاروا يحرضونهم على أولئك الملوك، ليتمكنرا بذلك من السيطرة على كل من اليمن والتوسع من ثم نحو الحجاز، للاتصال بحلفهائهم الروم. والسيطرة بذلك على أهم جزء من جزيرة العرب، والهيمنة على البحر الأحمر والمحيط الهندي، وانزال ضربة عنيقة بسياسة خصوم الروم، وهم الساسانيون.
وقي حوالي السنة "525 م" كانت نهاية حكم "ذي نواس"، إذ احتل الأحباش اليمن كما سنرى ذلك فيما بعد.
وفي موضع "سلع"، ويسمى "نخلة الحمراء" وهو خربة عادية، موضع زعم أنه قبر "ذي نواس"، المتوفى في حوالي "سنة 525 م". وقد فتح الموضع واستخرجت سنه آثار فنية ذات قيمة، من بينها تمثالان لزنجبين من البرنز.
ويظن بأن ما جاء بنص"حصن غراب" الموسوم بين المستشرقين ب REP. EPIG. 2633 من إن الأحباش فتحوا أرض حمير سنة "640" من التقويم الحمري الموافقة لسنة "525" للميلاد، وقتلوا ملكها وأقياله الحميريين والأرحبيين، يشير إلى الملك "ذي نواس"، وان لم يرد بالنص على اسمه.
وقد عثر على نصين مهمين هما: Rykcmans 507 والنص Rykcmans 508، وقد أشير فيهما إلى حروب وقعت بين الأحباش وبين ملك سمي فيهما ب "يسف اسار" "يوسف أسأر"، ولم يلقب النصان "يوسف" باللقب الطويل المألوف بل نعتاه ب "ملكن يسف أسأر"، أي "الملك يوسف أسأر
فقط. و "يسف اسار"، هذا هو الملك "ذو نواس". وقد كتب النصان في سنة واحدة هي سنة "633" من التقويم الحميري، الموافقة لسنة "518" للميلاد. الا إنهما كتبا في شهرين مختلفين. فكتب أحدهما في شهر "ذ مذرن" "ذ مذران" "ذو مذران" وكتب الثاني في شهر "ذ قيضن" "ذو قيضن" "ذو القيض". ويستنتج من عدم تلقيب "يوسف" باللقب الملكي الطويل المألوف، إن ملكه لم يكن متسعاً وان سلطانه لم يكن عاماً شاملاً كل اليمن، بل كان قاصراً على مواضع منها. فقد كان الأحباش يحتلون جزءاً منها بما في ذلك عاصمة حمير مدينة "ظفار" وكان الأقيال ينازعونه السلطة وقد كوّنوا لهم اقطاعيات مستقلة، نازعت الملك على الحكم والسلطان. وكانت الفتن مستعرة وهذا مما مكّن الحبش من انتهاز الفرص، فأخذوا يتوسعون بالتدريج حتى قضوا على استقلال البلاد واستولوا عليها وتلقب حكام الحبش باللقب الملكي اليماني الطويل المألوف دلالة على سيطرتهم على اليمن.
وقد سقطت من النص Rykcmans 507 كلمات من صدره، فأثر سقوطها هذا بعض التأثير على فهم المعنى فهماً واضحاً. وقد وردت في الفقرة الأولى منه كلمات مثل: "اشعبه" أي "قبائله"، و "اقولهمو ومراسهمو"، أي "أقيالهم ورؤساوهم". وجاءت جملة: "وبنيهمو شرحب ال يكمل" أي "وبنيهم: شرحبيل يكمل"، أي "وابنهم: شرحبيل يكمل". ثم دوّنت بعد هذا الاسم أسماء: "هعن اسانن"، و "لحيعت يرخم" و "ومرثد ال يملد" "مرتد ايل يملد"، وقد سقطت كلمات بعد لفظة "بني" أي أبناء، وهم من مؤيدي "الملك يوسف أسأر" ومن مساعديه. وقد أشير بعد ذلك إلى قتال وقع بينها أي جماعة الملك الحبش "احبشن" بموضع "ظمو" وفي مواضع أخرى.
وتناول النص الثاني خبر حروب وقعت بين الملك "يوسف اسأر" وبين الحبش ومن كان يؤيدهم من أقيال اليمن. وهو نص سجله القيل "قولن" "شرح ايل يقبل بن شرح ايل يكمل" من بني "يزأن" "يزن و "جدن" "جدنم" و "حبم" و "حب" و "نسان" "نان" و "جبا" و "جبأ". ويتبن من هذا النص إن الملك "يوسف أسأر" هاجم "ظفر" "ظفار" مقر الأحباش، واستولى على "قلسن"
أي كنيسة "ظفار". ثم سار بعد ذلك على "اشعرن"، أي "الأشعر" "الأشاعر". قبيلة من قبائل اليمن. ثم سار الجيش إلى "مخون" "مخا"، وحارب وقاتل، فقتل كل سكانها "حورهو"، واستولى على كنيستها، وحارب كل مصانع أي معاقل " شمر" ودكها دكاً، وحارب سهول "شمر" كذلك. ثم هاجم الملك هجوماً ماحقاً قبيلة "الأشعر" "اشعرن". ثم أحصى عدد من قتل في هذا الهجوم وعدد ما وقع في أيدي جيشه من غنائم، فكان عدد من قتل: ثلاثة عشر ألف قتيل، وعدد من أحذ أسيراً تسعة آلاف وخمسمائة اسير، واستولى على "280" ألف رأس من الابل والبقر والمعز "عنزم" "عنز". واحذت غنائم عديدة اخرى واتجه الملك مع جيوشه بعد ذلك إلى "نجرن" "نجران". وفي صعيد هذه المجدينة كان قد تجمع "أقرام" "قرم" "بني "أزأن" وقبائل همدان وأهل مدنهم واعرابهم واعر اب "كدت" "كندة" و "مرجم" "مراد" و "مذحج"، فانزلت جيوش الملك حسائر بالأحباش الذين كانوا قد تحصنوا بالمصانع والحصون وبمن ساعدهم من القبائل. وبمن كان قد تجمع في "نجران" لمساعدتهم. وكان مع الملك وفي جيشه "اقولن" الأقيال: "احيعت يرخم" و "سميفع أشوع" و "شرحب ال اسعد" "شرحبيل أسعد". اقيال وسادات "يزان" يزأن" "يزن" ومعهم قبائلهم: قبل "ازانن" "أزأن".
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:33 AM
وقد جاءت في هذأ النص جملة: "سسلت مدبن". وقد قصد بها "حصن المندب"، أي ما يسمئ بموضع "باب المندب". في الوقت الحاضر.
نرى من خلال قراءتنا لهذين النصين إن الوضع في اليمن كان قلقاً جداً، وأن الأمور كانت مضطربة، وان الفتن كانت تعم البلاد، وان الأحباش كانوا يمتلكون قسماً كبيراً من ارض اليمن. وكان مقرهم مدينة "ظفار". وكان لهم أعوان وأحلاف من الاقيال والقبائل. وقد استعان بهم الحبش في نزاعهم مع "يوسف أسأر" حتى تمكنوا في الأخير من الاستيلاء على كل اليمن ومن انتزاع السلطة من أيدي حكام اليمن الشرعيين، ومن القضاء على الملك سنة "525" بعد الميلاد.
و "بنو يزان" "بنو يزأن"، هم "ذو يزن" عند أهل الأخبار، وكانوا من العشائر البارزة التي ورد اسمها في نصوص عديدة، واليهم ينسب "سيف بن ذي يزن". وذكر "ابن دريد" إن "يزن" موضع، ويقال "ذو أزن" و "ذو يزن"، وهو أول من اتخذ أسنة الحديد، فنسبت إليه، يقال للأسنة "يزني" و "أزني" و "يزأزني"، وإنما كانت أسنة العرب قرون البقر.
والأقيال المذكورون في النصين وهم: "شرحبيل يكمل" و "لحيعت يرخم" و "شرحئيل يقلل" "شرح ال يقيل" و "السميفع أشوع" و "شرحبيل أسعد ? كانوا من أقيال "يزان" "يزن". وقدّ لعبوا دوراً هاماً في الميدان السياسي والعسكري لهذا العهد.
وقد ورد ذكر القيل "شرحب ال يكمل" "شرحبيل يكمل". قي النص: Rykcmans 512. ومدوّنه رجل اسمه "حجي ايهر" "حجي أيهر". وذكر اسم قيل آخر اسمه: "شرح ال ذ يزان" "شرحئيل ذي يزأن" "شرحئيل ذي. يزن".
وورد اسم قيل آخر من أقيال "ذي يزن" عرف ب "شرحثيل ذي يزن" "شرح ال ذ يزان"، لعله القيل المتقدم. وقد جاء اسمه في نص عرف ب Rykcmans 515، دوّنه شخص اسمه "معويت بن ولعت" "معاوية بن والعة" و "نعمت بن ملكم" "نعمت بن مالك" "نعمة بن مالك". وقد ختم النص، بعارة مهمة هي: "رب هود برحمنن"، أي: "بالرحمن: رب يهود".
ويدل هذا النص على إن صاحبيه كانا من اليهود، أو من العرب المتهودة.
وأما "جدنم" فهم "جدن". وهم أيضاً من العشائر اليمانية المعروفة. وقد ورد اسمها في عدد من الكتابات. وقد ذكر "ابن دريد" إن من رجال "جدن" "ذو قيفان بن عَلَسْ جدن"، الذي ذكره "عمرو بن معدى كرب" في شعره: وسيف لابن ذي قيفان عندي=تخيره الفتى من قوم عاد وقد أشير في النص: Rykcmans 51 إلى قيل من اقيال هذه القبيلة دعي ب "لحيعت ذ جدنم" "لحيعت ذي جدن". وقد دوّنه رجل اسمه "تمم يزد" "تميم يزيد". وقد نعت نفسه ب "مقتوت لحيعت ذ جدنم"، أي ضابط وقائد "لحيعت ذي جدن". ومعنى هذا انه قد كان لهذا القيل جيش. وكان "تميم" من قادة ذلك الجيش.
وقد يكون "تميم" هذا هو "تميم" "تمم" مدوّن النص الموسوم Rykcmans 513 وقد جاء فيه: "تمم مقتو لحيعت يرخم ذ جدنم وترحم على ابني ملكم ذ جدنم. رحمن وامنن". ومعناه: "تميم ضابط لحيعت يرخم ذو جدن. وترحم على ابن مالك ذو جدن. الرحمن والأمن "الأمان آمين". واذا كان تميم هو "تميم" المتقدم ذكره، فيكون "لحيعت ذو جدن" المذكور هو "لحيعت يرخم" المذكور في هذا النص اذن.
ملوك سبا وذو ريدان وحضرموت ويمنت
وقد رتّب "فون وزمن" ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت على النحو الآتي: 1 - شمر يهرعش الثالث.
2 - ياسر يهنعم الثالث مع "تارن ايفع".
3 - ثارن يكرب.
4 - ياسر يهنعم الثالث مع ابنه "ذرأ امر ايمن".
5 - ذمر على يهبر "ذمر على يهبأر".
6 - ذمر على يهبر مع ابنه ثارن يهنعم.
7 - ثارن يهنعم مع ابنه ملكيكرب يهامن.
8 - ملكيكرب يهامن مع ابنيه أبو كرب اسعد وذرأ أمر أيمن.
9 - أبو كرب اسعد مع ابنه حسان يهأمن.
10- شرحبيل يعفر.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:35 AM
الفصل الثاني والثلاثون
إمارات عربية شمالية
لقد استغلت القبائل العربية الضعف الذي مر على الحكومة السلوقية، فأخذت تزحف نحو الشمال وتهدد المدن القريبة من البوادي وتحاول الاستيلاء عليها. وقد استولت فعلاً على بعضها وكوّنت حكومات يمكن إن نطلق عليها مصطلح "مشيخة" أو إمارة بحسب مصطلحاتنا السياسية في الزمن الحاضر. وهي حكومات توقفت حياتها على كفاية من كوّنها وأقام اسسها، وعلى كفاية من خلف المؤسسين لها من أشخاص. ولذلك كان عصرها قصيراً في الغالب، وكان حجمها يتوسع أو يتقلص بسرعة، لأن قوة الحكومات بقوة الحكام، فإذا كان الحاكم ذا شخصية قوية وارادة وحزم وذكاء، أغار على جيرانه وهاجم حدود الدول الكبرى، وأصابها بأضرار تضطرها إلى الاعتراف به رئيساً على قبيلته وعلى الأعراب الخاضعين لسلطان، ويبقى على مكانته هذه مادام قوياً، فإذا خارت قواه، أو ظهر منافس له أقوى منه، ولا سيما إذا كان منافسه قد جاء حديثاً من البادية بدم نشيط، ومعه قوم أقوياء أصحاب عدد، زعزع عن محله المرموق، وصار الأمر لغيره، وهكذا.
ويجب ألا ينصرف الذهن إلى إن هذه القبائل كانت قد جاءت إلى بادية الشام في هذا الزمن أو قبله بقليل، فقد سبق أن تحدثت عن وجود الأعراب في هذه البادية قبل هذأ العهد بزمان. وقد رأينا كيف حارب الآشوريون الأعراب، ولم يكن أولئك الأعراب الذين كانوا قد كوّنوا "إمارات" لهم في البادية من أبناء الساعة بالطبع، بل لا بد إن يكونوا قد هبطوا بها قبل حروبهم مع الآشوريين بزمان لا يعرف مقداره إلا الله، ولا بد أن يكون اتصال عرب جزيرة العرب بهذه البادية اتصالاً قديماً، فالبادية والهلال الخصيب امتداد لأرض جزيرة العرب والهجرة بين هذه المواضع قديمة قدم ظهور هذه المواضع إلى الوجود.
لم يكن أمام، أعراب جزيرة العرب من مخرج. حينما تجف أرضهم ويقضي الجفاف على البساط الأخضر الذي يقرشه الغيث في بعض السنين على سطح الأرض مدة غير طويلة، إلاّ الهجرة إلى أماكن يجدون فيها الخضرة والماء، ليحافظوا فهما على حياتهم وحياة ماشيتهم، وإلا تعرضوا للهلاك. والخضرة والخصب لا يكونان إلا حيث يكون الجو الطيب والماء الغزير، وهما متوافران في الهلال الخصيب وفي أطراف جزيرة العرب في الجنوب، حيث تسعف أبخرة البحر العربي والمحيط تلك الأرضين فتغذيها بالرطوبة وبالأمطار، لذلك كانت الهجرات إلى مثل هذه الأرضين دائمة مستمرة.
ويجد أعراب نجد في البادية وفي الهلال الخصيب ملاذهم الوحيد في الخلاص من خطر الفناء جوعاَ، فيتجهون بحكم غريزة المحافظة على الحياة نحوها،غير مبالين بما سيلاقون من صعوباًت، وأية صعوبات تواجه الإنسان أعظم من تحمل الموت جوعاً وببطء.
كانت كل قبيلة من هذه القبائل تضرب خيامها في المواضع، التي ترى فيها العشب والماء والمغنم في البادية أو عند الحضر. فإذا وجدت للحضر حكومة قوية احترمتهم، وان وجدت فيهم ضعفاً، هزئت بهم، واستولت على ما عندهم، وأخذت ترعى في أرضهم، ثم هي لا تقبل بكل ذلك، بل كانت تفرض عليهم "إتاوة" يؤدونها لهم، مقابل حمايتهم من اعتداء الأعراب الآخرين علهم، وبذلك تمكن سادات القبائل من فرض سلطانهم على بعض المدن كحمص والرُّها والحضر، وغيرها من المدن التي حكمتها أُسر عربية، في رأي بعض، الباحثين.
وقد وقف الأعراب وقفة تربّص وتأهّب من الحكومات القوية المهيمنة على الهلال الخصيب، كانوا يراقبون ويدرسون بذكائهم وبخبرتهم السياسية أوضاعها، فإذا أحسوا فيها ضعفاً بادروا إلى استغلاله قبل فوات الأوان. وللأعراب في هذا الباب حماسة غريبة ذات قدرة كبيرة في أدراك مواطن الضعف عند الحضر وعند الحكومات.
فإذا تيقنوا بقوة شم حاستهم من وجود ضعف عند الحضر أو عند حكومة ما، ووجدوا إن في إمكانهم استغلاله في صالحهم جاءوا إلى من وجدوا فيه ضعفاً بشرط تتناسب مع ضعف مركزه، وبطلبات يملونها عليه، قد تكون طلب زيادة "الإتاوات" أي الجُعالات السنوية التي تدفع لهم، وقد تكون السماح لهم بالزحف نحو ارض الحضر والتوسع في الأرضين الخصبة ذات الكلأ والماء، وقد تكون طلباً بالاعتراف بسيادتهم على ما استولوا عليه وعلى أعراب البادية، وما إلى ذلك من شروط، قد تزيد فيها إن وجدت من تتفاوض معهم تساهلاً وقد تتساهل إن وجدت منهم شدة وعجرفة وقوة، مع اللجوء إلى الحيل السياسية وذلك بالاتصال سراً مع الجانب الثاني المعادي للانضمام إليه، وتأييده بحصولهم على شروط أحسن، وعلى ربح أعلى واكثر مما يعطيهم أصحابهم الذين هم على اتفاق معهم. وسنجد فيما بعد أمثلة على أمثال هذه المفاوضات السياسية السرية تجري مع الفرس، وأحياناً مع الرومان أو الروم.
وقد علّمت الطبيعة حكومات العراق وبلاد الشام دروساً في كيفية التعامل والتفاهم مع الأعراب. علّمتهم إن القوة ضرورية معهم، وان الصرامة لازمة تجاههم، لكبح جماحهم والحد من غلواء غزوهم للحدود وللحواضر، وان التساهل معهم معناه في نظر الأعراب وجود ضعف في تلك الحكومات،
وان معنى ذلك طلب المزيد. ولذلك أقاموا مراكز محصنة على حواشي الصحارى، أقاموا فيها حاميات قوية ذات بأس ولها علم بالبادية وبمعاركها ودروبها، ومعها ما تحتاج إليه من "الميرة" والماء. وبنوا فيها "أهراء" أي مخازن نخزن فيها الأطعمة لتوزيعها على الأعراب عند الحاجة للسيطرة عليهم بهذا الأسلوب كما خزنوا فيها كميات من المياه في "صهاريج" تحت الأرض، وحفروا بها الآبار للشرب، ولتموين الأعراب بها أيضاً عند انحباس المطر وحلول مواسم الجفاف، وضعوا كل ذلك في حصون محصنة، ليس في استطاعة الأعراب الدنو منها أو اقتحامها، لأن عليها أبراجاً وفي أسوارها الحصينة العالية منافذ يرمي منها الرماة سهاماً تخرج منها بسرعة كأنها شياطين، تخيف ابن البادية، فتجعله يتحرج من الدنو من تلك الحصون.
ونجد اليوم في العراق وفي بلاد الشام آثار بعض تلك الحصون التي أقامها حكام العراق وحكام بلاد الشام لصد غارات الأعراب عن أرض الحضر، ولتوجيههم الوجهة التي يريدونها، حصون منعزلة نائية كأنها جزر صغيرة برزت في محيط من الرمال والأتربة، بعيدة عن مواطن الحضارة، عند أصحابها على إقامتها في هذه المواضع. لتكون خطوط دفاع أمامية تحول بين أبناء البادية وابن الدنو من مواطن الحضر، وتشغل الأعراب بالقتال حتى تأتي النجدات العسكرية فتصطدم بهم إن تمكنوا من اختراق تلك الخطوط
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:38 AM
وقد علمّت الطبيعة حكام العراق وحكام بلاد الشام إن القوة وحدها لا تكفي في ضبط الأعراب وتوجيههم الوجهة التي يريدونها، علّمتهم إن جيوشهم النظامية لا تستطيع أبداً أن تتعقب فلول الأعراب التي تتراجع بسرعة لا تبلغها عادة الجيوش النظامية في الوصول إلى البادية حصن الأعراب الحصين. وعلّمتهم أيضاً إن جيوشهم متى توغلت في البادية فان احتمالات اندحارها واندثارها تزيد عندئذ علما احتمالات الانتصار. فالأعرابي هو ابن البادية، وهو أخبر بها من الحضر، وهو يعرف مواضع. "الإكسير" فيها "إكسير الحياة" وهو الماء. لقد خبر آبارها، وخزن الماء في مواضع احتفرها وجعلها سرية فلا يقف عليها إلا خزّانها، لهذا فان من الحماقة محاربة الأعراب في ديارهم، وان من الخير مداهنتهم واسترضاؤهم وذلك بالاتفاق مع سادات القبائل الأقوياء أصحاب الشخصيات والمواهب، على دفع هبهات مالية سنوية لهم ترضيهم في مقابل ضبط الحدود وحمايتها من خطر مهاجمة الأعراب لها وغاراتهم عليها، مهما كان أصل أولئك لأعراب، وفي مقابل الاشتراك مع أولئك الحكام المتحالفين معهم في حروبهم لأعدائهم، إما بتقديم الخدمات الضرورية اللازمة لهم في الحروب، مثل تقديم الجمال لهم لحمل الجنود والأثقال والماء وكل ما يحتاج إليه الجيش في عبوره إلى البوادي.
وتقرن الجعالات السنوية بهدايا وألظاف يقدمها الحكام إلى سادات الأعراب، وبألقاب مشرفة تبتهج النفوس الضعيفة لاستوائهم إلى جانبهم، وبدعوات توجه إليهم في المناسبات لزيارة أولئك الحكام والنزول في ضيافتهم، فتخلع عليهم الخلع التي تستهويهم و تجعلهم إلى جانب أولئك الحكام.
ولأجل الوقوف على، حركات الأعراب وسكناتهم، و لمراقبة أعمال سادات القبائل وضعت الحكومات مندوبين عنها في مضارب أولئك السادات، يتنسمون الأخبار ويبعثون بها إلى الحكام. وقد كانوا في الوقت نفسه بمنزلة المستشارين لهم. وقد يقرنون ذلك بوضع حاميات قوية معهم للدفاع عن أولئك السادات إن جلبهم خطر أو للضغط عليهم ولردعهم في حالة تفكيرهم بنقض حلفهم مع تلك الحكومات. وقد عرف هؤلاء المستشارون أو "المندوبون الساميون" في عرفنا السياسي في الزمن الحاضر ب "قيبو" في اللغة الآشورية، وكانوا يرسلونهم إلى مضارب سادات القبائل لتوجيههم الوجهة التي يريدها ملوك آشور، وللتجسس عليهم وإرسال أخبارهم إلى أولئك الملوك حتى يكونوا على بينّة من أمرهم، و يتخذوا ما يرون من قرارات تجاههم.
ولم يكن من العسير على حكام العراق وحكام بلاد الشام، استبدال سيد قبيلة بسيد قبيلة آخر، إذا ما وجدوا في سيد القبيلة المحالف لهم صداً عنهم أو ميلاً إلى عدوّهم، أو نزعة إلى الاستئثار بالحكم لنفسه والاستقلال.
فالبادية أرض مكشوفة، وأبوابها مفتوحة لا تمنع أحداً من د*********ها، فإذا جاء سيد قبيلة طامعاً في مر كز وأرض وكلأ وماء، ووجد في عدده وعدّته قوةً، نافس من نزل قبله، وطمع في ملكه وتقرب إلى الحكام ليحلوه محله، وليأخذ مكانه. وإذا وجد أولئك الحكام في القادم شخصيةً قويةً وأنه أقوى من السابق، لأنه ظهر عليه بعدد من معه وبقوة شخصيته، وأن السيد القديم لم يظل ذا نفع كبير لهم، فلا يهمهم عندئذ إزاحته عن مكانه، و إحلال الجديد محله. وكل ما يطلبه الحكام هو ضمان مصالحهم، ومن يتعهد بحماية مصالحهم صار حليفهم وصديقهم كائناً من كان. وهكذا البشر في كل مكان وزمان من أية أمة كانوا. لقد سيطرت القبائل العربية على شواطئ الفرات وهيمنت عليها في أيام السلوقيين. ونجد ساداتها و قد نصبوا أنفسهم عمالاً "فيلاركا" على تلك الشواطئ منذ منتصف القرن الثاني قبل الميلاد وبعده وتدل أسماء أولئك العمال على أن أصحابها كانوا من أصل عربي، وأن الأسر التي كونوها هي أسر عربية. وكلما كانت أسماء الملوك الأولين لهذه الأسر أسماء عربية، كانت أكثر دلالة على أصل أصحابها العربي. فقد جرت العادة أن الملوك المتأخرين يتأثرون بتيارات زمانهم الاجتماعية وبرسومه وعاداته، فيتخذون ألقاباً وأسماء يونانية أو سريانية أو فارسية، تظهرهم وكأنهم من أصل يوناني أو سرياني أو فارسي، على حين هم من أصل عربي، ولهذا كانت لأسماء مؤسس، الأسر أهمية كبيرة في إثبات اصل الأسرة.
وقد استغل الأعراب أهمية الطرق البرية التي تمر بالبوادي، وهي شرايين التجارة العالية بالنسبة لذلك الوقت، فتحكموا في مسالكها، واستغلوا أهمية الماء بالنسبة للقوافل والجيوش، فلم يكن في وسع جيش قطع البادية من غير ماء، وأخذوا يعاملون المعسكرين: المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي وهو المعسكر الروماني وفقاً لحاجتهما إلى هذه الطرق و الماء ويفرضون على المعسكرين شروطاً تتناسب مع مواقفهم العسكرية و مع الأحوال السائدة بالنسبة لتك الأيام، وصاروا يجبرون كل معسكر من المعسكرين على تقديم أحسن الترضيات لهم لتقديم خدماتهم له، والانضمام إليه ضد المعسكر الشحيح البخيل.
ومن هذه الإمارات: إمارة الحضر، وإمارة "الرُّها" Edessa، وإمارة "الرستن - حمص" Arethusa-Emesa و إمارة "سنجار" Singara، وحكومة تدمر، ثم حكومة الغساسنة في بلاد الشام، وحكومة المناذرة في العراق.
ويلاحظ إن بعض هذه الحكومات، تكونت في مدن كانت قديمة عامرة، سكانها من غير العرب، ومع ذلك صارت مقراً لأسر حاكمة عربية، باًستيلاء تلك الأسر عليها وباخضاعها لحكمها واتخاذها مقاماً لهم، فصار الحكم عليها في أيدي تلك الأسر. أما المحكومون فهم السكان الأصليون، وغالبهم من غير العرب ولسانهم هو لسان بني إرم في الغالب
وهناك إمارات تكونت على أطراف الحضارة، وفيَ مواضع، الماء والكلا في البادية، أو في مواضع غير بعيدة عن حدود الحاضرة من العراق وبلاد الشام، وخاصة في العُقدَ التي تتصل بها طرق القوافل، ويعود الفضل في تكوّنها وظهورها إلى هذه الأمور المذكورة، ولا سيما موضعها من خطوط سير القواقل، حيث يتقاض سادات تلك المواضع "إتاوات" عن التجارة التي تمر بها، وعن التجارة التي تحمل إليها لبيعها في أسواقها، فيتجمع لهم دخل لا بأس به من هذه الجباية التي قد ترتفع أحياناً حتى تصل إلى درجات التعسف بالتجار. ويكون سادات هذه المواضع أصحاب حظ عظيم، إذ كانت مواضعهم عصباً ضرورياً رئيسياً في تجارة البادية، حيث لا تجد القوافل الكبيرة المحملة بالتجارة النفيسة بداً من المرور منها، فان دخلهم يكون حينئذ كبيراً، يحملهم على التوسع والطموح وعلى السيطرة على الآخرين بقدر أللأمكان.
وكما كانت القوافل التجارية والطرق البرية رحمة للمسوطنات الصحراوية التي نشأت وتكونت عند عقد العصب الحساس لهذه الطرق، كذلك صارت تلك الطرق نقمة على تلك المستوطنات. إذ طالما قضت عليها وحكمت عليها بالموت، فقد يجد التجار وأصحاب القوافل طرقاً أسهل وأقصر في قطهم للبادية، أو معاملة أطيب من سيد قبيلة منافس، أو حماية عسكرية أقوى،
فيتحولون عن تلك الطرق المسلوكة إلى طرق أخرى فتموت بذلك المستوطنات المقامة عليها، ويضطر أهلها إلى تركها إلى مواطن جديدة. وقد كان لاستخدام الطرق المائية من طرق نهرية وبحرية، أثر كبير في إماتة الطرق البرية أو في منافستها، كذلك كان للطرق البرية ولا سيما الطرق العسكرية المهمة التي أقامها الرومان والروم في بلاد الشام، أو الفرس في العراق أثر كبير في القضاء على المستوطنات التي نشأت في البوادي، إذ فضّل التجار السير في هذه الطرق المأمونة التي لا يتحكم فيها سادات القبائل في مقدراتهم، ولا يدفعون ضرائب مرور عن الأرضين على تلك الطرق الموحشة المقفرة المملوءة بالمخاطر والتي يتحكم فيها أبناء البادية في مقدرات التجار، فيفرضون عليهم ضرائب مرور من أرضهم كما يشاءون من غير تقدير لما سيجر ذلك عليهم وعلى التجار من أضرار. وبذلك أعان أبناء البادية بأنفسهم على إماتة مستوطناتهم في بعض الأحيان.
ويظهر من "جغرافية" "سترابو" أن أرض الجزيرة ومنطقة الفرات والبادية المتصلة لبلاد الشام، كانت في حكم سادات قبائل، يحكمون وكأنهم "عمال" "فيلارك" Phylarchus. وكان بعض هؤلاء يحكمون أرضين صقيرة، وحكهم حكم "مشايخ القبائل" في عرف هذا اليوم:
يشتغل أتباعهم بالرعي، وبعضهم يشتغلون بالزراعة، وآخرون بالتجارة و كان قسم منهم أعراباً يتنقلون في البادية ومنهم أشباه أعراب، ولا سيما أولئك القاطنين على ساحل العقبة، أي خليج "أيلة" وقد استغل هؤلاء الأعراب طبيعة أرضهم، فكانوا يجبون "العشر" من التجار، أو يشتغلون هم أنفسهم بالاتجار أو يقومون بنقل التجارة لحساب غيرهم من التجار.
وقد كان الأعراب هم الوحيدين الذين في استطاعتهم حماية الطرق البرية الممتدة بين العالم المتحضر القديم: العراق وبلاد الشام، فهم وحدهم سادة البوادي، وفي أيديهم "إكسير الحياة" الماء. لهم آبار أو عيون، و "صهاريج" سرية يخزنون فيها الماء. ولهم مخازن احتياطية مملوءة بهذه المادة الثمينة الضرورية للحياة، يملأونها من أماكن قد تكون بعيدة عنهم، ثم يحملونها معهم حيث ذهبوا، والى منازلهم. وهي قِرَبٌ كبيرة يصنعونها من الجلد، تمونهم بالماء، و تمون القوافل المارة بهم بما يحتاجون إليه وبما يكفيهم للتنقل من منزل إلى منزل آخر. وقد أطلق اليونان على أكثر هؤلاء اسم Scentitae=Skenitai، بمعنى الساكنين في الخيام. لأن "السكينه" Skenai=Skynai معناها الخيمة والبيت، وهي تقابل لفظة "سكوت" "سكوث" Sukkot في العبرانية، التي تعني الخيمة والبيت أيضاً.
وال "سكينيته" Skenitai، هم كما قلت أهل، الخيام، الخيام المصنوعة خاصة من شعر المعز، و هم أعراب يقطنون البادية وطرفي العراق و الشام، تمتد منازلهم في بلاد الشام حتى تبلغ الخط الممتد بين Europus و Thapascus في الشمال على رأي "بلينيوس"، و تمتد في الغرب حتى تبلغ حدود Apaea، على رأي "سترابون". أما حدود مجالات هؤلاء الأعراب من الشرق، فتمتد من أعالي الفرات حتى تبلغ ملتقاه بدجلة في الجنوب على رأي "سترابون" كذلك. ويفصلهم النهر عن منازل قبيلة "أتالي" Athali في كورة Characene.
وذكر "سترابو" أن سادات "سكان الخيام" كانوا يجبون الضرائب من التجار في أثناء مرورهم بمناطق نفوذهم، وكان بعضهم يشتط عليهم فيتقاضى منهم ضرائب عالية، ولا سيما أولئك الذين ينزلون على ضفتي النهر، فتجنب التجار المرور بمناطقهم، ومنهم من كان يتساهل فيعاملهم بلطف ورعاية. وذكر أيضاً أن الرومان وسادات الأعراب كانوا يسيطرون على الجانب الغربي للفرات حتى إقليم بابل،
وأن فريقاً من سادات القبائل كانوا يشايعون الرومان، وفريقاً آخر كان يشايع الفرس، وأن الذين كانوا يسكنون على مقربة من النهر كانوا أقل ميلاً وتودداً إلى الرومان من الذين كانوا يقيمون على مقربة من العربية السعيدة.
وبلغت منازل ال "السكينيته" سكان الخيام حدود مملكة "حدياب" Adiabene و الجبال في العراق على رأي "سترابو". ويذكر "سترابو" أن من هؤلاء رعاةً، وأن منهم متلصصين يغزون وينهبون، ويتنقلون من سكان إلى مكان حيث يكون المرعى، أو تتوافر الغنائم والأموال، وأن طريق بابل و "سلوقية" إلى الشام الذي يسلكه التجار يمر في أرض جماعة من هؤلاء الأعراب يعرفون ب Malli في أيامه. لهم البادية يتحكمون فيها كيفما يشاؤون.
ولا نجد في كتاب "سترابو" شيئاً يتعلق بأصل "السكينيته"، سكان الخيام، و بالزمن الذي ظهرت فيه منه التسمية. وقد ذكر إن من مواطنهم مدينة اسمها Skenai، وهي معروفه عندهم، تقوم على "قناة" على سدود أرض "بابل"، وعلى بعد ثمانية عشر "شوينوى" Schoinoi من مدينة "سلوقية"، كما ذكر انهم يسممون الآن بأسم اخر، هو: "ملوى" Malioi "مالي" Malli.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:40 AM
وقد ذهب الباحثون مذاهب عدة في تعيين موضع مدينة skenai، إن جاز التعبير عنها بلفظة "مدينة"، فذهب بعضهم إلى إنها "عُكْبرا"، وذهب بعض آخر إلى إنها "الحرة"، فالحرة بمعنى المخيم والمعسكر، وهو معنى قريب من معنى لفظة Skenai. وذهب آخرون إلى إنها "مسكين" أو "مسجين"، وهو موضع يقع شمال بغداد، أو "بيت مشكنة". ولكل رأي ودليل في أختياره لذلك المكان.
ويظهر من وصف "سترابو" لأحوإل "سكان الخيام"، أي الأعراب، انهم كانوا كثرة، وقبائل تنتقل جمع الماء والكلأ. أما ال Mailoi، فانهم كان منهم أشباه مستقرين، وآخرون مستقرون، تكاد منازلهم تكون ثابتة، ولهم نظام يمكن أن نسميه نظام حكومة، ويدير شؤونهم سادات منهم، يشرفون على أعرابهم ويرعون طرق القوافل التي تمر بأرضهم، لأنها تأتي لهم بفوائد كبيرة.
ومن الإمارات التي يرجع كثير من الباحثين أصول حكامها إلى أصول عربية: الحضر Hatra، و "إمارة حمص" Emesa و "إمارة الرُّها". Edessa، وتدمر، وإمارات أخرى. وهي إمارات لا يمكن أن نقول إن ثقافتها كانت ثقافة عربية
وان غالب سكانها كانوا من العرب، ولكننا نستطيع أن نقول إن العرب كانوا يتحكمون فيها، وان هنالك أدلة تزداد يوما بعد يوم، تزيد في الاعتقاد بأن العنصر العربي كان قوياً فيها، وان سكانها كانوا عرباً، ولكنهم تأثروا بالمحيط الذي عاشوا فيه، فتثقفوا على عادة تلك الأيام بثقافة بني إرم، واتخذوا من لسان بني إرم لساناً لهم في الكتابة، ومن قلم بني إرم قلماً لهم يكتبون به ويعبرون عن إحساسهم وشعورهم وعلمهم به.
أما "الحضر"، فهي اليوم آثار شاخصة في البرية بوادي الثرثار جنوب غربي الموصل، على بعد "145" كيلومتراً منها. ولعلماء الآثار آراء في أصل التسمية، فمنهم من ذهب إلى إنها من أصل إرمي، ومنهم من ذهب إلى إنها من أصل عبراني إرمي، ومنهم من رجح إنها من أصل عربي، بمعنى "الحرة" أي "العسكر"، وقد عرفت ب "اترا" Atra و Atrai في اليونانية، و ب "هترا" Hatra في اللاتينية. وهي "حطرا" في الكتابات التي عليها في الحضر.
ويرى "هرتسفلد" E. Herzfeld إن القبائل العربية هي التي أسست هذه المدينة، أسستها في القرن الأول قبل الميلاد حصنًا منيعاً أقام ساداتها فيه مستفيدين من الخلاف الذي كان بين الفرث واليونان، حيث استغلوه بذكاء وحنكة، فحصلوا على أموال من الجانبين، لما لموضعهم من الشأن العسكري والسياسي والاقتصادي. وكانوا كلما ازداد مالهم وبرزت أهميتهم، ازدادت المدينة توسعاً وبهاءً وعمراناً، حتى صارت مدينة كبيرة ذات شأن، سكنتها جاليات أجنبية أيضاً، أنجزت، وتولت الوساطة في البيع والشراء، ونقل تجارة آسية إلى تجار أوروبة، وتجارة أوروبة وحاصلاتها إلى تجار آسية.
وقد قوّت الكتابات الإرمية التي عثر عليها في "الحضر" سنة "1951 م" رأي "هرتسفلد"، القائل بأن الذين أسسوا هذه المدينة هم قبائل عربية، وذلك لورود أسماء عربية فبها مع أسماء إيرانية و إرمية. وقد وجد أن نسبة الأسماء العربية تزيد على نسبة الأسماء العربية في كتابات مدينة "تدمر"، وهي مكتوبة بلغة "بني إرم" كذلك، وهذا مما يدل على وجود جالية عربية قوية في الحضر. ولكن ذلك لا يعني في الزمن الحاضر أن غالب السكان كانوا عرباً.
وقد نُعت رئيس معبد الحضر الكبير ب "سادن العرب"، على غرار تلقيب ملوك الحضر أنفسهم ب "ملوك العرب". واسم هذا السادن، هو "افرهط"، و قد قال عن نفسه: "رب ي تا دي عرب"، أي: "أفرهط سادن العرب"، وذكر مترجم النص أن المألوف في كتابات الحضر أنها لا تنسب الكاهن إلى عبدة الإلَه أي المتعبدين، ولكن تنسبهم إلى الآلهة، بأن يكتب "سادن الإلهَ..."، لا "سادن عبدة الإلهَ..."، كما هو في هذا النص، ويرى مترجمه أن "أفرهط" قد خالف المألوف، وخالف عادة القوم، تقليداً لما فعله الملك "سنطروق" ملك الحضر من تلقيب نفسه ب "ملك العرب" "ملك الأعراب".
وقد عثرت مديرية الآثار العامة في العراق على نص وسمته ب "79" من النصوص التي عليها في الحضر، جاء فيه اسم المدينة "الحضر"، لأول مرة، فلم يسبق ورود هذا الاسم في نصوص سابقة. وقد ورد على هذا الشكل: "حطرا"، على نحو ما ينطق به في لغة "بني إرم"، كما وردت فيه جملة: "و بالحظوظ العائدة إلى العرب"، وهي جملة ذات دلالة مهمة بالطبع، لأنها تشير إلى العرب ووجودهم في هذه المنطقة، كما ذكر فيه "عربايا" "عربواو"، و لأسم إقليم "عربايا" شأن كبير، لأنه نسبة إلى العرب، وفيه تقع مدينة الحضر
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:42 AM
أما أسماء ملوك الحضر، فهي أسماء غير عربية النِّجار، يظهر على بعضها أنها إيرانية، وعلى بعض آخر أنها إرمية. غير إن علينا إن نفكر في أن التسميات لا يمكن إن تكون أدلة يستدل بها على أصل الناس. فقد كانت العادة تقليد الأجانب وعاداتهم في اختيار أسماء، ولا سيما عند الحكام والملوك. فقد كانوا يختارون لهم في كثير من الأحيان أسماءً أو ألقاباً من الدول القوية التي تتحكم في شؤونهم و التي لها سلطان عليهم. فقد لقب جماعة من ملوك "اليطوربين" أفسهم ب "بطلميوس" ولقب نفر منهم أنفسهم ب "ليسنياس" Lysanias و ب "فيلبيون" Philippion، وهي من التسميات اليونانية، مع أن اليطوريين ليسوا يونانيين. كذلك نجد اللحيانيين يقلدون اليونان، فيلقبون أنفسهم ب "بطلميوس"، مع أنهم عرب، و هكذا قل عن أهل "الرها" و "تدمر" وأمثالهم فإنهم هم وملوكم قد قلدوا اليونان في أسمائهم وفي اتخاذ ألقاب يونانية لهم، وهم مع ذلك لبسوا من اليونان، ولهذا لا نستطيع أن نحكم على اصل الإنسان استناداً إلى الألقاب والأسماء. وينطبق هذا الرأي على ملوك الحضر أيضاً ت فإن "سنطروق" وهي تسمية إيرانية فرثية، لا يمكن أن تقوم دليلاً على إن أصله من الفرث.
يلاحظ إن كثيراً من كتابات الحضر، لا يكتفى فيها بذكر اسم الشخص واسم أبيه، و إنما يذكر فيها اسم جده أيضاً، و اسم والد جده أحياناً. وقد عثر على كتابة ورد فيها اسم ستة أجداد. وتجد هذه الطريقة في الكتابات الصفوية كذلك، وقد استدل "اينو ليتمان" E. Littmann من طريقة تدوين الصفوبين لأنسابهم على هذه الصورة على انهم عرب، لأن العرب يعتنون بالنسب أكثر من عناية غيرهم به، فيذكرون أسماء الآباء والأجداد. ولذهاب بعض أهل الحضر هذا المذهب في تدوين أنسابهم، رأى بعض الباحثين إن أصحاب هذه الكتابات هم من أصل عربي.
وما زال تأريخ الحضر غامضاً ناقصاً، فيه فجوات واسعة، لم تملأ حتى الآن. ويرئ الذين عنوا بدراسة تأريخها إنها تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد، وربما امتد تأريخها إلى ما قبل ذلك. وأما ازدهارها، فقد كان في أيام "الفرث" Parthians، وهم "الاشكانيون" و "ملوك الطوائف" في الكتب العربية. وقد عاركت "الرومان" و "الساسانيين" " وتعرضت للخراب والدمار في أيام "سابور" المعروف ب
سابور الجنود" في الكتب العربية، وذلك سنة "241" للميلاد. ولم تتمكن بعد هذا الحادث من استعادة نشاطها وقوتها، فذكر إن جيشاً رومانياً مرّ بها سنة "363" للميلاد، فوجدها خراباً.
ومن ملوك الحضر، الملك "سنطروق"، وقد ورد اسمه في طائفة من الكتابات. ويظهر انه كان مؤسس سلالة ملكية من السلالات التي حكمت هذه المدينة. وقد عرف أبوه باسم "نصرو مرى" "نصر". ولعله كان أول من ملك الحضر. ويظهر إن أباه لم يكن ملكاً، ولكن كان كاهناً. وقد ورد اسمه في نص رقم برقم "82" من نصوص الحضر، مؤرخ بسنة "388" من التقويم السلوقي، الموافق لسنة "77" للميلاد. ومعنى هذا إن الملك "سنطروق" كان يحكم في النصف الثاني من القرن الأول للميلاد. ولا يستبعد إن يكون قد حكم قبل هذا العهد. ويعد هذا النص من اقدم النصوص المؤرخة التي عليها في هذه المدينة.
وقد عثر على كتابات أخرى، ورد فيها: "سنطروق ملك بن نصرو مريا"، و لورود جملة "ملك العرب" بعد اسم الملك شأن كبير بالطبع، لأنها توضح علاقة هذا الملك بالعرب بكل جلاء.
وقد أمكن الحصول في هذا اليوم على أسماء عدد من حكام الحضر. منهم: "اورودس" "ورود"، وكان يلقب بلقب "مريا"، افي "السيد" و "الرئيس"و "نصرو" "نصر"، وقد لقب بلقب "مربا" كذلك. وهو ابن "نشرى هبه" "نشرى هاب" و والد الملك "سنطرق" "سنطروق" الموسوم ب "الأول". ثم "ولجس" "ولجش" "ولوجس"، وقد لقب ب "مريا" أي "الرئيس" في أحد النصوص وبلقب "ملكا ذي عرب"، أي "ملك العرب" "ملك الأعراب"، في نص آخر. مما يدل على أنه عاف لقب "مريا"، أي السيد أو الرئيس، الذي لقب به في أول عهده بالحكم، وهو لقب أسلافه، واستبدله بلقب "ملك". وهو أضخم من لقب "مريا" بالطيع.
وقد عثر على تمثال كتب على قاعدته جملة: "تمثال ولجش ملك العرب". وقد أقام ذلك التمثال وأمر بتسطير الكتابة "جرم اللات بن حي".
ثم الملك "سنطرق" "سنطروق" الأول، وهو ابن "نصرو" "نصر" "نصر ومريا"، وقد لقب ب "ملكا دي عرب"، أي "ملك الأعراب" وقد كان حكمه في النصف الثاني من القرن الأول بعد الميلاد "77 = 78 م".
ثم الملك "عبد سميا"، الملقب بلقب "ملكا ذي عرب" "ملكا دي عرب"، وهو والد الملك "سنطرق" "سنطروق" الثاني.
والملك "سنطرق" "سنطروق" الثاني، وهو ابن الملك "عبد سميا"، هو والد ملك آخر اسمه "عبد سميا" كذلك. وملك آخر اسمه "معنا" "معنى" أي "معن" في عربيتنا.
ولعل "تراجان" "98 - 117 م" الإمبراطور الروماني ذا المطامع الواسعة في الشرق الأدنى، كان قد فكر في الاستيلاء على الحضر في عهد "سنطرق" "سنطروق" أو أيام "عبد سميا" 0 إذ عثر على منار في طريق سنجار دوّن عليه اسمه، يشير إلى وصوله إلى هذه المواضع من العراق. ولكن الرومان لم يتمكنوا من الاستيلاء على الحضر، وبعد إن حاصروها مدة، تراجعوا عنها، لأنهم وجدوا صعوبة في فتحها، وعادوا إلى "أنطاكية".
وقد ورد في النص "139" اسم "نشرى هب"، وهو ابن "نوهرا"، وهو ابن "سنطرق" "سنطروق"، الملقب بلقب "ملكا" أي "الملك".
ويظن إن حكم "اثل ملكا"، أي الملك "اثل" "أثال" أو "اثال الملك" بتعبير اصح، والذي ورد اسمه في النصوص، دون إن يذكر اسم والده، كان يحكم الحضر في منتصف القرن الثاني للميلاد، أو في النصف الثاني منه، و هو ملك لا نعرف صلته بالملوك المتقدمين.
واما "برسميا"، فقد كان من معاصري "سبتيميوس سفيروس" Septimius Serverus الذي كان حكمه في حوالي السنة "193" إلى السنة "211" بعد الميلاد. وكان من خصومه المزعجين. فقد صبر بجنوده ودافع معهم عن أسوار مدينته حتى اكرهه على فك الحصار عن الحضر وعن التراجع عنها، بسبب العطش الذي اثّر في جيشه، على حين كان الماء كثيراً في المدينة مخزوناً عندهم. وبسبب ا لمقاومة العنيفة التي أظهرها الفرسان العرب، و إلقاء أهل الحضر، قنابل النفط على جيوش الرومان ومقاومتهم مقاومة عنيدة حملت الرومان على التراجع عن المدينة وفك الحصار عنها.
ولما ظهرت الدولة الساسانية كانت الحضر على صلات طيبة بالرومان. وكانت تلعب دوراً خطيراً في عالم التجارة لموقعها المهم بالنسبة لطرق القوافل لذلك الوقت، فتحرش بها الساسانيون وغزوها، ثم دمروها في الأخير، وكان سبب ذلك هو أن "اردشير" الأول، مؤسس الدولة الساسانية ومهدم كيان الدولة الأشكانية، دولة الفرث، لما انتصر على دولة الفرث، حارت الدويلات الصغيرة، وفي جملتها حكومة الحضر، في أمرها،
وظنت أن النصر سيكون للفرث، فوقفت موقف الحذر من الساسانيين، ورأى ملك الحضر "الضيزن" أن من الأصلح له إن ينضم إلى الرومان الذين كانوا قد توجهوا نحو الشرق، واستولوا على "ميديا"، وان يهاجم الفرس. فهاجمهم وتغلب عليهم في معركة "شهر زور" كما تذكر الموارد العربية، وأسر بنتاً من بنات ملك الفرس. وكان ذلك في حوالي السنة "232" للميلاد تقريباً. فسار "سابور" الأول، وهو "سابور الجنود"، وهو ابن الملك "أردشير الأول"، إلى الحضر يريد الانتقام من "الضيزن"، فتحصن "الضيزن"، وأناخ "سابور" على حصنه أربع سنين، من غير أن يتمكن من فتحها، ثم إن ابنة للضيزن اممها "النضيرة" رأت "سابور" فوقعت في حبه، فراسلته و أرشدته إلى طريقة يمكن بها من إحداث ثغرة في سور المدينة فقتحها، واستولى عليها وقتل أباها، وأباد أهل المدينة، وأخذ "سابور" النضيرة فأعرس بها بعين التمر، ثم تذكر خيانتها "فأمر رجلا فركب فرساً جموحاً، ثم عصب غدائرها بذنبه، ثم استركضها فقطعها قطعاً".
وقد تعرض "الطبري" لمدينة الحضر، فقال: "وكان بحيال تكريت بين دجلة والفرات مدينة يقال لها: الحضر، وكان بها رجل من الجرامقة، يقال له: الساطرون، وهو الذي تقول فيه أبو دواد الإيادي: وأرى الموت قد تدلى من الحض ر على ربّ أهله الساطـرون
والعرب تسميه الضيزن، و قيل: إن الضيزن من أهل باجرمى.
وزعم هشام بن الكلبي انه من العرب من قُضاعة، وانه الضيزن بن معاوية ابن العبيد بن الأجرام بن عمرو بن النخع بن سليح بن حُلوان بن عمران بن الحاف ابن قضاعة، وان أمه من تزيد بن حلوان اسمها جيهلة، وانه إنما كان يعرف بأمه. وزعم انه ملك ارض الجزيرة، وكان معه من بني عبيد بن الأجرام وقبائل قضاعة ما لا يحصى، وان ملكه كان قد بلغ الشام، وانه تطرّف من بعض السواد في غيبة كان غابها إلى ناحية خراسان سابور بن أردشير. فلما قدم من غيبته اخبر بما كان منه، فقال: ذلك من فعل الضيزن، عمرو بن إلة بن الجُدّى بن الدهاء بن جشم بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة... فلما اخبر سابور بما كان منه، شخص إليه حتى أناخ على حصنه، وتحصن الضيزن في الحصن، فزعم ابن الكلبي انه أقام سابور على حصنه أربع سنين لا يقدر على هدمه ولا على الوصول إلى الضيزن. ثم ذكر قصة ابنة الضيزن مع سابور وخيانتها لأبيها وكيف كان مصيرها.
ويذكر "الطبري" في روايته التي يرفعها إلى "ابن الكلي"، إن سابور أباًد أفناء قضاعة الذين كانوا مع الضيزن، فلم يبق منهم باق، و أصيبت قبائل من بني حلوان، فانقرضوا ودرجوا. ثم ذكر في ذلك شعراً نسبه إلى "عمرو بن إلة"، وكان مع الضيزن.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:44 AM
وروى "ابن خلدون" إن الملك بالحضر كان لبني العبيد بن الأبرص بن عمرو ابن اشجع بن سليح، وكان آخرهم "الضيزن بن معاوية بن العبيد" المعروف بالساطرون. وذكر "البكري" إن "سابور ذا الأكتاف" لما أغار على الحيرة و هزم أهلها، سار معظمهم إلى الحضر، يقودهم "الضيزن بن معاوية التنوخي" فنزلوا به، وهو بناء بناه الساطرون الجرمقاني، فأقاموا به مع الزباء، فكانوا رب لها وولاة أمرها. فلما قتلها "عمرو بن عدي"، استولوا على الملك حتى غلبتهم غسان. وقد فرق البكري بين الضيزن و الساطرون.
وقد ورد في أثناء القصص المروي عن الضيزن والحضر شعرٌ نسبوا بعضه إلى "أبي دُواد الإيادي"، و بعضه إلى "الأعشى ميمون بن قيس"، وبعضاً آخر إلى "عمرو بن إلة" وبعضاً إلى "عدي بن زيد العبادي". ونجد في شعر الأعشى، خبر حصار "شاهبور الجنود" حولين للحضر، وذكر "عدي ابن زيد العبادي" في شعره أن صاحب الحضر شاد حصنه بالمرمر، وجلله كلساً، وللطير في ذراه وكور. ثم باد ملكه، فصار بابه مهجوراً، بعد أن كانت دجلة تجبى له والخابور. وهو من هذا الشعر الحزين الذي يغلب عليه طابع الموعظة واحتقار الدنيا وازدرائها، سر طابع أغلب الشعر المنسوب إلى الشاعر البائس.
و الساطرون، هو "سنطروق" في كتابات الحضر حرّف، فصار الساطرون عند أهل الأخبار. وهو لفظ إيراني الأصل انتقل من اللسان الإيراني إلى لغة بني إرم، فصار "سنطروق"، وصير "سنتروسس" في اللغة الإغريقية. وقد عرف بهذا الاسم أحد الملوك الفرث "الاشكانيين" "سنة 76 أو75 - حتى 70 أو 69 ق. م." .
وإذا أخذنا برواية "الطبري" من أن "الساطرون" كان من الجرامقة، فمعنى ذلك أنه كان من "بني إرم"، أي من الآراميين. و هم سكان "جرمقايا" "جرمقايه" الواقعة شرق دجلة جنوب "الزاب" الصغر، وقد عرفوا بالجرامقة نسبة إلى هذه الأرض. وإذا أخذنا بروايته ايضاً من أن الساطرون كان يعرف بالضيزن، وأن "الضيزن" هو من أهل "باجرمى"، فإن في الرواية الثانية تأييد للرواية الأولى من إن الساطرون كان من بني إرم، ولم يكن من العرب.
غير إن "ابن الكلبي" يقول انه من العرب وانه من قضاعة من جهة الأب، وانه من "تزيد" من جهة الأم، وانه ملك ارض الجزيرة، وان ملكه بلغ الشام، وكان معه من "بني عبيد بن الأجرام" و قبائل قضاعة. وانه انتهز فرصة غاب "سابور بن أردشير" إلى ناحية خراسان، وتطرف في بعض ناحية السواد، فلما قدم "سابور" من غيبته اخبر بما كان منه، فشخص إليه حتى أناخ على حصنه أربع سنين في رواية "ابن الكلبي"، وحولين كما جاء في شعر "الأعشى" .
وقد أنكر "نولدكه" رواية "ابن الكلبي" بشأن حصار "سابور" للحضر.
وقد كانت الحضر قد فتحت في عهد "أردشير" الأول، وذلك قبل وفاته في سنة "241" للميلاد. و كان ابتداء حكم "سابور" الأول سنة "241"، لذلك رأى "نولدكه" وغيره إن قصة "الضيزن" لا علاقة لها بهذا "السابور"، بل بملك آخر من ملوك الساسانيين. وان "الضيزن" المذكور كان رئيساً من رؤساء قبائل عربية متنفذة كانت تغير من "الجزيرة" و من الغرب على ارض السواد.
ورجحوا كون "سابور" أهل الأخبار هو "سابور" الثاني الذي حكم من سنة "309" حتى سنة "379" ل!ميلاد. وقد عرف هذا الملك بغزوه للعرب، وهو صاحب "الأنبار" و "خندق سابور" الذي حفره لحماية الأرض الخصبة المأهولة من هجمات الأعراب. وقد كان هذا الملك قد غزا "خراسان" وغزا ارض بكر وتغلب التي تقع بين الروم والفرس "المناظر"، وحيث كانت تنزل قضاعة.
وقد رأى بعض الباحثين إن تعبير "سابور الجنود" "شاهبور الجنود" الوارد في شعر "الأعشى" و "عمرو بن إلة" تعبيراً يشير إلى إن "سابور" المذكور لم يكن ملكاً، بك كان قائداً من قادة الجيش، وان هذا التعبير هو ترجمة لمصطلح "اصبهبذ" Spahbad الذي يعني "صاحب الجيش".
وان المقصود به رجل اسمه "شابور" "سابور" وكان بدرجة "اصبهبذ" "اسبهبذ" على "الري"، وذلك في أيام "قباذ" الأول "488 - 531م". و أما "الضيزن"، فهو عامل من العمال العرب من سادات القبائل، قد لم يكون "طيزانيس" الذي كان في أيام "قباذ"، الذي يجوز أن يكون صاحب المدينة المسماة "طيزن آباد" و "مرج الضيازن" على الفرات.
ومن القبائل التي ورد اسمها في كتابات الحفر، قبيلة عرفت ب "بني تيمو" "بني تيم". و هي قبيلة قد تكون لها صلة بقبيلة ورد اسمها في كتابات عثر عليها في وادي حوران بالعراق، وفي كتابات عثر عليها في تدمر. ويظهر أنها كانت من القبائل المعروفة في الجزيرة وفي بادية الشام في القرن الأول قبل الميلاد فما بعده، ويدل اسمها على أنها من القبائل العربية المتنقلة التي انتشرت بطونها في منطقة واسعة في ذلك العهد.
هذا ما عرفه أهل الأخبار عن الحضر و عن أهل الحضر. فهم على رأيهم من عرب قضاعة نزلوا هذه المواضع في زمن لم يحددوه، وأقاموا هناك.
ولا أظن إن ما أورده "ابن الكلبي" عن الحضر قد جاء به من عنده، فلا بد أن يكون قد أخذه من موارد فارسية أو ارمية، وأغلب ظني انه اخذ ذلك عن أهل الحيرة، وقد كان لرجال الدين فيها من النصارى علم بالتواريخ، أخذوا علمهم هذا من موارد متعددة، وعنهم نقل ما أورده عن الحضر.
وأما مملكة "الرها" Edessa، وتعرف ب "أورفة" "أُرفه" أيضاً، فإن معارفنا عنها من ناحية صلتها بالعرب لا تزال ضئيلة، وهي من مدن الجزيرة العليا. وقد أزهرت قبل الميلاد، وظهرت مثل جملة مدن في هذه المنطقة، منها: "بتنى"، ونصيبين، و "سنكارا" Singara أي "سنجار".
وقد أدخل "بلينيوس" "الرها" Edessa و Carrhoe=Callirhoe في جملة مدن "العربية". ويقال للرها "أورهة" Orrhoe=Orhai في السريانية. وهي من "ديار مضر" المعروفة باسم Orrhoene=Osrhoene قديماً. وهي Orroei في تأريخ "بلينيوس". ومن جملة الأرضين الداخلة في العربية، ومن المدن التي جدد بناءها "سلوقيوس الأول" Seleuces. وعرفت أيضاً باسم "انطوخيه"، نسبة إلى "انطيوخس" Antiochus الرابع.
وقد تكوّنت في القرن الثاني قبل الميلاد مملكة في هذه المقاطعة، مقاطعة Osrhoene=Orrei. مملكة عَدَّ الكتبة اليونان والرومان ملوكلها من العرب، وعدّوا سكانها عرباً كذلك، و يعزو "روستوفتزيف" Rostovtzeff سبب تكوّنها إلى حالة الفوضى التي ظهرت في "ما بين النهرين" على أثر انحلال دولة السلوقيين و احتلال الفرث "الاشكانيين لها" . وذكر "بروكوبيوس" إن هذه المقاطعة إنما دعيت Osroes نسبة إلى ملك اسمه Osroes كان يحكم هذه الأرض في الأيام الغابرة، وكان حليفاً للفرس.
وقد وجدت أسماء ملوك "الرها" مرتبة ترتيباً زمنياً بحسب حكم الملوك في "حولية الرها" Edessene Chronicle المدونة حوالي سنة "540" بعد الميلاد، وفي حولية أخرى هي "حولية زقنين" على مقربة من "آمد" المدونة حوالي سنة "775" بعد الميلاد، كما وجدت أسماء بعضهم على نقود ضربت في أيامهم. ويظهر من دراسة هذه الأسماء إن بينها أسماء عربية نبطية، مثل: "معنو"، وهو "معن"، و "بكرو"، و هو "بكر"، و "عبدو"، و هو "عبد"، و "سحرو"، أو "سهرو"، أو "سهر"، أو "سحر"، و "أبجر"، و "مزعور"، أو "مذعور"، و "وائل". وقد استدل بعض الباحثين من تسمي ملوك "الرهاء" بأسماء عربية، ولا سيما الملوك الأولين منهم، ومن نص "بلينيوس" على إن كورة Osrhoene هي كورة عربية، ومن الوضع السياسي العام في الجزيرة Mesopotanmia
القرن الثاني وما بعده قبل الميلاد، إذ كانت القبائل العربية قد توغلت في هذه المنطقة، استدل من كل ذلك على إن أهل الرها وحكامها كانوا من اصل عربي.
وقد نسب بعض أهل الأخبار بناء "الرها" إلى رجل سموّه "الرهاء بن البلندي بن مالك بن دعر" "ذعر"، أو إلى "الرهاء بن سبند بن مالك بن دعر بن حجر بن جزيلة بن لخم". وذكر "ياقوت" نقلاً عن "يحيى بن جرير النصراني" إن اسم "الرها" هو "أذاسا" في الرومية، وقد بنيت في السنة السادسة من موت الإسكندر، بناها الملك "سلوقس". وقد أخذ "يحيى ابن جرير" قوله هذا من كتب سريانية أو يونانية ولا شك. وقد انتزعها المسلمون في سنة "639 م" من ايدي الروم.
ومن آلهة "الرها"، الإلهان: Azizus=Azizos و Monimos، ويرى "موردتمن" Mordtmann أن اسمي هذين الإلهين ليسا إرمين ظ ولكنهما عربيان أصليان، وأن أحدهما وهو Azizus - هو عزيز، والآخر - وهو Monimos- هو عربي كذلك، وهم منعم. ودليله على ذلك ورود اسميهما في الكتابات اليونانية التي عثر عليها في "الكورة العربية" Provincia Arabia. وهما في رأيه من الهة عرب هذه المنطقة، وإن أضافهما بعض الكتاب إلى السريان الوثنيين. والإله "بعل" و "نبو".
وللرها شأن خطير في الأدب السرياني والأدب النصراني و تأريخ النسطورية، وقد أزهرت هذه المدينة خاصة في أواسط القرن الرابع و في القرن الخامس، للميلاد. وتنسب إلى ملكها "أبجر" Abgar رسالة قبل إنه بعثها إلى "المسيح" ومراسلات مع الحواريين الأولين.
ويراد ب "كاليرهو" Kallirrhoe=Callirhoe الموضع الذي يعرف اليوم باسم "بركة إبراهيم "نبع خليل الرحمان".
وذكر "بلينيوس" أن سكان "الجزيرة" Mesopotamia, Arabes,Qui Praetavi Vocantur عرباً، مقرهم Singara، أي سنجار. وهو موض قديم كان معروفاً في أيام الآشوريين. ويظن أن "تراجان" نزل به في أثناء سيره على الحضر س قطيسفون Ktesiphon.
أما Emesa=Homesa=Hemesa أي حمص، فيشبه تأريخها من أوجه عديدة تأريخ مدينة تدمر. فقد حكمتها أسرة عربية، و أزهر تأريخها في الزمن الذي أزهرت فيه حكومات المدن الأخرى التي ظهرت على اثر المضعف الذي حل بالسلوقيين. وتقع في السهل الذي يرويه نهر العاصي Orontes وعلى مسافة ميل منه.
وعرفت ب Emesa أيضاً عند اليونان والرومان. وفي أيام "بومبيوس" كانت مدينة Arethusa المجاورة لحمص، وهي "الرستن"، مقر أسرة عربية حاكمة. وفيها ولد القيصر Elagabalus. وبلغت أوج ازدهارها في أيام "سبتيموس سفيروس" Septimius Severus وفي أيام Elagabalus اسكندر سفيروس Alexander Severus، و كانت أسقفية في عهد البيزنطيين.
وقد استدل بعض الباحثين من صُوَر أسماء ملوك حمص على أصلهم العربي. فالأسماء Sampsigeramus و Iamblichus=Jamblichus و Azizus و Soemus هي أسماء تحمل طابعاً عربياً خالصاً. وهي أسماء ترد في نصوص صفوية، و في نصوص عربية أخرى أيضاً، مما يحملنا على الذهاب إلى إن ملوك حمص هم عرب كذلك. فالاسم الأول و هو Sampsigeramus يمكن إن يقرأ "شمس جرم"، والاسم Jamblichus يمكن إن يكون "يملك" أو "جميل" أو ما شابه ذلك، والاسم Azizo هو "عزيزو"، أي "عزيز"، و أما الاسم Soemus، فيمكن إن يكون "سخيم" أو "سهيم" أو ما شاكل ذلك.
وقد كان حكام "حمص" المذكورين كهنة يخدمون هيكل "الشمس"، شأنهم في ذلك شأن سادات القبائل العربية الذين كانوا كهنة يخدمون آلهة القبيلة ويتحدثون باسمها بين أتباعهم.
وقد ذكر "اصطيفانوس البيزنطي" أن شيخاً عربياً اسمه "مانيكو" Maniko كوّن مشيخة في Chalcis أي "قنسرين" من بلاد الشام.
وكانت القبائل العربية قد استقرت في هذه المنطقة قبل أيام "اصطيفانوس" بمدة طويلة. وفي "الحيار"، وهي من أعمال قنسرين، اصطدم الغساسنة بالمناذرة في سنة "554" بعد الميلاد، فانتصر الغساسنة على خصومهم انتصاراً كبيراً. ولما استولى الفرس على "قنسرين" وانتزعوها من البيزنطيين، كان للقبائل العربية سلطان واسع في مناطق قنسرين وحلب ومنبج وبالس.
ويعد "اليطوريون" Ituraean من القبائل العربية اليدوية، وهي في التوراة من نسل "إسماعيل". وهم من نسل "يطور" ابن إسماعيل. وتقع أرضهم بين "اللجاة" Trachonitae والجليل، وتسمى "جدورا"، و تقع في جنوب غربي دمشق. وهي من المناطق التي امتزج فيها العرب ببني إرم.
وقد توسع اليطوريون فدخلوا لبنان، وسكنوا البقاع Massyas، واستولوا على "بعلبك" Heliopolis، وتوسعوا نحو الغرب حتى هددوا "جبيل" Bybols وبيروت Berytos. وذلك في أيام ملكهم المعروف ب "بطلميوس" Ptolmaios ابن Mennaios.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:45 AM
وقد استدل بعض العلماء من حشر التوراة اليطورين في "الإشماعيليين" ومن اسم Mennaios وهو اسم والد الملك "بطلميوس" الذي عاش في القرن الأول قبل الميلاد، ومن عثورهم على أسماء يطورية في كتابات لاتينية يونانية تشير إلى إنها أسماء عربية الأصل، استدلوا من هذا كله على انهم من العرب، وان كانوا قد تأثروا بثقافة بني إرم. فقد تأثر بهذه الثقافة اكثر العرب الشماليين.
ويعلق بعض العلماء أهمية كبيرة على أسماء الأشخاص في إثبات أصولهم. ووجهة نظرهم هذه في الأسماء، هي التي جعلتهم يذهبون إلى إن من ذكرناهم هم عرب في الأصل، فان الطابع الظاهر على أسمائهم هو طابع عربي. وترد تلك الأسماء في الكتابات الصفوية حكم و أصحابها هم عرب من غير شك، وان دوّنوا بقلم نبطي و بلغة نبطية. فالنبط أنفسهم هم عرب، كما أشرت إلى ذلك في مواضع من هذا الكتاب، وكما سأشير إلى ذلك في مواضع تأتي.
إن تدوين أهل الشرق الأدنى لأفكارهم ولما يجول في خاطرهم بلغة بني إرم وقلمهم، جعل من العسير على الباحثين الحكم في أصول الشعوب التي دوّنت بتلك اللغة والتي عاشت في الهلال الخصيب.
ويدفعنا هذا التدوين إلى وجوب اتخاذ موقف حذر ومتأن في إبداء آراء قطعية في أصول من ذكرنا، فنظرية الحكم على أصول الناس استناداً إلى أسمائهم وان بدت إنها نظرية معقولة مقبولة، لكنها مع ذلك غير علمية. فأكثر أسماء المسلمين في هذا اليوم هي أسماء عربية خالصة، ما في ذلك شك، فهل يجوز لنا أن نستنبط من هذه الأسماء بأن حملتها هم من اصل عربي? ثم إن علينا أن نتذكر إن أسماء القبائل والأشخاص عند الشعوب السامية هي، متقاربة ومتشابهة، وهي واحدة في كثير من الأحيان، بل إن علينا إن نتذكر إن ثقافة تلك الشعوب و آراءها متقاربة، و يعني هذان إن من الواجب علينا ألا نتسرع فنحكم بأن ذلك مأخوذ من هذا الشعب أو من تلك الشعوب، وان ذلك الشعب أو هذا هو الأصل، فمسألة تشابه الأسماء و تقارنها في النطق، لا يمكن أن تكون في نظري ميزاناً توزن به أصول الناس. و هل يعقل إن يكون الأعاجم المسلمون عرباً، لأن أسماءهم عربية، أو إن زنوج الولايات المتحدة هم من أصل أوروبي لأن أسماءهم أوروبية? ويتصل الحديث عن هذه الإمارات بالحديث عن "تدمر" المدينة المعروفة ب "بالمرا" Palmyra عند الغربيين الذين ورثوا هذه التسمية من الإغريق و اللاتين. وهي "تدمر امورو" في كتابات "تغلات فلاصر الأول" "تغلث فلاسر" "تغلت فلاسر" في رأي بعض الباحثين. وسأتكلم عنها بعد حين.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:49 AM
الفصل الثالث و الثلاثون
ساسانيون و بيزنطيون
حدث تطور خطير في الشرق الأدنى بعد الميلاد، فقد زالت حكومة "البارثيين" "الفرث" "البرث" The Parthians، في حوالي سنة "226 ب. م."، وحلت محلها حكومة عرفت بحكومة "الساسانيين". وهي حكومة نبعت من ثورة على الحكومة السابقة، تولى كبْرَها ملوك أقوياء اظهروا حزماً وشدة جعلت الروم يهابونهم، ويرون انهم مكافئون لهم في القوة، ولم يكن الروم ينظرون إلى "الفرث" بهذه النظرة من قبل.
وحدث تطور مشابه في إمبراطورية "رومة"، فقد انقسمت الإمبراطورية إلى قسمين، وصارت "القسطنطينية" عاصمة الجزء الشرقي،الذي كوّن الإمبراطورية "البيزنطية"، وذلك في سنة "335 م"، وتولت هذه الإمبراطورية إرث النزاع مع الفرس، النزاع الموروث من الاسكندر، واصبحت بحكم وجودها في بلاد الشام وفي مصر على اتصال بالعرب في البر وفي البحر.
وكان لا بد للساسانيين والبيزنطيين من التعامل مع العرب، ومن استرضائهم، ووضع حساب لهم. فقد كانت لكل من الإمبراطوريتين حدود واسعة طويلة معهم كما كان في كل من الإمبراطوريتين قبائل ذات شأن نازلة في أرضها في مناطق حساسة هي حافات الحدود. و أما البادية: بادية الشام التي تملأ الهلال الخصيب، فقد كانت مملوءة بقبائل عربية تعرف عند الروم باسم Saracens و Scenites،
وتعني الكلمة الأخيرة سكان الخيام، أو أهل الخيام، وهي كما قال أحد المؤرخين "الكلاسيكيين" في تنقل مستمر وحركة دائمة من مكان إلى مكان. إذا وجدت أرضاً خصبة عاشت عليها، و إلا كسبت معيشتها بالغزو. تغير. على ارض الفرس أو الروم، فإذا جابهتها قوة، تقهقرت إلى البادية حيث يعسر على غير الأعراب ولوجها لتأديبهم. و لهذا لم يكن أمام الحكومات الكبيرة إلا استرضاء تلك القبائل، لصيانة حدودها وللاستفادة منها في إلقاء الرعب في قلوب الأعداء و الخصوم.
وسلك البيزنطيون السياسة التي سلكها حكام "رومة" من قبلهم، وهي سياسة التقرب إلى سادة "أكسوم"، وعقد اتفاقيات ود وصداقة معهم، لضمان مصالحهم وللضغط على حكام السواحل العربية المقابلة لهم لجلبهم إلى جانبهم ولمنعهم من التحرش بسفنهم وبتجارهم الذين كانوا يرتادون البحار إلى الهند والسواحل الإفريقية ويقيمون في مواضع من السواحل والجزر على شكل جاليات، كما هي الحال في جزيرة "سقطرى". وقد نجحت سياستهم هذه نج*********ً أدى إلى غزو الجيش لليمن بتحريض من الروم فيما بعد.
وسلكوا سياسة حكام "رومة" أيضاً في تقوية حدود بلاد الشام وضمان سلامتها من غارات الأعراب أو الفرس عليها، ببناء سلسلة من الاستحكامات في البوادي وفي مفارق الطرق المؤدية إلى تلك البلاد، وبتقوية "خطة ديوقليطيان" Diocletian الدفاعية الشهيرة التي وضعها، بالدفاع عن الحدود من مصر إلى نهاية الفرات وفي جملتها تحصين مدينة "تدمر" قلب الدفاع، والمواقع العسكرية الأخرى المقامة في البادية، لتكون الموانع الأولى للأعراب من مهاجمة بلاد الشام، والرادع الذي يردعهم عن التفكير في الغزو.
و في جملة مما اتخذه البيزنطيون من وسائل التأثير في الشرقيين، وفي جملتهم العرب، نشر النصرانية، الديانة التي قبلوها ودانوا بها، واتخذوها ديانة رسمية للدولة. وفي نشر النصرإنية تقوية لنفوذهم، وسند لسياستهم في نزاعهم مع الساسانيين. ولهذا نراهم يشجعون إرسال البعثات التبشيرية و الإرساليات الدينية إلى إفريقية والى بلاد العرب والى الهند، وينفقون بسخاء لبناء الكنائس في تلك الأرضين يرسلون الخشب النفيس اللازم للبناء، و "الفسيفساء" التي امتازوا بصنعها،
والعمال الروم الهرة في البناء، ليبنوا كنائس فخمة جميلة تبهر العيون وتقر الأفئدة، و تؤثر في العقول، فتجلب إليها الناس وتستهويهم، وهناك يتلقاهم المبشرون الذين أوفدوا للتبشير، بتلقينهم النصرانية و الإخلاص لإخوانهم في الدين وفي طليعتهم الروم بالطبع، وفي ذلك كسب سياسي عظيم. وبذلك صارت "الكنائس" دوراً لعبادة الله، ودوراً للتبشير السياسي والثقافي، ومركزاً من مراكز الاستعلامات والتبادل الثقافي في مصطلح هذا الزمن.
وتمكنت النصرانية من كسب بعض العرب، فجرتهم إليها. جذبت إليها القبائل الساكنة على حدود الأرياف والأطراف، أي سكان المناطق الحساسة الدقيقة بالنسبة إلى الخطط السياسية والعسكرية للساسانيين وللبيزنطيين على حد سواء. وقد كان من سوء المصادفات أن النصرانية كانت قد تجزأت إلى شيع، وان غالبية النصارى العرب تمذهبت بمذهب يخالف مذهب الروم، و لكنها كانت تشعر على كل حال أنها مع الروم على دين واحد. ولهذا لم يحفل ساسة "القسطنطينة" كثيراً بموضوع اختلاف المذهب، وان تألموا من وجوده وظهوره،فساعدوا نصارى اليمن ونصارى الأماكن الأخرى من جزيرة العرب على اختلافهم عنهم، و عملوا في الوقت نفسه على نشر مذهبهم بين العرب، ليتمكنوا بذلك من إيجاد محيط ثقافي سياسي يؤيد البيزنطيين.
وعني الساسانيون بتقوية حدودهم مع الهادية كما فعل البيزنطيون، وكما فعل "الفرث" وغيرهم ممن حكم قبلهم. وسعوا في استرضاء سادات القبائل وأصحاب السلطان من حكام البوادي، وبنوا "المسالح" في المشارف المؤدية إلى أرياف العراق لحمايتها من الغزو، ولتقوم بتأديب الأعراب ومراقبة حركاتهم وتجمعاتهم، لتكون الحكومة على علم بما يريدون فعله، ووضعوا في الخليج سفهناً لحماية سفنهم من التحرش بها، ولحماية حدودهم الجنوبية الواقعة على الخليج من التعرض للغزو و أقام "أردشير الأول" "225 - 241 م"، عدة موانئ بحرية ونهرية لهذا الغرض.
و تقابل هذه "المسالح" ما يقال له "المناظر" في عربيتنا بالنسبة إلى حماية بلاد الشام. فقد كان اليونان والرومان ثم البيزنطيون قد أقاموا خطوطاً Limes من التحصينات اسكنوا بها حاميات ألقوا عليها مهمة الدفاع عن الحدود. وهي تتكون من قلاع Castella ومن حصون "أبراج" Burgi ومن Centenaria و Turres. وخطوط التحصينات هذه، هي "المناظر" عند العرب و "المسالح" بالنسبة لخطوط دفاع الفرس.
وواجبها حماية ما يليها من تحصينات أخرى وحاميات أقيمت على "الخنادق" في الإمبراطورية الساسانية، أو ما يقال له Fossatum عند الروم. فهي الخطوط الأولى من خطوط الدفاع. أما الذين يقومون بحراستها و الدفاع عنها، فانهم لا يتقاضون أجراً، أي رواتب على عملهم، لأنهم Limitanei كما يقال لهم في اليونانية. ومعاشهم ما يزرعونه بأنفسهم، أو يدفع لهم من غلاّت الفلاحين الذين يعفون من دفع ما عليهم من استحقاق للدولة. اي ما نسميه بضرائب Capitatio. وينتخب هؤلاء من السكان المحليين، ليكون من السهل عليهم السكن في هذه المواضع البعيدة. وعليهم مشرفون من الفرس أو الروم لتوجيههم ولقيادتهم في أثناء وقوع غزو أو تحرش قبائل بهذه الخطوط.
و شجع الساسانيون مذهب "نسطور" مع انهم كانوا مجوساً، ولم يكونوا نصارى. شجعوه لأنه مذهب يعارض مذهب الروم، فانتشر في العراق وفي إيران وفي سائر الأرضين الخاضعة للحكم الساساني. ودخل في هذا المذهب اكثر النصارى العرب في العراق. ومن يدري? فلعلهم ساهموا من طرف خفي في توسيع الشقة بين هذا المذهب ومذهب الروم ولإلقاء العداوة بين هؤلاء النصارى والروم.
كانت بادية الشام ميداناً للقبائل، تتصارع فيه كيف تشاء. تبرز فيه قبيلة، ثم ينطفئ اسمها، لتظهر قبيلة أخرى. ولم يكن ذلك ليهم الدول الكبرى، ما دام ذلك الصراع في مواضع بعيدة عن حدودها، فإذا بلغ الحد، اضطرت تلك الدول إلى الوقوف بحزم و صرامة أمامه، إذا كانت تملك الحزم والقوة.
ولصعوبة قيام جيوشها النظامية بتعقب القبائل المغيرة وملاحقتها في البادية، عمدت إلى استرضاء سادات القبائل الكبيرة ذات العدد الكبير، بالهدايا والمنح المالية المغرية وبالامتيازات وبالألقاب للقيام بحراسة الحدود ومراقبتها، وبتعقب القبائل التي قد تتجاسر فتغزو الحدود، منتهزة مواطن الضعف والثغرات. فالتجاء الساسانيون إلى عرب "الحيرة"، والتجأ البيزنطيون إلى الضجاعمة والى أهل تدمر والغساسنة فيما بعد للقيام بهذه المهمة.
ولم تكن مهمة حفظ الحدود مهمة سهلة هينة، حتى على أهل البادية أنفسهم، فمنطق القبائل: إن القبيلة إذا كانت قوية ذات بأس، وشعرت بقوتها، جاز لها إن تطلب لنفسها ما تشاء وان تغزو من تشاء كائناً من كان. وطالما صار من توكل إليه حراسة الحدود نفسه هدفاً للغزو، لأنه لم يطعم الغازين، ولم يقدم لهم ما يرضيهم من ترضيات و اعطيات،
أو لأن الغازين رأوا في قرارة أنفسهم أحق بحماية الحدود من الذين يقومون بحمايتها في هذا الزمن، ولهذا يرون وجوب انتزاعها منهم بالقوة، كما انتزعهما هؤلاء القائمون بالحماية من سلفهم. فلا يكون أمام الدول الكبرى غير الموافقة والتسليم، ودفع الجعالات التي كانوا يدفعونها إلى الحرس القديم إلى الحرس الجدد الذين اظهروا قوة فاقت قوة القدماء في ميدان التنافس والقتال. وما الذي يهم الدول الكبرى في مثل هذه المواقف غير حماية الحدود ? ومع رغبة الدول الكبرى في التعامل جهد الإمكان معع أصحابهم القدماء الذين اطمأنوا إليهم، فأوكلوا لهم حراسة حدودهم، وكانوا يهددون ذلك الحرس بجعل حراستهم إلى خصومهم ومنافسيهم إذا ما شعروا بسوء نهيتهم أو طمعهم أو إلحافهم في زيادة الجعالات، أو بضعف أو تهاون في الدفاع عن الحدود وفي إنزال القصاص بالمغيرين. وقد يوكلون الحراسة في الحالات الشاذة إلى قوادهم الأشداء، لتعقيب المغيرين، و إنزال ضربات شديدة بهم، إلى إن يتفقوا مع حارس جديد أو إن يتفق أهل الحارس القديم على اختيار شخص جديد كما في حالات وفاة احد رؤساء آل نصر أو آل غسان.
وليس من الصعب بالطبع على حماة الحدود إدراك الأدوار الخطيرة التي يقومون بها، والخدمات الكبيرة التي كانوا يؤدونها للدولة التي يتولون حماية حدودها وضبطها من غارات الأعراب عليها، ولهذا صاروا يتحينون الفرص السانحة والظروف المؤاتية لإرغام الدولة على رفع جعالاتهم ولزيادة امتيازاتهم، و إلا أضربوا عن الحراسة، وأثاروا الأعراب عليهم، وهاجموا هم أنفسهم تلك الحدود حتى تجاب مطالبهم أو يسترضوا، وعندئذ يقبلون بالعودة إلى عملهم. وفي تواريخ المناذرة و الغساسنة، أمثلة عديدة من أمثلة خروج أمراء هاتين الحكومتين على الساسانيين و البيزنطيين، لعدم تلبية مطاليبهم في زيادة الجعالات وفي الحصول على امتيازات جديدة تزيد على امتيازاتهم السابقة الممنوحة لهم.
وكان من نتائج العداء الموروث بين الساسانيين والبيزنطيين إن انتقلت عدواه إلى العرب أيضاً،- فصار أناس منهم مع الفرس، وآخرون مع الروم، وبين العربين عداوة وبغضاء، مع انهما من جنس واحد وكلاهما غريب عن الساسانيين والبيزنطيين. وقد تجسمت هذه العداوة في غزو عرب الحيرة للغساسنة، و في غزو الغساسنة لأهل الحيرة، حتى في الأيام التي لم يكن فيها. قتال بين الفرس والروم،
مما أدى أحياناً إلى تكدير صفو السلم الذي كان بين البيزنطيين والساسانين، وتجسمت في شعر المدح والهجاء الذي تجده في حق آل نصر أو آل لخم، من الشعراء الذين وجدوا في هذه البغضاء متسعاَ لهم ومفرجاً في الرزق. فصار بعضهم يساوم في أجور المدح وفي أجور الذم.
وقد انتهت حدود الأرضين التي خضعت لحكم البيزنطيين أو سلطانهم عند حدود "المقاطعة العربية" الجنوبية، فلم تتجاوزها إلى ظهور الإسلام. ولعل محاولة "أبرهة" الاستيلاء على "مكة" كانت خطة سياسية عسكرية من خطط البيزنطيين كانت ترمي إلى الاستيلاء على الشقة التي بقيت تفصل بين الروم والحكم الحبشي في اليمن، فيبسط بذلك البيزنطيون سلطانهم السياسي على العربية الغربية كلها وعلى قسم كبير من العربية الجنوبية، ومن يدري? فلعلهم كانوا يبغون من بعد ذلك احتلال العربية الجنوبية كلها، لغرض سيطرتهم على أهم جزء من خطوط الملاحة البحرية العالمية المؤدية إلى الهند والسواحل الأفريقية.
أما فيما عدا ذلك من جزيرة العرب، فلم يكن للبيزنطيين سلطان سياسي أو تدخل فعلي. ولهذا انفردت فعالياتهم السياسية والعسكرية مع العرب النازلين في الأرضين التي خضت لحكمهم ولسلطانهم، ومع عرب بادية الشام وعرب العراق.
ولا نعلم إن ملوك الروم كانوا يرسلون قوافل تجارية خاصة بهم، لتتاجر مع جزيرة العرب، أو إن حكام مقاطعاتهم في بلاد الشام كانوا يتاجرون باسم حكومتهم أو بأسمائهم مع بلاد العرب. وكل ما نعرفه هو إن التجار العرب كانوا هم الذين يرسلون القوافل إلى بلاد الشام فكانت إذا دخلت مناطق الحدود ، تؤدي ضرائب المرور و "المكس" إلى رجال "مصلحة الضرائب" التابعين للروم. وعندئذ يسمح لهم إن يذهبوا إلى الأسواق لبيع ما يحملونه وشراء ما يحتاجون إليه. وكانت "بصرى" حاضرة "المقاطعة العربية"، هي السوق الرئيسية للتجار العرب، ومنتهى قوافلهم في الغالب. فكانت علاقة أهل الحجاز، ولا سيما أهل مكة، بالروم علاقة اقتصادية. وعلى هذه العلاقة كانت تتوقف العلاقات السياسية في غالب الأحيان. فقد كان الروم يزيدون الضرائب أحياناً، و يتعسفون في الجباية، فيتضرر بذلك التجار العرب، فكانوا يشتكون، ويراجعون حكام المقاطعات، وقد يرفعون إلى كبار القادة والحكام التماساً، أو يرسلون إلى عاهل القسطنطينية رسلاً، كما تقول بعض روايات أهل الأخبار للتوسل برفع هذه المظالم عنهم و لتخفيف الضرائب،
وتنتهي مثل هذه الشكايات بترضيات يراد بها إن تكون ترضيات سياسية، لتوجه عرب الحجاز ضد الفرس، أو لفتح المجال لتجار الروم بالمرور من الحجاز إلى الجنوب، أو للضغط على التجار لمنع القبائل من التجاوز على حدود الروم إلى ما شاكل ذلك من أمور.
أما ملوك الساسانيين، فقد كانوا يتاجرون مع العرب، يشترون منهم ويبيعونهم ويرسلون القوافل بأسمائهم إلى العربية الجنوبية، لبيع ما تحمله في أسواقها، ولشراء سلع العربية الجنوبية يحملونها إلى أسواق العراق. وقد كانوا يوكلون حراستها إلى جماعة يختارونهم من سادات القبائل المهيبين المعروفين، بجُعْل يدفعونه لهم، وسأتحدث عن ذلك فيما بعد. ولا أستبعد إن يكون بين تلك القوافل، قوافل حملت ما كان يرسله الأكاسرة إلى عمالهم في اليمن بعد استيلائهم عليها من مؤن وبضائع، لتعود بما يفضل من الجباية يجبيها مرازبتهم على اليمن، لتكون حصتهم وسعة الخزينة من مال اليمن.
ويظهر من روايات أهل الأخبار إن جماعة من أهل مكة قد تخصصت بالاتجار مع العراق. وقد كان لها تعامل مع كسرى وربما مع كبار رجال دولته أيضاً من أولئك الذين اقتدوا بملوكهم في الاشتغال بالتجارة وبالنزول إلى الأسواق، فإنا في أناساً من كبار تجار مكة كانوا يفدون على المدائن، ويتصلون بديوان كسرى، ويتعاملون هناك بيعاً وشراءً. وكانت لهم دالة على ملك المدائن، وربما كان يساعدهم هو نفسه في مال القوافل، أو يجعل له نصيب من الأرباح.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:51 AM
أما حدود الدولة الساسانية مع البلاد العربية، فلم تكن ثابتة، بل كانت تتبدل و تتغير بحسب الظروف والأحوال. فقد كانت تتوسع أحيانا، وتتراجع وتتقلص أحياناً أخرى. كان الساسانيون يتقدمون نحو الجنوب في اتجاه "العروض" وبقية الأقسام الشرقية من جزيرة العرب حين تكون لهم قوة بحرية كافية، وكانوا ينسحبون منها حين تضعف هذه القوة، وحين تلهيهم الأحداث الداخلية وحروبهم مع الروم عن التفكر في الجنوب. وقد كان العرب في عهد الساسانيين وقبله قد استوطنوا السواحل الجنوبية من ايران، وهيمنوا عليها، وكان لقبائلهم أثر خطير هناك، ولا سيما قبل إن تكون الدولة الساسانية، إذ وجدوا في انشغال الدولة إذ ذاك في المنازعات الداخلية فرصة ملائمة لهم، فبسطوا سلطانهم على مناطقهم مثل "كرمان" Karmania وغيرها. ولهذا كان أول ما فعله مؤسس الدولة الساسانية "أردشير الأول" "224 - 240 م"، "225 - 241 م" "226 - 241 م" أن حارب عرفي هذه الأرضين ليخضعهم إلى حكمه، في جملة سياسته التي قررها،" وهي القضاء على الإقطاع وعلى الإمارات التي تعددت في هذا العهد نتيجة ضعف الحكومة.
فورد إن "أردشير" سار بعد إن تغلب على خصومه في إيران، لقتال ملك "الأهواز"، فغلبه في معركة حاسمة أ واستولى على ولايته، ثم سار نحو "ميسان"، وكان حاكمها عربياً، فاستولى عليها، وبذلك خضع له العرب الساكنون في المناطق الجنوبية من بلاد إيران.
وذكر "حمزة الأصفهاني" إن "أردشير" ابتنى مدينة بالبحرين سماها "بتن أردشير"، "وإنما سماها بتن اردشير لأنه بنى سورها على جثث أهلها، لأنهم فارقوا طاعته، و عصوا امره، فجعل سافاً من السور لبناً، وسافاً جثثاً، فلذلك سماها اردشير". ويفهم من هذه الرواية الفارسية التي لا تخلو من الخيال إن اردشير كان قد استولى على البحرين. وقد ورد إن "أردشير"، كان قد أنشأ عدة موانئ على الأنهار وعلى البحار، بعد إن قضى على مقاومة القبائل العربية النازلة في المناطق الجنوبية من إيران، وعندئذ صار من الميسور له ركوب البحر والاستيلاء على البحرين وعلى الأرضين العربية الأخرى من جزيرة العرب. ولهذا نص بعض الكتبة "الكلاسيك" على إن ساحل عمان Oman كان تابعاً للفرس يومئذ، أي لحكم "أردشير"..
و ذكر الطبري إن "أردشير" بنى بالبحرين مدينة سمّاها "فنياذ أردشير" وقال إنها مدينة "الخط".
ويفهم من تأريخ "الطبري" إن "عمرو بن عدي"، وهو أول ملك من ملوك الحيرة، كان "مستبداً بأمره، يغزو المغازي، ويصيب الغنائم، وتفد عليه الوفود دهره الأول، لا يدين لملوك الطوائف بالعراق، ولا يدينون له، حتى قدم أردشير بن بابك في أهل فارس"،
ولم يشرح "الطبري" صلته ب "أردشير". ولكن الذي يتعمق في دراسة معنى هذه العبارة يخرج منها بان أردشير فرض سلطانه عليه: وانه أطاعه، فلم يعد يغزو المغازي، و يصيب الغنائم كما كان يفعل أيام ملوك الطوائف.
أما "سابور الأول" "241 - 272 م"، وهو ابن الملك "أردشير" مؤسس الدولة الساسانية، فقد ذكر انه تلقن درساً مهماً في السلوك من "أذينة" ملك تدمر، إذ يقولون، انه لما تمكن من تمكن من القيصر "فالريان" "فالريانوس" Valerian وأسره وانتصر على جيشه انتصاراً كبيراً، تملكه الغرور والعجب،
وصار يشعر انه ملك الدنيا، فلما أرسل إليه "أذينة" رسالة مع هدايا تحملها قافلة كبيرة من الجمال، وصلت إليه في أثناء عودته منتصراً، تملكه العجب من تجاسر "أذينة" على مخاطبته بلهجة ليس فيها كثير من التعظيم والتفخيم والاحترام، و هو "ملك الملوك" و "أذينة" رئيس موضع في البادية، فأخذته العزة وأمر برمي هداياه في "الفرات" قائلاً: "ومن هو أذينة Odenathus هذا? ومن أي ارض هو حتى يوجه هذه الرسالة إلى سيده فليأت حالاً إذا أراد إن يخفف من العقاب الذي سينزل به، و ليسجد أمامي بعد إن توثق يداه إلى ظهره!". فلما سمع "أذينة" بهذه الإهانة،
جمع ما عنده من قوة، وأسرع فباغت الساسانيين مباغتة أفزعتهم، فوقع الرعب فيهم، حتى تركوا له اكثر ما حصلوا عليه من غنائم من حربهم مع الرومان، وفقدوا بعض زوجات الملك، إذ وقعن أسرى في أيدي قوات "أذينة"، ولم يكتف ملك "تدمر" بهذا الانتقام، بل أسرع في سنة "263 م". فهاجم الجزيرة، فانتصر على "سابور"، ثم حاصر عاصمته "طيفسون" .
و.قد استمر الساسانيون في محاربة "أذينة" رجاء التغلب عليه والانتقام منه إلى سنة "265 م" من غير جدوى، إذ قتل "أذينة" دون إن يتمكن "سابور" من أخذ الثأر منه.
ولما تغير الزمن، واتبعت "الزباء،" سياسة معادية للرومان، و حاصرها "أورليان" Aurelian، اتصلت بالساسانيين رجاء الحصول منهم على مساعدة عسكرية، لتتخلص بها منهم، إلا أن الملك "بهرام" لم ينجدها، فسقطت أسيرة في أيدي الرومان سنة "272 م"، واخذ نجم المدينة المهمة التي اتخذها "هادريان" Hadrian قاعدة عسكرية لحماية حدود بلاد الشام من المغيرين، في الأفول منذ ذلك الحين. وكان تقاعس "بهرام" عن مساعدة "الزباء" من ضعف سياسة ذلك الملك، إذ لم يكن ذا همة في إدارة الملك.
ولا نعلم شيئاً يذكر بعدئذ عن صلات الفرس الساسانيين بالعرب منذ عهد "بهرام الأول" إلى عهد "سابور الثاني" "310 - 379 م"، فالموارد صامتة لا تتحدث عنها بأي حديث، إلى عهد هذا الملك، و إنما هي تتحدث عن غارات قاسية أغارها هذا الملك على العرب في المنطقة العربية من إيران وفي الخليج العربي و في العراق.
ويحدثنا "المسعودي"، أن "سابور بن هرمز" المعروف ب "سابور ذي الأكتاف" "310 - 379 م"، كان قد أوقع في العرب موقعة عظيمة، وذلك لأن القبائل العربية وفي طليعتها قبيلة "إياد"، كانت غلبت على سواد العراق، وأطبقت على البلاد، ولذلك قيل لها "طبق" في أيام ملكها "الحارث ابن الأغر الإيادي"، و كانت تصيف بالجزيرة وتشتو بالعراق، فلما كبر "سابور" واخذ أمور الملك بيده من مستشاريه ووزرائه، إذ جاء الملك إليه بوفاة أبيه وكان في بطن أمه - أراد الانتقام من إياد، و إخضاعها للساسانيين، كما كانت من قبل، فأرسل سراياه نحوها، وكان في حبسه رجل من إياد، اسمه "لقيط"، سمع بعزم سابور فأرسل إليها شعراً ينذرها به، ولكنها لم تحفل بإنذاره، ففاجأتها جيوشه، وأوقعت بهم، فما أفلت منهم إلا نفر لحقوا بأرض الروم، وخلع بعد ذلك أكتاف العرب، فسمي سابور ذا الأكتاف.
ويفهم من البيت الأول من شعر لقيط، وهو قوله: سلام في الصحيفة من لَقِـيط على من في الجزيرة من إياد
أن إياداً كانت قد استبدت في أرض الجزيرة، وعصت الفرس هناك وكانت قد استوطنت منذ أمد فيها، ولذلك حذرها "كسرى".
و إذا كان هذا البيت الذي نسب إلى "علي بن أبي طالب": لقريب من الهلاك كما أه لك سابور بالسـواد إيادا
حقا و صحيحاً، فإن قوله هذا يكون أقدم مورد جاء فيه خبر إيقاع "سابور" بإياد.
وفي خبر "المسعودي" وهمٌ وتسرع فإن الذي حارب إياداً وأنزل بهم خسائر فادحة، لم يكن "سابور ذا الأكتاف"، بل كان "كسرى انو شروان"، أو "كسرى بن هرمز"، وان "كسرى" هذا أرسل جيشاً ضدهم، وضعه بقيادة "مالك بن حارثة" ومعه قوم من "بكر بن وائل" فأرسل عندئذ "لقيط" إليهم إنذاره فلم يحفلوا به، فوقعت بهم خسائر كبيرة في "الحرجية"، وفرّ قسم كبير منهم إلى بلاد الشام.
وينسب بعض الرواة الشعر المذكور إلى "عمرو بن جدي"، ويرجع جماعة من الرواة أيام "لقيط بن معمر" إلى أيام "كسرى أنو شروان" "الأول". وفي القولين دلالة على إن الأبيات الشعرية التحذيرية لا يمكن إن تكون قد أرسلت
في أيام "سابور" المذكور، بل في أيام ملك آخر حكم بعده بسنين.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:54 AM
وفي رواية أخرى إن "سابور" سار في البلاد حتى أتى بلاد البحرين، وفيها يومئذ بنو تميم، فأمعن في قتلهم، ففرّ من قدر منهم على الفرار، فأراد اللحاق بهم، ولكن "عمرو بن تميم بن مرّ"، وهو سيد تميم يومئذ، وكان قد بلغ ما بلغ، تحدث إليه حديثاً لطيفاً أقنعه بالكف عمن بقي، فتركهم وشأنهم.
ويظهر من روايات أهل الأخبار إن السبب الذي دعا ب "سابور" إلى الفتك بالعرب، هو إن القبائل العربية كانت قد توغلت في جنوب إيران، وصار لها سلطان كبير هناك، وتزايد عددها، ثم صارت تتدخل في الأمور الداخلية للدولة الساسانية. فلما أخذ الأمور بيديه، بدأ يضرب هذه القبائل، للقضاء على سلطانها ثم قطع البحر، فورد "الخط"، فقتل من بلاد البحرين خلقاً كبيراً، وأفشى القتل في "هجرَ"، وكان بها ناس من أعراب تميم و بكر بن وائل وعبد القيس، ثم عطف على بلاد عبد القيس فأباد أهلها، إلا من هرب منهم فلحق بالرمال، ثم أتى اليمامة فقتل بها كثيراً أيضاً، وسار على خطة طمّ المياه وردم الآبار، ليحرم الناس الانتفاع بها.
ثم. سار حتى بلغ قرب "المدينة" ، فقتل من وجد هناك من العرب، وأسر. ثم عطف نحو بلاد بكر و تغلب فيما بين مملكة فارس و "مناظر الروم" بأرض الشام، ففعل بها ما فعله في الأرضين الأخرى، وأسكن من كان من بني تغلب من البحرين "دارين" واسمها "هيج" و "الخط"، ومن كان من عبد القيس وطوائف من بني تميم "هَجَرَ"، ومن كان من بكر بن وائل "كرمان" وهم الذين يدعون "بكر بن أبان"، ومن كان من بني حنظلة ب "الرميلة" من بلاد الأهواز.
فحملة "سابور" على البحرين وساحل الخليج، إنما هي جزء من الحملة العسكرية التي وضعها ذلك الملك للقضاء على نفوذ القبائل العربية التي كانت قد سكنت السواحل الجنوبية من إيران وأقامت بها قبل أيامه بزمن. والظاهر إنها انتهزت فرص ضعف الدولة الساسانية، وتناحر الرؤساء ورجال الجيش على السلطة فأخذت تزحف نحو الشمال وتقوي سلطانها في الأرضين الجنوبية من المملكة، فلما انتقل الحكم إلى "سابور" وكان من سياسته إعادة السلطة المركزية للدولة والقضاء على الإقطاعيين وعلى منازعي الحكومة، حمل على عرب إيران، حملة شديدة عنيفة حتى أخضعهم، ثم نزل نحو الجنوب فعبرت جيوشه إلى جزر، البحرين والسواحل العربية المقابلة، فأوقع بالعرب وآذاهم على نحو ما نجد وصفه في كتب أهل الأخبار.
وقد كان نزوح العرب إلى إيران عن طريق البحر، حيث زحف أهل ساحل الخليج من الخط والبحرين وكاظمة وعمان، إلى السواحل المقابلة: السواحل الجنوبية من ارض الفرس. كما نزحوا إليها من مملكة "ميسان" Mesene، فتوغلوا شرقاً إلى "عيلام" Elam، اي "خوزستان" ثم الأقسام الجنوبية من فارس. ويفهم مما كتبه "كورتيوس روفوس" Curtius Rufus، الذي عاش في العشرات الأولى من القرن الثالث للميلاد، إن العرب كانوا إذ ذاك في "كرمان" وفي "فارس". ولا بد وان يكون وجودهم في هذه الأماكن قبل هذا العهد بأمد طويل. وذلك مما يؤيد ما جاء في تأريخ "الطبري" وغيره من وجود العرب في إيران قبل قيام حكومة الساسانيين.
وقد أنشأ "سابور" أسطولاً قوياً في ا الخليج العربي، ليحافظ على حدود إمبراطوريته، و على التجارة في هذا الماء، مع مساهمة أهل الخليج العرب أنفسهم في ركوب البحر وفي نقل التجارة ما بين الهند وسيلان وجزيرة العرب والعراق. ويظهر من روايات أهل الأخبار إن "سابور" نفسه كان في الأسطول الذي وصل إلى البحرين للانتقام من العرب الذين كانوا يهاجمون سواحل حكومته الجنوبية المطلة على الخليج.
وفي رواية أخرى نقلها "الطبري" من مورد آخر غير مورد ابن الكلبي:
إن سابور، بعد إن اثخن في العرب وأجلاهم عن النواحي التي صاروا إليها، مما قرب من نواحي فارس والبحرين واليمامة، استصلح العرب، وأسكن بعض قبائل تغلب وعبد القيس وبكر بن وائل كرمان وتوّج والأهواز. وقد كان ذلك بعد حربه مع الروم. والظاهر إن الأوضاع السياسية اضطرته إلى استصلاح العرب، بعد إن تبين له صعوبة الاستمرار في سياسة العنف والقوة إلى أمد غير معلوم، وبعد ما وجد من خطر في الاستهانة بشأن القبائل، ولا يستبعد أن يكون للدرس الذي تعلمه من "أذينة" نصيب في هذا التبدل الذي أدخله على سياسته.
ويتبين من وصف "الطبري" لحملات "سابور" على العرب، إنها كانت حملات واسعة، شملت أرضين بعيدة. بدأت بمن نزل أرض فارس من العرب ممن أناخ على "أبر شهر وسواحل أردشير خرة وأسياف فارس"، ثم السواحل المقابلة لإيران من بلاد العرب، ثم امتدت نحو الغرب حتى بلغت "المدينة"، ثم منها نحو بلاد بكر وتغلب، فيما بين مسالح الساسانيين و "مناظر" الروم. أي انه حارب قبائل بادية السماوة. وهي حملات إن صح إنها وقعت فعلاً، فلا بد وان تكون قد نجحت وتمت بقبائل عربية مؤيدة ل "سابور"، إذ يصعب تصوّر قيام الفرس وحدهم و بدون مساعدة باجتياز البوادي الشاسعة المنهكة لملاحقة العرب، وهم سادة البادية. ولم يكن في وسع الفرس، مهما بلغ جيشهم من التدريب والتنظيم تحمّل العطش وحرارة البادية وجوّها القاسي الصارم.
وفي رواية المؤرخ "أميانوس" Ammianus عن حروب "سابور" "شابور" الثاني تأييد لرواية "الطبري" عن تلك الحروب وتوثيق لأكثرها. وقد وقعت تلك الحروب في ارض اغلب سكانها من عشائر قضاعة.
ولضمان الحدود من غارات الأعراب عليها، قوّى "سابور" "المسالح"، بأن وضع بها حاميات عسكرية قوية، لمنع الأعراب من التعرض بالحدود. كما أقام خندقاً عرف ب "خندق سابور" ليحول بين الأعراب والدنو من الحضر. وقد أباح لرجال الحاميات التي وضعت على الخندق، إقامة الأبنية وزرع الأرض واستثناهم من دفع الخراج.
وقام "سابور" بعمليات واسعة لإجلاء القبائل من منازلها إلى منازل أخرى جديدة، تأديباً لها، وضماناً لعدم قيامها بغارات على الحدود. وهي سياسة قديمة معروفة، استعملتها الحكومات في تأديب القبائل. فكان الآشوريون يجلون القبائل من مواطنها إلى مواطن جديدة، قد تكون بعيدة عن منازل القبيلة القديمة. وقد أجلى "سابور" بعض عشائر "تغلب" إلى البحرين، حيث انزلوا "دارين" وهي "هَيج" ، وأسكن عشائر أخرى "الخط". ونقل بعض عشائر "بكر وائل" إلى "كرمان" و "ابان"، حيث عرفوا ب "بكر أبان". ونقل "بني حنظله" إلى "الرملية" من "الأهواز" "خوزستان". و يرى "نولدكه" احخمال كون "الرملية" موضع "قرية الرمل"، الواقع على مسيرة يوم واحد عن "شوشتر". ونقل قوماً من "عبد القيس" وتميم إلى "هجر".
وفي جملة ما وضعه "سابور" من خطط لحفظ "السواد" وحفظ الحدود، إقامة "أنابير" أي مخازن في المواضع المهمة، لخزن الأسلحة والأطعمة لتوزيعها على حاميات "المسالح" وعلى الأعراب عند الحاجة. ومن هذه المواضع: "الأنبار" و "عكبرا". وقد وضعت كلها تحت حماية عسكرية قوية. كذلك عهد إلى "آل نصر" مهمة حماية الحدود، بضبط العشائر والسيطرة عليها. بأن جعلهم يقومون بدور الشرطة المسؤولة عن حماية الحدود.
ولا استبعد احتمال تقليد "سابور" للرومان في خططهم العسكرية التي كانوا وضعوها لحماية حدودهم في بلاد الشام وفي إفريقية من غزو القبائل. فقد كانوا قد حموا حدودهم بسلسلة من التحصينات ضمت Castella و Burgi و Centenaria، وخطوطاً دفاعية حصينة أقيمت في مؤخرة التحصينات الأمامية عرفت ب Fossaatum. و "المسالح" التي أقامها الفرس أمام "الخندق" أو أمام الخطوط الدفاعية المحصنة هي محاكاة لخطط الرومان، وتقابل ما يقال له Limitanei في اللاتينية.
ولما تحرش "سابور" سنة "337 م" بحدود الروم كلف العرب الهجوم على حدودهم أيضاً وغزوها. و الظاهر إن هؤلاء العرب كانوا من العرب المحالفين له، ولعلهم عرب الحيرة. وقد وقع هذا الغزو في أيام "قسطنطين" Constantine ملك الروم.
ونجد في الروايات الأعجمية تأييداً للرواية العربية القائلة باسترضاء "سابور" للعرب للاستفادة منهم في محاربة الروم وفي الوقوف أمامهم. إذ ورد في الأخبار اليهودية انه أثناء الحروب الفارسية الرومية الطويلة التي امتدت من سنة "338" حتى سنة "363" للميلاد، استدعى "سابور" قبائل عربية عديدة وأسكنها في مواضع متعددة من العراق، وذلك لتساعده في حربه مع الروم.
وفي رواية في تأريخ الطبري: إن "لليانوس" ملك الروم. حارب "سابور"، فضم إلى جيشه من كان في مملكته من العرب، أي عرب الروم، "و انتهزت العرب بذلك السبب الفرصة من الانتقام من "سابور" و ما كان من قتله العرب، واجتمع في عسكر "لليانوس" من العرب مئة ألف وسبعون ألف مقاتل، فوجههم مع رجل من بطارقة الروم بعثه على مقدمته، يسمى "يوسانوس". أما من بقي في عسكر "لليانوس" من العرب، فقد سألوه إن يأذن لهم في محاربة "سابور"، فأجابهم إلى ما سألوه، فزحفوا إلى "سابور" فقاتلوه، ففضّوا جمعه، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وهرب "سابور" فيمن بقي من جنده، واحتوى "لليانوس" على مدينة "طيسفون" محلة سابور، و ظفر ببيوت أموال سابور وخزائنه فيها" عندئذ استنجد سابور بقواده فلما وصل إليه العون، استخلص طيسغون، ثم تصالح بعد مقتل "لليانوس" مع "يوسانوس" الذي انتخبه الجيش ملكاً على أثر قتل "لليانوس".
وقصد "ا لطبري" ب "لليانوس" الإمبراطور "جوليان" "يوليا ن" Julian، فقد تقدم هذا بجيوشه سنة "363 م"، نحو الدولة الساسانية فاكتسح حدودها، وهرب الفرس من أمامه، حتى بلغت جيوشه "صيسغون" عاصمة الساسانيين، إلا أنه لم يلحق ضربة شديدة قاصمة ب "سابور"، بل شرك عاصمته، وتراجع حيث لاقى مصيره في المعركة في أثناء رجوعه إلى بلاده. فانتخب "يوسانوس"، وهو "جوفيان" Jovian في لغة الروم، خلفاً له.
وقد ورد في بعض الروايات أن "لليانوس" "يوليان" Julian قيصر الروم، كان متعجرفاً متغطرساً فلما كلف جماعة من العرب Saracen أن ينضموا إلى جيشه، لمحاربة الفرس، وافقوا على ذلك وحاربوا معه، إلاّ أنهم لما طالبوه بعطاياهم وبهدايا، أجابيم جواباً غليظاً: "الإمبراطور الشجاع المقدام، عنده الحديد، لا الذهب"، فتركوه وانقلبوا عليه، وألحقوا به خسائر كبيرة.
ويذكر المؤرخ "أميانوس مرسيللينوس" Ammianus Marcellinus: إن "يوليان" Julian لما بلغ "الفرات" ليلحق بالأسطول الذي بناه في هذا النهر ويسير به لمحاربة الساسانيين ولينقل جيشه إلى حيث يلتقي بالجيش الآخر الزاحف من "دجلة" والطرق البرية، قدمت له قبائل عربية Saracens الطاعة، إلا إن هؤلاء أناس لم يكونوا يعرفون هل هم أعداء أو أصدقاء? ولذلك صار الروم على حذر شديد منهم، خشية الانقلاب عليهم عند الشدائد.
وذكر هذا المؤرخ: إن سادات القبائل قدّموا إلى القيصر تاجاً من ذهب، ليعبّر. عن خضوعهم له. ولقبوه بلقب "ملك كل العرب" فقبل الملك منهم التاج واللقب، لما في ذلك من أثر معنوي يحدثه في نفوس العرب. وحاربت القبائل التي انضمت إليه الفرس في معارك صغيرة. فكافأها القيصر على عملها هذا. إلا انه لم يقدم لها معونات الذهب التي كانت تقدم عادة إلى سادات القبائل. فاستاء الرؤساء من ذلك، وانحاز قسم منهم إلى الفرس. وأخذوا يتحرشون بعسكر "يوليانوس"، و ألحقوا به خسائر في الأرواح، وباعوا من وقع في أيديهم أسيراً من الروم، في أسواق النخاسة.
وكان سبب انضمام تلك القبائل إلى الروم، ما لاقته من شدة "سابور" "شابور الثاني" ومن تنكيله بها، فأرادت بانضمامها إلى "يوليانوس" الانتقام من الفرس، وأخذ ثأرها منهم عند سنوح أول فرصة. وقد آذوه فعلاً، مما حمله على تغيير سياسته تجاههم، فأخذ يرضيهم فعاد إليه من عاد منهم.
وذكر "أميانوس"، إن ممن انضم إلى الفرس من الأعراب Saraceos، سيد قبيلة اسمه "مالك" Malechus. وقد عرف والده ب Podosacis. وقد تمكن بمعاونة رجل عربي أخر اسمه: "سورينا" Surena من الفتك بكتيبة من كتائب الروم، وذلك بنصب شرك لها، فوقعت تحت سيوف العرب. وذكر إن "مالك"، كان عاملاً "فيلارخا" على قبيلة اسمها Assanitarum، يرى البعض انهم الغساسنة.
ويذكر أهل الأخبار إن "سابور" إنما لقب ب "ذي الأكتاف"، لأنه خلع أكتاف العرب. ويرى "نولدكه" أن هذا التفسير مصنوع، وان اللقب إنما جاء عند الساسانيين في معنى آخر لا علاقة له بخلع الأكتاف، بل قصد به "ذو الأكتاف"، أي صاحب الأكتاف دلالة على الشدة والقوة، فهو لقب تمجيد وتقدير. و قد حوله أهل الأخبار إلى معنى آخر، هو المعنى المتقدم لبطش "سابور" بالعرب و إيقاعه القاسي بهم. أما "أرثر كريتنسن"، فيرى أن تفسير أهل الأخبار تفسير صحيح، وهو لا يستبعد خالع "سابور" لأكتاف العرب، فقد كان مثل هذا التعذيب القاسي المؤلم معروفاً في تلك الأيام.
وذكر "حمزة الأصفهاني"،أن التسمية المذكورة إنما جاءته من الجملة الفارسية، وحي "شابور هويه سنبا" "وهويه اسم للكتف وسنبا أي نقاّب. قبل له ذلك لأنه لما غزا العرب كان ينقب أكتافهم، فيجمع بين كتفي الرجل منهم بحلقة ويسبيه، فسمته الفرس بهذا الاسم وسمته العرب ذا الأكتاف" فالتسمية إذن هي تسمية فارسية. ولا استبعد أن تكون القصة شرحاً تكلفه القصاصون، لتفسير هذا اللقب، وهناك ألقاب عديدة، فسرت تفسيراً أسطورياً على هذا النحو من المبالغة والتهويل.
ملاك الشرق
23-04-2010, 12:56 AM
وقد نسب إلى "سابور" "شابور" هذا بناء الأنبار، ذكر أنه بناها، فسميت ب "فيروز شابور". وقد صيرها العرب "الأنبار". وكانت من المدن التي تغلب عليها العنصر العربي عند ظهور الإسلام، كما نسبوا إليه بناء "عكبرا".
ويذكر "المسعودي" أن "سابور بن سابور"، ويريد به "سابور الثالث" "383-388 م"، كانت له حروب كثيرة مع إياد بن نزار وغيرها من العرب. ويتبين من بيت شعر نسبه إلى شاعر نعته بأنه: "شاعر اياد" ولم يسمه، أن إياداً استعادت مكانتها، و أصبحت قبابها و "حولها الخيل والنعم" وذلك "على رغم سابور بن سابور". ويظهر أن إياداً التي كانت قد لحقت بأرض الروم في أيام "سابور ذي الاكتاف" عادت فرجعت إلى العراق وحلت في محلها.
ويذكر "المسعودي" روايةً أخرى، خلاصتها أن إياداً بعد إن رجعت من أرضى الروم، دخلت في جملة "ربيعة" من ولد "بكر بن وائل"، وأن ربيعة كانت قد غلبت على السواد، و شنت الغارات في ملك هذا الملك فصارت إياد في جملة "ربيعة". فإياد وإن عادت إلى العراق، لم تتمكن من أن تستعيد مكانتها، فدخلت في قبائل "ربيعة" التي هي من "بكر وائل"، وهي قبائل كانت قد كسبت سلطاناً و مكانةً مستغلة فرصة ضعف هذا الملك، فسادت من ثم على "إياد".
وقد وقع هذا التطور بعد وفاة "سابور ذي الأكتاف"، وإذا أخذنا برواية "المسعودي" هذه، وجب أن يكون زمانه ما بين سنة "383 - 388 م". ففي خلاك هذه المدة كان حكم "سابور الثالث".
ولا تتحدث الموارد العربية بشيء يذكر بعد ذلك عن علاقة الساسانيين بالعرب إلى أيام "بهرام جور" "بهرام كوز" "420- 438 م" " و هو المعروف ب "بهرام الخامس" عند المؤرخين. ثم نجدها تعود فتتكلم عن علاقتهم بعرب الحيرة، حيث يحتل الكلام عليهم الجزء الأكبر من صفحات تأريخ العلاقات العربة الساسانية، ولهذا السبب وجب البحث في الحيرة وفي علاقاتها بالساسانيين في فصل خاص.
وكان لملك الحيرة فضل في تولي "بهرام" عرش الدولة الساسانية بعد أن قرر و الأشراف وأصحاب الجاه و السلطان من رجال الدين والجيش انتزاعه من أولاد "يزدجرد" والده. فقد أمده بجيش افزع أولئك الأقوياء فوافقوا على أن يمنحه التاج، كما سأتحدث عن ذلك في أثناء كلامي على ملوك الحيرة.
ويذكر "الطبري" أن "يهرام" المذكور كان قد ربي تربية عربية، ذلك لأن أباه "يزدجرد" "يزدكرد" كان قد أرسله إلى الحيرة لتربيته تربية صحيحة، فأقام في البادية وبيت الأعراب حتى شب مثلهم قوياً شجاعاً مغامراً، ينظم الشعر بالعربية، و يتكلم بها بطلاقة وفصاحة.
ويرى بعض المؤرخين المحدثين إن إقامة "بهرام" إنما كانت في قصر الخورنق، و يرون إن بناء هذا القصر كان قد تم قبل ذلك بزمن. ويرون إن إرساله إلى الحيرة، لم يكن على نحو ما زعمعته الروايات العربية، إنما كان نفياً له في الواقع لخلاف بينه وبين أبيه، ولأن أباه لم يكن يعطف عليه عطفه على ولديه الآخرين.
وهذا القسم من تأريخ صلات الساسانيين بعرب الحيرة، واضح و مفصل بالقياس إن القسم المتقدم، وانه يدل على انه أخذ من موارد تأريخية منظمة، غير ساسانية وهي موارد دوّنها أهل الحيرة أنفسهم، و في مقدمهم رجال الكنيسة الذين ألفوا تدوين التواريخ، وقد صار رجال الدين النصارى هم رواة التأريخ وحفظته منذ تفشي في النصرانية، فمن هذه الموارد نقل "ابن الكلبي" و إضرابه ممن دوّنوا تأريخ الحيرة.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "كسرى برويز" "كسرى أبرويز"، لما انهزم من "بهرام شوبين". كان فراره على فرس من خيل رجل من طيئ، فنجا بفضله، و ذكروا إن ذلك الفرس، هو "الضبيب"، و هو من خيل العرب المعروفة.
وذكر "حمزة الأصفهاني" إن من جملة قواد "كسرى أبرويز" القائد "فنابرزين"، وهو "نكهان". وكان "فنابرزين" متولياً على ما يلي الريف من البادية إلى حد الحيرة إلى حدود البحرين، و العرب تسمية "خنابززين ساسان بن روزبة".
وفي أيام "كسرى أنو شروان"، طرد الأحباش من اليمن، إذ أرسل إليها نجدة بقيادة "وهرز"، و بذلك دخل الفرس اليمن، وصاروا على مقربة من الحبش حلفاء الروم. وقد لاقت السياسة البيزنطية بذلك ضربة شديدة عنيفة، لأن الفرس بد*********هم اليمن صار في إمكانهم الضغط على التجارة البحرية للروم، و صار في إمكانهم الهيمنة على منفذ البجر الأحمر، البحر الذي تلج منه سفن الروم إلى المحيط الهندي وبالعكس، كما صار في إمكان الفرس الاتصال بعرب الحجاز وعقد اتفاقيات تجارية مع أهل مكة، وهم إذ ذاك من أهم تجار بلاد العرب.
وقد بقي الفرس في اليمن حتى ظهور الإسلام، فأسلم آخر عامل فارسي، وزال ملك الفرس عنها بذلك، كما زالت الدولة التي كان العامل الفارسي يحكم باسمها.
وكانت للفرس قوة في عمان عن ظهور الإسلام، وقد ذكر إن أول من أغار عليهم "نعام بن الحارث" من "عتيك"، وكان من فرسانهم في آخر الجاهلية وأول الإسلام.
وكر "الطبري": إن "كسرى أنو شروان" "انصرف نحو عدن، فسكر ناحية من البحر هناك بين جبلين مما يلي أرضي الحبشة بالسفن لعظام والصخور و عمد الحديد والسلاسل. وقتل عظماء البلاد... ثم انصرف إلى المدائن،
وقد استقام له ما دون هرقلة من بلاد الروم وأرمينية، وما بينه وبين البحرين من ناحية عدن". و فرّق "كسرى" الولاية و المرتبة بين أربعة اصبهذين. منهم: اصبهذ نيمروز وهي بلاد اليمن.
وذكر "حمزة" أنه في زمن "كسرى أنو شروان" ولى "أنوش بن حشنشبنده" ناحية من ارض العرب، و بقي عليها بعض أيام هرمز بن كسرى.
وكان الساسانيون كالبيزنطيين قد اتخذوا "مسالح" لهم على مشارف البوادي والحدود لحماية أملاكهم من الغزو، ولإخبار الحكومة عند دنو العدو وحالة حدوث خطر. وهي أبنية حصينة، وضعوا فيها قوات تحت آمرة أمراء منهم، يقيمون فيها واتخذوا فيها مخازن لخزن الأسلحة والأطعمة. وحفروا فيها آباراً، و صنعوا "كهاريز" تخزن الماء. ولما ظهرت جيوش الإسلام لفتح العراق، كان على هذه المسالح إخبار "طيسفون" بما حدث، و الوقوف أمام تلك الجيوش، حتى تجيء جيوشهم فتلتحم بالمسلمين.
وفي جزر البحرين قنوات يضن أنه من عمل الساسانيين، أقاموها للاستفادة من المياه المتدفقة من العيون، وهي أخاديد حفرت في الأرض ثم بطنت بمادة تمنع الماء من التسرب إلى التربة ثم سقفت بصفائح من الحجر، أهيل عليها التراب لتمنع أشعة الشمس من الوصول إلى الماء فتبخره، وبذلك تقل كمياته. وبين مسافة و أخرى تقدر ما بين عشرة وعشرين ياردة توجد منافذ لمرور الهواء منها إلى باطن القناة.
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:00 AM
وقد بطنت هذه المنافذ بالحجارة، وقد أقيمت جدر عند مخارجها إلى الأرض لتحميها من سقوط الأتربة فيها. ولا تزال بعضها عامرة تجري فيه مياه العيون حي الآن. وهناك آثار قنوات مشابهة لها تقع في السواحل المقابلة للبحرين من المملكة العربية السعودية تعود إلى هذا العهد أيضاً.
وقد كانت البحرين تخضع لحكم الساسانيين عند ظهور الإسلام، أما حاكمها الفعلي فهو رجل من العرب على دين النصرانية، وعلى مذهب النساطرة. و كان للنساطرة عدة أساقفة في مواضع من الخليج، كما كانت لليهودية و لمجوسية مواضع في بلدان الخليج أيضاً. أما غالبية العرب، فعلى الوثنية.
وقد كانت "الأبُلّة" من أهم المواضع المهمة في نظر الساسانيين من الوجهة الحربية، وكانت تعدّ عندهم "فرج أهل السند والهند". و كان "فرج الهند أعظم فروج فارس شأناً، و صاحبه يحارب العرب في البر. والهند في البحر. وقد وضعوا هذا الفرج تحت إمرة قواد عسكريين. ولما سمعوا بمجيء خالد بن الوليد من اليمامة، أسرع كسرى فأمر قواده بالاتجاه إلى "الكواظم" و إلى "الحفير" لمقابلته. وقد التقى به "هرمز" بكاظمة، وكان جباراً، كل العرب عليه مغيظ، وقد كانوا ضربوه مثلاً في الخبث، حتى قالوا: "أخبث من هرمز" و "أكفر من هرمز". فلما التحم العرب والعجم ومن معهم من العرب قتل هرمز وفرّ العجم وأفلت "قباذ" و "أنو شجان"، وكان على مجنبة الفرس. وقد عرفت هذه الوقعة ب "ذات السلاسل"، لاقتران العجم في السلاسل حتى لا يكون لهم أمل في الفرار.
وفي الحروب الأخرى التي، وقعت بين الفرس والمسلمين، توالت الهزائم على العجم على الرغم من كثرة عددهم. ولم يكن الفرس يحاربون وحدهم، بل حارب معهم "عرب الضاحية"، وآخرون. ففي "وقعة الولجة"، مما يلي "كسكر" من البر، كان يحارب إلى جانب الفرس قوم من العرب من عرب الضاحية، وقد أسر فيها ابن لجابر بن بجير وابن لعبد الأسود، وهلك عدد كبير من "بكر بن وائل" وكانوا نصارى، فغضبت لذلك بقية نصارى بكر بن وائل وغضب نصارى عرب آخرون، فكاتبوا الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم، فاجتمعوا إلى موضع "أليس"، وعليهم "عبد الأسود العِجْلي" في نصارى العرب من بين عجل وتيم اللات وضبيعة وعرب الضاحية من أهل الحيرة، وكان جابر بن بجير نصرانياً، فساند عبد الأسود، فقابلهم "خالد" و جالد العرب أولاً، فسقط "مالك بن قيس"، وهو رأس من رؤوسهم، ثم تهاوت صفوف الفرس أمام سيوف خالد، ولم تثبت أمامه.
ولما قصي خالد للحيرة، وجد قائد الضرس، وهو "الأزاذبه" قد ولىّ هارباً، وكان عسكره بين الغَرِيّيْن والقصر الأبيض، فدخل خالد "الخورنق" وأمر بكل قصر رجلاً من قواده يحاصر أهله ويقاتلهم، فحاصروا "القصر الأبيض" وفيه "إياس بن قبيصة الطائي"، وحاصروا "قصر العدسيين" وفيه "عديّ بن عدي" المقتول، وحاصروا "قصر مازن" وفيه "ابن أكال"، وحاصروا "قصر ابن بقيلة"، و فيه عمرو بن عبد المسيح، وكل هؤلاء عرب نصارى. ولكنهم لم يثبتوا أمام المسلمين، وتهاوت قصورهم، وطلبوا الصلح.
وكان أول من طلب الصلح "عمرو بن عبد المسيح بن قيس بن حيان بن الحارث" وهو بقيلة، وتتابعوا على ذلك، فخلا خالد بأهل كل قصر منهم دون الآخرين، وبدأ بأصحاب عدي وقال: و يحكم ما أنتم? أعرب? فما تنقمون من العرب? أو عجم? فما تنقمون من الإنصاف و العدل، فقال له عدي: بل عرب عاربة وأخرى متعربة، فقال: لو كنتم كما تقولون لم تحادّونا وتكرهوا أمرنا، فقال له عدي: ليدلك على ما نقول أنه ليس لنا لسان إلا بالعربية، فقال: صدقت. ثم صالحوه على الجزية.
وصالح "صلوبا بن نسطونا" "صاحب قس الناطف" خالد بن الوليد على "بانقيا" و "بسما" بدفع الجزية له. وقد نقبه خالد على قومه. ولما استقام ما بين أهل الحيرة وبين خالد واستقاموا أتته دهاقين "الملطاطين"، و أتاه "زاذ بن يهيش" دهقان فرات سريا، و "صلوبا بن بصبهري"، فضالحوه علما ما بين الفلالج إلى "هرمز جرد" ، ودجل أهل "البهقباذ" الأسفل وأهل "البقباذ" الأوسط والأماكن التابعة للمذكورين في الصلح ونزل خالد الحيرة، واستقام له ما بين الفلاليج إلى اسفل السواد، وأقر المسالح على ثغورهم، ورتب القواد وموظفي الخراج وسائر الأعمال استعداداً لطرد الفرس.
وكان أهل الأنبار عرباً، يكتبون بالعربية ويتعلمونها، وكان عليهم حينما بلغها "خالد" "شيرزاذ" صاحب "ساباط". ولما وجد الفرس إن من غير الممكن لهم الوقوف أمام المسلمين، تركوا المدينة لخالد، وخرج "شيرزاذ" في جريدة خيل يلحق بأصحابه، ثم صالح أهل "كُلواذى"، تم قصد خالد "عين التمر" وبها يومئذ "مهران بن بهرام جوبين" في جمع عظيم من العجم، و "عقة بن أبي عقة" في جمع عظيم من العرب من النمر وتغلب و إياد ومن لافّهم، فهجم خالد على عقة ومن معه من العرب، فأسره وانهزم عسكره، ثم سقط الحصن، وانهزم الفرس. وأسر خالد بعقة وكان خفير القوم، فضربت عنقه ثم دعا بعمرو بن الصعق، فضرب عنقه، وانتهى أمر عين التمر.
وحاول الفرس جمع صفوفهم ثانية، للوقوف أمام خالد و استرداد ما أخذ منهم. وكان خالد أقام بدومة الجندل، فظن الأعاجم به، وكاتبهم عرب الجزيرة غضباً لعقة، فخرج "زرمهر" من بغداد و معه "روزبة"، يريدان الأنبار، و اتعدا حصيداً والخنافس، وانتظرا من كاتبهما من ربيعة، غير أن المسلمين هاجموا الساسانيين بحصيد، فقتل "زرمهر" وقتل "روزبة" وفر من كان معهما، إلى "الخنافس" فلما أحس "المهبوذان" بقدوم المسلمين إلى المكان، هرب ومن معه إلى "المُصيخ" وبه الهذيل بن عمران، وخرج "خالد" من "العن" قاصداً للمصيخ، فأغار على الهذيل ومن معه ومن أوى إليه، فقتلوهم، وأفلت الهذيل في اناس قليل.
وأخذ "ربيعة بن بجير التغلبي" يجمع الجموع لمحاربة المسلمين غضباً لعقة، وواعد الفرس والهذيل، فباغت خالد جموع "ربيعة" بالثني، فانتصر عليها وأسر ابنة له، ثم باغعت موضع "الزميل" وكان "الهذيل" قد أوى إليه، ثم باغت موضع "البشر"، وكانت تغلب به، فقتل منهم عدداً كبيراً، ثم تحرك من البشر إلى "الرُّضاب"، وبها "هلال بن عقة"، فانفض عنه أصحابه حين سمعوا بدنو خالد منه وانقشع عنها هلال.
ثم قصد خالد "الفراض"، والقراض تخوم الشام والعراق والجزيرة، فاغتاظت الروم وحميت، واستعانوا بمن يليهم من مسالح أهل فارس، وقد حموا واغتاظوا واستمدوا تغلب و إياداً والنمر، فأمدوهم، ثم عبروا الفرات إلى الجانب الآخر حيث كان جيش خالد فهزموا، وانتصر المسلمون.
وكانت صفوف الساسانيين متضعضعة، والخصومات بينهم شديدة فتهاوى ملكهم، وسقطت "طيسفون" عاصتمهم، ثم تهاوت مدنهم في إيران، وزالت الحكومة من الوجود على نحو ما سنراه فما بعد.
وأما صلات "البيزنطيين" بالعرب، فلا نعلم عن بدايتها إلا شيئاً قليلاً، لأن الموارد التاريخية لم تهتم بغير الأحداث الكبرى، التي كان لها شأن في تأريخ الروم فلم تشر إلى العرب إلا في أثناء اشتراكهم اشتراكاً جماعياً في جيش البيزنطيين في قتال الساسانيين أو في جيش الفرس إبان قتال البيزنطيين، وأما القبائل العربية وغاراتها على حدود بلاد الشام، فلم تتعرض لها لأنها لم يكن لها شأن، فهي حوادث اعتيادية محلية، ثم إنها إذا تطرقت إلى المهم منها تطرقت إليه بإيجاز، ولهذا حرمنا الوقوف على صلات العرب بالبيزنطيين بصورة مفصلة وعلى أخبار الإمارات العربية التي حكمت في البادية الملاصقة لبلاد الشام وفي بلاد الشام ما بين ظهور دولة البيزنطيين وبزوغ نجم آل غسان.
قد كابد الساسانيون و البيزنطيين من القبائل العربية عنتا شديداً مثل ما كابده المتقدمون عليهم منهم. فقد كانت تراقب الفرص لتهاجم الحدود أو الجيوش النظامية في أثناء انتقالها إلى س*********ت القتال أو اشتغالها في القتال،
أو في أثناء تراجعها أو هزيمتها، فتوقع بها وتكبدها خسائر، وتربك وضعها، ثم إنها كانت تنتقل من موضع إلى موضع، من الأرضين الخاضعة لسلطان البيزنطيين إلى الأرضين التابعة للساسانيين وبالعكس، وقد تثور وتهاجم القرى في دولة، فإذا عقبتها، هاجرت إلى الدولة الأخرى المعادية لها، ولهذا السبب وجد الساسانيون والبيزنطيون إن من مصلحتهما عقد اتفاقية تحرم انتقال الأعراب من أرض إحدى الحكومتين إلى أرض الحكومة الأخرى من غير ترخيص وتخويل، وذلك في أيام السلم بالطيع.
لقد أخذت الدولة البيزنطية الأرضين التي كانت خاضعة لروما، وصارت تديرها من "القسطنطينية"، وتعيّن حكامها وترسل الجيوش إليها، وتطبق عليها القوانين التي تصدرها "القسطنطينية". بقي الحال على هذا المنوال إلى إن طرد البيزنطيون عن بلاد الشام بظهور الإسلام، و إرساله الجيوش إلى تلك البلاد لنشر دين الله فيها. فذهب الحكم البيزنطي عنها، وبقي الأثر الثقافي أمداً يهيمن على البلاد المفتوحة.
وقد كانت بصرى من أهم المدن التي يرد إليها عرب الحجاز للاتجار. وكانت آخر مكان يصل إليه تجار أهل مكة في الغالب في الشمال. يقيمون فيه، يبيعون ويشترون ويدفعون للروم العشور، وهي الضرائب المتعارف عليها إذ ذاك، ثم يعودون إلى ديارهم ومعهم ما اشتروه من تجارات بلاد الشام، من طرف مصنوع في هذه البلاد، أو مستورد إليها من بلاد الروم ومن أوروبة، ومن سلع حية هي الرقيق الذي يباع في سوق بصرى، وقد استورد إليها من مختلف الأنحاء.
وتعرف بصرى ب Bostra عند الرومان واليونان و لأهميتها الحربية والسياسية والتجارية كان يقيم بها حام روماني، ثم حكمها حكّام من لليونان بعد انتقالها إلى حكم اليونان، كما وضعوا بها حاميات بيزنطية. وذلك لقربها من الأعراب وللدفاع عن الحدود المهددة بهجوم أبناء البادية عليها. وقد أصيبت بخسائر جسيمة ونزل بها خراب شديد على أثر مهاجمة الفرس لبلاد الشام واستيلائهم عليها، فتهدم قسم كبير من أبنيتها، كما تهدم قسم من أبنية "اذرعات" وذلك في سنة"613 م".
و "بصرى" هي الان قرية مهملة مهن قرى حوران، ولا تزال بها بقية قائمة من آثار. وقد ورد ذكرها في سيرة الرسول، حيث كان قد نزل بها مع عمه "أبو طالب" حينما قدمها عمه للإتجار. وذ كر إن "بحيرا" الراهب، الذي يرد اسمه في كتب السير، كان من رهبان بصرى، وقد كان يقيم في دير هناك.
و كانت "غزة" من المواضع الأخرى المهمة عند أهل مكة ويثرب، لأنها كانت المورد الأخير لتجار هاتين المدينتين على البحر الأبيض. وكانت من المواضع التابعة للروم. ترد إليها السفن الواردة من بلاد الروم وموانئ إيطالية و مصر و لبنان، فتفرغ ما لديها من تجارة ويشتري أصحابها ما يجدون في غزة من أموال، ولهذا صارت فرضة مهمة لتجار أهل الحجاز
ومن سادات القبائل الذين انتقلوا من أرض كانت خاضعة للساسانيين إلى أرض كانت تابعة للبيزنطيين سيد قبيلة ذكره "ملخوس الفيلادلفي" Malchus Philadelphus في تأريخه، و سماه "امرأ القيس" Amorkesos=Amerkesos وقال: إنه كان يقيم في الأصل في الأرضين الخاضعة لسلطان الفرس، ثم ارتحل عنها و نزل في ارضين قريبة من حدود الفرس، واخذ يغزو منها حدود الساسانيين والعرب Saracens المقيمين في الأرضين الخاضعة للروم. وتوغل في "المقاطعة العربية" حتى بلغ البحر الأحمر، واستولى على جزيرة "ايوتابا" Iotaba, Jotaba، وهي جزيرة مهمة كان الروم قد اتخذوها مركزاً لجمع الضرائب من المراكب الآتية من المناطق الحارة أو الذاهبة إليها، فتصيب الحكومة أرب*********ً عظيمة جداً. فلما استولى على تلك الجزيرة، طرد الجباة الروم، و صار يجبيها لنفسه، فأغتني. كذلك حصل على ثروة عظيمة من غنائم غزوة للمواضع المجاورة لهذه الجزيرة و الواقعة في العربية الحجرية و أعالي الحجاز و ارضين الخاضعة لسلطان الساسانيين.
و أراد "امرؤ القيس"، بعد أن بلغ من السلطان مبلغه، الاتصال بالروم، و التحالف معهم، و الاعتراف، به عاملاً رسميا أي phylarch أو Satrap على العرب الذين خضعوا له و على العرب المعترفين بسلطان الروم عليهم في "المقاطعة العربية"، فأوفد رجلاً من رجال الدين اسمه "بطرس" إلى "القسطنطينية" يعرض رغبته هذه على القيصر "ليو". فلما قابل هذا رجال البلاط، أظهر لهم انه يريد الد********* في النصرانية. فأظهر القيصر "ليو" رغبته في مقابلة "امرئ القيس" للتحادث معه. فقصده "امرؤ القيس"، فأستقبله استقبالاً حسناً، و عاملة معاملة طيبة، و أجلسه على مائدته، و منحة لقب Partician، و جالس رجال مجلس "السنات" Senate، فأدى ذلك إلى استياء الروم من سياسة القيصر هذه مع رجل مشرك. و لكنه بيّن لهم انه يريد تنصيره بذلك، و إخضاعه لسلطانه. و لما قرر العودة أعطاه القيصر صورة ثمينة و هدايا نفيسة، و حث رجال مجلس الدولة يمنحوه هدايا سخية، ثم منحه درجة "عامل" phylarch على الجزيرة و على جميع ما استولى عليه و على أرظين أخرى جديدة لم يكن قد أخذها من قبل، إلا ان الروم لم يرتاحوا من هذه المعاملة،
و انزعجوا من إسراف القيصر في إكرامه ومنحه تلك الأرضين، ولا سيما تلك الجزيرة التي استرجعوها بعد ذلك بمدة ليست طويلة وفي مدة حكم القيصر "أنستاس" "انسطاس" "انسظاسيوس" Anastasius.
ولما كان القيصر "ليو" Leo "لاون" "اليون"، قد حكم من سنة "457 م" حتى سنة "474 م"، فيكون اعتراف "ليو" بحكم "امرىء القيس"، و منحه لقب "فيلارخ" "فيلارك" قد وقع في اثناء هذه المدة.
ويظهر من تأريخ "ثيوفانس" إن هذه الجزيرة كانت في سنة "490 م" في أيدي الروم، استولى عليها حاكمهم Dux على فلسطين بعد قتال شديد. ويدل خبر هذا المؤرخ على إن الروم انتزعوا هذه الجزيرة من "امرىء القيس" أو من خلفائه بعد مدة ليست طويلة من استيلاء "امرىء القيس" عليها، لعلهم استولوا عليها بعد وفاة هذا العامل على أثر نزاع نشب بين أولاده وورثته، أضعف مركز الإمارة، فانتهز الروم هذه الفرصة، وانتزعوا ما تمكنوا من انتزاعه من أملاك.
و إذا كانت هذه الجزيرة، قد كانت في جملة أملاك الروم في سنة "490 م" كما يدعي "ثيوفانس" ذلك، وجب أن تكون استعادة حاكم فلسطين لها في أيام القيصر "زينو" "زينون" Zeno الذي ولي الحكم من سنة "474" حتى سنة "491". أما سنة "491 م" فقد انتقل فيها الحكم إلى القيصر "أنسظاس".
وكان "امرو القيس" المذكور سيد قبيلة سماها المؤرخ "ملخوس الفيلاديفي" "نكليان" "نخليان" Nokalian. ويظهر أن هذا الاسم هو "النخيلة" موضع معروف قرب "الكوفة" على سمت الشام، وهو موضع ينطبق عليه ما ذكره "ملخوس" من أنه كان في ارض في سلطان الفرس.
ولم يذكر "ملخوس الفيلادلفي" أسماء الأرضين التي كانت في حكم "امرئ القيس" ، ويرى "موسل" أن هذا الرئيس كان ينزل في بادئ الأمر مع قبيلته في "الوديان" و "الحجيرة" أيام كانت علاقاته بالفرس حسنة. ومن "الحجيرة" هاجر مع قبيلته الى "دومة الجندل"، ومنها توسع فاستولى على أرضين "فلسطين الثالثة" Palestina Tartia وهي "العربية الحجرية". ثم استوف على جزيرة Iotaba، وهي على رأيه جزيرة "تاران" "تيران". وذكر "ياقوت" إن سكانها قوم يعرفون ب "بني جدان".
ولعل هذه الجزيرة هي جزيرة Ainu التي ذكرها "بطلميوس"، أخذ تسمية هذه من "حنو" "حاينو" Hainu "حينو" الاسم الذي كانت تعرف به عند الأنباط.
وامرؤ القيس هذا، هو مثل واحد من أمثلة عديدة على سادات قبائل راجعوا البيزنطيين لاستمداد العون منهم، وللحصول منهم على اعتراف رسمي بتنصيبهم رؤساء على الأعراب النازلين في ديار خاضعة لسلطانهم أو لمساعدتهم في مقارعة عرب الحيرة أو الفرس.
وقد ذكر أهل الأخبار أسماء رجال قالوا إنهم ذهبوا إلى الروم لهذه الغاية، و بعضهم ممن كان يقيم في ارضين بعيدة عن سلطانهم، والظاهر إن مثل هذا الاعتراف كان يكسب الرئيس قوة، ويمنحه منزلة ومكانة في تلك الأيام، وان كان الروم على مبعدة من الرئيس وليس لهم حول مادي يقدمونه إليه.
ولا نجد في الموارد اليونانية أسماء من حكم من رؤساء القبائل في بلاد الشام بصورة منتظمة قبل الغساسنة، إلا أن الإخباريين يذكرون إن الغساسنة لما جاؤوا إلى بلاد الشام من اليمن بعد "انتقاص العرم"، وجدوا "الضجاعمة" قد ملكوا البلاد قبلهم، وهم "آل سليج بن حلوان"، و هم من قضاعة، فقتلوهم و أخذوا مكانهم. ولا بد إن يكون الضجاعمة قد سُبِقُوا بغيرهم ممن لم يقف أهل الأخبار على أسمائهم، فقد كانت القبائل تهاجم إحداها الأخرى، فتأخذ مكانها، ولا يستبعد أن يكون "الضجاعمة" قد انتزعوا السلطان من قبائل أخرى لم تبلغ أنباؤها أهل الأخبار.
إن حدود الإمبراطورية البيزنطية الجنوبية مع العرب، لم تتغير ولم تتبدل تبدلاً محسوساً عما كانت عليه في زمان الرومان. وهي بصورة عامة الحدود الجنوبية للمقاطعة العربية. و كانت لهم الجزر المقابلة للمقاطعة العربية في "خليج القلزم"، وقد اتخذوها مراكز لجباية الضرائب من أصحاب السفن ولحماية البحر من لصوصه مثل جزيرة Iotba التي تحدثت عنها. ولم يشر أحد من المؤرخين المعاصرين للبيزنطيين إلى تقدم الروم أكثر من ذلك في جزيرة العرب.
وكان للبيزنطيين بعض المرافئ على سواحل البحر الأحمر، منها ميناء "كليزما" Clysma،و هو "القلزم" Qulzum، ويقع على مسافة قليلة من "السويس"، تأتي إليه السفن محملة ببضائع الهند وبالسلك وبالمواد الأخرى المستوردة من السواحل الإفريقية والعربية الجنوبية. وبه يقيم "الوكيل" Agens in Rabus، الوكيل التجاري الذي عليه مراقبة سير السفن والتجارة، ووضع التعليمات لتنظيم التجارة البحرية، وعرف ب Logothete في نهاية القرن الرابع للميلاد.
و كانت تجارة الحرير، من أهم المواد المطلوبة في أسواق البيزنطيين. وقد كان الساسانيون قد احتكروها تقريباً، وعبثاً حاول الإمبراطور "جستنيان" "يستنيانوس" Justinian تحطيم ذلك الاحتكار، وأخذه من أيديهم بالتوسل إلى "نجاشي" الحبشة، لإرسال سفنه إلى "سيلان" و شراء السلك منها، ومنافسة التجار الفرس الذين كانوا قد سيطروا على تجارة هذه المادة المستوردة من الصين إلى هذه الجزيرة، فكانوا ينقلونها إلى بلادهم، بل إلى "القلزم" و "أيلة" وموانئ أخرى وأسواق تابعة للبيزنطيين، فيربحون من هذه التجارة ربحاً حسناً.
وكان القيصر "يوسطنيان" "527 - 567م" قد، قد نصب "أبا كرب ابن جبلة"، كما يقول المؤرخ "بروكوبيوس"، "عاملاً"، اي "فيلاركا" "فيلارخا" Phylarch على عرب "سرسينس" Saracens فلسطين، و كان "أبو كرب" كما يقول "بروكوبيوس"، رجلاً صاحب مواهب وكفاية، تمكن من حفظ الحدود ومن منع الأعراب من التعرض لها، وكان هو نفسه يحكم قسماً منهم، كما كان شديداً على المخالفين له. وذكر أيضاً انه كان يحكم أرض غابات النخيل جنوب فلسطين، وهي أرض واسعة تمتد مسافات شاسعة في البر ليس بها غير النخيل. وقد قدمها هدية إلى الامبراطور، فقبلها منه، وعدّها من أملاكه، مع انه كان يعرف جيداً إنها فياف و بادية لا يمكن الاستفادة منها، ليس فيها غير النخيل، وليس لهذه النخيل فائدة تذكر. و يجاور عربها عرب آخرون يسمون "معديرني" "مديني" Maddeni، هم آتباع ل "حمير" Homeritae.
وهذه الأرض التي حكمها "أبو كرب بن جبلة"، هي الأرض التي حكمها "امرؤ القيس" سابقاً نفسها، أو يظهر إن الروم لم يتمكنوا من ضبطها ومن تعيين حاكم بيزنطي عليها، فاضطر إلى الاعتراف بالأمر الواقع، فثبتوا "أبا كرب" في مكانه، واعترفوا به اعترافا رسمياً
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:01 AM
"عاملاً" على هذه المنطقة التي تقع في جنوب ارض الغساسنة، و في الأردن و أعالي الحجاز. ويظهر من ذلك أيضا إن "ابا كرب" كان عاملاً مستقلاً بشؤونه عن الغساسنة. ونكون بذلك أمام إمارتين مستقلتين.
و إذن يكون "أبو كرب" من المعاصرين للحارث بن جبلة ملك الغساسنة. وقد كان حكمه قبل السنة "542م" بدليل إرساله رسولاً إلى ابرهة لتهنئنه عند ترميمه سد مأرب الذي انجز في هذه السنة.
إن اسم "أبو كرب بن جبلة" يثير فينا الظن بأن هذا الرجل كان من آل غسان، فهذا الاسم هو من الأسماء التي ترد بكثرة عندهم. وقد يحملنا على تصور انه كان شقيقاً للحارث بن جبلة، غير أني لا أستطيع الجزم بذلك، لسكوت الموارد السريانية واليونانية عن التصريح بذلك أو التلميح إليه.
لقد كان من نتائج توثيق الروم صلاتهم بمملكة "اكسوم"، تهديدهم اليمن بغزوها إن قاومت مصالحهم وتعرضت لسفنهم ولتجارتهم، وذلك بتحريض الجيش على النزول بها، وقد سبق للأحباش إن استولوا عليها، كما سبق للرومان أن استولي على بعض مواضع من العربية الجنوبية مثل "عدن" في أيام "كلوديوس" "41 - 54م" أو قبل ذلك بقليل. ولا يستبعد إن يكون للروم دخل في الغزو الذي قام به الأحباش لليمن والذي بقي من سنة "300" حتى سنة "370 ب.م". وقد ذكر إن القسطنطينية كانت المحرضة لحكومة الحبشة على غزو اليمن أيضاً في سنة "525م"، وقد امتد حتى سنة "570م" أو "575م".
ولما عاد الأحباش إلى اليمن حيث بقوا فيها مدة قصيرة، كرّ الفرس عليهم فطردوهم منها في حوالي سنة "575م" "595 م"، وصارت اليمن من سنة "575م" "595م" حتى الفتح الإسلامي مقاطعة تابعة للساسانيين. وقد أصيبت مصالح البيزنطيين بأضرار بليغة، من هذا التحول السياسي العسكري، وأصيبت بضرر بليغ آخر كذلك في أيام "كسرى برويز" "590 - 628 م" الذي هاجم الإمبراطورية البيزنطية واستولى على مصر وفلسطين، وقطع بذلك عنها شرايين التجارة العالمية المهمة. والبيزنطيون وان استعادوا ما فقدوه في مصر وبلاد الشام بعد مدة قصيرة، فعاد الساسانيون إلى مواضعهم، إلا إن الحروب المتوالية كانت قد أنهكت الطرفين: البيزنطيين والساسانيين، وأضرت بالوضع الاقتصادي، وجعلت الناس يتذمرون في كل مكان من سوء سياسة الإمبراطوريتين،" ويودون التخلص من الفرس واليونان، لذلك لم يكن من المستغرب سقوط الأرضين التي كانت خاضعة لهم بسرعة مدهشة في أيدي المسلمين.
ولما وصلت الجيوش الإسلامية بلاد الشام، رحب أهلها بصورة عامة بها. وقد نظر البيزنطيون إلى الإسلام على انه نوع سن أنواع "الآريوسية" Arrianism المنسوبة إلى الكاهن "آريوس" المتوفى سنة "336 م". أو انه مذهب من المذاهب النصرانية المنشقة عن الكنيسة الرسمية. وقد تعوّدوا على سماع أخبار وقوع الانشقاق في الكنيسة، وظهور مذاهب جديدة. لهذا لا يستغرب ما أظهره أساقفة بلاد الشام من تساهل في تسليم المدن إلى المسلمين، وما بدر من القبائل العربية المتنصرة من تعاون مع المسلمين في طرد البيزنطيين عن بلاد الشام.
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:05 AM
الفصل الرابع والثلاثون
مملكة النبط
مملكة النبط، مملكة عربية لم يعرف الأخباريون من أمرها شيئاً. سداها ولحمتها النبط. وهم قوم من جبلة العرب، وإن تبرأ العرب منهم، وعيّروا بهم، وبعدوا أنفسهم عنهم وعابوا عليهم لهجتهم، حتى جعلوا لغتهم من لغات العجم، وقالوا إنهم نبط، وإن في لسان من استعرب منهم رطانةً. وسبب ذلك، هو أنهم كانوا قد تثقفوا بثقافة بي إرم، وكتبوا بكتابتهم، وتأثروا بلغتهم، حتى غلبت الإرمية عليهم، ولأنهم فضلاً عن ذلك خالفوا سواد العرب باشتغالهم بالزراعة وبالرعي وباحترافهم للحرف والصناعات اليدوية، وهي حرف يزدريها العربي الصميم" ويُعَيَر من يقوم. بها ويحترفها. وتكمن عوامل ظهور النبط وغلبتهم على المنطقة التي عرفت بهم، وتكوينهم دوله بعد أن كانوا اعراباً يعيشون عيشة ساذجة، تكمن في أسباب وأسس اقتصادية قد تمكن هؤلاء النبط الأذكياء من استغلال موقع بلادهم لمرور شرايين التجارة بين العربية الجنوبية وبلاد الشام بها. ففرضوا ضرائب على التجار وعلى التجارة عادت عليهم بفوائد كبيرة، كما قاموا أنفسهم بالوساطة في نقل التجارة بين بلاد للشام ومصر ومواضع من جزيرة العرب، فدرّت هذه الوساطة عليهم أموالاً طائلة جعلتهم من الشعوب العربية الغنية بالنسبة إلى غيرهم ممن يسكنون البواديّ، المواقع المقفرة المنعزلة.
وقد كان ميناء "غزة" ميناء النبط المفضل على البحر المتوسط. وهو في الواقع ميناء كل التجار العرب، إذ كان المرفأ الوحيد الذي ترفأ إليه تجارة العرب. وقد استفادوا منه كثيراً لقربه من النبط، صاروا يشترون منه ما يرد عليه من بضائع من موانئ البحر المتوسط، ثم يحملونها إلى بلادهم فيبيعونها للتجار العرب القادمين اليهم من الحجاز ومن الجزيرة العربية الجنوبية ومن أماكن أخرى من جزيرة العرب، كما أنهم صاروا يشترون من التجار العرب ما عندهم من تجارة، ثم يحملونها إلى ذلك الميناء لبيعه في أسواقه، وبذلك حصلوا على أرباح من هذه الوساطة في الاتجار.
وقد نشأت دولة النبط التي نتحدث عنها قبل الميلاد في المنطقة الشمالية الغربية من جزيرة العرب، في المكان الذي عرف باسم "العربية الحجرية" "Arabia petraea" عند اليونان والرومان.
وأما أخبارنا عنها، فمستمدة من كتب الكلاسيكيين، ومن مؤلفات المؤرخ اليهودي "يوسفوس فلافيوس" "josephus flavius" "37100 بعد الميلاد". صاحب"ioudaike archaeologia " و"periton ioudaikon polemon"، ومن كتابات عثرعليها في "العربية الحجرية" وفي الأخرى التي خضعت لحكمها وهي نبطية ولاتينية ويونانية. وعلى هذه الموارد يعول المؤرخ الحديث في تدوين تأريخ قوم كان لهم نفوذ وسلطان وصوت مسموع وكلمة، ثم اذا هم في الذاهبين"تلك الأيام نداولها بين الناس".
وقد تضمن القسم الأكبر من كتابات النبط، كتاب:Corpus In******ionum" Semiticarum "وقد أشير فيه إلى المواضع التي عثر فيها على تلك الكتابات، والى السمات التي وسمت بها لتميّز بعضها عن بعض. وأسهمت كتب أخرى بالطبع في هذا المجهود العسير، مجهود نشر الكتابات النبطية القديمة وغيرها، ككتاب: "Handbuch der Nordsemitischenn Epigraphik"" وكتاب: "Corpus In******ionum Semiticaru"، للعالم المعروف " مارك ليدربارسكي"" "Mark Lidzbarskiوكتاب**** Book of North-Semitic In******ions" ل "كوك" "G.A. ************" وكتاب "REP. EPIG"،وكتب أخرى سأشير اليها في أثناء الحديث، يضاف اليها ما نشر في المجلات العلمية الاستشراقية كمجلة: "ZDMG" وأمثالها.
أما لغة النصوص النبطية، فلغة "بني إرم"، وأما خطها فبالقلم الإرمي، ولكنه "إرمي" مأخوذ من القلم الإرمي القديم، وقد عرف عند المستشرقين ب "القلم النبطي" تمييزاً له عن بقية الأقلام. وأما المواضع التي عثر على هذه الكتابات فيها فهي عديدة، منها "بطرا" و "الحجر "Hegra"و "العلا" و "تيماء" و "خيبر" و "صيدا "Sidon" و "دمشق" ومواضع متعددة من "حوران" ومن "اللجاة" و "طور سيناء" والجوف واليمن ومصر وايطاليا وأماكن أخرى سترد أسماؤها في ثنايا هذا الفصل.
وتختلف الكتابات النبطية القديمة، من حيث رسم الحروف، بعض الاختلاف عن الكتابات النبطية المتأخرة المدوّنة بعد الميلاد، وتختلف أيضاً باختلاف الأماكن التي وجدت فيها، فلكتابات "طور سيناء" مثلاً خصائص. كتابية محلية لانجدها في النصوص الأخرى. وتفيدنا هذه الخصائص المحلية والتطورات التي طرأت بمرور العصور على أشكال الحروف في مثل "التربيع" والانفصال والاتصال وتقاربها و تباعدها من الخط الكوفي في دراسة تطور الخطوط السامية، وعلاقاتها بعضها ببعض.
وهي على اختلافها تشارك الكتابات العربية التي عثر عليها في العربية الجنوبية أو في المواضع الأخرى من جزيرة العرب في كونها شخصية في الغالب. كتبت في أمور خاصة، لا علاقة لها بالمجموع. فهي لا تفيد المؤرخ إفادة مباشرة، ولكنها تفيد الباحثين من غير شك في أمور أخرى، نفيدهم في الدراسات الغوية مثلا، فهي كنز. لا يقدر بثمن من هذه الناحية. أما الكتابات العامة،. أعني النصوص التي لها علاقة مباشرة بالدولة وحياة الشعب وبساسة الحكومة أيام السلم أو الحرب فهي قليلة جدا-ويا للأسف-مع انها المادة الأساسية في كتابة التاريخ.
والكتابات النبطية المؤرخة مثل الكتابات السامية الأخرى، قليلة بالنسبة إلى الكتابات الغفل من التاريخ. أما طرائق توريخ الحوادث عند النبط، فكانت متعددة منها التوريخ بأيام الملوك كأن يذكر اسم الشهر الذي دوّن فيه النأص، ثم يذكر بعده عام التدوين، فيقال مثلاً: "في شهر كذا من سنة كذا من حكم الملك. ....." "بيرح. ..... شنت. .....ملك نبطو. .....". وقد استعملت هذه الطريقة في أيام استقلال النبط خاصة، والتوريخ بسني حكم قياصرة "رومة" وذلك بذكر الشهر الذي دونت فيه الكتابة، ثم السنة المصادفة من سني حكم القيصر الذي في أيامه جرى التدوين، أو السنة المصادفة دون الإشارة الى أسم الشهر.
وقد عثر على كتابات مؤرخة بسني حكم "القناصل"، وعلى كتابات أخرى أرخت تقويم"بصرى"، ومبدأه اليوم الثاني والعشرين من شهر "آذار" من سنة "106" بعد الميلاد، وقد أرخ به في كتابات "طور سينا" كذلك.وظلت الأقسام الجنوبية من "الكورة العربية" تؤرخ به حتى بعد فصلها من هذه الكورة وإلحاقها ب "كورة فلسطين". وأرخ بالتقويم "السلوقي"، وأوله اليوم الأول من شهر"تشرين الأول" "اكتوبر" من سنة"312" قبل الميلاد.
وأرخ بأيام القيصر"بومبيوس" حيث اتخذت مبدأ لتقويم يبدأ بشهر "تشرين الأول"، "اكتوبر" من سنة "63" قبل الميلاد،
أرخ به في الكتابات وفي النقود.
وأرخ في بعض الكتابات النبطية بتواريخ محلية كانت متعارفة عندهم مشهورة. كما فعل غيرهم في جزيرة العرب حيث أرخوا بالحوادث المحلية المهمة، نظراً لما كان لها من شهرة بينهم. وقد تمكن العاماء من تشخيص بعض منها، ولم يتمكنوا من تشخيص بعض اخر. ومن الكتابات المؤرخة بتواريخ محلية كتابة عثر عليها في مدينة "فيليبوبولس"philippopolis " وقد أرخت بتقويم يبدأ بسنة "248" تقريباً أو بين سنة "47 2" وسنة "249" ومدينة "شقا" "شقة"، وقد أرخت في عدد من كتاباتها بسنة "92" بعد الميلاد. ومدينة "constantia" وهي "البراك" في "اللجاة " وفي عدد من الكتابات التي عثر عليها في موضع "شيخ مسكين"، وهو "maximinopolis" على رأي بعض الناس.
الرأي السائد اليوم بين العلماء أن النبط عرب مثل سائر العرب، وان استعملوا الارمية في كتاباتهم، بدليل إن اسماءهم هي اسماء عربية خالصة، وانهم يشاركون العرب في عبادة الاصنام المعروفة عند عرب الحجاز، مثل "ذي الشرى" و"اللات" و"العزى"، وانهم رصعوا الإرمية بكثير من الألفاظ العربية،
وبدليل اطلاق اليونان واللاتين والمؤرخ اليهودي "يوسفوس" كامة "العرب" على النبط واطلاق اسم"arabia ptraria " أي "العربية الحجرية" على أرضهم. ولو لم يكن النبط عرباً، لما أطلق "الكلاسيكيون" كلمة العرب عليهم، وما كانوا يدخلون بلادهم في ضمن العربية ويجعلونها جزءاً من أجزائها الثلاثة.
وقد كان النبط من اهل جزيرة العرب في الأصل نزحوا من البوادي إلى سنة قبل الميلاد. واما اطلاق اسم السريان على الإرميين الشرقيين، اي إرميى العراق، فقد حدث بعد الميلاد. أطلق على متنصرة الإرميين ليميزوا عن بني جنسهم الوثنيين،. فصار له مفهوم خاص، وصارت كلمة "إرمي" "آرامي" تعني الصابئ والوثني أما كلمة "سرياني" فتعني النصراني حتى اليوم.
أما "ماش" "MASH"، فهو أحد ابناء "أرام" ذكر في "التكوين"، مع "عوص وحول وجائر" بمعنى أنهم أخوته.ودعي "ماشك" في "أ خبارالأيام" ويظن أنهم سكان "ماش" "ماشو" في النصوص الأشورية، أي بادية الشام. و "إرم" هو ابن "سام بن نوح" في التوراةْ، وتتفق رواية "المسعودي"المأخوذة من أقوال أهل الكتاب ولا شك، مع ما جاء في التوراة من أن "ماش" هو ابن "آرام"، وهو "إرم".
وأما ما ذكره على لسان غيره أو لسانه من إن النبط هم "نبيط" وأن "نبيطاً" هو ابن "ماش"، فهو قول لم يرد في التوراة. ولا يعرف العهد القديم شخصاَ اسمه "نبيط بن ماش بن ارام". ويقصد المسعودي من "نبيط" "نبايوت"، ولاشك و "نبايوت" هو الابن البكر لاسماعيل في التوراة.
أما أنهم سموا نبطاً لكثرة النبط عندهم وهو الماء، أو لاستنباطهم الماء، وانباطهم الأبار، وما شاكل ذلك من تفاسيروردت في معنى النبط، فهو كلام كان يسمع في القديم. أما اليوم فلا يمكن أن يقام له وزن.
والنبط في عرف الباحثين هم"نبط" و"نبطو" في الكتابات، والكلمة اسم علم ليس غير مثل سائر أسماء الأعلام، لا علاقة له لا بالماء ولا باستنباط الماء. حار الأخباريون فيه فعالجوه على مألوف طريقتهم بإيجاد معان للأسماء، وتعليلات وأسباب، وظنوا انهم بهذا التعليل وجدوا سر التسمية ووقفوا عليه، ولا سيما إن النبظ زراع، ولهم مياه غزيرة وعلم بالماء، وان النبط: الماء الذي ينبط من قعر للبئر اذا حفرت فقالوا: النبط من نبط، فالمسألة اذن سهلة هينة. انهم سموا نبطاً لاستنباطهم ما يخرج من الأرضين، وهو الماء.
وأشير إلى النبط في حديث عمر: "تمعددوا ولا تستنبطوا"، أي تشبهوا بمعد. ولا تشبهوا بالنبط. وفي الحديث الآخر: "لا تنبّطوا في المدائن" أي لاتشبهوا بالنبط في سكناها واتخاذ العقار والملك. وورد ذكر النبط في خير مرفوع إلى ابن عباس: "نحن معاشر قريش من النبط من أهل كوثى ريا، قيل: إن ابراهيم الخليل ولد بها، وكان النبط سكانها". وورد في حديث "عمرو بن معديكرب" حين سأله "عمر" عن "سعد بن أبي وقاص"، فقال: "أعرابي في حبوته"، أراد انه في جباية الخراج وعمارة الأرضين كالنبط حذقاً بها ومهارة فيها،لأنهم كانوا سكان العراق وأربابها. وفي حديث أبي أوفى: "كنا نسلف نبيط أهل الشام".
ويقال الان في نجد للشعر العامي "الشعر النبطي" أو "شعر النبط"، ويرى الباحثون في هذا النوع من الشعر انه منسوب إلى نبط العراق. وعلى كل فإن لهذه التسمية علاقه باسم هذ ا الشعب العربي القديم الذي نتحدث عنه.
والنبط الذين قصدهم الأخباريون إذن، هم قبط آخر لا نريدهم نحن في الفصل ولانقصدهم، هم يقصدون بقايا الشعوب القديمة خاصة النازلين في البطائح منهم، ومنهم مترسبات الإرمين في العراق والشام، وذلك قبيل الإسلام وفي الإسلام، وكانوا يتكلمون بلهجات عربية ولكن برطانة أعجمية وبلكنة غريبة ظاهرة. أما نبطنا، فهم أصحاب كتابات مدونة بالإرمية، وقد عاشوا في"العربية الحجرية" وفي مناطق أخرى.
خضعت لسلطانهم لم تكن البطائح منها على كل حال، كما عاش فرع آخر منهم في "تدمر"، وسيأتي الحديث عنهم.
وعندي أن النبط عرب، بل هم أقرب إلى قريش والى القبائل الحجازية التي أدركت الإسلام من العرب الذين يعرفون ب "العرب الجنوبيين". والنبط يشاركون قريشاًَفي أكثر أسماء الأشخاص، كَما يشاركونهم في عبادة أكثر الأصنام. وخط للنبط قريب جداً من خط كتبة الوحي، وقد قلت إن من العلماء من يرى أن قلمنا هذا ماًخوذ من قلم النبط.س يضاف إلى ذلك ما ذكرته من وجود كلمات عربية كثيرة في النصوص النبطية المدوّنة بالإرمية، هي عربية خالصة من نوع عربية للقرآن الكريم. لهذه الأسباب أرى أن النبط أقرب إلى قريش والى العدنانين علي حدّ تعبير النسابين من العرب الجنوبيين الذين تبتعد أسماؤهم وأسماء أصنامهم بعداً كبيراً عن أسماء الأشخاص والأصنام عند قريش وبقية العدنانيين. أضف إلى هذا ما ورد في التوراة وما عند أهل الأخيار من أن "نبايوت" وهو "نابت" أهل الأخبار، هو الابن الأكبر لأسماعيل، واسماعيل في عرف النسّابين هو جدّ العرب العدنانين.
وقد سبب تدوين النبط كتاباتهم بالإرمية خسارة فادحة لنا لا تقدر بثمن، لأنه حرمنا الحصول على نصوص بلهجات عربية قديمة نحن في أشد الحاجة اليها، لما لها من فائده في دراسة تطوّر اللهجات العربية واللهجة التي نزل بها القرآن الكريم والمراحل الني مرّ ت بها. وخاصة أننا لا نملك من النصوص العربية المدوّ نة باللهجات العربية الشمالية القريبة من عربية القرآن سوى بضعة نصوص.
ويعد "ديودورس الصقلي" أقدم كاتب "كلاسيكي ! تحدّ ث عن النبط يليه" "سترابون"، فبقية "الكلاسيكيين" الذين عاشوا بعدهما. وفي تأريخ "يوسفوس" اليهودي المتوفى حوالي سنة "95" بعد الميلاد، أخبار مفيدة عن النبط،ولا سيما علاقتهم بالعبرانيين الذين كانوا على اتصال وثيق بهم بسبب الجوار.
وقد تطرق "سترابون"0 إلى أمور لم يتطرق لها "ديودورس"، أخذها من صديق له اسمه "أثينودورس" "Athenodrous"، وكان فيلسوفاً ولد بين النبط وعاش بينهم. وقد حدّثه هذا الفيلسوف إن عدداً كبيراً من الرومان ومن الغرباء من الجنسيات الأخرى كانوا يعيشون بين النبط، وكانوا في نزاع وخصام بينهم. اًما النبط فكانوا على صفاء ووئام، يعيشون عيشة سلام وراحة. ويتبين أثر اختلاط الغرباء بالنبط، في الآثار الباقية وفي الكتابات اليونانية والرومانية التي عثر عليها في اًرض النبط وعلى النقود.
وقد شملت مملكة النبط في اًوج أيامها منطقة واسعة ضمت "دمشق" و "سهل البقاع" "بقأث ه لينون" "Biq'ath Ha-Lebanon" "cele Syria"،والأقسام الجنوبية والشرقية من فلسطين وحوران و"أدوم" "Idumaea"، ومدين الى "ددن" "ددان" وسواحل البحر الأحمر. وثبت أيضاً إن جماعة من النبط سكنت في الأقّسام الشرقية من "دلتا" النيل، وقد تركْت لنا عدداً من الكتابات.
ولا يعرف الموطن الأصلي الذي جاء منه النبط على وجه التحقيق، ولا الزمان الذي هاجروا فيه منه. ويظن بوجه عام انهم كانوا بدواً في الأصل من سكان البادية الواقعة شرق شرقي الأردن، ثم ارتحلوا نحو الغرب فنزلوا أرض "أدوم" وضايقوا الأدومين الذين ارتحلوا نحو الشمال والغرب اختياراً أو كرهاً، فسكنوا في المناطق الخصبة المشرفة على البحر المتوسط. وكان ذلك حوالي "587" قبل الميلاد. ولا يعرف علىوجه العموم في الزمن الحاضرشيء ما عن مبدأ تأريخ النبط.
ويرى بعض العلماء أن النبط هم "نبياطي" المذكورون في أخبار الملك "اشور بنبال" "Aschurbanipal"، وهم أيضاً "نبايوت" "Nebojot"="Nabatene" أولاد اسماعيل في التوراة. وهم سكان أرض" "Nabatene" ويعارض هذا الرأي بعض آخر، ولا يرى وجود صلة ما بين النبط و "نبياطي" أو "نبايوت". وأما النبط المذكورون في "المكابيين"، فهم النبط جماعتنا الذين نتحدث عنهم الان.
وقد أطلق "يوسفوس" اسم "النبطية" "Nebaioth" على منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات فتصل بحدود الشام إلى البحر الأحمر، وهي من مناطق أولاد اسماعيل. ويظهر من تأريخ "يوسفوس" أن مؤلف هذا التأريخ كان يرى وجود صلة بين اسم "نبايوت" وهو اسم ابن"يشمعيل" "اسماعيل" وبين اسم النبط، والى هذا الرأي ذهب أيضاً "جيروم" "Jerom".
ومن اخبار "ديودورس" عنهم أن معظم بلادهم قفرة قليلة الماء والقسم المنبت منها قليل، لذلك عاش سكانها عيشة اعرابية، على الغزو، وعلى التحرش بحدود جيرانهم، لعلمهم أن من الصعب على الجيوش تعقب آثارهم والالتحام بهم في البادية لقلة الماء، وإلا تعرضت للتهلكة والموت عطشاً.
أما هم، فلهم آبار مخفية، وكهاريس أغلقت فتحاتها، فلا يعلم أحد من الناس سواهم أين هي ? يشربون منها متى شاءوا، ويأخذون منها ما يحتاجون إليه. وهم قوم يحبون الحرية ويقدسونها، ويأبون الخضوع لحكم الغرباء. ولهذا لم يخضعوا الآشوريين أو الميديين أو الفرس أو لحكم ملوك المقدونيين، مع إن هذه الدول أرادت استعبادهم فأرسلت عليهم جيوشاً قوية، ولكنها لم تنجح في تحقيق ما أرادت، ولم تتمكن من السيطرة على هؤلاء الأنباط.
وقد ذكر عنهم انهم كانوا يحمعون المطر ويخزنونه في الصهاريج، التي لا يعرف مواقعها أحد غيرهم، وانهم كانوا لا يذيقون ماشيتهم الماء أما الناس، فكانوا يعيشون على اللحوم والحليب، يضاف إلى ذلك نوع من "الفلفل" ولب بعض للشجر، حيث تخلط بالماء.
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:07 AM
وقد أخذ "ديودورس" أخباره عن النبط من مؤرخ قبله هو " Hieronymos Of Kardia"="Hieronymos Of Cardia"، ويعود خبره إلى حوالي السنة "312" قبل الميلاد، اذ تحدث هذا المؤلف عن حملة "انطيغونس" "انتيكونس" "Antigonos" على القبائل العربية، فذكر "النبط" " Nabataioi"="Nabatoioi" وأشار إلى الحملة التي أرسلت عليهم.
ويتبين من أقدم الأخبار الواردة في الكتب "الكلاسيكية" عن النبط أنهم كانوا في بادئ أمرهم أعراباً رعاة ماشية، ومنهم أصحاب قوافل يتعاطون التجارهْ، ويقيمون حول البحر الميت، وكانوا يستخرجون "الاسفلت" من سواحله الشرقية فيحملونه إلى مصر لبيعه إلى المصريين. وكانت لهم أماكن محصنة تحصيناً طبيعياً يلتجئون اليها فيصعب على العدوّ مباغتتهم ومهاجمتهم في هذه الحصون، كما أن لهم علماً بصحاريهم وبمواضع الماء فيها، يحتمون بها عند الحاجة، ويتخلصون بذلك من تعقيب الجيوش. ويذكر أنهم جنوا أرب*********ً كثيرةً من اتجارهم بالاسفلت، إذ كان المصريون يشترونه منهم لاستعماله في "المومياء"، ولهذا أقبلوا عليه اقبالاً كبيراً، در على النبط ربحاً طيباً.
وقد وصفوا بأنهم كانوا يكرهون الزراعة ويزدرونها، كما كانوا يزدرون السكنى في بيوت مستقرة، وكانوا رعاة يربون الأغنام وبقبهّ الماشية. إذا وجدوا غريباً بينهم قتلوه، لأنهم كانوا يخشون أن يقعوا تحت حكم الأجانب فيفقدوا حريتهم. ووصف "سترابو" النبط، فقال: إنهم تجار، أقاموا في بيوت من الحجر، وقد اشتغل قوم منهم بالزراعة.
لقد أظهر هؤلاء الرعاة مقدرة فائقة وكفاية لاتقدر في تكييف أنقسهم وفي. أخذهم بالأساليب الحديثة في الحياة. تمكنوا من استغلال أرضهم وما فيها من موارد طبيعية، وتعلموا استغلال مناجم النحاس والحديد القديمة في "أدوم"، واستخدام هذين المعذنين المهيمن في صنع المواد اللازمة لشؤون الحياة. وأخذوا من "الهللينية" تنظيم المدن وأصول الادارة والفن وحولوا مدينتهم الصخرية إلى مدينة حديثة جميلة تنطق حتى اليوم بكفاية أصحابها وبقابلياتهم المدنية. كما اقتبسوا من "الفرث" "Parthian" ما يلائمهم ويوائم حياتهم وحاجاتهم. وضربوا النقود على طريقة اليونان والرومان فأحسنوا في صنعها وأجادوا واثبتوا أن العربي كيفما كان أمره قابل للتطور والابداع والأخذ والاقتباس، وأنه إذا هيئت له الظروف وأرشده المرشدون ووجهوه توجيهاً حسناً، أفاد نفسه وقومه والبشرية خير افادة.
ومن النبط انتقلت المصنوعات النحاسية والحديدية المصنوعة في بلاد اليونان أو الشام أو في بطرا إلى اليمن، وقد كانوا واسطة لنقل "الهيلينية" إلى العرب الجنوبيين. وقد عثر في "*********ان" من اليمن على راس مصنوع من النحاس، محفوظ الان في المتحف البريطاني، يشبه وجهه الوجوه المطبوعة على النقود النبطية المضروبة في القرن الأخير قبل الميلاد، لذلك يرى الباحثون أنه من صادرات مملكة النبط إلى اليمن، وأنه من المصنوعات المتأثرة بالطابع "الهبلليني".
ويحدثنا "ديودورس" إن "انطيغونس" "Antigonus" الذى خلف الاسكندر في سورية، جرّ د حملة على النبط قوامها أربعة آلاف جندي من المشاة وستمئة فارس جعلها في قيادة صديقه "أثينيوس" "Athenaeus" ليجبرهم على التحالف معه وتأييد مصالحه.،وأمره بمباغتتهم وسلب كل ما يمتلكون من ماشية. فسار القائد من مقاطعة "أدوم" "Idumaea" بكل حذروتكتم لكيلا يعلم أحد من النبطي به. وباغت الصخرة في منتصف الليل، فقتل من حاول المقاومة وأسر خلفاً منهم، وترك الجرحى، واستولى على ما وقعت عليه يده من البخور والتوابل والطيب والفضة. ثم أمر قوته بالاسراع بالرجوع، فلما قطعت مسافة مئتي "اسطاديون" أضناها التعب، ونهكها قطع الطريق، فاضطرت إلى قطع .السير للاستراحة في معسكر أقامته. وفيما كان الجنود ينعمون بنومهم، هاجمهم النبط وأعملوا فيهم السيوف، فلم ينج من رجال الحملة الا خمسون فارساً هربوا بسلام بعد أن أثخن أكرهم بالجراح. وكان ذلك كما يزعم "ديودورس" بسبب تهاون رجال الحملة بأمر الحراسة وعدم تصورهم ملاحقة النبط لهم، وتمكنهم من الصول إلى هذا الموضع في خلال يومين أو ثلاث.
وذكر "ديودورس" إن اليونان تخيروا الوقت المناسب حينما باغتوا "الصخرة" كان من عادة أهلها الذهاب إلى أسواق مجاوريهم للامتيار ولمبادلة سلعهم بسلع يحتاجون اليها من جيرانهم، تاركين في صخرتهم أموالهم ونساءهم وأطفالهم وعجزتهم وشيوخهم. ولم تكن الصخرة مع حصانتها، مسوّ رة، فانتهز رجال الحملة هذه الفرصة، وباغتوا الحصن على نحو ما ذكرت. فلما بلغ الخبر النبط،تركوا السوق وتراكضوا إلى الصخرة، وأسرعوا يتعقبون أثر اليونان حتى أدركوهم في ذلك الموضع، فانتقموا منهم. شر انتقام، وعلموهم درساَّ لا ينسى ولا شك في وجوب اتخاذ الحذر والحيطة وتقدير كل أمر حقّ قدره مهما صغر وتفه، وقد تأتي التوافه بنتائج لا تأتي من عظائم الأمور. أما تأريخ ارسال هذه الحملة، فكان في سنة "312" قبل الميلاد.
وبعد انتقام النبط ممن حاول استرقاقهم، عادوا إلى الصخرة راضين مطمئنين، فنظموا أمورهم، ثم كتبوا الى الملك "انطيغونس" كتاباً كتب بالأبجدية السريانية يلومون في " "أثينيوس" "Athenaeu" على ما فعل بهم، ويعتذرون فيه عما بدر منهم ويحملون صاحب وزر صنعه.
وقد أجابهم الملك بأن ما حدث لم يكن بعلمه ورضاه، وأن قائده عمل برأيه فخالف أمره، ولذلك فهو يحمله وزره، ويرجو أن تتحسن العلاقات فيما بينهم وبينه، وأن ينسى ما حدث، وكان غرضه من هذا الكلام التأثير عليهم، وجلبهم إليه ولو إلى حين حتى يرى أمره، فان أبوا ضرب ضربته. ونال ما أراد.
وبعد مدة هيأ قوة قوامها أربعة آلاف مسلح من المشاة، واربعة آلاف من الفرسان جعل قيادتها تحت إمرة ابنه "ديمتريوس" "Demetris "، للانتقام من النبط بأية طريقة كانت. فلما سمع النبط بقدومها، امنوا أموالهم في مواضع حصينة يصعب الوصول اليها، ووضعوا عليها حراسة كافية، وسلكوا طرقاً متعددة تؤدي بهم إلى البادية. فلما وصل "ديمتريوس" إلى "الصخرة"، هاجمها بعنف وشدة، غير أنه لم يقلح في اقتحامها والاستيلاء عليها، ورجع بجيوشه قانعاً بالهدايا التي قسمت إليه.
ويذكر "ديودورس" أن النبط كانوا قد لجأوا إلى اتخاذ أماكن حراسة وضعوا فيم حراساً، واجبهم تنبيه النبط حين تبدر ظاهرة خطر عليهم، بإيقاد نيران في مواضع مرتفعة من تلك الأماكن، تكون علامة على وجود الخطر. فلما ظهر "ديمتريوس" متجهاً نحو الصخرة، أوقد الحراس النار، فهرب النبط إلى مواضع أمينة من البادية، وتخلصوا مع أموالهم منه، لأنه خاف من ملاحقتهم لعدم تمكن جيشه من تعقب آثارهم ولخوفهم من ولوج البادية. وقد كان "المقدونيون" يخشون من د*********ها.
كان النبط من الشعوب العربية التي جمعت ثروة عظيمة،واكتنزت الذهب والفضة بفضل اشتغالها في التجارة وموقعها الممتاز الذي تلتقي عنده جملة طرق تجارية برية كانت عمادطرق القوافل في ذلك الزمن اليها يصل طريق اليمن والعربية الجنوبية المهم الموازي للبحر الأحمر، ومتها يتفرع الطريق إلى مصروالشام وغزة والمدن الفينيقية على البحر المتوسط.، واليها يصل طريق تجاري آخر مهم يصل الخليج بمدينة "بطرا". ويصل مدينة تجارية اخرى لم يكن شأنها في التجارة أقل من شأن عاصمة النبط، وأعني بها مدينة جرها Gerrha علىالخليج. فتحمل اليها تجارة الهند وما وراء الهند، وحاصلات ايران والعربية الشرقية لتوزع منها في الشام ومصر وموانىء البحر المتوسط. وقد عمل ملوك النبط بكل ذكاء على الاستفادة من هذه الطرق واستغلالها لمصلحتهم ومصاحة مملكتهم. وقد اقتضى ذلك بالطبع وضع حرس قوي لحماية القوافل واجراء التسهيلات الضرورية لأصحابها والاتفاق مع سادات القبائل لضمان سلامتها مقابل مبالغ تدفع لهم عن المرور "الترانزيت".
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:10 AM
وقد أدت سياسة البطالمة الرامية إلى السيطرة. على البحر الأحمر واحتكار التجارة البحرية إلى إلحاق أضرار فادحة بالنبط وبغيرهم من العرب الذين كانوا يتاجرون في البحر الأحمر. فاضطر النبط إلى التحرش بسفن البطالمة وبمهاجمة السفن التي تتجه نحو مصر وبأخذ ما فيها، فاضطر "بطلميوس الثاني" "285 - 6 4 2 قبل الميلاد" إلى انشاء قوة بحرية لحراسة السفن التجارية، وقد ألحقت هذه القوة خسائر فادحة بأسطول النبط، منعت النبط أمداً من الت********* لقوافل البطالمة، غي ان النبط كانوا ينتهزون الفرص، فلما انشغل "بطلميوس" بالحرب مع "سلوقيي" سورية عادوا إلى مهاجمة سفن البطالمة والسفن الذاهبة أو الآيبة من مصر.
وألحقت سياسة "بطلميوسى فيلادلفيوس" ومشروعاته الرامية إلى السيطرة على البحر الأحمر وعلى تجارة البلاد الحارة،أضراراً خطيرة بالتجارة العربية، أثرت تأثيراً سيئاً جداً في الوضع السياسي في جزيرة العرب. إذ أفقدت العرب السيطرة على البحر الأحمر وأوجدت لهم منافسين خطيرين نافسوهم في أسواق إفريقية والهند، ولم يكن من السهل التغلب عليهم، بفضل ما أدخلوا على سفنهم من تحسينات فنية وابتكارات، وما خصصوا بها من قوات لحمايتها من تعرض سفن العرب لها. وقد ابتنى "بطلميوس فيلادلفوس" مدينة " Berenice" على خليج العقبة " Atlantic Gulf" لحماية التجار والسفن من تعرض النبط. ولعلّ ميناء
"امبلونه" "Ampelon" الذي أسسه تجار الروم في جزيرة العرب على ساحل البحر الأحمر تجاه "العلا" على رأي بعضهم، هو من المواضع التي أنشئت لهذه الغاية في هذا الزمن. وبإنشاء هذه المواضع سيطر اليونان على البحر والطريق التجاري القريب منه، كما تمكنوا من ضمان الحصول على حاجاتهم بشراء ما يريدون من حاصلات الجزيرة ومن يبع ما يريدون بيعه في هذه الموانى أيضاً.
وكان من نتائج هذه السياسة التي اقتفي أثرها من جاء بعد "بطلميوس فيلادلفوس" من الملوك والقياصرة، مشاطرة تجار العرب أرباحهم العظيمة التي كانوا يجنونها من الاتجار مع مصر والشام. فلم يدخل في امكانهم وضع الأسعار كما يريدون ويشتهون كما كان ذلك سابقاً. إذ وضع سادة بلاد الشام ومصر الجدد أسعاراً ثابتة للبضائع العربية والهندية التي تصل إلى بلادهم، كما فرضوا عليها ضرائب معينة بحسب قوائم جديدة. بذلك تحكموا في الأسعار التجارية العالمية، وحرموا تجارة جزيرة العرب وسادتها من ملوك متاجرين وأسر غنية متنفذة ربحاً عظيماً، وألحقوا بخزانتهم خسائر كبيرة. وكان من أثر هذه السياسة الصارمه هبوط الأسعار هبوطاً بيناً في الأسواق.
وقد تمكن الباحثون في تأريخ النبط من ضبط أسماء جملة ملوك حكموا النبط.ولا نستطيع اليوم ذكز اسم أول من أسس مملكة النبط، ولا الزمن الذي أسست فيه تلك المملكة ولا الأسرة التي نسلت اولئك الملوك. وكل ما نستطيع قوله هو إن استقلال النبط كان قبل الميلاد، واننا نعرف أسماء بضعة ملوك حكموا قبل الميلاد، بصورة أكيدة لا مجال فيها لأي شك، كما نعرف أسماء ملوك كان حكهم بعد الميلاد.
ويكثر اسم "الحارث" "ارتاس" "ارتياس" "Aretas=" Arethas" بين أسماء الملوك، حتى لقد ذهب الظن ببعض الباحثين إلى إن هذا الاسم هو لقب، وانه في معنى "فرعون" بالنسبة إلى ملوك مصر، و "قيصر" بالنسبة إلى ملوك الرومان والروم، و "النجاشي" بالنسبة إلى ملوك الحبشة،و"كسرى! بالنسبة إلى ملوك الفرس، و "تبع" بالنسبة إلى ملوك اليمن. أما الاسم الذي يليه في المرتبة فهو "عبادة" و "مالك" و "رب ال" "رب ايل". وذهب بعض آخر إلى إن لفظة " Aretas" هي اسم الأسرة الحاكمة التي حكمت النبط، وانها من أصل "آرامي" هو "حرتت" "Charethath".
وفي الفصل الخامس من أسفار "المكابيين الثاني" إن "أرتاس" زعيم العرب طرد "ياسون" "Jason" من أرضه "فجعل يفر من مدينة إلى مدينة والجميع ينبذونه ويبغضونه بغضة من ارتد عن الشريعة، ويمقتونه مقت من هو قتال لأهل وطنه حتى دحر إلى مصر". ويظهر من هذه الاية إن الحارث كان قد طرد "ياسون" من أرضه، وتعْلب عليه، وصار يتعقبه حتى هرب إلى مصر. وكان "ياسون" قد اختلف مع أخيه "أونياس الثالث" "Onias !!!" في يهوذا على الكهانة العظمى. وقد حكم "أرتاس" أي "الحارث" المعروف ب "حرثت" "حرتت" "حارثة" "Harithat" في الكتابة النبطية في حوالي سنة "169" قبل الميلاد. ونظراً إلى انه أول ملك وصل اسمه الينا في الأخبار، أطلق الباحثون عليه لقب الأول" تمييزاً له، عن بقية من جاء بعده حاملا هذا ا لأسم. ويلاحظ أن الاية المدكورة لم تلقب "الحارث" بلقب "ملك"، وإنما نعتته ب "زعيم"، أو بما شابه ذلك من معان، هي دون درجة "ملك". أما الموارد التأريخية، فقد لقبته بلقب "ملك".
وقد وردت كلمة "النباطين"، وهم النبط، في موضع من الفصل الخامس من سفر المكابيين الأول، وذكرت بعدها بجملة آيات كلمة "العرب". وكان هؤلاء العرب يشدون أزر "تيموتاوس" الذي حارب "يهوذا المكابي" "يهوذا مكابيوس" "Judas Macaabaeus" "161 ق. م".
أما النبط فكانوا على وئام مع المكابيين: "يهوذا المكابي" وأخوه "يوناتان" وكانت صلاتهم بجيرانهم المكابيين حسنة. ويظهر من الآية الني ذكر فيها اسم "العرب" أن "تيموتاوس" وأنصاره كانوا قد استأجروا العرب للقتال معهم. وأغلب الظن ان المراد ب "العرب". في هذه الاية هم جماعة من الأعراب.
وطلب "يوناثان" "المتوفى سنة 143 ق. م." - الذي انتخب مكان أخيه يهوذا المكابي بعد مقتله - من النبط مساعدتهم، أن يعيروه عدة يستعين بهاعلى أعدائه، وذلك حين طلب "بكيديس" قتله. وأرسل "يوحنا أخاه في جماعة بقيادته يسأل النابطين أولياءه. أن يعيروهم عدتهم الوافرة"، فلما كان يوحنا في "ميدبا" "مأدبا"، خرج عليه "بنو يمرى، وقبضوا عليه وعلى كل من كان معه وذهبوا بالجميع. ويظهر من ارسال "يوناثان" أخاه النبط ومن جملة "يساًل النباطيبن أولياءه" الواردة في "المكابين" أن علاقة المكابيين بالنبط كانت حسنة جداً، وأن النبط كانوا إذ ذاك أقوياء أصحاب عدة وعتاد.
وأما "بنو يمري" Bene-Amri Jambri الذين قتلوا "يوحنا" شقيق "يوناثان"، وهو المعروف "يوحنا المكابي"، فقبيلة عربية يظهر إن منازلها كانت في "ميدبا" "مادبا" من أقدم مدن "مؤاب"، وهي تبعد ثمانية اميال إلى الجنوب الشرقي من "حسبان" ""Heshbon " و "14" ميلا شرقي بحر "لوط"، وهيّ مدينة " Mydava" التي ذكرها "بطلميوس" وذكر انها تقع في "العربية النبطية" "Arabia Petraea" و "اندبه" "Undaba" و"Ueddaba" لدى" أويسبيوس" و " Medaba" لدى"جيروم".و صارت في العصور المسيحيهْ مركزاً لأسقف المقاطعة المعروفة باسم "المقاطعة العربية" "Provincia Arabia". ولا نعرف في الزمن الحاضر شيئاً من أمر هذه القبيلة " Bene Amri"، التي لا يستبعد أن يكون اسمها الصحيح "بنو عمرو".
وذكر "يوسفوس" إن "يونا ثا ن" وشقيقه "سمعان" "Simon" سمعا إن "بني عمرى" " Amri" "Amaraeus" سيقيمون عرساً عظيماً ويزفون العروس من مدينة " Gabatha"="Gabbatha"، وهي من أشراف العرب، فقررا الانتقام من قتلة شقيقهما، فذهبا مع قوة كبيرة ووضعا كميناً في "ميدابا" "مادبا". فلما وصل الموكب، خرج الكمين، فسقط قتلى كثيرون، وهرب من تمكن من النجاة إلى الجبل.
وحكم بعد "الحارث ا لأول" الملك "زيد ال" "زيد ايل"، وذلك في حوالي السنة "146" قبل الميلاد. ثم الملك "الحارث الثاني"حرتت" "حرثت"، الذي حكم حوالى سنة "110" قبل الميلاد، ودام حكمه حتى حوالي عام "96" قبل الميلاد.
ويرى "شرادر" أنه حكم حوالى سنة "139" قبل الميلاد، ودام حكمه حتى سنة "97" قبل الميلاد ويرى بعض آخر أنه حكم حوالي سنة "0 2 1 ق ة م". ويظهر أنه كان يعرف ب "ايروتيموس" "Erotimus"="Herotimus" ويظن "شرادر" أنه هو الذي قصده "يوسفوس" حين ذكره في حوادث سنة "97" قبل الميلاده..
وتوقف بعض آخر في تثبت اسم من حكم بعد الحارث الأول، فوضع فراغاً قدره بنحو نصف قرن، ذكر أنه لا يدري من حكم فيه، ثم وضع بعده اسم "الحارث" الثاني المعروف ب "Erotimus II"، وقد قدر حكمه فيا بين السنة "0 2 1" والسنة "96" قبل الميلاد.
ولم تصل الينا أخبار واضحة أكيدة عن هذا "الحارث". ويذكر المؤرخ اليهودي "يوسفوس" أن أهل "غزة" طلبوا منه العون والمساعدة ليتمكنوا من الثبات أمام محاصرة "اسكندر جنيوس" "Alexander Jannaeus" لمدينتهم، غير أنه خيبَ آمالهم، فلم يساعدهم. وقد نعته هذا المؤرخ ب "ملك"، مما يدل على أن هذا اللقب صار لقبأ رسمياً لحكام النبط في هذا العهد.
وذكر أن "ايروتيمس" Erotimus"="Herotimus" "الحارث الثاني" كان قد اهتبل فرصة ضعف الأوضاع في مصر وبلاد الشام، فهاجم بأولاده وبجنوده تلك الأرضين، وغنم منها غنائم كثيرة، فكوّن بذلك لنفسه وللعرب صيتاً بعيداً.
وتبين للنبط على ما يظهر انهم اذا. استمروا في تأييدهم ومساعداتهم للحسمونيين "Hasmoneans" المناضلين للخلاص من حكم السلوقيين السورين، ألحقوا أضراراً بمصالحهم الخاصة وبحكومتهم نفسها، فلم تكن سياسة المكابيين مقتصره على طلب الاستقلال التام والخلاص من الحكم الأجنبي، بل كانت تنطوي، على الاستيلاء على الأردن والتوغل في مناطق النبط نفسها، وانشاء حكومة قوية قد تزاحم حكومتهم في يوم من الأيام، فرأوا إن من الخير لهم إن يدعوا هذا التأييد، وأن يقاوموا إن احتاج الأمر إلى المقاومة. وقد حدث ذلك بالفعل في عهد الملك المكابي "اسكندر جنيوس" "اسكندر ينيوس" "Alexander Jannaeus" "103 - 76 قبل الميلاد" حيث وقعت حرب بينه وبين النبط بسبب الأردن.
فلما تمكن الملك المكابي مستعيناً بجنود مرتزقة من اليونان ومن أهل آسية الصغرى ومن "المؤابيين" ومن "الجلعاديين" أهل "جلعاد"، وهم من العرب كما يقول المؤرخ اليهودي "يوسفوس"، واجبرهم على دفع الجزية اصطدم بمعارضة الملك "عبادة" "Obedas" الذي أعلن حرباً عليه، كاد "اسكندر" يهلك فيها لولا الأقدار التي احتضنته ففر مسرعاً هارباً بنفسه إلى القدس،وبذلك كتب لنفسه السلامة والنجاة.
إن "عبادة" "Obedas"="Obodas"="Obadath" هذا الذي ذكره "يوسفوش"، هو "عبادة" المعروف عند المؤرخين ب "عبادة الأول" تمييزاً له عن ملوك آخرين عرفوا ب Obedas، وقد حكم حوالي سنة تسعين قبل الميلادْ. وجعل "شرادر" حكمه في عام "93" قبل الميلاد. وقد ورد اسمه مضروباَ على النقود.
لم ينعم "اسكندر جنيوس" "اسكندر يانيوس" بعد عودته إلى القدس بأيام طيبة هادئة، فلقد جوبه بمعارضة قوية وبجماعة شديدة أخذت تعارض سياسته وتقاومه، ودبت الفتنة في كل مكان من مملكته وبلغ من حقد الجماعة عليه انها استدعت "ديمريوس أويكروس" "Demetrius Eukarus III" المعروف با لثالث من بقايا حكام مملكة السلوقيين السوريين المتداعية ونصبته ملكاً عليها وحاكماً. وهكذا نجد الشعب اليهودي الذي استعاد استقلاله يعود إلى طبيعته الأولى، فينقسم على نفسه، ويشعل نار حرب أهلية في مملكته، ويفضل حكم الغرباء على حكم أبنائه. ولما وجد الملك المكابي مركزه حرجاً وخصمه قوياً وانه قد يتغلب عليه، وأن له في الجنوب خصماً آخر طموحاً أقوى من خصمه "ديمتريوس" وأعنف، رأى التودد إلى العرب والتحبب اليهم، فنزل لهم عن "موآب" و "جلعاد" وعن أماكن أخرى كان يخشى من احتمال انضمامها إلى خصومه، وقدّمها إلى ملك النبط وتساهل في أمور أخرى ليأمن على ما تبقى من مملكته على الأقل.
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:13 AM
وأما "ديمريوس" الذي ترك "يهوذا" "Judaea" وارتحل عنها، فقد ذهب إلى "حلب" "Boroea"، وانتصر على أخيه "فيليب" "Philip". غير أن "ستراتو" "Strato" حليف "فيليب" وأحد حكّامه،أسرع فاستنجد في " Zizus" بسادات القبائل العربية وبالفرث " Parthians ""، فاأجدوه وساروا بقوات كبيرة على "ديمتريوس" فانتصروا عليه.
وحكم بعد "عبادة الأول" ملك اسمه "رب ال" "Rabb il"="Rabilus". يظهر أن حكمه كان حوالي السنة "87" أو "86" قبل الميلاد. ويعرف عند المؤرخين ب "رب ايل الأول" تمييزاً له عن عدد من الملوك حكموا بعده عرفوا باسم "رب ايل". وقد عثر على كتابة وسمت ب "CIS II, " مؤرخة قي شهر "كسلو" وشهر "شمادا" "Schemada" في قراءة و "شمارة" شمرة" "Schamara" في قراءة أخرى من سنة "18" على قراءة أو سنة "16" على قراءة أخرى من سني ملك اسمه "حرتت ملك"، أي "حارث الملك"، أو "الملك الحارث" بتعبير أصح. وقد دونت هذه الكثابة على قاعدة تمثال عثر عليه سنة "898 1 م" عند " بطرا" "Petra" دوّنت عليها: "
هنا تمثال رب ايل ملك النبط بن.... ت ملك النبط عملها.... ب رحيم "حيم" "ننى" "مجنى" الأقدم". فيظهر من هذه الكتابة إن تمثالاً أقيم للمملك "رب ايل" عمل في السنة الثامنة عشرة أو السادسة عشرة من سني ملك اسمه "حرتت"، أي "الحارث"، وان الذي عمل التمثال شخص لعب القدر يبعض حروف اسمه الأول، فلم يبق منه الا الحرف الأخير، وهو "ب"، كما لعب في طمس معالم بعض الحروف الأخرى من الاسم،حمل الباحثين على الاختلاف في قراءتها.
اما اسم الملك وهو "رب ال ملك نبطو"، فهو ظاهر واضح. وأما اسم أبيه الذي هو- "ملك نبطو" أي ملك النبط، فقد سقطت حروفه ولم يبق منه الا الحرف الأخير وهو "ت"، لذلك اختلف فيه الباحثون، فمنهم من قرأه "عبدت"، أي "عبادة"، فجعل لذلك "رب ايل" ابناً له، أي ل "عبادة الأول"، ومنهم من قرأه "حرتت"، أي "الحارث"، فجعل أباه ملكاً اسمه "الحارث".
ولانعرف شيثاً يذكر من أعمال "رب ايل". ولعل ما ذكره "اصطيفان البيزنطي" "Stephanos Of Byzanz" نقلاً عن "أورانيوس" من أن ملك العرب المسمى "ربليوس" "Rabilus"="Rabilos " قتل "انتيغونس" "Antigonos
المقدوني في موضع يقال له "Matho"، وهو قرية عربية، أريد به الملك "رب ايل" الذي نتحدث عنه. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن المراد من لفظة."موثو" "موتو" الموت، وان المقصود موضع الموت أو قرية الموت، لما وقع فيه! من موت لا، فعرفت به.
ولا نعلم من أمر "رب ايل" شيئاً يذكر، والظاهر إن حكمه كان قصيراً، جعله بعضهم نحو سنة، أي سنة "87" قبل الميلاد، ثم وضْع بعده حكم "الحارث" المعروف بالثالث. وهو من أشهر الملوك المتقدمين من النبط، وأخباره أوضح من أخبار من تقدمه ممن ذكرت. وقد ذهب بعضهم إلى احتمال كونه هو "اروتيموس" Erotimus"" المذكور في التواريخ اليونانية. وذهب بعض الباحثين إلى أن حكم الحارث كان من سنة "85" حتى سنة "60" قبل الميلاد، أو من سنة "87" حتى سنة "62" قبل الميلاد. وإذ صح أنه أدرك سنة "62" أو "65" قبل الميلاد، يكون الرومان قد استعادوا مدينة دمشق في أيام هذا الملك، إذ يرى كثير من المؤرخين ان "اللجيونات" الرومانية العاملة بإمرة القائدين "لوليوس" "Lollius" و "ميتيلوس" "Metellus" قد احتلت المدينة عام "65" قبل الميلاد،ثم دخلها "بومبيوس".في سنة "64" قبل الميلاده. وذهب بعض الباحثين إلى أنه اضطر إلى اخلاء "دمشق" سنة "70" قبل الميلاد، إذ لم تستطع جيوشه الوقوف أمام جيش الملك الأرمني "تيكرانس" "Tigranes" التي زحفت على بلاد الشام.
وقد عرف الحارث الثالث ب "فيلهيلن" "Philhellen"، وهو لقب يوناني " Aretas Philhellen"، معناه محب اليونان. وقد اشتهر بتوسيعه رقعة ملك النبط. فلما هاجمه "أنطيوخس الثاني عشر" "أنطيخس" "Antiochus XII" وأخذ يتوغل في أرض النبط، أسرع "الحارث" فجمع قواته ووقف بحزم أمام القوات المهاجمة، ثم اصطدم به عند موضع " Cana" "Kana "، حيث قضى على معظم جيش "أنطبوخس" وألحقه مع من قتل بالعالم الأخر. وقد وقعت هذه المعركة في سنة "86" أو "84 83" قبل الميلاد.
ويرى بعض الباحثين استناداً إلى النقود الني ضربت باسم "أنطيوخس"، بسنة "87 - 86" قبل الميلاد، والني استمر ضربها ثلاث أو أربع سنين ثم انقطعت أن نهاية هذا الملك كانت بسنة "85 - 84" أو "84 - 83"، وهي السنة التي قتل فيها، وانتهت بانتصار "الحارث" عليه.
وقد مكن سقوط "أنطيوخس ! في تلك المعركة النبط من تقوية أنفسهم ومن شدّ عزمهم، فلما مات الملك "رب ايل" الأول سنة "87" قبل الميلاد على بعض الاراء، وتولى "الحارث" الثالث "حارثة" "Aretas" الحكم من بعده انتهز تلك الفرصة فاستولى سنة "850 ق. م." على دمشق، وتوسعت بذلك رقعة مملكته وأحاطت بملكة المكابيين من الشرق والجنوب.
وقد افتتح عهد "الحارث الثالث" باستيلائه على "دمشق" وعلى "سهل البقاع" "Coile-Syria"="Koile-Syria""فقد استدعاه أهلها لانقاذهم من مهاجمة "اليطوريين" "Ituraer" لهم، بقيادة ملكهم "بطلميوس بن منيوس" "Ptolemaios Mennaios"، أي "بطلميوس بن معن". وهو من أصل عربي أيضاً، فأسرع اليها، وكانت يومئذ. قصبة "السلوقين"، فاستولى عليها، ودخلت في جملة أملاكه، ولقبه أهلها "محب اليونان وحاميهم"Philhellen" لأنه أنقذهم من غزوالأعراب لهم.
والآن وقد اصبح "الحارث" علىمملكة واسعة الأطراف، وتشرف على مملكة "يهوذا" المتداعية وبإمرته جيش قوي، كان لا بد له من التداخل في شؤون هذه الجماعات المتخاصمة إلمتنافرة الني تكوّن مملكة، ولكنها لا تخضع لا لسلطان. واذا لم يتدخل هو بنفسه فإن الأحزاب اليهودية نفسها لا تتركه على الحياد. وهذا ما حدث. فغزا "الحارث" أرض يهوذا، وفي معركة واحدة وقعت عند موضع "اديدا" "Addida"="Adida" انهار الجيش اليهودي، وتشتت شمله، فلم يبق. أمام "اسكندر ينيس" "Alexander Jannaeus"="Alexandros Iannaios" غير طلب الصلح، فعقد الصلح وعاد النبط إلى ديارهم إلى حين. ولم يشر المؤرخ
"يوسفوس" إلى محتويات معاهدة الصلح. أما " Adida"="Addida" المكان الذي وقعت فيه المعركة، فهو "الحديثة" على مقربة من "اللد" "Ludda"، المسماة أيضا باسم " Diospolis"، وقد عرفت " Adida" با سم "حا ديد" "Hadid"و "حديد" "Hadid" "Aditha ". لقد تمكن "الحارث" من بناء جيش يعتمد عليه في المعارك، فبعد أن كان جيش النبط في بادىء امره جماعات غزو غير منظمة ولا منقسة تهاجم عدوها وتباغته على طريقة الأعراب ثم تتراجع، يسيرّها العرف القبلي، تحسنّ جيش النبط بعض التحسن، وأدخلت على القوات الراكبة بعض الاصل*********ت، غير انها بقيت مع ذلك متأثرة بروح البداوة، التي لا تقبل الخضوع للانظمة والأوامر، والتي لا تهتم الا بالغنائم، فاذا حصلت عليها رجعت إلى مواطنها دون تفكيرفي العاقبة. فلما استولى "الحارث" على دمشق، وفيها عدد كبير من اليونان، انضم بعضهم اليه، فعملوا على تحسين جيشه وتدريبه، وعلى تكوين جيش مدرب نظامي، استعان به في تقوية مركزه حتى صار به من أقوى ملوك النبط الذين حكموا حتى أيامه، مما حمله على التدخل في شؤون مملكة يهوذا، ثم على مجابهة الرومان، وهم أصحاب جيوش منظمة مدربة، بجيش لم يتعود د********* الحروب النظامية، فتغلب الرومان منَ ثمّ عليه.
فلما دبّ الخلاف بين الأخوين "أرسطوبولس" "Aristoboulus" و"هركانوس" Hyrcanus"، ابني "اسكندرة" "Alexandra على الملك، وانقسمت "يهوذا" إلى أحزاب وجماعات أبرزها جماعة "الفريسيين" "Pharisees" يؤيدون "هركا نوس" وجماعة "الصدوقيين" "Sadducees"" أنصا ر "أرسطو بو لس"، وجمع "أرسطو بولس" حوله أنصاره وجيشاً من العرب ومن جنود مرتزقة، وتفوق على أخيه، طلب "رهركانوس" مساعدة النبط، وبعث صديقه "انتيبطر" "أتيباطر" "Antipater" إلى "بطرا" ليتوسط لدى "الحارث"، وكا ن صديقاً له، في أمر مساعدة "هركانوس" وفي أمر الالتجاء إليه. فلما نجحت الوساطة، هرب من للقدس ليلاً متجهاً إلى النبط، وطلب من الملك بإلحاح أن يعيده إلى "يهوذا"، وأن يأخذ له التاج من أخيه، ويثبته في ملكه، ويتعهد في مقابل هذه المساعدة بإعادة المدن الاثنتي عشرة التي أخذها أبوه "اسكندر" من العرب، وهي: "مادبا" "مأدبا" "Medaba" و "نبالو" "Naballo" و "ليبياس" "Libias" "وثربسة" "Tharabasa" و "اكلة " Agalla" و "اتونة" "Athone" و "زورة " "Zoara" و "اورونة" "Oronae" و "ريدة" "Rydda" و "لوسة" "Lusa" و"اوريبة" "Oryba" و "مريسة" "Marissa" إلى النبط. فوافق "الحارث" على هذه الشروط، وهجم على يهوذا" "66 - 65 ق.م
بحيش قوامه خمسون ألف جندي راجل وفارس شتت شمل أصحاب "أرسطو بولس" وتركه وحده فهرب إلى القسس. فتعقبه الحارث على رأس جيش. عربي يهودي كبير، وأحكم عليه الحصار، وكادت العاصمة تسقط في بديه لولا حدوث تطور سيامي عسكري خطير قلب الوضع، ذلك هو هجوم الرومان فجأة في أيام "بومبيوس" على دمشق وسورية هجوم قائدهم "سكورس" على "يهوذا" وتدخله في هذا النزاع.
لقد كان تقدم الرومان هنا في بلاد الشام تهديداً صريحاً لليهود وللنبط.، أدى بعد قرون إلى الاستيلاء التام على كل فلسطين والأردن وإلحاقهما بالمستعمرات الرومانية. وقد كانت فاتحة ذلك تدخل الرومان في شؤون يهوذا، وتوجيه انذار. إلى "الحارث" بوجوب فك الحصار عن "القدس" والتراجع عن بهوذا مع جميع جيشه فوراً إن أراد أن تكون علاقاته ب "رومة" حسنة، والا عُد عدواً لها ومشاكساً. وقد أدرك "الحارث" إن جيشه لا يستطيع الوقوف أمام جيوش الرومان المدربة المنظمة المسلحة تسليحاً جيداً حديثاً بالنسبة إلى أسلحة النبط. ففك الحصار، وتراجع ومعه "هركانوس"، فاغتنم "أرسطوبولس الفرصة، وكان قد اكتسب ثقة "سكوروس" قائد الرومان، وتعقب المتراجين في طريقهم إلى "ربت - عمان" "فيلادلفيا" "عمان"، فالتحم بهم في معركة عند موضع اسمه "بابيرون" "Papyron "، فانتصر على "الحازث" وقتل ستة آلاف من أتباعه.
وتعقدت الأمور ثانية بين الرومان والنبط، وهدد "سكوروس" النبط بالزحف عليهم وتخريب بلادهم، وقرر الحارث في بادىء الأمر تحدّيه، ثم وجد إن من المستحيل عليه الثبات له، وتوسط "انتيباتر" فيما بينه وبين "سكوروس" بأن يدفع الحارث جعالة للرومان، وتصالح، بذلك معهم. وقد سرّ "بومببيوس" من. هذه النتيجة حتى انه أمر بوضع صورة "الحارث" في موكب نصره، كما سرّ "سكوروس" بذلك اذ أمر بضرب نقد، صوّز الحارث علية وقد أحنى رأسه راكعاً وحاملاً سعفة تعبيراً عن استسلامه له.
لقد وقع كل ذلك في حوالي السنة "62" قبل الميلاد، السنة التي هلك فيها هذا الملك، وذهبت بوفاته معه كل آماله وأحلامه في أن يكون وريث مملكة السلوقيين في بلاد الشام. ولعل النكسة التي وقعت له قد أثرت فيه فعجلت منيته.
وقد ورد اسم "الحارث" في كتابة عثرعليها في القسم المعروف ب "المِدراس" "المدرس" "Elmadras" من "بطرا". و "المدراس" معبد خصص بعبادة الإلهَ "ذوالشرى" "Duschara" إله النبط الكبير. وقد دوّنها أحد قواد الملك في السنة السادسة عشرة أو السابعة عشرة من حكم "حرتت" "Haritat" في مناسبة تقربه إلى الإلهَ "ذو الشرى" بصنم لخيره ولخير. ملكه.
وحكم بعد "الحارث الثالث" ابنه الملك "عبادة الثاني"،حكم من سنة "62" حتى سنة "47" قبل الميلاد، أو من سنة "62 "حتى سنة"0 6" على رأي آخر. ولا نكاد نعرف من أمره شيئاً يذكر. وقد عثر على نقد من الفضة ضرب بامره وهو من فئة ال "دراخما" "Dirakhma"، ضرب في السنة الثانية أو الثالثة من سني حكمه. وقد صوّر عليه وجه الملك حليقاً، وشعر راسه قصيراً. ويظهر من رواية أوردها المؤرخ "يوسفو س"0 أن القائد " A.Gabinius"، انتصر على النبط في إحدى المعارك، وأن النبط قد هزموا هزيمةً منكرة. ولم يذكر اسم الملك الذي انتصر عليه هذا القائد. وإذا أخذنا برواية من يجعل هذا الانتصار في السنة "55" قبل الميلاد، فمعنى هذا أن الملك المغلوب هو "عبادة الثاني" على رأي من يرى أنه حكم من سنة "62" حتى سنة "47" قبل الميلاد، أو في أيام "مالك الأول" على رأي من يجعل ابتداء حكم هذا الملك من سنة "65" قبل الميلاد.
وحكم الملك "مالك" "Malichus"="Malchus" المعروف ب "الأول" بعد "عبادة الثاني"، وهو ابنه، من سنة "47" حتى سنة "30" على رأي. ومن سنة "50" أو حوالي السنة "47" حتى سنة "30" قبل الميلاد على رأي آخرْ وذهب بعض المؤرخين الى أى أن "مالكاً" كان قد حكم بعد "الحارث الثالث"، وأن حكمه كان فيما بين السنة "62" والسنة "35" قبل الميلاد.
وقد انجد النبط في أيام ملكهم "ملكوس" "مالكوس" "Malichus"، أي "مالك الأول"، "يوليوس قيصر" "Juluis Caesar" سنة "47" أو "48." قبل الميلاد في حصاره لمدينة الاسكندرية، فاًمده بقوة من جيشه كما ساعده أيضأَ عدد من سادات القبائل توسط في ارسالهم إليه "أنتيباطر" "Antipater"، لعلهم من سادات قبائل طور سيناء.
وكان "انتيباتر" قد تزوج امرأة عربية من أسرة كبيرة معروفة، نجلت له أربعة أولاد وبنتاً، وتمكن بهذا الزواج من تكوين صداقة متينة مع ملك العرب "النبط" كما يقول ذلك "يوسفوس". ولما وقعت الحرب بينه وبين "ارسطوبولس" "Aristobulus"، أرسل أولاده إلى جدهم ملك العرب ليكونوا في مأمن هناك. وكان "لبطرا" أثر مهم في الخصومات الشخصية التي وقعت في مملكة "يهوذا" ايام ا الملك "هركانوس بن اسكندر"، هذه الخصومات التي أدت إلى تدخل "الفرث" " Parthians" من جهة، والى تدخل الرومان من جهة أخرى في شؤون مملكة يهوذا، ولكلَ دولة مصلحة في هذا الجزء المهم من الشرق الأدنى ومطمع. وللدولتين أنصار وأعوان، وطامعون في الملك يريدون المساعدة والمعونة للحصول على العرش
والطامعون في العرش والراغبون في الفن والخصومات في "يهوذا" كثيرون. فلما بلغت جيوش، الفرث حدود "القدس"، بتحريض من "اطيغونس" ابن أخ "هركا نوس"، أسرع "هيرودوس" "Herodus" ابن القتيل "انتيباتر" الذي كان الحاكم الحقيقي في "يهوذا"، وصاحب النفوذ في المملكة، وصاحب الحظوة عند الرومان، فهرب إلى النبط، إلى ملكهم "مالك" "Malchus" في عاصة "بطرا"، يلتمس منه العون والمساعدة والمال على، سبيل الهبة أو الدين لما كان لوالده القتيل من صداقة به، ليرشو به من ينقذ حياة أخيه. فلما كان في طريقه إلى بطرا وصلت رسل الملك تخبره أن الملك لن يتمكن من مقابلته، وذلك بناءً على طلب ورجاء تقدم به الفرث إليه، واتصل عندئذ بسادات قبائل عربية.كانت لهم صلات وصداقة بوالده، فلما رأى ذلك آثرالذهاب إلى مصر ومنها إلى ايطالية كان له فيها أصدقاء ليساعدوه في الإنتقام من قتلة أبيه. والى هذا الملك أي ملك النبط "مالك" هرب "يوسف" "Joseph" شقيق "هيرودس" مع مئتي رجل من رجاله، غلى أثر هجوم "انطيغونس"، وحينما بلغه تغير رأيه.بالنسبة الى "هيردوس" أخيه.
وعاد "هيرودس" من "رومة" ملكاً، لقد تفضل "اغسطس" و "أنطونيوس" ومشايخ الرومان عليه فنصبوه ملكأ على اليهود، على مملكة يعين ملوكها الرومان أو الفرث. عاد بفضل الرومان، فصار بالطبع آلة في أيدي سادة "رومة". ولما نشبت الحرب بين "انطو نيوس" و "أوكتافيوس" سنة "32" قبل الميلاد،
انضم إلى حزب"انطونيوس" صاحب الفضل عليه. أما واجبه الذي كُلفَهَُ، فقد كان محاربة النبط، الذين رفضوا دفع الجزية للرومان، وأبوا الخضوع لهم، والذين أيدوا الفرث. ولما تمكن القائدء "فنتديوس باسوس" "Ventidus Bassus" من ضرب الفرث ومن انزال هزيمة بهم، أصاب الضرر الملك "مالك" حليف "الفرث" فانتزعت منه بعض أملاكه. لذلك فرح "هيرودس" بهذا التكليف، وشجعته على ذلك "كليوبطرة" ملكة مصر وصاحبة "انطونيوس"، التي طلبت منه الاسراع في محاربة "ملك العرب" الذي أبى دقع الجزية لها، وكانت تكره "هيرودس" وتريد هلاكه إن أمكن، فأرادت بعملها هذا أن تقضي عليه، أو أن تضعف من مركزه ومن مركز ملك العرب، بمحاربتهما بعضهما بعضاً فتتمكن من الملكين فيخضعان لها وتكون سيدة "العربية". وبادر "هيرودس" بمحاربة النبط، فالتقى بهم عند "اللد" "Diospolis" وانتصر عليهم، ثم التحم بهم في "قنا" ""Cana" "قنوات" "Canatha" في البقاع " Coele Syria" وكاد يتغلب عليهم لولا هجوم "أثنياوس" "Athiniaus" فتغيرت الحال وهاجمه النبط أيضاً فسقط عدد كبير من جيشه في س*********ت القتال وأسروا من فرّ منهم إلى " Ormiza" فاضطر عندئذ إلى الرجوع إلى "القدس" وفي القدس أخذ "هيرودس" يحرض قومه على الانتقام من العرب، والأخذ بالثأر، ولا سيما بعد هجوم العرب على مملكته ومباغتة مدنه.
فنشبت سلسلة من الحروب كلفت اليهود والعرب خسائر كييرة، اذ طالت الحروب، ولم تنته الا بعد مشقة. ويدعي المؤرخ "يوسفوس" إن النصر كَان في الخاتمة في جانب اليهود. فقد جمع "هيرودس" كل قواته وأعاد تنظيمها، ثم عبر الأردن. ولما بلغ "عمان" "Philadelphia" التحم بالنبط، نَأنزل بهم خسائر كبيرة. إذ سقط منهم خمسة آلاف قتيل، واستسلم منهم أربعة آلاف رجل كانوا قد تحصنوا في معسكر حصين،ولكن أجبرهم العطش في الأخير على الاستسلام. كما قتل سبعة آلاف آخرون كانوا حاولوا الفرار من الحصار، فتعقبهم اليهود وقتلوهم. واضطر النبط عندئد إلى دفع الجزية إلى "هيرودس"، وعقدوا صلحاً معه، ولم تخالفه العرب بعد ذلك.
يقول "يوسفوس": إن العرب كانوا يكرهون "هيرودس" وحاولوا الثورة عليه والانتقام منه حتى بعد عقد هذا الصلح. وقد كان في جملة من دقع الجزية إليه العرب الساكنون في "حوران" "Aurantitis"، بحكم تبرع القيصر "اغسطس" بأرضهم له،إلا أنهم كانوا يدقعون الجزية إليه أحياناً، وكانوا يمتنعون من دفعها أحياناً، أخرى، ويحاولون التخلص منه. ولم تكن قوة "هيرودس" في الحقيقة هي التي جعلت هؤلاء الأعراب يقبلون بمصالحة اليهود أو دفع الجزية. لهم، إنما كانت قوة الرومان الني تسخرها أيد إدارية قوية تحسن التوجيه للبطش في القبائل المتعادية وفي سادات القبائل المتنافسين على الزعامة المتباغضين،
وفي العساكرالمسخرين للذين أكرهوا على القتال، ولم يكن لديهم علم بأسلوب القتال ولا بكيفية استخدام الأسلحة، ولا عزم على الوقوف في وجه الخصم، وليس لهم ضباط وقادة مجربون محنكون، لهم هدف وطني وخبرة بأساليب القتال، ولم يكونوا يرون في الفرار ما لا يتفق مع واجبهم العسكري.
ولا ندري متى كانت نهاية الملك "مالك" بعد هذه الخسائر التي حلت بالنبط. والظاهر انه لم ذهب "هيرودس" إلى "رومة" ليرفع شكايته عن ابنه " اسكندر" إلى القيصهر، والتماسه من القيصر شمول ابنه الاخر "انتيباتر" بالعطف والحماية، انتهز أهل اللجاة "Trachonites" فرصة غيابه فأعلنوا الثورة وهاجموا الحدود، وعادوا إلى الغزو، وكان "هيرودس" قد منعهم منه، وضرب على أيدهم بشدة، فلما تعقبهم وكلاء "هيرودس" وقتلوا خلقاً منهم، هرب عدد من رؤسانهم إلى النبط واحتموا بهم ولما عاد "هيرودس" أراد الانتقام منهم، فطلب الاذن من حكام سورية الرومان بتأديبهم والموافقة على ارسال قواته إلى المقاطعة لمقاتلتهم. ورجا من "عبادة" ومن وزيره "صالح" اجلاء رؤساء أهل "اللجاة" عن أرض النبط وعدم حمايتهم. فلما رفضا ذلك، طلب من "صالح" اعادة المال الذي اقترضه منه "عبادة" بوساطته. ولما لم تثمر المفاوضات شيئاً، هجمت قوات "هيرودس" على المناطق التي التجأ اليها الهاربون من أهل "اللجاة"، فاستولت على " Raipta" معقلهم وهدمته. فلما سمع النبط بذلك، بادرت جماعة منهم برئاسة قائد يدعى " Nacebus" لمساعدتهم، فاصطدمت بجنود "هيرودس" وسقط " Nacebus" ".
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:18 AM
مع زهاء عشرين رجلا" من أتباعه قتلى في هذه المعركة. ثم أمر "هيرودس" بإسكان الأدوميين في "اللجاة"، وكتب بذلك إلى حاكم "فينيقية" يبين له الأسباب التي حملته على ارسال هذه الحملة على "التراخونيين" أهل اللجاة. ويدعي "يوسفوس" أن "Syllaeus" استغل فرصة وجوده في "رومة" وذهب إلى القيصر شاكياً من العمل الذي قام به "هيرودس" ووشى به كثيراً، فغضب عليه "أغسطس". غير إن القيصر بدّل رأيه في "صالح" حين اطلع على الخبر الصحيح، ولما بلغته أخبار وفاة الملك "عبادة" وانتقال العرش إلى " Aeneas" الذي غيّر اسمه حينما تولى الملك ودعا نفسه "Aretas" على عادة أكثر ملوك النبسط دون أن يكتب ملك النبط إليه ويخبره بالحدث، فغضب على "صالح" وأمر بمعاقبته. ويدعي "يوسفوس" إن الملك الجديد كان مبغضاً ل "صالح"، لأنه كان يعتقد انه كان نفسه يطمع في الملك لما كان له من نفوذ ومال، وانه كتب إلى "أغسطس" يخبره بأنه سمّ "عبادة" الملك السابق، وانه ققتل عددا من أشراف المملكة في "بطرا"، من بينهم "Sohemus" السيد النببل، الذي يحترمه قومه ويجلونه،وانه قتل " Fabatus" خادم "أغسطس" وفعل أموراً أخرى منكرة تستوجب العقاب.
أما " Nacebus" الذي قتل في معركة "Raipta"،وهو في موضع في العربية، فكان صديقاً ل" Syllaeus" ومن أبناء عشيرته. ويخيل إليَّ أن كلمة " Nacebus" ليست علماً لقائد الحملة، وإنما هي درجة ومنزلة، وأن معناها "نقيب"، وهي درجة من درجات الجيش، ولكني لا استبعد كونها إسماً حرف في اليونانية حتى صار على الشكل المذكور، وأن الأصل هو "نقيب" أو "نسيب" أو "نجيب" أو ما شاكل ذلك من اسماء. وأما " Sohemus"، فهو اسم علم قد يكون "سخيماً" أو "سحيماً" أو ! سهيماً"، وكلها أسماء معروفة في الجاهلية.
وقد الشار "موسل" إلى رواية ذكرها "أورانيوس" "Uranius" و"اصطيفان البيزنطي" عن تأسيس مدينة " Auara" في أيام الملك "عبادة"، خلاصتها أن "حارثة" "Aretas" ابن الملك حلم أن والده سينشىء مدينة، وأن هذه المدينة هي "Auara" من كلمة "حوراء" أي "البيضاء". فلما قص "حارثة" حلمه على والده، اخذ يفتش عن موضع أبيض ينشىء عليه المدينة، وبينما كان يفتش عن هذا الموضع تراءى له شبح رجل أبيض على جمل أبيض استخفى فجأة. فلما دنا من مكان الشبح، وجد بقايا شجرة ذات عروق ممتدة، فامر أن يكون موضع "حوراء" "Auara".
ويرى "موسل" إن هذه المدينة هي "الحميمة"، وهي أيضاً " Auara" التي ذكرها "بطلميوس" وتقع في "العربية الحجرية" "Arabia Petraea" على الطريق بن "أيلة" و "بطرا"، وأن الملك المقصود هو "عبادة الأول". وأما الوقت، فكان في حوالي سنة "93" قبل الميلاد. وقد ذكرت أنه حكم على
رأي أكثر الباحثين حوالي سنة "95" قبل الميلاد. وأرى أن "Obadus" الني ذكر "أورانيوس" و "اصطيفانوس البيزنطي" أنه كان صاحب ولد اسمه "حارثة" "Areta"، هو "عبادة" الثالث، فقد كان صاحب ولد اسمه "حارثة" وهو المعروف عندنا ب "Aretas" الرابع. أما "عبادة"، فالذي خلفه هو "رب ايل"، لذلك يكون "عبادة" الثالث الذي نتحدث عنه أكثر ملاءمة لرواية المؤرخين من "عبادة الأول".
وحكم بعد "عبادة الثالث" الملك "الحارث" "حرتت" "Aretas" المعروف ب "الرابع" والملقب ب "راحم عمه" Philopatris" وب "ملك النبط". وقد حكم من حوالي سنة "9" قبل الميلاد حتى حوالي سنة "40" بعد الميلاد. وورد اسمه في عدد من الكتابات، منها النصوص المرقة ب "CIS 11,160" و "CIS II,354" "CIS II,197-217"0أما الكتابة الموسومة ب "CIS 11,160" فقد ارخت بالعام الخامس من حكمه، أي سنة "4" قبل الميلاد، وقد ورد فيها اسم الإله "
دوشرا" أي "ذو الشرى".
وأما النص الموسوم ب "CIS 11,197" فأرخ بشهر نيسان من السنة التاسعة من حكم "حرتت" "الحارث"، "بيرح نيسن ششت تشع لحرثت ملك نبطو"، أي في السنة الأولى للميلاد، وورد فيه أسماء الآلهة: "دو شرا" "ذو الشرى"، و "منوتو" "مناة" "Manutu" و "قيشح". وقد ذكرت في هذا النص بعد جملة: "لحرثت ملك نبطو....." جملة "رحم عمه"، أي "محب شعبه"، وهي من النعوت التي ظهرت في الكتابات في هذا العهد.
وأرخ بأيام صاحبنا "حرثت" "الحارث" النص المعروف ب "CIS 11,198" وهو أيضاً من النصوص التي عثرعليها في "الحجر". ويعود عهده إلى شهر "طبت" من السنة التاسعة من حكم هذا الملك، أي إلى السنة الأولى للميلاد. وقد وردت فيه بعض الأسماء، مثل "كمكم" "كمكام" و ! ودلت" و "ودلات" و "حرم" "حرا م" و "كلبت" "كلبة" "كليبت" "كليبة" و "وهب اللات" و "عبد عبادة !. وأسماء الآلهة: "دوشرا" و "هبلو" و "هبل" و "منوتو" "شا ة" و "اللت" "اللات".
أما النص " CIS11,199"، فقد كتب في شهر "شباط" من السنة الثالثة عشرة من سني حكم "الحارث" "حرثت" وهي السنة الرابعة بعد الميلاد. وقد أرخت بقية النصوص من "CIS11,200" حتى "CIS11,217" بسني "الحارث" كذلك، وهي تفيد مثل غيرها فائدة كبيرة من حيث تتبع تأريخ الأسماء، فوردت فيها أسماء كثيرة
مثل "كهلن" "كهلان" و "وعلن" "وعلان" و"سعد الله" و "مر ت" "مرة" و "سكينت" "سكينه "" و "حميد" و "حوشب" و "خلف" و "قين" و "جلهمة" و "تيم الله" و "عميرت "عميرة" و "وهب" وأمثالها مما كان شائعاً معروفاً عند العرب قبل الإسلام.
وذكرت في الكتابة "cis 11,354" مع اسم "الحارث" أسماء "شقيلت" "شقيلة" ملكة النبط و "مالك" و "عبادت" "عبادة" و "رب ال" "رب ايل". وقد دونت في السنة التاسعة والعشرين من حكم الملك، وهي سنة عشرين بعد الميلاد، وذلك عند صنع صنم يوضع في معبد "بطمون". ويلاحظ إن معظم المقابر الكبيرة التي عثر عليها في "الحجر" هي من السنين الاْخيرة من حكم "ا لحا رث".
إلى هذا الملك يرجع النصى الموسوم ب "rep.epic.54" ويرجع تأريخه إلى السنة الثالثة والأربعين من حكم "الحارث"، وقد دعي فيه ب "محب شعبه" "رحم عمه" "رحبم عمه" كما ذكر فيه اسم زوجته "شقيلة". وكذلك النص الموسوم ب "rep. Epig.1103" المكتوب في سنة "40" من حكم "الحارث"، أي سنة "31" للميلاد، وهو من النصوص التي عثر عليها في "مدائن صالح".
وأرخ بحكم هذا الملك النص " REP.EPIG.674"، وهو شاهد قبر من مدينة "مأدبا" يرجع تأريخه إلى سنة "37" بعد الميلاد.
و "الحارث" "Aretas" الذي أمد القائد الروماني "واروس" "فاروس" "Varus" بقوة من المشاة والفرسان حين زحف على "يهوذا"، هو "الحارث" الرابع الذي نتحدث عنه، فعل ذلك كما يقول "يوسفوس" انتقاماً من "هرودس" وتقرباً إلى الرومان. وبعد لن استولى "فاروس" على مدن عدة وهو ذاهب إلى القدس، منها مدينة "عكا" "Ptolemais" "Acco"، اتجه نحو "الجليل" "Galilee" ثم السامرة فالقدس. أما القوات العربية، فقد سارت إلى مدينة "Arus" فأحرقتها ثم سارت إلى مدينة "Sampho" وهي مدينة محصنة جداً فاستولت عليها وأحرقتها، واستولت على أماكن أخرى. حدث ذلك حوالي سنة "4" قبل ا لميلاد.
واصطدم النبط باليهود في أيام القيصر "طيياريوس" و "هيرودس" ملك "يهوذا" المعروف ب "هيرود انتيباس" "Herodes Antipas"، وذلك في سنة "36" بعد الميلاد، بسبب زواج "هيرودس" من زوج أخيه على زوجه الأولى، وهي ابنة "الحارث" "حرثت"
وبسبب اختلافهما على حدود منطقة " Gamalites"، فجرت حروب بين الطرفين انتهت بانتصار "الحارث" على خصمه انتصاراً كبيراً في "جلعاد" "Gilead" وبتشتيت شمل جيوشه، فاستنجد "هيرودس" بسيده وحاميه القيصر "طيباريوس"، فغضب القيصر وكتب إلى عامله على سورية "فيتليوس" "Vitellius" ان يسير فوراً بجيشه لمحاربة "الحارث" والقبض عليه حياً وارساله مكبلا بالسلاسل إلى "رومة" أو ارسال رأسه إليه إن قتل. وبينما كان العامل يهم بالزحف على مملكة النبط وتنفيذ أمر القيصر، جاءته الأخبار بوفاة "طيباريوس" سنة "37 " بعد الميلاد فتوقف عن الحرب، وقرر الرجوع إلى مكانه. وساء موقف "هيرودس" ثم نحّاه الرومان عن عرشه ونفوه إلى "اسبانية"، حيث مات هناك.
ويظهر من رسالة "بولس" الرسول الثانية إلى أهل "كورنتوس" إن "دمشق" كانت في أيدي ملك اسمه "الحارث"، وانه هم بالقبض عليه، غير انه هرب ونجا منه. قال: "في دمشق والى الحارث الملك كان يحرس مدينة الدمشقيين يريد أن يمسكن، فتدليت، من طاقة في زنبيل من السور ونجوت من يديه".
ونرى "بولس الرسول" أيضاً في رسالته إلى أهل "غلاطية" وفي حديثه عن نفسه وعن كيفية اهتدائه إلى ديانة المسيح، يقول: "ولا صعدت إلى اورشايم الى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية، ثم رجعت أيضاً إلى دمشق. ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى اورشليم لأتعرف ببطرس فمكثت عنده خمسة عشر يوماً". فهو يذكر هنا العربية وبعدها دمشق فهل أراد بالعربية البادية ? أو أرادعربية النبط، وانه من عربية النبط أو البادية عاد إلى دمشق ?.
والرأي الراجح بين علماء العهد الجديد، هو أن "الحارث" الذي قصده "بولس الرسول" هو هذا "الحارث"، أي "الحارث" الرابع، وأما الوقت الذي استولى فيه "الحارث" على دمشق، فقد كان في حوالي سنة "37" بعد الميلاد، وذلك على أثر الحرب التي شنها على "هيرود انتيباس"، وتدخل "طيباريوس" في الموضوع. ويظهر إن تدخل الرومان هذا أثار غضب "الحارث" عليهم، فسار بعد انتصاره على "يهوذا" إلى "دمشق" فاستولى عليها وأعادها بذلك مدة لانعلم طولها إلى مملكة النبظ. ويتخذ هؤلاء من وجود فجوة في النقود الرومانية الدمشقية، تبدأ بسنة "34" بعد الميلاد وتنتهي بسنة "2 6 - 63" بعد الميلاد دليلاً على صحة نظريتهم في أن المدينة تحررت في خلال هذه الفجوة ضمن حكم الرومان ودخلت في حكم النبط، ولهذا السبب حدثت هذه الفترة في ضرب النقود الرومانية في الشام.
وفي أيام هذا الملك دُوّ نت الكتابة المعروفة ب "REP.EPIG.1108"، وهي من الكتابات المدوّ نة في "الحجر" "Hegra"، أي "مدائن صالح"، دونت في السنة "38". للميلاد.وفي جملة الأسماء المذكورة في هذا النص امسم "عبدعدلون" أي "عبد عدنان".
وقد عثرعلى كتابة قبرية مؤرخة بالتقوم السلوقي من سنة "4 - ه" قبل الميلاد، وهي أيام حكم "الحارث" الرابع، صاحبها رجل اسمه "قصي بن تعجلة"، ولم يشر في الكتابة إلى حكم ملك النبط الذي في أيامه دونت هذه الكتابة. ويرى "ليتمان" أن الذي حمل "قصيّ" على إغفال الاشارة إلى اسم الملك هو أن القيصر "أغسطس" كان قد فوّ ض أمر" Trachonitis" و "Batanaea" "Auranitis" في عام "23" قبل الميلاد إلى ملك "يهوذا" "هيرودس" "Herodes"، وقد كان صاحب الكتابة من سكان هذه الأرضين، فلم يؤرخ بسني حكم ملك النبط الذي في أيامه أنشأ ذلك القبر.
لقد كان الحارث الرابع من المتأثرين بالثقافة الهيلينية وبالحياة الهيلينية. ويظهر هذا الأثر في المباني العامة التي أقيمت في أيامه وفي الكتابات اليونانية من عهده. ولا يستبعد أن يكون قد أتقن اللغة اليونانية وأخذ يتكلم بها مع اللسان الإرمي والنبطي، إذ كانت تلك اللغة هي لغة القوة والثقافة في تلك الأيام.
وحكم بعد "الحارث الرابع" ابنه الملك "ملكو" "مالك" المعروف بالثاني، وذلك من سنة "40 " حتى سنة "71".أو "75" بعد الميلاد. ويظهر أن النص المعروف ب "cis11.195" لصاحبه "عبد ملكو بن عبيشو"، أي "عبد الملك ابن عبيش" والمؤرخ بالسنة الأولى من حكم "ملكؤ" "مالك"، قصد ب "ملكو" "مالك الثاني" هذا، ويرجع تأريخه إلى سنة "41" بعد الميلاد. أما ناشر النص في " Cis11"، فقد ذهب إلى أنه "مالك الثالث" وانه كتب في حوالي سنة "39" بعد الميلاد. ومعنى هذا إن "مالك الثالث" حكم في سنة"38" بعد الميلاد، وهو وهم. وقد عثرعلى هذا النص في موضع "أم الرصاص". وفي السنة الأولى من. حكم "ملكو" "مالك" دوّ نت الكتابة الموسومة ب "cis11,218". وقد ذكر ناشرها إن "ملكو" المقصود هو "ملكو" الثالث، وأن تأريخها يرجع إلى سنة "39" بعد الميلاد، وهو وهم. وأما النص "cis11,182"، فقد أرخ كذلك بأيام "ملكو"، أرخ بشهر "اب" "آب" من السنة السابعة عشرة من حكم "ملكو ملك نبطو برحرثت"، أي من حكم الملك "مالك النبط بن حارثة". ويصادف هذا التأريخ عام "57" بعد الميلاد. أما ناشر النص، فقد جعله أيضاً "ملكو" "مالك"،
وجعل تأريخ التدوين في حوالي سنة "50" بعد الميلاد. وهو يناقض ما ذهب إليه كثير من الباحثنن من إن حكم الملك "مالك الثاني" كان من سنة "40" حتى سنة "71" بعدالميلاد. ثم إن ما ذهب إليه ناشر النص من أن تأريخه يوافق سنة "50" بعد الميلاد، هو وهم أيضاً، اذ يجب أن يكون سنة "57" للميلاد، لأن ابتداء حكم هذا الملك كان سنة "40". ولما كان النص قد أرخ بالسنة السابعة عشرة من حكمه تكون السنة إذن مسنة " 57" للميلاد.
لقد انتزعت "دمشق" من حكم "مالك الثاني"، في زمن لا نعرفه، إلا أن الأرضين في شرقها وفي جنوب شرقيها بقيت جزءاً من مملكة النبط.
وانتقل الحكم الى "رب ال "رب ايل" "ربئيل" الثاني المعروف "سوتر" "سوطر" "Soter" بعد وفاة "ملكو" "مالك" الثاني. وقد حكم من حوالي سنة "70" حتى سنة "106" بعد الميلاد على رأي،ومن سنة "75"حتى سنة "101" على رأي آخر، أو شئياً آخر قريباً من ذلك أو بعيداً بعداً قليلاً، بحسب تعدد أنظار الباحثيبن، لعدم وجود تقاويم ثابتة لدينا أو كتابات تنص على تواريخ حكم كل ملك من هؤلاء الملوك.
والى عهد هذا الملك تعود الكتابة المعروفة ب "CIS11,183" المؤرخة في السنة الخامسة والعشرين من سني حكم "رب ال" "رب ايل". وصاحبها رجل اسمه "قصي بن ادينت"، أي "قصي بن أذينة ". وتكون سنة تدوين هذه الكتاية اذن في سنة "95" أو " 100" بعد الميلاد. أما الكتابة " CIS11,161"، فتعود إلى أيامه كذلك، وقد دونت في شهر "أيار" من السنة الرابعة والعشرين من حكم "رب ايل"، وقد دوّن مع التأريخ النبطي ما يقابل بالتقويم المستعمل عند الرومان آنئذ وهو سنة "405".
والتقويم الروماني هو تقويم السلوقيين. وتقابل هذه السنة سنة "94" للميلاد ويكون مبدأ حكم "رب ايل" اذن في سنة "381" من التقويم السلوقي، أي سنة "70" بعد الميلاد. ووردت في هذه الكتابة بعض الأسماء، مثل: "هنى" "ها نىء" و "جد لت" "جد لة" و "بجرت" "بجرة" "بجير ة" و "ادرم" و "عبد الملك"، وهي من الأسماء المعروفة أيضاً عند عرب الحجاز ونجده.
والى عهد الملك "رب ايل" الثاني تعود كذلك الكتابة التي دوّ نها "منعت بن جديو" "منعة بن جديّ" "ببصرابشنت 23 لرب ايل ملكا ملك نبطو"، اي بمدينة "بصرى"، وذلك في السنة الثالثة والعشرين لحكم "رب ايل" ملك النبط. وقد دونت هذه الكتابة بمناسبة تقرب صاحبها إلى الإلهَ "دوشرى واعرى" بتقديمه مذبحاً إلى معبده في مدينة "بصرى". ويكون تأريخ تدوين هذه الكتابة سنة "3 9" للميلاد. وكذلك الكتابة القبرية المؤرخة بالسنة الثالثة والعشرين من حكم "رب ايل"، أي في سنة "93" للميلاد. ولدينا كتابة أخرى سجلت في أيام هذا الملك صاحبها رجل اسمه "عذرو برجشمو"،
أي "عاذر بن جشم" "عذره بن جشم" "عذير بن جشم" "عذر بن جشم"، ورد فيها اسم الإلهَ "شيع القوم" دوّ نها في السنة السادسة والعشرين من حكم الملك، أي في حوالي سنة "96" بعد الميلاد.
وترينا الكتابة الموسومة ب "REP.EPIG.1434" أن للملك شقيقين هما:
"جميلت" أي "جميلة" و "هجرو" أي "هاجر"،وقد نعتتا فيها ب "ملكتي النبط". ويظهر إن هنالك شقيقة ثالثة اسمها "فصائل"، وربما كانت له شقيقة رابعة سقط اسمها من النص.
وقد ذكرت "شقيلت" "شقيلة" أم الملك "رب ايل" الثاني مع ابنها في نقد، وذلك في أثناء عهد وصايتها عليه حين انتقل العرش إليه، وكان على ما يظهر صغيراً. وكان للملك شقيق ساعدها في تحمل أعباء الحكم اسمه "انيشو" "Oneishu" لعله "أنيس". ولما تزوّ ج "رب ايل" من زوجه "جميلت" "جميلة" "Gamilath" أمر بضرب اسمها مع اسمه على النقود.
وقد ذكر بعض الباحثين ان بعض ملوك النبط ولا سيما المتأخرين منهم، أقاموا في أكثراوقاتهم في "بصرى" "Bostra"، مما أدئ إلى اضعاف شأن عاصمتهم القديمة "بترا" والى اضعاف ادارة أمور النبط.
وآخر ملك نعرفه من ملوك النبط، هو الملك "ملكو" "مالك" الثالث،الذي حكم من سنة " 101"حتى سنة"106" بعد الميلاد على بعض الآراء. وفي أيامه قضى "تراجان" في سنة "6. ا" بعد الميلاد على استقلال هذه المملكة وجعلها تحت حكم حاكم "سورية" "كورنليوس. بالما" "Cornelius Palma" "98 - 117 م"، وأطلق عليها اسم "الكورة العربية" " Provincia Arabia". وقد نقل مقر الحكم من "بترا" إلى "بصرى"، فتضاءل بذلك شأن العاصمة القديمة فلما كان القرن الثالث للميلاد، صارت "بترا" مجرد موضع قليل الشأن.
لقد قضى الرومان على استقلال النبط في العربية الحجرية، فأضافوا بلادهم إلى جملة الأرضين التي استولوا عليها. وخسر النبط ملكهم ودولتهم،ثم خسروا أرضهم فيما بعد. واضطرهم ضغط القبائل العربية الأخرى عليها إلى الرحيل إلى أماكن أخرى، والهجرة إلى مواطن جديدة طلباً للرزق.كما هاجر من قبلهم سكان الأرضين التي استولى النبط عليها في أيام عزهم وملكهم واندمج أكثرهم في القبائل الجديدة الفتية التي سادت على أرض النبط، وتسموا باسمهم وانتسبوا اليهم حتى نسوا اصلهم القديم فزال النبط بزوال دولتهم، وبقي اسمهم،
التي سادت على أرض النبط، وتسموا باسمهم وانتسبوا اليهم حتى نسوا اصلهم القديم فزال النبط بزوال دولتهم، وبقي اسمهم، وبعض رسومهم التي يعود الفضل في إحيائها إلى المستشرقين.
وقد بقي النبط يمارسون التجارة وقيادة القوافل حتى بعد فتح الرومان لبلادهم كما يتبين من بعض الكتابات النبطية المؤرخة التي عثر عليها في "طور سيناء" وفي مصر. ومنها كتابة مؤرخة بسنة " 160" من تقويم " بصرى" المقابلة لسنة "266" بعد الميلاد. وقد تبين إن أكثر الكتابات التي عثر عليها في الأماكن المذكورة وفي أماكن أخرى هي كتابات وجدها العلماء والباحثون والسياح على الطرق القديمة الموصلة إلى جزيرة العرب أو البحر الأحمر، وفي وجودها في هذه الأماكن دَلالة على أن أصحابها كانوا أصحاب تجارة يتجرون بين مصر وجزيرة العرب وموانى ساحل البحر الأحمرولاسيما ساحل النبطالمقابل لبر مصر. ويظن جماعة من المستشرقين ان عرب "الحويطات" الساكنين في منطقة "حسمى" في الأقسام الشمالية من الحجاز، في المنطقة التي كانت تسكنها "جذام"، هم من بقايا النبط وتنسب "الحويطات" إلى جد أعلى لهم اسمه "حويط"، وهو على زعمهم من أهل مصر، جاء بيت الله الحرام حاجاً فمات في "العقبة" ودفن في "حسمى".
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:23 AM
وهم عشائر يتراوح عددها من عشر عشائر إلى اثنتي عشرة عشيرة تسكن في طور سيناء وفلسطين والحجاز، وتجاور قبيلتيْ "بلى" و "جهينة"،. وهم في الجملة ميالون إلى الحرب والغزو، ولذلك كانوا يغزون العشائر المجاورة لهم، ويأخذون الأتاوة من القرى والمدن الواقعة في مناطق نفوذهم في أيام العثمانيين. وتتألف "الحويطات" من ثلاثة بطون هي: "حويطات التهمة أ و أخويطات العلويون" "العلاوين" ويعرفون أيضاً ب "حويطات ابن جاد" "حويطات ابن جازى". وتتألف "حويطات التهمة" "حويطات التهم" التي تقع منازلها على سا حل البحر الأحمر حتى "الوجه" في الجنوب، من عشائر عديدة هي: "العمران" و "العميرات" و "المساعيد" والذبابين والزماهرة والطقيقات و السليمانيين والجرافين والعبيّات والمواسة والمشاهير والفرعان والجراهرة والقبيضات والفحامين. وأما"حويطات العلويون"، فتتألف من: "الصوياحين أ و "المقابلة" ُ "المحاميد" و "الخضيرات" و "السلامين" و "العزاجين". و "القدمان" و "العواجة" و "السلامات". ومن "حويطات ابن جازى" "المطالقة" ُ "الدراوشة" و "العمامرة" و "المرايع" و "الدمانية" و "العطون" ُ "التوايهة
لقد عثر كل كتابات مدوّنة بالنبطية وعلى كتابات مدونة بثلاث لغات هي النبطية والإرمية واليونانية، بعضها من بعد ضم مملكة النبط إلى "الكورة العربية"، أي بعد سقوطها في ايدي الرومان، وقد تبين منها أن النبط بقوا أمداً يكتبون ويدوّ نون بلغتهم، وان كانوا يستعملون معها اليونانية أو الإرمية أو كلتا اللغتين في بعض الأحيان، كما تبين أن اليهود دوّ نوا بالنبطية أيضاً، أولئك اليهود الذين كانوا على اتصال بالنبط، وكانت لهم صلات تجارية بهم. وقد دونوا بهذه اللغة حتى بعد سقوط دولة النبط. وقد وصلت كتابات أصحابها يهود فيها عقود بيع وشراء مع النبط، كما وصلت كتابات نجد فيها خلاصات من عقودومكاتبات دوّ نت باليونانية أو بالإرمية، على حين دوّنت الخلاصات بالنبطية وبالعكس. ولا نعرف شيئاً يذكر عن أصول تنظيم الدولة وكيفيتها عند النبط. والملك بالطبع هو رئيس الدولة والشخص الوحيد الأعلى للحكومة. وهو الذى يختار من يوكل اليهم ادارة الأعمال وتسييرأمور الرعية وللملك حاشية القربة عنده، وكل اليها النظر في المسائل العليا للدولة وتقديم الاستشارة إلى الملك، ويقال للواحد منها "اخ ملكا"، أي "أخو الملك". ويظهر انها كانت طبقة خاصة من الطبقات الإرستقراطية انحصرت فيها هذه الوظائف انحصار الملكية في الأسر المالكة.
مدن النبط
و "بترا" "البتراء" "بطرا " "Petra"، هي عاصمة النبط القديمة. ومعنى " PETRA" "بطرا" في العربية "الصخر" 0 أما اسمها القديم ف " ه سلع" "ها - سلع"، "SELA"="SELAH"، ويعني أيضاً "الصخر" لغة الأدوميين. وهي على خمسين ميلاً تقريباً إلى الجنوب من البحر الميت ولما افتتحها "أمصيا " "837 - 9 0 8 ق. م."، سمّاها "يقتئيل" أي "الخاضع لله". وكانت عاصمة ""أدوم". وكانت من أشهر المدن في العالم القديم، ثم صارت لمؤاب. وقد ذكرها "ياقوت الحموي" في مادة "سلع"، فقال: "وسلع أيضاً حصن بوادي موسى عليه السلام بقرب بيت المقدس". وتقع آثار المدينة وبقاياها اليوم قي وادي موسى، ويسمى أيضاً "وادي السيق". وقد عرف هذا الوادي بوادي موسى، لما زعم إن موسى ضرب الصخر بعصاه فشقه فجرى الماء من موضع العين إلى النهر، فسميت لذلك بعين موسىوكان السيق مبلطاً، ولا تزال آثار التبليط باقية في بعض المواضع وتجاه نهاية السيق هيكل منحوت في الصخر، يسمى: "خزنة فرعون"، وداخل باب الهيكل دار، وعلى بعد "600" قدم تقريباً من هذا الهيكل بقايا آثار مسرح عظيم منحوت في الصخر يتسع لزهاء أربعة آلاف انسان.
ومن آثارها المهمة، الأثر المعروف باسم "خزنة فرعون"1، وقوس النصر وهياكل وقبور عدة، بعضها على الطراز النبطي القديم، وبعضها متأثرة بالفن المصري الآشوري أو اليوناني أو الروماني.
.وتشاهد في "بطرا" كتابات كهثيرة، منها ما هو مؤرخ يعود بعضها إلى ما قبل الميلاد، أكثرها كتابات نبطيه من نوع الكتابات التي توضع على القبور، وبعضها لاتينية وأخرى يونانية. ووجدت كتابة باليونانية دوّ نها أسقف سكن معبداً من معابد المدينة القديمة التي تعود إلى ما قبل الميلاد في حوالي سنة"447" للميلاد. كما وجدت كتابة لاتين ية على قبر بني على النمط "الروماني" صاحبها ضابط روماني اسمه "سكستيوس فلورنتينوس "sextius Flrentinus" لا يعلم زمانه على وجه الصحة، ويرى بعضهم انه من أيام "هدريانوس" "hadrianus" أو "أنطونيوس بيوس" "antoninus Pius".
وقد منحت "بطرا" درجه "colonia" رومانية في أيام حكم الرومان كما يظهر ذلك من بعض النقود الرومانية التي عثر عليها. ويرى بعض الباحثين ان ذلك كان في أيام حكم "elagabalus""18 2 - 222 1 للميلاد. لكن هنالك من يعارض هذا الرأي من الباحثين في علم النميات.
وقد وصف "سترابو" "بطرا" "بترا" بقوله: كانث "بطرا" عاصمة النبط ومقر حكمهم ودولتهم وهي لا تبعد الا أربعة أيام عن "اريحا" "jericho" وخمسة ايام عن غابة النخيل بوسيديون" "poseidion". وهي موضع غني بالماء كثير البساتين بالنسبه الىمن يأتي إليها من البوادي القاحلة الجرد. وقدزارها "أثنودور" "athenodor" صديق "سترابو"، فوصفها له،ذكر له انه وجد بها أجانب، بينهم جمع من الروم. ويظهرمن أخبار "سترابو" ان النبط كانوا قد بنوا بيوتاً لهم في هذه المدينة كذلك، وقد أيدت التنقيبات التي أجريت عند مدخل المدينة هذا الرأي.
?????الحجر
?? ???????أما "الحجر"، فمدينة من مدن النبط للقديمة المهمة تقع على شريان التجارة في العالم القديم، وهي "egra"="hegra" التي أشار اليها "سترابو" في أثناء حديثه عن حملة "اوليوس غالوس" و "haegra"="hegra" التي ذكرها "بلينيوس" على أنها مقر القبيلة المسماة " ليانيته" "laenitae".
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أنها "مدائن صالح"، وذهب بعض آخر إلى أن "مدائن صالح"، هي "العلا" لا "الحجر". وفرق بعض آ خر بين موضع مدائن صالح و "العلا". وقد ذكر "بطلميوس" المدينة ايضاً، وذكرها المؤ رخ "اصطيفانوس البيزنطي" كذلك. وقدكانت من مواضع النبط المهمة، وقد عثرعلى خمس كتابات في مدائن صالح" خرج بعض الباحثين من دراستها الى أن "الحجر" هي من الأمان التي انشأها "المعينيون". وقد كان اسمها القديم "حجرا" "هجرا" او "حجرو" "هجرو"، و"ال- حجر" في الكتابات..
و "حجرو" و "ال - حجرو" هي "الحجر" في العربية. وقد ذكر هذا الموضوع في المؤلفات الغربية. وذكر "ابن حبيب" أن قوم ثمود نزلوا "الحجر". وذكرعلماء اللغة أن"الحجر" ديار ثمود ناحية الشام عند وادي القرى"، وهم قوم صالح النبي،وقد جاء ذكرالموضع في القرآن: "وقد كذب أصحاب الحجر المرسلين"، كما جاء ذكره في كتب الحديث. وقد تضاءل شأنها في الإسلام، حتى صارت قرية صغيرة في القرن العاشر للميلاد، ثم تركها أهلها، وتقع خرائبها اليوم بين "جبل اثلت" و "قصر البنت" وخط سكة حديد الحجاز، حيث تشاهد آثار حصن قديم وبعض بقايا أبراج وآثار سور، كما عثر على بقايا تيجان أعمدة قديمة وعلى مزولة شمسية، وعلى نقود يرجع عهدها إلى "الحارث الرابع". ويظهر من أسس بعض الدور أنها بنيت بالحجارة. أما الجدران، فقد بني أكثرها باللبن. وتقع خرائب "العلا" إلى الجنوب من "الحجر".
وقد عثر الباحثون على قبور من بقايا قبور الحجر القديمة، نقشت مداخلها وجدرانها بنقوش تدل على حذق ومهارة، ولا سيما المقبرة التي هي من القرن الأول للميلاد، ومن عهد الملك "الحارث الرابع". وقد تألفت من غرف نحتت في الصخور، ولبعضها دروب وطرق توصل بعضها ببعض.. وهي قبور لأسر، ومن هذه المقابر الموضع المعروف ب "قصر البنت"، وقد نحت في داخل تل، ويعد من أغنى تلك المقابر من الناحية الفنية، وله مدخل خارجي، ارتفاعه عشرون متراً. وقد زين بالزخارف والنقوش.
ويعدّ الموضع المعروف ب "ديوان" من الآثار القيمة الباقية من "الحجر". وقد عمل في "جبل اثلب". وهو معبد يذكرنا بمعابد "بطرا". وهو على قاعة ذات زوايا مربعة، عرضها عشرة أمتار، وعمقها اثنا عشر متراً،وارتفاعها ثمانية أمتار، ولها مدخل عرضه ثمانية أمتار و "35" سنتمتراً،وارتفاعه سبعة أمتار وزهاء خمسة سنتيمترات، على كل جانب منه عمود من حجر، جعلت زواياه مربعة أما الباب، فقد تلف. ويوصل إلى هذا المدخل مدرج. وهناك معبد آخر صغير يقع على مسافة "150" متراً إلى الجنوب من "جبل اثلب".
وقد وجدت في "القرية" بالحجاز وهي أطلال، مدينة قديمة على خمسة وأربعين ميلاً إلى الشمال الغربي من "تبوك" في أرض "حسمى" كتابات نبطية ويونانية، كما عثر على معبد قريب منها في البادية دعاه "موسل" "غوافة" و "روافة"، وجدت عليه كتاية نبطية يونانية طويلة ورد فيها اسم "مارقوس أورليوس انطونينوس" "marcus Aurelius Antoninus" و "لوقيوس أورليوس فيروس" "lucius Aurelius Verus". ويظهر إن هذه المدينة كان لها شأن في أيام النبط، ولا سيما في أواخر أيام مملكتهم، وان هذا المعبد كان قد ابتناه قوم ثمود في أوائل منتصف القرن الثاني للميلاد.
? الكورة العربية
ضمت "العربية النبطية" سنة "105" أو "6 0 1" بعد الميلاد. إلى الأملاك الرومانية وكوّ ن منها ومن أرضين أخرى ضمت إليها مقاطعة جديدة عرفت باسم "الكورة العربية" " Provincia Arabia" "المقاطعة العربية" وجعلت نحت حكم حاكم بلاد الشام المدعو "كورنليوس بالما " "a.cornelius Palma".. ولا يعلم على وجه التحقيق أعينَ الرومان والياً على هذه الكورة حال تكوينها، ام انها جعلت تحت ادارة حاكم "سورية" المباشرة ثم عينّ لها حاكم خاص. والمعروف إن اول وال " Legat"عين عليها انما عين في سنة "111" بعد الميلاد.
ولم تكن حدود "الكورة العربية" "المقاطعة العربية" ثابتة،بل كانت تتغير وتتبدل، وتتقلص وتتوسع تبعاً لمراكز الحكام ومنازلهم. ففي سنة "195" بعد الميلاد مثلاً أضيف اليها بعض الأرضين الجنوبية من مقاطعة "سورية الفينيقيه" "syria Phonice"، ولكن هذه الحدود تغيرت مراراً قبل هذا التاريخ وبعده. وتساعدنا "السكة الرومانية" التي أنشأها "تراجان" ثم وسعت فيما بعد مساعدة كبيرة في تعيين حدود ومساحة هذه المقاطعة. وقد أنشئت هذه السكة لأغراض عسكرية لتيسر للجيوش الرومانية الوصول بسرعة إلى المواضع المهمة من الوجهة العربية، ولتتمكن بواسطتها من السيطرة على الوطنيين وضبط الأمن.
ويمكن الاستدلال من أنصاب الأميال، التي وضعها الحاكم "قلوديوس سوريوس" "قلوديوس سفيروس" "claudius Severus"على هذه الطرق للوقوف بواسطتها على الأبعاد والمسافات والاتجاه، على معرفة طريقين مهمين: أولهما طريق جديد انتهى منه في سنة "111، للميلاد، يمتد من الحدود الشمالية للمقاطعة العربية أي من بلاد الشام إلى "بصرى" "bostra" ثم إلى "فيلادلفيا"،"عمان" "philadelphia"، ومنها في اتجاه الجنوب ثم الغرب على طريق "بطرا" حتى البحر الأحمر.
وثانيها الطريق الممتد من "فلادلفيا" ماراً ب "جرش" "gerasa" وربما ب "أذرح" "adra" نحو "بصرى" "bostra". وقد كان هذا الطريق معروفاً قبل سنة "105" للميلاد، غير انه اصلح وعمر، وربما حول إلى طريق عسكري في سنة "112" للميلاد، أي في أيام "تراجان".
وقد عرفت أسماء اكثر الحكام الذين تولوا منصب حاكم المقاطعة العربية من رومان وبيزنطيين،وردت أسماؤهم مدونة على أنصاب الأميال وفي الكتابات الأخرى التي عثرعليها في مواضع متعددة من هذه المقاطعة. وأولهم "كورنليوس بالما". وقد تبين أن الألقاب الرسميه التي كان يتلقب بها حكام هذه المقاطعة في القرن الثاني بعد الميلاد كانت من درجة الألقاب الرفيعه التي تمنح عادة لحكام مقاطعة "قيصرية" مثل لقب: "legatus Augusti Pro Praetore" أو "augustroum" تضاف إليه جملة: "concul Designatus" متى يكون الحاكم في درجة "قنصل" "consul"، وذلك يكون عادة بالنسبة الى حكام المقاطعات من درجة
legatus Pro Praetore" وقد يقتصر اللقب على كلمة" Consulares" اذا كان صاحبه قنصلاً. غير ان هذه الألقاب الرسمية لم تكن ثابتة، بل كانت تتغير بحسب اهمية الحاكم ومنزلته، والوظيفه. التي يشغلها، والزمان الذي حكم فيه.
وتفيدنا وثائق المجامع الكنسية التي انعقدت في أوقات مختلفة لمعالجة المشكلات الي جابهت الكنيسة، وحضرها ممثلون عن كنائس "الكورة العربية" فائدة كبيرة في تعيين أسماء مدن هذه الكورة وتأريخها ومن هذه المجالس مجلس "نيقية" ِ"nicaea" الذي انعقد في سنة "325" بعد الميلاد،ومجمع "انطاكية" "antiochia" المعقود قي سنة "341" بعد الميلاد، ومجمع " Sardica" الملتئم، عام "347" للميلاد، ومجمع "القسطنطينية" المنعقد عام "381" بعد الميلاد، ومجمع "أفسوس" ِ" Ephesus" المجتمع عام "431"، ومجمع "خلقدونية" "chalcedon" الذي انعقد في عام "451،"، للميلاد، ومجمع "القسطنطينية" المنعقد سنة "536" للميلاد، مجمع "القدس" الملتئم عام"536" لما بعد الميلاد، وغيرها من المجالس والمجامع الدينية.
وقد عثر على نقود ضربث في أيام الرومان والبيزنطيين في عدد من مدن العظيمة. وقد اشتهرت "أدرعات" بخمرها عند العزب، وقال عنها علماء اللغة إنها موضع بالشام تنسب إليه الخمور.
و "أذرعات" موطن "عوج" "og" ملك "باشان"، وكان جباراً قامة وبأساً، من سلالة الرفائيين، حاول أن يمنع مرور بني اسرائيل بأرضه، فاصطدم بهم بأذرعات، وتغلبوا عليه، فقتل هو وبنوه، وانقسمت مدنه الستون المحصنة بين "الرأوينين" و "الجاديين" ونصف سبط "منى". وتقع "اذرعات" في وادٍ يكوّن القسم الجنوبي من وادي "حوران" وعلى مسافة ستة أميال إلى الشرق من طريق الحج، وفيها كهوف عديدة وصهاريج كبيرة، وبها خرائب وآثار يقرب محيطها من ميلين يظهر أنها من عهد الرومان. ومن بقاياها "قناة فرعون"، وهي تأخذ مياهها من بحيرة صغيرة قرب موضه، "يابس" في حوران. ومسجد يشبه بناؤه "كاتدرائية" بصرى،. وآثار الشوارع والحوانيت التي كانت عليها، وموضع سوق. وعثر في خرائبها على كتابات باليونانية كما عثر فيها على نقود ضربت فيها من سنة "83" قبل الميلاد. وقد ألحقها "بومبيوس" "pompeius" بمقاطعة سورية الرومانية، وألحقها "تراجان" بالمقاطعة العربية، وذكر "أويسبيوس" "Eusebius" و "جيروم" انها من اشهر مدن "العربية"، وكان بها أسقف حضر مع من الأساقفة في المجالس الكنسية الني انعقدت في "سلوقية" "Seleucia" و "القسطنطينية" و "خلقدونية" "Chalcedon" "45 م".
بعضها إلى "دو شرى" "ذي الشرى" إلهَ النبط. كما صوّر على بعضها صور القياصرة الذين في أيامهم ضرب ذلك النقد.
و "باشان"، ومعناها "التربة الخفيفة"، مقاطعة من أرض كتعان واقعة شرقي الأردن بين جبلي حرمون و "جلعاد"، وسميت "باشان" من جبل في البلاد 2. وسكانها القدماء هم "الرفائيون" "Raphalite"، ولهم مملكة ذكر في التوراة من ملوكهم اسم الملك "عوج" الذي قتله الاسرائيليون، وهو المعروف ب "عوج بن عوق" عند أهل الأخبار، والمعروف ب "عوج بن عنق"،عند العوامّ. وقد ذكر الأخباريون انه رجل "ذكر من عظم خلقه شناعة"، وانه كان ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى، وقد قتله موسى. وقد أخدْوا أخبارهم هذه عنه عن أهل الكتاب، أو من وقوفهم على ما جاء في اسفار "التثنية" و "يشوع" و "العدد" عنه. وكان قد حاول منع الاسرائيليين من المرور بأرضه، فقتلوه، وجاء انه كان ينام على سرير من حديد طوله تسع أذرع وعرضه أربع أذرع، وذلك لبيان ضخامة جسمه. ونجد في الأسفار المذكورة مع بني اسرائيل ومقاومته لهم.
وكانت باشان تشمل حوران والجولان واللجاة، وكلها مؤلفة من صخور وأتربة بركانية، وتربتها خصبة، وماؤها غزير، ويحدها شمالاً أرض دمشق، وشرقاً بادية الشام، وجنوباً أرض "جلعاد"، وغرباً "غور الأردن"، ويخترق جانبها الشرقي جبل الدروز، وهو جبل "باشان" القديم. ويمر بالجولان سلسلة تلال من الشمال إلى الجنوب. أما مقاطعة "اللجاة"، فهي حقل من "اللافا" أي الصخر البركاني، سالت من" تل شيحان"، وهو فم بركان قديم بقرب شحبة.
ومن أشهر مدن "باشان" "الجولان" "Golan"، وهي من منطقة"الجولان" "Gaulanitis" وتعني الكلمة "الدائرة"، وأصلها مدينة "جولان" "وبها سميت المقاطعة. وتقع في "باشان"و "عشتاروت" "عشتروت" "بعشترة" "Aschtaroth"="Ashtoreth"="Be-Eshterah"،و يظهر ا نها "تل عشترة" "تل أشعرى" في الجولان. ومدينة "عشتاروت قرنايم" "Asther Karnaim" وهي "قرنيون" "Carnion" أو "قرنين" "Carnain" التي استولى عليها "يهوذا المكابي" "Judas Maccabaeus" سنة "64 ا" قبل الميلاد على ما يظن. وهي من مدن "الرفائيين" في "باشان"،. وقد اختلف الباحثون في مكانها في هذا اليوم، فذهب بعضهم إلى انها "الصمان" وذهب بعض أخر الى انها "قنوات" وذهب آخرون إلى انها "تل عشترة".
ويظهر أن كثيراً من "الباشانيين" كانوا يعيشون عيشة سكان المغاور والكهوف "Troglodytes"،إذ تبين أن قسماً منهم سكن الكهوف والمغاور، وسكن بعض منهم في نفاق وكهوف تحت الأرض يبلغ طولها "150" قدماً، وتتفرع منها أزقة تحت الأرض بجانبها بيوت تنفتح كواها في سقوفها، فهي في الواقع مدن تحت الأرض. وفضل نفر آخر السكنى في بيوت منقورة في الصخر. وسكن بعض منهم في بيوت منفردة مبنية من الحجر.
وأما "بصرى" وتعرف ب "Bostra"، فقصبة " حوران"، ومن أشهر مدنها. وقد عرفت في أيام الرومان ب "Nova Trajana.Bstra". وقد الحقت بالمقاطعة العربية في مبدأ تأسيس هذه المقاطعة، أي في أيام "تراجان"، ويعني هذا حدوث تغير في النظام الاداري لهذه المدينة في هذا العهد. ويرى بعض الباحثين أنها جعلت في درجة مستعمرة، أي " Colonia" قبل ايام "سويروس"، وبقيت في هذه المرتبة حتى عهد "سبتيميوس سويروس" "Septimius Severus" غير أن "هل" وآخرين يعارضون هذا الرأي ويرفضونه،. ويرون أن ذلك كان في أيام "سويروس اسكندروس"، لا قبله، وانها لم تعرف ب "Colonia Bostra Nova Traiana Alexandriana"إلا في أيامه. وأما في نقود "يولية مامية" "Julia Mamaea"، فقد دعيت ب "Colonia Bostra" كذلك. .
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:26 AM
وأعيد النظر في مرتبتها في أيام "فيليب سنيور" "فيليب الأقدم" "Philip Senior"" على ما يظهر،فجعلت في درجة "متروبوليس" "Metropolis"، فدعيت "Colonia Metropolis Bostra". وحافظت على درجتها هذه في أيام "، فيليب الأصغر" "Philip Junior". ولم يعثر على نقود. ضربت في "بصرى" بعد أيام "نراجان دسيوس" "Trajan Decius" أو "تويبونيانوس غالوس" "طريبونيانوس غالوس" "Trebonianus Gallus".
وأما " Charachmoba"، فإنها "قير موآب" "Kir Moab" في التوراة والتركوم. و "قير حاراش" "قير حراشات" "قير حارسة" من "موآب" وهي "الكرك". وقد عثرعلى نقد يعود إلى عهد " Elagabalus" يطن انه من نقود هذه المدينة،وان الصورة المضروبة في الوجه المقابل لصورة "Elagabalus " ترمز إلى الإله "دو شرى".
. وتختلف وجهات نظر الباحثين في موضع مدينة "ديوم" "Dium" "ديون"" Dion" فمنهم يرى انها "الحصن" "قلعة الحصن" على مقربة من "اربد" وانها "Dia" عند "بطلميوس ومنهم من يرى انها "كفر أبيل"، وآخرون يرون انها "تل الأشعري"، وهكذا. وهي من مدن " Decapolis
ثم ألحقت ب "المقاطعة االعربية" في عهد "سبتيميوس سويروس" "Septimius Sevsrus" على ما يظن. وقد عثر فيها على نقد ضرب باسم "Geta"، وأرخ تأريخ الضرب بتقويم "بومبيوس"، وأشير في أحد وجهي النقد إلى الإلهَ "هدد" الذي صوّرته بعض النقود المضروبة في بعض المدن السورية. وهو يقابل الإلهَ "زيوس" "Zeus" عند اليونان.
ويراد ب "Decapolis" الحلف المؤلف من عشر مدن، تحالفت لدفع غزو القبائل لها. ويظهر أنه ظهر إلى الوجود في القرن الأول للميلاد. والمدن المذكورة هي: "Pella " و "Scythopolis" و "Dion" و "Gerasa" و "Philodelphia" و "Raphana" و "Kanatha " و "Hippos" و "دمشق". وقد انضمت إليه مدن أخرى بين حين واخر. فلكون أرض هذا الحلف ممتدة من دمشق إلى الجنوب الشرقي لبحر الجليل "Sea Of Galalee".
ومدينة "Eboda"، هي "عبدة " "العبدة" في "العربية الحجرية" "Arabia Petraea ". وقد أشار "بطلميوس" إلى أن "Eboda"="Oboda" و "Gerasa" و "Gypsaria" و "Lysa" هي من مدن "العربية الحجرية"، وجعلها بعضهم من "النقب". وتقع خرائب "عبدة" في جنوب "بئر السبع" "Beerscheba" وفي غرب "بطرا". وفي جنوبها سباخ، غير أن من المشكوك فيه أن تكون هذه السباخ موضع "Geham Maleh"، أي وادي الملح ا. وأما صنم "Eboda"، فقد عرف باسم "زيويوس عبودة" "Zeus Oboda".
وأما "Esbus"، فإنها "حشبون" "Heshbon" في التوراة، وتعرف اليوم ب "حسبان"، وتقع بن "فيلاذلفيا" "عمان" و"مأدبا"،وعلى مسافة "26" كيلومتراً من شرق النهاية الشمالية للبحر الميت في صعيد "موآب". وهي من مدن العربية القديمة الشهيرة. وفي التوراة انها كاتت من مدن "الموآبيين" ثم استولى عليها الملك "سيحون" ملك "الأموريين" وجعلها عاصمة له، ثم تغلب عليها الاسرائيليون، ثم استعادها "الموآبيون". والظاهر انها كانت من مدن النبط، ثم دخلت أخيراً في أملاك الرومان فالبيزنطبين. ولا تزال آثار المدينة القديمة باقية حتىالآن. وأما النقود التي، ضربت فيها،فهي من أيام "Elagabalus" وبعضها من عهد "كركلا" "كاركلا" "Caracalla". ويظهر من بعض النقود انها كانت تعرف أيضاً ب "Aurelia". و "Gerasa" هي "جرش" في الزمن الحاضر، ونسبها "ياقوت الحموي" إلى رجل زعم أن اسمه هو "جرش بن عبد الله بن عليم ين جناب بن هبل بن عبد الله بن كنانة بن بكر ابن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة". وتقع عند الحافة الجنوبية الشرقية لسلسلة "عجلون"، ولا يعرف أصلها ومبدأ تأريخها على وجه التحقيق. ولم يرد اسمها في التوراة. وقد أشير اليها في كتب "الحديث".
ويظن بعض الباحثين انها " راموت جلعاد" "Ramoth-Gilead" المذكورة في العهد العتيق.ويظهر انها من المدن التي عرفت بعد عهد "اسكندرالكبير"، وقد استولى عليها "اسكندرينيوس" "اسكندر جنيوس" ملك "يهوذا"، ثم تحررت من اليهود في عهد "بومبيوس"، وألحقت بكورة "سورية الرومانية"، ثم أضافها " تراجان" في عام " 06 ا" بعد الميلاد إلى "الكورة العربية"، وضمت بعد ذلك إلى كورة " فلسطين الثانية" "Plestina Secunda" "أي الأردن. وكانت "جرش" مركزاً لعبادة الإلهَ "ارتيمس" "Artemis"، وهو "ديانا" "Diana" عند الرومان، وابنة "زيوس" "Zeus" و "ليتو" "ليطو" "Leto" عند الإغريق، كما كانت أسقفية معروفة بركة، والى الشرق والشمال برك أخرى. وتوجد آثار هيكل كبير بينها عمودان واقفان. ومن أنفس ما عثرعليه في هذه المدينة القديمة خارطة من "الموزاييك" "الفسيفساء" "Mosaic" لفلسطين النصرانية ومصر، كما عثر فيها على نقود من أيام الرومان واليونان. وقد ازدهرت بعد الميلاد: فصارت مركز "أسقف"، ومثلث في مجمع "خلقيدون" "Chalcedon".
وأما "فيلادلفيا" "Philadelphia"، فهي "ربة" و "ربة بني عمون" "Rabbath-bene-Ammon" في التوراة. وهي في "جلعاد" بالقرب من مخرج نهر " يبوق" وعاصمة " بني عمون". وذكر "اصطيفانوس البيزنطي" انها كانت تعرف ب "Astarty". وقد يكون لهذا القول أصل، فقد ورد في بعض الكتب إن من مدن " سورية" مدينة عرفت ب "Asteria"، وللتسميتين علاقة بالصنم "عشتروت" "Asteria".
وعلى أنقاض هذه المدينه القديمة تقع " عمان" عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية. وأما سبب تسميتها ب "فيلادلفيا"، فلتجديد بنائها واعادة تعميرها في عهد " بطلميوس فيلادلفوس" "Ptolemy" "Philadelphus" "285 - 47 2" قبل الميلاد فعرفت به. وصارت من أشهر مدن " Decapolis". وقد ا نتزعها " أنطيوخس أبيفا نوس" "Antiochus Epiphanes" من "بطلميوس فيلوباتر" "بطلميوس فيلوباطر" "Ptolemy Philopater" في سنة "218" قبل الميلاد، وكان يحكمها في أيام "هركانوس" ملك "يهوذا" "135 -107" قبل الميلاد، حاكم اسمه "زينو كوتيلوس" "Zeno Cotyles". وكانت بأيدي النبط في سنة "65" قبل الميلاد.
وتنسب " فيليب بولس" "Philippopolis"، وهي "شهبة" "شحبة" في الزمن الحاضر، وتقع على مسافة سبعة كيلومترات شمال " القنوات" إلى "فيليب" "فيلفوس" المعروف بالعربي "M.Julius Philippus Arabus" "4 24 - 9 24 م". وقد عرف بالعربي لأنة كان عربي المولد. وكان قد نشأ وترعرع في "بصرى"، ثم دخل الجيش الروماني وتقدم فيه، وأصبحت له مكانة كبيرة أوصلته إلى أعلى مراتب الدرلة، وهي "قيصر".
ويرى بعض الباحثين انه أنشأ هذه المدينة في سنة "248" بعد الميلاد أو بين " 47 2" و "48 2" بعد الميلاد. ويرى، " كوبيجك" "Kubitschek" انه أسسها في عام " 244"، أي قبل ذهابه إلى "رومة". وجعلها في درجة " مستعمرة" "Kolonia"="Colonia" رومانية. ولا تزال أنقاض هذه المدينة باقية حيث تشاهد آثار معابدها وشوارعها وبعض أبنيتها ومسرح وغير ذلك مما جاء وصفه في كتاب: "Die Provincia Arabia"، كما عثر فيها على كتابات ورد فيها اسم "القيصر" "فيليب"، كما عثر فيها على نقود.
وأما "Rabbathmoba"، وتعرف في اليونانية باسم" Areopolis"، فإنها "ربة" "ربا"، وهي مدينة بنيت في عهود الرومان المتأخرة على رأي بعض الباحثين. وقد عثر فيها على نقود ضرب عليها اسم "سبتيميوس سويروس" وأسرته. ويظن أن الصورة الرمزية المضروبة على عدد من نقود "ربة" تشير إلى إلهَ لعله الإلهَ "Kemosh" أو إلى معبده الخاص به، على نحو ما رأينا في بعض النقود من ذكر " متاب"، وهو معبد " دوشرى" ليرمز إلى الإلهَ. ويرى بعض الباحثين أن "Kemosh" هو إلهَ الحرب.
ومن مدن الكورة العربية الأخرى: "Sodoma"، ولعلها "الزوراء"، و "السويداء" "Dionysias"، و "Beretana"، وقد وردت اسماؤها في مجمع " نيقية". وقد ألحقت " السويداء" بالكورة العربية. في أيام "سويروس" و "Adrama" و "Constantine" و"Neapolis" وقد وردت اسماؤها في جملة الأسماء المدوّ نة في أعمال مجمع " القسطنطنية المنعقد عام "381" للميلاد. و"Ziza" و "Dia-Fenis" و "Tricomia" و "Areopolis" و "Canotha" و"Nela" و "Zerabena" و "Anitha" و "Eutymia" و "Chrysopolis" و "Erra" و "Neve" و" Maximianopolis" و "Phaena" و "Aena"، وقد وردت أسماؤها في سجلات أعمال مجمع " خلقدون" "خلقيدون" "Chalcedon" "451 م.
وذكر "بطلميوس" أسماء مواضع أخرى يقع بعضها في النقب "Begeb"="Negev" غرب " العربة". وسجلت في "Notitia Dignitatum" أسماء " Motha"، وهي: "أمنان" "Speluncae"، وهي "دير الكهف"، " Mefa" "Gada" و هي " خو"، و "Betthoro" و "Dia-Fenis" و "Auatha" و "Gomotha" و "Libona" "و "Naarsafari" و "Thainatha" و "Adittha" وهي "الحديد" و "Asabaia" و "Ultha" و "Uade Afar" و "Castra" "arnonensia"، على انها من مواضع الكورة العربية.
وهناك أماكن أخرى ذكرت أسماؤها في كتاب: "Die Provincia Arabia"، قد يخرجنا تعدادها عن أصل الموضوع.
وقد أوكلت مهمة المحافظة على الأمن في " الكورة العربية" إلى الكردوس "اللجيون" "Legion VI Ferrata " الروماني الذي كان معسكراً منذ أمد في " سورية"، فصدر الأمر إليه في سنة "106" للميلاد على ما يظهر بنقل مقره من شمال سورية إلى هذه الكورة الجديدة التي أنشاًها " تراجان". ثم نقل مقره في أيام "هدريا نوس" "Hadrianus" إلى "اللجون" "Caparconta" في " الجليل "Galilee" وفي ايام "هدريانوس" أيضاً وفي سنة" 135" للميلاد: وهي سنة استيلائه على القدس واخماده الثورة التي قامت في " اليهودية" أمر بانشاء "Aelia Capitolina"، لأغراض عسكرية على ما يظهر.
ويرى بعض الباحثين أن الكورة العربية قد قسمت في القرن الثالث للميلاد وفي "د يوقليطيان" "ديوقليانوس" "Diocletianus"="Diocletian" الى كورتين: كورة شمالية عاصمتها " بصرى" وعرفت ب "كورة بصرى" "Provincia Bostron"، وكورة جنوبية وعاصمتها " بطرا" وعرفت باسم " كورة بطرا"، وبعبارة أصح "الكورة الحجرية" "Provincia Petrae"، وتعرف ب "العربية" أيضاً.
الحجرية" "Provincia Petrae"، وتعرف ب "العربية" أيضاً.
أما في القرن الرابع وفي حوالي سنة "307" للميلاد تقريباً، فقد اقتطعت منها بعض المدن، مثل " أيلة" و"Phainon"، وألحقت بفلسطين، وبذلك تقلصت "Praeses Arabiae" وتوسعت رقعة فلسطين "Praeses Palestinae" كثيراً. ويظهر أن الضرورات العسكرية هي التي دفعت إلى احداث هذه التغيرات. وحدثت تغيرات أخرى في " الكورة العربية" في القرن الخامس والسادس للميلاد،فانتزعت منها مدن أخرى ألحقت ب "فلسطين الثالثة" "Palestina Tertia" وتعرف أيضاً ب "Palestina Salutaris".
أهل الكهف والرقيم
ولا بد لي وقد انتهيت من الحديث عن النبط وعن " الكورة العربية" من الكلام عن أهل الكهف والرقيم، الذين ذْكروا في القرآن الكريم: )أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا(" 0إذ ذهب بعض علماء التفسير إلى أن الرقيم واد دون فلسطين فيه اللأضف، وهو قريب من "أيلة". كان اليهود قد أوحوا إلى المشركين من أهل مكة،أن يسألوا. الرسول عنهم، امتحاناً له. وكانوا يتداولون أخبارهم، ويروون قصصاً عنهم، كان شائعاً فاشياً اذ ذاك بين النصارى أيضاً، فجاء الجواب منهم في سورة " الكهف".
وهناك من زعم أن "الرقيم" على فرسخ من "عمّان"، أو قرية صغيرة بالقرب من البحر الميت، أو أنها " البتراء": وذلك بالإضافة إلى روايات أخرى ر جَعَت مكان " الكهف" إلى "أفسس" "أفسوس"، بالأناضول، أو إلى أماكن أخرى لا داعي إلى ذكرها في هذا المكان، لعدم وجود علاقة لها بهذا البحث. وقد بحث عنها المتخصصون، كما قامت بعثات آثارية بالبحث عن كهف " أهل الكهف" في الأماكن المذكورة، للتأكد عمّا جاء عنه في الموارد النصرانية والاسلامية، فإليها أحيل من يريد التبسط في الكلام عنه.
ولقد تبين الان إن الكتابات المدونة عند مدخل " الشق" في "البتراء"، لا صلة لها بأهل الكهف، وانما كتبت تخليداً لذكرى جماعة من اليونان البارزين جاءوا من "جرش" فوافاهم اجلهم ب "البتراء"، ماتوا قبل "أصحاب الكهف" بأمد. وقد شرح تلك الكتابات "ستاركي" "Starkey". وذهب الباحثون في "دائرة الآثار في المملكة الأردنية الهاشمية" إلى أن كهف "أهل الكهف"، هو "كهف الرجيب"، وهو على مقربة من قرية صغيرة تدعى "الرجيب"، وجدت بداخله مدافن يرجع عهدها إلى زمان !لقيصر "ثيودوسيوس الثاني" "TheodosiusII" "458 - 450 م"،
الذي في زمانه كان بعث أهل الكهف. وذهبوا إلى إن اسم هذا الموضع في القديم هو " الرقيم"، تحوّ ل إلى "الرجيب" فيما بعد. وأيد هذا الرأي الأستاذ " هج نيلي" "Hugh Nilley" الذي زار الموضع ودرسه، وكتب مقالاً عنه.
وذهب من رأى إن كهف الرجيب هو "كهف أهل الكهف"، إلى أن د********* الفتية الكهف، كان في أيام الطاغية " تراجان" "1 9 - 17 1 م". المشهور، فاتح " الكورة العربية" ومؤسسها والآمر يانشاء الممر الحربي المعروف باسم " طريق تراجان" وباني مدينة "أيلة" الرومانية وصاحب الملعب الروماني. والآثار العديدة للمباني التي أقامها بعمان وبمدن أخرى من الأردن. وقد كان شديداً عاتياً قاسياً على النصارى، عدّ هم خونة مرقة خارجون على الدولة والقانون لذلك أصدر امره سنة "112 م" بقتل كل نصراني لا يخلص للقيصر والدولة، فخاف منه النصارى وتكتموا، و كان من جملة من تكتم وانزوى " أصحاب الكهف".
ووجدت البعثة الأميركية لمدرسة الأبحاث الشرقية بالتعاون مع دائرة الاثار الأردنية في موضع " أم الرجوم" الواقع على بعد "15" كيلومتراً شمال " عمان"، آثار بئر قديمة استدل من كتابة عثر عليها مدوّنة على جدرانها إنها تعود إلى ما قبل الميلاد. وأن الموضع المذكور هو حصن التي كانت تدافع عن مدينة "ربّة عمون"، عاصمة مملكة "عمون"، التي عاشت بين القرن الثالث عشر والقرن السادس عشر قبل الميلاد. و "ربة عمون"، هي "عمان" العاصمة الآن. وقد كتب بخط الكتابة بخط مشتق بخط مشتق من القسلم العربي الجنوبي، يظن البعض أنها من كتابات القرن السابع قبل الميلاد.
ويظهر من هذه الكتابة المهمة، أن أصحابها كانوا يكتبون بقلم قريب من القلم المسند، وقريب من القلم اللحياني والثمودي والصفوي، وأن لهجتهم كانت لهجة عربية، أي إن أصحابها من العرب. وقد كتبوها لمناسبة إقامة تلك البئر التي حفرها وهيأها " شمان" و "سمان" و "ساعدن" "سعد" "ساعد" وهما أصحاب هذه الكتابة والبئر
ملاك الشرق
23-04-2010, 01:28 AM
الفصل الخامس والثلاثون
مملكة تدمر
ويتصل الحديث عن النبط بالحديث عن مكان آخر له علاقة بهم أيضاً، هو "تدمر" المعروف ب "Palmyra" عند الغربين الذين ورثوا هذه التسمية عن الرومان واليونان. وهو " تدمر امور" المذكور في كتابة من كتابات " تغلت فلاصر الأول" Tigalet"="Tigalath -Piles" "1117- 1080 ق.م." على رأي بعض الباحثين. وقد ورد اسم المدينة وهو "تدمر" في عدد من الكتابات كما ورد اسم علم للأاشخاص.
وقد رأى بعض الباحثين إن "Palmyra" من لفظة "Palma" اللاتينية ومعناها " نخل" "نخلة"، وان الاسكندر ذا القرنين لما تغلب عليها أطلق عليها "Palmyra" أي مدينة النخل، وذلك لما يكتنفها من غابات النخل العظيمة، فعرفت عند اليونان واللاتين منذ ذلك الحين بهذا الاسم. غير إن هذا رأي يحتاج إلى اثبات، فليس لدينا دليل من عهد الاسكندر يؤيد هذا القول. وليست لدينا حجة دامغة تثبت وجود النخل في هذه المدينة اثباتاً يستوجب تسمية الموضع ب "Pamyra" أي مدينة النخل.
وهناك آراء متباينة في سبب تسمية "تدمر" بهذا الاسم، هي موضع جدل، وليس فيها رأي يمكن الاطمئنان إلى صحته وترجيحه على غيره،لذلك أترك البحث عنه إلى،المراجع التي بحثته.
ويظن بعض الباحثين أن "Palmyra" هي ترجمة لكلمة " تمار" "تامار" "تمر" "Tamar" العبرانية ومعناها " نخلة" "Date-Palm"، وهي في الأصل اسم موضع إلى الجنوب الشرقي من يهوذا ورد ذكره في " حزقيال"، لا يعرف موضعه اليوم على وجه التحقيق. ويرى علماء التوراة أنه الموضع الذي بناه سلمان والمذكور في " الملوك الأول" وان خطأ وقع قديماً في تعيين الموضع فجعل "تدمر"، سببه أن كتبة أسفار " أخبار الأيام" أو الكتبة قبلهم أخطأوا في معرفة موضع " تامار" "Tamar" الواقع في الصحراء اليهودية جنوب البحر الميت، فظنوا انه "تدمر" المدينة الشهيرة المعروفه، وكتبوه "تدمر" في محل "تامار". فالأصل اذن هو " تامار". وصارت "تدمر" نتيجة لهذا التغير في جملة المدن التي بناها "سليمان". وقد كتبت "أسفار أخبار الأيام" "Chronicles" في حوالي سنة "300" أو "200" قبل الميلاد، لذلك يكون هذا التبديل والتغير قد ظهر في حوالي هذا الوقت. ومنه صارت "تامار" "تدمر" ومنه أصبح معنى "تدمر" مدينة النخل، أي "Palmyra" عند اللاتين واليونان وقد ظهرت هذه الترجمة بعد تدوين أخبار الأيام بالطبع. ومنها جاءت اسطورة بناء سليمان لمدينة "تدمر" في هذه المنطقة البعيدة عن حدود مملكة اسرائيل.
وعلى كل حال، فإن الذي نستنبطه من قصة إضافة " تدمر" إلى المباني التي نسب بناوها إلى سليمان، هو أن هذه المدينة كانت قد اكتسبت شهرة فى أيام تدوين أسفار " أخبار الأيام" وأنها كانت مدينة عامرة شهيرة فيما بين السنة "300" و "200" قبل الميلاد.
ويجوز أن تكون الشهرة التي اكتسبتها مدينة "تدمر" "تذمر" في أيام كتبة أسفار "أخبار الأيام" هي التي حملتهم على إضافتها إلى أعمال " سليمان"، لأنها "بمباني سليمان" أليق وأنسب من موضع صغير هو "تامار"، فأضافوا هذه المدينة المشهورة إليه، لتدل على شهرته وعلى مدى بلوغ ملكه في أيامه. وقد أضيف إلى ملك سليمان على هذا النحو من الإضافات ما لا تصح إضافته إليه، وبولغ ملكه وحكمه في الأيام القديمة التي تلت أيامه، لأنه كان من أشهر ملوك "بني اسرائيل"، حتى صارت أخباره من قبيل الأساطير.
وذهب المؤرخ اليهودي " يوسفوس فلافيوس" هذا المذهب أيضاً،فنسب بناء "تدمر" إلى "سليمان". أخذ رأيه هذا من هذا الموضع من التوراة بالطبع، ومن الروايات التي وصلت إليه وكانت قد ظهرت قبله، للسبب المذكور.
أما الروايات العربية، فهي لا تفيد علماً ولا تصلح أن تكون دليلاً، فهي روايات متأخرة دخلت إلى المسلمين من أهل الكتاب، أشاعها وروّ جها أمثال، " ابن الكلبي" بين الأخباريين، فأخذوها بغير تحقيق ولا تدقيق، وقد ذكر " ياقوت الحموي" إن قوماً" يزعمون انها مما بنته جنّ سليمان، وان أهل" تدمر" يزعمون إن ذلك البناء قبل سليمان بزمان.
ولدينا أبيات نسبت إلى "النابغة الذبياني" تتضمن أسصوا رة بناء جنّ سليمان لتدمر، امتثالاً لأمره الذي أصدره اليها، فقد نسب إليه قوله: الاّ سليمانَ إذ قال الإلـهَ لـه قم في بريةَ فاحْددها عن الفندَ
وجيش الجنّ اني قد أمرتهـمُ يبنون تدمرَ بالصفاح والعمـد
ولا يصلح شعر النابغة ولا أمثاله من شعراء الجاهلية أن يكون حجة في بناء "سليمان" لتدمر. فمن الجائز أن يكون النابغة أو غيره، قد أخذ فكرته هذه من أهل الكتاب، ومن الجائز أن يكون هذا الشعر من وضع الوضاعين نسبوه إليه. وقد وضعت أشعار في الإسلام ونسبت إلى الجاهليين، والى آدم وهابيل وقابيل والجن وابليس وبين الأخباريين من ينسب بناء "تدمر" إلى "تدمر بنت حسان بن أذينة ابن السميدع بن يزيد بن عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح".
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:25 PM
وذكروا قصة تفيد عثورهم على قبر "تدمر بنت حسان". وقد اعجبوا ببنائها ووصف الشعراء صورتين جميلتين من بقية صور كانت فيها. وقد حاصرها خالد بن الوليد ثم ارتحل عنها فبعث أهلها رسلاً وصالحوه على ما أدوه له ورضي به. أما قصة العثور على قبر في تدمر ووجود جثة فيه، فأمر ليس ببعيد ولا بغريب. وأما قصة " تدمر بنت حسان" ونسبها والكتابة التي على قبرها، فهي من وضع الأخباريين والقصاص ولا شك.
وقد أشار " بلنيوس" "بلينيوس" إلى مدينة " Palmyra"، وهو أول كاتب " كلاسيكي" عرض لها، فذكر أنها مدينة شهيرة، ولها موقع ممتاز، أرضها خصبة، وبها ينابيع وعيون، تحيط بحدائقها الرمال. وقد عزلتها الطبيعة عن العالم ببادية واسعة الأطراف، بعيدة المسافات، وتقع بين انبراطوريتين عظيمتين ا نبراطورية "رومة"، وامبراطورية "الفرث" "Parthia"، ولهذا" وخيس استرعت أنظارالدولتين. وورد اسمها في كتب " الكلاسيكيين" الذين عاشوا بعد " بلينيوس" مما يدل على ازدياد شهرة هذه المدينة بعد الميلاد.
ويعود الفضل في حصولنا عاى معارفنا التأ إيخية عن تدمر إلى الكتابات التدمرية التي درسها المستشرقون وترجموها الى لغاتهم وشرحوا ما جاء فيها، وهي يالإرمية واليونانية ثم اللاتينية والعمرانية، نشرت في كتب خاصة وفي كتب الكتابات السامية وفي ثنايا المجلات، والى كتب المؤلفين اليونان واللاتين والسريان. من هذه الموارد الرئيسية استقى المؤرخون معارفهم عن تأريخ هذه المدينة، تضاف اليها موارد ثانوية ذكرت "تدمر" عرضاً لوجود منا سبة دعت إلى ذلك مثل سجلات المجامع الكنيسية والتلمود.
أما تأريخ المدينة فلا نعرف من أمره شيثاً يذكر يعود إلى ما قبل الميلاد. وآخر ما كتب عن مدينة "تدمر" يعود إلى ما بعد الميلاد.
وكان غالبية أهل "تدمر" برغم كتابة أمورهم بالإرمية وبالقلم الإرمي من العرب على رأي أكثر الباحثين، شأنهم في ذلك شأن نبط " بطرا". وهم يرون إن القبائل العربية التي أخذت تستولي على المناطق الخصبة الواقعة في شرقي أرض "كنعان"، بعد سقوط الدولة البابلية، كتبوا بالإرمية، لأنها كانت لغة الكتابة والثقافة في المنطقة الواسعة الواقعة غربي الفرات. وتظهر في بعض الكتابات بعض المصطلحات والكلمات العربية الأصيلة،.كما نجد فيها أسماء أصنام عربية مع أصنام إرمية. وبالجملة فإن في "تدمر" ثقافة هي خلاصة جملة ثقافات: عربية وإرمية ويونانية ولاتينية" وأقدم كتابة عثر عليها فيها لا يتجاوز تأريخها سنة "304" من التأريخ السلوقي، أي سنة "9" قبل الميلاد.
كانت تدمر عقدة من العقد الخطيرة في العمود الفقري لعالم التجارة بعد الميلاد تمر بها القوافل تمحل اثمن البضائع في ذلك الوقت. كانت على اتصال بأسواق العراق وما يتصل بالعراق من أسواق في ايران والهند والخليج والعربية الشرقية، كما كانت على اتصال بأسواق البحر المتوسط ولا سيما ديار الشام ومصر، كما كانت على اتصال بالعربية الغربية وبأسواقها الغنية بأموال افريقية والعربية الجنوبية والهند.
إن هذه التجارة هي التي أحيت تلك المدينة كما إن تغير طرق المواصلات بسبب تغيرالأوضاع السياسية هو الذي شل " جسم تلك المدينة فأقعدها عن الحركة بالتدريج.
لقد كانت القوافل الذاهبة من العراق إلى بلاد الشام والقادمة من بلاد الشام إلى العراق، تمر بمدينة "تدمر". وكان الموضع الذي تحط فيه قوافل "تدمر" هو موضع " Vologesias"="Vologesokerta" على نهر الفرات. ومن هذا المكان تنقل التجارة إلى الجهات المقصودة في العراق، ومنه تحمل تجارة العراق بالبر إلى "تدمر" فدمشق.
ويظهر من كتابة عثر عليها في احدى المقابر أن القوافل التجارية كانت تمر في حوالي سنة مئة قبل الميلاد بمدينة "تدمر" في أثناء أسفارها بين مدينة "دورا" "Doura" والشام. وبين الطريق القديم وهذا الطريق، تسكن قبائل عربية من سكان الخيام، أي من النوع المعروف باسم "سكينيته" "Skenita" عند "الكلاسيكيين".
"الكلاسيكيين".
الرومان بهم في جيوشهم، فاستخدموهم في حروبهم في شمال إفريقية. وقد عز على كتابات أثبت انهم كانوا في جملة القوات الرومانية التي كانت في بريطانية. واشتهر التدمريون بفرسانهم كذلك، فقد ألف "أذينة" قوة من القوات الراكبة لمحاربة أعدائه، جهزها بأسلحة واقية من دروع ومن صفائح من المعدن يلبسها الفارس من أعلى رأسه إلى أسفل قدمه، فلا يستطيع عدوّ ه أن يناله باذى، كما درعت الخيل والجمال بصفائح الوقاية، على نحوما كان يفعله الفرس في قوافلهم الراكبهّ في أثناء القتال. وقد اكتسبت هذه القوّ ات شهرة واسعة في حروبها مع الفرس والرومان.
وكان أهل تدمر خليطاً من تجار ومزارعين. أما أطرافها وحواليها، فكانوا أعراباً ورعاةً. وكانت مدينة يونانية ولكنها لم تكن مثل المدن الأخرى المتأثرة بالهيلينية في الشرق، ولم تخضع لنظام المدن اليونانية " Greek Polis"، وكانت خاضعة للرومان وبها حامية رومانية، ولكن خضوعها كان في الواقع صورياً، كما أن الحامية لم تكن شيئاً تجاه أهل المدينة والقبائل المحيطة بها. كانت المدينة بالرغم من الطابع الهليني-
الروماني الذي يبدو عليها، مدينة شرقية، الحكم فيها في يد الأسر ذات السلطان في البلدة تحكمها في السلم والحرب. لقد خلقت الاضطرابات السياسية التي حدثت في الشرق لضعف الحكومات الكبرى وانحلالها وانقسامها إلى "ملوك طوائف". جماعة من الحكام السادات "Tyrannies" تزعموا القبائل أو المدن، وشاركوا الحكومات في الحكم. ومن هؤلاء الأسرة التي حكمت "تدمر". والأسرة التي حكمت "حمص" "Emesa"="Hemesa". وكانت في تدمر جاليات يونانية ورومانية، أقامت فيها وفضلت السكنى فيها على المواضع الأخرى. أقامت بين أهل المدينة حتى صارت من سكان المدينة، كما كانت فيها جاليات يهودية نزحت اليها في زمن لا نستطيع تعيينه بالظبط، قد يكون قبل سقوط القدس في أيدي الرومان بأمد للاتجار، قامت بأعمال التبشر بين. السكان، فتهوّ د أناس منهم، ورحل قسم من هؤلاء. المتهودين إلى القدس، ُأقاموا فيها قبل خراب الهيكل بأمدا.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:27 PM
تمكنت هذه المدينة الصحراوية من رفع منزلتها من منزل منعزل في البادية تنزل به القوافل إلى مكانة مدينة من الدرجة الأولى، ومركز ديني خطير لعبادة الأصنام يحج إليه أعراب البادية،وسوق للتجارة تكلست فيه أنفس البضائع وأثمنها وتجمعت فيه رؤوس الأموال والذهب والفضة والجواهر ولا سيما بعد سقوط "بطرا" بأيدي الرومان، وذهاب ملكهم، فانتقلت اسواقهم الي أيدي للتدمريين. وتولت قوافل "تدمر" نقل البضائع بين العراق والشام مخترقة البادية إلى المرافىء العراقية على الفرات. وقد عادت هذه القوافل على المدينة بخيرعميم من أجور الوساطة في البيع والعشراء ومن الضرائب التي تجبيها عن البضائع التي تمر بها أو تباع فيها، والتي يحددها مجلس سادات المدينة. وتتبين مظاهر هذه الثروة في المباني الجميلة المنقوشة والتي تتحدث آثارها عنها، وفي بقايا الهياكل والأعمدة المرتفعة الجميلة المصنوعة من الحجر الصلد المصفوفة على جانب الشارع الكبير من قوس النصر المقام عند المعبد الكبير إلى نهايته في مسافة لا تقل عن "1245" ياردة.
ولما كانت "تدمر" مدينة حياتها الأساسية بالتجارة، صار للتجار وأرباب القوافل ولزعماء القوافل شأن خطير في الحياة الاجتماعية للمدينة، حتى أشير اليهم في الكتابات، حيث كثر فيها ورود ذكر "زعيم القافلة" و "زعيم السوق". ومدينة مهمة لها مال وثروة وليس لها جيش ضخم قوي ولا مجال لتكوين هذا الجيش فيها،لا يمكن أن تبقى في مأمن ومنجاة من مطامع الطامعين. ولو كانت في بقعة منعزلة وفي بادية بعيدة. فقد كان لعاب الدول القوية يسيل عند سماعها بوجود شعوب صغيرة أو حكومات مدن أو مواضع ذات ثراء ومال، فتكتب اليها إما باغطاء ما عندها اليها، وإما بدفع جزية ترضيها،راضية مرضية، وإما أن تمتنع فتنرحف جيوشها عليها عندئذ فيكون كل ما يصل إليه يدها حلالاً طيباً، ويكون الناس لها عبيداً و*********اً، لا نستثني "تدمر" من هذا الولع . الانساني بالحصول على الثراء السهل بالطبع. لذلك طمع فيها الطامعون من شرقيين و وغربيين. طمع فيها أهل العراق، وطمع فيها الفرس، وطمع فيها لليونان والرومان والبيزنطيون. وكان أول طامع فيها وصل خبره الينا من الفاتحين الأقوياء هو الملك " تغلت فلاصر" "تغلات برليزر"Tiglath-Pilezer " الأول تلاه جملة غزاة ورثوا الحكم والملك والتسلط في أرض الشرق الأدنى.
واذا عرفنا أن "تغلت فلاصر الأول" "17 1 1 - 080 1 ق. م."، كان قد استولى عليها، فإن ذلك ينفي ما ورد في أخبار اليهود من بناء سليمان لتلك المدينة على نحو ما ذكرت. فقد جاء حكم "سليمان" بعد حكم هذا الملك الاشوري بنحو قرن، وقد كانت المدينة قائمة قبل ذلك الملك بالطبع. وقد صارت "تدمر" في جملة الأرضين التي أخضعها "الاسكندر" الكيير لحكمه. لحكم تلك الامبراطورية التي أراد آن يكوّ نها في ذلك العالم، ليوحد فيها الأجناس والأديان، وليقيم مملكة واحدة على هذه الأرض. ومن عهد الاسكندر ظهر اسم "تدمر" الأجنبي، أي " بالميرا" "Palmyra" بين اليونان واللاتين. ولما انقسمت دولة "الاسكندر" قسمين، صارت "تدمر" من نصيب "السلوقيين" على ما يظهر. وْلكننا لا نعلم شيئاً عن عهد استيلائهم عليها،ولا عن مدة بقائهم فيها. وقد حاولت "تدمر" أن تقف موقف الحياد بن " الفرث" والرومان، وتمكنت من ذلك أمداً، اذ كان من مصلحة الدولتين المتنافستين وجود محل منعزل محايد، كي يتمكن تجار الدولتين من الاتجار فيه ومن التسوق منه.وقد قام أحد القادة السلوقيين ببناء حصن ليضم إليه الجنود المقدونيبن
في مدينة "تدمر". فعل ذلك سنة "280" قبل الميلاد. ولعلّ هذا الحصن، هو واحد من سلسلة حصون أقامها السلوقيون في المواضع المهمة ذات المكانة الخطرة من الوجهة السياسية والعسكرية والتجارية لحماية مصالحهم فيها ولا يعرف تأريخ خضوع تدمر للرومان معرفة أكيدة. وقد ورد في تأريخ "أفيفانوس" أن "مرقس أنطو نيوس" القائد الروماني بعد أن حارب الملوك. "الأرشكيين"، ودارت عليه الدوائر،توجه إلى الشلم عائداً من ثم إلى "رومة". فلم قرب من "تدمر" أوفد إلى أهلها رسلاً يخبرونهم أنه قاصد مدينتهم ليريح فيها جنوده من أتعاب الحرب ومشقة الطريق. وكان يريد في نفسه الاستيلاء على المدينة وأخذ ما فيها من اموال. ونفائس. فأحس التدمريون بالمكيدة، وبادروا إلى نقل أموالهم وما يملكون من أشياء ثمينة، فتعقبهم الرومان حتى أدركوهم فاقتتلوا قتالاً شديداً تهانت الغلبة فيه للتدمريين. أما المدينة نفسها فقد حلّ بها الخراب وأصبحت ركاماً، وكان ذلك فى حوالي سنة "41" قبل الميلاد، وفي أيام القيصر "طيباريوس" "طبريوس" "Tiberius" "14 - 107 م" كانت "تدمر" في جملة الأرضين التابعة لحكم الرومان.
ونجد بين الكتابات التي عثر عليها في هذه المدينة قوائم " كمركية" تبين بعض الرسوم التي كانت تجبى عن البضائع وأثمانها باليونانية والتدمرية يعود تأريخها إلى سنة "17" بعد الميلاد ويظهر من قائمة الضرائب التي وضعت في أيام "جرمانيكوس" "Germanicus" ""17 - 19 م" لجبايتها عن البضائع التي ترد دوائر "كمارك" المدينة، وفي أيام "دوميطيوس كو ربولو" "Domitius Corbulo" "57 - 66 م" أن مدينة "تدمر" كانت في نفوذ وحكم "رومة" في العصر الأول للميلاد. وقد كانت تابعة للرومان في أيام الأنبراطور " فيسبسيان" "Vespasian" 60-79 م". غير أن هذا لا يعني انها كانت خاضعة للرومان خضوعاً تاماً، وأن الاشراف على شؤون المدينة كان كله بأيدي موظقي "رومة"، بل كان ذلك اشرافاًعاماً، أما الادارة،فكانت بأيدي أهل المدينة. وأن الحكم الروماني لم يتدخل في أمورها تدخلاً فعلياً. حتى إن الرومان سمحوا للمدينة الاحتفاظ بحامياتها " Militia" التي كانت لها في الخارج في مثل موضع "Vologasia" وفي مواضع أخرى.
وقد زارها الانبراطور "هدريانوس" "Hadrianus" "7 1 1 - 38 1 م" سنة "130" بعد الميلاد،ومنحها لقب " هدريانا بالميرا" "Hadriana Pamyra" و "هديريا نوبوليس" "Hadrianopolis"، وعثر فيها على كتابة مدوّ نة بالإرمية واليونانية يرتقي تأريخها إلى سنة "137" بعد الميلاد، أي إلى أيام هذا الانبراطور، جاء فيها أشياء تخص الأحوال التجارية في هذه المدينة أصدرها مجلس سادات المدينة لتنظيم التجارة، وتثبيت الضرائب، وكيفية الجبايه وما إلى ذلك من أمور. وهي من الكتابات المهمة الطويلة التي ترينا ناحية خطيرة من نواحي حياة تدمر.
وقد بذل "هدريانوس" عناية كبيرة ب "تدمر"، حتى قيل فيه انه مؤسس المدينة الثاني. واعتنى عناية خاصة بحماية الطرق البرية التي تصلها بنهر " الفرات" الذي كان شرياناً مهماً من شرايين التجارة العالمية في ذلك العهد، فقد كان يقوم بالمهمة الني عهدت إلى "قناة السويس"، فيما بعد. ولأهمية هذا النهر الذي هو الممر المائي الذي يوصل تجارة ذلك المحيط الغالية الى الموانىء الواقعة عليه، سعى لتحسين صلاته بالفرس وبالمحافظة على الأمن في البادية، لتنمكن القوافل من المرور منها بأمن وسلام. وأوصل حامياته إلى شواطىء الفرات الغربية،
بل يقال انه أنشأ أسطولاً فيه،وان التجار التدمريين أقاموا في مدينة "Vologasia" وأقاموا لهم معبداً هناك، ليتعبدوا فيه لإلهَهم الذي منحهم الخير والرفاه.
وقد منحت "تدمر" درجة مستعمرة رومانية عليا، فاكتسبت بذلك حق الامتلاك التام والاعفاء من الخراج، والحرية الكاملة في ادارة سياسة المدينة. ونالت الحقوق الايطا لية "Colonia Juris Italici" "Italici Juris" "Jus Italicum".
منحت هذه الدرجة في ايام "هدريانوس" على رأي أو في ايام "سبتيميوس سويروس" "Septimius Severrus" 0 " 93 1 - 1 1 2 م" على رأي آخر. وكانت تتمتع بهذه المنزلة في ايام "كراكلا" "Caracalla" "1 21 - 217 م" كذلك. ولكن منحها درجة " مستعمرة" لا يعني انها صارت مقاطعة رومانية مئة بالمئة، بل كانت في الواقع حكومة مستقلة ذات سلطة واستقلال في ادارة شؤونها خاضعة خضوعاً شكلياً لحكم الرومان.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:28 PM
وقد استفادت "تدمر" من سياسة "هدريانوس" المنطوية على الميل إلى السلم ومجانبة الحرب، ومن سياسة "انطونينوس بيوس" "Antoninus Pius" "138 - 1 6 1 م" الذي نشر ألوية السلم والطمأنينة، فوسعت تجارتها، وزادت في عدد قوافلها، وحصلت على ثروة طائلة. وتعدّ المدة المنصرمة بين سنة "130" و "270" بعد الميلاد من احسن أيام هذه المدينة. فالى هذه الأيآم ترجع معظم النصب والآثار العظيمة التي ما برحت تشاهد بقاياها في جملة ما يشاهد من أشلاء المدينة وجدثها المهشم بين الأتربة والصخور.
وقد كانت في تدمر حامية رومانية ايام "ماركوس أوريليوس" "مارقوس أوريليوس" "Marcus Aurelius" "1 16 - 180 م"، على طريقة من سبقه من الحكّام في وضع حامية رومانية في هذه المدينة.
ولسلطان "رومة" على تدمر، استفاد الرومان من المحاربين التدمريين وكونوا منهم فرقاً وكراديس لحماية الطرق ومصالحهم الممتدة في البوادي، فأودعوا أمر الدفاع عن "دورا" "Doura" "إلى الكردوس الستدمري العشرين "Xxth Cohore Palmyrenorum". وتركوا مهمة حراسة "الفنادق" "Funduq" التي أقامها الرومان على الطريق إلى كراديس الرماة التدمريين لحماية القوافل من لصوص الطرق والسالبين.
وقد تأثرت "تدمر" بأصول اليونان والرومان وطرقهم في ادارة الحكم،فكان للمدينة مجلس " شيوخ" "Senatus" له سلطة سن القوانين والتشريع، وله رئيس وكاتب وجملة أعضاء.ويشرف على السلطة الاجرائية شيخان "Archontes" وديوان يتألف من عشرة حكام. أما السلطة القضائية فينظر فيها بعض الوكلاء "Syndices" وغيرهم من العمال.
ويحمل موظفو المدينة عناوين يونانية تشر إلى اثر التنظيم اليوناني فيها، والى انها كانت تنفذ النظم الادارية اليونانية في اعمال الشعب.فالرئيس هو "Proedros" والكاتب أي "السكرتير" هو "Grammateus"، وهنالك عناوين وظائف أخرى هي: "Archontes" و"Syndicus" و"Dekaprotoi"، وهي المجالس المحلية التي يتألف كل مجلس منها من عشرة أعضاء. جرى هذا التنظيم على وفق نظام المدن اليونانية في حماية "الامبراطورية" الرومانية ودعيت السلطة التنفيذية، المؤلفة من أعضاء مجلس الشيوخ، وكذلك الشعب ب "Strategoi" و هي تعادل "Duumviri" "Dumviri" عند الرومان. وتجمل التدمريون الذين حصلوا على حقوق "مواطن روماني" بأسماء رومانية مثل "سبتيميوس" "Septimius" و "يوليوس أوريليوس" "Julius Aurelius" وضعوها في مقدمة أسمائهم النبطية أو العربية. وقد فعل ذلك قبلهم العبرانيون ونبط "بطرا" وسكان بلاد الشام وغيرهم من الضعفاء الذين يظنون انهم سيكتسبون بهذه المحاكاة الاحترام والتقدير. والضعيف انما يتشبه بالأقوياء ليخفي ضعفه.
أسرة "أذينة"
.
كان للانقلاب الذي وقع في مملكة الفرث. أثر كبير في حياة مدينة تدمر، وأعني بهذا الانقلاب ثورة "أردشير بن بابك بن ساسان" على الملك "أرطبان" الخامس ملك الفرث، وتأسيسه حكومة جديدة هي دولة "الساسانيين" "226 م". فكان من نتائج ظهور الدولة الساسانية تجدد الحروب بين الرومان والفرس ووقوع معارك بين الدولتين..
وقد أحسنت أسرة عريقة من أسر "تدمر" الاستفادة من هذه الحروب، وجر المغانم اليها، والحصول على مركز عال لدى الرومان. وزعيم هذه الأسرة هو "أذينة" من "بني السميدع"، ينسبه "الطرفي" إلى "هوبر العمليقي"، "العملقي" من عاملة العماليق، فهي من بقايا " العماليق." على رأي الأخباريين. و "أذينة" من أسرة قديمة معروفة، تولى رجالها رئاسة تدمر والزعامة عليها، واستطاعت بفضل تأيدها للرومان وتقربها اليهم أن تكتسب ودّ القياصرة وعطفهم عليها والانعام على أفرادها بالألقاب والأوسمة وبالمال في بعض الأحيان، وبالقوة والمعونة وهي غاية كل سيد قبيلة وأمنية كل رئيس في مجتمع قبلي يقوم النظام السياسي والاجتماعي فيه على مفهوم الحكم القبلي في كل زمان ومكان.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:30 PM
ولم يتعرض الرومان لحكم أفرادها على المدينة اذ كانت أحكامهم لا تعارض أحكام "رومة" ولا تصطدم بها. فتركوهم يديرون شؤونها على وفق السياسة الرومانية وادارة القياصرة وأوامرهم التي يصدرونها إلى "المشيخة"، فكانوا يعدّ ونهم "Procuratores" لدى قياصرة الرومان.
ووردت في الكتابات التدمرية أسماء نفر من رجال هذه الأسرة،منهم "نصور" "Nasores" "Naswar" "نصر" "ناصور"، وقد جد "أذينة" واسمه يشير إلى اسم عربي الأصل هو "نصور" أو " ناصر" أو "نصر" تحول إلى "نصرو" ليلائم النطق النبطي. وهو والد "وهبلات" "وهب اللات" "Vahballatat" "Vaballathus" و" وهب اللات"، هو والد ولد اسمه "خيران" "حيران" "Airanes". و "حيران" "خيران"، هو والد "أذينة".
و " نصور" اذن هو أقدم من وصل الينا اسمه من أسماء الأسرة التي حكمت مدينة "تدمر". وهو شخص لا نعرف عنه شيئاً ما. وقد يكون من سادات الفبائل في الأصل من جاء إلى هذا المكان فاستقر فيه، وتولى نسله أو هو الحكم فيه. وقد يكون لهذا الاسم صلة ب "نصر" الذي ينسب أهل الأخبار ملوك الحيرة إليه، فيقولون انهم من "آل نصر" وكان "سبتيميوس خيران"، على رأس مجلس المدينة، ولقبه الرسمي الذي عرف به عند أهل مدينته "رأس تدمر" "رش تذمور" إضافة إلى لقبه الذي لقبه به الرومان.
وقد تمكن من تثبيت سحكم أسرته ومن الهيمنة على شؤون المدينة ومن توسيع تجارتها، فاكتسب بذلك منزلة كبيرة عند أهل تدمر، وعند الرومان. ورافق "سبتيميوس مويروس" "193 - 1 1 2 م" في حروبه مع الفرث وتقرب إليه، ولقب نفسه ب "سبتيميوس"، فصار اسمه "سبتيميوس خيران" "سبتيميوس حيران".
وقد عثر على كتابة يرجع الباحثون زمان كتابتها إلى حوالي السنة "235" للميلاد، أو بعد ذلك بشىء قليل، ورد فيها اسم "أذينة بن خيران بن وهب اللات ابن نصور". وقد لقب "أذينة" فيها بلقب " سقلطيق" "Skiltyk". وقد كان يحمل لقب عضو في مجلس "الشيوخ" الروماني وقد نعت "سبتيميوس أذينة" ب "سقلطيقا" "Skiltyka" في الكتابة التي دونت لتكون شاخصاً لأحد القبور. وقد حصل على لقب عضو مجلس الشيوخ، ثم لقب نفسه بلقب " ملك" "Rex"، وذلك في حوالي سنة "255" للميلاد.
وجمع الناس عليه، فأدرك الرومان ما وراء هذه الدعوة من خطر على مصالحهم، فأوعز القيصر إلى "روفينوس " Rufinus" باغتياله، فقتل وتخلص الرومان منه. ومن ولد "أذينة"، " سبتيميوس خيران" "حيران" "Septimius Hairan" "تولى رئاسة تدمر بعد مقتل أبيه.
وقد ذكر اسمه في كتابة دونت سنة "251" للميلاد، ولم يصطدم بالرومان. وقد كان مثل أبيه بدرجة Senator" كما لقب ايضاً بلقب "رش تدمور"، أي "رأس تدمر" "رئيس تدمر". ولقب بلقب " Exarkus" "Exarchus". .
ولما مات "سبتيميوس خيران"، خلفه "أذينة" "Odenatus" على شؤون المدينة. ولم يرد نسبه في النصوص،فلا ندري أكان ابنا أم شقيقاً ل "سبتيميوس خيران". وقد ذهب بعضهم إلى انه كان اخاه. وكان شجاعاً فارسًا ألف حياة البداوة جريئأ، محباً للصيد ولا سيما صيد الذئاب والفهود والأسود. تولى قبل انتقال الحكم إليه قيادة الجيش والقوافل ورئاسة قبائل البادية،فكانت له مؤهلات خاصة وكفايات حسنة مكنته من رفع شأن "تدمر" في أعين الرومان، ومن تكوين اسم لها عند رجال الدولتين المتزاحمتين.
وقد تبين من كتابه دونت سنة "258" للميلاد ومن كتابتين أخريين انه كان يحمل درجة قنصل "Vir Consularis" في عهد القيصر "فالريانوس" "Valerianus"، كما كان يحمل لقب " مرن"، أي "سيدنا"، وهو اللقب الذي يستعمله أهل "تدمر"، وهو يعادل لقب " Exarkos" "Exarchos" في اليونانية.
وقد ذكر بعض المؤرخين أن "اذينة" الذي نتحدث عنه كان ابناً ل "أذينة" ابن "خيران" ووالد "سبتيميوس خيران"، وانه كان قد هرب إلى الجبال وألف حياة البداوة والربى منذ صغره لينتقم من الرومان الذين اغتال قائدهم "روفينوس" "Rufinus" أباه. فلما انتقل الحكم إليه، عمل جهده على الأخذ بثأر أبيه، فراجع " فالريانوس" "والريانوس" شاكياً إليه ما فعله "روفينوس" بأبيه، طالباً منه انزال العقاب به. أما القيصر، فلم يأبه لهذه الشكوى، ولم يحسب لها حساباً، فغاظ ذلك "أذينة" وأزعجه وحمله على التفكير في الاتصل بأعداء الرومان،وهم الفرس. فلما بلغه نبأ زحف "فالريانوس" على الفرس في عام "259" بعد الميلاد وخيانة قائده "مكريانوس" وسقوط القيصر أسيراً في أيدي الفرس على مقربة من "الرها"، أرسل رسلاً إلى "سابور" حملهم هدايا كثيرة وكتاباً يتودد فيه إليه ويظهر رغبته في مصالحته ومحالفته. فلما بلغ الرسل معسكر الملك، وطلبوا ملاقاته لابلاغه الرسالة،
استكبر عليهم وتجبر وأظهر عجبه من تجاسر" شيخ" على الكتابة إليه، ومخاطبته مع أنه "ملك الملوك"، وهو رئيس مدينة في بيداء قفرة لا قيمة لها ولا أهمية ومن يكون أذينة ? هذا الرجل، الذي دفعته حماقته إلى التجاسر عل سيده بالكتابة اليه ? فإن كان له أمل في عقوبة خفية فليأت إلي ويداه مغلولتان إلى ظهره ا وإن لم يفعل، فليعلم بأني سأهلكه وأهلك أسرته وأنزل الدمار بمدينته ? ثم مزَّ ق الرسالة، ورمى بالهدايا تحت قدميه. فعاد الوفد كاسف البال خائفاً مما قد يقوم به هذا الملك المغرور الطائش من عمل تجاه مدينة خسرت الرومان، ولم تحظ بالاتفاق مع الساسانيين.
ولما رجع الرسل إلى تدمر وأعلموه بما جرى، قرر الأخذ بثأره من هذا الملك المتغطرس الطائش، فجمع القبائل بظاهر. تدمر وجعلها تحت امرة ابنه "هروديس"، وضم اليها فرسان تدمر بقيادة "زبدا" كبير قواده، وقوّاسيها بقيادة "زباي"، وهما من "آل سبتيميوس" أي من أقرباه أذينة،
وحشد معهم بعض الكتائب الرومانية وفلول جند "والريانوس" وسار على رأس هذا للجيش قاصداً المدائن للانتقام من "سابور" الذي كان قد انشغل بغزو الأنحاء الشمالية، ولانقاذ القيصر من الأسر وفي أثناء زحف "أذينة" على المدائن، وصلته أنباء تغلب القائد الروماني "كاليستوس" على الفرس، وتشتت شملهم وهربهم، فغير اتجاهه وأسرع اليهم لملاقاتهم، وقد أدركهم قبل تمكنهم من عبور نهر الفرات،فالتحم بهم وتغلب عليهم،وولى " سابور" مع فلول جيشه مذعوراً تاركاً أمواله وحرمه غنيمة في أيدي التدمريين.ولم يتمكن الفرس من عبور نهر الفرات الا بعد تعب. ولما عبروه هنأ بعضهم بعضاً على السلامة والنجاح. اما أذينة، المنتصر الظافر، فكتب إلى "غاليانوس ابن والريانوس" "كاليانوس بن والريانوس" يخبره بهزيمة الفرس، وباخلاصه للامبراطورية، ففرح القيصر بالطبع بخبر النصر فرحاً عظيماً، وأنعم عليه بدرجة قائد عام على جميع عساكر المشرق "Dux Romanorum"، وحثه على مواصلة الحرب لانقاذ "والريانوس" والده من الأسر.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:32 PM
وقد أشار المؤرخ "ملالا" "ملالس" إلى ملك دعاه "Enath"، ذكر انه كان ملك العرب "السرسين" "Saracens" الأجلاف الغلاظ وحاكم "العربية" وحليف الرومان، وذكر انه هاجم ملك الفرس "سابور" في ايام "والريانوس" وكان قد سار إلى حدود الامبراطورية الساسانية،وتوغل فيها وأوقع خسائر بالفرس. وقد قصد به الملك "أذينة" هذا الملك الذي نتحدث عنه.
ويظهر أن "أذينة" كان يتحبب إلى الرومان، فأنعموا عليه بالألقاب، ومن ذلك لقب"Vir Concularis" الذي كان يحمله في عام "258" للميلاد. وقد منح قبل هذه السنة على ما يظهر. ولعلّ ضغطه المتزايد على الفرس هو
الذي حملهم على ترك "دورا" "Dura" "Doura" ففسح بذلك المجال لعودة الحامية الرومانية إلى هذه المدينة، فرقع ذلك من شأنه في أعين الروسان. وتمكن "أذينة" من تحرير الجزيرة من الفرس، وفتح "نصيبين" "Nicibis" "Nisibis" و "حرّان" فاستقبل هو وجنوده استقبالاً عظيماً. وكان الناس يذكرون بازدراء "غاليانوس" الذي تركهم فريسة للفرس. ثم سأر بجيوشه إلى "Ktesiphon" "264 م"، فخاف " سابور" وأمر بجمع كل ما عنده من قوات للدفاع عن عاصته، غير انها لم تتمكن من وقف زحف التدمريين فوصل "أذينة" إلى "المدائن"
وحاصرها، ونصب المجانيق وآلات الحصار لفتحها، وكاد " سابور" يلتمس منه الأمان لولا حدوث حادث أكره أذينة على ترك الحصار والتراجع، هو خروج " مكريانوس" "Macrianus" "Macrinus" القائد الذي كان السبب في وقوع "والريانوس" في السصر على القيصر "غاليانوس" وتنصيبه نفسه قيصراً على آسية الصغرى ومصر وفلسطين والشام. فاضطر هذا الانقلاب "أذينة" إلى الرجوع إلى مدينته بسرعة، لاتخاذ موقف حاسم تجاه هذا الوضع السياسي الجديد.
لم يكن "أذينة" مطمئناً إلى "مكريا نوس" "Macrianus" "Macrinus" كان يكرهه ويخشى أن يستولي على ملكه إن تمكن واستأثر في الحكم، فقرر منازلته قبل منازلة " مكريانوس" له. وبينما كان يهمّ بالزحف على "حمص" "Emisa" "Emissa" جاء نبأ مقتل، "مكريانوس"، فأعلن السوريون ولاءهم لأذينة وخروجهم على "كياثوس بن مكريانوس" وساروا مع التدمريين لمحاصرة "كياثوس" في مدينة "حمص". ولما اشتد الحصارعلى المدينة وطال، قتل "كاليستوس" سيده "كياثوس." ورمى برإسة من فوق السور تحت قدمي "أذينة" ثم فتح له أبواب المدينة والتمس منه الأمان، فمنحه اياه ودخل المدينة في سنة "262" للميلاد.
ولم يكن استسلام أهل "حمص" للتدمربين أمرأ سهلاً عليهم فقد كانت بين الفريقين شحناء وبغضاء. نظر أهل حمص إلى أهل تدمر نظرة ازدراء وغضاضة.، إذ كانوا يرونهم ناساً أجلافاً، ليس لهم حظ من حضارة وثقافة، أهل بادية حفاة جفاة. وقد يكون لاتصال حدود "تدمر" بحدود حكومة "حمص" وغارات أعراب تدمر على أرض حمص يد في خلق هذا النزاع. وقد لاقت حمص من استيلاء أهل تدمر عليها عنتاً شديداً إذ،حل بها حمار وخراب لرفضها الاستسلام ل"برابرة تدمر". لقد سقطت حمص في أيدي التدمريين،بالرغم من تضرع أهلها وتوسلهم بالإلهة "الشمس" لتنصرهم على أعدائهم وتنزل بهم خسائر فادحة. وقد كانوا من عبادها المخلصين. ولكن أهل تدمر كانوا يتعبدون للشمس كذلك، وقد توسلوا وتفرعوا اليها تتنصرهم على أعدائهم أهل حمص. لقد كان موقف "الشمس" موقفاً حرجاً. فالطرفان المتخاصمان، من عبادها. وقد أقام كل منهما معبداً ضخماً فخماً لعبادتها، زوقت أبوابه وذهبت قبابه، وكل منهما يتوسل اليها، فأي طرف تؤيد إذن ? والظاهر إن اختيارها وقع على تدمر إذ انتصروا على أهل حمص، ودخلوا المدينة ظافرين
وسرّ "أذينة" ولا شك من هذه النتيجة، فقرر بعد استراحة جنوده بضعة أيام أن يسير نحو الشمال للقضاء على المنشقين. وبينا هو في طريقه، تلقى أنباء تمرد "كاليستوس" وخروجه عليه واعلان نفسه ملكاً، فأمر نفراً من رجاله بالذهاب إلى معسكر "كاليستوس" لاغتياله، فذهبوا إليه، وتمكن فارس من الد********* إلى خيمته وقتله. عندئذ تحسن موقفه،فسار إلى الجزيرة، وتعقب الفرس فقبض على عدد من "المرازبة" "Satrapen" وأرسلهم إلى "رومة"، وأظهر اخلاصه وطاعته لقيصر، فرضي عنه واطمأن إليه، وأعطاه منزلة رفيعة هي: "Imperator Totius" "Dux Orientis" ودعاه انبراطوراً على جميع أنحاء المشرق، أي علي الشام والجزيرة وآسية الصغرى عدا "بتينية" وبضع نواح شمالية، " 264 م". وضربت نقود باسمه صور عليها أذينة ووراءه بعض أسرى الفرس. وجعل تحت امرته جميع القوات الرومانية المعسكرة في المشرق. وكلفه القضاء على فلول جيش "مكريانوس" وتطهير المقاطعات الرومانية منهم.
واختار أذينة لنفسه لقباً آخر حبيباً إلى نفوس الشرقيين هو لقب "ملك الملوك"
ملك ملكا" 3، لعله فعل ذلك محاكاة لملوك الفرس. ومنح لقباً آخر هو "أغسطس" "Augustus" لقب قياصرة الرومان. والانسان متى أبطرته النعمة مال إلى اتخاذ أمثال هذه الألقاب وفي رواية أن مجلس الشيوخ الروماني منحه لقب "أغسطس"، فصار مساوياً للقيصر، وأنه أمر بوضع صورته مع صورة الانبراطور على النقود التي أخذت غنيمة من الفرس.
وعرف "أذينة" ب "متقنا دي مدنحا كله"، "متقنا متقنانوتا"، وتقابل معنى "Reparator Totius Orientis" أو "Correctores Italiae" "Utriusque Italiae, Italiae Regionis Transpadanae"، وتقا بل درجة "Correctores" منزلة "رئيس" "praesides"، أي رئيس مقاطعة من المقاطعات.
وقام "أذينة" باصل*********ت جمة أظهر فيها أنه لم يكن قائداً قديراً فقط، بل كان إلى ذلك رجل ادارة وسياسة وتسامح أيضاً. فمنع تعصب الوثنيين على النصارى واضطهادهم لهم، ومنح كل طائفة حريتها في ممارسة شعائر دينها، وخوّ ل النصارى حق بناء الكنائس حيثما شاؤوا
وتعقب اللصوص وقطاع الطرق من الجنود الهاربين والمسرحين من الخدمة والصعاليك الذين وجدوا في الاعتداء على الامنين ومهاجمة القوافل والقرى والمدن خير مصدر للحصول على الكسب والمغانم والمال، وقتل "كاليستوس" زعيم الصعاليك الذي اسمال من لا عمل له إلاّ الفتنة والاعتداء على الناس، وبذلك أراح أذينة نفسه وأراح المقاطعات الرومانية من اثر هؤلاء، واطمأن الناس على أنفسهم، وعادوا إلى أماكنهم التي اضطروا إلى تركهم لها بسبب تلك الاعتداء ات التي قام بها من أطلق عليهم الكتاب اسم "الظالمون".
وصمم "امبراطور الشرق" و "ملك الملوك" بعد هذه الأعمال على انتزاع القيصر "والريانوس" من أيدي الفرس، ومحاربة خصمه المتغطرس المتلقب بلقب "ملك الملوك" كذلك. قد يكون حباً في اذلال من استهان به فمزق رسالته أمام أعين رسله، وقد يكون تقرباً للرومان وتودداً إلى القيصر "غاليانوس". والشرقيون مبالغون ويا للاسف في اكرام الغرباء، متزلفون إلى القوي منهم،
ولو كان في ذلك هلاك الوطن والرعية. عيّن ابنه البكر " سبتيميوس هيرودس" ""Septimuis Herodes" من زوجته الأولى نائباً عنه في ادارة شؤون الملك، وأخذ هو جيشه وسار به لمحاربة الفرس في أوائل عام " 265" بعد الميلاد. سار به إلى "طيسفون" عاصمة "سابور" فحاصرها أمداً، ويظهر أن "سابور" أظهر استعداده لعقد صلح لولا اشتراط "أذينة" فك أسر "والريانوس"، وهو شرط كان في نظر الفرس جدّ عظيم.
ووقع حادث مهم اضطر "أذينة" إلى تبديل خططه العسكرية وترك حصار"طيسفون". ذلك هو انتهاز "القوط" فرصة محاصرة "أذينة" للمدائن وابتعاده عن آسية الصغرى وبلاد الشام، فعبروا بحر "بنطس" "Pontus" أي البحر الأسود ونزلوا بميناء " هرقلية" "Heraclea" ثم زحفوا على " بتينية" و "فريجية" و "غلاطية" و "قيادوقية"، وكانوا يقصدون من وراء زحفهم هذا التوسع والاستيلاء على آسية الصغرى وبلاد الشام وكل ما يمكن الاستيلاءعليه من بلاد الشرق.
فلما علم "القوط" بمجيء "أذينة" هربوا إلى ميناء "هرقلية" مسرعين، ومنه ركبوا الى بلادهم التي جاءوا منها. فقرر عندئذ الرجوع إلى العراق لفتح "طيسفون". وبينما كان "أذينة" في "حمص" لاراحة الجند، أعد وليمة كييرة تذكاراً ليوم ميلاده حضرها قواده وكبار القوم. فانتهز "معنى" "Maeonius" ابن اخيه "خيران" هذه الفرصة، فقتل هو وعصابته عمه "أذينة" وابن عمه "هيرودس" "Herodus"، لاغتصاب عمه منه ملكه الذي ورثه من أبيه. ونادى بنفسه ملكاً على المملكة التي أنشأها وكوّ نها "أذينة" القتيل، وبذلك استرجع حقه من المقتول. ولكن حياة القاتل كما يقول المثل الشرقي لا تطول، وذلك قولهم: "بعثر القاتل بالقتل"، فما كاد يتربع على العرش اياماً حتى انتقمت منه سيوف "حمص"، وألحقته بالعالم الواسع الذي ذهب إليه القتيلان "66 2 - 67 2 م".
مأ أعجب الحياة في مدة قصيرة ظفر فيها رجل "تدمر" من رئيس في مدينة صحراوية إلى ملك على عرش مملكة، فقائد كبير في أعظم،انبراطورية في عالم ذلك الزمن، ومنافس للقيصر وملك على الشرق، وفي لحظة واحدة انتقل فيها هذا القائد الملك من هذا العالم إلى عالم القبر.
انها الحياة لا بد لها من نهاية مهما بلغ الإنسان من منزلة ومكانة، لا تعرف قوة وصولة ولا فقراً وضعفاً، الجميع إلى هذه النهاية منتهون، وللفيلسوف أن يستخرج منها حكمة الحياة. هل قتل "معنى" عمه لاغتصابه حقه الطبيعي في الملك ? أو قتله لأسباب أخرى وهل كان لأحد مثل الملكة "الزباء" ضلع في الحادث ? وهل كان للرومان يد في هذه الجريمة ? وهل كان للحزب الوطني التدمري الذي كان يكره اليونان والرومان وكل سيطرة غريبة يد في هذا الاغتيال لما عرف عن "أذينة" من دفاعه عن الانبراطورية الرومانية وحماسته في الدفاع عنها ? هذه أسئلة سألها المتعمقون في تأريخ "تدمر" والباحثون فيه، وأجابوا عنها أجوبة مختلفة. فمنهم من رأى إن الجريمة هي انتقام شخس بسبب اغتصاب "أذينة" حق القاتل الذي ورثه من أبيه، ومنهم من رأى انها مسألة مسيرة مدروسة وان للزباء يداً فيها. ومنهم من رأى انها بتدبر الرومان وعلمهم، فعلوها للتخلص من رجل أخذوا يشكّون في اخلاصه، ويرتابون منه ومنهم من رأى عكس ذلك: رأى انها فاجعة للرومان وخسارة كبيرة لسياستهم في الشرق، وانها من أعمال الوطنيين الذين رأوا في ملك تدمر أداة طيعة مسخرة في ايدي سادة"رومة" فقرروا لذلك الانتقام منه، أما نحن فنرى أن من الصعب البت في سرّ قتل "أذينة" وابنه، فالأخبار الواردة في هذا الموضوع غامضة، والأدلة غير متوفرة،
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:36 PM
ومبايعة الجيش وقواده للقاتل في سرعة ومن غير كلام أو قتال، ثم قيام أهل حمص بقتل القاتل بعد أيام، وتولى الملكة "الزباء" بعده وبسرعة هي قضايا فيها نظر. ولهذا تعددت الاراء، ولن تتفق ما دامت الروايات المقدمة الينا على هذا النحو من التعقد والأمور.
أظهر "أذينة" مقدرة فائقة جديرة بالاعجاب، استطاع أن يكوّ ن جيشاً قوياً يخيف الفرس ويلحق بهم الخسائر ويكتسب تقدير الرومان واحترامهم في مدة قصيرة، واستطاع أن يكوّن من القلعة الصغيرة المبنية في البادية مملكة كان لها أثر خطير في النزاع السياسي العسكري بين الرومان والفرس. لقد قام بعمل عسكري عظيم في محاولاته الحربية لانقاذ القيصر "والريانوس" محاولات لم يقم بها سيد "رومة" وابن القيصر الأسير ولا أتباعه الرومان. لقد "أرسلته الشمس اسداً مخيفاً مرعباً".
لقد وقعت في ايام "أذينة" أحداث خطيرة عظيمة في الشرق الأدنى من المعسكرين: المعسكر الشرقي وهو معسكر الفرس، والمعسكر الغربي وهو معسكر الرومان يساعدهم التدمريون. كانت انتصارات الفرس في سنة "260" بعد الميلاد، ثم أسر القيصر "والريانوس"، وغزو بلاد الشام، وقيام
أذينة.، بالهجرم على الفرس، وطردهم من الأرضن التي احتلوها من الأمور الخطيرة التي وقعت، في ذلك العهد، أفادت الرومان ولا شك كثيراً، ولكنها لفتت أنظارهم في الوقت نفسه إلى الخطر الجديد الذي أخذ يتهددهم من ظهور قوة "تدمر"، وتدمر في بلاد الشام. وقد تزعم الحركات الوطنية المعادية للرومان في الشرق،، فتكون كارثة على "رومة". ونجد أخبار "أذينة" وأعماله خاصة بعد معركة "الرها". Edessa" "في تأريخ " سوزيموس" "Zosimus"".
ولا بد لي في هذا الموضع، وقد انتهيت من الحديث عن لذينة، من الإشارة إلى رجل كان له شأن وذكر في ايام "أذينة"، وكان أقوى شخصية في تدمر الا وهو " ورود" Worod" "الذي ورد ذكره في عدد من الكتابات، أقدمها الكتابة المدونة بشهر نيسان من سنة "262" للميلاد وقد لقب فيها ب "Procurator Ducenarius""، كما لقب بلقب "مرن" الذي تلقب به "أذينة" أيضاً، أي " سيدنا" و "أمر نا"، وبألقاب أخرى، مثل "Cursus Honorum" و "قائد القافلة" و "شريف المستوطنة" وغيبر ذلك من نعوت حملها "أذينة" نفسه، مما يحملنا على الاعتقاد بأنه كان الرجل الثاني في تدمر بعد "أذينة"، ومن الغريب إن اسمه اختفى مع اسم أذينة في السنة التي قتل فيها الملك نفسِها، فلم نعد نقرأه في الكتابات.
وكان " ورود" يقوم مقام "أذينة" بأعباء الحكم عند غياب "أذينة" عن عاصمته. ويرى بعض الباحثين إن اسمه الكامل هو " يوليوس أورليوس سبتيميوس ورود" Jolius Aurelius SeotimiusWord" وانه كان من الطبقة " الأرستقراطية"، وهو من أصل فارسي روماني. وقد نال أعلى الألقاب المعروفة في أيامه، حتى ضاهت الألقاب التي لقب بها "أذينة". والظاهر انه كان شخصاً كفؤأ حازماً لذلك نال مركزاً لم يبلغه أحد غير "أذينة"، اذ كان الرجل الثاني في تدمر بعد الملك.
ولا نعرف شيئاً كثيراً عن المكانة التي حصل عليها بعد مقتل "أذينة" وتولى"الزباء" اعباء الحكم نياية عن ابنها "وهبلات"، والظاهر انه لم ينل عند الملكة المنزلة التي بلغها عند "أذينة"، وان عينّته الملكة نائباً عنها في بعض الأوقات، وكل ما وصل إليه عندها هو منصب "مستشار"، فقد كانت تستدعيه عند الحاجة لاستشارته في بعض الأمور الخطرة. وقد كان لها جماعة مستشارين تستعين برائهم في ادارة الحكم وفي تنظيم الأمور المالية،ولا سيما الجباية من التجارة و التجار.
ولم يشر "الطبري" ولا غيره من المؤرخين المسلمين إلى حروب "أذينة" مع "سابور" على أهميتها وبلوغ ملك "تدمر" فيها العاصة "طيسفون". وهذا أمر يدعو إلى العجب حقاً اذ كيف يهمل المؤرخون والأخباريون هذا الحدث الخطير ? فلا بد أن يكون هنالك سيب. ورأيي إن سببه الموارد الأصيلة التي اعتمد عليها المؤرخون المسلمون والأخباريون واخذوا منها، وهي موارد فارسية الأصل متعصبة للفرس، أو موارد عراقية ميّالة الهم.
وقد أخذ المؤرخون المسلمون لّأريخ الفرس من موارد فارسية، أما تأريخ الرومان واليونان، فقد أخذوه من موارد نصرانية سريانية في الغالب، ولكنهم أخذوه بقدر، ولم يتوسعوا في الطلب، لذلك كان تأريخ الرومان واليونان مختصراً جداً وضعيفاً يالقياس إلى ما دوّ ن عن تأريخ الفرس، عبارة عن جريدة بأسماء القياصرة جافة في.الغالب، ونتف وقطع مبثوثة هنا وهناك في الفصول المدوّ نة عن تاريخ الدول الفارسية ذكرت في المواضع التي تكون لها صلات بتأريخ الفرس، ولذلك أيضاً أدمج أكثرما دون عن تأريخ الغساسنة وعرب الشام في الأوراق التي دونت عن تأريخ الحيرة وعرب العراق.
وقد انتزعت من موارد فارسية- عراقية، ففيها تعصب للفرس وللعراق على الروم والرومان وبلاد الشام.
واظن إن الموارد الأولى الني نقل منها الأخباريون والمؤرخون كلامهم عن تاريخ الفرس لم ترقها الاشارة إلى انتصارات ملك كوّ ن مملكة في البادية بنفسه، على "سابور" صاحب انبراطورية واسعة تتباهى بنفسها على الرومان، فأهملت الكلام عنها بداقع العاطفة والنزعات القومية. فلما ترجمت تلك الموارد إلى العربية أو نقل منها، لم يجد الأخباريون والمؤرخون شيثاً يقولونه عن انتصارت "أذينة" على "سابور"، وإلا ذكروه كما ذكروا حادث أسر " سابور" للقيصر "والريانوس" في أثناء كلامهم عن سابور. وقد ذكره الطري فقال: "وانه حاصر ملكا كان بالروم يقال له الريانوس بمدينة انطاكية، فأسره وحمله وجماعة كثيرة معه وأسكنهم جنديسابور".
الزباء
انتقل الملك بعد مقتل "أذينة" و "معن" إلى "وهبلت" و "هبلات" "وهب اللاث". ، وهو ابن "أذينة" من زوجه " الزّ باء" ويعرف في اليونانية ب "اتينودورس" Athenodrus" ". وكان لوهبلات اخوة هم: "حيران" "خيران" و " تيم الله" من أذينة "أذينة" وامه "الزباء". وكان قاصراً، لذلك تولت الوصاية-عليه وتأديبه بأدب الملوك حتى يبلغ سن الرشد، فعلّمته "اللاتينة" والفروسية، وهيأته ليكون ملكاً. كبراً كقياصرة الرومان أو أكاسرة الفرس وسعت هي لتهذيب الدولة وتوسيعها وبسط نفوذها على أماكن واسعة لم تكن خاضعة لتدمر، لذلك كان لا بد من حدوث احتكاك وتصادم بينها وبين الرومان.
وللاخباريين *********ديث واقاصيص عن الزباء، واسمها عندهم "نائلة بنت عمرو ابن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع بن هوبر العميلقي" "العملقي" من العماليق. و "الزباء بنت عمرو بن الظرب بن حسان بن أذينة بن السميدع ين هوبر" على زعم، و "ليلى" في زعم آخر. وزعوا إن لها اختاً اسمها "زبيبة" بنت "الزباء" لها قصر حصين على الشاطئ الفرات الغربي، وكانت تشوعند اختها وتربع ببطن النجار، وتصير الى تدمر. كما كان لها جنود هم نظرهم بقايا من العماليق والعاربة الاولى، وتزيد وسليح ابن " حلوان بن عمران ابن الحاف ين قضاعة" ومن كان معهم من قبائل قضاعة. وذكر "ابن خلدون" إن ملك العرب بأرض الحيرة ومشارف الشام كان.لعمرو بن الظرب،و.كان جنود ألزباء من بقايا العمالقة من عاد الأولى ومن نهد وسليح ابني حلولن ومن كان معهم من قبائل قضاعة، وكانت تسكن على شاطىء الفرات وقد بنت هنالك قصراً، وتربع عند بطن المجاز، وتصيف بتدمر، أخذ قوله هذا من. تأريخ الطبري وتصرّ ف فيه بعض التصرف. أما الأصل، فخبر من اخبار الأخبارين، واما النقل فحكمه حكم الأصل بالطبع.
وأما ان جنود "الزباء" من بقايا "العمالقة"، فهو أمر مقبول في نظر اصحابنا الأخباريين، و لم لا ? أن "الزباء" في رأيهم من بقايا العمالقة، اي من العرب الأولى فلم لا يكون جنودها اذن من اولئك لقوم ? وزعم بعض الأخباريين إن "الزياء" من ذرية "السميدع بن هوثر" من "بني قطورا" اهل مكة، وهي بنت " عمرو بن أذينة بن، الظرب بن حسان". ويبن " حسان" و "السميدع" آباء. وزعم آخرون أن "عمرو بن الظرب" كان على مشارف الشام والجزيرة، و كَان منزله بين " الخابور" و "قرقيساء"، فوقعت بينه " وبين "مالك بن فهم" حروب هلك "عمرو" في بعضها، فقامت بملكه من بعده ابنته "الزباء". وقد استمرت الحرب بين "مالك" و "الزباء" إلى إن الجأها إلى اطراف مملكتها. وكان " مالك" على ما يصفه الأخباريون رجلا قديراً يغير على ملوك الطوائف حتى غلبهم على كثير مما في ايديهم. وهو في نظرهم اول من ملك من "عرب الضاحية". وكان منزله مما يلي "الأنبار"، ثم ملك بعده أخوه "عمرو بن فهم". فلما هلك تولى من بعده "جذيمة الأبرش" الشهير في تأريخ الحيرة.
والذي حارب "عمرو بن الظرب" على رواية منسوبة إلى "ابن الكلبي" ذكرها " الطبري" هو "جذيمة الأبرش"، وكان جذيمة على هذه الرواية قد جمع جموعا من العرب سار بها يريد غزاة "عمرو"، وأقبل "عمرو" بمجموعة من الشام فالتقوا فاقتتلوا قتالاً شديداً فقتل "عمرو بن الظرب" وانفضت جموعه. فأجمعت الزباء رأيها لغزو "جذيمة" للاخذ بثأر أبيها، ولستعدت لذلك. غير إن اختاً لها هي " زبيبة"، وكانت ذات رأي ودهاء وأدب، نصحتها بترك الحرب، فإن عواقبها غير مضمونة، فاستجابت لنصيحتها، وعمدت إلى طرق المكر والحيل فراسلته واستدرجته إلى عاصمتها في قصة معروفة مشهورة لا حاجة بي إلى اعادتها، فغدرت به وقتلته. وطلب "قصير بن سعد بن عمرو ابن جذيمة بن قيس بن ربي بن نمارة بن لخم"، وكانْ اريباً حازماً أثيراً عند "جذيمة ين الأبرش" من "عمرو بن عدي" خليفة " جذيمة" على الحيرة الخروج لقتال "الزباء"، فأحجم فلما رأى ذلك منه، صمم على أن يأخذ هو بالثأر، فذهب اليها مدعيأ انه مضطهد ممقوت لتهمة نسبت إليه هي انه ساهم في - قتل "جذيمة" فوثقت به واطمأنت إليه وهي لا تعلم ما في يخفي لها،
ثم طلب منها أن يعود إلى بلده ليعود بأمواله ونفائس ما لديه فسمحت له وأعطته تجارةً لتصريفها هناك، فباعها وعاد بأرباح طائلة وبأموال كثيرة، فزادت ثقتها به وتكرر الحال، حتى اذا ما وثق من اطمئنانها إليه عاد في المرة الأخيرة برجال أشداء من بني قومه ومعهم "عمرو بن عدي"، وضعهم في جوالق كبيرة فلما توسطوا في المدينة، أنزلت الجوالق وخرج الرجال منها، فوضعوا سيوفهم في رقاب أهلها، فلما رأت الزبّاء ذلك. أرادت الهرب من نفق حفرته لمثل هذه الأيام، اطلع قصير عليه، فوضع "عمرو بن عدي" على بابه. فلما رأته الزياء مصت خاتمها، وكان فيه سم، قائلة: "بيدي لا بيدك يا عمرو"، وتلقاها عمرو بن عدي بالسيف فجللها به وقتلها، وغنم كثيراً، وانكفأ راجعاً إلى العراق.
وهي قصة محشوة بالأمثال المنسوبة إلى أبطالها: جذيمة وقصر والزباء وعمرو ابن عدي، وفيها على عادة الأخباريين في رواية أمثال هذا القصص شعر نسب بعضه إلى هؤلاء الأبطال، ونسب بعضه الآخر إلى شعراء أقحمت أسماؤهم في القصة ليؤكد واضعوها ولا شك صدق حديثهم،وليلوّ نوا كلامهم بعض التلوين. ونجد قصة الزباء وجذيمة وقصير المطالب بالثأز في شعر ينسب إلى "عديّ بن زيد العبادي"، جاء فيه: ألا أيها الملـك الـمـرجـىّ ألم تسمع بخطب الأولـينـا
دعا بالبـقَّة الأمـراء يومـاً جذيمة عصر ينجوهم ثبـينـا
فطاوع أمرهم وعصى قصيراً وكان يقول لو تبع اليقـينـا
ثم يستمر في نظم القصة شعراً حتى تنتهي. وقد ختمت بنصح للانسان ليتعظ بالحوادث والمنايا، التي لا تعرف أحداً مهما كانت درجته ومنزلته، إلا أخذته، ثم صيرته أثراً بعد عين.
وذكر أهل الأخبار أن "الزبّاء" كانت تأتي الحصون، فتنزل بها، فلما نزلت ب "مارد"، حصن دومة الجندل، وبالأبلق، حصن تيماء، قالت تمرد مارد وعز الأبلق، فذهبت مثلاً.
ولم يبخل الأخباريون على الزباء، فمنحوها ابياتا زعموا انها قالتها، وجعلوها أديبة في العربية بليغة إلى اعلى درجات البلاغة. لها حكم وامثال بهذه العربية، عربية القرآن الكوريم. ولا غراية في ذلك، فالذي ينسب شعراً عربياً إلى آدم وابليس ويرويه مشكَّلاً مضبوطاً على وفق قواعد النحو والصرف، لا يعجز عن رواية شعر ينسب إلى "عمرو بن الظرب" والى ابنته الزباء.
وذكر إن معاوية ذكر في أحد مجالسه "الزباء" وابنة "عفزر"، فقال: "اني لأحب إن أسمع حديث ماوية وحاتم، فقال رجل من القوم: أفلا أحدثك يا امير المؤمنين ? فقال: بلى، فقال: إن ماوية بنت عفزر، كانت ملكة وكانت تتزوج من أرادت".
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:38 PM
ويذكر اهل الأخبار أن "ابنة عفزر" قينة كانت في الدهر الأول، لا تدوم على عهد، فصارت مثلاً. وقيل: قينة كانت في الحيرة، وكان وفْدُ النعمان اذا اتوه لهوا بها. وذكر أن "عفزر" اسم اعجمي، ولذلك لم يصرفه "امرؤ القيس" في قوله: أشميمُ بروق المُزنِ أين مصـابُـهُ ولا شيء يشفي مناك يا ابنة عفزرا
ولم تشاً الكتابات التدمريه الاعلان عن اسم ملكة تدمر، بل ذكرتها على هذه الصورة: "بت زباي" اي " بنت زباي". و "زباي" هو اسم والد الملكة، حذفت كلمة "بت" وهي "بنت" في العربية، وقلب الحرف الأخير وهو الباء من كلمة "زباي" وْصيّر همزة، فصار " زباء"، وعرفت ملكَة تدمر عند العرب باسم "الزباء".
وقد ذكر المؤرخ "فلافيوس فوبسكوس" Flavius Vopiscus"" إن والد "الزباء" رجل من تدمر اسمه "اخليو" "Achilleo"، و Achilleo"" هو "انطيوخس" "Antiochus" في رواية اخرى.
وقد أثنىَ عليها المؤرخ "تريبليوس بوليو" "Trebellius Pollio" "ووصفها وصفا جميلاً، واشار إلى مقدرتها وقابليتها، وذكر انها كانت تتكلم اليونانية وتحسن "اللاتينية"، وتتقن اللغة المصرية وتتحدث بها بكل طلاقة، وتهتم بشؤون المملكة، وتقطع المسافات الطويلة سيراً على الأقدام في طيعة رجال جيشها، إلى غير ذلك من كلام فيه ثناء واطراء على هذه الملكةْ.
وقد بلغتنا روايات تفيد إن الملكة ادعت انها من مصر، من سلالات الملوك وانها من صلب الملكة الشهيرة "قلبطرة" "كليوبطرة" Celopatra"" "، وانها كانت نفسها تتكلم المصرية بطلاقة، وانها ألفت كتاباً كتبته بخط يدها اختصرت فيه ما قرأته من تواريخ الأمم الشرقية ولا سيما تأريخ مصر، وانها استقدمت مشاهير رجال الفكر إلى عاصمتها، مثل الفيلسوف الشهير " كاسيوس ديونيسيوس لونجينوس" Cassius Longinus" "" 0 2 2 - 273 م" بعد الميلاد. وكان فيلسوفاً على مذهب الأفلاطونية الحديثة ومن أصدقاء الفيلسوف " فرفوريس" Phorphyrios" "،
استقدمته الملكة إلى عاصمتها واستضافته عندها وجعلته مستشاراً لها، فأخلص لها في مشورته،فكان ذلك سبباَ في قتله. فقتله القيصر " أوريليانوس" Aurelianus" "، لاتهامه انه كان يحرض الملكة على الرومان.
ومثل الكاتب المؤرخ " كليكراتس الصوري"، و "لوبوكوس" البيروتي اللغوي الفيلسوف، و "بوسانياس" الدمشقي المؤرخ، "ونيوكوماخس" "Nicomachus " من زمرة الكتّاب المؤرخين، المتضلعين بالإغريقية،ومن الفلاسفة، وقد تولى الكتابة باللغة الإغريقية، وصار من مستشاريها كذلك. ولذلك أمر به القيصر "أورليانوس" فقتل بعد محاكمته بمدينة حمص، في الوقت الذي حوكمت فيه الملكة والفيلسوف "لونجينوس"، الذي قطع رأسه بعد إن مثلّ به. وفي حشد هذا النوع من الرجال دلالة على ميول الملكة الفلسفية الأدبية وثقافتها العالية ولا شك.
وملكة شأنها هذا، لا بد إن تكون حرة الفكر، متساهلة مع اصحاب العقائد والاراء. وهذا ما كان. ففي مدينة "تدمر" الوثنية عاشت جالية كبيرة من اليهود يمتعت بممارسة شعائرها الدينية يكل حرية، ونالت حقوق المواطنة التي كان يتمتع بها التدمريون، جاءت إلى المدينة مهاجرة من فلسطين خاصة،بعد خراب القدس على ايدي القيصر " طيطوس" "تيتوس" "Titus" في سنة "70" بعد الميلادْ.
فاشتغلت فيها بالتجارة، فحصلت على ارباح طائلة جداً، وصار لها في المدينة اسم وشأن حتى إن مجلس المدينة والشعب اقام تمثالاً في سنة "569" السلوقية المقابلة لسنة " 257" الميلادية ليهودي يدعى " يوليوس أورليوس شلميط" "Julius Aurelius Schalmath" "قائد القافلة، لأنه ترأس القافلة، وأنفق عليها من ماله.
وقد بالغ المؤرخين في عدد اليهود الذين كانوا في "تدمر" ايام حكم الزباء فزعم انه بلغ نصف عدد سكان المدينة، وهو زعم يحتاج إلى اثبات. وزعم القديس "أثناسيوس" "St.Athanasius" إن ملكة تدمر كانت تدين باليهودية ولكنها مع تهودها لم تهب أبناء دينها الكنائس لتكون لهم مجامع ومحافل. وذهب إلى هذا الرأي المؤرخ "فوتيوس" "Photius"". وذكر "فيلاستريوس" Philastrius"" إن الذي هوّ د الملكة هو "بولس السميساطي" "paulus Samosatius" وهو أسقف كان مقرباً إلى الزباء، وله منزلة عاليه لديها.
ونسبت إليه آراء في المسيح وفي بعض الأمور الدينية الأخرى دعت إلى محاكمته في مجمع "انطاكية" الذي انعقد في سنة "264" للميلاد، فوجد المجمع إن تعاليمه تشبه تعاليم "اًرتاماس" "أرتامون" الذي حكم عليه قبلا، فحرموا آراءه كذلك، ثم حكم عليه في "انطاكية" سنة "269" بعزله عن الأسقفية، ولم تتدخل "الزباء" في القّرارات التي اتخذها رجال الكنيسة تجاه بولس، كما انها لم تنفذ قراراتهم بحقه، بل أبقته في مركزه وتركته على ما كان عليه.
ويرى بعض المؤرخين أن خبر تهود الملكة خبر مختلق، وضعه آباء الكنيسكة للاساءة إلى سمعه "بولس السميساطي" والطعن فيه والحط من تعاليمه وللتأثير في نفوس أتباعه. وقد لاقى "بولس" من خصومه عنتا شديداً. ولا يعقل بالطبع أن يعمد رجل كنيسة إلى تهويد شخص مهما كان مذهبه ورأيه في طبيعة المسيح واللاهوت، بل المعقول أن يعمد للتأثير فيه وادخاله إلى مذهبه. ولدينا خبرآخر أراه من جنس خبر "
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:40 PM
"فيلاستريوس" ذكره "تيودوريت" "Theodoret"، خلاصته: أن الأسقف "بولس" أخذ رأيه في "الثالوث" من آراء الملكة المتأثرة باليهودية، وأنه كان قد تأثر بالمرأة حتى سقط إلى الحضيض. ولايخفى ما في هذا الخبر من طعن في عقيدة الرحل الذي أبدى رأياً فىِ " الثالوث" سبب غضب الاباء عليه.
ولم نجد في الآثار اليهودية التي بين أيدينا ما يفيد تهود "الزباء"، نعم ورد في التلمود خبر يفيد حماية " الزياء" للأحبار، غير أنه وردت أخبار أخرى تفيد أن اليهود كانوا ناقمين على "تدمر" حاقدين عليها يرجون من الله أن يطيل في عمرهم ليروا نهايتها. هذا الحبر الكبير "يوحانان" "يوخانان" "Johanan" "" Jochanan" " رئيس "أكاديمية" "طبرية" و المعامر لأذينة والزباء، يقول: "مخلد وسعيد من يدرك نهاية أيام تدمر". و لو كانت الملكة على دين يهود، لما صدرت هذه الجملة من فم ذلك الحبر ولا شك. ويفهم من بعض الروايات المروية عن فقهاء اليهود وأحبارهم في فلسطين في ذلك العهد، أن الملكة اضطهدت اليهود وعذبتهم. وهي روايات. لا يمكن التسليم بصحتها ايضاً، ويجوز انها ظهرت على أثر توسع.الملكة في الأرضين التيّ كانت تحت سسِطرة الرومان ومنها "اليهودية" غير أن هذا الاستيلاء لم يكن أمده طويلاً.
ووردت روايات أخرى تشير إلى كراهية يهود منطقة الفرات لتدمر، ورد إن الحبر "يهودا" "R.Juda" تلميذ الحبر "صموئيل" "Samuel" تحدث عن تدمر، فقال: "سيحتفل الاسرائيليون في أحد الأيام بعيد، انه عيد هلاك ترمود "Tarmud"، انها ستهلك كما هلكت تمود " Tarmud" وقد هلكت. وورد إن الحبر "آشة" "R.Asche" ذكر "ترمود" "Tarmud" فقال: ترمود مثل تمود، انهما شيئان لأمر واحد، اذا هلك أحدهما قام الثاني مقامه.
. ويراد ب "ترمود" مدينة "تدمر". وقد اشترك عدد كبير من اليهود في صفوف أعداء الزباء، واشتركوا مع الفرس في حروبهم مع تدمر كما اشتركوا مع الرومان. وقبض على عدد من الأحبار أحضروا إلى الملكة كانوا يحرضون الناس على التدمريين.
أما "تمود"، الذين هلكوا قبل هلاك "ترمود"، فهم قوم ثمود. ويظهر انهم حلت بهم نكبة أدت إلى هلاكهم حتى صار هلاكهم مضرب الأمثال. ولم يشر الى زمن حلول تلك النكبة. ولكن ذلك كان قبل سقوط "تدمر" في أيدي الرومان على كل حال، كما يفهم من كلام الحبر "يهودا" المتوفى سنة "257" للميلاد
أما أسباب هذا البغض، فلم تذكر. ويظهر إن هنالك جملة عوامل دعت إلى ظهوره، منها اراء الملكة الفلسفية وآراء الفلاسفة والكتاب الذين كانوا يحيطون بها، وكانوا يبثونها في تدمر وفي البقاع التي استولى عليها التدمريون، فنفقت نفاقاً كييراً بين يهود "تدمر" ويهود "الكالوتات" على نهر الفرات، فأثارت هذه الاراء "الالحادية" عند اليهود حقد الأحبار والمتدينين. ومنها الزواج المختلط الذي انتشر في تدمر بين اليهود وغير اليهود، ونشوء جيل جديد من هذا الزواج أضاع الدين وتقاليد الإسرائيليين. وهو أمر نهى عنه اليهود. ومنها الحالة السياسية التي نشأت من أسر الفرس للقيصر "والريانوس"، وهجوم أذينة على الفرس وما أعقب ذلك من حروب ألحقت ضرراً كبيراً بالجاليات اليهودية الكبيرة التي كانت تسكن شواطىء القرات، ومعظمها من التجار الذين كانوا يتاجرون مع الفرس والروم، ويبن العراق وديار الشام، فأصيبت هذه "الكالوتات" اليهودية التي كانت تتمتع بشبه استقلال بأضرار كبيرة، وفقدت استقلالها خلال مدة استيلاء التدمريين على شواطى الفرات. فلهذه الأسباب كانت نقمة اليهود على التد مريين.
وحرص بعضى المؤرخن على ادخال الملكة في زمرة النصارى فزعموا. انها كانت على دين المسيح. وتساهل آخرون بعض التساهل فقالوا انها لم تكن نصرانية أصيلة ولكنها كانت قريبة منها ميالة اليها، وجحد ححج من قال بتهود الملكة وسخفها. وتوسط آخرون فقالوا انها لم تكن يهودية محضة، ولا نصرانية خالصة، إنما كان دينها وسطاً بين الدينين: كانت تعتقد بوجود الله، وترى التوحيد،ولكنها لم تكن على اليهودية وعلى النصرانية، بل رأت الخالق كما يراه الفيلسوف.
وللمؤرخين آراء في أصل "الزباء" ونسبها وأسرتها، فمنهم من ذهب إلى أنها مصرية، ومنهم من ذهب إلى أنها من العماليقْ ومن هؤلاء المؤرخ "آيشهورن" "Eichhorn". وقد أخذ هؤلاء آرامهم من الكتب العربية على ما يظهر. وذهب المؤرخ اليهودي "كريتس" "Graetz" " Graetz" إلى أنها "ادومية" من نسل "هيرودس وا نها يهودية الدين. ورأى "رايت" "Wright" " و "أو بردك" "Oberdick" وآخرون انها من أب عربي ولكنها من دم مصري من ناحية الأم. والذي عليه أكثرهم. أنها عربية الأصل.
وقد ذكر "المسعودي" إن بعض المؤرخين كانوا يزعمون انها "رومية" تتكلم العربية.
أظهرت "الزباء" مقدرة فائقة في ادارة شؤون الملك، فخاف منها الرومان، وعزم "غاليانوس" بتحريض من شيوخ "رومة" على القضاء عليها قبل استفحال أمرها، فأرسل جيشاً إلى الشرق تظاهر انه يريد من ارساله محاربة "سابور" غير انه كان يربد في الواقع مهاجمة تدمر واخضاع الملكة. فبلغ خبره مسامع "الزباء" فاستعدت لمقابلته وخرجت له، والتحمت فعلاً بكتائب الرومان،وانتصرت عليه انصاراً باهرا، وولت هاربة تاركة قائدها "هرقليانوس" "Heraclianus" قتيلاً في ساحة الحرب.
ورأت الملكة الحذر من الفرس، وذلك بتقوية حدود مملكتها، فأمرت بانشاء حصن "زنوبيا" "Zanobia" على نهر الفرات، ليقف أملم الهجمات التي قد يوجهها الساسانيون عليها من الشرق. ويقول "بروكوبيوس" انه سمي بهذا الاسم نسبة إلى الملكة مؤسسته.
وقد اتبعت "الزباء" بعد مقتل زوجها سياسة عربية، سياسة تعتمد على التقرب من الأعراب والتودد اليهم والاعتماد عليهم في القتال والحروب. وذلك بعد أن رأت إن الرومان هم أعداء تدمر، وانهم لا يفكرون الا في مصالح الرومان الخاصة. وبهذه السياسة تقربت أيضاً إلى العناصر العربية المستوطنة في المدن، وأخذت تعمل على تكوين دولة عربية قوية واحدة بزعامتها، وخاصة بعد أن أدركت إن الأعراب قوة لا يستهان بها،
وانهم لو نظموا واستغلوا استغلالا جيداً، صاروا قوة يحسب لها كل حساب، فأخذت تعمل لتكوين هذه القوة، ولكن الرومان كانوا أسرع منها، فقضوا على مآربها قبل أن تتحقق، فاستولوا على تدمر وأزالوا مملكة ملكة الشرق.
وجهت "الزباء" أنظارها إلى مصر، ووضعت الخطط للاستيلاء على هذا القطر، بعد أن مهدت لنقسها الدعوة فيه باعلانها انها مصرية وانها من نسل الملكة "كليوبطرة" "قلبطرة" فلها إذن فيه ما يسمح لها بالتدخل في شؤونه، وأخذت تترقب الفرص وتتحين الأسبالب، فلما قتل القيصر "غاليانس" سنة "268" للميلاد، وانتقل الحكم إلى "أوريليوس فلوديوس" "Marcus Aurelius Claudius" "" 268 - 5 27 م"، وجدت الجو صالحاً للتدخل،كان الألمان "Alemannen" قد هاجموا حدود الإمبراطورية في مطلع هذا العام، وكان "الغوظ" "القوط" "Gothen " "Goths" قد أربكوا الدولة. وكان أثر الخسارة التي ألحقتها الملكة في الجيش الروماني، ومقتل "هرقليانوس" بالغاً في نفوس الرومان، يتجلى في صياح أعضاء مجلس الشيوخ بصوت واحد سبع مرات في أثناء مبايعة القيصر الجديد: "ياقلوديوس أغسطس نجنّا من فكتوريا ومن زنوبيا، ياقلوديوس أغسطس أغثنا من التدمريين".
وفي للرسالة المؤثزة للتي وجهها القيصر إلى مجلس الشيوخ ومدينة "رومة" وهو في طريقه لتأديب المهاجمين، وفيها "إن جبيني ليندى خجلاً كلما تذكرت أن جميع الرماة بالقسي هم في خسمة زنوبية" فانتهزت الملكة هذه الفرصة المؤاتية وأرسلت جيشها لاحتلال مصر.
كان القيصر قد أمر عامله. على مصر المدعو "بروبوس" "Probus" بالخروج على رأس اسطول الاسكندرية إلى عرض البحر: لمطاردة "الغوط" " القوط" "Goths" ولمنعهم من الهرب عبر المضايق فخرج علي رأس قوة كبرة من الرومان لمطاردتهم فانتهز الوطنيون والمعارضون لحكم الرومان - وعلى رأسهم "تيماجينيس" "Timagenes"، وهو رجل يوناني الأصل مبغض للرومان - هذه الفرصة، فكتبوا إلى الملكة يحضونها على تحرير مصر من حكم "رومة" وتولى الحكم فيها. وأظهر "فيرموس" "Firmus"، وهو رجل ثري جداً، استعداده لمساعدة الملكة بالمال وبكل ما ينبغي اذا أرادت الاستيلاء على مصر
فأمرت "الزباء" قائدها "زبدا" بقصد مصر على رأس جيش قوامه سبعون الف رجل. وقد قاتل الجيش الروماني الذي كان مؤلفاً من خمسبن الف مقاتل وتغلب عليه، ثم قرر العودة إلى تدمر تاركاً في مصر حامية صغيرة من خمسة آلاف رجل، ويظهر انه تركها تحت إمرة "تيماجينيس" الذي عيّن نائباً عن الملكَة على مصر. فلما سمع "بروبوس" بهجوم التدمريين وتغلهم على الرومان، أسرع عائدا الى مصر، فألف جيشاً من المصريين الموالين للرومان، وزحف على الالسكندرية وأخذ يتعقب التدمريين، وأعمل فيهم السيف، فلما سمعت "الزباء" بذلك، أمرت قائدها بالعودة ثانية الى مصر، فجرت معارك بين الطرفين انتهت بانتصار التدمرين على "بروبوس" عند "بابلون" أي "الفسطاط"، وكتب النصر لجيش الملكة في مصر.
وقد ساعد عرب مصر من سكان الأقسام الشرقية من مصر، جيش تدمر مساعدة كبيرة، ولا سيما فيما جرى من قتال حول حصن "بابلون" "Babylon" الذي عرف ب "الفسطاط" فيما بعد. ويظن بعض الباحثين أن "تيماجينس" "Timagenes" الذي وصفه المؤرخ "زوسيموس" "Zosimos" "Zosimus" بأنه مصري، كان في الحقيقة عربياً، واسمه عربي أخذ من "تيم اللات"، أو من "تيم جن". وكان من المبغضين للرومان.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:42 PM
ولم تتحدث الموارد التأريخية عن الحوادث التي جرت في مصر بعد هذا النصر ولا عن موقف الرومان من هذا التطور الذي وقع في منطقة خطيرة من مناطق الانبراطورية. ويظهر إن الملكة تراضت مع "رومة" وعقدت اتفاقية معها، وافقت "رومة" فيها على بقاء جيوش تدمر في مصر، مع اعتراف "تدمر" بسيادة الرومان على وادي النيل. وقد عقدت هذه الاتفاقية في أواخر ايام حكم " قلوديوس".
كما يتبين ذلك من خبر ذكره " تربيليوس بوليو" "Tebellius Pollio" ما له حلف المصريين يمين الولاء والاخلاص للقيصر. وقد دام هذا الاتفاق في أوائل سني حكم القيصر "اورليانوس" "Aurelianus" "275 - 275 م" أيضاً كالذي يتبين من نقد ضرب في الإسكندرية في سنتي "275" و "271" للميلاد، وقد ضربت على أحد وجهي النقد صورة مزدوجة لوجه القيصر "اورلبانوس" " Aurelianus " حاملاً لقب "أغسطس" " Augustus " مع وجه " هبلات"، وقد نعت ب: Vir Consularis Romanorum" Imperator Dux Romanorum" ويشير إلى اللقب الذي تلقب به أيام حكمه. وأما ازدواج صورة القيصر مع صورة "وهبلات"، فيشير إلى الحكم المزدوج على مصر.
ولم يدم هذا الاتفاق بين الرومان وبين الملكة طويلاً، فقد ضغط سادات "رومة" على الإمبراطور باًن ينقذ الامبراطورية مما حاق بها من تصدع في أوروبة وفي الشرق. وفي جملة هذا التصدع ظهور ملكة "تدمر" وأطماعها في مصر وفي الأرضين الأخرى من بلاد الشام وآسية الصغرى. واضطر القيصر "اوريليانوس" بعد الانتهاء من فتنة "رومة" ومن تأديب الجرمان إلى التدخل والعمل للقضاء على عصيان العصاة وطمع الطامعين. وبلغ سمع الملكة من أصدقائها و مخبريها في "رومة" عزمُ الانبراطور على القضاء عليها، فقررت القيام بعمل سريع قبل مباغتة القيصر لها، فألغت الاتفاق المعقود مع الرومان في ايام "قلوديوس"، وأمرت بمحو صورة "اوريليانوس" من النقود لتبرهن على قطع علاقتها بالقيصر، وعدم اعترافها بسيادة "رومة" الاسمية عليها، وأمرت بضرب صورة "وهبلات" وحده، مع اللقب. " الانبراطوري" المخصص بقياصرة "رومة" وذلك في السنة الخامسة من حكمه. وقد تلقبت الزباء نفسها بهذا اللقب في النقود التي ضربت باسمها في الخارج. اما نقود "تدمر"، فقد لقبت فيها بلقب "ملكة"، ولقبت في مصر هي وابنها بلقب "أغسطس".
وهو لقب القيصر "أوريليانوس". وفي هذا التحدي الصريح، دليل واضح على ما حدث من نزاع شديد في العلاقات السياسية بين تدمر ورومة.
وتفاوضت الملكة "الزباء" على رواية مع الملكة " فيكتوريا" "فيكتورية" Victoria " عاهلة إقليم "الغال"، لتوحيد الخطط في مهاجمة القيصرية الرومانية واقتسامها، وأمرت جيوشها بالسير إلى "بيتينية" " Bithynia" فاستولت عليها، وظلت تتقدم دون ملاقاة معارضة تذكر حتى بلغت "خلقيدون" بازاء " القسطنطينية". ويقال إن الملكة كانت قد امرت بصنع عجلة فاخرة للد********* بها في موكب الظفر إلى عاصمة الرومان.
واضطرت الملكة لتنفيذ خطتها هذه إلى سحب القسم الأعظم من جيشها المعسكر في مصر معتمدة على دفاع المصريين انفسهم اذا هجم عليهم الرومان. فانتهز "اوريليانوس" هذه الفرصة فأرسل مدداً إلى "بروبس"، وكان القائد "زبدا" قد وصل إلى مصر لمساعدة "فيرموس" نائب الملكة على صد الرومان. فوقعت معارك بين الفريقين كاد يكون النصر فيها للتدمريين لولا استمالة " يروبس" جماعة من المصريين، فآزروه ودحروا جيش " زبدا" في سنة "271" للميلاد. واضطر التدمريون إلى ترك مصر إلى أعدائهم، فكانت هذه أول نكبة عظيمة تنزل بالزباّء. ومنذ " 29" أغسطس من سنة "271 م" انقطع في الاسكندرية ضرب النقود التي تحمل صورة الزباء ووهبلات.
وجعلت في امكانهم تهديدها من الجنوب، كما إن موقف جيشها عند " خلقيدون"، وعدم تمكنها من الإستيلاء على " نيقية" وتوقف خططها العسكرية الهجومية، ثم اتخاذها خطة الدفاع ثم التراجع ومجيء "أورليانوس" بقوات كبيرة نحو الشرق، كل ذلك قد يكون نتيجة من نتائج هذا الاندحار الذي مني به جيش الملكة وأحزابها الموالية لها بمصر، فأضعف معنويات التدمريين ومن كان يواليهم وشدّ من أزر الرومان ومن كان يناصرهم.
قاوم أهل "خلقيدون" التدمرين، وأبوا التسليم لهم، وأرسلوا إلى القيصر لينجدهم ويظهر إن الملكة عرفتّ حراجة وضعها العسكري، وعدم استطاعتها التقدم،فقررت التراجع إلى مواضع جديدة تدافع فيها عن نفسها اذا هاجمها الرومان. وقد هاجمها الرومان فعلا، اذ عبر القيصر مضيق "البسفور" وفاجأ التدمريين في "بيثينية" في أواخر سنة "271 م" أو أوائل السنة التالية،وأجلاهم عنها، ثم سار إلى "غلاطية" " Galatia " و "قفادوقية" "Cappadocia " حتى بلغ " أنقرة" " Ancyra "، فسلمت له. وأخذ الرومان يتقدمون بسرعة إلى بلاد الشام.
أفزع تقدم الرومان السريع الزباء ورجالها ولا شك، وأخذت المدن التي كانت تساندها تشكُّ في تمكن الملكة من الدفاع عن نفسها، وشاعت بين الناس قصص عن نهاية تدمر وخرابها بايدي الرومان وعن سقوطها لا محالة، أثرت مع وصول أنباء اعتزام القيصر القضاء على حكم الملكة واخضاع "تدمر" لحكم الرومان. ومن يدري ? فلعل الرومان وأنصارهم وأعوانهم وجواسيسهم هم الذين صنعوها وأذاعوها بين الناس لإماتة همة جيش الملكة وأعوانها، والايحاء إليه انه مغلوب لا محالة وان ارادة الالهة قد قضت بذلك ولا رادّ لها. فكان من بين ما أشيع إن معبد "الزهرة" في "أفقة" " Aphca" أنبأ الحجاج التدمريين الذين حجّوا قبل سنة من سقوط مدينتهم، يستفتون "الزهرة" فيما سيحل بهم في السنة المقبلة بمصير سيئ سيلحق بتدمر، وان كارثة ستنزل بهم، أنبأهم بذلك على عادة المعبد في موسم الحج الذي يلي الموسم الذي سئل فيه السؤال.
وكان من بين ما أشيع تخرّصات زعم أنها صدرت من معبد "أبولو" "Apollo" تنبئ بزوال دولة التدمريين ومشيئة الآلهة بانتصار "أورليانوس" على الزباء، وتخرصات تزعم أن الحبر " يهودا" " R.Juda" تلميذ الحبر "صموئبل" Samuel" تنبأ بها عن تدمر، إذ كان قد قال:
سيحتفل الاسرائيليون في أحد الأيام بعيد، إنه عيد هلال "ترمود" "Tarmud"، انها ستهلك كما هلكت "تمود" " Tamud" وقد هلكت". وورد إن الحبر "أشه" " R.Asche" ذكر "ترمود" " Tarmud" فقال: "ترمود مثل تمود، انهما شيئان لأمر واحد، اذا هلك أحدهما قام الآخر مقامه". ويراد ب "ترمود" مدينة "تدمر".
إلى غير ذلك من تخرصات أوحت بها دعاية الرومان، وأعداء الملكة من يهود ومن قوميات أخرى قهرتها "الزباء" فأذاعتها بين الناس، لافهامهم أن من العبث مقاومة القيصر وجنوده، وان من الخير ترك المقاومة والاستسلام، وأن اليوم الذي ستحرر فيه تلك الشعوب من حكم الملكة آت قريب، لأن ارادة الالهة قضت ان يكون ذلك، ولا رادّ لأمر الآلهة: نعم، لم تصدق الملكة العاقلة الحكيمه بهذه الخرافات، فحاربت. ولكن عقول العامة لم تكن على شاكلة عقل الملكة، لقد أثرت فيها هذه الدعاية، وقضت على معنويات التدمريين الوثنيين الذين يدينون بهذه الخرافاتَ ويؤمنون بها، وما زال من طرازهم خلق كثر في القرن العشرين الميلادي هذا.
تهيأت الملكة "الزباء" لملاقاة "أورليانوس" عند مدينة "انطاكية" "Antiochia"، وكانت هي على رأس الجيش فارسة تحارب في الطليعة.
أما القيادة، فكانت لقائدها "زبدا". وفي الوقعة الأولى هجم فرسان تدمر على الكتائب الرومانية فشتتوا شملها، فأمر القيصر جنوده بالرجوع إلى مسافات بعيدة، ليوهم التدمريين أنه قد فرّ،فإذا ساروا في أثرهم وابتعدوا عن قواعدهم باغتهم بالهجوم، فلا يتمكن فرسان تدمر من الهزيمة لثقل أسلحة الفرسان ومعداتهم وبطئ خيلهم بالقياس إلى خيل الرومان. وهو ما حدث. فقد خُدع التدمريون وظنوا رجوعهم هزيمة، فتعقبوهم إلى مسافات بعيدة، وفجأة انقَلبت الكتائب الرومانية على التدمريين، وأطبقوا عليهم، وأعملوا فيهم السيوف وانهزموا هزيمة منكرة إلى مدينة "انطاكية". وفي هذه المدينة قرَ رأي الملكة على ترك أنطاكية والارتحال عنها بسرعة لأسباب، منها وجود جالية يونانية كبيرة فيها كانت تفضل حكم الرومان على حكم الشرقيين عليهم، وقد كان لها النفوذ والكلمة في المدينة. ومنها نفرة النصارى من الملكة بسبب موقفها من "بولس السميساطي" الذي قرر مجمع "انطاكية" عزله من وظيفته، فلم تنفذ الملكة قرار المجمع، وتركته يتصرف في أموال الكنيسة،ولم تكتف بذلك بل عينته "على Procurator Decenarius" على المدينة، أي انها جعلته الرئيس الروحي والدنيوي على الانطاكيين. أضف إلى ذلك كره اليهود الذين في المدينة للتدمرين. وقد نفذت الملكة هذا القرار في اليوم الذي دخلت فيه جيوشها المدينة، فأمرت قائدها بتركها والسير إلى "حمص" فِوراً. وفي اليوم الثاني دخل "أورليانوس". تلك المدينة وأعطاها الأمان.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:44 PM
وتعقب القيصر أثر الملكة ففتح جملة مدن حتى بلغ "حمص" " Emisa"، وهناك وجدها على رأس جيش قوامه سبعون الفاً في مفازة عريضة تقع شمالي المدينة.
فاشتبك الرومان والتدمريون في معركة حامية ربح فيها التدمريون. الجولة الأولى، فولى الرومان مدبرين مذعورين تفتك فيهم سيول تدمر. غير إن القيصر حزم رأيه، وأدرك وجود ضعف في خطة قتال الملكة، سببه ابتعاد فرسان تدمر عن مشاتهم في أثناء تعقب فرسان الروم، فأمر جنوده بالهجوم على مشاة التدمريين، ولم يكونوا في التدريب والقابلية مثل مشاة الرومان، فمزقوا مشاة الملكة كل ممزق وحلت هزيمة منكرة عامة بجيش الزباء اضطرتها إلى ترك "حمص" وتفضيل الرجوع إلى عاصمتها تدمر للدفاع عنها، فلعل البادية تعصمها منه وتمنعه من الوصول اليها. ودخل القيصر مدينة "حمص"، فتوجه بالشكر والحمد إلى إلهَ "حمص" "الشمس" قاطعاً على نفسه عهداً إن يوسع المعبد ويجمله ويزينه أحسن زينة، مقدماً له نذوراً هي أكثر ما غنمه من الغنائم من التدمريين.
أدرك القيصر إن النصر الحقيقي لن يتم له الا بالقبض على "الزباء" وفتح "تدمر"، وانه لن يدرك هذا الا اذا سار هو بنفسه على رأس جيشه لفتح تلك المدينة. لذلك قرر الزحف اليها بكل سرعة قبل أن تتمكن الملكة من تحصين مدينتها ومن الاتصال بالفرس وبالقبائل العربية الضاربة في البادية،
فيصعب عندئذ الاستيلاء عليها. فسار مسرعاً حتى بلغ المدينة. برغم الصعوبات والمشقات التي جابهت الكتائب "اللجيونات" 0 الرومانية في أثناء قطعها الصحراء، وألقى الحصار على "تدمر" القلعة الصحراوية الحصينة، غير إن المدافعين عنها قابلوه بشدة وصرامة برمي الحجارة والسهام والنيران على جيشه وبالشتائم والسخرية والهزء ترسل إليه من أعالي السور. ويظهر أن "رومة" سمعت بذلك فسخرت من عجز القيصر عن احتلال مدينة صحراوية، ومن التغلب على امرأة، فساء "أورليانوس" ذلك كثيراً، فكتب إلى مجلس الشيوخ يقول: ". ... قد يستضحك مني بعض الناس لمحاربتي امرأة.... فاعلموا إن الزباء " Zenobia" اذا قاتلت كانت أرجل من الرجال 0000". وبعثت سخرية أهل تدمر وهزؤ أهل "رومة" منه في القيصر عزماً جديداً على فتح المدينة ودكَها دكاً مهما كلفه الأمر، ليمحو عنه هذه الوصمة المخجلة التي لحقت به. فكاتب الملكة طالبا منها التسليم والخضوع للرومان لتنال السلامة وتستحق العفو، فيسمح لها بالاقامة مع أسرتها في مدينة يعينها مجلس الشيوخ لها. أما جواب الملكة، فكان: " إن ما التمسته مني في كتابك لم يتجاسر أحد من قبلك أن يطلبه مني برسالة. أنسيت إن الغلبة بالشجاعة،
لا بتسويد الصفحات. إنك تريد أن أستسلم لك. أتجهل أن كليوبترة "كليوبطرة" قد آثرت الموت على حياة سبقها عار الدّبرة. فها أنا في منتظرة عضد الفرس والأرمن والعرب " Saracens" لفل شباتك وكسر شوكتك. واذا كان لصوص الشام قد تغلبوا عليك وهم منفردون، فما يكون حالك إذا اجتمعتُ بحلفائي على مقاتلتك. لا شك أنك ستذل وتخنع لي فتجرد نفسك من كبريائها التي حملتك على طلب المحال كأنك مظفر منصور في كل أين وآن".
لم ينجد الفرسُ ملكة الشرق، ولم يرسلوا اليها مدداً ما. فقد كانوا هم أنفسهم في شغل شاغل عنها. توفي "سابور" الأول في عام " 271" للميلاد، فتولى "هرمز" " Ormidus" الملك من بعده، وكان رجلاَ ضعيفاً خائر القوى، فعزل بعد سنة قضاها ملكاً. وظهرت فتن داخلية بسبب ذلك لم تسمح للفرس وهم في هذه الحال أن يرسلوا قوة لمساعدة ملكة البادية عدوّة "أورليانوس" قيصر الروم. وأما القبائل، فأمرها معروف، إنها مع القوي ما دام قوياً، فإذا ظهرت عليه علائم الضعف، صارت مع غيره. تحرش قسمٌ منها بجيوش الرومان المحاصرة للمدينة وهاجمتها، غير أنها منيت بخسائر فادحة، فتركت التحرش بالمحاصرين. ورأى قسم منها الاتفاق مع القيصر، ففي الاتفاق الربح والسلامة.
وما الذي يجنيه سادات القبائل من ملكة محاصرة، لم يبق من ملكها غير مدينة في بادية وثروة سيستولي عليها الرومان. وإن بقيت لها فلن يصيبها منها ما يصيبهم من القيصر من مال كثير. ومن لقب وجاه يأتيهم من حاكم مدني قوي. وقد عرف القيصر فيهم هذه الخصلة فاشترى أنفس الرؤساء بالمال. فأمن بذلك شر القبائل، وسلم من عدو يحسب لعداوته ألف حساب.
ولما رأت الزباء إن ما كانت تأمله من مساعدة الفرس والقبائل والأرمن لم يتحقق، وان ما كانت ترجوه من مساعدة الحظ لها بإطالة أمد الدفاع لاكراه عدوها على فك الحصار والرجوع لم يتحقق نحلك، وان وضع القيصر قد تحسن بوصول مدد عظيم إليه من الشام وبوصول مواد غذائية اليه كافية لاطالة مدة الحصار، قررت ترك عاصمتها للاقدار، والتسلل منها ليلاّ للوصول بنفسها إلى الفرس علهم يرسلون لها نجدة تغيّر الموقف وتبدل الحال، ودبرت أمر خطتها بكل تكتم وهربت من مدينتها من غير إن يشعر بخروجها الرومان، وامتطت ناقة اتجهت نحو الفرات،
ولعلها كانت تقصد الوصول إلى حصنها " زنوبية" ومنه إلى الفرس. على كل حال، فقد حالفها الحظ في أول الأمر، فأوصلها سالمة إلى شاطئ النهر، عند " الدير" "دير الزور" قريب من "زليبية" Halebiya" ثم خانها خيانة فظيعة. فلما علم "أورليانوس" بنبأ هرب الملكة، أيقن إن أتعابه ستذهب كلها سدى إن لم يتمكن من القبض عليها حية. لهذا أوعز إلى خيرة فرسانه وأسرع رجاله باقتفاء أثر الملكة والقبض عليها مهما كلفهم الأمر. وقال الحظ كلمته. انه سيكون في جانب القوي ما دام الناس في جانبه. نقل فرسان القيصر إلى موضع وجود الملكة على الشاطىء، في اللحظة الدقيقة الفاصلة الحاسمة بين الموت والهلاك والدمار وبين العز والسلطان واسترجاع ما ذهب من ملك. كانت الملكة تهم بوضع نفسها في زورق لينقلها إلى الشاطئ الثاني من نهر الفرات. ولو عبرت لتغير اذن كل شيء. واذا بالفرسان ينقضون عليها ويأخذون "ملكة الشرق" معهم مسرعين الى معيد الشرق للرومان: " Recepto Orientis"، وهو على رأس جنوده يحاصر هذه المدينة العنيدة التي أبت الخضوع لحكمه والتسليم له.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:47 PM
من الباحثين من يرى إن الملكة هربت من نفق سري يصل معبد المدينة بالخارج يمر من تحت السور له باب سري خارج الأسوار أعدّ لمثل هذه المناسبات، أو من أنفاق أخرى، اذ يصعب تصور خروج الملكة ليلا من مدينتها ولو بحفر نفق في السور دون أن يشعر بذلك الرومْان. ويستشهدون على صحة رأيهم هذا بالسراديب والقنوات التي ترى بقاياها تحت أسوار تدمر وقلاعها إلى اليوم. أحضرت الزباّء أمام القيصر، فقال لها: "صرت في قبضتنا يا زينب، ألست أنت التي أدت بك الجسارة إلى أن تستصغري شأن قيصر روماني ". فأجابت: "نعم، إني أقر لك الان بكونك قيصراً، وقد تغلبت علي". وأما غاليانوس وأورليوس وغيرهما، فلست أنظمهم في سلك القياصرة. وإنما بارني فيكتورية في السلطنة والعز، فلولا بعد الأوطان لعرضت عليها أن تشاركني في الملك". فأثرت كلمات الملكة في نفس "اوريليانوس"، فمنحها الأمان. وقد أثر أسرها في نفوس التدمريين المتحصنين في بلدتهم، فرأى قسم منهم الاستمرار في الدفاع وعدم تسليم المدينة مهما كلف الأمر، ورأى قسم آخر فتح الأبواب والتسليم، وصاحوا من أعلى الأسوار في طلب الأمان، وفتحوا له أبواب المدينة في بدء السنة "273" للميلاد. فدخلها د********* الظافرين، فقبض على حاشية الملكة السابقة ومستشاريها ومن كان يحرض على معارضة الرومان، واستصفى أموال الملكة وجميع كنوزها، وأخذ الزباء ومن قبض عليهم معه وتوجه بهم إلى "حمص".
وتذكر بعض الروايات أن القيصر كان اول ما فعله عند د*********ه إلى المدينة أن توجه إلى معبد الإلهَ "بعل" " Bel"، فشكر الإلهَ وحمده على توفيقه له ونصره له على أهل تدمر. ثم.اختار له قائداً نصبه على "تدمر" اسمه "Sandarion" على رواية و " Aspaeus" على رواية أخرى، ليحافظ على الأمن ويحكم المدينة. وجعل في إمرته حامية فيها ستمائة من الرماة، ثم غادر تدمر تاركاً أمرها إلى هذا القائد.
في حمص كما زعم المؤرخ: "زوسيموس" " Zosimus" حاكم القيصر الملكةَ وأصحابها "استحضر القيصر سلطانة تدمر وأشياعها فلما مثلت بين يديه، جعلت تعتذر إليه وتتنصل وتدافع عن نفسها مدافعة الداهية حتى قرفت كثيرين من اصحابها بأنهم أصلوها بسوء نصائحهم وورطوها في الغرور. وكان من جملة الذين وشت بهم عند القيصر "لونجينوس". ... فحكم عليه القيصر من ساعته بالموت بعد أن مثّل به. فكابد لونجينوس العقاب بشجاعة وصبر جميل حتى انه عند وفاته كان يعزى أصدقاءه وأقاربه. وكذلك نكّل بكل من تجرمت زينب عليه".
وقد اختلف الباحثون في صحة رواية هذا المؤرخ، فمنهم من شك فيها ومن هؤلاء "الأب سبستيان رتزفال" الذي نقلت ترجمته العربية لرواية " زوسيموس" فقد استبعد صدور الوشاية والخيانة من ملكة كانت على جانب عظيم من سموّ الأخلاق والثقافة.
ومنهم من اعتقد بصحتها وسلّم بها ولام الزباء على صدور مثل هذا العمل الشائن منها، ومن هؤلاء المؤرخ الألماني "مومزن" " Mommsen" الشهير في تأريخ الرومان.
وغادر "أورليانوس" مدينة حمص إلى "رومة" ومعه "الزباء" وأبناؤها وعدد من الأسرى أراد إلحاقهم بموكب النصر الذي سيقيمه عند د*********ه العاصمة ليتفرج عليهم الناس. وفي أثناء عبور "البسقور" غرق عدة من أصحاب "الزباء" في جملتهم "وهبلات" على رواية المؤرخ "زوسيموس". وبينما كان القيصر في "تراقية" " Thrazien" اذ جاءته الأخبار تنبئ بثورة أهل تدمر على قائد المدينة "سنداريون" " Sandarion" الذي عيّنه القيصر اكماً على تدمرْ، وبظهور ثورة أخرى في مصر بطلها "فيرموس" " Firmus" الثري الشهير. وكان هدف الثورتين واحداَ،هو التحرر من حكم الرومان والحصول على الاستقلال، فأنقق " فيوموس" وهو من كبار رجال المال في العالم في ذلك الحين أموالاً كبيرة على الجمعيات الوطنية المناهضة لرومة، وألفّ جيشاً تمكن به من الاستيلاء على الاسكندرية، وجمع حوله أشياع "الزباء" في مصر، ولقب نفسه بألقاب القياصرة، وأخذ يتفاوض مع التدمريين في توحيد الخطط والعمل بجد في تقويض الانبراطورية الرومانية في الشرق.
وقرر القيصر الاسراع في العودة إلى الشرق لمعالجة الحالة قبل فوات الوقت، فوصل إلى "تدمر" بسرعة كبيرة أذهلت المدينة الثائرة، فلم تدرِ ما تصنع. كانت قد قتلت القائد "سنداريون" "سوداريون" " Sandarion"، وفتكت بالحامية الرومانية، ورفعت راية العصيان في الشرق وتزعمت الحركة الوطنية المعادية للدخلاء وتبنتها، فبأي وجه ستقابل "أورليانوس" القيصر المتغطرس الجبار وماذا سيكون موقفه منها ? وهي في وضع حرج لا تأمل الحصول على مساعدة لا من الفرس ولا من المصريين. وتداعت المدينة بسرعة حينما مثل أمامها الرومان وسلّمت نفسها للقيصر، فسلّمها هو غنيمة إلى جنده يفعلون بها ما يشاءون بغير حساب.
عفا القيصر "أنطيوخس" عن أقارب الزباء، وكان التدمريون أقاموه ملكاَ عليهم. ولم يعف عن الرعية فتناولتهم سيوف الرعاع من جنود "رومة" وخناجرهم من غير تمييز في العمر أو تفريق في الجنس. أباح القيصر لجنوده تهديم أبنية المدينة، فدكّت الأسوار وهدمت الأبراج وقوضت الأبنية، حتى إن القيصر نفسه رق قلبه على من تبقى حياً من المدينة، فكتب إلى " Cerronius Bassus" قائد المدينة أن.يصفح عنهم، وأن يعيد بناء هيكل الشمس إلى ما كان عليه، وكان جنود "اللجيون" الثالث قد نهبوه وخربوه، وأمر بالانفاق عليه وبتزيينه وتجميله من الأموال التي استصفيت من خزائن "الزباء".
وطلب من مجلس الشيوخ في "رومة" ارسال كاهن ليدشن المعبدْ. وأرسل بعض نفائس الهيكل إلى عاصمته لتوضع في معبد الشمس الذي أقامه هناك، ومنها أعمدة مصورة غير أن ما أفسده الدهر لا يصلحه العطار. ولم يتمكن القيصر من اصلاح ما أفسده السهر على يديه، فلم يعد المعبد معبداً كما كان، ولم تعد "تدمر" تدمر الزباء.
وقبل أن يرحل "اوريليانوس" عن أرض تدمر، غزا الفرس ويظهر أنه غزا قوة كانت قد أرسلت لمساعدة "تدمر"، فأرجعها على أعقابها، ثم عينّ قائده المحنك " ساترنينوس" " Saturninus" بدرجة " Dux" قائداً على الحدود لحمايتها من الفرس، وتوجه إلى مصر للقضاء على ثورة "فيرموس"، فكان الحظ فيها حليفه و احتل الإسكندرية وقبض على التاجر الحاكم، الذي لقب نفسه قيصراً، فأمر بمعاقبته بعقاب السراق واللصوص، أي بصلبه على الصليب. وبذلك أعاد معيد الشرق إلى الرومان الشرق المنفتل منهم مرة أخرى إلى الرومان. بعد هذه الانتصارات وانتصارات أخرى أحرزها في غالية، عاد إلى عاصمته في سنة "274" للميلاد في موكب قيصري عظيم وصفه المؤرخ "Flavius Vopiscus" وصفاً رائعاً، اشترك فيه "1600" مصارع وعدد غفير من الأسرى من مختلف الأقوام،
ومن بينهم الملكة الزباء ومعها أحد أبنائها، وقيل كلاهما، وبعض رعاياها، وثلاثة عجلات ملكية: عجلة "أذينة" زوج الزباء وهي مزينة بالذهب والجواهر، وعجلة أهداها "هرمز بن سابور" إلى القيصر، وعجلة "الزباء" الخاصة التي أعدتها لتدخل فوقها منتصرة عاصمة الرومان. وتقدم الموكب عشرون فيلا وعدة وحوش وحيوانات جيء بها من فلسطين وليبيا ومصر وأماكن أخرى. سار إلى "الكابيتول" ثم إلى قصر "الانبراطور". واحتفل الشعب في اليوم الثاني احتفالاً خاصا كانت فيه ألعاب مختلفة وكان فيه تمثيل وسباق مختلف الأنواع. كان هذا الاحتفال نهاية فصل وبداية فصل جديد، قضى على الملكة أن تقبع منذ نهايته في بيت خصص بها في "تيبور" "Tibur" مع أولادها، وأن تعتزل السياسة والشرق. عاشت في عزلة في هذه البقعة من ايطالية، ولم يتحدث عنها مؤرخو عصر "أورليانوس" شيئاً بعد أن صارت من سواد الناس. ويظهر إن ما ذكره. بعض المؤرخين اليونان عن زواج الزباء بعضو من أعضاء مجلس الشيوخ هو أسطورة من الأساطير العديدة التي راجت بعد ذلك عن حياة ملكة الشرق.
وأما أولاد الملكة، فقد ذكرتُ قريباً إن بعض المؤرخين أشار إلى غرق "وهبلات" في أثناء عبور القيصر مضيق "البسفور". وأشار آخرون إلى انه نقل مع أمه إلى "رومة". وأما "تيم الله" "Timolaus"، فأسكن مع أمه أيضاً في "تيبور". وزعم في رواية انه مات مع أخيه "خيران" "حيران" "Herennanus" في أثناء الاحتفال بموكب النصر. وزُْعم أيضا انه عاش وصار خطيباً مصقعاً من خطباء "اللاتين". وروي أيضاً انها زوجت بناتها بأعيان من الرومان. وروى المؤرخ "تربيليوس بوليو" "Trebellius"، وهو من رجال القرن الرابع للميلاد "حوالي سنة 354 م"، إن ذرية الزباء كانت في ايامه. وذكر إن الأسقف الشهير القديس "زنوبيوس" "Zenobius" أسقف مدينة "فلورنسة" ومعاصر القديس "أنبروميوس" "Ambrosius" كان من نسلها أيضاً.
ولم تكن تدمر في عهد "ديوقليطيانوس" "ديوكليتيانوس" "Diocletian" "Diocletian"" 285 - 305 م" سوى قرية صغيرة وقلعة من قلاع اسود لحمايتهما من هجمات القبائل وغزوها للمدن القريبة من البادية. ويخبرنا المؤرخ "ملالا" أن "ديوقليطيانوس" ابنتى "Castra" فيها، وذلك بعد عقده الصلح مع الفرس، ورمم بعض ابنيتها. ويرى "الاْب سبستيان رتزفال" أنه اضطهد نصارى تدمر كما فعل في سائر الاقاليم.
وفي حوالي القرن الحامس. للميلاد "450 م" كانت تسمر مقاطعة تابعة لولاية "فينيقية" وقد عين "تاودوسيوس" "تيودوسيوس" "ثيودوسيوس" الثاني "408 - 450 م" فرقة من الجند لحراسة "تدمر". والظاهر أن وظيفتها كانت حماية الحدود من هجمات رجال البادية. أما الكتيبة الرومانية التي عسكرت فيها في حوالي سنة "400" بعد الميلاد، فهي "اللجيون الأليري" "Illyrian" الأول.
وذكر الراهب "إسكندر" "Alexander the Acoemete" المتوفى في حوالي سنة "435" للميلاد أنه في أثناء سفره من الفرات إلى مصر قابله الجنود الرومان المعسكرون في القلاع بكل ترحاب وقدموا له ولمرافقيه كل المساعدات الممكنة، وانه وجد قلاعاً مقامة على طول حدود الفرس والروم على مسافات تتراوح من عشرة أميال إلى عشرين ميلاً رومانياً. وقد قطع الحدود هذه حتى بلغ مدينة "سليمان"، ويقصد بها مدينة تدمر.
وأمر القيصر "يوسطنيانوس" "جستنيانوس" "Justinianus" "527 - 565م." في أوائل تبوئه الحكم "527م" "أرمينيوس" "Armenius" بالذهاب إلى "تدمر" لترميم ما تهدم من المباني واعادة المدينة إلى ما كانت عليه.
وأمده بالأموال اللازمة لهذا المشروع، كما أمر بتقوية حامية المدينة، وان تكون مقر حاكم "Dux" مقاطعة "فينيقية لبنان" "Phoenice Libanesia" وذلك لحماية الحدود خاصة حدود الأرض المقدسة، وذكر المؤرخ "بروكوبيوس" "Procopius"" إن القيصر المذكور قوى أسوار المدينة وقلاعها وحصنها تحصيناً قوياً، وحسن موارد مياهها. ولا تزال آثار هذا العهد باقية حتى الآن.
وقد كانت مدينة "تدمر" على الحدود الداخلية "Limes Interior" للانراطورية في أيام "يوسطينيانوس". ويسكن في المناطق التي بين هذه الحدود وبين الحدود الخارجية "Limes Exterior" القبائل المحالفة للرومان. ومن هذه المنطقة تغزو القبائل الحدود. وقد كان سلطان الروم وقواتهم العسكرية أقوى في الحدود الداخلية منها على الحدود الخارجية التي كان يقوم بالدفاع عنها رجال القبائل الحليفة بالدرجة الأولى بأجور ومخصصات تدفعها الحكومة إلى رؤسائها لضمان حماية تلك الحدود. وقد كانت القبائل العربية قبل الميلاد وبعده تقلق راحة سكان الحدود وتزعج الحاميات الموكول اليها أمر سلامتها، وتكون مصدر خطر دائم للحكومات. وكان من الصعب الاطمئنان اليها ثم إن البادية كانت تصدّر لهم بين حين وآخر بضاعة جديدة منها، وموجة عنيفة تزعج القبائل القديمة والحدود معاً، "فكان على تلك الحكومات مداراتها واكتساب ود القوية منها،
ويقال إن القيصر "دقيوس" "Decius" "249-251م" في زمانه من هذا الوضع وبرم به، ففكر في ادخال الرعب في نفوس هذه القبائل وقهرها، فجاء بأسود اصطادها من افريقية في البادية لتتناسل وتتوالد ولتكون مصدر خطر ورعب للاعراب.
وقد اتخذ بعض ملوك الغساسنة تدمر منزلاً لهم ومحل اقامة. ولم تزل على هذا الشأن حتى فتحها المسلمون سنة "634 م". غير انها منذ تركتها الزباء لم ترجع إلى ما كانت عليه. وقد أثر تحول الطرق التجارية في مركز هذه المدينة كثيراً ولا شك.
وانتهت الينا أسماء عدد من أساقفة مدينة "تدمر" مدونة في سجلات الأعمال الكنسية، منهم: الأسقف "مارينوس" "Marinus" وقد حضر المجمع النيقاوي "Nicaa" "Nicaea" الذي انعقد سنة "325" للميلاد، والأسقف "يوحنا" "357 م" وقد ورد اسمه في سجلات أعمال مجمع "خلقيدون" "Chalcedon" المنعقد عام "451 م"، و "يوحنا" الثاني المشهور في أيا "انستاس" "أنسطاس" "نسطاس" القيصر "491- 581م". وكان نفي في عهد "يوسطينوس" خليفته لدفاعه عن "المجمع الخلقيدوني" ولقوله بطبيعتين في المسيح سنة "518م". ويستدل من وجود أساقفه في تدمر على انتشار النصرانية في هذه المدينة.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:49 PM
وفي "تدمر" في الزمن الحاضر ثروة تأريخية مطمورة تحت الأنقاض ستفيدنا ولاشك فائدة كبيرة في تدوين تاًريخ المدينة وتأريخ صلاتها بالخارج. لقد عثر فيها على كتابات آفادتنا كثيراً في تدوين تأريخ المدينة، ولكن ما سيعثر عليه منها مما هو مطمور سيفيدنا ايضاً، وقد يفيدنا أكثر في كتابة تأريخها. وقد قام علماء بالتنقيب في مواضع منها، للكشف عن المواضع المهمة منها، وكتبوا عنها. غير إن المدينة لا تزال في انتظار من يكشف عنها.
ووردت في الكتابات التدمرية أسماء اصنام عديدة عبدها التدمريون، بلغ عددها زهاء اثنين وعشرين صنماً، منها ما هو معروف ومشهور عند العرب، وأسماؤها أسماء عربية. ومنها ما هو إرمي، وعلى رأس آلهة تدمر الإله "شمش" "شمس". وقد اتصفت دياناتهم بمزايا النظام الشمسي الذي تركزت عليه ديانة عرب الشمال. ومن هذه الأصنام "بل"، أي "بعل"، و "يرح بل" "يرح بول" "يرح بعل"، و "عجل بل" "عجل بول" و "عجل بعل" و"الت" أي "اللات"، و "رحم" "رحيم"، "اشتر" أي "عشتار"، و "عثتر" عند العرب الجنوبيين، و "ملك بل" "ملك بعل"، و"عزيزو" "عزيز".
و "سعد"، و "اب جل"، و "اشر"، و "بل شمن" "بل شمين" "بعل شمين"،أي "بعل السماوات" "رب السماوات" و "جد" وغيرها.
وعثر في تدمر على مقابر عديدة خارج أسوار المدينة على التلال المشرفة عليها تذكِّر الأحياء عبّاد المال بالمصير المحتوم الذي سيواجه كل حي غني أو فقير أو متوسط، تضم رفات من تستقبلهم ثم لاتسمح، لهم بالانتقال منها إلى دار أخرى.
انها دور الأبدية والاستقرار، وقد أجاد أهل المدينة كل الاجادة باطلاقهم "بيت الأبدية" على القبر. ضمت بيوت الأبدية هذه رفات الآباء والأبناء إلى الأبد: بعضها على هيأة أبراج ذوات غرف تودع فيها الموتى، وبعضها على هيأة بيوت ذوات غرفة واحدة مزينة بالنقوش وأنواع الزخرفة كتبت على جوانبها أسماء ساكنيها في الأبدية ورسمت صورهم عليها. هذه هي مدينة الأموات تشرف على مدينة الأحياء وتضحك منها.
حصن "زنوبية"
لم تفكر "الزباء"، على ما يظهر، في نقاط عاصمتها إلى موضع آخر، وقد عملت على تقوية "تدمر" وتحصينها وتجميلها، ومعظم الاثار الباقية فيها هي من أيامها. ولو إن كثيراً من الأبنية التي كانت فيها قبل أيام الملكة قد صيرّت باسمها، غير انها عُنيت عناية فائقة بتحسين عاصمتها ولا شك.وابتنت مدينة على نهر الفرات لحماية حدودها من المشرق عرفت ب "زنوبية" وهو اسمها باليونانية. ويظهر إن هذه المدينة هي التي أشار اليها "الطبري" بقوله:
وكانت للزباء أخت يقال لها زبيبة، فبنت لها قصرآَ حصيناً على شاطىء الفرات الغربي"، فجعل المدينة قصراً، وصيّر اسم المدينة وهو "زنوبية" "زبيبة" وجعله اسم أخت للزباء. وذكر "المسعودي" إن مدائن الزباء على شاطىء الفرات من الجانب الشرقي والغربي، "وكانت فيما ذكر قد سقفت الفرات وجعلت من فوقه أبنية رومية، وجعلته أنقاباً بين مدائنها". وذكر أيضاً انها حفرت سرباً من تحت سريرها وبنته حتى خرج من تحت الفرات إلى سرير أختها. وقد أشير إلى هذا النفق في قصة مقتلها. وذكر "ابن الكلبي" إن أبا الزبّاء اتخذ النفق لها ولأختها، وكان الحصن لأختها داخل المدينة.
وذكر "البكري" إن المدينة التي بنتها الزباء على شاطىء الفرات هي "الخانوقة"، وزعم إن "الزبّاء" "عمدت إلى الفرات عند قلة مائه فسكر، ثم بنت في بطنه ازجاً جعلت فيه نفقاً إلى البرية وأجرت عليه الماء، فكانت اذا خافت عدواً دخلت إلى النفق وخرجت إلى مدينة اختها الزبيبة". وسمى "ياقوت الحموي" تلك المدينة "الزباء"، قال: انها "سميت بالزباء صاحبة جذيمة الأبرش". ودعاها في موضع آخر "عزان" وقال: إنّ في مقابلها على الضفة الثانية من الفرات مدينة تدعى "عدان"، وهي لأخت الزباء.
ويظهر إن هرب "الزبّاء" سراً من نفق سري، يمر من داخل المدينة من معبدها أو من قصر الملكة ومن تحت السور إلى الخارج، هو الذي أوحى إلى أهل الأخبار قصة ذلك النفق الطويل الذي زعموا أن الملكة بنته تحت الأرض من قصرها إلى نهر الفرات، حيث مدينتها الثانية، وهو نفق يجب أن يكون طوله مئات من الأميال. وقد عثرعلى بقايا سراديب وقنوات. تحت أسوار تدمر وقلاعها تشير إلى وجود أنفاق للهرب منها عند الاضطرار، ولكنها لا يمكن أن تكون على شاكلة نفق أهل الأخبار بالطبع.
ولا يستبعد احتمال وجود نفق في حصن "زنوبية" على الفرات أيضاً، ساعد وجوده في تثبيت هذه القصة في رواية الأخباريين.
ويرى "هرتسفلد" "E.Herefeld" أن هذه المدينة هي الموضع الذي يعرف اليوم باسم "الحلبية"، ويقابله في الضفة الثانية من النهر موضع آخر يسمى "الزليبية". وهو يعارض رأي من يدعى أن "الزليبية" هي المدينة التي بنتها الزباء. وينسب بناء موضع "حلبية" "الحلبية" إلى "الزباّء" كذلك. ويرى بعض الباحثين احتمال كون "الحلبية" القصر الثاني الذي نسب بناؤه إلى الزباّء، وذكر في الروايات العربية.
وذهب بعض آخر إلى أن "زنوبية" هي مدينة "السبخة" الحاليهَ.
ويرى "موسل" أن "الحلبية" هي "دور كرباتي" "Dur Karpati"" "Nibarti Aschur" التي بنيت بأمر "آشور نصربال الثالث" "Asurnazirpal" عام "877" قبل الميلاد، وأنها عرفت ب "زنوبية" ثم "الزبّاء" فيما بعد.
ويعزو "سبستيان رتزفال" سيب بناء مدينة "زنوبية" الى عزم الملكة على اذلال مدينة "فلوغيسية" "Vologasia"Vologesias"" المعروفة في الكتابات التدمرية باسم "ألجيسيا" "Ologesia" "ألجاشيا"، وهي في نظر بعض الباحثين "الكفل" على نهر الفرات في لواء الحلة بالعراق، بناها "فلوجاس" "فلوكاس" من ملوك "إلأرشيكيين" "بنو أرشك" حوالي سنة "60" لئميلاد. وذلك لاستجلاب التجارات الواردة عن طريق نهر الفرات من أقاصي الهند والشام وآسية الصغرى. فرأت "الزبّاء" منافسة هذه المدينة ببناء مدينة جديدة تقع في منطقة نفوذها على نهر الفرات.
وكانت قوافل "تدمر" تتاجر مع هذه المدينة العراقية "ألجاشيا"، تحمل اليها بضائع أهل الشام وسواحل البحر المتوسط، وتنقل منها إلى "تدمر" بضائع الهند وايران والخليج والعراق. يقود هذه القوافل زعماء شجعان خبروا الطرق وعرفوها معرفة جيدة، ولهم في المدينة مقام محترم
وطالما عمل لهم رجال القافلة والمساهمون في أموالها، التماثيل، تقديراً لهم وتخليداً لأسمائهم وكتبوا شكرهم لهم على الحجارة، ولدينا نماذج عديدة منها. من ذلك كتابة دوّنها رجال قافلة لزعيمهم وقائدهم "يوليوس أورليوس زبيد بن مقيمو بن زبيدا عشتور بيدا"، لأنه أحسن اليهم حين قاد قافلتهم وأوصلها سالمة الى "الجاشيا" في العراق. وكغاية أخرى دوّنها جماعة قافلة تولى قيادتها زعيم اسمه "نسى بن حالا" لمناسبة توفيقه في حمايتهم وحماية أموالهم في أثناء ذهابهم وعودتهم الى "الفرات" والى "ألجيسيا" "Ologesia" وقد صنعوا لذلك تمثالاً له في شهر "نيسان" من سنة "142" للميلاد تخليداً لاسمه.
قد استولى "خسرو" الأول في حوالي سنة "540" بعد الميلاد على "زنوبية" فدّمرها. فلما استرجعها "يوسطنيانوس" "جستنيانوس" "Justinianus" "527 - 565م"، أعاد بناء ما تهدّم منها. وقد عثر على بقايا المباني التي تعود الى أيامه، وبعضها من عمل معماريه "يوحنا البيزنطي" و "أزيدوروس الملطي" "Isidoros Miletus" حفيد البّناء البيزنطي الشهير "أيا صوفيا" "Hagia Sophia" كلفهما القيصر انشاء تلك العمارات.
غير إن اصل*********ت هذا القيصر لم تضف الى حياة المدينة عمراً طويلاً، لقد كانت نوعاً من أنواع الحقن المقوية،تقوّم الجسم الى حين ولكنها لا تمنحه الاْبدية. ففي سنة "610" للميلاد. وفي أيام القيصر "فوقاس" "Phokas" هاجمها "خسرو" الثاني وأنزل فيها الخراب والدمار. فقد عبر "شهربراز" "Shahrvaraz" نهر القرات في اليوم ألسادس من شهر "أغسطس" من عام "610" للميلاد، واستولى على مدينة "زنوبية" "Zenobia". وأخذ نجمها منذ ذلك الحين في الأول، فلم يسمع عنها شيء، حتى انها لم تذكر في اْخبار الفتوح، ويدل هذا على أنها لم تكن شيئاً يذكر في ذلك الحين ويحدثنا المؤرخ "بروكوبيوس" أن الأيام أثرت في مدينة "زنوبية" "Zenobia" مدينة "الزباء"، فأنزلت فيها الخراب، وتركها أهلها، فانتهز الفرس هذه الفرصة ودخلوها وتمكنوا بذلك من الولوج في الأرضين الخاضعة للروم دون أن يشعر الروم بذلك، ولذلك أعاد "يوسطنيانوس" بناء هذه المدينة وأحكم حصونها وجدد قلاعها وأنزل الناس فيها، وأسكن فيها حامية قوية جعلها تحت امرة قائد، وأقام لها سدوداً من الحجارة لحمايتها من فيضان الفرات، وقد كانت مياه الفيضان تصل اليها فتلحق بها أضراراً جسيمة
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:51 PM
وذكر المؤرخ "بروكوبيوس" أن الفرس والروم ابتنوا قلاعاً بنيت جدرانها باللبن لحماية كورة "قوماجين Commagene" وهي الكورة التي كانت تعرف قبلاً بأسم "كورة الفرات" "Euphratesia"، وحماية حدود الانبراطورية الفارسية الواسعة المشرفة على البادية من الغزو أيضاً، ومن جملة هذه الحصون ثلاثة حصون أمر القيصر "ديوقلطانوس" "ديوقليتيانوس" "Diocletianus"" ببنائها، منها حصن "Mabri" "Mambri" الذي أصلحه القيصر "يوسطنيانوس" "جستنيانوس" "Justinianus" ورممه، ويقع على مسافة خمسة أميال رومية من "زنوبية" "Zenobia". و "Mambri"، هو خرائب "شيخ مبارك" على مسافة سبعة كيلومترات من "الحلبية".
ولم يبق من آثار عهد "تدمر" في "الحلبية" إلا مقابر خارج أسوار المدينة. وهي على هيأة أبراج تتألف من طابقين أو ثلاثة طوابق وأهرام بنيت على الطريقة التدمرية في بناء القبور، غير أنها دونها كثيراً في الصنعة وفي الفن. وتشاهد بقايا قبور مشابهة لهذه القبور في المدن الواقعة قي منطقة الفرات الأوسط، أي المنطقة التي خضعت لحكومة "تدمر".
ويلاحظ انتشار هذا النوع من القبور في المناطق التي سكنها العرب في أطراف الشام والعراق في العهد البيزنطي، خاصة في "تدمر" وفي "حمص" و "الرها" "Edessa" وفي "الحضر" كذلك. بل وفي "بطرا" أيضاً حيث نجد شبهاً كبيراً في أشكال القبور المنحوتة من الصخر على هيأة أبراج ذوات رؤوس تشبه الهرم في بعض الأحيان. ولانتشار هذا النوع من القبور في مناطق سكنتها أغلبية من العرب المتحضرين، نستطيع أن نقول انها نمط خاص من أنماط بناء القبور كان خاصاً بالعرب المتحضرين.
وذكر "بطلميوس" أسماء عدد من المواضع جعلها في عداد أماكن "كورة تدمر" "Palmyrena"، وهي: "Resapha" و "Cholle" و "Oriza" و "Putea" و "Adaba" و "Palmyra" و "Adacha" و "Danaba" و "Goaria" و "Aueria" و "Casama" و "Admana" و "Atera" و "Alalis" و "Sura" و "Alamatha"، وتقع هذه المواضع الثلاثة الأخيرة على نهر الفرات. أما "Palmyra"، فهي "تدمر" العاصمة. و أما "Resapha"، فهي "الرصافة" وهي مدينة قديمة ورد خبرها في النصوص المسمارية فدعيت فيها ب "Ra-sap-pa" ومن ذلك نص يعود إلى سنة "840" قبل الميلاد، وقد اشتهرت بوجود ضريح القديس "سرجيوس" "St.Sergius" بها، المقدس عند الغساسنة.
و أما "Cholle"، في "الخو لة" "الخلة". وأما "Oriza"، فهي "الطيبة"، وتقع هذه المواضع على السكة الرومانية الممتدة من الفرات إلى "تدمر".
ويرى "موسل" أن "Putea"، هو "Beriarac"، وهو موضع "بيار جحار"، ويقع على السكة الرومانية المارة من "تدمر" إلى موضع "Occaraba".
أما المستشرقان "ميلر" "Muller" و "موريتس" "Moritz"، فقد ذهبا إلى أنه "أبو الفوارس" الواقع على مسافة سبعة كيلومترات في غرب جنوب غربي تدمر. وذهب "موريتس" أيضاً إلى احتمال كونه "القطار"، وهو على مسافة خمسة وعشرين كيلومتراً إلى الشمال الشرقي من "تدمر".
أما موضع "Adada"، فكان حصناً رومانياً كذلك، يعرف في الزمن الحاضر ب "الحير"، ويقع على أربعة عشر كيلومترأ الى الجنوب الشرقي من "الطيبة" "Oriza"، وعند الحافات الغربية لمرتفع "Adidi"، وهو اسم قريب من "Adaba" وقد ذهب "ميلر" إلى أنه الموضع المسمى ب "خربة العاشجة" "خربة العاشقة" الواقع على الحافات الشمالية لهضبة تدمر.
ويرى "موسل" أن في كلمة "Adacha" بعض التحريف، وأن الأصل الصحيح هو "Archa" و "Harac"، وهو "أرك" "رك" الواقع على طريق تدمر وفي الشمال الشرقي من المدينة.
وأما "Danaba"، فيقع على طريق "دمشق" "تدمر"، وهو موضع خرائب "البصيري" على رأي "موسل".
وأشار المؤرخ "اصطيفانوس البيزنطي" إلى "Goaria" كذلك، ذكرها على هذا الشكل "Goareia". ويظهر إن هذه المدينة كان لها شأن في تلك الأيام، واذ أطلق اسمها على منطقة واسعة دعيت باسم "Goarene"، ويظن انما "البخراء" وهي في زمننا خرائب تقع على ستة وعشرين كَيلومتراً إلى الجنوب من "تدمر". وقد عرفت ب "Goareia" عند بني إرم "الآراميين". وذهب "ميلر" و"بينتزنكر" "Benzinger" الى إن "Goaria" هو الموضع المسمى ب "Cehere" على الخارطة الرومانية لأيام الانبراطورية. وهو رأي يعارضه "موسل"، ويرى ان "Cehere" هو المكان المسمى ب "خان عتيبة" الواقع على مسافة تزيد على مئة كيلومتر في جنوب غرب "البخراء.
ويظهر إن "Aueria" "Aueira" "Aberia"، هو موضع "Eumari" "Euhara" "Euarius" في مؤلفات أخرى، وهو موضع "الحوارين".
وأما "Casama"، فهو على طريق دمشق المؤدي إلى تدمر، وهو خرائب خان "المنقورة" على رأي "موسل". وأما "Admana" "Odmana" "Ogmana"، فهو موضع "Ad-Amana" في الخارطات الرومانية للانبراطورية على ما يظهر،
وهو موضع "خان التراب" على رأي "موسل" كذلك.
وأما "Atera"، فالظاهر انه موضع "Adarin" على الخارطة الرومانية، وهو موضع "خان الشامات" "أبو الشامات" "خان أبو الشامات" على رأي "موسل". أما "ميلر" فيرى انه موضع "دير عطية"، وهو رأي لا يقره "موسل"عليه.
وموضع "Sura" هو "سورية" على رأي "موسل". وأما "Alalis" فيقع في غرب "Sura" عند "بطلميوس". ويظن "موسل" أنه يقع بين موضعي "Sura" و "Alamatha" في مقابل "طابوس".
عانة
ذكرت أن التدمريين كانوا قد وضعوا حاميات لهم في مدينة "Anatha"، أي "عانة". وهي لا تزال موضعاً معروفاً حياً على نهر الفرات في العراق وعرفت "عانة" ب "Anat" و "An-at" و "A-na-at" "A-Na-Ti" في الكتابات المسمارية. وعرف موضعها ب "خ -نا" "H-na" و "خا-نا -ت" "Ha-na-at" في النصوص البابلية القديمة. وقد تكونت مملكة صغيرة بهذا الاسم أمتدت رقعتها إلىالخابور،وعرفت المدينة ب "Anatha" في مؤلفات "الكلاسيكيين".
ويشك المستشرق "أدور ماير" "Eduard Meyer" في وجود صلة بين اسم الإله "Ana-tu" "Anat"، واسم مدينة "An-at"، أي "عانة".
ومركز "عانة" الجزر الواقعة في النهر، وهي خصيبة، وفي مأمن من غارات الأعراب. وقد تمكن أصحابها بفضل موقعهم هذا من التحكم في القبائل المجاورة لها ومن أخذ الجزية منها. ولهذا السبب استعمل الآشوريون في الغالب رجالاً من أهلها لحكم منطقة "سوخي" "Suhi". وفيها كان يقيم "ايلو ابني" "Ilu Ibni" حاكم "سوخي" الذي دفع الجزية الى الملك "توكلتي أنورتا الثاني" "Tukulti Enurta" "889 - 4 88" قبل الميلاد.
:قد ذكَر اسم "عانة" و "الحيرة" في الكتابة المرقمة برقم "Littmann". ويرجع تأريخها إلى شهر أيلول من سنة "443" من التأريخ السلوقي، أي شهر "سبتمبر" من سنة "132" للميلاد، وورد فيها اسم الإلهَ "شيع القوم" حامي القوافل والتجارات. ويظهر إن المراد ب "حيرتا" الحيرة الشهيرة في العراق. فإذا كان ذلك صحيحاً، دل على إن نفوذ تدمر قد بلغ هذا المكان، وان للقصص الذي يرويه الأخباريون عن ملوك الحيرة والزباء أصلاً تطور على مرور الأيام فتكونت منه قصة "جذيمة" والزباء.
وصاحب هذه الكتابة رجل اسمه "عبيدو بن غانمو بن سعدلات"، من قبيلة "روحو" أي "روح"، وكان فارساً في حامية مدينة "عنا" وهي "عانة". وقد دوّن كتابته هذه بمناسبة تقديمه مذبحين إلى الإلهَ "شيع القوم" الذي لا يشرب خمراً، وهو حامي القوافل. ويلاحظ أن أكَثر الكتابات تذكر جملة "الذي لا يشرب خمراً" بعد اسم هذا الإله. وهي تعني أن هذا الإلهَ كان يشرب الخمر ولا يحبها، فعلى أتباعه تجنبها. ويظهر إن طائفة من الناس حرّمت عليها الخمرة، ودعت إلى مقاطعتها، واتخذت "شيع القوم" حامياً لها. وهي على نقيض عباد الإلهَ "دسره" "دشرة" "Dussares" أي "ذو الشرى" الذين كانوا يتقربون إلى إلههم هذا بشرب الخمر.
ولا نعرف متى استولى الرومان عليها. ولم يرد ذكرها في قائمة "ماريوس مكسيموس "Marius Maximus" التي عثر عليها في "Dura" والتي يعود تأريخها إلى سنة "211" للميلاد في ضمن المخافر الرومانية التي كانت في المناطق الوسطى لنهر الفرات. ويظهر منها أن "عانة" "Anath" كانت في ذلك الوقت في أيدي "الفرث" "Parthians"، وأن الرومان دخلوها بعد ذلك. قد يكون في أثناء حملة "اسكندر سويرس
"Alexander Severus" كما ذهب "روستوفستزف" "Michael Rostovtzeff" الى ذلك، أو في أيدي "غورديانوس" "Gordianus" كما ذهب "اولمستيد" "A.T.Olmstead" الى ذلك.
وقد ذكر "عانة" "Anatha" المؤرخ "أريان" في أثناء حديثه عن أسطول "تراجان" الذي مرّ بها. وورد اسمها "Anath" في خبر "معين" "Ma'ajn" أحد قواد الملك "سابور الثاني" "309 - 379 م"، وكان قد اعتنق النصرانية وبنى جملة ديارات، ونصب القس على"سنجار" "شجار" "Schiggar"، ثم لم يكتف بذلك، فذهب إلى "عانة"، فبنى على شاطىء الفرات وعلى مسافة ميلين منها ديراً استقر فيه سبع سنوات.
وفي سنة "363" للميلاد حاصرها الروم، وألحقوا بها أضراراً كبيرةّ. وأجلوا السكان عنها. ولما أرسل "فاراموس"Varamus" "Varaious" في عام "591" للميلاد قوة على "عانة" لمناوشة "كسرى" "Chosroes" وصدّه عن الرجوع الى فارس، قتل الجنود قائدهم، وانضموا إلى "كسرى". وفي القرن السابع للميلاد، كان مقر أسقف قبيلة "الثعلبية" في هذه المدينة.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:53 PM
الفَصْل السّادِسُ والثَلاثون
الصفويون
والى هذا العهد تجب اضافة قوم من العرب أطلق المستشرقون عليهم لفظة "الصفويين"، نسبة إلى أرض "الصفاة". وهم أعراب ورعاة كانوا يتنقلون من مكان إلى آخر طلباً للماء والكلأ. وقد دوّنوا خواطرهم أحياناً على الأحجار، وتركوها في مواضعها، ومنها استطعنا الإلمام بعض الشيء بأحوالهم وأخبارهم. وقوم تنتشر الكتابة بينهم على هذا النحو، لا يمكن أن نتصورهم أعراباً على النحو المفهوم من الأعرابية، بل لا بد أن نتصور انهم كانوا على شيء من الثقافة والإدراك.
واذا سألتني عن سبب اختيار المستشرقين لهذه التسمية واطلاقها على أصحاب هذه الكتابات، فإني أقول لك: انهم أخذوها من اسم أرض بركانية عرفت بالصفا وبالصفاة، تغطي قشرتها الخارجية حتى اليوم صخور سود تقول لك انها خرجت إلى هذا المكان من باطن الأرض، وان براكين ثائرة مزمجرة غاضبة كانت قد قذفت بها إلى ظهر الأرض فاستقرت في أمكنتها هذه، ومن يدري? فلعلها أصابت أقواماً كانت تعيش في هذه المواضع أو مارة بها فأهلكتها. وهي تسمية قديمة تعود إلى ما قبل الإسلام، بدليل انها وردت في نص يوناني على هذه الصورة: "Safathene" وورود اسم إلَه عرف ب "زيوس الصفوي" "Zeus Safathenos"، أي نسبة الى هذه الأرض.
أما "الصفوية"، فتسمية ليست بتسمية عربية قديمة، وليست علماً على قوم معينين أو على قبيلة معينة، وانما هي تسمية حديثة أطلقها المستشرقون على قبائل عديدة كانت تنتقل من مكان إلى مكان طلباً للماء وللكلأ، لرعي ماشيتها التي تكوّن ثروتها ورأس مالها، تراها يوماً في أرضع النبط، ويوماً آخر في بلاد الشام حيث كان الرومان ثم البيزنطيون يسيطرون. فنحن في هذا الموضع لسنا أمام مملكة أو حكومة مدينة، بل أمام قبائل عديدة حرفتها الرعي والغزو وكفى.
ومن نسميهم بالصفويين إذن ليسوا بقبيلة واحدة ولا بجنس معين، وإنما هم قبائل متنقلة، كانت تتنقل في هذه الأرضين الواسعة، في أزمنة مختلفة متباينة. ويعود الفضل إلى الكتابات التي عثر الباحثون عليها في اعطائنا فكرة عن تلك القبائل المتنقلة، وفي حصولنا على أسماء بعض تلك القبائل التي كان ينتسب اليها أصحاب تلك الكتابات.
أخرى، في مثل الدراسات اللغوية والدينية وتطور الخطوط ودراسة أسماء الأشخاص والقبائل وما شاكل ذلك.
وانتشار هذه الكتابات وتناثرها في أرضين صحراوية، أمر يلفت النظر ويدعو إلى العجب من أمر الأعراب في ذاك العهد الذين كانوا يقرأون ويكَتبون مع انهم أبناء بادية، وقد عاشوا قبل الإسلام بزمان طويل، ثم إن خطها يلفت إليه النظر أيضاً، فهو خط عربي، ولد من الأم التي نسلت الخط العربي الجنوبي، وهو قريب من الخط الثمودي والخط اللحياني، ويعني هذا أن العرب كانوا يكتبون قبل الميلاد بخط أود أن أسميه بالقلم العربي الأول، أو القلم العربي القديم منه تفرعت الأقلام العربية المتنوعة فيما بعد، فوجد ما نسميه بالقلم المسند وبالأقلام العربية الشمالية، وذلك لظروف كثيرة لا مجال للكلام عليها في هذا المكان. وهو يدل على أن الصفويين وأمثالهم من الأعراب لم يتأثروا بالثقافة الإرمية مع قربهم منها واتصالهم بها، وطغيانها على الثقافات الأخرى في العراق وفي بلاد الشام، فبقوا مخلصين لقلمهم القديم، فكتبوا به، ولم يستعملوا قلم بني إرم كما فعل "أهل المدر" المقيمين في مدن العراق والشام وقراهما. وكتبوا بلهجاتهم أيضاً ولم يكتبوا بلغة بني إرم كما فعل غيرهم من العرب الحَضَر.
وقد رأى "دوسو" "Dussaud" أن الصفويين كانوا يحاكون الجنود الرومان واليونان في تسجيلهم خواطرهم وذكرباتهم على الحجارة، فقد وجد الباحثون أحجاراً دوّن عليها أولئك الجنود في أثناء أدائهم واجباتهم العسكرية في بلاد الشام وعلى الطريق الرومانية ذكرياتهم وخواطرهم ونزولهم في تلك الأمكنة. ولكن وجود كتابات صفوية عديدة من القرن الأول قبل الميلاد يثبت إن الصفوين كانوا يدونون خواطرهم بهذا الأسلوب، وذلك قبل شروع أولئك الجنود الرومان واليونان في تدوين خواطرهم على هذا الأسلوب، وانهم كانوا يدوّنون خواطرهم هذه على الأحجار وبهذا الشكل لأن هذه الحجارة كانت هي ورق كتابة أهل البادية، فكتبوا عليها كما يكتب أهل الحضر على الرق والخشب والورق وغيرها من وسائل الكتابة.
ويرجع علماء الصفويات عمر أقدم الكتابات الصفوية الى القرن الأول قبل الميلاد.
أما آخر ما عثر عليه من كتابات، فيرجع إلى القرن الثالث بعد الميلاد، على رأيهم أيضاً. فما عثر عليه من الكتابات الصفوية، هو من عهد تبلغ مدته زهاء أربعة قرون.
وقد أرخت بعض هذه الكتابات بحوادث محلية عرفت عند أصحابها،
الا انها مجهولة لدينا، لذلك لم نستطع الاستفادة منها في تكوين رأي في زمن كتابتها. فقد أرخ بعضها بسنة وفاة قريب لصاحب الكتابة، أو بوقت نزوله في المكان الذي كتب به الكتّابة، أو بوقت نزوله في المكان الذي كتب به الكتابة،أو بوقت هَربَه من الرومان أو بعد كذا من الأيام أو من السنين من رؤية قريب له أو وفاته، ومثل هذه الحوادث، لا تفيد المتأخرين شيئاً، ولا تساعدهم في تثبيت زمن تدوينها بوجه صحيح مضبوط. وأرخ بعضها بحوادث أعم، الا انها ذكرت بأسلوب فوّت علينا معرفة زمان وقوع الحادث بوجه مضبوط، فقد أرخت كتابة منها ب "سنت نزز اليهد"، أي "سنة الخصام مع اليهود". وهي سنة كان يعرفها صاحب الكتابة وأصحابه. أما نحن فلا نعلم من أمرها شيئاً، فقد خاصم العرب اليهود كثيراً في تأريخهم. فأية خصومة من تلك الخصومات قصد صاحب الكتابة. فإذا كان قد قصد ثورة العرب أهل اللجاة "Trachonitis" على "هيرود الكبير" الملك المكابي، فهذه الثورة يجب أن تكون قد وقعت فيما بين السنة "23 ق. م." والسنة "14 ق. م.". أما اذا كان صاحب النص قد قصد خصاماً آخر، فإننا لا نستطيع التكهن عنه من نصه هذا، لما قلناه من تعدد الخصومات بين العرب واليهود.
وأرخت كتابة أخرى بزمن تمرد صاحب الكتابة على الروم، وذلك سنة مجيء "الميديين" الفرس إلى "بصرى"، "ومرد على رم سنت أتى همذى بصرى" وقصد ب "همذى" "الماذويين"، أي الميديين من الفرس. ولما كانت الأخبار لم تشر إلى اكتساح الفرس ل "بصرى" قبل سنة "614 م"، ظن من عالج هذه الكتابة أن صاحبها قصد استيلاء الفرس عليها في ذلك الزمن، أي في السنين الأولى من سني مبعث الرسول، حيث غلبت الفرس على الروم، كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، غير أن هذا الفريق عاد فأبدل رأيه، لأنه وجد أن هذا الرأي لا ينسجم مع نوع الكتابة والأبحاث الاثارية التي دلت على إن الكتابة يجب أن تكون أقدم عهداً من سنة "614 م"، ورأى لذلك أن استيلاء الفرس على "بصرى" يجب أن يكون قبل ذلك بكثير، وقد يكون وقع في القرن الأول قبل الميلاد، غير أننا لا نملك نصوصاً تأريخية تشير الى وصول الفرس إلى هذا المكان، واستيلائهم عليه في ذلك الزمن. وهكذا نجد أن تلك الكتابة المؤرخة قد أوجدت لنا مشكلة، لم نتمكن من حلهّا بسبب الغموض الوارد فيها عن سنة استيلاء الفرس على بصرى.
وطالما قرأنا في الكتابات أن أصحابها "نجوا من الروم" أو فروا من الروم، أو تمردوا على الروم وأمثال ذلك من تعابير. وقد قصدوا بالروم بلاد الشام التي كانت في أيدي الرومان، ثم انتقلت إلى الروم، وهم اليونان البيزنطيون. ولما كانت بلاد الشام تحت حكم المذكورين، عبرّوا عنها ب "رم" "روم" أي "الروم" "وبلاد الروم".
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:56 PM
لقد كان الصفويون بحكم نزولهم في أطراف بلاد الشام على اتصال بالروم بل اضطروا الى الخضوع لحكمهم والاعتراف بسيادتهم عليهم. والتوغل شمالاً وجنوباً في بلاد الشام بحثاً عن الماء والكلأ وعن القوت، كما اضطروا الى مراجعة قرى بلاد الشام ومدنها للامتيار ولبيع ما عندهم من فائض منتوج أيديهم ومن حاصل حيواناتهم. وهذا مما يدفعهم الى التخاصم أحياناً مع موظفي الأمن الروم وحراس الحدود ورجال الجباية و "الكمارك"، في شأن أمور الأمن، أو أخذ حقوق الحكومة منهم، فيقبض الروم على من يقاوم منهم، أو يتهرب من الأداء، أو يقتل، أو يقوم بأعمال مخالفة، فيلقونه في السجن في و يقتلونه، ولهذا نجد بعض الكتابات وقد سجلت حين هرب صاحبها من سجن الروم. وعاد إلى حريته. وهربه من الروم واستنشاقه نسيم الحرية، معناه اللجوء إلى البادية والأحتماء بها حيث يصعب على الجنود الروم الوصول اليها للقبض عليهم والاقتصاص منهم. والبادية حصن أمين للأعراب.
ويظهر من هذه النصوص أن شأن الصفويين بالروم لم يكن يختلف عن شأن سائر العرب بهم
وبأمثالهم من الدول الأجنبية مثل الفرس، فهم مضطرون بحكم وضعهم إلى التسليم لسلطان الدول الأجنبية ما داموا ضعفاء لا يستطيعون مقاومة الأعاجم، فإذا تغيرت الأحوال، وظهرت مواضع ضعف في الأجنبي، اهتبل الأعراب الفرص، فانقلبوا عليه حتى يرضيهم أو يظهر قوته. وهكذا كان الصفويون ينتهزون الفرص، فمتى وجدوا تغرة في سلطان الروم وموضع ضعف في حراسة حدودهم، هاجموهم منها حتى ينالوا ما يبتغون من مغنم، وقد ينقلب الحادث عليهم بالطبع، لسوء تقدير في الموقف، وهذا ما يحدث في كل غزو أو حرب، وهو شيء طبيعي فقد ينتصر المحارب فيربح، وقد يندحر فيخسر كل شيء.
"تر"، و "هجد ل" "هكدل"، و "جر" "كر" و "حز ن" و "حضى"، و "حولت" "حوالة"، و "دمصى" و "سلم"، و"صبح"، و"ضف"، و"عبد"، و"عوذ"، و"غر"، و "فرث"، "وقمر"، و "يحرب"، و "همضر"، و "املكت".
ومن القبائل الصفوية: "اشلل"، و "بكس"، و "جعبر"، و "جوا"، و "حمد"، و "حرم"، و "حظى" "حضى"، و "حمي"، و "زد" "زيد"، و "زهر"، و "عذل"، و "عمرت" "عمرة"، و "فضج"، و "مسكت" "ماسكة"، و "معصى" "معيص"، و "نمرت" "نمرة" "نمارة" "نميرة"، و "هذر" "هذير" "هذار"، و "نسمن" أي "نسمان"، و "حمد" "حماد" "حميد".
وترد لفظة "ال" قبل اسم القبيلة في كثير من الكتابات الصفوية، وتؤدي فيها معنى "آل" عندنا، مثل: "ال تم" أي "ال تيم"، و "ال عوذ" بمعنى "آل عوذ" و "0 ال ادم" "آل آدم"، و "ال حد" "ال حد". وهي بمعنى إن المذكور أو المذكورين من القبيلة المسماة، أو من العشيرة المذكورة، أو من البيت المسمى.
وورود "ال" بهذا المعنى في النصوص الصفوية يدل على إن لغة هذه القبائل وهي قبائل عربية شمالية تشارك لغة القرآن الكريم في هذه الخاصية.
وقبيلة "عوذ" ورد اسمها في عدد من الكتابات الصفوية. وقد ورد في احداها إن حربآَ كانت قد نشبت بينها وبين قبيلة أخرى، أسمها "وعل" أو "ويل" أو "وائل". وقد يكون لاسم هذه القبيلة صلة باسم الإله "جد عوذ".
وقد عثر على اسم قبيلة "نعمن"، أي "نعمان" في بعض االكتابات الصفوية التي عثرعليها في "وادي حوران" بالعراق، ويرد "نعمان" اسماً لأشخاص، ومنهم بعض ملوك الحيرة.
وقد ورد اسم قبيلة في احدي الكتابات التي عثر عليها في العراق، وهي قبيلة "ال صح"، أو "آل صح"، أي "آل صائح"، أو "آل صيح"، أو "الصائح". وما زال اسم "الصائح" معروفاً في ائعراق، وهو اسم عشيرة فقد يكون له صلة بهذه التسمية القديمة.
وقد أفأدتنا هذه الكتابات من الناحية الجغرافية، اذ قدمت الينا أسماء مواضع عديدة لا يزال بعضها يسمى بالأسماء الواردة في تلك الكتابات. وقد يمكن في المستقبل دراسة الأسماء الأخرى لتثبيت مواضعها وتعيينها على مصورات الأرض "الخارطات".
ومن المواضع التي ورد اسمها في الكتابات الصفوية، موضع "رحبت"، وهو "الرحبة". وقد ورد في نص سجله رجل اسمه "حنن بن هعتق"، "حنان ابن العاتق"، أو "حنين بن العاتق"، أو "خنن بن العاتق"، وذكر انه "بن ال - رحبت"، أي "من الرحبة"، أو "من آل رحبة"، وانه كتب كتابته هذه في السنة التي دار فيها قتال مع قبيلة "ال حمد" "الحمد" أو "آل حمد". وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "الرحبة" هو اسم موضع. كما إن "الحمد" هو اسم موضع كذلك، وان الذين نزلوا في هذين المكانين وفي أمكنة أخرى نسبوا أنفسهم اليها فقالوا: "آل رحبة" و "آل حمد"، وذلك على نحو ما نجده في عربيتنا من ذكر "آل" في الانتساب، وان هذا معناه إن أولئك الأعراب الِذين نزلوا في الموضعين انتسبوا إلى المكانين، فاستعملوا لذلك لفظة "ال"، أي "آل"، قبل الموضع، فظهر الاسم "ال رجبت" "ال رجبة" وكأنه إسم قبيلة.
ولهذا المظهر من التسميات والانتساب شأن كبير في موضوع دراسة أنساب القبائل، إذ فيه برهان ودليل على أن إلاقامة في موضع تكون سببآَ للانتساب إليه، ثم لتحويل ذلك النسب الى اسم جدّ، وأن ما يرويه أهل الأخبار في هذا الباب مثل انتساب الغساسنة الى "غسان"، وأن "غسان" اسم موضع ماء نزلوا عليه فدُعُوا ا به، يجب أن ينظر اليه نظرة اعتبار، لا رفض وازدراء. وفي أسماء القبائل العربية المدوّنة في كتاب الأنساب والأدب، أو الواردة في الكتابات الجاهلية أمثلة عديدة من هذا القبيل.
ومن الأماكن التي ورد ذكرفي النصوص الصفوية: "بصرى"، وقد ذكرت على هذه الصورة "بصر"، و "هنمرت"، "النمرت"، أي "النمارة"، و "هشبكى" أي "الشبكي" و "حجر".
و "حجر" موضع قد يراد به "الحجر" المعروف في عربيتنا، وهو "Hegra" و "Hegrae" عند اليونان واللاتين، و "حجرا" و "حجرو" عند النبط.
وورد إسم مدينة "تيما" أي:تيماء" في الكَتابات الصفوية كذلك، كالذي ورد في نص دوّنه رجل اسمه "خل - ال بن شبب" أي "خليل - ايل ابن شبيب"، وقد تذكر فيه رجلاً اسمه "أبرش"، وهو من أهل "تيماء".
ولم يكن الصفويون كما يبدو بوضوح من كتاباتهم ومن صور الحيوانات التي نقشوها على الأحجار أعراباً ممعنين في الأعرابية على نحو عرب البوادي البعيدين في البادية، حيث يقضون حياتهم فيها، فلا يختلطون بالحضر، ولا يمتزجون بالحضارة، وإنما كانوا أشباه أعراب وأشباه حضر، وربما كان تعبير "رعاة" خير تعبير يمكن اطلاقه عليهم ليميزهم عن غيرهم. فقد كان الصفويون أصحاب ماشية، لهم ابل، يعيشون عليها، ويتاجرن بها، ولهم خيل يركبونها، والخيل كما هو معروف لا تستطيع الحياة في البوادي القاحلة العميقة والرمال القليلة المياه، ولهم المعز والغنم والحمير والبقر، وهي من الحيوانات التي تحتاج إلى رعي ومراعي. ولذلك يجب أن يكون أصحابها من طبقة الرعاة. وقد كانت حياتهم حياة رعي، نجدهم في الشتاء في مكان، ثم نجدهم في الصيف في مواضع أخرى قريبة من الجبال حّيث يكون الجو لطيفاً والمياه كثيرة، ليكون في استطاعتهم الابتعاد من حر الحرار ومن سَمُوم الأرض القاحلة في الصيف، ولتستمتع ماشيتهم بجو لطيف فيه ما يغريها من خضرة نضرة ومن ماء عذب زلال.
إن في بعض هذه الكتابات تعبيراً عميقاً عن ذكاء فطري يعبر عن طراز حياة الصفويين، فكتابة مثل: "ورعى همعز وولد شهي"، ومعناها: "ورعت المعز وولدت الشياه !، أو "ورعى بقر هنخل"، أي "ورعت البقر في هذا الوادي"، أو "وقف على قبر فلان وحزن"، هي تعابير، وان بدت ساذجة مقتضبة لا يكتبها حضري، غير انها تمثل في الواقع ذكاءً فطرياً عميقاً، ونوعاً من التعبيرعن حس أهل البادية أو أهل الرعي، وهو حس مرهف فيه بساطة وفيه اقتضاب في نبتا من وحي الصحراء البسيطة الممتدة إلى ما وراء البصر على نمط واحد، وشكل لا تغيير فيه ولا تبديل. وكتابات يكتبها أناس يحيون بعيدين عن حضارة المدن، ويعيشون بين أْشعة الشمس وضوء القمر في بيوت وبر أو شعر معز لا تقي ولا تنفع الا بمقدار، لا يمكن أن تكون الا على هذا النحو من البساطة، ولكنها بساطة ذكي يحاول بذكائه التعبيرءن حياته تلك.
ونجد هذا الذكاء الفطري في الصور المرسومة للحيوانات، فقد أراد مصوروها أن يعبروا عن غرائزهم الفنية بصورة محسوسة ترى، فرسموا صور حيوانات ألفِوها ورأوها، بصورة بدائية، ولكنها معبّرة أخاذة. ورسموا بعض المناظر المؤثرة فيَ حياتهم مثل الخروج للصيد ومعارك الصيد،
فنرى على بعض الأحجار فارساً وثد حمل رمحاً طويلاً، ونرى مشاة وقد حملوا أقواساً وتروساً صغيرة مستديرة لوقاية أجسامهم من السهام أو من الحيوان، ونرى رجالاً يطاردون غزالاً أو ضأناً، ونرى أناساً فرساناً ومشاةً يطاردون أسداً، ونرى غير ذلك من صور بدائية من هذا القبيل، مهما قيل فيها، فإنها صور رائعة لا يمكن أن يحفرها فنان بأحسن من هذا الحفر، وهو في مثل هذا المحيط، وليست لديه من آلات الحفر غير هذه الالات.
والصور المنقوشة على الأحجار التي ترينا الصفوي وقد ركب حصانه معتقلا" رمحاً طويلاً، هي صورة المحارب الفارس عند الصفويين، وهي فيَ الواقع صورة الفرسان الأعراب، سلاحهم الرئيسي الرماح، يطعنون بها خصمهم. وما زال البدو في بعض البوادي من جزيرة العرب يحملون ذلك السلاح التقليدي القديم، يحاربون به خصومهم في المعارك القبلية البدائية. وأما المحارب الماشي، فإنه يحارب بالقوس وبيده الترس كما يظهر من بعض الصور، وهو لا بد أن يكون قد استعان بأسلحة أخرى بالطبع، مثل السيوف والفؤوس والحجارة وكل ما ثقع يده عليه مما يصلح أن يكون مادة للقتال والعراك.
إن الصور التي تمثل الناس، وهم يطاردون الغزلان أو بقر الوحش و الأسد أو الحمار الوحشي، هي صور مفيدة جداً تتحدث عن وجود تلك الحيوانات في تلك الأماكن وفي تلك الأوقات، وعن طرقهم في صيدها. وقد كانت لحوم بعض تلك الحيونات طعاماً شهياً لمن يصطادها ولآلهم وجماعتهم، كما أن لوجود صورة الحصان شأناً في اظهار أن الصفويين وغيرهم كانوا يعرفون الخيل في تلك الأزمنة، وأن الحصان العربي كان موجوداً يومئذ.
وفي جملة ما عثر عليه من أسماء آلهة الصفويين اسم إلَه عرف ب "إلَه هجبل" "إلاه هاجيل" "إلَه الجبل"، وهي تسمية تدل على أن عبدته كانوا من سكان جبل أو أرض مرتفعة، ولهذا نعتوا إلههم ب "إلَه الجبل" أو أن عبدته هؤلاء قد أخذوه من أناس كانوا قد خلقوا إلههم من ارتفاع أرضهم، وصار إلهاً من آلهة الصفويين. وهو يقابل الإلَه المسمى ب "الاجبل" "أو"Elagabal" وهو كناية عن الشمس، وكان يعبد في "حمص" "Emesa" فإن لفظة "Elagabal" تعني "إلهَ الجبل" "وقد رمز إليه ب "حجر أسود" وعباد الحجر الأسود كانت معروفة عند الجاهليين. وقد كان أهل مكة يقدسون الحجر الأسود في مكة ويتقربون إليه.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:57 PM
بُكماً? الذين أخذوا مكانهم هم أعراب مثلهم، كانوا أقوى منهم، لذلك تغلبوا عليهم على وفق سنة البادية. هذا جواب لا شك فيه. ولكننا لا نستطيع تحديد هوية أولئك الأعراب وتعيين أسماء قبائلهم، كما أننا لا نستطيع التحدث عن سبب سكوتهم وعدم ترك آثار كتابية لهم تتحدث عن أيامهم وعن قبورهم وأصدقائهم وما شاكل ذلك من أمور الى زمن مجيء الإسلام. إن الغساسنة، هم آخر من نعرف أنهم كانوا في هذه الأرضين وفيما جاورها وكذلك قبائل عربية أخرى مثل لخم وكلب،ولكننا لا نعرف أنهم تركوا كتابات تتحدث عنهم.
وبين أسماء الأشخاص المدونة في النصوص الصفوية أسماء تشبه أسماء أهل مكة والعرب الشماليين شبهاً كبيراً، ويحملنا هذا على تصور إن ثقافة الصفويين عربية شمالية. ونجد هذا التشابه في أمور ثقافية أخرى،سأتحدث عنها في الأماكن المناسبة.
ومن الأسماء الواردة في النصوص الصفوية: "قصيو"، أيَ "قصي". وقد ورد اسم "قصيو بن كلبو"، أي "قصي بن كلاب" في أحد النصوص. وكان من رجال الدين. وورد "قصيو بن روحو" أي "قصي بن روح". و "قصيو بن اذينت"، أي "قصي بن أذينة".
ويرى بعض المستشرقين إن الصفويين هم مثل سائر القبائل العربية الشمالية هاجروا من جزيرة العرب إلى الشمال، فسكنوا في منطقة "الصفاة"، غير انهم لم يكونوا قد اندمجوا في أثناء تدوينهم كتاباتهم بالثقافة السامية الشمالية كما اندمج غيرهم مثل النبط، بل كانوا لا يزالون محافظين عاى صلاتهم بالجزيرة ولا سيما بالعربية الجنوبية منها موطنهم القديم. وتعبرّ عن هذه الصلة بعض الخصائص اللغوية التي ترجع على رأيهم إلى أصل عربي جنوبي، غير إنهم تأثروا بالطيع بمن اختلطوا بهم وبمن تجاوروا معهم من الساميين الشماليين أو العرب الشماليين، ويظهر أثر هذا الاختلاط على رأيهم أيضاً في الأسماء والكلمات والتعابير الخاصة التي نقرأها ثي هذه النصوص.
قلت: إن كلمة "الصفويون" لا تعني شعباً معيّناً أو قبيلة معينة، وإنما هي اصطلاح أوجده "هاليفي"
ليطلق على الكتابات التي عثرعليها في مواضع متعددة من "اللجاة" و "حوران" ومواضع أخرى، لذلك يجب ألا يفهم أننا نقصد أناساً تركوا لنا كتابات متشابهة كتبت بقلم واحد، ليظهر أنهم كانوا بين البداوة والحضارة فلاحين ورعاة لهم قرى ومزارع، وربما كانت لهم تجارات أيضاً، غير أننا لا نعرف من أمرهم شيئاً كثيراً. فقد يكونون اذن من قبيلة واحدة، وقد يكونون جملة قبائل، وقد تكون لهم "امارة" لا نعرف من أمرها شيئاً، وربما لا يكون لهم ذلك.. وربما كانوا أتباعاً للسلطة القائمة في بلاد الشام تتحكم فيهم بنفسها أو بواسطة أمراء أو سادات قبائل.
وقد يكون الصفويون أناساً وصلت أسماؤهم الينا، وكتب المؤرخون عنهم، ولكننا لا نعرف أنهم هم الذين نبحث عنهم، لأننا أمام أصطلاح جديد مبهم، ظهر كما قلنا في القرن التاسع عشر، ليست له حدود واضحة ولا معالم مرسومة، فلا ندري نحن في الواقع ما نريد، قد يكون هؤلاء أسلاف غساسنة الشام، وقد يكونون غيرهم.
ملاك الشرق
24-04-2010, 11:59 PM
الفَصْلُ السَّابعُ والثلاثون
مملكة الحيرة
وللاخباريين واللغويين وعلماء تقويم البلدان، آراء في أصل اسم "الحيرة"، وبينهم في ذلك جدل على التسمية طويل عريض، كما هو شأنهم في أكثر أسماء المدن القديمة التي بَعُد عهدها عنهم فحاروا فيها. وايرادها هنا يخرجنا عن صلب الموضوع، وهي أقوال لا تستند إلى نصوص جاهلية، ولا إلى سند جاهلي محفوظ، ومن أحب الوقوف عليها، وتعرف مذاهب القوم فيها، فعليه بمراجعة تلك المظان، كما إن لبعض المحدثين آراء في هذا الباب.
ومعظم المستشرقين، يرون انها كلمة من كلمات بني إرم، وانها "حرتا" "Harta" "Hirta" "Herta" "حيرتا" "حيرتو" السريانية الأصل، ومعناها المخيم والمعسكر وانها تقابل في العبرانية كلمة "حاصير" "Haser"، وان "حيرتا" "حيرتو" في التواريخ السريانية تقابل "العسكر" عند الاسلاميين وهي في معنى "الحضر" و "حاضر" و "الحاضرة" كذلك. ولهذا زعم بعض المستشرقين إن "الحضر" اسم المكان المعروف في العراق أخذ من هذا الأصل العربي، أي من "الحضر".
وقد عرفت "الحيرة" في مؤلفات بعض المؤرخين السريان، فعرفت ب "الحيرة مدينة العرب"، "حيرتا دي طياية"، كما عرفت بأسماء بعض ملوكها مثل "النعمان"، فورد "حيرتو د نعمان دبيث بورسويي"، أي: "حيرة النعمان التي في بلاد الفرس".
ويلاحظ إن تعبير "حيرة النعمان" "حيرتا دي نعمان"، تعبير شائع معروف في العربية كذلك. ولا بد أن يكون لاشتهار "الحيرة" باسم "النعمان" سبب حمل الناس على نسبة هذه المدينة إليه.
ويرى بعض، علماء التلمود أن مدينة "حواطره" "حوطرا" التي ورد في التلمود أن بانيها هو "برعدى" "بن عدى"، هي الحيرة. وقد حدث تحريف في الاسم، بدليل أن التلمود يذكر أنها لا تبعد كثيراً عن "نهر دعه" "Nehardea"، وأن مؤسسها هو "برعدى"، ويقصد به "عمرو بن عدي".
ويظن أن موضع "حرتت دار جيز" "حارتا دار جيز" "حرته دار جيز"، الوارد في التلمود، هو "الحميرة".
وقد ورد أن "ارجيز" وهو ساحر، هو الذي بنى تلك المدينة. ويرى بعض الباحثين احتمال وجود صلة بين هذا الساحر وبين قصة "سِنِّمار" باني "الخورنق". وعرفت في التلمود ب "حيرتا دي طيبه" أيضاً، أي "معسكر العرب" و "حيرة العرب".
وقد ذكر اسم الحيرة في تأريخ "يوحنا الأفسوسي" "John of Ephesus" من مؤرخي القرن السادس الميلاد "توفي سنة 585 م"، فقال: "حيرتود نعمان دبيت بور سوبي"، أي: "حيرة النعمان التي في بلاد الفرس"، كما ذكرها "يشوع العمودي" "Josua Stylites". وورد اسمها في المجمع الكنسي الذي انعقد في عام "410 م"، وكان عليها إذ ذاك اسقف اسمه "هوشع" "Hosha" اشترك فيه ووقع على القرارات باسم "هوشع" اسقف "حيرته" "حيرتا".
وقد أشرت في أثناء حديثي عن مملكة "تدمر" إلى ورود اسم مدينتين هما "حيرتا" "الحيرة" و "عاناتا" "عانة" في كتابة يرجع تأريخها الى شهر أيلول من سنة "132" للميلاد. وقلت باحتمال أن تكون "حيرتا" هذه هي الحيرة التي نبحث فيها الآن. فإذا كان ذلك صحيحاً، كانت هذه الكتابة أقدم كتابة وصلت الينا حتى الآن ورد فيها هذا الاسم.
ومدينة "Eertha" التي أشار اليها "كلوكس" "Glaucus" و "اصطيفان البيزنطي" "Stephen of Byzantium"، وذكر أنها مدينة "فرثية" "Parthian" تقع على الفرات، هي هذه الحيرة على ما يظن.
وورد في بعض مؤلفات السريان مع "الحيرة" اسم موضع آخر قريب منها هي "عاقولا"، وقد ذهب "ابن العبري" إلى أنه "الكوفة"، وأشار "ياقوت" إلى "عاقولاء" غير أنه لم يحدد موقع هذا المكان.
وقد اشتهرت الحيرة في الأدب العربي بحسن هوائها وطيبه، حتى قبل "يوم وليلة بالحيرة خير من دواء سنة ". وقيل عنها انها "منزل برئ مرئ صحيح من الأدواء والأسقام"، وهي على "سيف البادية" ليست بعيدة عن الماء، وقد ورد ذكرها كثيراً في شعر الشعراء الجاهليين والاسلاميين، وهي لا تبعد كثيراً عن "النجف" و "الكوفة".
ذكر "حمزة الأصفهاني" انه بسبب حسن هواء الحيرة وصحته لم يمت بالحيرة من الملوك أحد، الا قابوس بن المنذر. أما بقية الملوك، فقد ماتوا في غزواتهم ومتصيّدهم وتغرّبهم، وانه بسبب ذلك قالت العرب: "لبَيِتَةُ ليلة بالحيرة أنفعُ من تناول شربة".
وقد نعتت في المؤلفات الاسلامية بنعوت منها: "الحيرة الروحاء"، و "الحيرة البيضاء"، أخذوا ذلك من شعر الشعراء. وزعم بعض أهل الأخبار: إن وصفهم اياها بالبياض، فإنما أرادوا أحسن العمارة.
ويظهر من وصف أهل الأخبار للحيرة أنها لم تكن بعيدة عن الماء وأن نهراً كان يصل بينها وبين الفرات. بل يظهر إن هذا النهر كان متشعباً فيها، بحيث كوّن جملة انهار فيها. اما نواحيها، فكانت قد بنيت على بحر النجف وعلى شاطئ الفرات، وربما كانت مزارع الحيرة واملاك أثريائها قائمة على البحر وشاطئ النهر ومن أنهار الحيرة نهر كافر. ويرى بعض أهل الأخبار إنه هو نهر الحيرة.
وقد أدى ميلاد الكوفة في الإسلام الى أفول نجم الحيرة، اذ انتقل الناس من المدينة القديمة الى المدينة الاسلامية الجديدة، واستعملوا حجارة الحيرة وقصورها في بناء الكوفة، وهذا مما ساعد على اندثار تأريخ تلك المدينة الجاهلية ولا شك. غير انها ظلت أمداً طويلا تقاوم في الإسلام الهرم إلى أن جاء أجلها فدخلت في عداد المدن المندثرة.
وقد عرف ملوك الحيرة عند أهل الأخبار ب "آل لخم" وب "آل نصر".
كما عرفوا ب "النعامنة" وب "المناذرة"، وذلك لشيوع اسم النعمان واسم المنذر فيما بينهم. وعرفوا أيضاً ب "آل محرق"، وفيهم يقول الشاعر الأسود بن يعفر: ماذا أؤمل بـعـد آل مـحـرق تركوا منازلـهـم وبـعـد إياد
أرض الخورنق والسدير وبارق والقصر ذي الشرفات من سنداد
وفي طليعة أهل الأخبار الذين عنوا بجمع أخبار الحيرة الأخباري الشهير، بل رأس أهل الأخبار في أمور الجاهلية:
هشام بن الكلبي". فله كتاب في "الحيرة" سماه "ابن النديم" "كتاب الحيرة وتسمية البيع والديارات ونسب العبادييّن"، وكتاب ثان سماه "ابن النديم" "كتاب المنذر ملك العرب"، وكتاب ثالث اسمه "كتاب عديَ بن زيد العبادي". وهي مؤلفات لم تصل الينا - وبا للأسف ! - نرجو أن تكون فيَ عالم الوجود، ليتمكن من يأتي بعدنا من الظفر بشيء جديد فيها، قد يفيد عشاق تأريخ الحيرة ويزيد في معارفهم.
وقد زارها نفر من السياح وكتبوا عنها، كما نبشت بعض البعثات الآثارية آثارها، وعالجت مديرية الآثار القديمة في العراق بعض نواحٍ من تأريخها، وقد توصل الحفّارون إلى العثور على نقوش من الجبس مما تُكسى به الجدر للزينة، وعلى جرار متعددة وآثار من هذا القبيل صغيرة بعضها من العهد الجاهلي وبعضها من العهد الاسلامي. غير انهم لم يعثروا حتى الان على كتابات جاهلية تتحدث عن تأريخ تلك المدينة القديمة السيئة الحظ.
وتأريخ هذه المدينة قبل الميلاد غامض لا نكاد نعرف من أمره شيئاً، فلم يرد خبرها في نص تأريخي مدوّن أو كتابة مدوّنة قبل الميلاد. وأقدم ذكر لها هو ما أشرت اليه، غير إن ذلك لا يتخذ دليلاً على انها لم تكن مولودة قبل هذا العهد، اذ يجوز انها كانت قبل هذا العهد قرية صغيرة، أو مدينة تسمى باسم غير هذا الاسم. ولعل المستقبل سيكشف عن تأريخها القديم بالسماح لبطن الأرض بإخراج ما في جوفها من أسرار عن ذلك التأريخ.
أما الأخباريون، فيرجعون عهدها إلى أيام "بختنصر". هم يقولون: إن "برخبا" لما قدم من "نجران" وأخبر "بختنصر" بما أوحى الله إليه، وقص عليه ما أمره به من غزو العرب الذين لا أغلاق لبيوتهم ولا أبواب، وان يطأ بلادهم بالجنود فيقتل مقاتلتهم ويستبيح أموالهم، وأعلمه كفرهم به، واتخاذهم آلهة دون الله، وتكذيبهم الرسل والأنبياء، وثب "بختنصر" على من كان في بلاده من تجار العرب، وكانوا يقدمون عليه بالتجارات والبياعات، ويمتارون من عندهم الحب والتمر والثياب وغيرها، فجمع من ظفر به منهم، فبنى لهم حيراً على النجف وحصّنه ثم ضمهم فيه،
فاستشار "بختنصر" فيهم "برخيا"، فقال: إن خروجهم اليك من بلادهم قبل نهوضك اليهم رجوع منهم عمّا كانوا عليه، فأقبل منهم، فأحسن اليهم، فأنزلهم "بختنصر" السواد على شاطئ الفرات، فابتنوا موضع عسكرهم بعد، جزاني، لا جزاه الله خيراً سليمة، أنه شراً جزاني
اعلمه الرمـاية كـل يوم فلما اشتد ساعده رماني
فلما قال هذين البيتين فاظَ أي مات، وهرب سليمة. هرب إلى عمان.
وحكم بعد "مالك بن فهم" أخوه "عمرو بن فهم" على رواية، و"جذيمة الأبرش" المعروف بجذيمة الوضاح أيضاً على رواية أخرى. ولا نعرف من أمر "عمرو" هذا شيئاً يستحق الذكر.
وتزعم رواية أن الذي حكم بعد "مالك بن فهنم" هو "جذيمة الأبرش"، وقد جعلته ابناً لمالك، وجعلت نسبه على هذه الصورة: "جذيمة بن مالك بن فهم ابن غانم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن الغوث". وقالت: إن والده "مالك" هو أول من ملك الضاحية في حكم ملوك الطوائف.
أما حظ جذيمة الأبرش، فهو خير من حظ الرجلين السابقين عندالأخباريين، فله في رواياتهم شعر وحديث. وقد تحدثوا عنه، ونسبوا إليه الغزوات، وجاد عليه بعض الرواة فرفعوا زمانه وجعلوه في العاربة الأولى. جعلوه من بني "وبار ابن أميم بن لوذ بن سام بن نوح"، وصيرّوه "من أفضل ملوك العرب رأياً، وأبعدهم مغارأَ، وأشدهم نكاية، وأظهرهم حزماً. وأول من استجمع له الملك بأرض العراق، وضم إليه العرب، وغزا بالجيوش"، وذكر "المسعودي" انه أول من ملك الحيرة.
وقد وصفوه أيضاً، فقالوا: إنه "كان به برص، فكنَتّ العرب عنه، وهابت العرب أن تسميه به، وتنسبه إليه، إعظاماً له. فقيل: جذيمة الوضاح وجذيمة الأبرش". -وذكر "المسعودي" أن جذيمة هو صاحب النديمين اللذين يضرب بهما المثل، واستشهد على ذلك بشعر ل "متمم بن نويرة اليربوعي" في مرثيته لأخيه مالك بن نويرة: وكناّ كندمانَيْ جـذيمة حـقـبة من الدهر حتى قبل لن يتصدعا
وقد ذُكر ان النديمين المذكورين هما: مالك وعقيل، وهما ابنا "فرج بن مالك" من "بلقين"، وكانا قد قدما من الشام، يريدان جذيمة، فوجدا فتىً قد تلبد شعره، وطالت أظافره، وساءت حاله، أسرع نحوهما يرجو الطعام والرعاية، فلما سألاه عن حاله،
وتبين لهما انه "عمرو بن عدي"، سرّا به كثيراً، وعُنيا به، وأخذاه معهما إلى "جذيمة"، فلما رآه، فرح به فرحاً كبيراً، لعودته إليه، ونظر إليه، ثم أعاد عليه الطوق، وكان جذيمة قد صنعه له قبلاً، ثم قال: "كبر عمرو عن الطوق، وكان الجن قد استطارته، أي خطفته. وقال جذيمة. لمالك وعقيل: ما حكمكما، أي ما طلبكما ! قالا حكمنا منادمتك. فأصبحا يضرب بهما المثل.
وذكر "المسعودي" إن كنية "جذيمة" التي عرف بها هي "أبو مالك"، وروى في ذلك شعراً، زعم ان قائله هو سويد بن كاهل اليشكري: إن أذق حتفي، فقبلي ذاقـه طسم وعاد وجديس ذو السبع
وأبو مالـك الـقَـيْل الـذي قتلته بنت عمرو بالـخـدع
وذكر الأخباريون إن جذيمة غزا طسماً وجديساً،غزاهم في منازلهم من "جوّ" وما حولهم. فأصاب "حسان بن تبع أسعد أبي كرب"، وقد اغار على طسم وجديس باليمامة، فانكفأ جذيمة راجعاٌ بمن معه، وأتت خيول تبع على سرية لجذيمة، فاجتاحتها وبلغ جذيمة خبرهم،
فقال في ذلك شعراً دوّن منه الطبري احد عشر بيتاً. وقد أراد ابن "الكلبي" إن يكون حذراً في هذه المرة، أو إن يظهر نفسه في مظهر الحذر الناقد، فقال: "ثلاثة ابيات منها حق، والبقية باطل". وجميل صدور هذا الحذر من الطبري، أو من ابن الكلبي، وقد عوّدانا سرد ابيات من الشعر العربي، نسباها إلى من هو اقدم عهداً من جذيمة ولم يذكرا انه باطل، أو إن فيه حقاً وباطلا.
وفي جملة ما تحدث به الأخباريون عن جذيمة انه تكهن وتنبأ، وانه اتخذ صنمين يقال لهما الضيزنان، وضعهما بالحيرة في مكان معروف، وكان يستسقي بهما ويستنصر بهما. فلم يقنع الأخباريون بالحديث عن ملك جذيمة وحده، فأضافوا اليه التنبؤ والكهانة وعبادة الأصنام.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "جذيمة بن مالك بن فهم" وهو جذيمة الأبرش كان ينزل الأنبار ويأتي الحيرة ثم يرجع. وكان لا ينادم احداً ذهاباً بنفسه،
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:03 AM
و ينادم الفرقدين. فإذا شرب قدحاً، صب لهذا قدحاً ولهذا قدحاً، وهو أول من عمل المنجنيق، وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع. بقي على ذلك حتى نادمه مالك وعقيل، إلى غير ذلك من أقوال وروايات عنه. وهي تدل على انه كان قد ترك أثراً في المجتمع في ايامه غير أثر الملك، مما حدا بالقوم أن يضعوا هذه الأقوال فيه.
واشتهر "جذيمة" عند أهل الأخبار بفرس له، ذكر انها كانت من سوابق خيل العرب، اسمها "العصا". وفيها ورد في المثل: "إن العصا من العصية". وقد نجا "قصير بن سعد اللخمي" على فرسه هذه، فأخذ بثأره وقتل "الزباء" على زعم أهل الأخبار.
وهم يروون أن جذيمة كان يغازي إياداً النازلين ب "عين أباغ"، فذكر له اسم غلام من لخم في أخواله من إياد، هو عديّ بن نصر، له جمال وظرف، فغزاهم. فبعثت إياد قوماً سقوا سدنة الصنمين الخمر، وسرقوا الصنمين،فأصبحا في إياد. فبعثت إليه تفاوضه على ارجاع الصنمين إليه على أن يكف عن غزوهم، ولكنه اشترط عليهم اعطاءه عدي بن نصر مع الصنمين، فوافقوا على ذلك. فانصرف عنهم وضم عدياً إليه، وولاه شرابه.
ويدعون انه تزوج اخته "رقاش" التي أحبته فيما بعد، في قصه يروونها، ومن هذا الزواج المزعوم كان "عمرو ابن عدي" ابن أخت جذيمة الذي خلف خاله على الملك.
وفي رواية من روايات الأخباريين إن جذيمة زوّج اخته من ابن عمه: "عدي ابن ربيعة بن نصر"، فولدت له "عمرو بن عدي" الذي استطار به الجن.
وفي جملة ما نسبه أهل الأخبار إلى جذيمة من حروب حربه مع "عمرو بن الظرب بن حساّن بن أذينة بن السميدع بن هوبر العملقي" "العمليقي" من عاملة العماليق. وعمرو هذا هو أبو الزباء عند الأخباريين. ويذكر هؤلاء أن الطرفين استعدا للقتال استعداداً كبيراً،فجمعا كل ما امكنهما جمعه. ولما اصطدما، قُتل عمرو، فانهزم أصحابه، وعاد جذيمة بعد هذا النصر إلى قواعده سالماً. ولم يشر الطبري إلى اسم الموضع الذي وقع فيه هذا القتال. وملك من بعد "عمرو" ابنته الزبّاء.
أما ملك جذيمة، فكان على حد قول الأخباريين ما بين الحيرة والأنبار وبقةّ وهيت وناحيتهما وعين التمر وأطراف البر إلى الغير والقطقطانة وخفية وما والاها ورقة وسائر القرى المجاورة لبادية العرب. ويفهم من بعض الروايات أيضاً انه ملك معدّاً وبعض اليمن. وكانت داره بالموضع المعروف ب "المضيق" بالمصيرة بين الخندقة وقرقيسيا.
اما الأنبار، فقد تحدثت عنها. وهي -على ما يظهر من روايات الأخباريين- من المواضع التي كان يخضع اعرابها في الغالب لحكم اللخميين. واما بقة، فتقع على الفرات بين هيت والأنبار. وأما هيت، فهي من المواضع القديمة المعروفة قبل الميلاد، وقد ورد اسمها في نص "توكلني أنورتا الثاني" "Tukulti Enurta II" الذي يعود عهده إلى حوالى سنة 885 قبل الميلاد. وقد عرفت ب "ايد" "Id"" و "ايت" "It"، 2. وهي "ايس" "اس" "Is" و "ايس بوليس" "اسبولسي" "Ispolis" "Ispoolis" و "ايديكاره" "Idikara" و "دياكيرة" "Diakira"" في مؤلفات الكلاسيكيين. و "ايهي" "Iha" و "ايهيداكيرة" "Ihidakira" في مؤلفات عصر التلمود.
وفي بقة استشار جذيمة قصيراً على حد قول الأخباريين في أمر زيارته للزباء. وتقع بقة على مقرية من الحيرة. وقيل هي حصن كان على فرسخين من هيت على رواية ياقوت. وقد جعلها "اليعقوبي" على شط الفرات بالقرب من الأنبار وفي ملك الزباء. وهي على الفرات بين الأنبار وهيت، في رواية أكثر الأخباريين.
وأما القطقطانة، فموضع في البرية لا يبعد كثيراً عن الكوفة، وهو بالطف. وأما خفية، فهي أجمة في سواد الكوفة، بينها وبين الرحبة، ينسب اليها الأسود المعروفة بأسود خفية، وهي غربي الرحبة،ومنها إلى عين الرهيمة مغرباً. وقيل أيضاً عين خفية.
وقد اشتهرت "جمن التمر" القريبة من "شفاثا" بالقصب والتمر، وهي على طرف البادية. فتحها المسلمون على يد "خالد بن الوليد" في سنة 12 للهجرة في ايام أبي بكر.
وقد طال عمر جذيمة على حد قول "حمزة الأصبهاني" إلى إن لحق ملك "سابور بن أشلك الأشغاني" "شابور بن أشك"، وحكم على حد قوله أيضاً ستين سنة. إما نهايته، فكانت على يد الزباء في قصة مشهورة معلومة، رصّعها الإخباريون بشعر وأمثلة، تحدثت عنها في أثناء كلامي على الزباء. وجعل بعضهم مدة حكمه مئة وثماني عشرة سنة، اذ ملك في زمن ملوك الطوائف خمساً وتسعين سنة، وفي ملك أردشير بن بابك وسابور الجنود ثلاثة وعشرين سنة. وملك يحكم هذه المدة لا بد أن تكون مدة حياته أطول من مدة حكمه.
وذكر "أبو حنيفة الدينوري" إن جذيمة لم يزل ملكاً مقيماً بالخورنق، حتى دعته نفسه إلى تزويج "مارية" ابنة الزباء الغسانية. وكانت ملكة الجزيرة، ملكت بعد عمها الضيزن الذي قتله "سابور"، فقتلت جذيمة، ثم قتلها قصير مولاه. فجعل الملكة القاتلة بنتاً من بنات الزباء عينها، فدعاها مارية، وبذلك أنقذ الزباء من تهمة القتل التي ألصقها الأخباريون بهذه الملكة، وجعلها ملكة على الجزيرة،
وجعل نسبها في غسّان، وغسان معادون منافسون لآل لخم، ثم أبى إلاّ أن يجعل لجذيمة قصراً منيفاً، فوقع اختياره على الخورنق، وهو قصر لائق أن يكون قصر ملك، وخالف في ذلك رأي الأخباريين الذين ينسبون هذا القصر إلى ملك آخر هو النعمان.
وقد جاء اسم "جذيمة" "جديمت" في نص نبطي ويوناني عثر عليه في "أم الجمال"، جاء فيه: "هذا موضع أي قبر فهر بن شلي "سلي" مربي جديمت ملك تنوح". ولهذا النص على قصره أهمية بالغة، لأنه يشير إلى الصلة التي كانت بين الأسرة الحاكمة في الحيرة وعرب الشام. ومن الصعب بالطبع استنتاج كيفية وفاة مربي الملك في هذا الموضع: أكان زائراً هذه الديار فأدركه أجله فقبر هناك ! أم جاء مع سيده في حرب فتوفي في ذلك المكان ! مهما يكن من شيء، فقد أفادنا الحجر فائدة كبيرة بتدوينه اسم صاحب القبر، واسم جذيمة ملك "تنوح" تنوخ.
ويلاحظ أن النص دون اسم "جذيمة" محرف "الدال" وكتب اسم "تنوخ" محرف الحاء "تنوح" بدلاً من الخاء. وينهون هذا النص من أقدم النصوص التي ورد فيها اسم "تنوخ". ويرجع عهده إلى حوالي السنة "270" بعد الميلاد. وجعل "ابن دريد" لجذيمة نسلا، سماهم "بني جهنم"، وجعل لفظة "جهضيم" من "التجهضم"، ومعناها التكبير.
وذكر "حمزة الأصفهاني" أنه لم يلد لجذيمة غير "زينب بنت جذيمة"، وهي أم مرتع. واسمه "عمرو بن معاوية بن كندة"، فغزا في آخر في عمره الشام، فقتل "عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة" ملك العمالقة والد الزباء، فانطوت له الزبّاء على طلب الثأر حى قتلته.
وانتقل الملك بعد وفاة جذيمة إلى ابن أخته "عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة ببن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم. أما أمه، فهي أخت جذيمة، وهي: "رقاش بنت مالك بن فهم بن غنم بن عدثان" على رواية من ينسب مالك بن فهم إلى عدثان.
ويلاحظ أن "الطبري" لم يكن مستقراً في موضوع اسم "عدي" والد عمرو،إذ بجعله "نصراً" في موضع، فيقول "عدي بن نصر بن ربيعة"، ويجعله "ربيعة" في موضع آخر، فيقول:"عدي بن ربيعة بن نصر". ويظهر إن ذلك انما وقع له بسبب أخذه من روايات مختلفة، وعدم تدقيقه ونقده لتلك الروايات.
ويفهم من رواية يرجع "الطبري" سندها إلى "ابن حميد" عن "سلمة" عن "ابن اسحاق" إن زمان حكم "ربيعة بن نصر اللخمي" كان بين ملك "تبان أسعد ابو كرب" "وملك ابنه "حسان بن تبان أسعد". والرواية مضطربة مشوشة، يفهم منها إن "ربيعة بن نصر" كان نفسه قد حكم اليمن في الفترة الواقعة بين "تبان أسعد" وبين حكم ابنه "حسان"، وان "حسان" هذا لم يتمكن من الحكم. الا.بعد هلاك "ربيعة بن نصر". ويزيدها اضطراباً وتشويشاً ذكر "الطبري" رواية الرؤيا التي رآها "ربيعة بن نصر" وعرضها على "سطيح" و "شق" لتفسيرها له، وما كان من جوابهما له في تفسيرها، حيث "وقع في نفسه إن الذي قالا له كائن من امر الحبشة، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ربيعة بن نصر، كان النعمان ين المنذر ملك الحيرة". فيتبين منها إن "ربيعة بن نصر" كان مقيماً باليمن، وقد أقام بها حياته، وان بنيه هم الذين ذهبوا إلى العراق.
ولكنها لم تشرح كيف وجد "ربيعة" في اليمن وكيف حكمها وهو من لخم ? وهي رواية شاذة، دسها بعض المتعصبين لليمن - على ما يظهر - على "ابن اسحاق"، فدوّنها في أخباره. وقد دست أخبار وأشعار على ابن اسحاق، فرواها وصدّق بها من غير نقد ولا تحقيق. وللعلماء رأي فيه.
ويزعم بعض أهل الأخبار إن "سطيحاً" و "شقا" أخبرا "ربيعة بن نصر" في تأويلهما لرؤيا بما يكون من غلبة الحبش على أرض اليمن، وبغلبة الفرس بعدهم. فلما سمع بذلك، اوجس في نفسه خيفة، فأحب إن يخرج ولده وخاصة اهله من ارض اليمن، فوجه ابنه عمراً إلى يزدجرد بن سابور، أو إلى سابور ذي الأكتاف، فأنزله الحيرة، فيومئذ بنيت، فضم عمرو إليه اخوته وأهل بيته، فمن هناك وقع آل لخم إلى الحيرة، واتصلوا بالأكاسرة فجعلوا لهم على العرب سلطاناً، فلما مات خلفه من بعده ابنه "جذيمة بن عمرو".
وزعم "الدينوري" إن وفاة ربيعة بن نصر كانت في أيام "قباذ بن فيروز" وانه بوفاته رجع الملك إلى حمير، فملك ذو نواس بعده، وهو ذو نواس صاحب تعذيب نصارى نجران نفسه. فأرجع ايام ربيعة إلى قباذ "قباد"، وهو قول يخالف ما يرويه الأخباريون. وجعل ذا نواس المالك من بعده، وقد عاش ذو نواس بعد قباذ أمداً، فخالف في ذلك التأريخ وأقوال الأخباريين.
ووصف "الطبري" عمرو بن عدي، فقال عنه: "هو أول من اتخذ الحيرة منزلاً من ملوك العرب، وأول من مجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق، واليه ينسبون، وهم ملوك آل نصر، فلم يزل عمرو بن عدي ملكاً حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة، منفرداً بملكه، مستبداً بامره، يغزو المغازي ويصيب الغنائم، وتفد عليه الوفود دهره الأطول، لا يدين لملوك الطوائف بالعراق، ولا يدينون له، حتى قسم اردشير بن بابك في أهل فارس". وذكر الطبري أن الحيرة. خربت بعد هلاك بختنصر، لتحول الناس عنها إلى الأنبار، وبقيت خراباً إلى أن عمرت في زمن عمرو بن عدي، باتخاذه إيّاها منزلاً.
وَثمَّ رواية تنسب نصراً إلى الساطرون ملك الحضر، وتجعل آل نصر من الجرامقة، من "رستاق باجرمي"، ورواية أخرى تجعل ملوك الحيرة من "أشلاء قنص بن معد". فقد ذكر أن "عمر بن الخطاب" لما أتى بسيف النعمان بن المنذر، دعا جبير بن مطعم فسلمه إياه، ثم قال:يا جبير، ممن كان النعمان ? قال: من اشلاء قنص بن معد. وهو من ولد عجم بن قنص، إلا إن الناس لم يدروا ما عجم، فجعلوا مكانه لخماً، فقالوا هو من لخم ونسبوا إليه. وكان جبير من أنسب العرب. والذي عليه اكثر أهل الأخبار إن "آل نصر" هم من اليمن، كانوا قد تركوا اليمن وهاجروا حتى استقروا بالعراق، ونزلوا الحيرة، وأسسوا ملكهم بها.
ويذكر الأخباريون إن عمراً انتقم من الزباء لقتلها جذيمة، ورووا في ذلك رواياتهم المرصعة بالشعر والأمثال. وهي روايات لا تستند إلى اسس تاريخية، اذا قصدوا، بذلك الزباء ملكة تدمر التي عرفنا تأريخها ونهايتها في مكان آخر من هذا الكتاب.
وجعل " "الدينوري" مدة حكم "عمرو بن عدي" نيفاً وستين سنة.
وتولى الملك بعد وفاة عمرو ابن امرؤ القيس. ويقال له امرؤ القيس البدء وامرؤ القيس الأول. أما امه،فهي ماوية بنت عمرو اخت كعب بن عمرو الأزدي على رواية حمزة. وقد عاصر جملة من ملوك الفرس، هم: سابور ابن أردشير "شابور بن أردشير"، وهرمز بن سابور، وبهرام بن هرمز، وبهرام بن بهرام، وبهرام بن بهرام بن بهرام، ونرسى بن بهرام بن بهرام، وهرمز بن نرسى، وسابور ذو الاكتاف على رواية تجدها مدونة في تأريخ حمزة. وجعل مدة ملكه مئة واربع عشرة سنة، وهي مدة تتفق مع ما ذكره الطبري حكاية على لسان ابن الكلبي.
غير اننا اذا ما وازنا بن ما ذكره الطبري حكاية على لسان ابن الكلبى في عدد ملوك الفرس الذين حكم "امرؤ القيس" في ايامهم، وفي مدة حكمه في عهد كل ملك. من هؤلاء الملوك. وبين ما ذكره حمزة نجد اختلافاً في العدد واختلافاً في المدة، مما يدل على إن حمزة نقل من مورد آخر يختلف عن مورد الطبري.
وإذا كانت مدة حكم امرؤ القيس على نحو ما ذكره ابن الكلبي وغير ابن الكلبي من رواة، فكم تكون مدة حياة هذا الملك ? إنهم لم يعينوا هذه المدة، ولكنها مدة تزيد بالطبع على هذه السنين في نظر أصحاب تلك الروايات، ولمَ لا تطول ? وقد ساروا على خطة اطالة أعمار الملوك الأولين، فملك يتجاوز حكمه مئة عام بسنين أمر لا بأس به في نظر هؤلاء الرواة.
غير اننا نلاحظ انهم بخلوا على الملوك المتأخرين، فلم يمنحوهم هذه النعمة، نعمة إطالة مدة الحكم أو مدة العمر، فجعلوا لهم مدداً مقبولة في الغالب معقولة. ولو عاش "هؤلاء المتأخرون في زمن بعيد عن اولئك الرواة، بعيد عن ايام تدوين اخبار ملوك الحيرة، لما حرمهم الإخباريون كرمهم هذا، ولأعطوهم ولا شك ما اعطوه من سبقهم من الملوك جملاً من السنين.
وقد نعت امرؤ القيس في بعض الروايات ب "المحرق"، ونعت ايضاً ب "محرق الحرب".
ونصادف كلمة المحرق ومحرق وآل محرق في مواضع من التواريخ المتعلقة بالحيرة. وقد اطقها بعض الأخباريين على الغساسنة ايضاً. وهم يرون انها لقب ألحق بأولئك الملوك، لأنهم عاقبوا اعدائهم في اثناء غزوهم لهم بحرق أماكنهم بالنار. ويرى "روتشتاين" انه تفسير لظاهر الكلمة، وهو تفسير مغلوط. والصحيح في نظره انها اسم علم لأشخاص عرفوا بمحرق، ولذلك قيل "آل محرق" لا "آل المحرق".
وفي أصنام الجاهليين صنم يدعى محرق والمحرق، تعبدت له بعض القبائل مثل بكر بن وائل وربيعة في موضع "سلمان". وقد ورد بين أسماء الجاهليين اسم له علاقة بهذا الصنم، هو عبد محرق، أفلا يجوز أن يكون للمحرق إذن علاقة بهذا الصنم، كأن يكون قد اتخذ من باب التيمن والتبرك للملك الذي عرف بالمحرق أو أنه قدم قرباناً لهذا الإلهَ أحرقه على مذبحه بالنار، وكان يكثر من حرق القرابين للآلهة، وتلك عادة معروفة وقد وردت أيضاً عند العبرانيين، فقيل له لذلك المحرق ? والى هذا الاحتمال ذهب بعض المستشرقين.
ويظهر إن محرقاً كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة في الأساطير، وقد اقترن اسمه بالدروع. وورد "بردي محرق" كما اقترن اسمه ب "نسيج داوود"، مما يدل على أن هذا الاسم من الأسماء المعروفة قديماً في أساطير الجاهليين.
وقد ورد أيضاً صوت محرق وفرخ محرق، وذلك يدل على أن "محرقاً" في هذا الموضع حيوان قد تكون له علاقة أيضاً بأساطير الجاهليين.
ومما حكاه الأخباريون عن هذا الملك انه كان قد تنصر، وانه لذلك أول من تنصهر من آل نصر. وهو أمر يحتاج إلى دليل، كما ذكروا أن ملكه كان واسعاً وانه كان عاملاً للفرس "على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة".
ويظن بعض الباحثين إن امرأ القيس، هو امرؤ القيس الذي ورد اسمه مدوناً في نص "النمارة". فإذا كان هذا الظن صحيحاً، كان امرؤ القيس أول ملك من ملوك الحرة يصل خبره الينا مدوناً، وكذلك خبر تأريخ وفاته في سنة 328 للميلاد، المقابلة لسنة 223 من تقويم بصرى، التقويم المعمول به في تلك الجهات التي قبر فيها امرؤ القيس
ويظهر من نص النمارة إن امرأ القيس صاحب القبر، كان رجلاً محارباً، وقائداً كبيراً، أخضع قبيلتي أسد ونزار، وهزم مذحجاً، وأخضع معداً، ووزع بنيه في القبائل، وبلغت فتوحاته أسوار "نجران" مدينة "شمر". وهو بهذه الفتوحات قد تمكن من معظم أنحاء الجزيرة. وهذا النص يناقض، الروايات التي تنسب الفتوحات العظيمة إلى "شمر يهرعش" "شمر يرعش"، فتجعله فاتح العراق وما وراء العراق إلى الصين، وتعكس القضية عكساً تاماً. وروايات فتوحات "شمر"، هي روايات يمانية وضعها أناس متعصبون لليمن ولا شك.
وقد سبق لي أن بينت إن المستشرقين يرون إن "شمراً" المذكور في هذا النص أي صاحب "نجران"، هو "شمر يهرعش". "شمر يرعش". وقد ذكرته في باب "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". ومعنى هذا إن "نجران" كانت في ملكه يوم أغار "امرؤ القيس" عليها فوصل أسوارها، ويظهر انه لم يتمكن منها وانه فرض سلطانه على القبائل الساكنة في البادية، فاعترفت بسيادته عليها. ولهذا لقب في النص بلقب "ملك العرب كلهم الذي نال التاج"، وختمت الكتابة بجملة "فلم يبلغ ملك مبلغه"، وهي جملة تعبر عن اتساع ملكه وامتداده مسافات شاسعة
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:06 AM
ويظهر من ورود كلمة "التبع" أي التاج في هذا النص إن هذه الكلمة كانت معروفة عند العرب الشماليين في ذلك الحين، أي في القرن الرابع للميلاد، وانها وردت بالمعنى المفهوم منها في الزمن الحاضر، أي ما يوضع على الرأس تعبيراً عن الملك والحكم.
ويفهم من هذا النص أن "امرأ القيس" كان قد بسط سلطانه على كل العرب، أي الأعراب، فملكهم وملك خاصةً "بني نزار" و "أسد" وقبائل "معدّ"، وأنه نصب أولاده على القبائل ليضمن طاعتها وخضوعها له، وأن سلطانه بلغ بذلك حدود أرض اليمن. فامتد حكمه إذن من الحيرة وبلاد الشام إلى نجد والحجاز، حتى بلغ حدود مدينة "نجران". وقد كانت منازل "معد" في الحجاز وفي ضمن أرضها "مكة" وتمتد إلى "نجران".
ويظهر من دفن "امرىء القيس" في موضع "النمارة" من بلاد الشام أن "امرأ القيس" كان في بلاد الشام حينما نزل به أجله. ويرى بعض الباحثين أنه كان قد جاء إلى بلاد الشام، لأنه كان من حزب "بهرام" الثالث ومن مؤيديه، فلما وقع الخلاف بين الفرس على العرش وانتصر "نرسي" "293 - 302 م" "293 -303"، خرج امرؤ القيس من العراق، وقصد بلاد الشام، فأقام هناك. ومال إلى الروم فأيدوه وأقروه على عرب بلاد الشام، فيكون قد عمل للفرس وللروم معاً.
وكتابة "النمارة" هي شاهد قبر ملك عربي يدعى "امرأ القيس"، عثر عليها في موضع "النمارة" وهو في الحرة الشرقية من جبل الدروز، ويرجع تأريخها إلى اليوم السابع من شهر "كسلول" من سنة "223" من تقويم "بصرى" أي في اليوم السابع من شهر كانون الأول من سنة "328" بعد الميلاد. دوّنت على ضريح الملك، وهو بناء مربع، لتكون دليلاً للناس يعرفون منها اسم صاحب القبر. وتتألف من خمسة أسطر، هذا نصها: 1-تي نفس مر القيس ين عمرو ملك العرب كله ذو اسر التج.
2-وملك الاسدين ونزرو وملوكهم وهرب مدحجو عكدى وجا.
3-بزجى في حبج نجرن مدينة شمر وملك معدو ونزل بنيه.
4-الشعوب ووكلهن فرسو لروم فلم يبلغ ملك مبلغه.
5-عكدى. ترك سنة 223 يوم بكسلول بلسعد ذو ولده.
وإذا أردنا تقريب هذه الكتابة إلى أفهامنا وتدوينها بلهجتنا العربية، لهجة القرآن الكريم، كتبناها على هذا الشكل: ا - هذا قبر امرىء القيس بن عمرو ملك العرب كلهم الذي نال التاج.
2 - وملك الأسدين ونزاراً وملوكهم، وهزم مذحجاً بقوته وقاد.
3-الظفر إلى أسوار نجران، مدينة شمر. وملك معدّاً واستعمل أبناءه على 4 - القبائل. ووكلهم لدى الفرس والروم، فلم يبلغ ملك مبلغه 5-في القوة. هلك سنة 223 يوم 7 بكسلول. ليسعد الذي ولده.
وقد استعمل المستشرقون من عبارة "ذو أسر التاج" "الذي نال التاج" على أن صاحب هذا التاج هو من الملوك الذين كان لهم اتصال بالفرس، وان المقصود به ملك من ملوك الحيرة، لوجود صلة لهم بالانبراطورية الفارسية. ودعواهم في ذلك إن هذه الجملة، وكلمة "تج" "تاج" هما من الاصطل*********ت المستعملة عند الفرس وعند من خالطهم من الملوك، فلا بد أن يكون حاملها من الملوك المحالفين لهم. وكلمة "تاج" من الألفاظ المعربة عن الفارسية، من أصل "تاك". ولما كان هذا ملكاً عربياً، فهو اذن امرؤ القيس ملك الحيرة.
وكان من عمال"سابور بن أردشير" و"هرمز بن سابور" و"بهرام ابن سابور" "على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة" في تأريخ الطبري. وورد في تأريخ ابن خلدون نقلاً عن"السهيلي": إن"امرأ القيس" كان عاملاً للفرس على مذحج وربيعة ومضر وسائر بادية العراق والجزيرة والحجاز. ويظهر إن المورد الذي نقل منه"السهيلي"و"الطبري" يرجع إلى منبع واحد، هو"ابن الكلبي". وما رواه"ابن الكلبي يتفق بوجه عام مع ما جاء في نص"النمارة" من أمر ملك و فتوح"امرئ القيس".
و "شمر" صاحب مدينة "نجران"، هو "شمر يهرعش" في رأي أكثر المستشرقين، وينطبق زمانه على زمان "امرئ القيس، واذا صح هذا الرأي نكون قد حصلنا على أول نص عربي جاهلي يشير إلى حرب نشبت بين مملكة الحيرة ومملكة "سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت" في عهد أول ملك من ملوكها وهو "شمر يهرعش" المعروف ب "شمر يرعش" عند الاسلاميين.
وفي روايات الأخباريين ما يؤيد نشوب حرب بين عرب الحيرة وعرب اليمن في ايام "شمريرعش"، غير انها تناقض هذا المدون في النص عن تغلب "امرئ القيس" على نجران مدينة"شمر". ف "شمر" عندها بطل من الأبطال، فتح الفتوح العظيمة، وبلغ ملكه حداً لم يصل إليه ملك" اسكندر ذي القرنين". وعندهم أيضاً انه هو باني مدينة "سمرقند"، وهو الذي حيّر "الحيرة". وهو تبع الأكبر وهو وهو، على حين هو - في هذا النص - ملك مغلوب، لم يتمكن من الوقوف أمام "امرئ القيس" الذي بلغت جيوشه مدينة "نجران". فهل تجد تناقضاً أغرب من هذا التناقض ? على اننا لو فرضنا إن"شمراً" صاحب نجران هو رجل آخر غير "شمر يرعش"، فهذا النص، يهدم بنيان الأخباريين اليمانيين القائم على أساس المبالغة في المفاخرات والمباهاة بالأجداد نكاية بالعدنانيين الذين تعالوا عليهم في الإسلام بفضل النبي وشرف الإسلام، فأحفظهم ذلك جداً.
وقد سبق أن تحدثت عن عثور العلماء منذ عهد غير بعيد على نص اشار الى غزو غزاه قائد من قوّ اد "شمس" على "ملك أسد" وأرض "تنوخ" التي تخص الفرس، وذكرت إن "شمر" المذكور هو "شمر يهرعش" في رأي الباحثين، وقد تحدثت عنه حديثاً فيه الكفاية في موضعه، وفي أثناء كلامي على "شمر يهرعش"، فلا حاجة بي هنا لإعادة للكلام عليه.
ويرى بعض الباحثين أن "المشتى" الأثر الشهير المعروف الذي نقلت أحجار جدرانه المزخرفة إلى متحف "قيصر فريدرش ويلهم" ببرلين، ولا تزال آثاره باقية، هو من بناء "امرئ القيس". وقد استدلوا على ذلك بطراز بنائه الذي يشبه الطراز "الحيري" على رأيهم، وذهبوا إلى أنه أقامه في هذا المكان بعد فراره من أرض الحيرة ومن الساسانيين سنة "293 م"، ليكون قصر له وحصناً يدافع به عن ملكه الجديد.
ويذكر الطبري إن وفاة "امرئ القيس" كانت في عهد "سابور"، أي سابور ذي الاكتاف "0 1 3 - 379 م"، وأنه كان عامل "سابور" على ضاحية مضر وربيعة، وان سابور استعمل ابنه عمرو. بن امرئ القيس في مكان والد ه.
وحكم بعد امرئ القيس البدء ابنه عمرو. وامه هند بنتَ كعب بن عمرو على رواية، و "مارية البرية" أخت "ثعلبة بن عمرو" من ملوك الغساسنة في رواية أخرى. وكان يعاصر من ملوك الفرس سابور ذا الأكتاف "0 1 3-379 م" وأخاه "أردشير بن هرمز بن نرسي "379 - 383 م" وسابور بن سابور "سابور الثالث" "383 - 388 م". وقد نعته بعض الأخباريين بموقد الحرب "مسعر حرب". وذكروا انه حكم خمساً وعشرين سنة. ونعت الأخباريين له هذا النعت، يدل على انه كان محارباً،ولكنهم لم يذكروا شيئاً من تلك الحروب.
وقد ذهب بعض الأخباريين إلى إن مارية التي ضرب المثل بقرطيها فقيل قرطا مارية، هي مارية هذه ام عمرو.
وقد وضع اليعقوبي بعد امرئ القيس شقيقه الحارث ين عمرو بن عدي ملكاً وجعل مدة ملكه سبعا وثمانين سنة. ثم وضع عمراً ابن امرئ القيس ملكاً من بعده. وحكم هذا على زعمه مدة أربعين عاماً.
ولا نعرف من أعمال عمرو هذا شيئاً. وللاخباريين في مدة حكمه أقوال عدة تتراوح عندهم من 25 سنة الى 65 سنة. وقد ذكر الطبري إن عمراً "بقي في عمله بقية ملك سابور وجميع أيام أردشير بن هرمز بن نرسي، وبعض أيام سابور بن سابور"، ثم قال إن جمع مدة ملكه فيما ذكره ابن الكلبي ثلاثين سنة. واذا أخذنا برواية الطبري المذكورة، تكون مدة حكمه حوالي الستين سنة، ومعنى هذا إن عمراً كان قد عمر اكثر من ستين سنة،وانه توفي بعد وفاة سابور ذي الأكتاف وبعد سنة "383 م"، لأن حكم "سابور بن سابور" المعروف عند المؤرخين ب "سابور" الثالث كان في حوالي السنة "383 م". فقد تولى سابور هذا الحكم فيما بين "383" حتى سنة "387" أو "388 م". واذا أخذنا برواية من يقول انه حكم "25" سنة، أو "30"، وجب أن تكون وفاته في ايام "سابور ذي الأكتاف".
وقد جعل الطبري في موضع آخر من تاريخه وفاة "عمرو" في عهد "سابور ابن سابور"، أي "سابور" الثالث. وبذلك يكون قد أطال مدة حكمه وعمر ه.
ويذكر الطبري أن "سابور بن سابور" استخلف "على عمله أوس بن قلام في قول هشام"، وذلك بعد مهلك "عمرو".
ولم يذكر الأسباب التي حملت سابور على هذا التعيين. ويظهر أنه كان من أسرة غريبة عن أسرة "آل لخم" الحاكمة. ويرجع ابن الكلبي نسبه الى العماليق، فيقول إنه من "بني عمرو بن عمليق". وذكر حمزة نسبه على هذه الصورة: أوس بن قلام بن بطينا بن جمهير بن لحيان العمليقي. وجعله ابن خلدون من بني عمرو بن عملاق.
ويتبين من خبر ورد في "الأغاني" أن أوساً كان من أسرة كانت تقيم في الحيرة، وهي من بني الحارث ين كعب. وقد ورد اسم رجل آخر من هذه الأسرة، ذكر انه بنى ديراً في الحيرة.
ولا نعرف من أعمال أوس هذا شيئاً،وكل ما نعرفه عنه انه حكم خمس سنوات. وان امرءاً اسمه "جحجبن بن عتيك بن لخم" "جحجبا " ثار به فقتله على رواية لابن الكلبي ذكرها الطبري 0 أما حمزة فذكر اسمه ونسبه على هذه الصورة، "ححجنا بن عببل أحد بني فاران ". وقال: "قال ابن الكلبي: وهو فاران ابن عمرو بن عمليق، وهم بطن بالحيرة يقال لهم بنو فاران، وححجنا منهم. فقتل ححجنا أوساً، فرجع الملك الى آل بني نصر".
فنحن إذن أمام روايتين في أصل جحجبي "جحجبا" أو ححجنا: رواية ترجعه إلى لخم، ورواية أخرى ترجعه إلى بني فاران، وترجع بني فاران إلى "عمرو بن عمليق"، أي إلى العشيرة التي رجع الأخباريون نسب أوس بن قلام اليها، إذن فهو بموجبها من العماليق.
أما هذا الاختلاف الذي نراه بين الرواة في كيفية ضبط اسم هذا الثائر في جحجبا أو حججنا، وفي عتيك أو عبيل، فيمكن رجعهُ إلى خطأ وقع في تدوين الروايات، إما سهواً وإما جهلاً بحقيقة الاسم، فمن هذين نشأ لدينا هذا الاختلاف.
ولم يذكر الأخباريون الأسباب التي حملت "جحْجبى" على الثورة والمنافع التي جرّها لنفسه منها. وكل ما ذكروه عنه انه ثار به جحجبى فقتله، وان هلاكه كان في عهد "بهرام بن سابور" "388 - 399 م"، وان "بهرام" استخلف بعده في عمله "امرئ القيس البدء بن عمرو بن امرى القيس البدء" خمساً وعشرين سنة. وكان هلاكه في عهد يزدجرد الأثيم.
فيتبين من ذلك إن "جحجبا" "جحجبى"، قاتل أوس، لم يحكم الحيرة وان حكمها عاد فانتقل إلى آل نصر.
ولم يذكر اليعقوبي أوس بن قلام ولا الثورة التي قام بها جحجبا "جحجبي"، بل نصب رجلاً آخر بعد عمرو بن امرئ القيس.هو المنذر بن امرئ القيس، ونعته بالمحرق، نعته بذلك.لأنه أخذ قوماً حاربوه، فحرقهم،فسمي لذلك محرقاً، وجعل بعده النعمان.
ولم يذكر المسعودي كذلك أوس بن قلام ولا جحجبا "جحجبى"، بل ذكر النعمان بن امرئ القيس رأساً بعد عمرو بن امرئ القيس، وقال انه قاتل الفرس خمساً وستين سنة، وان أمه الهيجانه بنت سلول، وكانت من مراد أو من إياد.
وقد نعت الطبري امرأ القيس هذا بالبدء. أما حمزة فلقبه يالبدن. وأظن إن مرد هذا الاختلاف خطأ وقع في الروايات من الرواة أو الكتابة للحرف الأخير من كلمة البدء أو البدن، فصارت الكلمة الواحدة في الأصل كلمتين.
وذكر ابن الأثير إن بهرام بن سابور استخلف من بعد أوس امرأ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الكندي، فبقي خمساً وعشرين سنة، وهلك في أيام يزدجرد الأثيم، واضافة الكندي إلى امرئ القيس خطأ، ولا شك، فلم يروِ أحد من الأخباريين إن امرأ القيس هذا كان كندياً.
ومن المعروف إن ابن الأثير قد اعتمد على تأريخ الطبري اعتماداً كلياً، حتى ليمكن أن يقال انه اختصره، والعبارتان خلا زيادة كلمة "الكندي" متشابهتان.،ففي استطاعتنا أن نقول بحدوث هذه الزيادة في تأريخ ابن الأثير إما من النساخ وإما من ابن الأثير نفسه، إذ استعجل دون تفكير فأضاف كلمة الكندي إلى نسب امرئ القيس،لشهرة امرئ القيس الكندي.
ولا نعرف من خبر امرئ القيس شيئاً يذكر. وقد ذكر حمزة أنه هو محرق الأول، وانه أول من عاقب بالنار. وفي روايته هذه انه حكم إحدى وعشرين سنة. أما الطبري، فذكر انه حكم خمساً وعشرين سنة.
وذكر الطبري أن "يزدجرد" المعروف بالأثيم "399 - 0 2 4 م"، الذي في أيامه كان هلاك "امرئ القيس" استخلف مكان "امرئ القيس" ابنه "النعمان". وهو فارس حليمة، وصاحب الخورنق.
وهذا النعمان المعروف عند المؤرخين بالنعمان الأول، هو أول ملك نستطيع أن نتحدث عنه بشيء من التأكيد والتحقيق والتفصيل، وهو كما يقول الأخباريون: النعمان بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي.أما أمه، فهي شقيقة ابنة أبي ربيعة ابن ذهل بن شيبان، وهي أخت عمرو المزدلف
وقد عرف النعمان بالنعمان الأعور كذلك، كما عرف أيضاً بالسائح.. وكان له شقيق من أمه شقيقة، هو "حسان بن زهير.".
ويظهر من وصف الأخباريين للنعمان أنه كان رجلاً حازماً قوياً، محارباً من اشد الناس نكاية.في عدوّه. غزا عرب الشام مراراً كثيرة فسبى منهم وغنم. وكان يغزو بكتيبتين كانتا عنده: دوسر وأهلها تنوخ، والشهباء وأهلها الفرس. يغزو بهما من لا يدين له من العرب. وقد اشتهرت دوسر بشدة ضربتها حتى قيل أبطش من دوسر. وقد نسب بعضهم له خمس كتائب، هي: الرهائن والصنائع والأشاهب، والكتيبتان المذكورتان. أما الرهائن، فذكروا أنها كانت تتألف من خمسمائة رجل رهائن لقبائل العرب، يقيمون على باب الملك سنة، ثم يجيء بدلهم خمسمائة أخرى، وينصرف أولئك إلى أحيائهم، فكان الملك يغزو بهم ويوجههم في أموره. وأما الصنائع، فهي: بنو قيس وبنو تيم اللات بن ثعلبة، وكانوا خواص الملك لا يبرحون بابه.
وذكر أنه كانت له كتيبة تسمى "الوضائع"،وقوامها ألف رجل من الفرس يضعهم ملوك الفرس بالحيرة نجدة لملوك العرب،وكانوا يقيمون سنة،ثم يأتي بدلهم ألف رجل، وينصرف أولئك.
وقيل إن وجوه العرب وأصحاب الرهائن كانوا يفدون عند رأس كل سنة، وذلك في أيام الربيع إلى النعمان وبقية من تولى الملك بعده، وقد صيرّ لهم أكلاً عند، وهم ذوو الاكال، فيقيمون شهراً، ويأخذون آكالهم ويبدلون رهائنهم وينصرفون إلى أحيائهم. والاكال هم سادة الأحياء. وكانوا يأخذون المرباع، أي ربع الغنيمة في الحرب والغزو.
ونعت بعض المؤرخين مثل الطبري وحمزة النعمان بأنه فارس حليمة، أي معركة حليمة المعروفة التي وقعت في أيام المنذر بن ماء السماء، لا في أيام النعمان على روايات آخرين.
وإلى النعمان هذا ينسب أكثر الأخباريين بناء قصر الخورنق الشهير في الأدب العربي. قيل: انه بناه لبهرام جور بن يزدجرد الأول "399 - 5 2 4 م" المعروف بالأثيم. وكان يزدجرد لا يبقى له ولد، فسأل عن منزل بريء مريء صحيح من الأدواء والاسقام،فدلّ على ظهر الحيرة، فدفع ابنه بهرام جور إلى النعمان هذا، وأمره ببناء الخورنق مسكناً له، وأنزله إياه، وأمره باخراجه إلى بوادي العرب
وذكر "السهيلي" إن الخورنق قصر بناه النعمان اخر ملك الحيرة لسابور ليكون ولده فيه عنده، وبناه بنياناً عجيباً لم تر العرب مثله. واسم الذي بناه له سنمار، وكان بناه في عشرين سنة. ويذكر بعضهم انه بني على نهر "سنداد". وقد ارتبط اسم الخورنق في القصص الذي شاع حوله باسم بانيه المسمى سنمار، وهو في زعم الأخباريين بنّاء رومي كلفه النعمان بناء القصر، فلما انتهى منه وكمل تعجب من حسنه واتقان عمله، وبدلا من أن يوفيه النعمان وفاءً حسناً، أمر به فطرح من رأس الخورنق، فمات في قصص يرويه الأخباريون. ويضرب بهذه النهاية المثل في الأدب العربي في الجزاء السيء، فيقال "جزاه جزاء سنّمار". وقد وردت قصة سنمار في أبيات تنسب لعبد العزُى بن امرئ القيس الكلبي، وكان أهدى افراساً إلى الحارث بن مارية الغساني ووفد عليه، فأغره واكرمه، ثم عاقبه لما بلغه خبر وفاة ولد للحارث وكان قد استرضعه لدى بني الحميم بن عوف من بني عبد ودّ من كلب، نهشته حية فتوفي،
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:08 AM
فظن الملك انهم اغتالوه، لذلك طلب من عبد العزى أن يجيء بهم إليه. فلما أبى، انزل به العقاب.وقد ورد في هذه الأبيات إن سنمار صرف عشرين حجة في بنائه البنيان بالقرميد والسكب، فلماَ كمل البناء وآض كمثل الطود، وظن سنمار انه سينال من صاحبه المودة والقرب، إذ بصاحب القصر يأمر بقذفه من فوق برجه فيموت. ولم يذكر الشاعر اسم الملك ولا اسم الخورنق، وهو يخاطب في هذه الأبيات إبن جفنة، كما اشير إلى "المرء حارث" ويقصد به الحارث الغسانى.
وقد نسب بعض أهل الأخبار قصة نهاية "سنمار" إلى "أحيحة بن الجلاّح". فذكروا إن أحيحة أراد بناء أطم له، فبناه له "سنمار". فلما كمل، عجب من بنائه، فقال له "سنمار": "اني لأعرف فيه حجراً لو انتزع لتقوض من عند آخره، فسأله عن الحجر، فأراه موضعه، فدفعه أحيحة من الأطم، فخرّ ميتاً.
وقدُ ذكر "جزاء سنمار" في شعر لأبي الطمحان القيني،وآخر لسليط بن سعد وآخر ليزيد بن إياس النهشلي.
واقترن اسم هذا القصر في الغالب باسم قصر آخر نسب بناؤه أيضاً إلى هذا النعمان، هو السدير.
ويتبين من روايات أهل الأخبار عن "الخورنق" و "السدير" إن القصر الأول لم يكن بعيداً عن الحيرة، وانما كان على مقربة منها، وربما كان على مسافة ميل من الحيرة. أما "السدير" فكان على مسافة بعيدة، وقد ورد انه كان في وسط البرية التي بينها وبن الشام.
ويظهر من وصف أهل الأخبار للسدير، و من انه كان قبة في ثلاث قباب متداخلة، ومن وصفهم للخورنق، إن السدير لم يكن في مثل ضخامة قصر الخورنق، وان الخورنق كان قصراً كبيراً أعدّ للسكنى وليكون حصناً يهيمن على مشارف البادية.
ويرى بعض الباحثين أن قصر الخورنق لم يكن من بناء "النعمان"، وأنه انما بني قبل ذلك، ويرى أن النعمان قد أسكن "بهرام" فيه.
وقد ورد ذكر الخورنق في شعر لحسان بن ثابت: وحارثة الغطريف أو كابن منذر ومثل أبي قابوَس رب الخورنق
وقد ذهب يعض شّراح هذا البيت إلى أن المراد ب "ابن منذر" "عمرو ابن هند"، وأن المراد من "أبي قابوس"، "النعمان بن المنذر بن امرئ القيس بن عدي اللخمي"، الذي لبس المسوح وساح في الأرض، والذي نعته الشاعر عدي بن زيد العبادي ب "رب الخورنق". وهو تفسير ينسجم مع رأي المؤرخين في باني القصر، إلا أنه يتعارض معهم في تسمية الملك، فالمعروف عندهم أن "ابا قابوس" هو "النعمان بن المنذر" آخر ملوك الحيرة، وهو قاتل الشاعر "عدي بن زيد العبادي" لا "النعمان السائح". ولا يوجد أحد غيره عرف عندهم ب "أبي قابوس.". وقد حكم هذا بعد "عمرو بن هند" بأمد، فيكون هو مراد الشاعر المذكور. غير إن هذا يدفعنا إلى تخطئة "حسان" في نسبة الخورنق إلى هذا الشاعر، أو تخطئة المؤرخين في نسبتهم القصر إلى "النعمان السائح". والذي اراه إن هذا التفسير، لا يتعارض مع روايات المؤرخين في باني القصر، وان مراد الشاعر من "ومثل أبي قابوس رب الخورنق"، انه صاحب الخورنق، اي مالكه والنازل فيه، لا الباني له. وقد ذكره لشهرة القصر في ايامه وبذلك فلا يقع التعارض بين التفسيرين، ويكون الملك المقصود هو "النعمان أبو قابوس".
وممن اشار إلى القصرين: الخورنق والسدير في شعره من الشعراء الجاهليين، المنخل، قال: - واذا صحوت فانـنـي رب الشريهة والبعير
واذا سكرت فإنـنـي ربّ الخورنق والسدير
وقد نشأ لقب "السائح" الذي لقب به النعمان من القصة الشهيرة التي يرويها الاخباريون عن هذا الملك، وهي إن النعمان جلس في يوم من ايام الربيع في قصره الخورنق فأشرف منه على النجف وما يليه من البساتين والنخل والجنان والانهار... فأعجبه ما رأى من الخضرة والنور والانهار، فقال لوزيره وصاحبه: هل رأيت مثل هذا المنظر قط ? فقال: لا، لو كان يدوم ! قال: فما الذي يدوم،? قال: ما عند الله في الآخرة، قال: فيمَ ينال ذلك ? قال: يترك الدنيا. وعبادة الله والتماس ما عنده. فترك ملكه من ليلته، ولبس المسوح مستخفياً هاربا لا يعلم به، وأصبح الناس لا يعلمون بحاله، فحضروا بابه، فلم يؤذن لهم عليه كما كان يفعل. فلما ابطأ الإذن عليهم، سألوا عنه، فلم يجدوه، وساح الملك منذ ذلك الحين في الارض، فلم يره انسان.
ويلحق الاخباريون بهذه القصة ابياتاً ينسبونها لعديّ بن زيد العبادي. ذكروا انه خاطب بها النعمان بن المنذر، هي فيّ الواقع اختصار للقصة، لم يذكر فيها اسم النعمان، وانما اكتفى الشاعر بذكر رب الخورنق، ورب الخورنق هو النعمان في تفسير الاخباريين.
والأبيات المنسوبة إلى عديّ بن زيد، وهي: وتذكَّرْ رب الخورنق إذ فكّر يوماً، وللـهـدى تـفـكـير
سره ملكه وكثرة ما يملك والبحر معـرضـاً والـسـدير
فارعوى جهله، فقال: وما غبطة حيّ إلى الممات يصير ?
تشير إلى النعمان السائح، وتذكر قصة مفارقته ملكه، ولبسه المسوح واعراضه عن الملك بعد إن كان ملكاً.ولم يقصد بالنعمان: النعمان بن ابي سلمى صاحبه، كما تصور بعض الناس ويظهر انه نظمها للنعمان صاحبه على سبيل العظة والتذكير، ليدخله في النصرانية، وذلك بعد إن كان يتعبد للاوثان. وقد تمكن من التأثير فيه، فأدخله فيها كما يذكر الاخباريون.
وقد ورد فيَ بعض الروايات تنصر النعمان، ونسب تنصره إلى سلطان القديس "سمعان العمودي" "Symeon Stylites" عليه، وكان يقوم، بالتبشير بين أهل الحيرة. وذكر انه شفاه ببركته من مرض كان به، فتنصر. وهي رواية في حاجة الى دليل. فلم يثبت إن آل لخم كانوا قد تنصروا فيَ هذا العهد.
وقد ذكر الطبري إن تبع بن حسان بن تبع بن ملكيكرب بن تبع الأقرن،تبع حمير ارسل حينما ولي الملك ابن اخته الحارث بن عمرو بن حجر الكَندي في جيش عظيم إلى بلاد معد والحيرة وما والاها، فسار إلى النعمان بن امرئ القيس ابن الشقيقة. فقاتله، فقتل النعمان وعدة من اهل بيته، وهزم اصحابه، وافلته المنذر بن النعمان الاكبر، وامه ماء السماء امرأة من النمر. فذهب ملك ال النعمان، وملك الحارث بن عمرو الكندي ما كانوا يملكون.
وقد استدرك الطبري على هذه الرواية، فذكر بعدها مباشرة هذه الجملة،قال: "وقال هشام: ملك بعد النعمان بن المنذر ابنه المنذر بن النعمان، وأمه هر ابنة زيد مناة بن زيد الله بن عمرو الغساني اربعاً واربعين سنة".
وذلك يدل على إن هذه رواية اخرى منسوبة إلى ابن الكلبي ايضاً، ولكنه اخذها من مورد اخر غير المورد الذي نقل منه الرواية السابقة، وهي منسوبة ايضاً إلى ابن الكلبي استهلها الطبري بقوله: "حدثت عن هشام بن محمد". وهو ابن الكلبي. وحديث الطبري عن قتل الحارث بن عمرو الكندي للنعمان بن امرئ القيس ابن الشقيقة، يناقض ما رواه هو نفسه وما رواه غيره عن تنسك النعمان واعتزاله الملك وسياسته في الارض وعن اللقب الذي منحه الاخباريون إياه وهو "السائح" ويظهر إن ابن الكلبي وأضرابه رواة هذه الروايات كانوا قد اخذوا رواياتهم من مصادر عربية مختلفة، غير مدونة، فوقع هذا التناقض بين الروايتين.
وعاد الطبري فتكلم على هذا الموضوع في اثناء حديثه عن الاحداث التي وقعت بين العرب في ايام قباذ، فقال: "وحدثت عن هشام بن محمد، قال: لما لقي الحارث بن عمرو بن حجر بن عدي الكندي النعمان بن المنذر بن امرئ القيس ابن الشقيقة، فقتله، وأفلته المنذر بن النعمان الاكبر وملك الحارث بن عمرو الكندي ما كان يملك، بعث قباذ بن فيروز ملك الفرس الى الحارث بن عمرو الكندي:
انه قد كان بيننا وبين الملك الذي قد كان قبلك عهد، واني احب إن ألقاك. وكان قباذ زنديقا يظهر الخير ويكره الدماء. فجعل الطبري والد النعمان في هذه الرواية المنذر بن امرئ القيس مع إن والد النعمان المقصود هو امرئ القيس. وقد ذكر الطبري إن ملك النعمان إلى إن ترك ملكه وساح في الارض تسع وعشرين سنة وأربعة اشهر. من ذلك في زمن يزدجرد خمس عشرة سنة، وفي زمن بهرام جور بن يزدجرد أربع عشرة سنة. واذا اخذنا بهذه الرواية وجب إن يكون ابتداء حكم الملك النعمان في سنة "405 م"، وتركه الملك واختياره في الارض وحياة الزهد في حوالى السنة "434 م". فقد حكم بهرام بن يزدجرد، المعروف ب "بهرام الخامس" عند المؤرخين فيما بين السنة "0 2 4 م" والسنة "38 4". وصار عرش الحيرة بعد النعمان إلى ابنه المنذر، وكانت أم المنذر من غسان.
وهي هند بنت زيد مناة بن زيد بن عمرو الغساني 0 اما المسعودي، فذكر انها: هند بنت الهيجانة من آل بكر.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:11 AM
وقد ذكر الطبري إن يزدجرد لما ولد بهرام جور، اختار لحضانته العرب، فدعا المنذر بن النعمان واستحضنه بهرام، فسار به المنذر، واختار لرضاعته ثلاث نسوة ذوات اجسام صحيحة وأذهان ذكية وآداب حسنة، من بنات الأشراف، وهن عربيتان وعجمية، فأرضعنه ثلاث سنين، فلما بلغ خمس سنين، احضر له مؤدبين، فعلموه الكتابة والرمي والفقه. وأحضر له حكيما من حكماء الفرس. ثم احضر له معلمي الفروسية، فتعلم الرماية والصيد وركوب الخيل حتى صار من أمهر الناس. وظل هذا شأنه لدى المنذر حتى مات يزدجرد. ففرح الناس بوفاته وقرر الاشراف والموبذان والمرازبة صرف الملك عن اسرة يزدجرد، لسوء سيرته في الناس، ونصبوا شخصاً آخر مكانه. فلما رأى بهرام ذلك، طلب مساعدة المنذر، فأرسل المنذر قوة بقيادة ابنه النعمان، وسار هو على رأس قوة اخرى قوامها ثلاثون الفاً من فرسان العرب، ومعه بهرام، وبعد مفاوضات وافق الفرس على خلع من نصبوه كسرى عليهم، وتعيين بهرام، وبفضل هذه المساعدة استعاد التاج.
وتناقض هذه الرواية كما نرى من الرواية السابقة التي دوّنها الطبري نفسه في تعليل سبب بناء الخورنق والتي تحدثت عنها قبل قليل.وقد فطن ابن الأثير الذي نقل الروايتين ايضاً لهذا التناقض، فقال: "
"هكذا ذكر أبو جعفر، في اسم بهرام جور، إن اباه اسلمه إلى المنذر بن النعمان كما تقدم، وذكر عند يزدجرد الأثيم انه سلم بهرام إلى النعمان بن امرئ القيس ولا شك إن بعض العلماء قال هذا وبعضهم قال ذاك، الا انه لم ينسب كل قول إلى قائله". وأبو جعفر هذا هو الطبري.
ولا نعلم شيئاً من أمر النعمان بن المنذر الذي تولى قيادة القوة التي أمر والده بارسالها للتحرش بمملكة الفرس، بعد إن رفضوا نصب بهرام جور ملكاً عليهم على نحو ما رأيناه في رواية للطبري الثانية. فقد سكت الطبري عنه كما سكت الأخرون.
ونجد رواية نشأة بهرام جور بأرض العرب في رواية لليعقوبي مختصرة، هي في الواقع جمع للروايتين السابقتين. ذكر اليعقوبي إن يزدجرد دفع بهرام جور إلى النعمان، فأرضعته نساء العرب، ونشأ على أخلاق جميلة. ولما مات يزدجرد كرهت الفرس أن تولي ابنا له لسوء سيرته، وقالوا: "بهرام ابنه قد نشأ ياًرض العرب لا علم له بالملك" "وأجمعوا على أن يملكوا رجلا غيره، فسار بهرام في العرب، فلما لقي الفرس، هابته، فأذعنوا له وأعطوه الطاعة فوعدهم من نفسه خيراً. وكتب إلى الآفاق يعدهم بذلك. وقدم المنذر بن النعمان عليه، فرفع منزلته.
فلم تنكر هذه الرواية رواية من زعم إن يزدجرد سلم ابنه إلى النعمان، ولم تنكر صلة المنذر ببهرام جور، ولكنها كما نرى لم تشر إلى اسم من قاد الجيش من العرب وسار على الفرس.
ولا يمنع على كل حال قول الأخباريين في بناء النعمان الأول الخورنق لبهرام من كون ابنه هو الذي ساعد بهراماً على أخذ التاج. لقد سلمه والده صغيراً إلى النعمان، فلما كبر وترعرع، ومات والده وهو بين عرب الحيرة، وامتنع الفرس من توليه التاج، ساعده المنذر في ذلك، وأخذ له حقه ممن اغتصبه منه..
ويظهر من أخبار الأخباريين انه كانت للمنذر منزلة عند "يزدجرد". ذكر الطبري إن يزدجرد "دعا بالمنذر بن النعمان، واستحضنه بهرام،وشرّ فه وأكرمه، وملّكه على العرب وحباه بمرتبتين سنيتين، تدعى احداهما "رام ابزوذ يزدجرد" وتأويلها "زاد سرور يزدجرد"، و تدعى الأخرى "بمهشت" وَتأويلها "عظم ال*********".، وامر له بصلة وكسوة بقدر استحقاقه لذلك في منزلته،وأمره أن يسير ببهرام إلى بلاد العرب.
وتناقض هذه الرواية رواية الطبري المذكورة في قصة بناء الخورنق، ورواية بقية أهل الأخبار عن قصة بناء ذلك القصر، وتؤكد إن وفاة "النعمان" الأول كانت في أيام يزدجرد، لا في أيام بهرام بن يزدجرد، وتفيد إن انتقال الحكم إلى المنذر كان في عهد يزدجرد.
واشترك المنذر في الحرب التي وقعت بين الروم والفرس بعد مدة قصيرة من تولي بهرام. جور الملك، واختار بلاد الشام ساحة لهجومه. والظاهر أن إسهامه في هذه الحرب كان بطلب من بهرام الذي لم يكن موقفه حسناً في فيها، فكلف المنذر مهاجمة بلاد الشام. ليخفف من شدة ضغط الروم عليه. غير إن التوفيق لم يحالف المنذر في هجومه هذا، فمني بخسارة كبيرة وهو يحاول مع جيشه عبور الفرات، فغرق أكثرهم في النهر. وكان ذلك في سنة 429 م. ولحقت به خسارة أخرى في السنة نفسها، أو في السنة التي تلتها حينما أعاد الكرة على الروم. وقد ذكر المؤرخ "سقراط" "Socrates" المتوفى في حوالي سنة 439 م غرق زهاء مئة ألف رجل من رجال المنذر في النهر، وهو عدد مبالغ فيه ولا شك.
وقد استند الطبري إلى رواية يتصل سندها بابن الكلبي، فجعل مدة حكم المنذر بن النعمان أربعاً وأربعين سنة، من ذلك في زمن بهرام جور ثماني سنين وتسعة أشهر، وفي زمن يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة،
وفي زمن فيروز ابن يزدجرد سبع عشرة سنة. وهذه الرواية تناقض روايات ابن الكلبي السابقة نن تولي المنذر الحكم في أيام يزدجرد الأثيم والد بهرام جور، كما مرّ معنا. وقد أغفلت اًمر "هرمز" وهو ابن يزدجرد ابن بهرام جور، المعروف بالثالث، الذي حكم من حوالي السنة 457 حتى السنة 459 للميلاد. فإذا فرضنا أن حكم المنذر كان ثماني سنين وتسعة أشهر من زمان بهرام جور الذي حكم من حوالي السنة 0 42 للميلاد حتى السنة 438 للميلاد، صارت السنة 429 هي السنة 430 للميلاد التي يجب أن تكون سنة توليه الحكم، وإذا أضفنا الى هذا الرقم أربعاً وأربعين سنة، وهي مدة حكم المنذر، إلى هذه الرواية، صارت السنة 473 - 474 للميلاد، هي سنة انتهاء حكم المنذر بوفاته. تكون سنة وفاته إذن في زمن "فيروز بن يزدجرد بن بهرام جور" الذي حكم من جوالي السنة 459 حتى السنة484 للميلاد. وبحسب هذه الرواية يكون المنذر قد عاصر بهرام جور المعروف ب "بهرام الخامس" عند المؤرخين وعاش في زمن يزدجرد الثاني، وهو ابن "بهرام جور". وفي زمن "هرمز بن يزدجرد"، ثم في زمن شقيقه فيروز ابن يزدجرد بن بهرام جور.
وتولى بعد المنذر ابنه الأسود من زوجته هرّ ابنة النعمان من بني الهيجمانة ابنة عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل بن شيبان على رواية الطبري. ومن لخم على حد قول حمزة.
وأما "الد ينوَري"، فذكر أن.الذي ولي الملك.بعد "النعمان بن امرئ القيس " الأعوَر والسائح، أخوه "المنذر بن امرئ القيس"، وكانت أمه من "النمر بن قاسط" ويقال لها: "ماء السماء" لجمالها وحسنها. وأبوها "عوف بن جشم" وقد ولاه "كسرى أنوشروان" العرش. وزعم أنه تزوج "هنداً" ابنة الحارث بن عمرو الكندي آكل المرار، وهي التي أولدته ثلاثة أولاد هم: عمرو بن هند المعروف بمضرط الحجارة، وقابوس المعروف بقينة العرس، والمنذر بن المنذر. وذكر أنه بقي ملكاً على الحيرة إلى أن غزا "الحارث ابن أبي شمر الغساني"، وهو الأعرج، فقتله الأعرج بالحيار.
وجعل "الدينوري" "المنذر بن المنذر بن امرئ القيس " بعد "المنذر" المذكور، وقال: إنه خرج يطلب دم أبيه، فقتله الحارث أيضاً بعين أباغ، ويقال: إن قاتله هو "مرّة بن كلثوم ا!تغلبي"، أخو عمرو بن كلثوم، ثم نصب من بعده شقيقه عمرو بن هند، ثم النعمان بن المنذر أبا قابوس، وبذلك أنهى قائمته لملوك الحيرةْ. وهي قائمة سقط منها عدد من الملوك.
ولا نعرف من أخبار الأسود شيئاً كثيراً. وقد ذكر حمزة أنه حكم عشرين عاماً، وذلك في زمن فيروز بن يزدجرد وبلاش بن فيروز وقباذ ين فيروز.
وروى أنه حارب الغساسنة وانتصر عليهم، وأسر منهم، كما روى أنه وقع في احدى معاركه في أيدي الغساسنة، فقتله. و ذكر الطبري أن الفرس أسرته، ولم يذكر سبب هذا الأمر. وأنه حكم عشرين سنة، من ذلك في زمن فيروز ابن يزدجرد عشر سنين، وفي زمن بلاش بن يزدجرد أربع سنين، وفي زمان قباذ بن فيروز، ست سنين.
وقد حكم "فيروز" من سنة "59 4 م" حتى سنة "4 48 م"، ويكون حكم "الأسود" بحسب رواية الطبري المتقدمة في حوالي السنة "474 م" تقريبا، وقد حكم "بلاش" أربع سنين، من سنة "4 48 م" حتى سنة "88 4 م"، ثم حكم "قباذ الأول"، وهو ابن فيروز من بعده. حكم من سنة "488" حتى سنة "531" للميلاد. ولما كان "الأسود" قد حكم ست سنين من زمان حكم "قباذ"، تكون سنة وفاته في حوالي السنة "494 م".
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:14 AM
وورد في رواية انه كان للاسود بن المنذر ولد اسمه شرحبيل، قتل، قتله الحارث بن ظالم، وكان طفلاً مسترضعاً عند سنان بن أبي حارثة المريّ.
وكان سبب ذلك على ما تذكره الرواية إن "خالد بن جعفر بن كلاب" كان قدم على "الأسود بن المنذر" أخي النعمان،ومعه "عروة بن عتبة بن جعفر"، فالتقى خالد بن جعفر والحارث بن ظالم بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان عند الأسود بن المنذر، فجعل خالد يقول للحارث: يا حمار، أما تشكر يدي عندك إن قتلت عنك سيّد قومك زهيراً وتركتك سيدهم ? فقال: سأجزيك شكر ذلك. فلما خرج الحارث، قال الأسود لخالد:ما دعاك الى أن تتحرش بهذا الكلب، وانت ضيفي ? فقال: انما هو عبد من عبيدي، ولو وجدني نائماً ما أيقظني. وانصرف خالد إلى قبته، فلامه عروة الرحال، ثم ناما وأشرجت عليهما القبة، فلما هدأت العيون، انطلق الحارث حتى أتى قبة خالد، فهتك شرجها، ثم ولجها وقتله. فنادى عروة: واجوار الملك ! فأقبل الناس، وسمع الأسود الهتاف، وقرر الانتقام ممن خرق جوار الملك. وهرب الحارث منه.
ولما هرب الحارث تنقل في القبائل، فلجأ إلى صديق له من كندة. فطلبه الملك فشخص من عند الكندي، وأضمرته البلاد حتىْ استجار بزياد أحد بني عجل ابن لجيم، فقام بنو ذهل بن ثعلبة وبنو عمرو بن شيبان، فقالوا لعجل: أخرجوا هذا الرجل من بين أظهركم، فانه لا طاقة لنا بالشهباء والدوسر، وأبت عجل ذلك عليهم. فلما رأى الحارث ذلك، كره أن تقع الفتنة بينهما بسببه، فارتحل من بني عجل إلى جبلي طيء، فأجاروه، فمكث عندهم حيناً. ثم إن الأسود لما أعجزه أمره، أرسل إلى جارات كنّ للحارث بن ظالم استاقهن وأموالهن، فبلغ ذلك الحارث، فخرج من الجبلين، حتى علم مكان جاراته، فأتاهن، واستنقذهن، واستاق ابلهن، فألحقهن بقومهن. واندس إلى بلاد غطفان حتى أتى سنان بن أبي حارثة المري، وهو أبو هرََم بن سنان ممدوح زهير. وكان الأسود قد استرضع ابنه شرحبيل عند سنان، ترضعه امرأته. فاستعار الحارث سرج سنان، وهو في ناحية الشرية، فأتى به سلمى امرأة سنان، وقال لها: يقول لك بعلك، ابعثي شرحبيل مع الحارث، وهذا سرجه لك آية. فدفعته إليه، فأتي به من ناحية من الشعرية فقتله، وهرب من فوره، وهرب سنان لما سمع بخبر قتله.
فلما بلغ الأسود قتل ابنه شرحبيل غزا بنيُ ذبيان، فقتل وسبى،وأخذ الأموال وأغار على بني دودان رهط سلمى، ثم وجد بعد ذلك نعلي شرحبيل في جانب الشرية عند بني محارب بن خصفة، فغزاهم وأسرهم وأحمى لهم الصفا، وقال: اني أحذّيكم نعالاً، فأمشاهم عليها، فسقطت أقدامهم، ثم إن سيار بن عمرو ابن جابر الغزاوي احتمل للاسود دية ابنه ألف بعير، ورهنه بها قوسه،فوفاه بها. ثم هرب الحارث، فلحق بمعبد ين زرارة فاستجار به، فأجاره، وكان من سببه وقعة رحرحان. ثم هرب حتى لحق بمكة، ثم غادرها إلى الشام، فلحق بيزيد بن عمرو الغساني، فأجاره واكرمه. ومكث عنده. ثم افتقد يزيد ناقة له، ولم يعلم خبرها، فأرسل إلى الخِمْس التغلبي، وكان كاهناً،فسأله عنها،فأخبره إن الحارث صاحبها، فهم به الملك ثم تذمم من ذلك، فأوجس الحارث في نفسه شراً، فأتى الخمس التغلبي فقتله. فلما فعل ذلك دعا به الملك، وأمر به ابن الخمس فقتله بأبيه. وأخذ ابن الخمس،سيف الحارث، فأتى سوق عكاظ في الأشهر الحرم، فأراه قيس ين زهير العبسي، فضربه به قيس فقتله.
وذكر إن الأسود غزا بني ذبيان وبني أسد بشط أربك وأوقع فيهم،وانه وجد نعل ابنه شرحبيل القتيل في بني محارب بن خصفة بن قيس عيلان. فانتقم منهم شر انتقام، وانه قبل من الحارث بن سفيان دفع دية شرحبيل، فدفعها إليه، وهي ألف بعير، "دية الملوك".
وخبر هذه الغزوة هو جزء متمم لخبر قتل الحارث بن ظالم لابن الأسود، كما جاء في رواية أخرى.
وروايات أهل الأخبار عن قتل الحارث بن ظالم لخالد بن جعفر بن كلاب، وعن قتل ابن الملك، روايات متناقضة مضطربة قلقة، والتبس الأمر فيها على الرواة، ولا سيما "ابن الكلبي" و "أبي عبيدة" اللذين هما مرجعا أكثر رواة تلك الروايات. يتداخل فيها اسم النعمان بن امرئ القيس، مع اسم النعمان بن المنذر واسم الأسود بن المنذر، وتنسب القصة مرة إلى هذا الملك،ومرة إلى ذاك. وقد تتداخل، فيذكر اسم الملك الأسود، ثم يورد بعده اسم الملك النعمان. يذكر الرواة رواية كالرواية.السابقة، جعلت الولد القتيل شرحبيل بن الأسود، وجعلت الحارث بن ظالم يسير متخفياً إلى الحيرة ليفتك بالأسود. ولكنهم جعلوه قي هذه الرواية يسمع صراخ امرأة أخذ جمع الأسود صرمة من إبلها، فتوجع لها، ووعدها على اعادة ابلها فطلب منها أن تذهب إلى موضع عينه لها، ليأتي لها بإبلها. فلما وردت ابل النعمان، أخذ مالها، فسلمه اليها، ثم فرّ يطلب له مجيراً فلم يجره أحد قائلين له: من يجيرك على هوازن والنعمان ? ويختفي اسم المنذر فجأةً في هذه الرواية، ويظهر اسم الملك النعمان كما في الرواية السابقة، ولكن دون تصريح باسم والد النعمان، وهو امرؤ القيس.
ثم تستمر الرواية فتاخذ الحارث إلى الشام، ليستجبر بيزيد بن عمرو الغساني من النعمان وهوازن، فيجيره ويكرمه، ولكنه يذبح ناقة ليزيد، ثم يقتل امرأة أرسلها يزيد لتحرّي بيت الحارث، ثم يقتل الكاهن الذي تكهن بعقر الحارث للناقة وبقتله للمرأة. فلم يبق أمام يزبد إلاّ قتل الحارث، فأمر به فقتل. وعلى هذه الصورة انتهت حياة رجل هو في نظر الأخباريين بطل من أبطال المغامرات و المفاجآت.
وأما الرواية التي تذكر أن ذلك الملك هو النعمان بن امرئ القيس فتقول إن النعمان بن امرئ القيس كان قد تزوج بنتاً من بنات زهير بن جذيمة بن رواحة العَبسْي، وهو من السادة الاْشراف، فأرسل النعمان ذات يوم إلى زهير يستزيره بعض أولاده، فأرسل ابنه شأساً، وكان أصغر ولده، فأكرمه وحباه، ورجع بهدايا وألطاف كثيرة. فلما بلغ ماء من مياه غني بن أعصر، طمع به رباح بن الأشل، فقتله، واستلب ما كان معه. فلما سمع زهير بمقتل ولده، جاء ديار غني، وأخذ يغير عليها، حتى قتل منها مقتلة عظيمة، فاستجارت غني بحلفائهم بني عامر بن صعصة، فأنجدوها.
وتوسعت الحرب، فاشتركت بها هوازن، وكانت تحقد على زهير لأنه كان يسر بها خسفاً ويجبيها الإتاوة كل سنة بعكاظ، وترأس خالد بن جعفر بن كلاب غنياً وبني عامر وهوازن، فقتل زهيراً، وعاد أبناؤه بجسده ليواروه التراب. وذهب خالد بعد مصرع زهير إلى النعمان مستجيراً به حين علم أن غطفان ستطلبه به، فأجاره، وضرب له قبةّ وحماه. وبينما كان في مجلس النعمان، قدم الحارث بن ظالم إلى المجلس، وجرى بينه وبين خالد كلام، أغلظ فيه خالد على الحارث، فحقد الحارث عليه وقرر الانتقام منه، فاغتاله وهرب. فجعل النعمان يطلبه ليقتله بجاره، وهوازن تطلبه لتقتله بسيدها خالد. فلحق ببني دارم من تميم، واستجار بهم، فأجاروه على النعمان. فما علم النعمان ذلك، جهز جيشاً إلى بني دارم، فلما سمعوا بمجيء الجيش عليهم، استعدوا له، وأرسلوا أموالهم إلى بلاد بغيض، واستعدوا مع بني مالك بن حنظلة وبني عامر للقتال. فلما التقوا بجيش النعمان، قتل رئيس جيش النعمان، وانهزم الجيش. وقيل: إن الحارث بن ظالم ركب الى الحيرة متخفياً، واستاق إبلاً له كان قد استولى عليها النعمان، وقتل أحد أبنائه، وفرّ.
وهناك رواية تجعل النعمان المذكور النعمان بن المنذر، وتجعل الولد القتيل إبناً لهذا النعمان. وجعلت رواية أخرى قتل الحارث لخالد في عهد الأسود، ثم تذكو أنه هرب منه. ثم إن رجلاً من بني زيد مناة كان بعض حشم النعمان قد أخذوا إبله وأهله، استجار بالحارث فركب الحارث حتى أتى النعمان، فقال: أبيت اللعن! إنك أخذت نساء جاري، وماله، وأنا له جار. فذكره النعمان بقتله خالداً، وهو في جوار الأسود أخيه. ثم إن النعمان أوعد الحارث وعيداً شديداً. فمضى الحارث، وندم النعمان على تركه،وطلبه ففاته، وكان للنعمان ابن مسترضع عند "سنان ين أبي حارئة"، وكانت سلمى بنت ظالم تحت سنان، فجاء الحارث إلى أخته على لسان سنان، حتى أعطته ابن النعمان، فضرب عنقه ولحق بمكة. فجاور عبد الله بن جدعان.
وأما قتل "الحارث بن ظالم"، فالروايات مختلفة فيه، منها ما جعل قاتله: "يزيد بن عمرو الغساني" على نحو ما رأيت. ومنها ما جعل قاتْله ملكاً من ملوك غسان تسميه النعمان. ومنها، وهي رواية من روايات أهل الكوفة، ما جعل قاتل الحارث هو الملك النعمان بن المنذر، وتذكر قصة كيفية استدراج النعمان للحارث ومراسلته له مصرحاً له أنه قد رضي عنه وعفا عما بدر منه حتى أمن الحارث. فلما جاء إلى النعمان، وكان في قصر بني مقاتل، أمر به فقتل. قتله ابن الخمس التغلبي، وكان الحارث قد قتل أباه.
وجاء في رواية أن "عمرو بن الخمس" هو الذي قتل الحارث، قتله بأمر الملك الأسود بن المنذر. وذكر "ابن دريد" أن قوماً زعموا أن النعمان قتل "الحارث بن ظالم"، وهذا وهم، لأن الذي قتله إنما هو "المنذر بن المنذر أبو النعمان". وذكر "محمد بن حبيب". أن "سيّار بن عمرو الفزاري" المعروف ب "ذي القوس"، كان قد رهن قوسه على ألف بعير في قتل الحارث ابن ظالم من النعمان الأكبر.
ويظهر من "رسالة الغفران" إن "آل لخم" كانوا يعظمون. "الأسود بن المنذر"، ولم يذكر سبب هذا التعظيم.
وحكم بعد الأسود أخوه المنذر بن المنذر بن النعمان، وأمه هرّ ابنة النعمان. حكم على رواية لابن الكلبي سبع سنين، وذلك في زمان قباذ بن فيروز. ولما كان حكم قباذ، وهو "قباذ الأول" ويسمى ب "قباذ بن فيروز" قد امتد من سنة "488" حتى سنة "531" للميلاد، فيكون حكم المنذر اذن قد وقع في خلال هذه المدة.
واذا أخذنا بهذه الرواية، وجب أن يكون ابتداء حكم المنذر بن المنذر في حوالي سنة "494 م"، وانتهاء حكمه في حوالي السنة "501م"،
وذلك بحسب سني حكم ملوك الفرس عند المؤرخين. ولكننا نواجه روايات أخرى رواها أبن الكلبي أيضاً وغيره تخالف هذا التقدير.
وبعد المنذر انتقل الملك إلى ابن أخيه النعمان بن الأسود، وأمه هي "أم الملك ابنة عمرو بن حجر، أخت الحارث بن عمرو الكندي". اذن فهي أميرة من أمراء كندة. وقد حكم هذا الملك على رواية لابن الكلبي أربع سنين، وذلك في زمن قباذ.
يظهر من رواية ل "ثيوفانس" إن النعمان هذا أغار على حدود الروم وعلى العرب المحالفين لهم، فاصطدم بالقائد "أوجينيوس" "Eugenius" عند موضع "بثرابسوس" "Bithrapsos" "البئر" على الفرات، فأصيب بخسارة فادحة. ولا نعرف على وجه التحقيق سنة وقوع هذا الحادث، والمظنون انه كان حوالي سنة "498 م".
واشترك النعمان أيضاً في الحرب التي وقعت بين الروم والفرس حوالي سنة "502للميلاد"، اذ رجا منه قباذ أن يهاجم حدود الروم من جهة الجنوب، فهاجمها في قطاع "حران" "Carrhae" واصطدم بالقائدين "أوليمبيوس" "Olympius" و "أويجينيوس" "Eugenius" فتغلبا عليه، غير انه أعاد الكرة فتغلب عليهما. وفي المعركة التي وقعت على مقربة من "قرقيسياء" "Circesium" على الخابور أصيب بجرح بليغ في رأسه فقضى عليه.
وفي أثناء غياب النعمان ومعظم جنوده عن الحيرة، انتهز العرب الذين في بلاد الروم الملقبون ب "بني ثعلبة" "طايوس دبيت روموين د متقربن دبيت ثعلبة" هذه الفرصة، فأغاروا على عاصمته، وأخذوا كل ما أمكنهم أخذه، فاضطر من كان قد تخلف فيَ الحيرة من جيش النعمان إلى الفرار إلى البادية. ويخيل الي إن ذلك كان على أثر اصابة الملك بجرحه المميت.
وتولى الحكم رجل من "آل لخم" اسمه "أبو يعفر بن علقمة بن مالك بن عدي بن الذميل بن ثور بن أسس بن ربي بن نمارة بن لخم"، بعد النعمان. فهو من "ذميل" و "ذميل" بطن من بطون لخم. ولم يتحدث أصحاب الأخبار عن علاقة هذا الرجل بالأسرة المالكة ولا عن كيفية تعيينه والأسباب التي أدت إلى اختياره لهذا المنصب، وكل ما ذكرته انه حكم ثلاث سنين، ثم انتقل الحكم من بعده إلى المنذر بن امرئ القيس البدء، وقو ذو القرنين، وذلك في رواية للطبري عن ابن الكلبي.
أما حمزة الأصبهاني، فجعل بعد أبي يعفر ابناً للنعمان الأعور سماه امرأ القيس ابن النعمان بن امرئ القيس.
قال: انه هو الذي غزا بكراً يوم "اوارة" في دارها، وكانوا أنصار بني آكل المرار وهزمهم. وكانت بكر قبله تقيم أود ملوك الحيرة وتعضدهم. ونسب إليه بناء حصن "الصنبر" زاعماً إن الذي بناه له هو البناء الرومي الشهير سنمار، وانه هو الذي قتل ذلك البناء. وجعل مدة حكمه سبع سنين، وذلك في زمن قباد.
وقال "حمزة": وفيه قال المتلمس: جزاني أخو لخم على ذات بيننا جزاء "سنمار"وما كان ذا ذنبِ.
وذكر حمزة إن حصن صنبر المذكور، وهو من عمل "سنمار"، هو الذي قال فيه أحد الشعراء: ليت شعري متى تخبّ به النا قة نحو العُذيب والصنبـر
ويعرفَ المنذر هذا عند أكثر الأخباريين بالمنذر بن امرئ القيس بن النعمان وب "ذي القرنين" وب "المنذر بن ماء السماء" وب "ابن ماء السماء".
وماء السماء هي أمه على زعمهم، وهي: مارية ابنة عوف بن جشم بن هلال بن ربيعة بن زيد مناة بن عامر الضحيان بن سعد بن الخزرج بن تيم الله بن النمر بن قاسط في رواية ابن الكلبي التي دوّنها الطبري. وذكر حمزة نسب ماء السماء كما ذكره الطبري، غير أنه جعل الاسم ماوية بدلاً من مارية، ولا أراه إلا خطأ من النساخ في كتابة الاسم أدى إلى هاتين الصورتين.
وأما سبب تلقيبه بذي القرنين، فيقال إنه لقب بذلك لضفيرتين كانتا له من شعره، فعرف بهما لذلك.
وتلقيب ابن الكلبي امرأ القيس والد المنذر بالبدء هو خطأ ولا شك، إذ لا يعقل أن يكون هذا المنذر ابناً لامرئ القيس البدء المتوفي سنة 328 للميلاد.
ويلاحظ أن الأخباريين لقبوا امرأ القيس الآخر الذي حكم بعد أوس بن قلام بالبدء كذلك، مع أنه مسبوق على حد قولهم بملك آخر اسمه هذا الاسم. فلا يجوز تلقيب صاحبنا هذا إذن بالبدء. ولا يجوز بالطبع تلقيب امرئ القيس الآخر الذي زعم انه والد المنذر بالبدء أيضاً، لأنه ثالث المراقسة في ترتيب اسماء الملوك بحسب رواية الأخباريين.
ولا نعلم شيئا يذكر من أمر امرئ القيس والد المنذر، فهم لم يشيروا اشارة صريحة إلى انه كان ملكاً. فهل هو امرؤ القيس بن النعمان الذي جعله حمزة ملكاً بعد أبي يعفر ? لا يستبعد أن يكون هو إن صحت رواية حمزة.
ويلاحظ أن المؤرخين البيزنطيين واللاتين قد أطلقوا على المنذر "Alamoundaros" و. "Alamundarus" و "Alamundarus O Secicis" وغير ذلك، مما يفهم منه انهم قصدوا ب "Sacicus" و "Secicis" "Sicices" وأمثال ذلك كلمة "شقيقة" "الشقيقة" العربية، وأنهم ارادوا المنذر بن الشقيقة، وهو هذا المنذر الذي نتحدث عنه في رأي المستشرقين، لذلك ذهب بعض المستشرقين إلى أن أم المنذر هي "الشقيقة" "شقيقة"، وذهب آخرون إلى أنها لم تكن امه، وإنما قيل له ذلك لأنه كان من آل الشقيقة الشهيرة، فعرف عند أولئك المؤرخين بابن الشقيقة أو بالمنذر ابن الشقيقة كما دعي الملوك بعد المنذر ببني ماء السماء.
أما الأخباريون فقد جعلوا شقيقة أماً للنعمان الأعور كما رأيت، ولم يشيروا إلى ملك اسمه المنذر واسم امه شقيقة، فأيهما المصيب ? الأخباريون أم المؤرخون اليونان واللاتين والسريان ? وهل نحن أمام ملك آخر اسمه المنذر بن الشقيقة حكم في أوائل القرن السادس للميلاد ?.
وذكر الأخباريون إن المنذر كان قد تزوج هنداً بنت آكل المرار، فولدت له أولاداً منهم عمرو بن هند الذي ولى الملك بعده، وقابوس، ثم تزوج أختها أمامة فولدت له ولداً اسمه عمرو وهو المقتول بوادي القضيب.
ويرى بعض الباحثين إن حكم "المنذر" كان في حوالي السنة "508م"، أو قبل ذلك بقليل في حوالي السنة "506م". وأما انتهاء ملكه فكان فيَ حوالي السنة "554م".
وكان قباذ قد عقد صلحاً في عام "506" للميلاد مع الروم بعد الحرب التي استمرت من سنة "502" حتى سنة "506م"، غير إن هذا الصلح لم يدم طويلاً. ففي سنة "518" للميلاد تجدد الخلاف بين الفرس والروم، وذلك على أثر مطالبة قباذ القيصر "جستينوس" "يوسطينوس" "Justinus" الأول بدفع الاتاوة التي اتفق في صلح "506م"
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:17 AM
على دفعها للفرس. وبناء على تباطؤ القيصر في دفعها حرّض قباذ المنذر على التحرش بحدود الروم، وقام المنذر بغزوها في سنة "519م".
لقد تمكن المنذر في بعض حروبه مع الروم من أسر قائدين هما "ديموستراتوس" "تيموستراتوس" "Timostratus" "Demostratus" و يوحنا "Johannes". وأراد القيصر أن يفك أسر هذين القائدين ويعقد صلحاً وحلفاً بين الروم والمنذر، فأرسل - على ما يظهر - رسولاٌ خاصاً إلى المنذر هو "ابراهيم" "Abraham" والد الكاتب المؤرخ "نونوسوس" "Nonnosus"، ومعه "شمعون الأرشامي" "Symeon of Beth Arsham" و "سرجيوس" "Sergius" أسقف الرصافة "بيت رصافة". وقد وصل الوفد إلى المنذر في السنة السادسة "السنة السابعة" من حكم "جستينوس" "يوسطينوس" الموافقة لسنة "835" من التقويم السلوقي ولسنة "524" للميلاد. وكان المنذر آنئذ في البادية في موضع اسمه "رمله" "الرملة". وقد نجحت مهمته فيما يخص فك أسر القائدين.
و "سرجيوس" هو مؤلف القسم السرياني الخاص بشهداء العربية الجنوبية، أي شهداء نجران. وقد دوّنت في عهد أسقفيته على الرصافة أسماء الشهداء على الجدار الشمالي للكنيسة الكبرى، كنيسة القديس سرجيوس.
وصادف وصول وفد الروم إلى المنذر وصول وفد آخر من اليمن أرسله ذو نواس الملك الشهير المعروف بتعذيبه نصارى نجران إلى المنذر ليفاوضه على تعذيب من في مملكته من النصارى. وقد دوّن "شمعون الارشامي" قصة التعذيب هذه مدعياً انه نقلها من الكتاب الذي قريء على الملك ومن أقوال من عرفه من الحاضرين، دوّنها في صورة كتاب ليقرأ في الكنائس ويطلع عليه المؤمنون. وقد نشر هذا الكتاب، وطبعت ترجمته كذلك.
وذكر إن القيصر "جستينوس" "يوسطينوس" "Justinus" كتب إلى المنذر ابن النعمان طالباً منه اخراج من في أرضه من القائلين بالطبيعة الواحدة. وقد جادلهم في مجلس عقده بحضرة المنذر "شيلا" الجاثليق. فلما سمع هؤلاء بذلك، هرب بعضهم إلى نجران واقاموا هناك. وكان من مؤيديهم الحجاج بن قيس الحيري صاحب المنذر.
يظهر إن امل القيصر في عقد هدنة أو معاهدة مع المنذر لم يتحقق، أو أنه تحقق ولكن إلى حيَن.
فلما ساءت العلاقات بين الروم وللفرس، ووقعت الحرب سنة "528م" بين الجانبين، هاجم المنذر الروم مؤيداً الفرس، وكان له أثر خطير في هذه الحرب. وقد توغل في بلاد الشام، وغنم منها غنائم كثيرة، ولكنه لم يبق فيها أمداً طويلاً، فعاد مع جنوده سريعاً الى قاعدته كعادة سائر الملوك بعد أن أشبع نفسه من غنائم الحرب.
ونجد المنذر يجدد هجومه على بلاد الشام، بعد مدة قصيرة من هجومه الأول. لقد هاجمها سنة "529م" وتوغل فيها حتى بلغ حدود أنطاكية، واحرق عدداً من المواضع ومنها موضع "خلقيدون" "خلقيدونية" "Chalcedon". وقد زعم بعض المؤرخين السريان أنه ضحى بأربع مئة راهبة للعزّى، وهي دعوى نحتاج بالطبع إلى درس.
وقد عرض ابن العبري لتوغل المنذر في أرض الروم، واستيلائه على أرضين واسعة شملت كل منطقة الحدود، ومنها أرض الخابور ونصيبين، حتى بلغ "حمص" "Emessa" و "أباميا" "فامية" "Apamea" وأنطاكية "Antioch" زاعماً أنه قتل عدداً كبيراً من السكان، وخرب أكثر تلك الأرضين، ذاكراً أنه اختار من بين الأسرى أربعمئة راهبة أخذهن لنفسه، غير انه لم يذكر أنه قدمهن قرباناً الى العزى.
في أثناء كلامه على الحبشة في اليمن وعلى د********* الفرس اليها،كما أشار إلى الموادعة والهدنة التي عقدت بين كسرى أنو شروان والقيصر، وقد سماه "يخطيانوس"، أي "جستنيان" "جستنيانوس" "Justinianus"، فقال: "وكان فيما ذكر بين كسرى أنو شروان وبين يخطيانوس ملك الروم موادعة وهدنة. فوقع بين رجل من العرب كان ملّكه يخطيانوس على عرب الشام يقال له خالد بن جبلة وبين رجل من لخم كان ملّكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز ومن فيها من العرب يقال له المنذر بن النعمان نائرة. فأغار خالد ابن جبلة على حيز المنذر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وغنم أموالاً من أمواله فشكا ذلك المنذر إلى كسرى وسأله الكتاب إلى ملك الروم في انصافه من خالد، فكتب كسرى إلى يخطيانوس يذكر ما بينهما من العهد على الهدنة والصلح ويعلمه ما لقى المنذر عامله على العرب من خالد بن جبلة الذي ملكه على من في بلاده من العرب،
ويسأله أن يأمر خالداً أن يرد على المنذر ما غنم من حيزه وبلاده ويدفع إليه دية من قتل من عربها وينصف المنذر من خالد وان لا يستخف بما كتب به من ذلك فيكون انتقاص ما بينهما من العهد والهدنة بسببه. وواتر الكتب إلى يخطيانوس في انصاف المنذر فلم يحفل بها. فاستعد كسرى فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين الف مقاتل فأخذ مدينة دارا ومدينة الرهاء ومدينة منبج ومدينة قنسرين ومدينة حلب ومدينة انطاكية وكانت أفضل مدينة بالشام ومدينة فامية ومدينة حمص ومدناً كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض وسبى أهل مدينة انطاكية ونقلهم إلى أرض السواد".
ويظهر من سياق هذه الرواية إن الطبري لم يكن على علم واضح بالمنذر بن النعمان ولا بخالد بن جبلة. وقد نقل روايته هذه من غير نقد ولا مناقشة. فالشخص الذي تخاصم المنذر معه هو الحارث بن جبلة، لا خالد بن جبلة. وقد وهم المورد الذي نقل الطبري منه، فظن انه خالد بن جبلة. وهو مورد يظهر كما يتبين من سياق الحديث انه اعتمد على كتاب من كتب التأريخ، لعله من المؤلفات الفارسية أو السريانية،
وقد نقل الدينوري منه أيضاً،فذكر خالد بن جبلة.
وفي رواية الطبري عن ملك المنذر مبالغة على ما يظهر، فليس في الأخبار التي يرويها الأخباريون عن هذا الوقت رواية واحدة يفهم منها إن نفوذ الفرس قد شمل هذه الأرضين الواسعة الممتدة من الحجاز إلى ساحل الخليج. وليس فيها خبر واحد يفهم منه إن ملك المنذر قد شمل الطائف وسائر الحجاز. ولو كان ملكه قد بلغ هذه البلاد لوعت ذلك ذاكرة أهل الأخبار شيئاً عنه،اذ انه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام.
ولم تنقطع المناوشات بين الحارث والمنذر، بالرغم من الهدنة التي اتفق الفرس والروم على عقدها لمدة خمس سنوات وذلك في سنة "545م". فبعد مدة قصيرة من التوقيع عليها، عادت نيران الحرب فاستعرت بين الحارث والمنذر من غير أن يتدخل الفرس أو الروم في هذا النزاع. وقد تمكن المنذر من مباغتة أحد أبناء الحارث: وكان يكلىء خيله في البادية، فأسره، وقدمه على ما يقوله بروكوبيوس ضحية إلى العزى "Aphrodite
وبعد أن جمع كل واحد منهما كل ما يملك من قوة ومن حديد، اشتبكا في حرب جديدة انتصر فيها الحارث انتصاراً كبيراً، وقتل عدداً كبيراً من جنود خصمه. فلما رأى ما حل به، فرّ هو ومن بقي حياً من أتباعه، تاركاً اثنين من أبنائه في جملة من وقع في الأسر.
وقد تكون غارة قيس بن سلمة بن الحارث الكندي على الحيرة غارة انتقامية من المنذر لما أنزله بآل كندة من خسائر. ويظهر أن قيساً قد باغت المنذر وفاجأه بغارة خاطفة اضطرته إلى الهزيمة والالتجاء إلى الخورنق مع ابنيه عمرو وقابوس. وبعد مضي عام على هذه الهزيمة، انتقم المنذر لنفسه بغارة أغارها على كندة كلفت الكنديين اثني عشر أميراً من بني حجر بن عمرو وقعوا في أسره في مكان يسمى ذات الشقوق، ثم أمر بعد ذلك بضرب اعناقهم في الجفر، وهو الموضع الذي أطلق عليه لهذه الحادثة جفر الأملاك، وهو موضع "دير بني مرينا" الذي أشير إليه في الشعر المنسوب لامرئ القيس.
ويذكر أهل الأخيار أن الشاعر "امرأ القيس الكندي" كان في جملة من وقع أسيراً، الا أنه افلت من الأسر ونجا بنفسه، فقال شعراً يرثي به من قتل، منه: ملوك من بني عمرو بن حجر يساقون العشية يقـتـلـونـا
فلو في يوم معركة أصيبـوا ولكن في ديار بني مـرينـا
ولم تغل جماجمهم بـغـسـل ولكن في الدماءُ مرَمّلـينـا
فهو يتألم ويتأفف من سقوط قومه قتلى، لا فى حرب ولا في معركة، ولكن في "ديار بني مرينا"، فأية مصيبة أعظم منّ هذه المصيبة ? ملوك أحرار شجعان يقتلون في مثل هذه الديار وفي رواية أن الذين قتلوا من بني حجر آكل المرار في جفر الأملاك هم تسعة واستشهدت على ذلك بشعر للحارث بن حلزة جاء فيه: وفديناهم بتسـعة أمـلا ك كرام أسلابهم أغلاء
وأشير في قصيدة هذا الشاعر إلى الجون. وهو جون آل بني الأوس، وهو في شرح الرواة ملك من ملوك كندة، وهو ابن قيس بن معديكرب. قالوا: وكان الجون جاء ليمنع بني آكل المرار، ومعه كتيبة خشناء، فحاربته بكر، فهزموه، وأخذوا بني الجون، فجاؤوا بهم إلى المنذر، فقتلهم.
وفي بعض الروايات أن المنذر توسط لعقد الصلح بين بكر وتغلب واشترط إن أي رجل وجد قتيلاً في دار قوم فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلتين قيس ما بينهما، فينظر أقربهما إليه، فتضمن ذلك القتيل. وأخذ من الفريقين رهناً بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن.
وفي عهد هذا الملك وقع "يوم طخفة" بحسب رواية بعض الأخباريين.
ويذكر هؤلاء أنه وقع بسبب "الردافة" وقيل: "الرفادة". فقد كانت ردافة ملوك الحيرة في "بني يربوع"، وكانت لعتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع في عهد "المنذر بن ماء السماء". فلما توفي، صارت إلى ابنه "قيس ابن عتاب" "عوف بن عتاب الرياحي" بحكم الوارثة، وكان حديث السن، فأشار "حاجب بن زرارة" على الملك إن يجعلها لرجل كهل له سن وعقل، وأشار عليه باختيار " الحارث بن بيبة المجاشعي"
الحارث بن مرط بن سفيان ابن مجاشع" ولما فاتح الملك "بني يربوع" برأيه هذا: غضبوا وأبوا، وأصر الملك على رأيه، والا حاربهم، فأبوا واستعدوا للقتال، وساروا إلى موضع "طخفة" وتحصنوا به، فأرسل المنذر في أثرهم جيشاً كبيراً من افناء الناس، عليه حسان أخوه وقابوس ابنه وبعث معهم الصنائع والوضائع، اشتبك مع "بني يربوع" هذا المكان،وصبر بنو يربوع وثبتوا، ثم أغاروا على جيش المنذر، فانهزم ووقع القتل فيه، وانهزم قابوس ومن معه،وضرب طارق أبو عميرة "طارق ابن عميرة" فرس قابوس. فعقره وأسره،وأراد أن يجز ناصيته، فغال: إن الملوك لا تجزّ نواصيها، وأسر حساناً بشر بن عمرو بنُ جوين، فعاد المنهزمون إلى المنذر، وكان المنذر قد احتبس "شهاب بن عبد "قيس" بن كياس اليربوعي" عنده. فلما رأى سوء العاقبة، استدعاه، فقال له: "يا شهاب، أدرك ابني وأخي، فان أدركتهما حيين، فلبنى يربوع حكمهم، وأردّ عليهم ردافتهم، وأترك لهم من قتلوا وما غنموا، وأعطيهم ألفي بعير"، فذهب إلى قومه وأعادهما، ووفى الملك بما قال. ونجد للاحوص وللفرزدق ولأم موسى الكلابية شعراً في هذا اليوم.
وفي عهد المنذر، كان يوم "أوارة الأول" على قول أهل الأخبار. وسببه أن تغلب لما أخرجت "سلمهَ بن الحارَث" عنها، التجأ إلى "بكر بن وائل" ولما بلغ بكراً أذعنت له تغلب ودانت لحكمه، وقالت له: "لا يملكنا غيرك" فأرسل اليهم "المنذر" يدعوهم إلى طاعته، فلم بجيبوه، فحلف المنذر ليسيرن اليهم فان ظفر بهم ذبحهم على قلة جبل أوارة حتى يبلغ الدم الحضيض، وسار اليهم بمجموعه ليبر بقسمه، والتقى بهم بأوارة، فهزمت بكر، وأسر "يزيد ابن شرحبيل الكندي"، فأمر المنذر بقتله فقتل، وقتل خلق كثير من بكر، وأمر المنذر بذبح الأسرى الرجال على قلة جبل أوارة، وباحراق النساء، والى ذلك أشار الأعشى بقوله.: سبايا بني شيبـان يوم أوارة على النار إذ تجلى به فتياتها
وختم عام "554م" هذا النزاع العنيف الذي أتعب الحارث والمنذر فاستراح الجانبان، ختم بسقوط المنذر بن النعمان "مونذر بر نعمن" "ملك العرب" صريعاً بيد خصمه الحارث بن جبلة بعيداً عن عاصمة ملكه، ففي منطقة قنسرين على روايات المؤرخين السريان،، ففي السنة السابعة والعشرين من حكم القيصر
"يوسطنيانوس" "جستنيان" "Justinianus" هاجم المنذر منطقة "Rhomaye" التابعة لحكم الروم، فنازله الحارث بن جبلة، وتغلب عليه، وقتله عند عين "عودايا" "Wdaja" في منطقة قنسرين. وقد سقط في هذه المعركة أحد أبناء الحارث، فدفنه أبوه فىٍ قلعة هذا الموضع.
و "عودايا"، هو "العذية" على رأي موسل، وهو من مواضع منطقة "بالميرينا" "Palmyrena"، أي منطقة تدمر، ومعظم هذهِ المنطقة هي من أعمال قنسرين.
وقد فهم "أوليري" من رواية للمؤرخ "ثيوفانس" ان المنذر كان حياً حتى سنة "562م"، وهي السنة التي عقد فيها الصلح بين الروم والفرس، وفيها توفي.
وقد ذكر "هارتمن" "Hartmann" إن المنذر هذا حارب في صفوف الرومان في أيام القيصر "طيباريوس الثاني" "Tiberius II"، غير انه خانهم وغدر بهم في احدى المعارك التي قادها "موريقيوس" "Mauricius"، فلما صار "موريقيوس" قيصراً قبض عليه، ونفى معه زوجته وبعض أبنائه إلى جزيرة صقلية. ولم يقل هذا القول أحد، وانما قصد المورد الذي استند إليه هارتمن وهو "ايوا كريوس" "Evagrius" منذراً آخر غير المنذر الذي نتحدث عنه.
وسبق لأوليري إن ظن هذا الظن، فذكر إن المنذر حدس إن في الفرس ضعفاً، وذلك بسبب انقطاع الحروب مدة بين الفرس والروم، فانضم إلى الروم وصار حليفاً لهم، وحارب معهم. فلما تبين لديه الأمر، عاد إلى حلفائه القدامى الفرس. فلما وقع في احدى المعارك أسيراً في أيدي الروم، نفاه القيصر موريقيوس سنة "580م" ونفى معه زوجته وبعض أولاده إلى صقلية. ومصدر وهمهما هو اعتمادهما على رواية للمؤرخين "ايواكريوس" "Evagrius" و "نيقيفورس كَالستوس" "Nicephorus Callistus" من غير أن يمحصاها. فالمنذر المقصود في هذه الرواية ليس هذا المنذر،. وانما هو المنذر بن الحارث بن جبلة الذي نفي بعد أن اتهمه الروم باتصاله من طرف خفي بالفرس، وانه كان السبب في اخفاق الحملة التي قادها "موريقيوس" يوم كان قائداً، فلما صار قيصراً، انتقم منه بالنفي.
أما الذي عليه أكثر الأخباريين فهو: إن قتل المنذر كان في عين اباغ في المعركة التي عرفت ب "يوم عين أباع". وعين أباغ بحسب وصف بعض الأخباريين واد من أودية العراق وراء الأنبار على الفرات بين الكوفة والرقة، لا يبعد كثيراً عن الحيرة.
وسبب وقوع هذه المعركة على ما يقولونه، هو أن المنذر بن ماء السماء سار من الحيرة في معد كلها حتى نزل بعين أباغ، وأرسل إلى الحارث الأعرج بن جبلة: إما أن تعطيني الفدية فأنصرف عنك بجنودي، وإما ان تأذن بحرب. فأرسل إليه الحارث: أنظرنا ننظر في أمرنا. فجمع عساكره وسار نحو المنذر،فلما التقى به في عين أباغ، اقتتلا، فقتل المنذر، وقتل فيها ابنان للحارث. فسار الحارث بولديه القتيلين إلى الحيرة، فأنهبها وأحرقها ودفن ابنيه بها ثم عاد.
ويذكر أهل الأخبار أن "عين أباغ" كانت منازل "إياد"، وان "أباغ" رجل من العمالقة نزل ذلك المكان فنسب إليه. وقد اختلفت الأقوال في "عين اباغ" فمنهم من جعلها موضعاً بين الكوفة والرقة، ومنهم من جعلها عين ماء، ومنهم من ينكر أنها عين ماء، ويرى انها واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام. ومنهم من يجعلها في "ذات الخيار".
ويظهر من تعليقات ابن الأثير على هذه المعركة إن من كان يرى أن اسم الملك الغساني الذي انتصر في هذا اليوم هو أبو شمر عمرو بن جبلة بن الحارث ابن حجر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم بن الحارث بن مارية الغساني، أو هو رجل من الأزد تغلب على غيرهما. وقد رجح هو رواية من قال إنه الحارث الأعرج بن جبلة، وهي رواية اكثرية الأخباريبن. ويؤيد هذه الرواية روايات المؤرخين السريان الذين سموا اسم ملك عرب الشام، فدعوه "حرث برجابالا" أي الحارث بن جبلة "حارث بن جبل". ويلاحظ أن ابن العبري استعمل جملة "ملك العرب" للمنذر. كما استعملها غيره من المؤرخين.
ويرى "ابن الأثير": أن "الحارث" لما بلغ "عين أباغ" ارسل إلى "المنذر" يقول: إنا شيخان هنا، فلا تهلك جنودي وجنودك، ولكن ليخرج رجل من ولدك، وليخرج رجل من ولدي، فمن قتل خرج عوضه. فإذا فني أَولادك وأولادي خرجت أنا اليك، ومن قتل صاحبه ذهب بالملك. فتعاهدا على ذلك. فعهد المنذر إلى رجل من في شجعانه، فأمره إن يخرج، ويظهر أنه ابن المنذر. فلما خرج، اخرج إليه الحارث ابنه "ابا بكر".
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:20 AM
فلما رآه، رجع إلى أبيه، وقال: إن هذا ليس بابن المنذر، انما هو عبده أو بعض شجعانه. فقال له الحارث:يا بني، أجزعت من الموت ? فعاد إليه وقاتله، فقتله الفارس، فألقى رأسه بين يدي المنذر. وعاد فأمر الحارث ابنه الاخر بقتاله والطلب بثأر أخيه، فخرج إليه، فشدّ عليه الفارس وقتله. فلما رأى ذلك "شمر بن عمرو الحنفي"، وكانت أمه غسانية، وهو مع المنذر، غضب، وقال للمنذر. أيها الملك، إن الغدر ليس من شيم الملوك ولا الكرام، وقد غدرت بابن عمك. فغضب المنذر. وهرب "شمر" إلى الحارث فأخبره. فلما كان الغد، أرسل الحارث اصحابه، وحرضهم، وكانوا اربعين الفاً، واصطفوا للقتال، فاقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل المنذر وهزمت جيوشه. فأمر الحارث بابنيه القتيلين فحملا على بعير، وسار إلى الحيرة فانتهبها وأحرقها، ودفن ابنيه بها، وبني الغريين عليهما في قول بعضهم. والمعروف إن الذي بنى الغريين هو النعمان بن المنذر فوق قبري نديميه.
واشار حمزة ايضاً إلى اختلاف الرواة في القاتل والمقتول في يوم عين اباغ، فقال: وقتله الحارث الأعرج،
وهو الحارث الوهاب الجفني يوم عين اباغ. وهو اليوم الذي قيل فيه ما يوم حليمة بسرّ. وفي كتاب المعارف: أن الذي قتله الحارث الأعرج في يوم حليمة هو المنذر بن امرئ القيس. وكان يوم عين اباغ بعد يوم حليمة. والمقتول في يوم عين اباغ المنذر بن المنذر. وكان خرج يطلب بدم ابيه. فقتله الحارث الأعرج ايضاً. وقد سمعنا إن قاتله مرة بن كلثوم أخو عمرو بن كلثوم التغلبي.
وقد ذكر "ابن قتيبة" في "كتاب المعارف" إن الحارث بن ابي شمر الغساني، وهو الحارث الأعرج، هو الذي قتل المنذر بن امرئ القيس، قتله ب "الخيار". ويظهر من خبره هذا إن قتل المنذر انما كان ب "الخيار"، لا في "يوم حليمة"، وأن "الخيار" أو "الحيار" موضع اقرب ما يكون إلى الحيرة منه إلى بلاد الشام.
وهناك رواية أخرى عن مقل المنذر بن ماء السماء نجدها مدوّنة في الأغاني، لم تشر الى عين اباغ ولا إلى يوم حليمة، أو ذات الخيار، خلاصتها، إن شمراً ابن عمرو الحنفي احد بني سحيم هو الذي قتل المنذر بن ماء السماء، قتله غيلة لما حارب الحارث بن جبلة الغساني،
فبعث إلى المنذر بمئة غلام نحت لواء شمر هذا، يسأله الامان على إن يخرج له عن ملكه، ويكون له من قبله. فركن المنذر إلى ذلك، وأقام الغلمان معه، فاغتاله شمر بن عمرو الحنفي، فقتله غيلة. وتفرق معه من كان مع المنذر، وانتهبوا عسكره. وذكر "ابن دريد" إن قاتل المنذر الاكبر، وهو جدّ النعمان بن المنذر، يوم عين اباغ، هو "شمر بن يزيد". وهو من "بني حنيفة"، وكان في جند الملك الغساني.
وتحدث "ابن خلدون" عن "يوم عين اباغ"، فقال: "كان جبلة ين النعمان صاحب يوم عين اباغ، يوم كانت الهزيمة له على المنذر بن ماء السماء. وقتل المنذر في ذلك اليوم ". ولكننا نجده يقول في موضع آخر: "عمرو بن عمرو بن عبد الله بن عبد العزّى ؛ قاتل المنذر بن ماء السماء في يوم عين اباغ". وذكر إن "عمراً" هذا هو ابن عم "علي بن ثمامة بن عمر بن عبد العزّي بن سحيم بن مرة" وهو الذي توّجه كسرى. وقد ذكر إن "جبلة بن النعمان"، صاحب يوم عين اباغ، كان منزله بصفين..
وفي رواية اخرى إن "حليمة" كانت قد اخرجت خلوقاً، فخلقت به الفتيان.
ولما خلقت احدهم، واسمه "لبيد بن عمرو"، دنا منها فقبلها، فلطمته وبكت، فأمسكها ابوها، ثم ذهب من ذهب وفيهم "شمر بن عمرو الحنفي" وكانت امه من غسان، الى "المنذر" متظاهرين انهم جاؤوا إليه ليخبروه إن الحارث يدين للمنذر، وهو يريد إن يعطيه حاجته، فتباشر اهل عسكر المنذر، وغفلوا بعض غفلة، فحمل الغلمان على المنذر وقتلوه، فقيل: "ليس يوم حليمة بسر"، فذهب مثلاً.
وذكر "ابن قتيبة" أن "الحارث بن ابي شمر الغساني، وهو الأعرج وجه إلى المنذر بن ماء السماء مئة فارس، فيهم الشاعر "لبيد بن رييعة"، وأمره عليهم، فصاروا إلى عسكر المنذر، وأظهروا انهم أتوه داخلين في طاعته، فلما تمكنوا منه قتلوه وركبوا خيلهم فقتل اكثرهم ونجا لبيد، حتى اتى ملك غسان، فأخبره الخبر، فحمل الغسانيون على عسكر المنذر فهزموهم. وهو يوم حليمة. وكانت حليمة بنت ملك غسان. وكانت طيبت هؤلاء الفتيان حين توجهوا وألبستهم الأكفان والدروع وبرانس الأضريج".
وقد جعل بعض الاخباريين عين اباغ "ذات الخيار"، ويفيد قولهم هذا إن عين اباغ هو موضع يقع في منطقة تسمى ذات الخيار "الحيار"، ويرى "نولدكه" إن موضع "الحياران" الوارد في معلقة "الحارث" هو ايضاً هذا المكان. وللتثبت من هذا القول، لا بد من الوقوف على موضع ذات الخيار "الحيار" و "الحياران". وقد ذكر ياقوت الحموي إن الحيار صقع من برية قنسرين، كان الوليد بن عبد الملك اقطعه القعقاع بن خليد بينه وبين حلب يومان. وهذا الوصف لموقع الحيار ينطبق على ما رواه المؤرخون السريان عن موضع مقتل المنذر كما يوافق رأي من جعل عين اباغ ذات الخيار.
وممن ذهب هذا المذهب، "ابو الفداء"، فقال في حديثه عن "يوم عين اباغ". "ومن ايام العرب يوم عين اباغ، وكان بين غسان ولخم، وكاّن قائد غسان الحارث الذي طلب أدراع امرئ القيس، وقيل: غيره. وكان قائد لخم المنذر بن ماء السماء. وقتل المنذر في هذا اليوم، وانهزمت لخم، وتبعهم غسان إلى الحيرة، وأكثروا بين هم القتل. وعين اباغ في موضع يقال له. ذات الخيار".
وذكر ابن عبد ربه المتوفي سنة 328ه إن القتيل في يوم عين اباغ هو المنذر ابن ماء المسماء، وهو الذي تولى ملك الحيرة بعد قابوس وقبل النعمان بن المنذر، الذي قربه "عدي بن زيد العبادي" إلى كسرى. واما القاتل، فهو الحارث الغساني. ومرد امثال هذا الاختلاف في اسماء الملوك في الروايات، إلى تشابه الاسماء اذ يصعب على الرواة، وهم يعتمدون في رواياتهم على الحفظ، إن يميزوا بعد مدة بين امثال هذه الاسماء، فيحدث لهم مثل هذا الاضطراب.
ونجد هذا الرأي عند "النويري" كذلك، اذ جعله ايضاً والد "النعمان" الملك الاخير من ملوك الحيرة، والذي قتله كسرى كما سنرى فيما بعد. والنويري هو عيال على "ابن عبدربه" في كثير من الاخبار، ولا سيما اخبار الايام.
ويتبين من غربلة الأخبار الواردة عن "يوم اباغ"، "يوم عين أباغ" إن من الأخباريين من يرى إن يوم عين اباغ ويوم حليمة، هما يوم واحد، ولا فرق بينهما، وقالوا انما عرف ذلك اليوم ب "يوم حليمة"، لبروز اسم "حليمة" فيه، وهي بنت ملك غسان، تخلقّ المحاربين وتحثهم على القتال.
. وان من الأخباريين من جعل "يوم حليمة" يوماً آخر مغايراً ليوم عين أباغ، ثم اختلفوا فيه، فمنهم من جعله قبل يوم عين اباغ، ومنهم من جعله بعده. وقد ذكروا انه كان يوماً عظيماً، اشترك فيه عدد كبير من المقاتلين، " وعظم الغبار حتى قيل: إن الشمس قد أنحجبت وظهرت الكواكب المتباعده من مطلع الشمس".
وهذا مما يدل على اشتراك عدد كبير من المقاتلين فيه. وممن ذهب إلى إن "يوم حليمة" هو يوم آخر "ابن الأثير"، وقد جعله بعد "يوم عين أباغ،. وقال: انه وقع في موضع يعرف ب "مرج حليمة"، وسببه إن المنذر لما قتل أراد ابنه "الأسود" الأخذ بالثأر، فسار في جيش لجب، والتقى بجيش "الحارث" في "مرج حليمة". ولما طالت الحرب، أمر الحارث ابنته "هند" بأن تخلق فتيان غسان، ونادى فتيان غسان: من قتل ملك الحيرة زوّجته ابنتي هند. فقال لبيد بن عمرو الغساني لأبيه: يا أبي أنا قاتل ملك الحيرة أو مقتول، ثم ركب فرسه، وشد على الأسود، فقتله، وانهزمت لخم ثانية، وقتلوا في كل وجه. وانصرفت غسان بأحسن ظفر في تفاصيل أخرى لا مجال لشرحها هنا.
فتبين من خبر "ابن الأثير" هذا إن الموضع الذي وقع فيه القتال اسمه "مرج حليمة"، وان اسم ابنة الحارث هو "هند" لا حليمة، وان المقتول فيه هو "الأسود" لا المنذر، وان هذا اليوم قد وقع بعد "يوم عين أباغ".
وفي رواية إن الغساسنة تمكنوا في المعركة التي سقط فيها المنذر من أسر أحد أبنائه وهو امرو القيس، وبقي في أسرهم إلى أن أغارت بكر بن وائل على بعض بوادي الشام، فقتلوا ملكاً من ملوك غسان، واستنقذوا امرأ القيس بن المنذر، وأخذ عمرو بن هند بنتاً لذلك الملك يقال لها ميسون. وقد ذهب "كوسان دي برسفال" إلى أن هذه الغارة كانت في بقيادة أحد أبناء المنذر القتيل، وانها كانت غارة انتقامية وقعت بعد المعركة التي سقط فيها ابن ماء السماء. وقد أشار الحارث بن حلزة إلى ذلك في شعره مفتخراً: وفككنا غل امرئ القيس عنه بعد ما طال حبسه والعنـاء
وقد زعم الشرّاح أن امرأ القيس هذا كان معروفاً بماء السماء أما الملك الغساني القتيل، فلم يشيروا إلى اسمه، وأشك في الذي رواه الأخباريون من أنه كان ملكاً. وأرى احتمال كونه أحد أبناء الملوك. واستعمال جملة "رب غسان"، هي من باب التفخيم للعمل الذي قامت به بكر.
وذكر بعض الرواة أن حجراً الكندي، وهو في نظرهم حجر بن أم قطام، غزا امرأ القيس هذا، وكانت مع حجر جموع كثرة من كندة، غير أن بكراً التي كانت مع امرئ القيس قاتلته، وقتلت جنوده.
وذهب بعض الأخباريين إلى أن مقتل المنذر بن ماء السماء هو في يوم حليمة، قتله الحارث بن ابي شمر الغساني. وسبب تسمية ذلك اليوم بيوم حليمة أن حليمة ابنة الحارث كانت تخلّق قومها وتحرضهم على القتال في ذلك اليوم. وذهب آخرون إلى أنه موضع.
وفي رواية تنسب إلى ابن الأعرابي أن بني تغلب حاربوا المنذر بن ماء السماء، ولكنهم غلبوا على أمرهم، فلحقوا بالشام خوفاً منه. وبقوا هناك، فمرّ بهم عمرو بن أبي حجر الغساني في رواية، أو الحارث بن أبي شمر الغساني في رواية أخرى، فلم يستقبلوه، فانزعج من ذلك، وتوعدهم، وأن عمرو بن كلثوم نهاه عن ذلك.
وقد روى بعض أهل الأخبار أبياتاً من الشعر، زعموا أن ابنة المنذر قالتها في رثاء والدها، ففي جملتها: وقالوا: فارساً منكم قتلنـا، فقلنا: الرمح يكلفُ بالكريم
بعين أباغ قاسمنا المـنـايا فكان قسيمها خير القسـيم
وينسب إلى المنذر بناء الغريين في بعض الروايات، وكان السبب في ذلك كما يقول الأخباريون أنه كان له نديمان من بني أسد يقال لأحدهما خالد بن نضلة "مضلل" "خالد بن المضلل" والآخر عمرو بن مسعود "عمرو بن مسعود الأسدي"، فثملا، فراجعا الملك ليلة في بعض كلامه، فأمر وهو سكران فحفر لهما حفيرتان فدفنا حيين. فلما أصبح استدعاهما،
فأخبر بالذي أمضاه فيهما، فغّمه ذلك، وقصد حفرتهما، وأمر ببناء طربالين عليهما، وهما صومعتان. فقال المنذر: ما أنا بملك إن خالف الناس أمري، لا يمر أحد من وفود العرب إلا بينهما، وجعل لهما في السنة يوم بؤس ويوم نعيم، يذبح في يوم بؤسه كلَّ من يلقاه ويغرّي بدمه الطربالين، ويحسن في نعيمه إلى كل من يلقى من الناس ويحملهم ويخلع عليهم. وقد ظل المنذر على عادته هذه إلى أن حدث له حادث، أظهر فيه رجل ظهر يوم بؤسه وفاءً عظيماً، فعفا عنه، وترك تلك العادة وتنصر. وكان الرجل الذي برّ بوعده فحضر بعد عام ليأخذه سيف الجلاد نصرانياً،ولذلك تنصر المنذر. وذكروا أنه لم يكن يتورع من ذبح أعز الناس عليه اذا ظهر له يوم بؤسه. فلما ظهر الشاعر الشهير عبيد بن الأبرص الأسدي، لم ينجه شعره من مصير ذلك اليوم. وذكروا أن الرجل كاد يسلمه سوء طالعه إلى يد الجلاد، هو حنظلة الطائي، وأنه ترهب بعد هذا وابتنى ديراً له هو الدير المعروف بدير حنظلة. وأما الذي كفل ذلك الرجل حتى يعود بعد عام، فرجل من أشراف القوم هو شريك بن عمرو. وذكروا أيضاً أن حنظلة هذا هو عم أياس بن قبيصة الطائي ملك الحيرة.
وورد في بعضن الروايات إن "المنذر بن ماء السماء"، خرج في يوم بؤسه، وكان يوماً يركب فيه فلا يلقى احداً إلا قتله، فلقي في ذلك اليوم "جابر بن رألان" أحد "بني ثعل" ومعه صاحبان، فأخذتهم الخيل بالثوبة، فأتى المنذر فقال: اقترعوا، فأيكم قرع، خليت سبيله، وقلت الباقين. فاقرعوا، فقرعهم جابر، فخلى سبيله، وقتل صاحبيه، فلما رآهما يقادان ليقتلا، فال عزّ بزَّ. ورووا في ذلك شعرأَ نسبوه إلى جابر.
ومن الأخباريين من نسب بناء الغريين إلى النعمان الثالث، ومنهم من نسبهما إلى جذيمة، وذهب آخرون إلى نسبة الغريّ إلى الحارث الغساني. ويرينا هذا الاختلاف مبلغ جهلهم بأصل الغريين.
وقد ذ كَر "النويرى" إن الغريين أسطوانتان كانتا بظاهر الكوفة، بناهما "النعمان بن المنذر بن مّاء السماء" على جاريتين كانتا قينتين تغنيان بين يديه، فماتتا، فأمر بدفنها، وبنى عليهما الغريين. وذكر أيضاً أن "المنذرغزا الحارث ابن أبي شمر الغساني، وكان بينهما وقعة عين أباغ،وهي من أيام العرب المشهورة، فقتل للحارث ولدان، وقتل المنذر، وانهزمت جيوشه، فاًخذ الحارث ولديه وجعلهما عدلين على بعير ?
وجعل المنذر فوقهما،وقال: ما العلاوة بدون العدلين ? فذهبت مثلاً، ثم رحل إلى الحيرة، فانتهبها وحرقها، ودفن ابنيه بها، وبنى الغريين عليهما ". وقد ذكر إن "المنصور" أمر بهدم أحدهما، لكنز توهم انه تحتهما، فلم يجد شيئاً.
وهذا الذي يرويه أهل الأخبار عن سبب بناء الغريين، هو من القصص الذي ألفناه، وعوّدنا أصحاب الأخبار سماعه، فلا قيمة تأريخية له فيَ نظرنا، وان أكد لنا الأخباريون أو حاولوا التأكيد بأنه حق، وانه أمر مسلّم به وشائع معروفَ، وإن عبيداً لقي حتفه لظهوره يوم بؤس المنذر أو النعمان. وقد يكون ذلك مسلّماً به عندهم، غير اننا لسنا من السذاجة بحيث نصدق بأمثال هذا القصص لمجرد انه شائع معروف، فليس كل شائع معروف أمراً صحيحاً يجب الأخذ به.
ونحن لا نريد أن ننكر وجود الغريين، فليس إلى نكرانهما أو نكران "الغري" من سبيل. ولكننا كما قلت ننكر هذا القصص الذي يرويه الأخباريون عن هذين الغريين، لأنه قصص نشأ كما نشأ أمثاله عن جهل الناس أو أهل الأخبار بأصول الأشياء،
فلما احتاجوا إلى معرفة الأسباب، أوجدت لهم مواهبهم هذا القصص الطريف، وهو أمر لم ينفرد به زمان دون زمان، فما زال الناس يبتدعون قصصاً ثم يروونه، ويتناقلونه على انه شائع صحيح، مع إن تأريخ ابتداعه لا يبعد عن زماننا بكثير، وأهل الحي بهذا القصص عارفون.
أما إن الغريين حفرتان دفن في كل حفرة منهما رجل حي،لأنه عربد وسكر، وتحدث بكلام غاظ الملك، وما اشبه ذلك من قصص، فأمر لا نستطيع أن نقف منه موقفاً ايجابياً، ولا نسلّم به. ففيه شيء من أثر الصنعة والتكلف. ولكننا نستطيع أن نقول إن الغري أو الغريين من المواضع التي كانت لها صلة بعبادة الأوثان،.ومن الجائز انهما كانا مخصصين لتقديم الذبائح والقرابين في المواسم الدينية وفي الأعياد. وقد عرفت مثل هذه العادات عند شعوب أخرى، فكانت تهرق دماء الذبائح عند الأنصاب ثم تطلى بها. وما الغريان الا نصبان من هذه الأنصاب. على إن الأخباريين أنفسهم قد ذكروا إن الغري نصب كان يذبح عليه العتائر، كما ذكروا إن الغريين كانا طربالين، والطربال صومعة على رأي، وشيء مرتفع عند الأكثرين. فلا يستبعد أن يكون الغريان موضعين من مواضع ذبح القرابين للاصنام.
ويذكر أهل الأخبار أن "شريك بن مطر"، وهو جد "معن بن زايدة"، كان من أكبر الناس عند المنذر. وكان له ولد اسمه "الحارث" ويلقب ب "الحوفزان" وهو من بني "شيبان".
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:25 AM
الفَصْلُ الثَامِنُ والثَلاثون
عمرو بن هند
والذي خلف المنذر على ملك الحيرة بعد وفاته،هو ابنه عمرو بن هند المعروف ب "مضرط الحجارة"، وهو لقب يشير بالطبع إلى قوة ابن هند وشدة بأسة، وقد عرف عمرو بأمه "هند بنت عمرو بن حجر الكندي آكل المرار"، فهو كندي من جهة أمه، وعرف أيضاً ب "محرق الثاني" على رواية حمزة، وب "المحرق" في رواية لغيره. وقد كان له من الأشقاء من أمه: قابوس و المنذر.
ويرى بعض الباحثين احتمال كون "هند" من "آل غسان"، واليها ينسب دير هند. ويرى أن حكم ابنها عمرو كان فيما بين السنة "554" والسنة "569م".
وزعم ابن الأثير أن الذي تولى الملك بعد المنذر بن ماء السماء هو ابنه المنذر ابن المنذر بن ماء السماء المعروف ب "الأسود"، وأنه لما استقر الأسود وثبت قدمه جمع عساكره وسار إلى الحارث الأعرج طالباً بثأر أبيه، ونزل برج حليمة. ووصل الحارث إلى هذا الموضع كذلك، واقتتل الطرفان أيامهاً ولم ينتهيا إلى نتيجة. فلما رأى الحارث طول الوقت، نادى في فتيان غسان: "يا فتيان غسان. من قتل ملك الحيرة زوجته ابنتي هنداً".
فلما سمع ذلك لبيد بن عمرو الغساني، شدّ على الأسود فقتله، وانهزم أصحابه، فنزل لبيد واحتز رأس الأسود،واقبل به إلى الحارث، فألقى الرأس بين يديه، فوافق الحارث على اعطاء لبيد ابنته، ثم إن لبيداً انصرف ليواسي أصحابه، فرأى أخاً للأسود يقاتل الناس، فتقدم لبيد فقاتل فقتل، ولم يقتل في هذه الحرب بعد تلك الهزيمة غيره. وانهزمت لخم ثانية، وكثر فيها القتل. وذكر الأخباريون أن هذا اليوم هو من أيام العرب الكبرى إذ سار الأسود بجمع من عنده من عرب العراق، وأقبل الحارث بجميع من كان عنده من عرب الشام. فجعلت هذه الرواية بعد المنذر ابنه المنذر الأسود وجعلته صاحب مرج حليمة.
وتذكر رواية إن جيش الحارث الأعرج بن جبلة أسر كثيراً ممن كان مع المنذر من العرب، وفيهم مئة من تميم، فيهم شأس بن عبدة. ولما سمع أخوه علقمة، وفد الى الحارث مستشفعاً وأنشده قصيدة مدح طويلة، فمنّ عليه،وأطلق له الأسرى من تميم، وكساه وحباه.
وهناك رواية أخرى عن مقتل المنذر بن المنذر، خلاصتها: إن الحارث بن أبي شمر جبلة بن الحارث الأعرج خطب إلى المنذر ابنته هنداً. وقصد انقطاع الحرب بين لخم وغسان فوافق المنذر على ذلك. غير إن هنداً أبت عليه ذلك، فحقد الحارث على آل لخم
فلما خرج المنذر غازياً، بعث الحارث جيشاً إلى الحيرة، فانتهبها وأحرقها، فانصرف المنذر عن غزاته وسار يريد غسان. وبلغ الخبر الحارث، فجمع أصحابه وقومه، فسار بهم، فتوافقوا في عين اباغ. فاصطفوا للقتال، واقتتلوا قتالاً شديداٌ، وحملت ميمنة المنذر على ميسرة الحارث وفيها ابنه، فقتلوه وانهزمت الميسرة. وحملت ميمنة الحارث على ميسرة المنذر، فانهزم من بها وقتل مقدمها "فروة بن مسعود بن عمرو بن أبي ربيعة بن ذهل ابن شيبان"، وحملت غسان من القلب على المنذر فقتلوه، وانهزم أصحابه في كل وجه، وقتل منهم خلق كثير، منهم ناس ش بني تميم، ومن بني حنظلة، ووقع عدد في الأسر، ومن هؤلاء الأسرى: "شأس بن عبدة" شقيق علقمة ابن عبدة من شعراء الجاهلية المعروفين. فالقتيل في هذه المعركة وعلى هذه الرواية اذن هو المنذر بن المنذر بن ماء السماء، لا المنذر بن ماء السماء.
وقد تشكى ابن الأثير كما تشكى قبله حمزة من اختلاف الأخباريين في الروايات، ومن تضارب الروايات بعضها ببعض، ومن تقديم الأيام وتأخيرها، وفي الشخص المقتول، فذكر إن من الأخباريين من يقول إن يوم حليمة هو اليوم الذي قتل فيه المنذر بن ماء السماء،
وأما ابنه المنذر فمات بالحيرة. وقيل إن المقتول من ملوك الحيرة غيرهما. وقد رجح ابن الأثير رواية القائلين إن المقتول هو المنذر بن ماء السماء، ورجح أيضاً رواية من يقول إن المنذر بن المنذر لم يقتل، وانما مات حتف أنفه.
ويذكر أن "علقمة بن عبدة" الشاعر الجاهلي، ذهب إلى الحارث، فمدحه بقصيدة شهيرة، رجاء استعطاف الملك، ليمنّ عليه بالعفو عن أخيه، فيفكه من أسره، فاستحسن الملك شعره وفرح به، ومنّ عليه بفك أسره، وبفك أسر جميع من وقع من قومه في الأسر. فلما عادوا إلى ديارهم، أعطوا شأساً اموالاً وأكسية وإبلاً، فحصل من ذلك له مال كثير.
وفي يوم "حليمة" ورد المثل. "ما يوم حليمة بسرّ".
أعود بعد الكلام على "المنذر بن المنذر" إلى الحديث عن عمرو بن هند شقيقه.، فأقول: يظهر من هذه الروايات المذكورة عنه، ومن هذا الشعر الوارد اسمه فيه، أنه كان رجلاً سريع الانفعال، يتألم بسرعة مما يقال له، ولذلك حدثت له مشكلات عديدة لم تكن لتحدث لولا هذا الحس المرهف عنده، الذي جعله عرضةً لهجو الشعراء، والشعراء ألسنة الناس وأبواق الدعاية في ذلك العهد، وقصته مع طرفة بن العبد والمتلمس معروفة مشهورة.
ويصفه أهل الأخبار بالشدة والصرامة، بل جعلوه شريرا، وزعموا أنه كان له يوم بؤس ويوم نعيم، فيوم يركب في صيده يقتل أول من لقي، ويوم يقف الناس ببابه فإن اشتهى حديث رجل أذن له، فكان هذا دهره. وقالوا: إنه كان لا يبتسم ولا يضحك. وكانت العرب تسميه "مضرط الحجارة" لشدة ملكه، وكانوا يهابونه هيبة شديدة، وكان عاتياً جباراً ويسمى محرقاً أيضاً، لأنه حرق بني تميم، وقيل: بل حرق نخل اليمامة.
وقد وصف الشاعر "الرهاب العجلي" الملك "عمرو بن هند" بأنه ملك "يعتدي ويجور" وذلك في معرض وصفه للسدير.
وقد أصبحت الحيرة موئل الشعراء في أيام عمرو ين هند، فلأكثر مشاهير الشعراء الجاهليين خبر مع هذا الملك، كانوا يحضرون إليه من أماكن نائية لانشاده شعرهم ولنيل جوائزه، ولم تكن مجالسه لتخلو من منافسة الشعراء بعضهم لبعض، ومن نقد بعضهم شعر بعض، كالذي حدث بين طرفة والمسيب بن علس على ما يذكره الأخباريون. وقد كانت لمثل هذه المنافسات أهمية كبيرة في مجتمع ذلك اليوم، لما كان لها من أثر في نفوس القبائل، وطالما أدت إلى غضب القبائل وغضب الملك نفسه، وغضب الشعراء على منافسيهم وعلى الملك، لاعتقادهم بتحزبه لأحد الخصمين.
وذكر بعض الرواة أن سبب هجاء "طرفة" عمرو بن هند إن عمرو بن هند كان يتباطأ في مجلسه في استقبال الناس. فإذا جلس لشرابه، أخذ الناس بالوقوف على بابه حتى ينتهي من مجلس أنسه، فيسمح عندئذ لذوي الحاجات بالد********* عليه، كما كان يصرف وقته بالتلهي بالصيد والقنص، مما جعل وقته يضيق عن استقبال الناس، فصاروا يتكالبون على بابه ليجدوا وقتاً يدخلون فيه عليه، فاستاء طرفة من هذه المعاملة. وقال شعراً يهجوه فيه، كان في جملة ما جاء فيه.
فليت لنا مكان الملك عمـرو رغوثاً حول قبتنا تـخـور
لعمرك إنّ قابوس بن هنـد ليخلط ملكه نـوك كـثـير
قسمت الدهر في زمن رخيّ كذاك الحكم يقصد أو يجور
فبلغ الشعر "عمرو بن هند"، ابلغه إياه "عبد عمرو"، وكان من سادات الناس في زمانه، وكان زوج أخت "طرفة"، وقد هجاه "طرفة" أيضاً. فلما أنشد "عمرو بن هند" هجاء طرفة له على سبيل المزاح والاستخفاف بشأنه، قال له "عبد عمرو": أبيت اللعن! ومما قال فيك أشد مما قال فيّ فأنشده الأبيات.
فقال عمرو بن هند: أو قد بلغ من امره إن يقول فيَّ مثل هذا الشعر. فكتب إلى رجل من عبد القيس بالبحرين، وهو المعلى ليقتله. فقال له بعض جلسائه: إنك إن قتلت طرفة، هجاك المتلمس وهو رجل من مجرب،وكان حليف طرفة، وكان من بني ضبيعة فأرسل عمرو الى طرفة والمتلمس فكتب لهما إلى عامله بالبحرين ليقتلهما، وأعطاهما هدية من عنده وحملهما، وقال: قد كتبت لكما بحباء، فأقبلا حتى نزلا الحيرة، وارتاب المتلمس بأمر الصحيفة واستقبال عمرو لهما، ففك ختمها وعرضها على غلام من أهل الحيرة، فقرأها، فاذا فيها أمر بقتله، فأخذ الصحيفة فقذفها في البحيرة وقال: وألقيتها بالثني من جنب "كافر" كذلك أُلقي كل رأي مضلـل
وأشار على طرفة بفك خاتم صحيفته أيضا ليقرأها له، ولكنه أبى، وذهب إلى صاحب البحرين، فوجد هناك نهايته في قصص منمق محبّر يرويه أهل الأخبار.
ويذكر بعض أهل الأخبار إن قبر طرفة بهجر، وهو معروف هناك. وللشاعر "طرفة بن العبد" شعر يعاتب به "عمرو بن هند"، ويحرضه فيه على الطلب بحق أخيه "معبد"، الذي أغير على إبل له، وكانت في جوار "عمرو بن هند" فانتهبت. ويقول فيه: نحن في طاعتك، ومضر في طاعتك، فما بالنا أغر علينا، وكلنا ندين لك.
ولطرفة شعر في هجاء "قابوس" كذلك. ونرى بعض الأخباريين ينسبون إليه يومين: يوماً يصيد فيه، ويِوماً يشرب فيه، فيقف الناس ببابه حتى يأذن لهم بالد********* إليه، ولذلك سئم منه طرفة فهاجاه وهجا عمرو بن هند شقيقه معه. وينسب بعض أهل الأخبار هذه القصة إلى عمرو بن هند.
ويتبين من حديث الأخباريين عن صحيفة المتلمس، ومن قصة نهاية طرفة في البحرين، إن البحرين كانت تابعة في ذلك العهد لملك الحيرة، وان حاكمها كان عاملاً لعمرو بن هند. وقد ورد في رواية إن اسم عامل عمرو بن هند هو "أبو كرب ربيعة الحرث"، وهو من ذوي قرابة "طرفة" فلما علم بخبر "طرفة" لم يقتله، وكتب إلى "عمرو بن هند" انه لن يقتله، وقد اعتزل عمله. فعينّ عمرو عاملاً آخر مكانه اسمه في بعض الروايات "عبد هند".
وتقول رواية أخرى إن قاتل طرفة هو "المكعبر" عامل البحرين، قتله بكتاب عمرو بن هند. وكان "المكعبر" عامل عمرو بن هند على عمان والبحرين على رواية هؤلاء الرواة. وتزعم رواية أخرى إن الذي قتله رجل من "الحواثر"
اسمه "التربيع بن حوثرة" "أبو ريشة" "أبو رائشة الحوثري" وكان، "عمرو اين هند" قد اختاره وعيّنه على البحرين: حين همت "بكر بن وائل" بعامل "عمرو بن هند". وتزعم رواية اخرى، إن قاتله هو "المعلي بن حنش العبدي" وان الذي تولى قتله بيده هو "معاوية بن مرة الأيفلي" من "حي طسم وجديس".
وفرّ المتلمس إلى بلاد الشام حيث الغساسنة أعداء المناذرهّ، وصار يمدحهم ويهجو عمرو بن هند، واستقر ب "بصرى" إلى أن هلك. وقد خلف ولداً اسمه "عبد المنان". وهناك قصص عن كيفية عودته إلى زوجته، وعن وصوله اليها ساعة عقد قرانها لرجل جديد في كنيسة، لظن أهلها انه كان قد مات. وقد سخر "المتلمس" في أشعاره من "عمرو بن هند"، وأقذع في هجائه حتى قال فيه: ملك النهار فأنت الليل مومسةماء الرجال على فخذيك كالقرس ووصفه فقال: انه "أخنس الأنف"، وان أضراسه كالعدس، إلى غير ذلك من هجاء مرّ شديد.
وأود أن أبيّن إن من الرواة من ينسب هذا الهجاء إلى شاعر آخر، قالوا إن اسمه "عبد عمرو بن عمارة"، وذكروا انه قاله في هجاء "الأبيرد الغساني".
ويظهر من رسالة الغفران، أن للناس أقاويل في مقتل "طرفة"، ورد فيها: "ولقد كثرت في أمرك أقاويل الناس: فمنهم من يزعم أنك في ملك النعمان اعتقلت، وقال قوم: بل الذي فعل به ما فعل عمرو بن هند".
وتطرق "الشريف المرتضى" في أماليه إلى موضوع قتل "عمرو بن هند" لطرفة، فذكر أن عامل البحرين يومئذ هو "المعلى بن حنش العبدي" وذهب إلى احتمال كون قاتل "طرفة" هو "النعمان بن المنذر"، استدل على ذلك بقول طرفة: أيا منذر كانت غروراً صـحـيفـتـي ولم أعطكم في الطوع مالي ولاعرضي
أبا منذر أفنيت فاستـبـق بـعـضـنـا حنانيك بعض الشر أهون من بـعـضٍ
قال: "وأبو المنذر هو النعمان بن المنذر، وكان النعمان بعد عمرو ين هند، وقد مدح طرفة النعمان فلا يجوز أن يكون عمرو قتله، فيشبه أن تكون القصة مع النعمان ".
هذا وللمتلمس أشعار في هجاء "عمرو بن هند"، وقد ظل يهجوه إلى أن توفي وهو في الغربة في بلاد الشام. وفي جملة ما قاله فيه.
أطردتني حذر الهجاء ولا والله والأنصاب لا تَـئِلُ
فهو يعيره بأنه إنما ابعده عنه وطرده، لأنه كان يهجوه، ولأنه كان يحذر هجاءه ويقول في أبيات أخرى.
ألـك الـسـدير وبـارق ومرابض، ولك الخورنق
والقصر ذو الشرفات من سداد والنخل المسـبـقّ
* * * فلئن تعشق فلتبلغـن أرماحنا منك المُخنَقَّْ
وللشاعر "سويد بن خذاق" شعر في هجاء "عمرو بن هند"، وهو أخو الشاعر "يزيد بن خذاق"، وهما من "عبد القيس". وذكر أن "يزيد بن خذاق"، كان أول من ذمَّ الدنيا في شعر. وفي جملة ما قاله "سويد" في هجاء "عمرو بن هند"، قوله: أبى القلب أن يأتي السدير وأهله وإن قيل عيش بالسدير غـزير
به البق والحُمّى وأسد خـفَـيّة وعمرو بن هندٍ يعتدي ويجور
و "المنخل اليشكري" من معاصري "عمرو بن هند" كذلك. وكان يشبب ب "هند" اخت "عمرو بن هند"، واتهم بامرأة لعمرو بن هند، فقتله على رواية. وذكر انه اتهم بالمتجردة امرأة النعمان بن المنذر،وانه كان ينادم النعمان، وهو الذي اوقع فيما بينه وبين النابغة لحقده عليه، حتى سبب في فرار النابغة إلى "آل غسان" ليخلص نفسه من غضب النعمان عليه. ومعنى هذا إن "عمرو ابن هند" لم يقتله بل عاش إلى ايام النعمان.
وقد مدح "المثقب العبدي" "عمرو بن هند" وكان في زمانه، بقوله: غلبت ملوك الناس بالحزم والنهـى وأنت الفتى في سورة المجد ترتقي
ونجب به من آل نصـر سـمـيدعٍ أغرّ كلون الهـنـدوانـيّ رونـق
ونعته بالحلم والرزانة "والحلم الرزين"، وبالفعلات.
وقد عدّ "ابن قتيبة" الشعراء الذين عاصروا "عمرو بن هند" من قدماء شعراء الجاهلية. فلما تحدّث عن الشاعرين "سويد" و "يزيد"، قال: "وهما قديمان كانا في زمن عمرو بن هند ". ولما تحدث عن "المثقب العبدي" قال عنه: "وهو قديم جاهلي. كان في زمن عمرو بن هند". وعدّ "المنخل اليشكَري" من قدماء الشعراء الجاهليين، فقال عنه: "وهو قديم جاهلي".
ويجب أن نتذكر أن الشاعر "امرؤ القيس" كان أيضا من معاصري "عمرو بن هند"، وهو شاعر جاهلي قديم، في نظر علماء الشعر. فيكون زمن أقلم شعر جاهلي، وصل خبره الينا، هو النصف الثاني من القرن السادس للميلاد، أي في سنين لا تبتعد كثيراً عن زمن ميلاد الرسول، كما سأتحدث عن ذلك في القسم الخاص بالناحية الثقافية للعرب قبل الإسلام.
وورد في إحدى قصائد الأعشى ما يفيد اتساع ملك عمرو بن هند وجباية كل ما بين عمان و "ملح" له. ويذكر بعض الرواة إن المراد ب "عمان" هنا "عمان" بلاد الشام، واما "ملح" ففي اليمامة من بلاد بني جعدة.
ويذكر بعض الأخباريين إن عمرو بن هند كان على "بقة" يدير أعمالها في ايام ابيه المنذر، واليه لجأ امرؤ القيس الشاعر المعروف مستجيراً به لأنه كان ابن عمته، فأجاره، ومكث عنده زماناً. فلما سمع به المنذر، وكان يتعقبه، طلبه من ابنه، فأنذره عمرو، فهرب حتى أتى حمير مستجيراً.
وقد نسب إلى ابن هند غزوة غزا بها تغلب، فقيل: طلب "عمرو" من بني تغلب، حينما تولى الملك مساعدته على أخذ الثأر من بني غسان قتلة أبيه، وكانوا انحازوا عنه، وطلب منهم الرجوع إلى طاعته والغزو معه، فأبوا،وقالوا: مالنا نغزو معك. نحن رعاء لك فغضب عمرو بن هند، وجمع الجموع. فلما تهيأت، كان أول عمل قام به غزو تغلب، فأوجعهم وآذاهم، انتقاماً منهم، لامتناعهم عن نصرته ومعاضدته. وقد أشار إلى هذا الحادث "الحارث بن حلزه اليشكري" الشاعر الجاهلي احد اصحاب المعلقات.
ويذكر أهل الأخبار أن "الحارث بن حلزة" حضر مجلس "عمرو بن هند"، وأنشده معلقته، أنشده إياها مهن وراء سبعة ستور، وذلك لبرص به. وكان الملك يأمر بعد خروج "الحارث" بغسل أثره بالماء، كما يفعل بسائر البرُص. فلما أنشده قصيدته هذه، طرب لها الملك كثيراً، فأمر برفع الستور من بينهما، وأدناه منه " وأطعمه في جفنته، وأمر أن لا ينضح أثره بالماء، ثم جزَّ نواصي البكريين السبعين الذين كانوا رهنأَ عنده وسلمها إليه، تعظيماً لشأنه، وتقديراً له ولقومه اليشكريين.
وتعرض لذكر "الجون: جون آل بني الأوس" ومعه كتيبة شديدة العناد.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:29 AM
اخرى في منشأ هذا اللقب، تحاول ايجاد مخرج لمعنى "محرق" التي ترد مقرونة بأسماء بعض ملوك "آل جفنة" و "آل لخم".
وفي كتب الأمثال مثلٌ هو: "إن الشقي وافد البراجم"، زعم أصحاب الأخبار إن قائله هو الملك "عمرو بن هند" قاله يوم قتلت "البراجم" - وهم أحياء من "تميم": عمرو وقيس وغالب وكلفة وظليم، وهم "بنو حنظلة بن زيد مناة" تحالفوا على أن يكونوا كبراجم الأصابع في الاجتماع - شقيق "عمرو ابن هند"، فسار اليهم وآلى أن يحرق منهم مئة، فقتل تسعة وتسعين،وأحرق القتلى بالنار، فمر رجل من البراجم وراح رائحة حريق القتلى، فحسبه قُتار الشواء، فمال اليه، فلما رآه عمرو قال له: ممن أنت ? قال: رجل من البراجم فقال: إن الشقي وافد البراجم. وأمر فقُتل وألقي في النار، فبرت به يمينه.
وورد إن عمراً بقي ينتظر وافداً من البراجم ليلقي به في النار فيكمل بذلك العدد، حتى اذا طال انتظاره قيل له: لو تحللت بامرأة منهم، فدعا بامرأة من بني نهشل بن دارم اسمها الحمراء بنت ضمرة بن جابر، فأمر بالقائها في النار. فكمل بذلك العدد.
وكان سبب قتل أسعد أو سعد أخي عمرو بن هند أو ابنه مالك، انه لما ترعرع مرت به ناقة كوماء سمينة، فرمى ضرعها، فشدّ عليه ربُّها سويد أحد بني عبد الله بن دارم فقتله، ثم هرب سويد فلحق بمكة، واستجار بأهلها. فبلغ الخبر عمرو بن هند، وكان زرارة بن عدس التميمي عنده، فاغتاظ زرارة من هذا العمل، اذ كان الملك قد وضع "سعداً" "اسعد" في بيته، وانتهز زعماء طيء هذه الفرصة وحرضوا عمرو بن هند على مهاجمة بني دارم قتلته للاخذ بثأرهم منه.
وهناك رواية أخرى تنفي تحريق عمرو بن هند للمذكورين من بني دارم والرجل الآخر من البراجم، وترى انهم قتلوا، قتلوا بأمر عمرو ين هند.
وأوارة الموضع الذي أحرق فيه المذكورون من بني تميم، أو قتلوا فيه، هو اسم ماء أو جبل لبني تميم قيل انه بناحية البحرين.
وكان "عمرو بن ملقط الطائي"، هو الذي أصاب "بني تميم" مع "عمرو ابن هند" يوم أوارة، فسأله فيهم فأطلقهم له، وكان وفّاداً إلى الملوك.
والأعشى الشاعر ممن ذكر هذا اليوم في شعره. وعيرّ الشاعر جريرُ الفرزدقَ بيوم أوارة.
وتذكر بعض الروايات عن يوم "أوارة" أن "عمرو بن ملقط الطائي"، هو الذي حرض "عمرو بن هند" على غزو بني دارم، وأنه شاركه في غزوهم. وقد أشير إلى ذلك في شعر للطرماح الطائي يفاخر به الفرزدق، وهو شاعر من بني تميم. وسبب ذلك أن طيئاً كانت تطلب عثرات زرارة وبني أبيه، لأنه كان قد حرض عمرو بن هند عليهم. فلما بلغهم ما صنعوا بأخي الملك، أنشأ "عمرو ابن ملقط" شعراً، بلغ عمرو بن هند، فتأثر به، وقرر السير على زرارة وقومه للانتقام منهم بقتلهم شقيقه.
ويفهم من بعض الرواة أن "يوم الشقيقة" كان قد وقع في عهد عمرو بن هند، إذ تذكر أن قوماً من شيبان جاؤوا مع قيس بن معديكرب ومعهم جمع لخيم من اهل اليمن، وقصدوا إبلاً لعمرو ين هند، فردتهم بنو يشكر،وقتلوا فيهم، ولم يوصل إلى الإبل.
وقد رأى بعض أهل الأخبار، استناداً إلى قصيدة للنابغة مطلعها: أتاركة تدللها قطـامِ وضَنّاً بالتحية والكلام
أن الذي قام بالغزو المذكور فيها هو "عمرو بن هند". وأن غزوه بلغ حتى جبال حمى.
غير إن الأبيات تدل على إن صاحب تلك الغزوة كان قد دوَّخَ العراق، وأنه حارب قبائله، ولهذا لا يعقل أن يكون صاحبها عمرو ابن هند، بل لا بد أن يكون ملكاً من آل غسان غزا العراق والى هذا الرأي ذهب المستشرق "نولدكه".
وفي بعض الروايات أن عمراً توسط بين بكر وتغلب ابني وائل فأصلح بينهما بعد حرب البسوس، وأخذ رهائن من كل حيّ من الحيين مئة غلام من أشرافهم، ليكف بعضهم عن بعض، فكانوا يصحبونه في السلم والحرب.
ويرى فريق آخر من الأخباريين أن الذي توسط لعقد الصلح بين القبيلتين هو المنذر بن ماء السماء.
وذكر أن أناساً من تغلب جاؤوا إلى "بكر بن وائل" يستسقونهم، فطردتهم بكر للحقد الذي كان بينهم، فرجعوا عطاشاً، فمات سبعون منهم، فاجتمع بنو تغلب واستعدوا لملاقاة بكر ومحاربتهم، ثم خاف عقلاء الطرفين من عودة الحرب إلى ما كانت عليه، فتداعوا إلى الصلح، فتحاكموا إلى الملك "عمرو بن هند"، فطلب منهم سبعين رجلاً من أشراف وائل ليجعلهم في وثاق عنده، فإن كان الحق لبني تغلب، دفعوا اليهم ليأخذوا ثأرهم، وإن لم يكن رجعوا سبيلهم، فجاءت تغلب وعلى رأسها عمرو بن كلثوم، وحل الخصومة عمرو بن هند.
وفي رواية يذكرها "ابن دريد": أن "بني الحارث بنُ مرّة" قتلوا ابناً لعمرو بن هند، فرهن "سيّار بن عمرو" قوسه بألف بعير، وضمنها لملك من ملوك اليمن، فعرف لذلك ب "ذي القوس". أما "السكّري"، فذكر أن سياراً ذا القوس،كان قد رهن قوسه على ألف بعير في قتل الحارث بن ظالم، من النعمان الأكبر.
ويفهم من الموارد الأعجمية أن عمراً كان قد أغار على بلاد الشام في سنة "563م"، وكان على عربها الحارث بن جبلة. والظاهر أن الباعث على ذلك كان امتناع الروم عن دفع ما كانوا يدفعونه سابقاً لعرب الفرس مقابل اسكاتهم عن مهاجمة الحدود. فلما عقد الصلح بين الفرس والروم سنة "562م"، وهدأت الأحوال، لم يدفعوا لابن هند ما تعودوا دفعه لوالده، فأثر امتناعهم هذا في نفسه، وطلب من الفرس مساعدته في ذلك. فلما طالت الوساطة، ولم تأت بنتيجة، هاجم تلك المنطقة، ثم أعاد الغارة في سنة "566م" وسنة "567م" على التوالي. وقام بهاتين الغارتين أخوه قابوس بأمر أخيه.
ويعزو "مينندر" ""Manander" أسباب الغارة الأخيرة إلى سوء الأدب الذي أبداه الروم تجاه رسول ملك الحيرة الذي ذهب إلى القيصر"يوسطينوس" "Justinus" لمفاوضته على دفع المال. وكان الروم قد أرسلوا رسولين قبل ذلك إلى الفرس للبحث في هذا الموضوع،
أحدهما اسمه بطرس، والآخر اسمه يوحنا، غير انهما أنكرا للفرس حق ملك الحيرة في أخذ إتاوة سنوية من الروم. فلما عومل رسول ملك الحيرة معاملة غير لائقة قام قابوس شقيق عمرو بتلك الغارتين.
وتذكر رواية من روايات أهل الأخبار إن "عمرو ين هند" جعل أخاه "قابوس بن المنذر" على البادية، ولم يعط أخاه "عمرو بن امامة" شيئاً، وكان مغاضبا له، فخرج "عمرو" إلى اليمن، فأطاعته مراد، وأقبل بها يقودها نحو العراق، ولكنها ثارت عليه، ثار عليه المكشوح وهو "هبيرة بن يغوث" فلما أحيط به ضاربهم بسيفه حتى قتل.
أما "أمامة" أم "عمرو بن أمامة"، فانها "أمامة بنت سلمة بن الحارث الكندي" عم امرئ القيس.
ويفهم من بعض الروايات إن عدي بن زيد العبادي كان من المقربين عند عمرو بن هند، وكان يصحبه مع من يصحبه من الرؤساء في الصيد.
وانتهت حياة عمرو بن هند بالقتل، وهو مسؤول عن قتل نفسه إن صحت القصة. وخلاصتها: إن الغرور أخذ مأخذه من صاحبنا عمرو. وأراد يوماً أن يظهر فخره أمام الناس، فقال لجلسائه: هل تعلمون إن أحداً من العرب من أهل مملكتي يأنف أن تخدم أمه أمي ? قالوا: ما نعرفه الا أن يكون عمرو بن كلثوم التغلبي، فان أمه ليلى بنت مهلهل بن ربيعة وعمها كليب وائل أعز العرب وزوجها كلثوم وابنها عمرو، فسكت وأضمرها في نفسه.
ثم بعث إلى عمرو بن كلثوم يستزيره، ويأمره أن تزور أمه ليلى أم نفسه هند. فقدم عمرو مع أمه، فأنزلهما منزلاً حسناً، ثم أمر بالطعام فقدم للحاضرين. وكان عمرو قد قال لأمه: اذا فرغ الناس من الطعام ولم يبق الا الطرف، فنحي خدمك عنك، فاذا دنا الطرف فاستخدمي ليلى ومريها فلتناولك الشيء بعد الشيء. ففعلت هند ما أمرها به ابنها. فصاحت ليلى عندئذ: وأذلاّه يا آل تغلب ! فسمعها ولدها عمرو بن كلثوم، فثار الدم في وجهه، والقوم يشربون، وثار إلى سيف ابن هند وهو معلق في السرادق، فأخذه وضرب به رأس مضرط الحجارة، ونادى في التغلبيين فأخذوا ما تمكنوا من أخذه، وعادوا من حيث أتوا. وهكذا جنى عمرو بن هند حصاد ما زرعه إن صحت الرواية. ويروي الرواة في تأييدها هذا المثل: "أفتك من عمرو بن كلثوم". كما افتخر بها الشعراء التغلبيون.
ويقال إنّ أخا عمرو بن كلثوم: "مُرّة بن كلثوم"، هو قاتل "المنذر ابن النعمان بن المنذر". وفي ذلك يقول الأخطل: ابني كليب إن عمى اللـذا قتلا الملوك وفككا الأغلالا
يعني بعميّه عمراً ومُرّة ابني كلثوم.
وذكر الشاعر "أفنون" واسمه "صريم بن معشر"، وهو من بني تغلب "عمرو بن هند" في شعر رواه "ابن قتيبة" على هذا النحو: لعمرك ما عمرو بن هند اذا دعا لتخدم اميّ أمـه بـمـوفـق
وفي هذا البيت اشارة إلى مقتل "عمرو بن هند"، بسبب أم الملك. وقد وقع فيه تحريف ولا شك، صير الأم التي طلبت منها أم عمرو بن هند خدمتها، أم الشاعر المذكور، بينما هي "ليلى" أم الشاعر "عمرو بن كلثوم"، قاتل عمرو بن هند. كما يرويه علماء الشعر على لسان "أفنون" أيضاً، ولكن على هذا الشكل: لعمرك ما عمرو بن هند وقد دعا لتخدم ليلـى أمـه بـمـوفـق
"وعمرو بن كلثوم، هو القائل: ألا هُبيِّ بصحنك فاصبحينا
وكان قام بها خطيباً فيما كان بينه وبين عمرو بن هند. وهي من جيد شعر العرب القديم واحدى السبع، ولشغف تغلب بها وكثرة روايتهم لها، قاله بعض الشعراء: ألهى بني تغلب عن كلّ مكرمة قصيدة قالها عمرو بن كلثـوم
يفاخرون بها مذ كان أولـهـم يا للرجال لفخر غير مسـؤوم
ويظهر أن الصورة التي رسمها الأخباريون لقابوس إنما حصلوا عليها من شعر الهجاء الذي قيل فيه،وأن ما أورده عنه من لن وضعف هو في حاجة إلى دليل، إذ يظهر من الموارد الأخرى مثل التواريخ السريانية أنه كان على العكس. وقد يكون لتوليه الحكم، وهو رجل متقدم في السن، أصل في ذلك الهجاء.
فالذي يظهر من أخباره انه ولي الحكم وهو شيخ كبير. وأما اللقب الذي لقب به، وهو قينة العرس، فقد انتزعه الأخباريون من شعر منسوب إلى طرفة هجا فيه عمرو ابن هند وقابوساً، وهو قوله: يأت الذي لا تخاف سبتـه عمرو وقابوس قينتا عرس
وقد ذكر المؤرخ "مارسليانوس" "Marsilianus" رجلاً سماه "Chabus"، ذكره مع المنذر الثالث في حوادث سنة "536م".ويرى "روتشتاين" أن المراد به رجل آخر غير قابوس. فلو كان هو المقصود به كان قابوس إذن شيخاً هرماً حين انتقل الملك اليه، ولكنه لا ينفي مع ذلك عدم جوازه. وقد أشرت إلى ارسال أخيه عمرو إليه في حملة انتقامية على عرب الشام، وذلك في سنة "566"وسنة "567م".
ولما تولى قابوس الحكم، أغار على بلاد الشام، وكان يحكم عرب الشام المنذر ابن الحارث بن جبلة اذ ذاك. وقد ذكر "ابن العبري" أن المنذر بن الحارث "منذر برحرت" كان نصرانياً وان جنوده كانوا نصارى كذلك. ولم يشر إلى نصرانية قابوس. ويفهم من جملة ابن العبري. "وقد أغار قابوس على العرب النصارى" ما يؤيد هذا الظن. وقد ظفر قابوس بغنائم عديدة أخذها وعاد بها غير إن المنذر جمع جيشه وسار يتعقبه.
فلما التقى به، تغلب عليه، وأخذ منه أموالاً كثيرة وعدداً كبيراً من الجمال. ولما أعاد قابوس الكرة، انهزم، فذهب الى الفرس يلتمس منهم عوناً ومدداً. ويظهر من رواية أخرى أن انتصار المنذر على قابوس كان في سنة "881" من التقويم السلوقي وهي توافق سنة "570" للميلادّ.
ويظهر من رواية ل "يوحنا الأفسوسى" "John of Ephesus" إن الملك قابوساً انتهز الفرصة عند وفاة الحارث بن جبلة، فباغت الغساسنة بهجوم مفاجىء في عقر دارهم، فأسرع عندئذ المنذر بن الحارث وجمع جمعه، وفاجأه بهجوم مقابل لم يتمكن قابوس من الثبات له، فانهزم هزيمة منكرة بحيث لم ينج من أصحابه الا القليل. وقد فر هو ومن سار معه من الناجين في اتجاه نهر الفرات تاركاً عدداً من الأمراء اللخميين أسرى في أيدي المنذر. غير إن المنذر سار في أثرهم حتى كان على ثلاث مراحل عن الحيرة، ويرى نولدكه إن هذه المعركة هي معركة عين أباغ.
وبعد قليل من هذه الهزيمة جرب قابوس حظه مرة اخرى،غير انه مني بخسارة جديدة، وكانت هذه الغارة حوالي سنة "570م".
وجرب قابوس حظه مرة أخرى منتهزاً فرصة القطيعة بين المنذر والقيصر "يسطينوس" "Justinus"، وهي قطيعة لا نعلم أسبابها على وجه التحقيق، وانما يعزو ابن العبري سببها إلى مطالبة المنذر للقيصر بدفع مال إليه ليتمكن به اعداد جيش قوي منظم يستطيع الوقوف به أمام الفرس. فأغار على حدود الروم وتوغل في الأرضين التابعة لهم حتى وصل أتباعه إلى منطقة "انطاكية". وقد دامت تحرشات "عرب الفرس" بحدود الروم ثلاث سنين هي مدة القطيعة،حيث كان المنذر قد ذهب مع اتباعه الى الصحراء فاحتمى فيها،ولم تنقطع هذه التحرشات الا بعد مصالحة الروم له في الرصافة. حينئذ جمع المنذر اتباعه وفاجأ المناذرة بهجوم خاطف كابدت منه الحيرة الأمرين، وأطلق من كان في سجون الحيرة من أسرى الروم، وقد وقعت هذه المفاجأة حوالي سنة "578م". ويظن "روتشتاين" انها وقعت بعد وفاة قابوس في عهد المنذر الرابع أخي "قابوس" وخليفته في الملك.
وقد ذكر "البكري" بيتاً من الشعر لأبي دؤاد وردت فيه اشارة إلى غزوة غزاها قابوس عرفت ب "يوم قحاد". ويظهر إن خصوم قابوس أخذوا بثأرهم من هذا اليوم بغزوة قاموا بها على تنوخ.
ويفاجئنا بعض الأخباربين بذكر رجل يقال له "فيشهرت" أو "السهرب" أو "السهراب"، قالوا انه هو الذي تولى الملك بعد قابوس. وقد جعل حمزة مدة حكمه سنة واحدة في ايام "كسرى أنو شروان". ولم يشر الأخباريون إلى الأسباب التي ادت إلى تعيين هذا الرجل الغريب ملكاً على الحيرة دون سائر آل لخم، ومنهم المنذر أخو عمرو بن هند وقابوس، فلعل اضطراباً حدث في المملكة أو نزاعاً وقع بين اولاد قابوس أو بين آل لخم ادى إلى تدخل الفرس فقرروا تعيين رجل غريب عن اهل الحيرة لأمد حتى تزول أسباب الخلاف، فقرروا تعيين واحد منهم. فلما زالت تلك المواقع، عيّن المنذر ملكاً على الحيرة وبذلك عاد الملك إلى آل لخم.
ويلاحظ إن بعض الأخباريين لم يذكروا اسم فيشهرت أو السهراب، بل ذكروا إن الملك انتقل إلى المنذر بعد وفاة اخيه قابوس. وذكر المسعودي في كتابه: مروج الذهب النعمان بن المنذر مباشرة بعد قابوس.
واذا صحت رواية حمزة من إن حكم المنذر كان ثمانية أشهر في عهد "كسرى أنو شروان " وثلاث سنين واربعة أشهر في ايام "هرمز بن كسرى" "فيجب إن يكون حكمه قد امتد من سنة "579" حتى سنة "583" للميلاد، تقريباً لأن نهاية حكم "أنو شروان" كانت في سنة "579" للميلاد على رأي المؤرخين، وحكم "هرمز" من سنة "579" حتى سنة "595" للميلاد.
ويظهر من شعر منسوب إلى الشاعر "المرقّش" إن "المنذر" كان ينقب عنه أي: يستقصي في طلبه، ولم يذكر سبب ذلك، ولعله كان قد هجاه، أو إن جماعة وشت به عنده، فصار يبحث عنه للايقاع به. وقد طلب في شعره هذا من الملك المذكور أن يكف عن طلبه ويسكت عنه، وتمنى لو انه في "الزج" وهو موضع، أو "بالشام ذات القرون". وذلك لأن بلاد الشام بلاد كانت تحت حكم الروم، فليس للمنذر حكم عليها، فهو يكون بها في بلاد العدو بعيداً عن المنذر. وذكر "ابن قتيبة" إن معنى "ذات القرون" الروم " وأراد قرون. شعورهم.
ويظهر من شعر ل "سويد بن خذاق" أن "قابوس بن هند" وأخاً من إخوته لم يذكر الشاعر اسمه، غزوَا قومه، وهم من عبد القيس، وانتصرا عليهم وانزلا بهم خسارة فادحة، يوم العُطيف: ففرََّقا القبائل، وكانت أحلافاً متحالفة، وشتتا الشمل. ودعا "الله" أن يجزيهما شرّ الجزاء بما فعلا، وأن يحبس لبن "لبون الملك"، فلا تدر عليه، جزاء وفاقاً لما قاما به نحو قومه.
أما الذي خلفه على الحيرة، فهو النعمان بن المنذر المعروف بأبي قابوس. وقد كنّاه بعض الشعراء ب "أبي قبيس". كما كنّاه بعضهم ب "أبي منذر". ويذكر أهل الأخبار ان الناس كانوا إذا دخلوا على النعمان أو كلّموه، قالوا له: "أبيت اللعن".
وذكر المسعودي: انه "هو الذي يقال له: أبيت اللعن".
اما أم النعمان، فهي "سلمى بنت وائل بن عطية بن كلب" 0 أو "سلمى بنت عطية".وقد نسبها بعض الأخباريين إلى سلمى بنت وائل بن عطية الصائغ. وقالوا إنها من فدك، وزادوا في ذلك انها كانت امة للحارث بن حصن بن ضمضم ابن عدي بن جناب من كلب من دومة الجندل. فهي بنت صائغ من فدك على رواية بعض، وأمة من دومة الجندل على رواية بعض آخر. وهي في كلتا الحالتين من طبقة وضيعة لا تليق بأسرة مالكة، ولعلها من أصل يهودي، إذ كان أكثر اهل فدك من اليهود. وكانوا يحترفون الحرف ومنها الصياغة. وقد دعي النعمان بأمه،فقيل له ابن سلمى في شعر الهجاء، وقصدهم من ذلك إهانته. وقد تولى النعمان الثالث، وهو النعمان الذي نتحدث عنه، الحكم في حوالي السنة "0 58" أو السنة "581" للميلاد. ودام حكمه حتى السنة "2 0 6 م".
والظاهر من وصف الأخباريين له أنه كان دميم الخلقة، فقالوا: إنه كان أحمر، أبرش، قصيراً. وهذا مما قوى جانب خصومه في التهكم به، يضاف إلى ذلك أصل أمه، وقد أثر هذا النقص الذي لا يد له فيه، في نفسية النعمان، وفي سلوكه، ولا شك، فصيره سريع الغضب، أخاذاً بالوشايات،
فوقع من أجل ذلك في مشكلات عديدة. وقد يكون تسرعه إلى تصديق ما قاله الواشون عن عديّ بن زيد، وتأثره بأقوالهم من غير تحقيق ولا امتحان وقتله له، من جملة تلك العوامل التي أدت إلى هلاكه. وقد يكون اللقب الذي لقب به، وهو "الصعب"، وصفاً لتلك السجايا التي اتصف بها الملك، والتى تعبر عن عقدة "مركب النقص" التي كانت ملازمة له.
وقد كان لقبح النعمان ودمامته ولأصل امه دخل ولا شك في تكوبن الخلق العصبي فيه،. فصار يهيج ويتأثر به، ويأخذ بأقوال الوشاة من غير تمحيص ولا ترو، فنقمت منه الناس، وهجاه بعض الشعراء.
أما اخوته وكانت عدتهم اثني عشر رجلاً عدا النعمان " فقد اشتهروا بالجمال والهيبة والوسامة، ولذلك نعتوا بالأشاهب، فوصفهم الأعشى بقوله: وبنو المنذر الأشاهب بالـح يرة يمشون غدوة بالسيوف
وقد أثرت شهرة اخوته بالأشاهب وبالوسامة في طبع النعمان المذكور، وزادت في عصبيته وفي حدة طبعه وفي تأثره بأقوال الناس.
ويظهر من وصف الشعراء واهل الأخبار للنعمان انه كان صاحب شراب، يحب الخمر ويجالس ندماءه ليشرب معهم، غير إن الخمر كانت تؤثر فيه وتستولي على عقله، فتدفعه إلى السكر والعربدة والتطاول على ندمائه، مما ازعج اصدقاءه وحوّلهم الى خصوم واعداء بسبب اهانات لحقت بهم منه في اثناء فقده وعيه وعدم تمكنه من حفظ اتزانه.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:33 AM
وقد عبرّ الشاعر "لبيد بن ربيعة العامري" عن النعمان ب "الصعب ذي القرنين" في شعره، مما يدل على إن لقب "الصعب" الذي لقبه به كان معروفاً شائعاً بين الناس. وقد يكون معبّراً عن معنى آخر غير معنى الصعوبة في الملك، كأن يكون اطلاقهم له من قبيل اطلاقهم لفظة "تبع" على من ملك حمير. وأما "ذو القرنين" فقد قيل: إن القرنين هما الضفيرتان، وإن القرن الضفيرة. وقد دعي بذلك لأنه كان قد ربىّ ضفيرتين.
وقد جاء في رواية اخرى إن "الصعب ذا القرنين" لم يكن النعمان المذكوركما ذهبت إليه الرواية المتقدمة، وانما هو "المنذر بن ماء السماء، وانه هو ذو القرنين".
ويظهر من بيت الشعر الذي نتحدث عنه وهو: والصعب ذو القرنين أصبح ثاوياً بالحنو في جدث، أميم، مقـيم
إن "الصعب ذا القرنين" كان قد ثوى في قبره، فهو يرثيه ويذكره. وذهب الشراح إلى إن "الحنو" اسم بلد، ومعنى هذا إن الملك الذي يشير إليه "لبيد" قد دفن في هذا الموضع، والذي نعرفه من بعض الروايات أن قبر "النعمان" كان بالحيرة، وان ابنته هنداً قد دفنت إلى جانبه.
ومن الشعراء الذين نسب اليهم هجاء النعمان الشاعر عمرو بن كلثوم، وله فيه وفي أمه هجاء مرّ. و قد وصف خاله بأنه ينفخ الكير، ويصوغ القروط بيثرب أي انه كان من صاغة تلك المدينة، وهو مما يؤيد روايات الأخباريين في أصل امه.
لم ينتقل الملك إلى النعمان بسهولة، فقد كان للمنذر جملة اولاد حين اتته المنية، عدتهم ثلاثة عشر ولداً معظمهم طامع في الملك. والظاهر إن المنذر كان عارفاً بالخلاف الذي كان بين اولاده، فلم يشأ إن يزيده بتعيين احد ابنائه. ولا ندري لِمَ لم ينص على اكبرهم جرياً على السنة المتبعة في انتقال الملك. ولعله كان عارفا بحراجة الموقف وضعف مركز ابنه الكبير، وعدم تمكنه من فرض نفسه عليهم إذا عينه ونصبه، لذلك وكل أمره كله إلى إياس بن قبيصة الطائي، فتولاه أشهراً حتى انفرجت المشكلة على النحو التالي على حد رواية ابن الكلبى.
دعا كسرى بن هرمز عديّ بن زيد العبادي، فقال له: من بقي من بني المنذر ? وما هم ? وهل فيهم خير ? فقال عدي: بقيتهم في ولد هذا الميت، المنذر بن المنذر، وهم رجال. فبعث اليهم يمتحنهم. فلما وفدوا على كسرى، أنزلهم على عدي بن زيد. فاحتال عدي على هؤلاء الأخوة كما يقول الأخباريون وتظاهر انه يفضلهم على ربيبه النعمان، واوصاهم إن يجيبوا جواباً معيناً حين يسألهم كسرى، وامر النعمان إن يجيب جواباً آخر يختلف عن جواب اخوته. وهو جواب يعتقد إن كسرى سيرضى عنه ويعينه. فلما ادخلوا على كسرى واجابوا بجواب واحد هو الجواب الذي لقنهم إياه عدي،
وهو: "إن سألكم الملك. أتكفونني العرب. فقالوا نكفيكهم إلا النعمان، وقال للنعمان: إن سألك الملك عن اخوتك فقل له: إن عجزت عنهم، فأنا عن غيرهم اعجز"، رضي كسرى بجواب النعمان وسر به، فملكه وكساه، والبسه تاجاً قيمته ستون ألف درهم فيه اللؤلؤ والذهب. فانتصر بذلك النعمان على اخوته، وسر عدىّ بن زيد بتولي ربيبه الملك.
وفي خبر لأبي الفرج الأصبهاني إن عدي بن زيد اخذ النعمان إلى "جابر بن شمعون"، وهو من "بني الأوس بن قلام بن بطن بن جمهير بن لحيان من بني الحارث بن كعب"، وكان أسقفاً على الحيرة، فاقترضا منه مالاً لتدبير امورهما به، وذكر إن جابراً هو صاحب القصر الأبيض الذي بالحيرة، وكان ذا سلطان واسع في بني قومه، ولذلك فقد يكون لأخذ عدي للنعمان إليه للحصول على تأييده أثر في نجاحه في تولي العرش.
ويروي المفضل الضبي إن عدي بن زيد العبادي لما قدم على النعمان صادفه لا مال عنده ولا اثاث ولا ما يصلح لملك، وكان آدم اخوته منظراً، وكلهم اكثر مالاً منه، فقال له عدي: كيف اصنع بك ولا مال عندك! فقال له النعمان: ما أعرف لك حيلة الا ما تعرف انت، فقال له: قم بنا نمضي إلى ابن قردس - رجل من أهل الحيرة من دينه - فأتياه ليقترضا منه مالاً، فأبى إن يقرضهما وقال: ما عندي شيء.
فأتيا جابر بن شمعون، وهو الأسقف وهو أحد بني الأرس بن قلام بن بطين بن جمهر بن لحيان من بني الحارث بن كعب، فاستقرضا منه مالاً، فأنزلهما عنده ثلاثة ايام، يذبح لهم ويسقيهم الخمر. فلما كان في اليوم الرابع، قال لهما: ما تريدان ? فقال له عدي: تقرضنا اربعين الف درهم يستعين بها النعمان على امره عند كسرى، فقال: لكما عندي ثمانون الفاً، ثم اعطاهم اياها، فقال النعمان لجابر: لا جرم، لا جرى لي درهم الا على يديك إن انا ملكت!.
ولكن انتصار النعمان ادى إلى هلاك عدي بن زيد على ما يقوله الأخباريون، فقد كان لعدي، كما لكل رجل كبير صار له نفوذ وجاه ومركز خطير، اعداء في مقدمتهم رجل اسمه كاسمه ودينه مثل دينه، هو"عدي بن اوس بن مرينا"، وبنو مرينا اسرة لها مكانتها وخطرها في الحيرة. وكان لهذا الرجل شأن يذكر في ايام المنذر، وكان يميل إلى الأسود بن المنذر لأنه ربيب بني مرينا، فنصحه إن يتجنب الأخذ برأي عدي بن زيد، لأنه رجل لا ينصح. فلما اخفق الأسود في الامتحان، وعجز عن نيل التاج، صار يدبر المؤامرات لخصمه عدي، ويَشِي به إلى النعمان، ويغري آخرين بالتظاهر بأنهم من محبي عدي، ليثق النعمان بهم، فإذا أمن بهم، عادوا فوشوا بعديّ عنده، ثم لم يكتف بذلك فوضع رسائل على لسان عدي إلى قهرمان لعدي فيه مكر ومؤامرة بالنعمان، ثم دسَّ له حتى اخذ الكتاب، فجاء به إلى النعمان، فلما قرأه صدق بما جاء فيه،وغضب على عديّ وقرر الانتقام منه.
جرت كل هذه المؤامرات على ما يقوله الأخباريون، وعديّ عند كسرى يقوم بوظيفته لا يدري بها. فلما كتب النعمان اليه: "عزمت عليك الا زرتني، فإني قد اشتقت إلى رؤيتك ". صدَّق كلامه، واستأذن كسرى فأذن له. وسار إلى منيته وهو لا يدري ما يخبئه له القدر. فلما وصل إلى من كان مشتاقاً إلى رؤيته، ألقاه في سجن منفرد لا يدخل عليه فيه أحد، وهو لا يدري بمّ سجن. وفي السجن أخذ ينظم أشعاراً يتضرع فيها إلى النعمان أن يفك أسره، ويعظه فيها بالموت وبمن هلك قبله من الملوك الماضين، وكاد يطلقه لولا وشاية أعدائه به. فلما طال سجنه، كتب بشعر إلى أخيه "ابي" وهو مع كسرى يستجير به للتوسط لدى كسرى أن يكتب إلى النعمان يأمره بفك أسره. فما كتب كسرى بذلك كتاباً أرسله مع شخص إلى النعمان، كتب خليفة النعمان عند كسرى إليه يبلغه بمجيء الرسول، وعرف أعداء عديّ من "بني بقيلة" من غسان، فقالوا للنعمان: اقتله الساعة قبل وصول الرسول اليك، فان لم تفعل فسيذهب إلى كسرى فلا يستبقي أحداً لا أنت ولا غيرك. فبعث إليه النعمان أعداءه فغموه حتى مات في سجنه بالصّنين. ولما وصل الرسول، رُشي بهدايا كثيرة نفيسة، فعاد إلى كسرى يخبره أن عدياً مات قبل وصوله بأيام.
وقد أحس عديّ بن زيد كما يقول الأخباريون بامتعاض خصمه عديّ بن أوس بن مرينا من الحيلة التي دبرها لنجاح النعمان وبمحاولته الغدر به،
فأراد مصالحته واسترضاءه كما يقول الاخباريون فعمل له طعاماً دعا إليه من أحب عديّ ابن أوس بن مرينا حضوره، وحلف بعد انتهاء الطعام في البيعة أنه لن يحقد عليه، وأنه سيتناسى ما حدث، ورجا من خصمه أن يفعل مثله. فقام عديّ ابن أوس إلى البيعة، فحلف مثل يمينه أن لا يزال يهجوه أبدا ويبغيه الغوائل ما بقي. وقد كان. وهم يروون شيئاً من هذا التهاجي الذي وقع بين الخصمين.
ويذكر أهل الأخبار إن عدي بن مرينا صار يحرض الأسود ويحثه على الأخذ بثأره من عدي بن زيد، فكان يقول له: "أما اذا لم تظفر، فلا تعجزن أن تطلب بثأرك من هذا المعدي الذي فعل بك ما فعل، فقد كنت أخبرك إن معداً لاينام كيدها". وعدي من تميم، وتميم من معد.
وهناك روايات أخرى في أسباب غضب النعمان على عدي وحبسه له في الصنين.
لا تخرج في جملتها عن حدود هذه المنافسة التي دبرها عدى بن مرينا وخصوم عدي له، ولكنها تجمع كلها على قتل النعمان لعدي.
وفي كتاب الأغاني رواية تذكر إن النعمان أرسل ذات يوم إلى عدي بن زيد إن يأتيه، فأبى أن يأتيه، ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان شرب، وأمر به فسحب من منزله حتى انتهى به إليه،فحبسه في الصنّين بظاهر الكوفة من منازل المنذر، وبه نهر ومزارع، وبقي هناك حتى لاقى حتفه.
ويظهر من شعر ينسب إلى عدي، قاله لابنته يوم باتت عنده مع أمها في السجن، وهي جويرية صغيرة، إن النعمان كان قد أمر بوضع الغلّ في يديه.
والقصة كما يرويها الأخباريون قصة طريفة تصلح إن تكون موضوعاً لشريط سينمائي اختلط فيها التأريخ بالخيال، والواقع بالابداع. أما نحن فلا يهمنا من أمرها الا النتيجة، وهي إن الفرس قبضوا على النعمان ملك الحيرة وسجنوه، وان حادثاً وقع بعد ذلك كان وقعه عظيماً في نفوس العرب، لا في العراق وحده، انما دوى صداه إلى جميع جزيرة العرب كلها، هو حادث وقعة ذي قار، وهي من الوقائع الفاصلة في تأريخ الجزيرة كان لها أثر في فتح الإسلام للعراق.
وندم النعمان كما يقول الأخباريون على ما صنع، واجترأ أعداء عدي عليه، وهابهم هيبة شديدة. وبينما كان يوماً في صيده، اذ به يشاهد غلاماً ظريفاً ذكياً ففرح به فرحاً شديداً. فلما عرف انه زيد وانه ابن من أبناء عدَي، قرّبه وأعطاه وحباه، ثم أرسله إلى كسرى، وكتب معه كتاب توصية رقيقة يشير فيه إلى منزلة عدي منه والى خسارته بوفاته والى عظم المصيبة، ويوصي كسرى بالولد خيراً.
فلما وصل زيد إلى كسرى، جعله مكان أبيه وصرف عمه إلى عمل آخر، فكان هو الذي يلي ما يكتب به إلى ارض العرب وخاصة الملك. ولما مضى وقت على زيد في هذه الوظيفة، وقع عند الملك بهذا الموقع مكاناً حسناً،وتعالت منزلته عنده. ولما اطمأن إلى مركزه أخذ يدبر مكيدة الانتقام من النعمان قاتل أبيه حتى نجح في مسعاه، اذ قبض عليه كسرى فبعث به إلى سجن خانقين، فلم يزل في السجن حتى وقع الطاعون فمات فيه. وفي رواية انه مات بساباط. وقد رجح الطبري رواية خانقين، وانه مات بسحق الفيلة له. وفي رواية أخرى انه سجن في القطقطانه في البر. وهكذا نجد الرواة يذهبون جملة مذاهب في سجن النعمان.
والذين يروون إن حبس النعمان كان بساباط يستشهدون بشعر للأعشى جاء فيه: فداك وما أنجى من الموت ربه بساباط حتى مات وهو محرزق
وقد ذكر المسعودي قصة حبس النعمان ووفاته فقال: "وأمر كسرى النعمان فجلس في مجلسه بساباط المدائن، ثم أمر به فرمي تحت ارجل الفيلة، وقال بعضهم: "بل مات في محبسه بساباط"،مما يدل على إن وفاته كانت في المدائن.
وفي رواية سريانية إن كسرى بعد أن قبض على النعمان بن المنذر وأولاده سقاهم سماً فماتوا، وعصى عندئذ العرب الفرس وأخذوا بهاجمونهم. فأرسل كسرى قائداً سمته الرواية ب "بولر" تولى أمر الحيرة، ولكنه لم يتمكن من ضبط أمورها، لشدة أهلها، فانصرف عنها وترك أمرها لمرزبان اسمه "رزوبى مرزوق"، أقام في برية الحيرة في حصن حفنة، وأخذ يقاتل منه الأعراب.
وفي رواية ل "حمزة الأصفهاني" أن كسرى لما سخط على النعمان بن المنذر واستدرجه إليه من وسط البادية، رمى به إلى أرجل الفيلة، واستباح أمواله وأهله وولد، وأمر إن يباعوا بأوكس الأثمان.
وتذكر بعض الروايات سبب غضب "كسرى" على النعمان، أن "زيد"، وهو ابن المقتول "عدي بن زيد" الذي نال مكانة عظيمة عند كسرى، أو عمه، كانا قد دبّرا مكيدة للايقاع بالنعمان. فلما طلب "ابرويز" النساء، دخل عليه "زيد"، فكلمه فيما دخل فيه، ثم قال: إني رأيت الملك كتبَ في نسوة يُطلبَن له، فقرأت الصفة، وقد كنت بآل المنذر عالماً، وعند عبدك النعمان من بناته وبنات عمه وأهله أكثر من عشرين امرأة على هذه الصفة. قال: فتكتب فيهنّ. قال: أيها الملك، إن شرّ شيء في العرب وفي النعمان خاصة أنهم يتكرّمون عن العجم،. فأنا أكره أن يغيبّهن، فابعثني وابعث معي رجلاً من العجم من حرسك يفقه العربية،
حتى أبلغ ما تحبه. فبعث معه رجلاً جليداً فخرج به زيد حتى بلغ "الحيرة" فلما دخل على الملك النعمان، قال: إنه قد احتاج إلى نساء لأهله وولده، وأراد كرامتك بصهره، فبعث اليك. فشق عليه، فقال لزيد.: أما في بَقرَ السواد وفارس ما يكفيه حتى يطلب ما عندنا? فقال زيد للنعمان: إنما أراد كرامتك؛ ولو علم أنّ هذا يشق عليك، لم يكتب اليك به. وعادا. فلما دخلا على "كسرى"، وقصّا عليه ما وقع وحدث، عرف الغضب في وجهه، ووقع في قلبه منه ما وقع. وسكت "كسرى" على ذلك أشهراً، ثم فعل ما فعل بالنعمان. وانتقم "زيد" بهذه المكيدة من النعمان قاتل والده.
وقد أشير إلى مصرع النعمان في شعر عدد من الشعراء مثل سلامة بن جندل، وقد ورد فيه ذكر القاء كسرى للنعمان تحت أرجل الفيلة. ويتفق هذا الرأي مع رأي ابن الكلبي ويعارض رواية لحماد جاء فيها أنه مات بحبسه في ساباط.
وذكر أن هانىء بن مسعود الشيباني كان في جملة من رثى النعمان في شعر. وقد نعته ب "ذي التاج"، ويفهم من رثائه له أن موته كانت تحت أرجل الفيلة، حيث داست على رأسه. وورد في شعر شعراء آخرين أن "فيول الهند" تخبطته وداست عليه.
وهناك قصيدة نسبها بعضهم إلى زهير بن أبي سلمى، ونسبها آخرون إلى صرمة الأنصاري. ذكر فيها كيف ذهب النعمان - قبل ذهابه إلى كسرى - إلى من كان يحسن اليهم، ويغدق عليهم الألطاف، فلما غضب عليه كسرى لم يجره هؤلاء، ولم يساعدوه إلاّ ما كان من بني رواحة من عبس، فشكرهم النعمان وودعهم وأثنى عليهم، وقال لهم: لا طاقة لكم بجنود كسرى، فانصرفوا عنه.
وساباط: هو على ما يذكره أهل الأخبار، موضع بالمدائن، به كان حبس النعمان على رواية من صرح بأنه كان محبسه لا موضعاً آخر، ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة. وذكر "ابن الكلبي" أنه إنما سمي بساباط نسبة إلى "ساباط بن باما" أخي النخير جان الذي لقي المسلمين في أهل المدائن.
ويظهر من شعر "للأعشى" إن "كسرى" أمر بالنعمان فحبس ب "ساباط" ثم ألقاه تحت أرجل الفيلة فوطئته حتى مات. يقول الأعشى: هو المدخل النعمان بيتاً سماؤه نحور الفيول بعد بيت مسردق
وللبيد بن ربيعة العامري قصيدة نظمها في رثاء النعمان. من أبياتها: له الملك في ضاحي معد، وأسلمت إليه العباد كلـهـا مـا يحـاولُ
وضاحي معد، بمعنى ظاهر معد، لا في معد نفسها، لأن "ربّ معد" في ايامه هو "حذيفة بن بدر".
أما النعمان فهو ملك على ما وراء ديار معد. والعباد هنا هي القبائل النصرانية المعروفة من أهل الحيرة.
وقد ذكر الأخباريون انه كان يتوقع إن يدبر له كسرى مكيدة، فقرر أن ينجو بنفسه قبل حلولها به، فلحق بجبلي طيء، وكان متزوجاً اليهم، فأراد النعمان إن يدخلوه الجبلين ويمنعوه، فأبوا عليه خوفاً من كسرى، فأقبل وليس أحد من العرب يقبله حتى نزل "ذو قار" في بني شيبان سراً، فلقي هانىء بن مسعود الشيباني، وكان سيداً منيعاً، فأودعه أهله وماله وسلاحه، ثم توجه بعد ذلك إلى كسرى، حيث لقي مصرعه.
أما زوجة النعمان هذه، فهي ابنة "سعد بن حارثة بن لأم الطائي"، وهو من أشراف طيء البرص، وكان "النعمان" قد جعل لبني لأم ين عمر ربع الطريق طعمة لهم، وذلك بسبب زواجه المذكور.
وذكر إن أحد أولاد "النعمان بن المنذر" كان شاعراً، وقد عرف ب "المحرق" فلما سمع بقتل "كسرى" لأبيه، قال شعراً يخاطبه فيه، منه قوله: قولا لكسرى، والخطوب كثيرة: إنّ الملوك بهرمز لم تحـبـر
ويروى إن النابغة الذبياني لما سمع بمقتل النعمان، رثاه بأبيات. وهي إن صح انها من شعر النابغة حقاً، تدل على إن هذا الشاعر قد عاش ايضاً بعد مقتل النعمان. وروي، إن "زهير بن أبي سلمى" رثى النعمان كذلك.
ويروي أهل الأخبار شعراً زعموا أن "عدي بن زيد" قاله لأهل بيت النعمان، هو: فلا يميناً بذات الودع، لو حدثت فيكم، وقابل قبر الماجد الزارا
وقد علق "ابن قتيبة الدينورى" عليه بقوله: "ذات الودع. صنم كان بالحيرة، ويقال: بل هي الإبل التي تسير إلى مكة، يعلق عليها الودع،ويقال: إن مكة، يقال لها: ذات الودع. وواجه قبر النعمان الزار، وهي الأجمة، أي: دُفِنّ حذاءها".
إذَنْ لبؤتم بجمع لاكفاء له أوتاد ملك تليد، جدّه بارا
قال: "أي لو مات لغزتكم الجيوش، فأقررتم، أو رجعتم بجيش لامثيل له، أوتاداً لملك قديم قد سقط جده، أي: صرتم كذلك. وهو منصوب على الحال، ولا يجوز أن يكون منصوباً على النداء، لأنه لا يجوز أن يدعوهم بذلك، والنعمان لم يمت ".
وذكرّ أن ملك النعمان بلغ اثنتين وعشرين سنة. وعلى رأس ثلاث سنين وثمانية أشهر مضت من ملكه، كان الفجار الأكبر، فجار البراض، وهو لتمام عشرين سنة من مولد الرسول، ولثماني عشرة سنة وثمانية أشهر مضت من ملك النعمان ُبنيت الكعبة.
وذلك لاحدى عشرة سنة مضت من ملك أبرويز كسرى بن هرمز.
ولا نعلم عن أعمال النعمان الحربية في بلاد الشام شيئاً يذكر. وقد ذكر حمزة أنه غزا "قرقيسياء" "Circesium"، ولكنه لم يعين تأريخ وقوعها، ويقصد بذلك بالطبع غارة أغارها على أرض الروم. ولم ينسب غيره من المؤرخين العرب أو السريان إليه حروباً أخرى أجج نارها في بلاد الشام.
وقد ورد في حديث الطبري عن قصة سجن النعمان لعدي ما يفيد أن النعمان خرج يريد البحرين، فأقبل رجل من غسان، فأصاب في الحيرة ما أحب، وقد قيل: إن هذا الرجل هو "جفنة بن النعمان الجفني". ولعل هذه الغارة هي واحدة من جملة غارات قام بها الغساسنة على الحيرة. وفي شعر النابغة الذبياني اشارات إلى أمثال هذه الغارات. ويفيد خبر رواه المؤرخ "ثبوفلكتس" "Theophylaktus" إن عرب الروم أغاروا على عرب الفرس حوالي سنة "600 م"، أي في أثناء الصلح الذي عقد بين الروم والفرس.
وقد ذكر "الطبري" إن هذه الغزوة كانت في أيام وجود عدي بن زيد في سجنه فلما سمع عدي بها قال: سما صقر فأشعل جانبيها والهاك المروحُ والغريب
وقد ورد اسم "السيلحون" في جملة المواضع الني كان يجبيها النعمان، وذلك في شعر لأعشى قيس. ويقع السيلحون في البرية بين الكوفة والقادسية، كما ورد اسم هذا الموضع في شعر لهانىء بن مسعود الشيباني يرثي فيه النعمان ويذكر قتل كسرى اياه.
ويظهر انه كان من جملة المسالح التي تحمي الحدود من البادية. والمسالح هي مواضع في الثغور يوضع فيها الجنود والمسلحون لحماية الحدود من الأعداء.
ولم يكن النصر حليف النعمان في اليوم المعروف بيوم الطخفة "يوم طخفة". وهو يوم نسبه بعض الأخباريين أيضاً الى قابوس بن المنذر بن ماء السماء كما نسبه بعض آخر إلى المنذر بن ماء السماء. وخلاصة الحادث: إن حاجب بن زرارة الدارمي التميمي سأل النعمان أن يجعل الردافة للحارث بن بيبة بن قرط ابن سفيان بن مجاشع الدارمي التميمي. وكانت لبني يربوع، يتوارثونها صغيراٌ عن كبير، وكان الرديف يجلس عن يمين الملك. فلما سأل النعمان موافقتهم على نقل الرادفهّ منهم، أبوا ذلك، لما لها من منزلة ومكانة، فبعث اليهم قابوساً ابنه وحسان أخاه على رأس جيش كثيف فيهم الصنائع والوضائع وناس من تميم وغيرهم، فساروا حتى أتوا طخفة، فالتقوا هم ويربوع واقتتلوا، وصبرت يربوع وانهزمت جموع النعمان، وأخذ قابوس وحسان أسيرين. فلما بلغ خبر هذه الهزيمة سمع النعمان طلب من أحد بني يربوع - وهو شهاب بن -قيس بن كياس اليربوعي - أن يذهب عاجلاً إلى بني يربوع ليفك أسر ابنه وأخيه مقابل اعادة الردافة اليهم وأداء دية الملوك وهي ألف بعير للرجل الواحد. وبذلك صالح مرغماً "بني يربوع". وهذا اليوم من الأيام التي يفاخر بها أبناء يربوع. وقد ورد ذكره في شعر مالك بن نويرة والأحوص وجرير.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:36 AM
ويذكر أهل الأخبار أن "النعمان بن المنذر" طلب "مالك بن نويرة"، وكان قد أراد استرضاءه، وهو من "بني يربوع"، فأبى، وهرب منه، وقال فيه شعراً يهجوه، منه: لن يذهب اللؤم تاج قد حُبيت به من الزبرجد والياقوت والذهب
ويدل ذلك على أن "النعمان" "كان يتوج رأسه بتاج، فيه ذهب وأحجار كريمة.
وكان "مالك بن نويرة اليربوعي" من "بني تميم"، لأن "بني يربوع" منهم، وقد لقب ب "الجفول". وهو شاعر شريف، وأحد فرسان بني يربوع ورجالهم، المعدودين في الجاهلية، ومن أرداف الملوك، أى ملوك الحيرة. وقد أدرك الرسول " فأسلم، وعينه على صدقات قومه فلما بلغه وفاة الرسول، أمسك الصدقة، وفرقها في قومه، وجفل إبل الصدقة، فسمي الجفول. قتله "ضرار ابن الأسود الأسدي" بأمر خالد بن الوليد.
وكان نصيب النعمان من يوم السلان كنصيبه من يوم الطخفة، وسبب وقوع هذا اليوم هو أن بني عامر بن صعصعة، وكانوا حمساً لق*********ً متشددين في دينهم لا يدينون للملوك، تعرضوا للطيمة كان الملك النعمان بنَ المنذر يريد ارسالها إلى عكاظ لبيعها في السوق. وكان من عادته ارسال لطيمة إلى عكاظ كل عام لتباع هناك. فلما بلغ النعمان الخبر، غضب فبعث أخيه لأمه،
وهو "وبرة بن رومانس الكلبي"، والى صنائعه وهم من مكان يصطنعه من العرب ليغزو بهم، والوضائع وهم الذين كانوا شبه سادة القبائل، وأرسل إلى بني ضبّة بن أد وغيرهم من الرباب وتميم فجمعهم، فأجابوه، وأتاه ضرار بن عمرو الضبي في تسعة من بنيه كلهم فوارس ومعه خبيش بن دلف، فاجتمعا كلهم في جيش عظيم. وأرسل النعمان معهم تجارة، وأمرهم ألا يتحرشوا ببني عامر الا بعد الانتهاء من عكاظ ومن الأشهر الحرم. فلما انتهوا من عكاظ، أحست قريش بنيّات جماعة النعمان، فأخبروا بني عامر وحذروهم فاسعتدوا للقتال. فلما وصل أصحاب النعمان اليهم، قاتلوهم عند موضع السلاّن، وهو موضع قريشا من منازل عامر، وتغلبوا عليهم، وأرروا وبرهّ بن رومانس الكلبي وعدداً من رؤساء القوم، وانهزمت جماعة النعمان، ورضي عندئذ من حملته هذه بدفع دية أخيه وبرة ودية عدد من الرؤساء.
ويذكر بعض أهل الأخبار إن الذي أعلم "بني عامر" بعزم الملك النعمان على الانتقام منهم، هو وجيه مكة وثريها: عبد الله بن دعان.
وكان الذي اسر وبرة "يزيد بن عمرو بن خويلد إلصعق"، وقد أبقى "يريد" "وبرة" لديه حتى افتدى نفسه منه، أي من يزيد بن الصعق بألف بعير وفرس. فاستغنى يزيد. فلما أسر "وبرة"، ثبت جيشه "ضرار بن عمرو الضبي"، فقام بأمر الناس، ولكنه وقع في الأسر، ثم وقع رجل آخر من كبار الجيش في الأسر، وهو " حبيش بن دلف"، الذي افتدى نفسه بأربع مئة بعير، وهزم جيش النعمان.
وقد تعرضت لطيمة النعمان مرة أخرى إلى النهب حينما وكل أمر حمايتها إلى رجل من هوازن، فتربص بها رجل خليع معروف اسمه "البراض بن قيس بن رافع" من بني ضمرة بن بكر ين عبد مناة بن كنانة، فقتل حامي القافلة وساق الركاب. وكان من عادة النعمان أن يشتري بثمن اللطيمة الأدم والحرير والوكاء والحذاء والبرود من العصب والوشى والمسير والعدني من سوق عكاط.
وذكرت احدى الروايات إن الذي كان يجيز لطيمة النعمان له هو "سيد مضر" ولم تذكر اسم سيد مضر اذ ذاك.
وورد إن "البراض" وهو "رافع بن قيس" كان من فتاك الجاهلية المعروفين. وكان حالف بني سهم من قريش، فعدا على رجل من هذيل فقتله، فخلعه بنو سهم، ثم جاء إلى "حرب بن أمية" فحالفه، فعدا على رجل من خزاعة فقتله وهرب إلى اليمن، ثم جاء مكة بعد سنة، فاذا الهُذَليوّن والخزاعيون يطلبونه وقد خلع، فلحق بالحيرة، فوافق وفود العرب بالحيرة عنده. فأقام يطلب الاذن معهم، فلم يصل إليه حتى خرج النعمان فجلس للناس بالحيرة وكانت لطائمه التي توافي سوق الموسم اذا دخلت تهامة لم تهج، حتى قتل النعمان أخا بلعاء بن قيس الكناني، فجعل "بلعاء" يعترض لطائمه فينتهبها.
فخاف النعمان على لطيمته، فقال يومئذ: من يجير هذه العير? فقال البراض: أنا أجيرها لك. فقال الرحال عروة بن عتبة بن جعفر بن كلاب: أنا أيها الملك أجيرها لك من الحيين كليهما، وسخر من الرحال وازدراه. فدفع النعمان اللطيمة إلى عروة الرحال.
ويذكر أهل الأخبار انه كان للنعان بن المنذر أخ من الرضاعة يقال له "سعد القرقرة" من أهل "هجر" كان من أضحك الناس وأبطلهم، وكان يضحك النعمان ويعجبه. وذكر إن أناساً من البطالين المضحكين كانوأ يأتونه لإضحاكه ولنيل جوائزه. وذكروا منهم "ألعيار بن عبد الله اتضبي". كان بطالاً، يقول الشعر، ويضحك الملوك.
وقد كان النعمان بن المنذر مثل عمرو بن هند محباً للشعر والشعراء، والخطب والخطابه، وقد جعله الأخباريون من خير خطباء زمانه، كالذي يظهر من كلامه مع كسرى،َ وقد ذكر انه قال له في مجلس كان حافل بوفود الروم والهند والصين، اجتمعوا عند كسرىَ. كما نسب إليه وفد ضم أكثم بن صيفي وحاجب ابن زرارة التميمي، والحارث بن عباد وقيس بن مسعود البكريين، وخالد بن جعفر وعلقمة بن علاثة وعامر بن الطفيل العامريين، وعمرو بن الشريد السلمي وعمرو بم معد يكرب الزبيدي والحارث بن ضالم إلمرّي، وكانوا خيرة من عرف بالخطابة وحسن الكلام في تلك الأيام.
وروى الأخباريون شعراً من الشعر الذي قاله أصحابه في حضرة النعمان أو في مدحه وفي مدح آل لخم، كما رووا شعراً في هجائه، ورووا بعض ما قيل في حضرته من حديث وبعض ما صادفه الشعراء حين كانوا يقصدونه لنيل ما يبتغون مثل حديث حسان بن ثابت الشاعر المخضرم المعروف فقد زاره ومدحه غير أن هواه كان إلى الغساسنة أكثر منه إلى آل لخم. فقد كان يفتخر بهم، ويسامي الناس بهم، وينال جوائزهم حتى وإن لم يكن عندهم. يرسلونها إليه إن لم يكن في استطاعته أن يشخص إليه.
وقد جاء في شعر "حسان بن ثابت" أنه زار ابن سلمى"، أي "النعمان بن المننر"، وأنه أكرمه وقدره وحباه، وتكلم اليه في جماعة من قومه، كانوا في سجنه مقيدين مكبلين بالسلاسل حتى صفح عنهم، وأطلق لهم حريتهم، وهم أبي ونعمان وعمرو ووافد، وهم جماعة من أهل يثرب، كانوا قد حبسوا في سجن "النعمان". فأما "أبي"، فهو "أبي بن كعب بن قيس بن معاوية" من "بني النجار". وأما "نعمان"، فإنه "نعمان بن مالك بن قوقل ابن عوف بن عمرو"، وأما "وافد"، فإنه "وافد بن عمرو بن الاطنابة ابن عامر" من الخزرج. ولم يذكر "حسان" سبب حبس "النعمان" لهم، ووضعهم في السجن مكبلين بالحديد، مقفولاً عليهم.
وقد ذهب "نولدكه" إلى احتمال كون "ابن سلمى" أميراً من أمراء الغساسنة، كما ذهب إلى أن "أبي " الذي كَان في جملة المحكومين هو "أبي ابن ثابت" وهو شقيق حسّان.
ويظهر من كلام أهل الأخبار أن النابغة الذبياني كان من أكثر الشعراء صلة بالنعمان. وفي الشعر الذي يرويه الأخباريون عنه وينسبون قوله إليه، شيء كثير من المناسبات التي وقعت بين الملك وبين هذا الشاعر، وقد استاء خصوم النابغة من قربه من النعمان، ونيله جوائزه وألطافه، فسعوا به إليه حتى غضب عليه، وهَم بقتله، ولم ينجه من القتل إلا هربه من ال جفنة ملوك عرب الشام، فبقي في كنفهم مدة، ثم عاوده الحنين إلى صاحبه وحاميه القديم النعمان، فاعتذر إليه، وتنصل من التهم التي ألصقها خصومه به، وعاد يأخذ جوائزه ونعمه كما كان.
وذكر إن النعمان بن المنذر كان يكرم "النابغة" ويحبوه دوماً، أمر له مرة بمائة ناقة بريشها من نوق عصافيره، المعروفة بهجائن النعمان، وجام وآنية من فضة، وكانوا اذا حبا الملك بعضهم بنوق يغمزون في أسنمتها ريش النعام ليعلم إنها حباء الملك. ذكرَ "حسان بن ثابتً" انه وفد على النعمان بن المنذر فمدحه وأجازه الملك على مدحه وأكرمه. وبينا هو جالس عنده ذات يوم، اذا بالنابغة يدخل قبة الملك، وكان يوم ترد فيه النعم السود، ولم يكن بأرض العرب بعير أسود الا له، فأنشده كلمته التي يقول فيها: كانك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبدُ منهن كوكب
فدقع إليه مائة ناقة من الإبل السود، فيها رعاؤها، فما حسدت أحداً حسدي النابغة، لما رأيت من جزيل عطيته وسمعت من فضل شعره.
ويذكر المسعودي إن النابغة دخل على النعمان يوماً، وكان عنده نديمه خالد بن جعفر الكلابي، وكان ممن يعطف على النابغة، فمدح النعمان بشعر، " فتهلل وجه النعمان بالسرور، ثم أمر فحشي فوه جوهراً، ثم قال: بمثل هذا فلتمدح الملوك".
وتذكر رواية أخرى إن النابغة لما سأل حاجب النعمان الاستئذان للد********* عليه:
قال له الحاجب: الملك على شرابه. ولما سأله: من عنده ? قال: خالد بن جعفر بن كلاب! فتوسل إليه بأن يبلغه تحية النابغة، وأن يسهل له الد********* على الملك، ففعل وأمر النعمان حاجبه بادخاله عليه. فلما دخل، سلم عليه وحياه بتحية الملك، وجلس وهو يقول: "أيها المك. أيفاخرك صاحب غسان ? فوالله لقَفَاك أحسن من وجهه، ولشمِالك أجود من يمينه، ولأمك خير من أبيه ولغدك أسعد من يومه. فضحك النعمان. ثم قال لخالد: من يلومني على حب النابغة ? ألك حاجة ? قال: نعم. فقضى حوائجه بأسرها، وأحسن جائزته، فانصرف داعياً له".
ويذكر الأخباريون إن آخر مرة اتصل بها النابغة بالنعمان كانت في أثناء مرض الملك النعمان. وكان النابغة هارباً آنذاك على أثر الوشاية به. فلما سمع النابغة بمرضه آثر السفر إليه، والاعتذار منه. فلما وصل الحيرة، كان الملك لا زال مريضاً، شديد المرض.
وقد حمل سريره على العادة المتبعة عند مرض الملوك مرضاً شديدآَ، يشرف فيه علما الموت. فاستأذن للنابغة في الد********* عليه وأنشاده ما نظمه في مدحه فسمح له بالد*********. وأنعم النعمان بالنعم عليه. وهناك روايات تذكر انه عاد إليه قبل هذا الحادث، فقبل عذره وعفا عنه.
وفي جملة من كان له شرف الاتصال بالنعمان، وبنيل هباته وجوائزه من الشعراء: المنخل اليشكرين والمثقب العبدي، والاسود بن يعفر، وحاتم الطائي وامثال هؤلاء.
أختاه هند ومارية الى الد********* في هذا الدين. وهذه رواية النساطرة في كيفية تنصر النعمان.
أما الأخباريون فينسبون تنصره الى تأثير عدي بن زيد عليه. وهم يروون أنه خرج ذات يوم راكباً ومعه عدي بن زيد، فوقف بظهر الحيرة على مقابر مما يلي النهر، فقال له عدي بن زيد: أبيت اللعن، أتدري ما تقول هذه المقابر? قال: لا ! قال: إنها تقول: أيها الراكب المخبـوّن على الأرض المجدّون
مثل ما أنتـم حـيينـا وكما نحن تكـونـون
ثم قال: ربّ ركب قد أناخوا حولنـا يشربون الخمر بالماء الزلال
ثم أضحوا لعب الدهر بهـم وكذاك الدهر حالاً بعد حال
فأثر هذا القول - على حد قول الأخباريين - في نفس النعمان، وارعوى، وتنصر.
وقد كان تنصر "النعمان" في حوالي سنة "593م" تقريباً، وصار يعد نفسه من حماة المذهب النسطوري الذي انتشر في العراق، كما صارت الحيرة من معاقل هذا المذهب أيضاً لد********* أناس من أصحاب الجاه والسلطان فيه. ومن الحيرة خرج "سرجيوس" "Sergios" في أواسط القرن السادس، فذهب إلى اليمن، إلى نجران، حيث قام بالتبشير هناك، مدة ثلاث سنوات حتى وافته منيته بعد ثلاث سنين.
وينسب إلى النعمان أبو قابوس دير اللج، وقد دعي بي "دير اللجة" في "تأريخ سعرت"، ونسبه الى اللجة ابنة النعمان. وذكر إن في هذا الدير قبر "مار آبا الكبير" الجاثليق.
وينسب أهل الأخبار "شقائق النعمان" إلى "النعمان بن المنذر" فيقولون: "وكان خرج إلى الظهر وقد اعتم نبته من بين أحمر وأخضر وأصفر، واذا فيه من هذه الشقائق شيء كبير، فقال: ما أحسنها ! احموها. فحموها فسميت: شقائق النعمان".
وذكر إن النعمان كان يعتني بتربية الخيل والإبل والماشية، فكان يشتري خير فصائلها ويحميها لنفسه، ولا يسمح لأحد بالحصول عليها أو تلقيح نعمهم أو خيولهم منها الا باذنه. وقد اشتهرت اليحموم والدُّفوف من جملة خيوله.
وبينما نقرأ في شعر لمالك بن نويرة اليربرعي، إن تاج النعمان بن المنذر كان من ذهب وزبرجد. وياقوت، نرى "المعري" يشير إلى انه كان خرزات، ولم يكن كتاج المنذر. وخرزات الملك: جواهر تاجه.
ونجد في كتب الأخبار والأدب، إن وفود العرب كانت تفد على "النعمان ابن المنذر"، فيكرمها ويحبوها، ويقضي حوائجها. وكان يتخذ للوفود عند انصرافها مجلساً يطعمون فيه معه ويشربون. وقد يتفاخر رؤساء الوفود بعضهم على بعض، فيحكمونه في أيهم أفضل، وقد تتحول تلك المفاخرات إلى مخاصمات ومهاترات بسبب ترجيح الملك رئيساً على آخر.
ونسب حمزة إلى النعمان اربع بنات، هن: هند، وحرقة، وحريقة، وعنفقير. وهند هي البنت الوحيدة التي نعرف عنها شيئاً من بنات النعمان، وقد ورد في بعض الروايات أنها لم تكن بنت النعمان، بل كانت أخته. وذكر أيضاً أن والدها النعمان زوّجها من عدي. وقد عاشت حتى أدركت الإسلام، وكانت مترهبة، فلم تقبل الد********* فيه. ولما ماتت دفنت في ديرهما إلى جانب قبر أبيها النعمان. وقد بقي الدير والقبران معروفين مدة طويلة في الإسلام.
ويذكر، أن "الحرقة" "حرقة" رأت الدنيا كيف أدبرت عن أهلها،ونظرت في حالها بعد هلاك أبيها فقالت: فبينا نسوسَ الناس، والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نَتَنَـصَّـفُ
فأفٍ لدنيا لا يدوم نـعـيمـهـا تَقلب تاراتٍ بنـا وتَـصَـرفُ
و"السوقهَ" هَم العامة وسواد الناس.
وقد ذكر المسعودي هذه الأبيات،وقال إنها قالتها ل "سعد بن أبي وقاص" بوم أتته في جماعة من قومها، وقد قال إنها كانت "اذا خرجت الى بيعتها، يفرش لها طريقها بالحرير والديباح مغشى بالخرز والوشي، ثم تقبل في جواريها حتى تصل إلى بيعتها وترجع إلى منزلها. فلما هلك النعمان لفها الزمان فأنزلها من الرفعة إلى الذلة". وقد سماها "خرقاء بنت النعمان بن المنذر" ولعله قصد "حرقاء" أو "حُرَقة"، فحرف النساخ الكلمة وصيرّها "خرقاء".
وكانت للنعمان جملة نساء، منهن: زينب بنت أوس بن حارثة، وفرعة بنت سعد بن حارثة بن لأم، وقد ولدت له ولداً وبنتاً، وكانت عنده لما طلبه كسرى، وصار يتجول بين القبائل ليمنعوه. ومارية الكندية، وهي أم هند التي تزوجها عدي بن زيد.
ويذكر "ابن قتيبة" انه كانت للنعمان دار في الحيرة عرفت ب "الزوراء". وقد بقيت قائمة الى ايام أبي جعفر المنصور، فأمر بهدمها، ولم يذكر السبب الذي حمله على ذلك. وقد ذكرها "النابغة" فقال: بزوراء في أكنافها المسك كارعُ
وذكر إن في جملة وزراء النعمان عمرو بن بقيلة والد عبد المسيح،وهو صاحب قصر بني بقيلة بالحيرة. وكان عبد المسيح في جملة من اشترك في المفاوضات مع خالد بن الوليد لعقد الصلح وتسليم الحيرة، وله دير بناه في ظاهر الحيرة. في موضع يقال له الجرعة،عرف ب "دير الجرعة" و ب "دير عبد المسيح". وقد ورد ذكر زوجة من زوجات "النعمان بن المنذر" في كتب الأدب، هي "المتجردة". ويظهر أن "جلم بن عمرو"، كان قد تعرض لها، فبلغ أمره "النعمان" فحمله على أن يركب فرسه "اليحموم"، فأرداه. وقد وصفها "النابغة" في "الدالية" المنسوبة إليه. وسمع "النعمان" بالقصيدة كما يذكر أهل الأخبار، بدسّ حساد النابغة القصيدة والأشعار الأخرى إلى النعمان، فانزعج منها. ولما بلغ "النابغة" الخبر، فرّ إلى الغساسنة لينجو بنفسه من عقابه. وكان النعمان متيماً ب "المتجردة" وللشعراء فيها قصائد مشهورات.
ويذكر أهل الأخبار أن سيفاً من سيوف "النعمان ين المنذر" جيء به إلى الخليفة "عمر"، فأعطاه "جبير بن مطعم".
أما عدي بن زيد، فهو من العباديين، اي من نصارى الحيرة. وأما والده فهو زيد بن حماد "حماز" بن زيد بن أيوب بن محروف بن عامر بن عصية بن امرئ القيس بن زيد مناة بن تميم، فهو تميمي الأصل. وكان لزيد ثلاثة أولاد هم: عدي هذا الذي تحدثنا عنه، وعمار "حمار" "حماد" واسمه أُبي وكان مع كسرى وعمرو واسمه سميّ، ولهم أخ من أمهم يدعى بن حنظلة، وهو من "طيء".
وكان أيوب جد عدي من أهل اليمامة على رواية الاخباريين، كان يقيم في بني امرئ القيس بن زيد مناة، ولكنه اضطر إلى ترك اليمامة والهجرة الى الحيرة لإصابته دماً، فخاف على نفسه من القتل، والتجأ إلى أوس بن قلام، وكان بينه وبين أوس نسب في النساء. فلما قدم أيوب الحيرة، نزل في دار أوس، وأقام عنده أمداً. ثم أقام في دار أخرى بعد أن حباه أوس وأكرمه، وصار له شأن في البلد ومقام. فاتصل بالملوك وتقرب اليهم وغدا من علية القوم.
وصار لزيد بن أيوب شأن يذكر في البلد، وتزوّج امرأة من آل قلام ولدت
له ولداً دعاه حمّاداً. وبينما كان زيد يتصيد في البادية، اصطاده رجل من بني امرئ القيس، فقتله بسهم أخذاً لثأر قومه من أبيه أيوب. وعلم حمّاد "حماز" الكتابة والقراءة، فكان أول من كتب من بني أيوب في رواية الأخباريين، وغدا من أكتب الناس في الحيرة، ولذلك اختير كاتباً لملك الحيرة، واتصل بكبار الفرس ومنهم. "فروخ ماهان" الذي تكفل زيد بن حماد بعد وفاته، وربّاه مع أبنائه. ثم أوصله إلى كسرى أنو شروان فجعله على البريد، لما تبين له من ذكاء زيد وقدرته في العربية والفارسية. وهي وظيفة لم تكن تعلى لغير أبناء الفرس.
وتزوّج زيد امرأة من طيء ولدت له عدياً، وقد ربي هذا تربية طيبة، فأرسل إلى الكتاب، فلما حذق ومهر فنه بالعربية، أرسل إلى كتاب الفارسية، فتعلم مع أولاد المرازبة ومنهم شاهان مرد الفارسية حتى صار من الحاذقين بها العارفين بفنونها، ثم تعلم الرماية ولعب الصولجان، واتصل بكبار الفرس. وقد ساعده مركزه هذا على التقرب من آل لخم. والى "زيد بن حمّاد" أوكل تدبير شؤون ملك الحيرة بعد سياحة النعمان على رواية بعض الأخباريين إلى أن انتقل الملك إلى المنذر بن ماء السماء.
وقرب عدياً إلى كسرى أنو شروان المرزبان فروخ ماهان، فعهد إليه الكتابة بالعربية. فتولاها وصار له شأن يذكر عند الفرس، كما صار له مركز خطير في قصور آل لخم. ولما توفي كسرى أنو شروان، وملك هرمز ابنه، أرسل عدياً إلى قيصر الروم "طيباريوس" "طبريوس" بمهمة سياسية، فاظهر لباقة وحنكة وحكمة، مما جعل القيصر يحترمه، فأكرمه، وحباه، وأراه أطراف مملكته، وذهب إلى دمشق، وأقام فيها أمداً، وهو على صلات حسنة بالروم، وفي أثناء اقامته بالشام، أراد أهل الحيرة قتل المنذر والخروج عليه، لظلمه وأخذه أموالهم بغير حق. فلما علم بذلك المنذر، طلب من زيد والد عدي أن يتولى هو الأمر، وفرح الناس على ما يذكره الرواة بهذا القرار، فجاؤوه يحيونه بتحية الملك، ولكنه أبى أن يسمى ملكاً، ورضي بالحكم بغير هذا الاسم، وسر المنذر بهذا الحل، ورضي به. وبقي في هذا المركز إلى إن هلك، وابنه بعيد عنه في دمشق.
فلما جاء عدي من الشام، لم ينس المنذر فضل أبيه عليه، وانقاذه الملك بهذا الحل، وسلمه ما كان قد تركه أبوه، واستقبله استقبالاً عظيماً حينما قدم الحيرة قادماً من المدائن بعد زيارته لكسرى لتقديم هدية القيصر إليه.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:41 AM
وأقام في الحيرة سنين يتصيد ويلهو ويلعب، ويبدو في فصلي السنة، فيقيم في حفير، ويشتو بالحيرة، ويأتي، المدائن في خلال ذلك فيخدم كسرى. وكان لا يؤثر على بلاد بني يربوع مبدى من مبادي العرب، ولا ينزل في حي من أحياء بني تميم غيرهم. وكان أخلاؤه من العرب كلهم بني جعفر. وكانت إبله في بلاد بني ضبة وبلاد بني سعد، ولم يزل على حاله تلك حتى تزوج هنداً بنت النعمان ين المنذر.
وأمها "مارية الكندية" فهي من كنده من جهة الأم. ثم أمره "النعمان" بالافتراق منها وتطليقها بعد ما غضب عليه وألقاه في السجن.
وروى الأخباريون لعدي شعراً زعموا انه قال أكثره في حبسه وفي معاتبته للنعمان وفي توسله إليه بأن يطلقه من حبسه، وفيه مواعظ تذكر النعمان بأن الدنيا زائلة، وانها دار فناء، وان الملك لا يدوم، وأمثال ذلك. وهو شعر لم ينظر إليه علماء الشعر نظرتهم إلى شعر الشعراء الفحول، وذلك لأنه كان قروياً، أي من أهل الحضر، ولذلك أيضاً لم يستشهد به علماء اللغة في ضبط قواعد اللغة.
هذا ويذكر "ابن النديم" في كتابه "الفهرست" إن في جملة مؤلفات "ابن الكلبي" الكثيرة مؤلفاً اسمه "كتاب عدي بن زيد العبادي"، وهو كتاب لم يصل الينا حتى الآن. ولعله كان في جملة الموارد الرئيسية التي اعتمد عليها المؤرخون وأهل الأدب والأخبار في تدوينهم أخبار ذلك الشاعر السياسي الأديب.
ونجد في "رسالة الغفران" شعراً لعدي. وقد دعي ب "السرويّ" في موضع منها، حين تحدث مؤلفها "المعري" عن المنادمة وعن باطية الخمر. وكُنّي ب "أبي سوادة" في موضع آخر.
وانتقل ملك الحيرة بعد مقتل النعمان إلى رجل غريب لم يكن من لخم،اسمه إياس بن قبيصة الطائي، أو إياس بن قبيصة بن أبي عفراء، أو إياس بن قبيصة بن النعمان بن حية بن سعنة. وله خال اسمه حنظلة بن أبى عفراء بن النعمان. ويقال انه كان نصرانياً. وقد ذكر له أخ اسمه قيس بن قبيصة كان نازلاً بعين التمر. وذكر إن والده كان من شعراء جرم، وجرم رهط من طيء. وآل قبيصة من الأسر المعروفة في الحيرة، وقد سبق أن عهدت إلى إياس ادارة مهمات الحكومة بعد وفاة المنذر، فمكث أشهراً ملكاً يدير أمور الملك إلى أن أعطي التاج للنعمان أبي قابوس. ويظهر من روايات الأخباريين انه كان مقرباً من كسرى لأنه ساعده حينما هرب من بهرام، وأهدى إليه فرساً وجزوراً، ولأنه عاونه في نزاعه مع الروم. فلما فرّ أبناء النعمان بعد مقتل والدهم، وتشتت شمل البيت المالك مدة، تذكر كسرى فضل هذا الرجل عليه فعيّنه ملكاً على الحيرة، وعين معه رجلاً فارسياً اختلفوا في اسمه، فقالوا: "الهمرجان" و "البحرجان" و "النخرجان" و "التخرجان".
وهو اختلاف يسير، يعود سببه على ما يظهر إلى عدم تمكن النسّاخ أو الرواة من ضبط الكلمة. والظاهر انها وظيفة ومركز، حسبها الرواة اسم علم، فأطلقوها على شخص. وقد كان كسرى قد عيّنه مدة أشهر على الحيرة، وذلك قبل أن ينتقل الملك إلى النعمان.
وذكر الأخباريون إن كسرى ين هرمز كان يتيمن ب "إياس"، ويفزع إليه في حروبه ويعجبه، وانه استنجد به في حربه مع قيصر، فتعقبه حتى أدركه في موضع "ساتيدما" فاثخن القتل في جنوده، ونجا قيصر في خواص من أصحابه بصعوبة. وأصيب إياس بمرض في هذه السفرة، أشار الأعشى في شعره إليه. وللاعشى قصائد في مدح إياس، وكانت له صلة به، وقد أغدق عليه نعمه.
وفي رواية ذكرها أبو الفرج الأصبهاني أن كسرى كان قد عين إياساً على عين التمر وما والاها من الحيرة، وأطعمه ثلاثين قرية على شاطىء الفرات. ويظهر من هذه الرواية ومن رواية وفاته في عين التمر ووجود أخيه فيها أن عين التمر كانت من مناطق نفوذ هذه الأسرة حتى في ايام ملك آل لخم.
وذكر "الدينوري" أن كسرى ولي أياس بن قبيصة الطائي ثمانية أشهر، واضطرب أمر كسرى وجاء الإسلام ومات إياس بعين التمر، وفيه يقول زيد الخيل: فان يكُ رب العين خلى مكانه فكل نعيم لا مـحَـالة زائل
وذكر بعض أهل الأخبار أن حكم إياس، دام تسع سنين.
ولا نعرف شيئاً مهماً قام به إياس في أثناء توليه الملك، ويظهر أن حكمه لم يكن يتجاوز هذه المنطقة التي أشار اليها الاخباريون، ولم يشر الأخباريون إلى قيامه بغارات على عرب الشام. أما الشيء المهم الذي وقع في أثناء توليه الحكم، فهو يوم ذي قار.
ذو قار
وذو قار ماء لبكر بن وائل قريب من الكوفة بينها وبين واسط. وبالقرب منه مواضع منها حنو ذي قار وقراقر وجبابات ذي العجرم وجذوان وبطحاء ذي قار. ويقع حنو ذي قار على ليلة من ذي قار.
يرجع الاخباريون سبب وقوع ذي قار الى مطالبة "كسرى ابرويز" هانىء ابن قبيصة بن هانىء بن مسعود أحد بني ربيعهّ بن ذهل بن شيبان بتسليم الودائع التي أودعها النعمان لديه إليه. فلما أبى هانئ تسليم ما اؤتمن عليه لغير أهله، غضب كسرى، فبعث الى الهامرز التستري، وهو مرزبانه الكبير، وكان مسلحه في القطقطانه، والى جلابزين وكان مسلحه في بارق، كما كتب إلى قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدين، وكان كسرى استعمله على سفوان بأن يرافقوا إياساً فإذا اجتمعوا فإياس على الناس. وجاءت الفرس معها الجنود والفيلة عليها الأساورة،
فالتحموا بأرض ذي قار. فلما كان اليوم الأول،استظهر الفرس على العرب، ثم جزعت الفرس في اليوم الثاني من العطش، فصارت إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وباقي العربان، فعطش الأعاجم، ومالوا إلى بطحاء ذي قار وبها اشتدت الحرب، وانهزمت الفرس، وكسرت كسرة هائلة، وقتل اكثرهم وفيهم الهامرز وجلابزين، وانتصر العرب على الفرس انتصاراً عظيماً، وانتصفت فيه العرب من العجم.
ويوم ذي قار لم يكن اذن يوماً واحداً، أي معركة واحدة وقعت في ذي قار وانتهى أمرها بانتصار العرب على الفرس، بل هو جملة معارك وقعت قبلها ثم ختمت ب "ذي قار"، حيث كانت المعركة الفاصلة فنسبت المعارك من ثم إلى هذا المكان. ومن هذه الأيام: يوم قُراقر، ويوم الحنو. حنو ذي قار، ويوم حنو قراقر، ويوم الجبابات، ويوم ذي العُجرم، ويوم الغدوان، ويوم البطحاء: بطحاء ذي قار، وكلهن حول ذي قار.
أما متى وقع يوم ذي قار، فالمؤرخون مختلفون في ذلك، منهم من جعله في يوم ولادة الرسول، ومنهم من جعله عند منصرف الرسول من وقعة بدر الكبرى، ومنهم من جعله قبل الهجرة. وقد ذهب "روتشتاين" إلى انه كان حوالي سنة "604 م"، وذهب نولدكه إلى انه بين "604" و "615 م".
وأكثر أهل الأخبار انه وقع بعد المبعث ورووا في ذلك حديثاً قالوا إن الرسول لما بلغه من هزيمة ربيعة جيشَ كسرى، قال: "هذا أول يوم انتصف العرب من العجم، وبي نصروا".
والذي يستنتج من روايات أهل الأخبار عن معركة ذي قار إن "هانئ بن مسعود الشيباني"، لم يكن قائد بني شيبان ولا غيرها من العرب يوم ذي قار، بل تذهب بعض الروايات إلى انه لم يدرك هذا اليوم، لأنه هلك قبله،وانما هو: "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". وترى روايات أخرى أن ""هانئ ابن مسعود"، كَان يخشى عاقبة هذه الحرب وانه لم يكن يريد مقابلة الفرس، و كل ما كان يريده هو الاحتفاظ برهينة النعمان، وأن الفرس عندما دنوا من العرب بمن معهم: "انسل قيس بن مسعود ليلاً فأتى هانئاً، فقال له: أعطِ قومك سلاح النعمان فيقووا، فإن هلكوا كان تبعاً لأنفسهم، وكنت قد أخذت بالحزم، وإن ظفروا ردّوه عليك. ففعل. فقسم الدروع والسلاح في ذوي القوى والجلد من قومه. فما دنا الجمع من بكر، قال لهم هانئ: "يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم بجنود كسرى ومن معهم من العرب، فاركبوا الفلاة"
فتسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة بن سيار فقال له: انما أردت نجاتنا، فلم تزد على أن ألقيتنا في الهلكة، فرد الناس وقطع وضُن الهوادج، لئلا تستطيع بكر أن تسوق نساءهم إن هربوا - فسمي مقطعّ الوُضن -، وهي حزم الرحال. ويقال: مقطع البُطنُ، والبطن حزم الأقتاب، وضرب حنظلة على نفسه قبة ببطحاء ذي قار، وآلى ألا يفر حتى تفر القبة. فمضى من مضى من الناس، ورجع أكثرهم، واستقوا ماءً لنصف شهر، فأتتهم العجم، فقاتلتهم بالحنو، فجزعت العجم من العطش، فهربت ولم تقم لمحاصرتهم، فهربت الى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل"، "فقاتلوهم بالجبابات يوماً. ثم عطش الأعاجم، فمالوا الى بطحاء ذي قار، فأرسلت إياد إلى بكر سراً - وكانوا أعواناً على بكر مع إياس بن قبيصة: أي الأمرين أعجب اليكم. أن نطير تحت ليلتنا فنذهب، أو نقيم ونفر حين تلاقون القوم? قالوا: بل تقيمون فإذا التقى القوم انهزمتم". فلما التقى القوم في مكان من ذي قار يسمى "الجب" اجتلدوا والتحموا، فانهزمت "اياد" كما وعدتهم، وانهزم الفرس.
ويذكر "الطبري" في رواية من رواياته عن "ذي قار" أن الناس توامروا فولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي، وكانوا يتيمنون به، فقال لهم: لا أرى إلا القتال، فتبعوا أمره، وهو الذي تولى إدارة القتال، فكان له شأن كبير فيه، وقد قاد قومه من "بني عجل" في ذلك القتال، فله النصيب الأكبر منه. وقد احتل "حنظلة" مسيرة "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود" رئيس بكر في القتال الذي جرى في ذي قار في موضع الجب.
وكان "هانئ بن قبيصة" رئيس بكر يشغل القلب في أثناء الهجوم على الفرس يوم الجب في ذي قار، وكان على ميمنته "يزيد بن مسهر الشيباني"، و "حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي" على ميسرته يحميه من كل هجوم جانبي يقع عليه من الميسرة، كما ذكرت.
و كان "يزيد بن حمار السَّكُوني"، وهو حليف لبني شيبان، قد كمن مع قومه من بني شيبان في مكان من ذي قار هو الجب، فلما جاء إياس بن قبيصة مع الفرس إلى هذا المكان، خرج مع كمينه، فباغت إياساً ومن معه، وولت إياد منهزمة، فساعد بذلك كثيراً في هزيمة الفرس.
فهؤلاء المذكورون اذن هم الذين قادوا نصر العرب على الفرس. وقد ذهب بعض الأخباريين الى أن الحرب الرئيسية دارت على بني شيبان، ورئيس الحرب هو "هانئ بن قبيصة بن هانئ بن مسعود". أما "حنظلة" فكان صاحب الرأي. ولكن الذي يظهر من دراسة مختلف الروايات إن شأن حنظلة في القتال كان أهم وأعظم من شأن هانئ فيه، حتى لقد ذكرت بعض الروايات انه هو الذي ولي أمر القتال بعد هانئ، وان القوم صيّروا الأمر إليه بعد هانئ في معركة "جب ذي قار" وانه هو الذي قتل "جلابزين"، وان كتيبته "كتيبة عجل" قامت بأمر عظيم في هذه المعركة الي انتهت بهزيمة الفرس.
وكان حنظلة بن ثعلبة بن سيّار العجلي من سادات قومه، وهو صاحب قبة، ضرب له يوم ذي قار ويوم فلج، ولا تضرب قبة الا لملك أو سيد. وكانت له بنت يقال لها "مارية"، كانت معه في هذه المعركة، وهي أم عشرة نفر أحدهم جابر بن أبجر. وأورد الطبري شعراً في يوم ذي قار نسبه الى "يزيد بن المكسّر بن حنظلة بن ثعلبة بن سياّر"، واذا كان يزيد هذا هو حفيد حنظلة كما يظهر من سياق النسب، يكون حنظلة اذ ذاك كبيراً في السن. وقد نسب الطبري الى حنظلة شعراً ذكر انه قاله في يوم ذي قار.
وذكر إن "النعمان بن زرعة التغلبي" هو الذي أشار على كسرى بمهاجمة "هانئ بن مسعود الشيباني" في ذي قار، وكان يحب هلاك بكر بن وائل، وان إياداً وهي في الحرب اتفقت سراً مع بكر على الهرب، فهربت حين كان إياس بن قبيصة والفرس يقاتلون بكراً، فاضطرب صف العجم، وولوا الادبار، فقتل منهم من قتل، وأسر عدد كبير. وأسر "النعمان بن زرعة التغلبي". والروايات عن معركة ذي قار، هي على شاكلة الروايات عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزو بعضها بعضاً،من حيث تأثرها بالعواطف القبلية وأخذها بالتحيز والتحزب. فنرى فيها تحيزاً لبني شيبان يظهر في شعر "الأعشى" لهم،
اذ يمدحهم خاصة، مما أدى الى غضب غيرهم مثل "اللهازم"، ونرى فيها اعطاء فخر لفلان وحبسه عن فلان. ولذلك يجب على الباحث عن أيام العرب وعن حروب القبائل وغزواتها أن يفطن لذلك.
وشعر الأعشى، أعشى بكر، في ذي قار، ومدحه قومه "بني بكر"، شعر مهم للوقوف على حوادث تلك المعركة وكيف جرت. ولبكير: أصم بني الحارث، شعر أيضاً يمدح فيه بني شيبان ويمجد عملهم وفعلهم في هذا اليوم. وقد هجا "أعشى بكر" في قصيدة له عن يوم ذي قار وعن مقام عشيرته ومكانته فيه تميماً وقيسَ عيلان، ثم تعرض لقبائل معد، فقال: لو أن كل معـد كـان شـارَكـنـا في يوم ذي قار،ما أخطاهم الشرف
ونجد شعراً للعديل بن الفرخ العِجليّ، يفتخر فيه بقومه ويتباهى بانتصارهم على الفرس في هذا اليوم، ويقول: ما أوقد الناس من نار لمكرمة إلا أصطلينا، وكنا موقدي النار
وما يعدون من يوم سمعت بـه للناس أفضل من يوم بذي قار
جئنا بأسلابهم والخيل عـابـسة يوم استلبنا لكسرى كل أسوار
وكان هانئ بن قبيصة، من أشراف قومه، وكان نصرانياً، وأدرك الإسلام فلم يسلم، ومات بالكوفة. أما "قيس بن مسعود بن قيس بن خالد بن ذي الجدّين"، فكان سيد قومه في أيامه،وذلك قبل الإسلام. وكان كسرى استعمله على "طف سفوان".
ويذكر بعض أهل الأخبار أن هناك يوماً آخر، عرف بيوم "ذي قار"، وقد وقع أيضاً بين العرب والفرس، فانتصر فيه العرب أيضاً، وقد وقع قبل اليوم المذكور، فعرف لذلك بيوم ذي قار الأول، وبيوم صيد، وبيوم القبة. وكان سببه أن بكر بن وائل أصيبت بسنة "أي قحط" فخرجت حتى نزلت بذي قار، وأقبل حنظلة بن سيار العجلي، حتى ضرب قبته بين ذي قار وعين صيد، وكان يقال له "حنظلة القباب" وكانت له قبة حمراء، إذا رفعها انضم إليه قومه، فأتاهم عامل كسرى على السواد ليخرجهم منه، فأبوا، فقاتلهم فهزموه وانتصروا عليه.
وقد نسب إلى "زيد الخيل" شعرٌ، زعم انه قاله يذكر إياس بن قبيصة الطائي هو: أفي كل عـام سـيد يفـقـدونـه تحكك من وجد عليه الكلاكـل ?
ثم يكون العقل منكـم صـحـيفة كما علقت على السَّليم الجلاحل ?
وقد قال "ابن قتيبة الدينوري" في تفسيره: "كان كسرى أرسل إلى مال إياس ليأخذه فنفرت عن ذلك طيء، وقد أراد أن يبطش بأناس منهم. فلما رأى ذلك كسرى، كتب لهم كتاباً في أمان، فقال زيد شعراً، هذان البيتان فيه، يحض قومه، وينهاهم أن يقبلوا كتابه
أو يطمئنوا إلى قوله". وليس في هذا الشرح كما نرى تفسيراً للسبب الذي دفع كسرى إلى المطالبة بمال إياس. هل كان ذلك بسبب اختلافه معه، أو بسبب آخر. ولا يعقل أن تكون هذه المطالبة في حالة صلح وعلاقات طيبة بين الجهتين، بل لا بد أن تكون عن ظروف سيئة لم يتطرق لها "ابن قتيبة".
وعندي إن هذه الحادثة إن صحت روايتها، وجب أن تكون قد وقعت بعد موت "إياس"، وتركه ثروة وأملاكاً طائلة، فأراد الفرس الاستحواذ عليها، وأخذ ما جمعه من مال، فحدث ما حدث.
وذكر الأخباريون بعد "إياس" رجلاً فارسياً. قالوا انه هو الذي حكم "الحيرة" وملكها في زمن "أبرويز"، وفي زمن شيرويه بن أبرويز، وفي زمن أردشير ابن شيرويه، وفي زمن بوران بنت أبرويز، وذكروا إن مدة حكمه سبع عشرة سنة أو أقل من ذلك. وسموّا هذا الرجل "أزادبه بن ماهيبيان بن مهرا بنداد" أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"، أو "آزادبه بن ماهان بن مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي"، حكم سبع عشرة سنة،
وسموّا هذا الرجل "أزادبه بن ماهيبيان بن مهرا بنداد" أو "أزاذبه بن يابيان بن مهر بنداذ الهمذاني"، أو "آزادبه بن ماهان بن مهر بنداد الهمذاني" أو "زادويه الفارسي"، حكم سبع عشرة سنة، من ذلك في زمن كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن شيرويه ين كسرى ثمانية أشهر، وفي زمن أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر، وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهراً. ولكنهم لم يذكروا من أمره شيئاً، فلا نعرف من أعماله أي شيء مع طول مدة حكمه إن صحت رواية الأخباريين.
وأرى إن "دادويه الفارسي" الذي ذكر "حمزة الأصفهاني" انه كان قد ملك الحيرة، هو "زادويه" المذكور، وان النسّاخ قد أخطأوا في كتابة الاسم فصيرّوه على هذه الصورة، او إن "حمزة" نفسه قد أخطأ في التسمية، أو هو نقلها من كتابين مختلفين أو من مصدر واحد كتبهما بصورتين، فشايعه حمزة ولم ينتبه إلى انه صيرّ الأسم الواحد اسمين.
وذكر بعض أهل الأخبار إن الذي حكم بعد "آزاذبه" هو "المنذر بن النعمان ابن المنذر" المعروف ب "الغرور" أو "المغرور"، وهو المقتول بالبحرين يوم جُواثا"، " فكان ملكه وملك غيره إلى أن قدم خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر". وهو كلام مشكوك فيه. ففي الاخبار أن المنذر لم يحكم
الحيرة، وإنما حكم البحرين في أثناء الردة، وذلك بأن ربيعة حينما ارتدت عن الإسلام قالت: نرد الملك في المنذر بن النعمان بن المنذر. فلما حارب المسلمون المرتدين، منوا بهزيمة منكرة، وسقط المنذر اسيراً في أيدي المسلمين. ويقال إنه أسلم على أثر ذلك، وسمى نفسه "المغرور" بدلاء من "الغرور"، وهو اللقب الذي كان يعرف به قبل اسلامه.
ويظهر أن النصرانية كانت هي المتفشية في البحرين وفي بني عبد القيس، و قد كان المنذر الغرور مع المرتدين، الذين تركوا الإسلام وعادوا إلى النصرانية بعد د*********هم في الإسلام.
وقد ذكر "الطبري" في حديثه عن يوم المقر وفم فرات بادقلي: أن الذي كان يلي أمر الحيرة هو "الآزاذبه"، وقال فيه: "كان مرزبان الحيرة أزمان كسرى إلى ذلك اليوم". وقد كان من أشراف الفرس وسادتهم، وذكر أيضاً: أن قيمة قلنسوته خمسون ألفاً، وقيمة القلنسوة عند الفرس تدل على مكانة صاحبها وشأنه عند الساسانيين. وانه لما سمع بدنو "خالد بن الوليد" من الحيرة تهيأ لحربه، وقدم ابنه، ثم خرج في أثره حتى عسكر خارجاً من الحيرة، وأمر ابنه بسد الفرات، ولكن خالداً فاجأه وأصاب جيشه فلما بلغ أباه خبر ما حل به، هرب من غير قتال، وكان عسكره بين الغريين والقصر الأبيض،
وتمكن بذلك خالد بن الوليد من فتح الحيرة.
فيفهم من حديث الطبري عن فتح الحيرة أن المنذر بن النعمان لم يكن قد ولي حكمها، وأن ما ذكره من توليه الحكم ثمانية أشهر، يناقض ما ذكره هو فيما بعد عن فتح الحيرة وبقية أرض العراق ويخالف كذلك ما ورد في بقية كتب أهل الأخبار عن فتوح العراق.
وكان ملوك الحيرة مثل غيرهم من الملوك، كالغساسنة و الساسانيين والروم، يتراسلون مع القبائل وعمالهم بالبريد. وكانت برد ملوك العرب في الجاهلية الخيل، تنطلق في مراحل، فإذا بلغ البريد المرحلة المعينة استراح، وتولى البريد الثاني نقل الرسائل إلى المكان المقصود... وبذلك تتم المراسلات.
ومن الأسر المعروفة في الحيرة، العدسيون، وهم من "كليب"،وقد نسبوا إلى أمهم على ما يذكره أهل الأخبار.
ومن سادات الحيرة وأشرافها "بنو الأوس بن قلام بن بطين بن جمهير "جمهر" بن لحيان"، وكان منهم "جابر بن شمعون" الأسقف من أساقفة الحيرة المعروفين، وهو صاحب القصر الأبيض بالحيرة.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:45 AM
وقد اشتهرت الحيرة بسوقها، إذ كان الأعراب وتجار جزيرة العرب يقصدون السوق لبيع تجارتهم وشراء ما فيها من سلع نفيسة مطلوبة في بلاد العرب. وقد اشتهرت بنوع خاص من السيوف، قيل لها "السيوف الحاربة"، كما عرفت بصناعة الأنماط.
واشتهرت الحيرة بقصرها المعروف ب "الخورنق". وهو قصر يقع على ثلاثة أميال منها، ويقال إنه بني على نهر: بناه للنعمان المعروف بالأعور بناءٌ رومي اسمه "سنمار" في عشرين سنة. وقد لقي البناء مصرعه بسبب هذا القصر، في قصص يرويه عنه أهل الأخبار، ويضربون به المثل في المكافأة على الفعل الحسن بالقبيح.
ولأهل الأخبار آراء في التسمية: منهم من يقول إنها عربية ومن أصل عربي ومنهم من يقول إنها فارسية، وأن اللفظة معربة.
وارتبط باسم "الخورنق" اسم قصر آخر هو "السدير". وقد بني في البرية، فهو أبعد من الخورنق عن الحيرة. ولأهل الأخبار كعادتهم قي تعليل الأسماء العادية مذاهب في التسمية. ويرجح المستشرقون انها من الالفاظ المعربة عن الفارسية. وقد كان ذا قباب ثلاث، ويتألف من ايوان ينتهي الى غرفه، وعلى جانبيه غرفتان. ويظهر من روايات أهل الأخبار انه كان أقدم عهداً من الخورنق، وان ملوك آل لخم كانوا يقيمون فيه في قديم الزمان.
وذُكر إن "السدير" نهر بالحيرة، قال عدي: سرّه حـالُـه وكـرة مـا يم لك، والبحر مُعرِضاً، والسديرُ
وفي شعرٍ ينسب إلى الأسود بن يعفر، ذكر للقصرين المذكورين،رثى الشاعر فيه حال "آل محرق"، وتألم وتوجع لما نزل وحلّ بهم، كما توجع لإياد، اذ قال: ماذا أؤمل بـعـد آل مـحـرق تركوا منازلهم، وبـعـدَ إياد ?
أرض الخورنق والسدير وبارقٍ والقصر ذي الشرفات من سنداد
ويجب أن يكون هذا الشعر قد نظم بعد نكبات حلت ب "آل محرق"، حملتهم على ترك ديارهم وعلى زوال سلطانهم عنها، أي بعد النكبة التي حلت بالنعمان بن المنذر بعد زوال دولة المناذرة.
وبارق: اسم موضع على مقربة من الكوفة، وموضع آخر في السوَّاد على مبعدة من الكوفة. أما "سنداد" فمن مواضع إياد.
ومن الأماكن التي تنسب إلى ملوك الحيرة موضع يعرف باسم "الدوسر"، قيل انه من أبنية أحد أمراء الحيرة. وقد ملكه "جعبر بن مالك"، وهو من "بني قشُير"، فنسب إليه، وعرف ب "قلعة جعبر". ويظن انه موضع " Dausara" الذي ذكره "اسطيفان البيزنطي". ويقع على الشاطئ الأيسر لنهر الفرات. ومن أسمائها عند اليونان "Dauses" و "دونه" "Daune" و "Dabanae".
ومن المواضع القريبة من الحيرة موضع يعرف ب "الخصوص"، تنسب إليه "الدنان"، ذكر في "صادية" "عدي بن زيد العبادي". وموضع "عمير اللصوص" وهو قرية من قرى الحيرة. ودير قرة، وهو بإزاء "دير الجماجم" منسوب الى "قرة"، وهو رجل من لخم بناه على طرف البر ايام النعمان.
وقد تأثر فن بناء القصور في الحيرة وما والاها من قصور "آل لخم" بالفن الساساني فصار في القصر رواق في الوسط هو مجلس الملك،وهو الصدر،وجن*********ن هما كُمّان ُيكوّنان طرفي الرواق، ميمنة وميسرة. وقد صار هذا الطراز من البناء سمة من سمات بناء قصور الحيرة، وكذلك تأثر تزويق جدران بيوت الحيرة ونقشها بطريقة الفن الساساني في تزيين جدران القصور والبيوت ونقشها. وقد أثرت طريقة أهل الحيرة هذه في فن البناء في مدينة "سامراء".
وفي كتاب "مروج الذهب" إشارة إلى قصر المتوكل المعروف ب "الحيري"
والكمَّين، قال فيه: "وأحدث المتوكل في أيامه بناءً لم يكن الناس يعرفونه، وهو المعروف بالحيري والكمين والأروقة، وذلك أن بعض سمّاره حدثه في بعض الليالي: أن بعض ملوك الحيرة من النعمانية من بني نصر، أحدث بنياناً في دار قراره، وهي الحيرة على صورة الحرب وهيأتها للهجته بها وميله نحوها لئلا يغيب عنه ذكرها في سائر أحواله، فكان الرواق مجلس الملك، وهو الصدر، والكمان ميمنة وميسرة، ويكون في البيتين اللذين هما الكُمّان من يقرب منه من خواصه وفي اليمين منهما خزانة الكسوة وفي الشمال ما احتيج إليه من الشراب، والرواق قد عم فضاؤه الصدر، والكمين والأبواب الثلاثة على الرواق، فسمي هذا البنيان إلى هذا الوقت بالحيري والكمين اضافة إلى الحيرة. واتبع الناس المتوكل في ذلك ائتماماً بفعله، واشتهر إلى هذه الغاية". وفي هذا الوصف وصفه لذلك القصر الذي بناه أحد النعامنة. ولكن أي نعمان هو ? هل هو النعمان صاحب الخورنق أو هو نعمان آخر بنى قصراً آخر في عاصمته الحيرة.
وقد وجد بعض المؤرخين في هذا الوصف دلالة على احتمال كون القصر المعروف ب "قصر المشتى"، هو من بناء أحد ملوك الحيرة، إذ وجد في خطة بنائه، وفي هذا الوصف شبهاً حمله على القول باحتمال كونه من أبنيتهم.
قوائم ملوك الحيرة
يصعب تصوّر حدوث خلاف بين الأخباريين في أسماء ملوك الحيرة وعددهم ومددهم، لدعواهم انهم أخذوا علمهم بهم من كتب كانت مدونة محفوظة في الحيرة ومن موارد أخرى هي كتب الفرس، وقد ذكر بعضهم ملاحظات من مثل قوله: "ذكر هشام عن أبيه انه لم يجد الحادث فيمن أحصاه كتّاب أهل الحيرة من ملوك العرب، قال: وظني انهم انما تركوه لأنه توثب على الملك بغير اذن ملوك الفرس، ولأنه كان بمعزل عن الحيرة التي كانت دار المملكة، ولم يعرف له مستقر، وانما كان سيارة في أرض العرب". ومثل ملاحظة أخرى لابن الكلبي أشرت اليها سابقاً،هي دعواه انه كان يستخرج أخبار العرب وأنساب آل نصر بن ربيعة ومبالغ أعمار من عمل منهم لآل كسرى وتأريخ سنيهم من بيع الحيرة، وفيها ملكهم وامورهم كلها. فدعاوى مثل هذه لا تصور لنا وقوع اختلاف كبير بين الأخباريين في أسماء ملوك الحيرة:ومبالغ أعمارهم وتأريخ سنيهّم وأمثال ذلك، مع إننا نجد بين الأخباريين اختلافاً غير يسير في أسماء الملوك وفي ترتيب توليهم الحكم ومقدار سنيهم وأمثال ذلك. والعجب أنهم يعتمدون على مورد أو موارد مشتركة قد يشيرون اليها، ثم إذا بهم يختلفون في أمور ما كان ينبغي وقوع اختلاف ما فيها لأخذها من مورد مشترك أو موارد مشتركة.
وعدة ملوك الحيرة قد يزيد على العشرين ملكاً بقليل عند بعض الأخباريين، وقد ينقص عن هذا العدد عند بعض آخر. وقد ذهب المسعودي إلى أن عدة ملوكهم ثلاثة وعشرون ملكاً من بني نصر وغيرهم من العرب والفرس، وأن مدة ملكهم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة وثمانية أشهر، وذهب حمزة إلى أن مدة ما حكمه ملوك الحيرة منذ عهد عمرو بن عديّ الذي اتخذها منزلاً إلى أن وضعت الكوفة واتخذت منزلاً في الإسلام هي خمسمائة وبضع وثلاثون سنة.
ونحن إذا فحصنا القوائم التي سجلها الأخباريون لملوك الحيرة،وفحصنا ما ذكروه من مدة حكم كل ملك إجمالاً، ثم قابلناه بما ذكروه بالنسبة إلى حكم ذلك مجزءاً على مدد حكمه بالقياس إلى من حكم في زمانه من ملوك الفرس، تجد اختلافاً بين ما ذكروه إجمالاً ثم ما ذكروه تفصيلاً، كذلك نجد مثل هذا الاختلاف بين المدة الاجمالية التي ذكروها لعمر مملكة الحيرة وبين المدد التي ذكروها لحكم كل ملك أيضاً على وجه الاجمال، مما يدل على انهم لم ينتبهوا إلى ملاحظة أمثال هذه الأمور الضرورية للمؤرخين.
ونجد قائمة "ابن الكلبي" لأسماء ملوك الحيرة ومدد حكمهم ومقدار حكم كل ملك بالنسبة إلى من عاصره من ملوك الفرس مدوّنة في تأريخ الطبري وفي تأريخ حمزة وفي تواريخ أخرى. ولاقتصار ابن الكلبي على ذكر مدد حكم ملوك الحيرة إجمالاً،
ثم ذكرها تفصيلاً بما يقابل ذلك من سني حكم الأكاسرة دون الاشارة أبداً إلى ما يقابل ذلك أيضاً بالقياس إلى القياصرة، نستطيع أن نقول إن ابن الكلبي لم يغرف من موارد تأريخية استندت الى تواريخ الروم أو السريان، وانما غرف من مناهل تأريخية فارسية أو معتمدة على الموارد الفارسية، ومن موارد أهل الحيرة وهي موارد يظهر انها لم تكن تعتمد على أصول قديمة مدونة لتواريخ الحيرة، لأن أكثر ما رووه لا يختلف في طبيعته في الغالب عن النوع الذي ألفناه من أخبار الأخباريين.
وقد جزأ الطبري قائمة ابن الكلبي لملوك الحيرة، فوضعها قطعاً قطعاً في ثنايا حديثه عن ملوك الفرس وفي المناسبات، ولم يذكرها جملة واحدة في مكان واحد، أو في فصل مستقل خاص كما فعل غيره من المؤرخين، وتبلغ جملة ملوك الحيرة عشرين ملكاً، وقد ذكر مع كل ملك مقدار ما حكمه من سنين وأسماء من عاصرهم ذلك الملك من الأكاسرة.
أما هؤلاء الملوك فهم: ا - عمرو بن عدي، وقد عاش مئة وعشرين سنة و حكم على حد قول ابن الكلبي مئة سنة وثماني عشرة سنة من ذلك في زمن "أردوان" و "ملوك الطوائف" خمس وتسعون سنة وفي زمن ملوك فارس أي الساسانيين ثلاثاً وعشرين سنة. من ذلك في زمن أردشير بن بابك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر وفي زمن سابور بن أردشير ثماني سنين وشهران.
2 - امرؤ القيس البدء، وقد عاش مملكاً في عمله مئة سنة وأربع عشرة سنة من ذلك في زمن سابور بن أردشير ثلاثاً وعشرين سنة وشهراً، وفي زمن هرمز بن سابور سنة وعشرة ايام، وفي زمن بهرام بن هرمز بن سابور ثلاث سنين وثلاثة أشهر وثلاثة ايام، وفي زمن بهرام بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير ثماني عشرة سنة. ولكنك إذا جمعت هذه المدد وقابلت حاصل الجمع، وجدت فرقاً كبيراً بين ما زعمه ابن الكلبي من انه حكم 114 سنة، ثم ما زعمه هو نفسه من حكم هذا الملك مجزءاً بالنسبة إلى ملوك الفرس.
3 - عمرو بن امرؤ القيس، وقد حكم على رواية ابن الكلبي أيضاً ثلاثين سنة. وعاصر من الملوك سابور وأردشير بن هرمز بن نرسي وبعض أيام سابور بن سابور.
4 - أوس بن قلام، وقد حكم خمس سنين في أيام سابور بن سابور وبعض ايام بهرام ين سابور ذي الأكتاف.
5 - امرؤ القيس البدء بن عمرو بن امرئ القيس، وقد حكم خمساً وعشرين سنة. حكم في أيام بهرام بن سابور ذي الأكتاف، وهلك في عهد يزدجرد الأثيم.
6 - النعمان بن امرئ القيس، وقد ملك تسعاً وعشرين سنة وأربعة أشهر.
من ذلك في زمن يزدجرد خمس عشرة سنة، وفي زمن بهرام بن يزدجرد أربع عشرة سنة. وينقص ذلك أربعة أشهر عن العدد الاجمالي الذي ذكره ابن الكلبي.
7 - المنذر بن النعمان، وقد ملك أربعاً وأربعين سنة، من ذلك في زمن بهرام جور بن يزِدجرد ثماني سنين وتسعة أشهر، وفي زمن يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة، وفي زمن فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة.
8 - الأسود بن المنذرَ، وقد حكم عشرين سنة، من ذلك في زمن فيروز ابن يزدجرد عشر سنين، وفي زمن بلاش بن يزدجرد أربع سنين، وفي زمن قباذ بن فيروز ست سنين.
- المنذر بن المنذر بن النعمان وقد ملك سبع سنين.
10 - النعمان ين الأسود بن المنذر، وكان ملكه سبع سنين.
11 - أبو يعفر بن علقمة بن مالك ين عدي بن الذميل، وكان ملكة ثلاث سنين.
12 - المنذر بن امرئ القيس البدء، وكان ملكه تسعاً وأربعين سنة.
13 - عمرو بن المنذر، وكان جميع ملكه ست عشرة سنة.
14 - قابوس بن المنذر، وقد ملك أربع سنين: ثمانية أشهر منها في زمن أنو شروان، وثلاث سنين. وأربعة أشهرفي زمن هرمز بن أنو شروان. 15 - السهرب.
16 - المنذر بن المنذر أبو النعمان، وقد ملك أربع سنين.
17 - النعمان بن المنذر أبو قابوس، وقد ملك اثنتين وعشرين سنة، من ذلك في زمن هرمز بن أنو شروان سبع سنين وثمانية أشهر، وفي زمن كسرى أبرويز بن هرمز أربع عشرة سنة وأربعة أشهر.
18 - إياس بن قبيصة الطائي ومعه النخير جان، وقد ملك تسع سنين في زمن كسرى بن هرمز.
19 - آزاذبه بن بابيان بن مهر بنداذ الهمداني، وقد حكم سبع عشرة سنة: في زمن كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن شيرويه بن كسرى ثمانية أشهر، وفي زمن أردشير بن شيرويه سنة وسبعة أشهر وفي زمن بوران دخت بنت كسرى شهراً.
20 - المنذر بن النعمان بن المنذر، وقد ملك ثمانية أشهر.
هذه هي قائمة أسماء ملوك الحيرة كما رواها الطبري عن ابن الكلبي.
ملوك الحيرة بحسب رواية "ابن قتيبة"
1 - مالك بن فهم.
2 - جذيمة الأبرش.
3 - عمرو بن عدي.
4 - امرؤ القيس، ويقال: بل ملك الحارث بن عمرو بن عدي
5 - النعمان بن امرئ القيس.
6 - المنذر بن امرئ القيس.
7 - المنذر بن المنذر بن امرئ القيس.
8 - عمرو بن هند.
9 - النعمان بن المنذر.
10- إياس بن قبيصة.
أما "محمد بن حبيب"، فقد رتب أسماء ملوك الحيرة على هذا الشكل: "عمرو بن عدي بن نصر" و "امرؤ القيس البدء" وهو الأول، فابنه "عمرو" ف "أوس ين قلام بن بطينا بن حمير بن لحيان"، و "امرؤ القيس" البدء، وهو "محرق الأول"، ف "النعمان بن امرئ القيس البدء"، فابنه "المنذر"، فابنه "الأسود"، فأخوه "المنذر"، فابن أخيه "النعمان بن الأسود"، ف "أبو يعفر بن علقمة بن مالك"، ف "المنذر بن امرئ القيس"، ف "عمرو ابن المنذر بن امرئ القيس"، ف "قابوس بن المنذر"، ف "السهرب" الفارسي، ف "المنذر بن المنذر"، ف "أبوقابوس النعمان بن المنذر"، ف "إياس بن قبيصة الطائي"، ف "آزاذبه"، ف "الغرور المنذر بن النعمان ابن المنذر"، وهو المقتول بالبحرين يوم "جواتا".
ملوك الحيرة بحسب رواية اليعقوبي
ا - عمرو بن عديّ، وقد ملك خمساً وخمسين سنة.
2 - امرؤ القيس بن عمرو، وقد ملك خمساً وثلاثين سنة.
3 - الحارث بن عمرو، وقد ملك سبعاً وثمانين سنة.
4 - عمرو بن امرئ القيس بن عمرو بن عدي، وقد ملك أربعين سنة.
5 - المنذر بن امرى القيس.
6 - النعمان.
7 - المنذر بن النعمان، وقد ملك ثلاثين سنة.
8 - عمرو بن المنذر.
9 - عمرو بن المنذر الثانى.
10 - قابوس بن المنذر.
11 - المنذر بن المنذر، وقد ملك أربع سنين.
12 - النعمان بن المنذر.
ملوك الحيرة بحسب رواية المسعودي
1 - عمرو بن عدي، وكان ملكه مئة سنة.
2 - امرؤ القيس، بن عمرو بن عدي، وقد ملك ستين سنة.
3 - عمرو بن امرئ القيس، وقد ملك خمساً وستين سنة.
4 - النعمان بن امريء القيس، وقد حكم خمساً وثلاثين سنة.
5 - المنذر بن النعمان، وكان حكمه خمساً وثلاثين سنة.
6 - المنذر بن الأسود بن النعمان بن المنذر، وقد ملك أربعاً وثلاثين سنة.
7 - عمرو بن المنذر، وكان ملكه أربعاً وعشرين سنة.
8 - قابوس بن المنذر، وقد ملك ثلاثين سنة.
9 - النعمان بن المنذر، وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة.
10- إياس بن قبيصة الطائي، وكان ملكه تسع سنين.
هذه هي أسماء ملوك الحيرة الذين ذكرهم المسعودي، وقد نص هو على أن عدة ملوك الحيرة ثلاثة وعشرون ملكاً من بني نصير وغيرهم من العرب والفرس، ومدة ملكهم ستمائة سنة واثنتان وعشرون سنة وثمانية أشهر. ونص في كتابه "التنبيه"، على أن "عدة من ملك الحيرة من بني نصر والعباد وغسان وتميم وكنده والفرس وغيرهم نيفاً وعشرين ملكاً، ملكوا خمس مئة سنة واثنتين وعشرين سنة وشهوراً ".
قائمة حمزة لملوك الحيرة
ا - عمرو بن عدي، وكان جميع ما ملكه مئة وثمانى عشرة سنة. ذلك في زمن ملوك الطوائف خمسة وتسعون سنة، وفي زمن ملوك فارس ثلاث وعشرون سنة، منها في أيام أردشير بن بابك أربع عشرة سنة وعشرة أشهر، وفي أيام شابور بن أردشير ثماني سنين وشهران.
2 - امرؤ القيس بن عمرو بن عدي، وقد ملك مئة وأربع عشرة سنة، منها في زمن شابور بن أردشير ثلاث وعشرين سنة، وفي زمن هرمز بن شابور سنة وعشرة أشهر، وفي زمن بهرام بن هرمز تسع سنين وثلاثة أشهر، وفي زمن بهرام بن بهرام ثلاثاً وعشرين سنة، وفي زمن بهرام بن بهرام بن بهرام ثلاث عشرة سنة وستة أشهر، وفي زمن نرسي بن بهرام بن بهرام تسع سنين، وفي زمن هرمز بن نرسي ثلاث عشرة سنة، وفي زمن شابور ذي الأكتاف عشرين سنة وخمسة أشهر.
3 - عمرو بن امرئ القيس، وقد ملك ستين سنة، من ذلك في زمان شابور ذي الأكتاف إحدى وخمسين سنة وسبعة أشهر، وفي زمن أردشير أخي شابور خمس سنين، وفي زمن شابور بن شابور أربع سنين وخمسة أشهر.
4 - أوس بن قلام، وقد ملك خمس سنين في زمن أردشير أخي شابور.
5 - امرؤ القيس، وقد حكم إحدى وعشرين سنة وثلاثة أشهر، من ذلك في زمن شابور بن شابور خمس سنين، وفي زمن بهرام بن شابور إحدى عشرة سنة، وفي زمن يزدجرد بن شابور خمس سنين وثلاثة أشهر.
6 - النعمان ين امرئ القيس، وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة، من ذلك في زمن يزدجرد بن بهرام بن شابور خمس عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن بهرام جور بن يزدجرد أربع عشرة سنة وأربعة أشهر.
7 - المنذر بن النعمان، وقد ملك أربعاً وأربعين سنة، من ذلك في زمن بهرام جور بن يزدجرد ثماني سنين وتسعة أشهر، وفي زمن يزدجرد بن بهرام ثماني عشرة سنة وثلاثة أشهر، وفي زمن فيروز بن يزدجرد سبع عشرة سنة.
8 - الأسود بن المنذر، وقد ملك عشرين سنة، من ذلك في زمن فيروز ابن يزدجرد عشر سنين، وفي زمن بلاش بن فيروز أربع سنين، وفي زمن قباد ابن فيروز ست سنين.
9 - المنذر بن المنذر، وقد ملك سبع سنين في زمن قباد بن فيروز.
10 - النعمان بن الأسود، وكان ملكه أربع سنين في زمن قباد.
11 - أبو يعفر بن علقمة الذميلي: وكانت مدة حكمه ثلاث سنين في زمن قباد بن فيروز.
12 - امرؤ القيس بن النعمان، وكان ملكه سبع سنين في زمن قباد بن فيروز.
13 - المنذر ابن امرئ القيس، وقد ملك اثنتين وثلاثين سنة، من ذلك في زمن قباد بن فيروز ست سنين، وفي زمن كسرى أنو شروان بن قباد ستاً وعشرين سنة.
14 - الحارث بن عمرو بن حجر الكندي.
15 - عمرو بن المنذر، وكان ملكه ست عشرة سنة.
16 - قابوس بن المنذر، وكان حكمه مدة أربع سنين في زمن أنو شروان.
17- فيشهرت، وقد حكم سنة في زمن أنو شروان.
18 - المنذر بن المنذر، وقد ملك أربع سنين، منها ثمانية أشهر في زمن أنو شروان، وثلاث سنين وأربعة أشهر في زمن هرمز بن كسرى أنو شروان.
19 - النعمان بن المنذر، وكان ملكه اثنتين وعشرين سنة، من ذلك سبع سنين وثمانية أشهر في زمن هرمز بن أنو شروان، وأربع عشرة سنة وأربعة أشهر في زمن كسرى بن هرمز.
20 - إياس بن قبيصة ومعه "البحر جان" "النخر جان"، وكان ملكه مدة سبع سنين في زمن أبرويز.
21 - زاديه بن ماهبيان بن مهرا بنداد الهمداني، وقد ملك سبع عشرة سنة، من ذلك أربع عشرة سنة وثمانية أشهر في زمن أبرويز، وثمانية أشهر في زمن شيرويه بن أبرويز، وسنة وسبعة أشهر في زمن أردشير بن شيرويه، وشهراً واحداً في زمن بوارن بنت أبرويز.
22 - المنذر بن النعمان بن المنذر، وكان ملكه وملك غيره إلى أن ورد خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر.
وقد ذكر حمزة أن جميع ملوك آل نصر ومن استخلف من العباد والفرس بالحيرة خمسة وعشرون ملكاً حكموا في مدة ستمائة وثلاث وعشرين سنة وأحد عشر شهراً. لكنه ذكر في مكان آخر أن الحيرة عمرت "خمسمائة وبضعاً وثلاثين سنة إلى أن وضعت الكوفة ونزلها عرب الإسلام".
وقد استند حمزة في تأليف قائمته هذه على رواية ابن الكلبي في تأريخ الطبري، وعلى رواية محمد بن حبيب وعلى ابن قتيبة، ولذلك خالفت قائمته هذه بعض المخالفة قائمة الطبري في الأسماء وفيَ السنين.
ملوك الحيرة بحسب رواية الخوارزمي
وأما "الخوارزمي"، فقد رتب أسماء ملوك الحيرة على هذا الشكل: ا - مالك بن فهم.
2 - ثم ابنه جذيمة الأبرش.
3 - ثم عمرو بن عدي.
4 - ثم امرؤ القيس البدء.
5 - ثم ابنه عمرو، وهو ابن هند.
6 - ثم أوس بن قلام.
7 - ثم أمرؤ القيس البدن. وهو محرق الأول.
- ثم ابنه النعمان الذي بنى الخورنق والسدير. وفارس حليمة، وهو السائح و الأعور.
9 - ثم ابنه المنذر.
. ا- ثم ابنه الأسود.
1 ا- ثم المنذر بن المنذر.
12- ثم النعمان بن المنذر.
13- ثم النعمان بن الأسود.
14-ثم أبو يعفر بن علقمة.
15- ثم امرؤ القيس بن النعمان. وهو صاحب سنمار.
6 ا- ثم ابنه المنذر، وهو ابن ماء السماء.
17- ثم الحارث ين حجر الكندي، آكل المرار.
8 أ-ثم المنذر بن ماء السماء.
19- ثم ابنه عمرو بن هند، وهو مضرط الحجارة ومحرق الثاني.
20- ثم ابنه قابوس بن المنذر.
21- ثم فيسهرب الفارسي في زمن أنو شروان.
22- ثم المنذر بن المنذر، وأخوه عمرو بن هند.
23 - ثم النعمان بن المنذر. وهو آخر ملوك لخم.
24 - ثم إياس بن قبيصة الطائي.
25 - ثم زادويه الفارسي.
26 - ثم المنذر بن النعمان بن المنذر.
ملاك الشرق
25-04-2010, 12:50 AM
الفَصْلُ التاَسِعُ واَلثَلاثون
مملكة كنده.
كنده قبيلة قحطانية في عرف النسابين، تنسب إلى "ثور بن عفير بن عدي ابن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن زيد بن عريب بن زيد ين كهلان بن سبأ"، و "ثور" هو "كنده".
وقد عرفت عند الأخباريين ب "كنده الملوك"، لأن الملك كان لهم على بادية الحجاز من بني عدنان. ولأنهم ملكوا أولادهم على القبائل. وكانوا يتعززون بنسبهم إلى كنده، والى "آكل المرار"، لأنهم كانوا ملوكاً.
و "كنده" هي "كدت" القبيلة التي ورد اسمها في نصوص المسند، مثل نص "أبرهة". بل ورد اسمها في النصوص المذكورة قبل هذا العهد بكثير.
اذ ورد في النص: "Jamme 635". المدون في أيام الملك "شعر أوتر" ملك سبأ وذي ريدان. وقد كانت قد انضمت إلى حلف معاد للملك المذكور على نحو ما تحدثت عنه. وكان يحكم "كدت" كنده في ذلك الوقت ملك اسمه "ربعت"، أي "ربيعة"، وذكر انه من "ذ ثورم ""ذ الثورم"، أي من"الثور" "آل ثور"، وانه كان ملكاً على "كدت" كنده وعلى "قحطن" أي "قحطان".
وقد ذهب "كلاسر" إلى إن المراد ب Masala موضع يدعى اليوم "المشالحة" ويقع شرق "مخا" على الساحل. أما "شبرنكر"، فرأى انه موضع "مأسل الجمع"، وان المقصود ب Homeritae في هذا المكان جماعة أخرى، اسمها: Nomeritae، وان النساخ حرّفوه فكتبوه Homeritae بدلاً من Nomeritae. وهذه التسمية التي يراها "شبرنكر" قريبة من "نمير".
وذكر مؤلف كتاب "الطواف حول البكر الأريتري" إن الحميريين كانوا يحكمون في أيامه منطقة واسعة من ساحل البحر الأحمر وساحل المحيط حتى حضرموت، كما كانوا يمتلكون ساحل "عزانيا" Azania في افريقبة، أي قسماً من الساحل الشرقي. وكان عليهم ملك يسمى "كرب ال" Charibael، عاصمته مدينة "ظفار" Taphar. وكان على صلات حسنة بالروم. وعدهم "مرقيانوس" Marcianus، وهو من رجال أوائل القرن الربع للميلاد، من جملة قبائل الحبشة. ونجد عدداً من الكتاّب البيزنطيين يرون هذا الرأي.
وقد ذكرت حمير في نص "عيزانا" Ezana، ملك "اكسوم" Askum، ودعيت في النص اليوناني منه ب Omeritai = Omyritai أي حمير.
ولم يعثر الباحثون على اسم حمير في الكتابات التي ترجع عهدها إلى ما قبل الميلاد بمئات من السنين مع ورود أسماء قبائل أخرى كانت تقيم في المواضع التي نزل بها الحميريون. مثل "حبان" "حبن" و "ذيب". فقد جاء اسم "حبن" "حبان" في الكتابة الموسومة ب Rep.epig. 3945، وهي كتابة يرجع بعض الباحثين زمان تدوينها إلى حوالي السنة "400" قبل الميلاد. و "حبان"، مدينة وأرض تقع غرب "ميفعة"، ءلى الطريق المؤدية إلى "شبوة". أما "ذيب" "ذيلب" فقبيلة، كانت منازلها ما بين "عوالق الأحور" من الغرب ومنطقة "قنا". وتضيم "دلتا" "ميفعة"، وهي من القبائل التي كانت تسكن القسم الشرقي من "حمير" أي الأرض التي هاجمت منها حُمير مملكة حضرموت.
ويذهب "فون وزمن" إلى أن اسم حمير لم يكن قد لمع في هذا العهد على أنه اسم قبيلة حاكمة، وأن اسمها لم يلمع الا بعد أن تحالف الحميريون مع قبائل أخزى مثل "ذياب"، فصاروا بحلفهم هذا قوة، وصار لهم نفوذ.
وقد ورد اسم قبيلة "حبن" "حبان" و "ذيب" "ذياب" في النصوص المتأخرة كذلك مثل كتابات "عقلة".
وقد عرف الحميريون عند أهل الأخبار أكثر من بقية الشعوب العربية الجنوبية الأخرى التي نتحدث عنها، وقد جعلوا "حميراً"، وهو جدّ الحميريين في زعمهم،
ابناً ل "سبأ"، وصيروه "حمر بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان". وقد سموه "العرنج" وزعموا أنه كان ملكاً، وأنه ملك بعد ملك أبيه "سبأ"، وأنه أول من تتوج بالذهب، وملك خمسين سنة، وعاش ثلاثمئة عام، وكان له من الولد ستة، منهم تفرعت قبائل حمير، وكانت بينهم حروب، إلى أمثال ذلك من أقوال.
وقد حاول بعض أهل الأخبار إيجاد تفسير للفظة "حمير"، ولكلمة "عرنج"، فذكروا أوجهاً متعددة للتسمية. وقد اعترف "ابن دريد"، بأن من الصعب الوقوف على الأصل الذي اشتق منه اسم "حمير" أو "العرنج"، لأن هذه أسماء قد أميتت الأفعال التي اشتقت منها. وقد ذكر أن بعض أهل اللغة زعموا أنه سمي حمير، لأنه كان يلبس حلة حميراء، وذكر أيضاً "أن هذه الأسماء الحميرية لا تقف لها على اشتقاق لأنها لغة قد بعدت وقدم العهد بمن كان يعرفها" ويطلق أهل الأخبار لصب "تبع" على الملوك الذين حكموا اليمن، وعلى مجموعهم "التابعة". وهم في حيرة من تفسير المعنى. وقد ذكر أكثرهم أنهم إنما سموا تبعاً و "تبابعة" لأنهم قي يتبع بعضهم بعضاً كلما هلك واحد قام مقامه آخر تابعاً له علما مثل سيرته. أو لأن التبع ملك يتبعه قومه، ويسيرون خلفه تبعاً له. أو لكثره أتباعه. أو من التتابع، وذلك لتتابع بعضكم بعضاَ. وذكروا إن أحد التبابعة كان قد صنع "الماذيات" من الحديد، وان الحديد سخر له، كما سخر للنبي "داوود".
وأشير إلى "تبع" في القرآن الكريم: )أهم خير أم قوم تبع( و )أصحاب الأيكة وقوم تبع(. وقد ذكر بعضهم أن هذا اللقب لا يلقب به إلا الملوك الذين يملكون اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم "بنو جشم بن عبد شمس" أما إذا لم يكن كذلك فإنما يسمى ملكاً. وأول من لقب ممهم بذلك "الحارث بن ذي شمر" وهو الرائش، ولم يزل هذا اللقب واقعاَ على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة اليمن. وذكر أهل الأخبار أن تبع عند أهل اليمن لقب هو بمنزلة الخليفة للمسلمين وكسرى للفرس وقيصر للروم. وكان يكتب إذا كتب: بسم الذي ملك براً وبحراً.
واختلف علماء التفسير في اسم "التبع" الحميري المذكور في القرآن الكريم، فذهب بعضهم إلى أنه من حمير، وأنه حَيّر الحيرة وأتى "سمرقند" فهدمها. وذهب بعض آخر إلى أن تبع كان رجلاً من العرب صالحاً، وأنه لما دنا من اليمن ليدخلها حالت حمير بينه وبين ذلك وقالوا لا تدخلها علينا وقد فارقت ديننا، وكانوا يعبدون الأوثان فدعاهم إلى دينه، وقال إنه دين خير من دينكم قالوا فحاكمنا إلى النار. قال نعم فتحاكموا إليها، وكان معه حبران، فغلب الحبران النار، ونكصت على عقبها، فتهوّدت حمير، وهدم "تبع" بيت "رئام"، وهو بيت كانوا يعظونه وينحرون عنده ويكلمون منه، وانتصر عليهم.
وقد ذكروا إن تبعاً أول من كسا البيت، وان الرسول نهى عن سبّه. وروي انه قال: "لا أدري تبع نبياً كان أم غير نبي". ويظهر من هذا القصص المروي عن "تبع" والذي يعود سنده إلى "كعب الأحبار" و "وهب ابن منبه" و "عبد اللّه بن سلام" في الغالب، انهم قصدوا ب "تبع" الملك "اسعد أبو كرب" الذي تهوّد. يؤيد هذا الرأي نص كثير من المفسرين والأخباريين على اسمه، ونسبتهم القصص المذكور إليه. وذكر "ابن كثير" إن "أسعد أبو كريب بن ملكيكرب اليماني" هذا هو "تبع الأوسط" وانه ملك قومه ثلاثمائة سنة وستاً وعشرين سنة? ولم يكن في حمير أطول مدة منه، وتوفي قبل مبعث الرسول بحو من سبعمائة سنة إلى غير ذلك من قصص يرجع سنده إلى المذكورين.
هذا وللتبابعة قصص طويل في كتب أهل الأخبار، فيها قصص عن نسبهم، وفيها قصص آخر عن فتوحاتهم وحروبهم، وكلام عن دياناتهم، وحديث عن حكمهم وأحكامهم، تجده مبسوطاً مفروشاً في صفحات تلك الكتب، تجد فيها بعض التبابعة وفد آمنوا برسالة الرسول ووقفوا على اسمه وذلك قبل ميلاده بمئات من السنين. وتمنّوا لو عاشوا فأدركوا ايامه وذبوّا عن حياضه. هذا أحدهم وهو التبع "اسعد أبو كرب بن ملكيكرب"، يقول: شهدت على أحـمـد انـه رسول من اللّه باري النسم
فلو مدّ عمري إلى عمـره لكنت وزيراَ له وابن عـم
وجاهدت بالسـيف أعـداءه وفرجت عن صدره كلّ هم
فهو يشهد برسالة الرسول، ويؤمن بها قبل مبعثه بنحو من سبعمائة سنة، ويرجو لو مدّ في عمره، فوصل إلى أيام الرسول، أذن لجاهد وحارب معه، وفرِّج عنه كل همّ، لأنه كان يعلم بما سيلاقيه الرسول من قومه من أذى وعذاب. ولصار له وزيراً وابن عم.
ويذكر بعض الأخباربين، إن تبعاً قال للأوس والخزرج ، كونوا هنا حتى يخرج هذا النبي، صلى الله عليه وسلم، أما أنا لو أدركته لخدمته وخرجت معه. إلى غير ذلك من قصصن يحاول إن يجعل للتبابعة علم سابق قديم برسالة الرسول باسمه وبمكان ظهوره. وبتهيؤ القحطانيين ومنهم أهل المدينة لتأييده وللذبّ عنه، ولنشر دينه على رغم قريش أهل مكة، وهم لبّ العدنانيين.
وتجد في كتب أهل الأخبار بعض التبابعة وقد صيروا مسلمين حنفاء يدعون إلى الدين الحق وينهون قومهم عن عبادة الأصنام. وتجد فيها أحاديث قيل إن رسول الله قالها في حق التبابعة مثل قوله: "لا تسبوا تبعاً، فانه كان قد أسلم"، أو " لا تسبوا تبعاَ فانه كان رجلاً صالحاً
منقوول للفائدة