![]() |
قررت وزارة الإسكان منحُ بدر بيتا شعبيا ، مكونا من ثلاث غرف ومجلس وصالة ، بالإضافة إلى راتب شهري من الشؤون ، يعينه على تسيير حياته، والفضل يرجع بعد الله إلى الشيخ محمود ، الذي بذل المستحيل لكي يحصل بدر على بيتٍ يؤويه ، فرح بدر بذلك ، وقرر الدراسة في أرض الوطن ، فهو الآن يقدم أوراقه في الجامعة ، ويختار كلية الهندسة ، فهو يسعى أن يكون مهندس نفط ، وترك حلمه القديم ،فهو الآن لا يعشق الطيران ، بعد أن تحطم جناحاه بوفاة أهله . سمية حكت قصتها لأختها سامية ، قلبها يتقطع ، ودمعها لا يرقأ ، ولسانها لا يتلفظ إلا بذكر بدر ، أما سامية ، تعيش مأساة أختها ، تحاول أن تأخذها من العبوس إلى الأمل والإشراق ، تطلب من سمية أن تكون عونا لبدر في هذه المرحلة ، فهو يحتاج لدعمها وسندها ، وهي ستقف بكل تأكيد إلى جانب سمية وتوفر لها المناخ المناسب للقيا بدر . عائشة تقع في يد أحد الشباب ، فلقد تبادلا النظرات طويلا في سوق الملابس ، وقد تمكن من اصطيادها عن طريق البلوتوث ، وها هي المكالمات تتكرر بينهما ، والحب والغزل سمة بارزة ، خصوصا عائشة التي تتأقلم مع كل شاب ، فقلبها يرفرف في صدرها ، لا يثبت في مكانٍ واحد ، ولا يستقر لشخص واحد ، فهي ترى نفسها ملكة الحب ، تهب حبها لكل الشباب . بدر أنهى صلاة العصر ، أمسك بالمصحف يقرأ ويراجع محفوظاته ، وهو الآن يحفظ سورة النور ، ويقف عند الآية الخامسة والثلاثين كثيرا ، يتأملها وقلبه يتلذذ بحلاوة الإيمان ، ما أروع هذه الآية وأعظمها، فالقرآن كله عظيما ، ولكنها تصف نور الله : " الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ". ختم الآية وخرج من المسجد يمشي ، مستمتعا بنور الإيمان ، الطريق مزدحم بحركة الناس ، رجلاه تسوقانه نحو محل البوظة " الآيسكريم " ليسترجع أيام الصبا والطفولة ، طلب آيسكريم فراولة ، ومضى يكمل طريقه وهو يلعق الآيسكريم مثل الصبيان تماما ، تلمحه سمية من بعيد ، وتصرخ ذاك بدر ، إنه البدر يا سامية ، توقفت بجانبه ، تكاد لا تصدق عينيها ، أيعقل أن يكون هذا بدرا؟ سلمت عليه وعرفته على أختها ، سَعُد كثيرا برؤيتها ، وشعر بالأمان والدفء والحنان ، وعدها أن يأتي قريبا لخطبتها ، فهو لا يقوَ البعد عنها ، فرحت بذلك فرحا عظيما ، يكاد يغمى عليها ، لم تستطع الكلام ، فتكلمت سامية بدلا عنها ، نحن في انتظارك ، ولن نجد أفضل منك يا بدر الدجى ، ابتسموا ، ثم انصرفوا . ،،، يتبع ،،، |
ما أجمل البيت الجديد ، فهو قريبٌ جدا من مسجد النور ، وفي الجهة المقابلة تقع حضانة الأطفال ، وبدر يملك عشقا خاصا للأطفال فهم البراءة وزينة الحياة وبسمة الدنيا وبهجتها ، لكنه موحشٌ جدا ، فلا أنيس يشاطره الحديث والحياة ، ولا حبيب يركن إليه عند الدعة والهم ، يتأمل الغرف الثلاث ، ينتقل بينهن ولا يرى شيئا يفتح النفس ويسعد الخاطر ، فتجيش به الذكريات نحو الأحبة ، يخاطب نفسه : أواه كم اشتقت لنصائحك أبي ، وكم عيني تود رؤيتك يا أماه ، فداك نفسي يا أختي الصغيرة " ربى " ، يجفف دموعه ، وينتقل للمجلس عل تباريح الجوى يخف وطؤها ، وعلّ النفس تسجد لخفتات الأمل القادم ، فلا بد أن نقبل الواقع بكل صروفه . سامية تبدو أكثر سعادةً من أختها ، تنظر بنظرات خبثٍ لسمية ، وتحدثها بجمال بدر وخفته وظرفه الشديد ، مما بدأ الأمر يتطور للغيرة ، وأصبحت سُمية تفسر كل كلمة إعجابٍ من سامية لشخص بدر على أنها بذرات حبٍ قد تتأصل في أعماقها ، فالحب لا يقيد بقيود ولا يحده رسمٌ أو حدود ، إلا أن سامية ترسم الأمل الجميل في قلب سُمية حينما تحدثها باستمرار عن يوم زفافهما ، وكيف ستحيى حياة السعداء مع بدر ، وأنها ستكون خالةً عما قريب ، فتبدأ المغرمة سُمية في الغوص في أعماق الخيال ، عيناها لا تتوقفان عن النظر لأعلى ، وأصابع اليدين في حركة استشعارية ، والابتسامة تواكب التأمل العميق . عائشة تحدد موعدا لعشيقها الجديد ، فاللقيا حياة الحب وماء القلوب ، والحبيب الجديد ، يبكى الصبابة والألم ، فالشوق يضرب أوتار جسده ، وقلبه يخفق بتراتيل وجده ، فالأنفاس حرّى دفينة ، والحنين يسكره ويصرعه ، ويدّعي أيضا ، بأنه بات حاله كسيرا ، ولقيا الحبيبة يجبره ويشعبه ، وكذلك عائشة المتيمة لا يغمض لها جفن ، فهي دائمة التفكير بالحبيب المخلص ، هذا الأنيق الذي شغل كل فكرها ، واستوطن كل مشاعرها ، فصار الهوية وملح الحياة ، والموعد يوم الأحد ، يوم نصرهم برؤية بعضهم . ،،، يتبع ،،، |
يونس الولد الوديع ، يتحول إلى أسدٍ مفترس ، فلقد لطم أمه لطمةً أطارت بعقلها يوم أن منعته من الخروج مع صديقه الجديد موسى ، أصابها الذهول وبلغت بها الدهشة مبلغها ، ويحك يا يونس ، أتصفعني وأنا أمك ؟ أو نسيتَ سهر الليالي وبكاء الأسحار لأي مرضٍ يلم بك ، ألا تعلم بأن الحمى التي تؤلم جسدك هي تقتلني ، والآن وبعد كل هذه السنين تأتي لترفع يدك على من حملتك في بطنها تسعة أشهر وفطمتك في عامين ، أو يكون الشكر بالضرب ، شُلَّت يدك وقبّح الله صنيعك ، اغرب عني فأنت لستَ ابني . لم تحرك تلك الكلمات والدموع شيئا من نفسية يونس ، فهو تمرد على كل شي ، ولا يعرف سوى القسوة ولغة الثأر ، إلا أنه حينما يخلو بنفسه ، يعود به الحنين إلى إخوته حسام وسوسن ، خصوصا حسام الذي كان سنده وعونه في كل شي ، فهو لا ينسى أبدا يوم أن باع كتبه التي يحتفظ بها ويغرم بقراءتها لأجل أن يشتري يونس دراجةً يلهو ويلعب بها ، قلبه لم يتعود على الصبر ، ونفسه لا تريد غير إخوته ، فقد تقطعت أوصاله ، وارتعشت أضلعه ، وبدأ يصرخ بصوت حسام ، الصريخ يرتفع ليصل إلى الأم المفجوعة والمكلومة ، فتأتي مسرعةً نحوه تحتضنه ، سقته الماء وأحضرت له عصير الليمون ، وأطعمته المعكرونة التي يحبها كثيرا ، وكأنه لم يفعل فعلته التي فعلها صباح اليوم وهو من الآثمين ، قلب الأم لا يحمل أي حقد لأبنائه ، فكأن شيئا لم يكن رغم مرارته وقسوته . الرجل المجنون يظهر من جديد أمام جريمةٍ أخرى ، وكأنه لا يظهر إلا لهدفٍ وغرض ، فلقد كان شاهدا على سرقة سيدة كبيرة وهي تحمل نقودا كثيرة بمحفظتها الكبيرة ، وهو الشخص الوحيد الذي رأى يونس وموسى يضربانها ومن ثم يسحبان منها المحفظة بكل عنف ، ولا يزال لا يكشف عن شخصيته ، وأخبر الشرطة بأنه رأى عرضا مسرحيا مثيرا ، فلقد شاهد طفلين يقومان بالتمثيل وسرقة المال من هذه العجوز الشقراء ، وحينما سُئل عن الطفلين أجاب بضحكةٍ وبكاء وقال هما " توم وجيري " . اتصلت الشرطة بأم حسام لتخبرها بأن زوجها معتقلٌ في الشرطة بتهم الأعمال المخلة بالآداب في بيت دعارة ، لتزداد المصائب على أم حسام ، والأمر الآن تجاوز الحزن والصدمة إلى الفضيحة والعار وسخرية الآخرين ، فالتورط في قضية آداب جَرمٌ يمقته المجتمع وتعفه العادات والتقاليد ، لم تجد من تلجأ إليه سوى نجم الدين ، فهو الرجل المخلص وقت الشدة والمحن ، حضر إلى الفور واصطحبها إلى مركز الشرطة ، ليتم استخراج أبو حسام وهو منُكس الرأس بكفالة نجم الدين ، لم يتفوه بأي كلمة ، ولم يكلمه أحد ، ويبدو أن هول المعصية أخرس لسانه ، والشعور بالذنب يقتل أحشائه. ،،، يتبع ،،، |
الساعة تشيرُ إلى الخامسة فجرا ، والرجل المجنون يمارس رياضة الجري بكل نشاطٍ وحيوية ، والعجيب في الأمر أنه يحمل مخزونا هائلا من اللياقة فهو لا يشعر بالتعب إلا بعد طول جري ، فلقد قطع الخمسين كيلو مترا وهو لم يتوقف عن جريه أبدا ، انحرف في مساره إلى الحديقة ليلتقي بذلك الطفل الأبكم ، فيحتضنه طويلا ويبكي بكاءً مرا ، والرائد محمد يراقبه منذ فترةٍ طويلة ، حتى قبل واقعة حسام المسكين ، عقارب الساعة تتحرك والوقت الآن يدنو من الظهيرة ، والمجنون والطفل يتجولان في حديقة الحيوان بكل متعةٍ وسعادة . موسى ويونس يخططان لسرقة محل الذهب ، فلقد تمكن موسى بحركةٍ خفيفة من سرقة المفتاح من البائع ، ليقوم بنسخه ، ويعيده إليه من جديد ، بدون أن يشعر البائع بشيء ، يونس يشعر بخوفٍ ورعب ، فهي المرة الأولى التي سيقوم فيها بسرقة محل تجاري ، ويبدون أنه بدأ يتضجر من الطريق المنحرف الذي يسلكه ، ولكنه محتاجٌ للمال لكي يبني بيتا مستقلا له ولأمه ، كي لا تقع عيناه على وجه أبيه ، فهو لا يود رؤيته إلا يوم دفنه بسكين الغدر التي سيغتاله بها على حين غرة . أما أبوه ، فحاله لا يسر صديقا ولا عدوا ، لا يغادر غرفته أبدا ، حتى الصلاة المفروضة لا يهتم بها ، لا يحدث إلا الجدران والجمادات ، ولا يأكل إلا الدجاج المقلي ، وكأنه يود أن ينتحر بطريقةٍ بطيئة ، يتسلل اليأس إلى قلبه ، ويبرق الأمل في عيناه حيناً ، وهو بين بين ، تماما كقول الشاعر : فلا أنت من أهل الحجون ولا الصفا *** ولا لك حظُّ الشربِ من ماء زمزمِ أم حسام حائرة ولا تدري ما تفعله ، هل ستقف مع نفسها لتتذكر أيام الأنس بصحبة سوسن وحسام والجدة رقية ؟ أم أنها ستحاول القيام بدور الزوجة المكلومة حيال زوجها الغامض والملطخ بدم العار والفضيحة والمتهم بقتل فلذة الكبد وحشاشة الجوف ، ترددت في أمرها كثيرا ، وفي الأخير طلبت من نجم الدين أن يلتقي بها في حضانة المروج الباسمة مساء الغد ، فهي تود البوح له بكل مكنوناتها . الجارة أمل أعدت العشاء لأهل بيت أم حسام ، غلفته في أكياس ألمونيوم ، خرجت في الطريق إلى بيت أم حسام ، فاستوقفها موسى صديق يونس ، يحاول العبث بكرامتها ، فنهرته ، إلا أنه لم يتوقف ، قام بلمسها من جسدها ، فألقت بالطعام واعتركت معه ، فاستمر في الاشتباك معها ، ومن سوء حظها أن يمر أصدقائه من نفس الطريق ويرون الموقف ، فيهبوا مسرعين إلى صديقهم لنجدته ، أوسعوها ضربا ، واركلوها بالأقدام ، وأردوها طريحة على الأرض لا حراك لها . ،،، يتبع ،،، |
حياة السجن لم تكن مريرة مثلما تخيلها سعيد ، فصحبة الشيخ أنور تزيح الكدر وتمحو كل أدران الضيق والضياع ، هو رجلٌ فاضل ، محافظٌ على أداء الصلوات والسنن ، لا يترك الفضائل والمحاسن ، ويسمو بالنفس لتصل لدرجة النزاهة والطهر ، يصلي بهم إماما ، وهو محدثهم وفقيههم داخل السجن ، فبعد صلاة الفجر يحضهم على قراءة القرآن ، وبعد صلاة العصر يقرأ لهم في كتب التفسير وقد بدأ بتفسير المنار ، وبعد صلاة العشاء يتدارس معهم الفقه والأحكام الشرعية ، لا يترك فرصة إلا واستغلها في نشر الخير والصلاح ، ولله الحمد فسعيد الآن يجيد ترتيل القرآن وتجويده ، ويعلم الكثير من أمور الدين ، بل أنه بدأ يرتقي بفكره وطموحه ، إلا أن مريم بدأت تشعل الحنين في جوفه من الرغم أنه كان ولا يزال عاشقا لخلود . اليوم يقوم سمير بدورٍ عظيم ، فلقد رافق الصبي البائس إلى مدرسته الابتدائية ، وأصرَّ على مقابلة الأخصائية الاجتماعية ، فأتته ترفلُ في ثوب الغنج والدلال ، قوامٌ فتّان وعودٌ نحيلٌ قصير ، خدودٌ مُكتَنِزة ، شفاهٌ ناعمةٌ رقيقة ، لا تبدو عليها الحشمة والحياء ، ملابسها مخلة بالأخلاق ، وجهها قد صرخ من كثرة الأصباغ والألوان ، العطر الفرنسي يضج من مسيرة يومين ، وسمير لا يقوَ على رفع رأسه من على الأرض ، بادرته بالتحية والسلام ، وقد أحضرت له كوبا من الشاي ، سألته عن سبب مجيئه وإلحاحه على مقابلتها ، فأخبرها أنه لم يأتِ إلا ليطمئن على حال ذلك الصبي المطرق في جلباب الشرود والهم ، البائع للبسمة بكل نزف مشاعره وحنين وجده ، فأخبرته بأنه طفلٌ يتيم الأم ، ماتت يوم ولادته مباشرةً ، ولم يكن له أخٌ من أمه ، وقد تزوج أبوه بفتاةٍ صبية ورحل لبلدٍ بعيد ، وترك طفله هنا يعيش مع جدته المقعدة . بدأت علاقة الصفاء تعود من جديد بين خلود ومريم ، فلقد أحست مريم بصدق مشاعر خلود وأنها حقا نادمه على فعلتها ، وبدأت تكشف لها الكثير من خبايا الزواج الأخير بينها وبين خلود ، وكيف أن المصلحة اقتضت أن يقترنا ببعض ، وكيف يبيع الإنسان ضميره من أجل مادةٍ رخيصة لا تسمن ولا تغني من جوع ، هنا بدأ طيف الخيال يراود مريم ، وأخذت تسترجع ذكريات سمير وهو يحمل الزهور كل صباحٍ في يديه ، وهي تحمل الورود له ، وكيف كان يسهر الليالي في صنع هديةٍ فريدة ، فهو لا يجيد الخياطة ، إلا أنه صنع قماشا صغيرا ، وزخرفه بخيوط صفراء كلون الأصيل ، وكأنه يقول لها أنتِ شمسي التي لا تغيب ، زفرت زفرات الوله والشوق ، ونادت بخلود أن تصاحبها إلى بيت المعلمة سلمى من أجل متابعة موضوع المدرسة الخيرية ومعرفة أبعادها وتفاصيلها . ،،، يتبع ،،، |
تأسف سمير كثيرا لحال ذلك الصبي المسكين ، ومضى وقته كله يفكر فيه ، ويستغرب من شدة اهتمامه به ، ولماذا يشعر بعاطفة كبيرة نحوه ، إلا أنه يمني النفس بالوقوف معه والحنو عليه بيد الحنان والعطف ، لا بد من نشر البسمة والأمل في طيات قلب الصبي ، أطرق ببصره وجال بخياله ، وفي الأخير قرر أن يقتطع ثلث راتبه ويصرفه على احتياجات الصبي الصغير من مأكلٍ ومشربٍ ومستلزمات شخصية ومدرسية .
في الصباح الباكر ذهب للسوق ، واشترى معطفا جميلا ، وأهداه للطفل بعد عودته من المدرسة ، فرح الصبي محمود بتلك الهدية فرحا عظيما ، وذهب يجري ويرقص طربا ، يصرخ بصوته الطفولي البريء شكرا عمو سمير ، أنا أحبك ، سَعُد سمير بهذه النتيجة واطمئن قلبه وسكنت جوارحه وطابت نفسه ، فالشعور بفرحة طفلٍ بائس شيءٌ لا يوصف ، وها هي العلاقة تنمو بينهما بشكلٍ كبير ، وقد تعرف على جدة الطفل زكية ، وصار كل يومٍ يأتي للسلام عليها والاهتمام بها وإطعامها . تمضي أيام سعيد وهو رهين الحبس لا يزوره أحد ، ولا يسأله عنه حتى أهله ، لكنه تعلم الكثير من السجن ، واكتسب مهنةً جديدة وهي الحلاقة ، ففي السجن أُجبِرَ على امتهان الحلاقة وتعلمها ، وهو الآن بارعٌ فيها ، ويفكر بإيجابية في أن يفتح محلا للحلاقة في بلدته ريث خروجه من السجن ، إلا أن أحد حراس السجن دائما ما يثير غضب سعيد ، فهو يتنبز عليه بكلماتٍ بذيئة ويرمقهُ بنظراتٍ حقيرة ، فلولا أن تداركه الشيخ أنور ليوشكنَّ سعيد على الاعتداء على ذلك الحارس الخبيث ، وعند ضحى اليوم أخبره ضابط المركز بأن أحدا جاء لزيارته ، تحيّر سعيد في أمر الزائر ومن يكون ؟ ومن الذي تذكَّره بعد طول غياب ؟ خرج لصالة الزيارات فوجد مريم تقف في ذبولٍ واصفرار تحمل بيدها مصحفا ، ابتسمت في وجهه وقالت : أعلمُ بأنك مظلوم ، ولكن ثق بأن تلك هي الأقدار تجري بما قدره لها خالقها ، وكن صبورا جلدا ، فقلبي نبأني بأنك طاهرٌ عفيف ، دمعت عينا سعيد ، توقف برهةً مدهوشا ، ولكنه تجمع قواه ، وشكر مريم على كل ما فعلته وتفعله معه ، أعطته المصحف وأخبرته أن ذلك المصحف هو مصحف والدتها وهو أغلى وأثمن ما تملكه ، وأمرته أن يحافظ على الهدية جيدا . خلود والمعلمة سلمى ترسمان مخططا للمدرسة الخيرية المنتظرة ، وقد تكفلت سلمى باختيار مقاولٍ شريف ليمسك مشروع البناء ، وتم تحديد المبلغ وكان باهظا جدا ، فهو يتجاوز المائة ألف دولار ، ومريم لا تملك هذا المبلغ كاملا ، بل لا تملك نصفه ، تم عرض المشروع على أكثر من مقاول ، وللأسف كان المقاول السابق هو الأوحد في السعر المنخفض ، ولا بديل غيره لأمانته وصدقه ، والمفاجأة أن المقاول ذاته سيتبرع بعشرة آلاف دولار ، ومريم تملك أربعين ألفا ، ولكن من أين سيأتي بالنصف الآخر ؟ ،،، يتبع ،،، |
نسمات الفجر تنعش المزاج ، والشرفات مُشرَعة لطيف النور ، وبدأ الفجر بالانبلاج ، والشمس المشرقة ترسل أشعتها بدفء إلى غرفة عائشة ، فتدغدغ خديها ، وتقوم عائشة على الفور نشيطة على غير العادة ، فاليوم هو الأحد ، واللقاء المرتقب بعشيق القلب مازن ، قامت لتستعد وتجهز نفسها ، تأخرت كثيرا في الاستحمام ، وبكل تأكيد ستتأخر أكثر وهي تقف أمام المرآة تعدل من شعرها ، وترتب مكياجها ، وتصبغ جفنها وتلون شفايفها ، وترتدي أجمل حللها ، ها هي الآن تمشي الهوينا كعروسٍ تزف في يوم زواجها ، وفي المقابل فإن العاشق الولهان قام بتجهيز مكان اللقاء وتهيئته ، فالكاميرا الخفية مجهزة في شقته القريبة من الشاطئ ، والويسكي تم إعداده وتحضيره على طاولة الصالون ، وجهاز الموسيقى الصاخب في حالة استنفارٍ قصوى ، وكل شيء يسير قدما مثلما خطط له مازن "حبيب عائشة " . بدر قام بتأثيث منزله كاملا ، ولا ينقصه الآن شي ، إلا أنه لا يجيد طهي الطعام ، والمضحك أنه أعد شربة الدجاج ، وقد بذل كل مهارته فيها ، فلو ترى سعادته الباهرة بهذا الإنجاز ، لشعرت بأن أهله عادوا للحياة من جديد ، انتظرَ موعد البرنامج الحواري في قناة الجزيرة " الاتجاه المعاكس " ، لم يتناول الشربة بعد ، فهو يفضلها حينما يكون مندمجا في المشاهدة ، وقبل أن يبدأ البرنامج سمع صوت قط بجوار المنزل ، فطلَّ عليه مبتسما ، ليجده يبحث عن غذاء ، وأن الجوع يقتلع أحشائه ، أشفق عليه كثيرا ، وقرر أن يتبرع له بجزءٍ من شربته العظيمة ، فرح القط بكرم بدر وإحسانه ، تناول منه قليلا ، وإذا بالقط المسكين يخور مثلما يخور الثور ، ويترنح في الأرض يمنةً ويسرة وكأنه سكران ، ابتسم بدر ظناً منه أن القط يترنح مسرورا بالشبع والتخمة ، وما هي سوى دقائق معدودة حتى خرَّ صريعا على الأرض ميتاً ، فلقد قتلته شربة بدر العجيبة ، حزن بدر حزنا عميقا ، وقرر أن لا يقوم بالطبخ مرةً أخرى ، رحم الله القط ، فلقد كان الضحية الأولى لتجارب طبخ بدر وهو بكل تأكيد " كبش الفداء " . سميّة تتصل ببدر لتطمئن على حاله ، فأخبرها بالخبر المؤسف ، فلم تتمالك نفسها من الضحك قائلةً ، دع الطبخ لأهله ، فأنت لا تجيد سوى مسك الورقة والقلم ، وأعطي الخبز لخبازه ، غضب منها بدر ، ووعدها بأن يصنع لها فطائر بالدجاج المحشي ، فترجته أن لا يفعل ، فهي لا تريد أن تودع الحياة سريعا ، وتحتاج لحياة بدر ، فهما ينتظرهما مستقبل يجمعهما ، لكن هذا الأمر بدأ يقلقها ، وأصبحت تخشى على بدر من نفسه ، ولا تأمن عليه من طريقته في إعداد الأكل ، أحضرت له كتاب ماما أنيسة ، وطلبت منه أن لا يقوم بطبخ أي شيء إلا بعد مشورتها ، سامية تستمع لسمية وهي تخبرها عن جنون بدر وكيف قتلَّ القط ، وأنها تخشى عليه من تجاربه المخيفة ، وهي لا تقو على إخفاء ضحكاتها ، بينما سمية في غضبٍ شديد وقد طغت عليها العصبية والخوف . بدر متشوق لزيارة الحضانة ، فهو يقف طويلا في شرفته ينظر للأطفال وهم يمرحون في ساحة الحضانة ، تذكر أخته " ربى " ، يوم كانت تحتضن كراسة المدرسة قبل أن تنام ، وهي تحلم بدخول المدرسة ، وقد وعدها بدر بأن يقوم بتسجيلها في أقرب حضانة حينما ينتهي من دراسته الثانوية ، لكنه لم يفِ بوعده ، ليس إخلافا منه ، بل لرحيل غاليته عن عالمنا ، آهٍ يا ربى ، كم يقتلني الحنين نحوك ، وكيف تعبث بي الدنيا بعد رحيلك ، ليتكِ الآن معي فأعتني بكِ ، وأصطحبك للحضانة ، وأقضي وقتي كله معك ، لمن أشتري الألعاب الآن ؟ ومن سيرافقني إلى حديقة الأطفال ؟ كنتِ مصدر فرحي وسروري ، والآن ذكراكِ تطيح بي إلى جحيم الأحزان والشقاء . ،،، يتبع ،،، |
لا مجال للصمت أكثر ، وليكن للجرأة توقيتٌ جيد ، والنظر من بعيد لا يأتي بفائدة ، وكان القرار بأن يسابق بدر الزمن ، ويطرق باب الحضانة زائرا ، ولمعالمها الداخلية متعرفا ، الأطفال في كل أرجائها ، والأنس والبهجة على وجوه ساكنيها ، والترتيب والجمال في كل نواحيها ، عالمٌ طفوليٌ جميل ، يرى أخته لبنى في كل وجوه الأطفال وخصوصا البنات ، سأله مدير الحضانة إن كان قد قدم لتسجيل أحد من أقاربه ، فارتبك بدر وارتسمت الحيرة والذهول على تقاسيم وجه ، ولكنه تخلص سريعا بقوله أنه أتى باحثا عن عملٍ مسائي بالحضانة ، وكان الجواب على الفور ، أن العمل هنا تطوعي وبدون أجر ، فرحب بدر بالفكرة وأعلن استعداده الكامل للعمل بالحضانة . مازن يتصل بعائشة ، يعلمها بأنه سيمر عليها بسيارته بعد قليل ، ووعدته بتأخير الوقت قليلا ريثما يذهب والدها للمسجد لأداء صلاة الجماعة ، لتتمكن من الاطمئنان بأن أحدا من أهلها لن يراها وهي تركب سيارة حبيبها ، وتم لها ما أرادت ، والطريق مزدحمٌ بالمارة ، مما جعل مازن يقود بسرعة فائقة لكي لا يتمكن أحد من معرفته ، وصوت مسجل السيارة يبث موسيقى الحب والعاطفة ، عائشة لم تنطق بكلمة واحدة ، فالحياء يلجمها ، ولم تتعود على مازن بعد . تفاجأت عائشة من ترتيب شقة مازن ، وروعة الأضواء الخافتة ، ورائحة العطر الفرنسي " انترنتي " تفوح في كل أركان الشقة ، أخذت جولة تفقديه سريعة لغرف الشقة الصغيرة ، فرحت كثيرا حينما رأت كعكة كبيرة على طاولة المطبخ ، وكانت الشموع الحمراء مزروعة في كل جوانبها ، أصر مازن على عائشة إصرارا قويا بأن تقوم هي بنفسها بتقطيعها وأن تأكل من يده ، فهو خادمها المطيع ، ومن سيهب نفسه لخدمتها طول الحياة . في هذه الأثناء يقوم والد عائشة بزيارة بدر في بيته الجديد ، ويتذاكر الاثنان حياة والد بدر وعلمه الغزير وتواضعه الجم ، فتسيل الدموع من العيون ، وتكثر الدعوات من بدر لوالده الراحل ، إلا أن أم بدر كان لها نصيب الأسد من الشوق والحنان لها ، فهي لا تغيب أبدا من مخيلة بدر ، كانت معبد الحب لكل من يعيش بقربها ، ورغم صلابة بدر وقوة شخصيته ، فلا يزال غير قادر على تحمل مرارة الموقف ومضاضة الرحيل المفاجئ المميت ، قاطع شروده اتصالٌ من سمية تطمئن على صحته وحاله ، وقد لاحظت حزنه من نبرة صوته ، فأتت كلماتها في همسٍ رقيق ، تجلد يا حبيبي ، وكن قويا في عيني ، فأنت أملي وقدوتي ، أم أن وجودي بقربك لا يمنحك الأمان والرضا أبدا ؟؟ أنهى بدر المكالمة ، ليتلقى سيلا من الاستفسارات من والد عائشة عن صاحبة الرقم ، فأجاب بدر بكل هدوء ، هذه من اخترتها شريكةً لي في حياتي ، وهي من ستشاطرني ما تبقى من عمري ، فأجاب الشيخ ، ولكني كنتُ أريد لك عائشة ، تنهد بدر وقال : ولكني منحتُ عهدا لهذه الفتاة ولن أخلفه ، تبسم الشيخ ودعا لهما بالبركة ، مشترطا أن يكون هو من يخطبها له ويعقد قرانهما ، فرح بدر فرحا شديدا ، وأصبح زواجه حديث الساعة كلما التقى بوالد عائشة ، ويبدو أن العرس سيكون قريبا . ،،، يتبع ،،، |
أمل بين الحياة والموت ، والشرطة تحقق في الحادثة ، ذهب يونس وأمه إلى المستشفى للاطمئنان عليها ، فوجدوها في حالةٍ حرجة ، والدكتور يطلب من الحاضرين التبرع بالدم ، وللأسف الشديد جميع فصائل دم الموجودين لا تتوافق مع فصيلة دم أمل ، ولشدة تعلق أم حسام وحبها لجارتها أمل فقد اتصلت بوالد حسام تطلب منه الحضور والتبرع ، لم يتردد في ذلك فأتى مسرعا ، وفي طريقه للمستشفى وجد الرجل المجنون وأحضره معه لعل يكون منه نفعا ، وصل أبو حسام بنشوة الفرح والسعادة ، فهو يشعر بأن ثقة زوجته بدأ تعود مثلما كانت . تم أخذ عينات من دمه ، وظهرت ملامح الدهشة على وجه الطبيب ، قام بتحليل دمه مرارا وتكرارا إلا أن النتيجة واحدة ، فالإيدز قد تحكم بالجسم ، وأبو حسام أسير الموت لا محالة ، طلب منه المكوث معه في المستشفى ، ولم يطلعه على النتيجة فهو ينتظر الفحص الأخير ، فالتعجل في هذا الأمر له عواقب وخيمة ، وأخبر الطبيب الحاضرين بأن دم والد حسام لا يتوافق البتة مع دم أمل ، فتقدم المجنون بابتسامة إلى الطبيب وهو يمد يده قائلا : " هاك دمي فانفثه في جسم أمل ، ففصيلتنا واحدة " ، يا للهول لقد صمت الكل مبهورين ، وحقا كان كلام المجنون في محله ، وتم نقل الدم منه إلى أمل ، ليتم إسعافها من وضعها الصحي الحرج . لا زالت الشرطة تنتظر تحسن صحة أمل ليتم التحقيق معها ومعرفة تفاصيل الجريمة بكل حيثياتها ، الطبيب يشير إلى الشرطة بالانتظار أكثر ، ريثما تفيق أمل من غيبوبتها ويسري الدم إلى كامل أجزائها ، والد حسام يتقرب إلى زوجته بنظرات مودة وابتسامات رضى ، والزوجة تسند رأسها على كتف زوجها ، وهي سارحة تستعيد ذكريات سوسن وولدها الغالي حسام ، الحنين أخذ بها إلى متاهات بعيدة من التخيل والذكرى الحزينة ومحاولة فك خيوط العنكبوت المتشابكة في قتل حسام وسوسن وقضية بيت الدعارة ، أما يونس فهو يرمق أباه بنظرات الكره والحقد ، يخاطب أباه في ضميره ، ابتعد عن أمي أيها القاتل الجبان ، فقريبا ستلقى مصيرا أسودا ، وستموت على يدي ، سأتلذذ بقتلك ، مثلما تلذذت أنت بحرماننا من سوسن وحسام ، سأقتص لهما منك ، يا لك من وغدٍ حقير . ،،، يتبع ،،، |
اهلا بعودتكـ اخي رقيق المشاعر ،،،
نتلهف لمعرفه الباقي من القصة،،، |
الشرطة بدأت في التحقيق مع أمل بعدما تحسنت صحتها ، وكشفت عن تفاصيل الواقعة إذ أن صديقي يونس هو من تعرض لها بالتحرش في البداية ، ومن ثم قام بضربها ضربا مبرحا ، وقد استعان بأصدقائه ليكملوا عليها ، ولا تدري إن نالوا من شرفها بعد سقوطها مغشيا عليها ، إلا أنها تطلب من الشرطة اتخاذ الإجراءات الصارمة تجاه المعتدين لكي لا تسول لهم أنفسهم تكرار ذلك مع أي فردٍ من أفراد المجتمع أو أي جنسٍ من البشر ، سألوها عن أوصافه ما دامت لا تعرف اسمه ، فقال هو شابٌ متوسط الطول ، عريض الكتفين ، حنطاوي البشرة ، ذو شعرٍ كثيف . تم استدعاء يونس والتحقيق معه ، سألوه عن أوصاف المجني فقال هو صديقي موسى ، ودوّن لهم عنوان بيته ، وقد بدأت عليه ملامح الحزن والغضب في آنٍ واحد ، اتجه نحو أمل يبكي ، معتذرا لها بأن صديقه المقرب يفعل ذلك بجارته المخلصة الودودة ، شعرت أمل بالحنان وقد أمسك يونس بيدها ، وشعرت بقوة العاطفة وهو يضع يده على جبينها ، ما ألذ الإحساس حينما يقبل جبينها بطريقةٍ حنونة ، ردد يونس بهمسٍ في أذن أمل " سامحيني يا أمل ، ولأجلك فإني أتبرأ من صديقي ، وسأقف في وجهه كلما رأيته " . تحدّثُ أمل نفسها بغرابة ، " ما سر انجذابي إلى هذا الطفل الصغير ، أيكون بداية الحب ، من المستحيل ذلك ، فأنا تجاوزت الخامسة والثلاثين ربيعا ، ولدي أبناءً أكبر من يونس بكثير ، ماذا يقول عني طليقي لو علم بأن قلبي منجذبٌ لطفلٍ صغير ، من المؤكد سيزداد سخريةً لي ، لا لا ، لا يجب التفكير بهكذا أمر ، فيونس لا يعرف الحب ، ولا يزال صغيرا على التفكير في هذه الأمور ، لكني بدأت أشعر بحنانه وعطفه ، ربما هو خجلٌ من فعلة صديقه بي " ، ولا تزال أمل في حوارٍ مستمرٍ مع ذاتها حتى ازدادت حالتها سوءً مما جعل الأطباء يمنعون عنها الزيارة . النتيجة النهائية لفحص والد حسام تأكد بأنه مصابٌ بفيروس نقص المناعة المكتسبة " الإيدز " ، والمرض في مرحلته الأولى ، وربما لم يتعد شهرا واحدا بعد ، وكان على الطبيب أن يحذر والدة حسام من مرض زوجها الخطير لكي لا ينقل لها المرض ، ولابد من الفصل بينهما ، فالمستشفى لا يملك الحق في حجز والد حسام ، بعدما تدخلت منظمة حقوق الإنسان بمنع حجز المصابين بالإيدز ، ولهم مطلق الحرية في معايشة ما تبقى لهم من حياتهم بالطريقة التي يريدونها شريطة أن لا يحاولوا نقل العدوى لأي أحد . والدة حسام بدأت تشعر بقرب أبو حسام منها ،فهي تحبه كثيرا ، وتمني نفسها بأن تعود حياتهما مثلما كانت ، بغض النظر عن ما آلت إليه حياة زوجها في الأيام السابقة ، فالحب يلتمس كل الأعذار ، ولا ذنب للحبيب مهما اقترف من أخطاء ، وكانت الصدمة لها حينما أخبرها الطبيب بالخبر ، لم تصدق شيئا ، عقلها لم يستوعب الحقيقة ، ربما هي الواقعة الأمرّ بالنسبة لها ، وتقول في ذهولٍ وحسرة " ربِ آمنتُ بقضائك ، فقدتُ سوسن ، وودعت رقية ، ورحل عني حسام ، والآن أفجع بحبيب القلب ، لمَ السعادة لا تسكن إلى نفسي ، وعلامَ الحسرة تلاحقني ، أكُتِبَ عليَّ أن أحيا هكذا ؟؟ " ،،،،، يتبع ،،، |
لا يزال سعيد في ذهوله واستغرابه من حنان مريم له ، فعلت كل شيءٍ لأجله ، بالرغم أنه لم يكن صاحب فضلٍ أبدا عليها ، أليس من المفترض أن تقوم بهذا الدور خلود ؟ أيعقل أن يكون قلبها حجرا جلمدا لا تهزه المشاعر ولا تحركه النوائب والأحداث ؟ قاطع شروده الشيخ أنور مشيرا إليه بيده إلى اقتراب موعد صلاة المغرب ، وعليه أن يبادر بالوضوء سريعا كي لا تفوته صلاة الجماعة ، امتثل سعيد للأمر وقام على الفور بالاغتسال والوضوء ، شعر براحة كبيرة وهو يتوضأ للصلاة على غير العادة ، تأخر في الوضوء والشيخ أنور بدأ في الصلاة بالمساجين ، أنهى قراءة الفاتحة ولا يزال سعيد يتوضأ ، بدأ الإمام في قراءة السورة ، وحينها التحق سعيد بالمصلين ، واسترسل الشيخ أنور في القراءة من سورة مريم إلى أن وصل إلى قوله تعالى " واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذتْ من أهلها مكاناً شرقيا " ، هنا تسمر سعيد في مكانه ، وأنصت بخشوع وتأمل لقراءة الشيخ ، وبعد الانتهاء من الصلاة سأل سعيد الشيخ أنور عن السورة التي قرأها في الصلاة فأخبره بأنها سورة مريم ، نبض قلبه وتحركت مشاعره ، وأمسك بالمصحف الذي أهدته إياه مريم وأخذ يقرأ سورة مريم كاملةً وقد قطع عهدا على نفسه أن يبدأ بحفظ سورة مريم ، خصوصا بعدما أبكته الآيات الأخيرة منها ، فهي تتحدث عن يوم القيامة والحساب . يبدو أن حلم مريم سيتبخر حينما علمت بأن التكلفة الإجمالية للمدرسة مائة ألف دولار ، فالمبلغ كبيرٌ جدا ولا يمكنها بأي حالٍ من الأحوال توفير خمسين ألف دولار من جديد ، فهذا المبلغ يفوق الخيال والتوقع ، آلمها كثيرا أن تقف عاجزة عن تنفيذ مشروعها الخيري ، ومضت تتأمل بحسرة في تصور المستقبل ، وإذ بها تتلقى اتصالا من المعلمة سلمى تخبرها أنها ستساهم بعشرة آلاف دولار ، وأن خلود أيضا ستساهم بعشرين ألفا ، فقد باعت نصف الأرض التي أمهرها إياها سمير ، حتى وإن لم يدخل عليها فهو لا يزال زوجها باسم الشرع والقانون ، لم تصدق مريم أذُنيها فالحلم بدأ يتحقق ، وموقفُ نبيلٌ جدا من خلود وسلمى ، والمتبقي من المبلغ لا يتجاوز العشرين ألفا ، وستحاول مريم توفيره ريثما ينتهي المقاول من بناء المدرسة بأي طريقةٍ كانت ، وإنشاء المدرسة يتطلب وقتا زمنيا كبيرا لا يقل عن سنةٍ كاملة . مرةً أخرى يأتي زائرٌ جديد لسعيد ، لم يصدق سعيد ذلك ، وأسرّ إلى نفسه بأن الزائر هي مريم ، خرج سريعا لصالة الزيارة ، وهنا كانت المفاجأة ، كذّب عينيه وارتجفت أعضاؤه ، من الغير المعقول تصديق ذلك ، باغتته خلود وقالت ، أعانك الله يا سعيد على هذا الحال ، أتيتُ لزيارتك لأني لا أنسى الماضي الجميل الذي كان بيننا ، ونحن أبناء اليوم ، والماضي قد أفل بكل أحداثه ، وقبل أن أكون خلود الحبيبة أو الخائنة مثلما تظن بي ، فأنا خلود القريبة ، والإسلام أمرنا بصلة الرحم ، لم يتكلم سعيد ، سوى أن سألها عن أهله وأخبار بلدته ، حكت له كل التفاصيل ، لم تترك شيئا إلا وأخبرته به ، وقد تعجب من فكرة مريم الرائعة ، طلب منها الحضور إليه وزيارته بعد يومين لأمرٍ هام . ما أروع فرحة سمير وهو يصطحب الطفل إلى السوق والمدرسة ، ولم يعد بائسا كسابق أيامه ، يرجع من مدرسته ليتناول غدائه ويرتاح قليلا ، بعدها يذهب مسرعا ليقضي وقتا طويلا مع سمير ، وأحيانا يسامره في وقت عمله ، والجميل أن لدى هذا الطفل مواهب متعددة ، أبرزها الرسم والغناء ، في كل لواحاته يرسم وجه امرأة شابة تشع نورا وضياء ، يتخيلها أمه التي توفت يوم ولادته ، وكل أغانيه حزينة ترجع النفس إلى ذكريات الألم والعذاب . ،، يتبع ،،، |
لا زلت أتابع وبصمت !!
|
رقيق أكمل القصة فقد شغفتنها الاحداث..
|
سمير يعيش مرحلة جميلة في حياته ، فهو يشعر بالأبوة الكاملة تجاه الطفل " جرجس " ، تنتهي مناوبته قبيل الفجر ، يحسب الدقائق والثواني انتظارا لخروج صديقه الصغير من شقته ليرافقه إلى المدرسة مشيا على الأقدام ، يعود بعدها ليرتاح قليلا ويأخذ قسطا من الراحة ، ليستعد لاستقبال جرجس من المدرسة ، ولكن اليوم تأخر جرجس كثيرا في الخروج ، مما بدأ القلق يتسرب إلى قلب سمير ، وقرر مقاطعة الانتظار أمام بوابة المدرسة ، والإسراع للبحث عنه داخل أركانها وممراتها ، فلمحه من بعيد في عراكٍ قوي مع أحد زملاءه ، وبلا وعيٍ وإدراك صرخ سمير في وجه الطفل الآخر ابتعد أيها الأحمق عن جرجس وإلا حطمتُ عظامك ، إلا أن عناد الطفل وحرارة الغضب في دمه جعلته يلطم جرجس في خده الأيمن ، وكانت المفاجأة حينما لم يفعل جرجس شيئا سوى أن أدار له خده الأيسر ليلطمه عليه أيضا ، مما أثار استغراب سمير من هذا التصرف الغريب ، حاول سمير أن يلحق بالطفل ليعاقبه على فعلته ، لكنه اختفى بسرعة البرق في زحام الطلبة المنتشين فرحا بنهاية اليوم الدراسي . جرجس يبكي بكاءً مرا ويقول لو كان أبي معي لما تجرأ أحدٌ على ضربي ، يمسح دموعه سمير قائلا له ، لا تحزن يا حبيبي فأنا بمثابة الأب لك والخال والعم ، إلا أنك لم تخبرني لمَ تركته يصفعك ولم تبدي أي مقاومة بل هيأت له الفرصة ليلطمك في الجانب الآخر ؟ يجب عليك أن تقاوم يا ولدي ، ابتسم جرجس قائلا ، لكن التسامح الديني يأمرني بذلك ، أو نسيت أنني قبطيٌ من مصر الحبيبة ؟ هز سمير رأسه مشيرا إلى أنه لم يفهم شيئا ، فسمير ثقافته محدودةٌ جدا ، ومن المؤكد أن الأيام القادمة ستشهد حوارا دائما عن مصر الجميلة ، وعن شعبها الودود المحب للمرح والنكتة ، وهو بشوقٍ كذلك لمعرفة المزيد عن القبط وحياتهم ومعتقداتهم . سعيد طول يومه يتحدث مع الشيخ أنور عن تضحيات مريم ووقوفها بجانبه ، وعن مشروعها الخيري الذي تهدف من خلاله إلى نشر بساط العلم والمعرفة ومساعدة الفقراء والمساكين في مواصلة دراستهم وتسلحهم بالعلم ، ذلك السلاح الذي لا يقدّر بثمن ، وتظهر السعادة على محيّا الشيخ أنور ، والابتسامة مرتسمةٌ على شفتيه ، ويغمز بعينه لسعيد مازحا ، أهذا كل ما يعجبك في مريم ؟ لا تقلق فأنا أشعر بك ، وسأقوم بعقد قرانكما ، يحمرُّ وجه سعيد خجلا ، ويطرق بفكره نحو خلود وخيانتها له مع شقيقه ، ويتذكر الأحداث التي توالت في حياته من حبٍ وسجنٍ وتوهان ، إلا أنه لا يحمل أية مشاعر زواج تجاه مريم ، والمحبة في القلب ، وربما يصدق القائل : نقل فؤادك حيث شئت من الهوى *** ما الحب إلا للحبيب الأولِ كم منزلٍ في الأرض يألفه الفتى *** وحنينه أبدا لأول منزلِ مريم وسلمى وخلود يواجهن الآن مشكلةٍ جديدة ، لم تكن على البال أبدا ، والغريب أنها لم تطرَ على بال أحدٍ منهن رغم أنها أساس كل شي ، والمضحك أن المقاول بادرهن بالسؤال أين أبني المدرسة ؟؟ فكانت ردة مريم قوية ، قائلة ويحي كيف أغفلُ هذا ؟؟ قاتل الله النسيان ، وبدأت الوساوس تدق عرش خيال مريم ، والنفس تعلن بداية الانهيار ، وتندب المسكينة حظها ، وأن التوفيق أدار ظهره لها ، فهي بين مطرقة الأرض وسندان الأمل ، لكنها حتما لن تيأس ، فلا يزال الأمل يتورد في قلبها ، ولن تستلم لليأس والهزيمة أبدا ، ومن الأفضل الآن البدء في البحث عن أرضٍ مناسبة وبسعرٍ معقول ، فالمساحة المحددة للمدرسة في الخريطة تبدو كبيرةً جدا ، وهذا يضاعف من قيمتها المالية بكل تأكيد . ،،، يتبع ،،،، |
من العبث أن تصدق عائشة بأن مازن محبٌ لها ، فهي كذلك لا تحبه حبا صادقا ، إنه الطيش والجنون وموت العفة ، وتحولت الأضواء الحمراء الخافتة إلى مشاعر تخدش الحياء والوقار ، وأصبحت عائشة ترتمي في أحضان مازن يفعل بها ما يشاء ، لم يجد ممانعةً أو مقاومةً منها ، فهي أسلمت نفسها لها وقالت هيت لك ، افعل بي ما تشاء ، فأنا ملك يمينك وطوع بنانك ، هنا طُويت صفحة الشرف ودارت رحى الرذيلة ، ولا عزاء إذ أن عائشة لها تجارب لا تحصى في مجال المراهقة والعلاقات الغرامية ، ولا تدري تلك المعتوهة بأن مازن لا يكتفي بممارسة الجنس فقط ، بل ينوي فضحها واستغلال ميوعتها الرخيصة ، فكاميرا الفيديو لم تتوقف عن التصوير أبدا من حين ولوج عائشة المنزل . هذا أول يومٍ لبدر في الحضانة ، السعادة لا تفارقه ، والبسمة عنوانه ، قضى يومه كله بالحديث مع الأطفال ومداعبتهم والتعرف على أسمائهم ، هو اليوم الوحيد الذي اختلطت فيه كل المشاعر ، حنينٌ ولوعةُ وعذابٌ وتحنان ، شوقٌ لماضٍ لم يعد له حاضر ، وحنينُ لمستقبلٍ يطرق به عالم النسيان للأحزان وبدأ مرحلة الإنتاج وجني ثمار الحياة ، في وسط معمعة الأفكار ، تأتيه رسالةٌ في جواله من الغالية سمّية ، تستنكر انقطاعه عنها ، وعدم الاهتمام بها طيلة اليوم ، فتتحرك كل اللواعج وتجيش المشاعر ، ويمسك ورقةً وقلما ، يكتب رسالةً لها على غير العادة : " لا تخف ما صنعت بك الأشواقُ *** واشرح هواك فكلنا عشاقُ قد كان يخفى الحبُ لولا دمعك *** الجاري ولولا قلبك الخفاقُ كلما أسمعُ تلك الأبيات يطرقني داعي الود بالوصل مع قلبك المتدفق بالحنان ، فأمني النفس برؤية وجهك ، فلا سعدت عيني إلا بالتأمل في محياك ، وحينها سأقرؤكِ من عينيك وأستحضر السحر الذي حمّلكِ إياه هاروت وماروت ، وسأملأ الدنيا بنشيد فرحي وأنسي . الحب أيتها الحبيبة ليس حروفا تقال بل هو إحساسٌ عميق يتولد في داخل المرء فتستجيب له كل حواسه ، وينطق به دمه إذ يسري في الجسم وهو ينكتُ بلسان الحب ، فما ذنب حواسي ودمي أن لا تتشرف بلقائك . أناشدك برب الحطيم وزمزم ، أن لا تتركيني أهيم في صحراء يبيد فيها البيد ويضيع فيها الذكي والبليد ، وقد مددتُ يدي إليك طالبا النجدة ، بأن لا أهلك بقوة الحنين ، فالجسم أيتها الغالية قد هزل من قسوة أشواقه لمصافحة عيناك ، أتعلمين أن أصابعي الآن ترتعش وأنا أكتب لكِ الرسالة ، فهي تخشى أن تكتب حرفا لا يروق لك ولا يرق لقلبك لتحني بعطفة لقاء . نذراً عليَّ يا سميتي أن أعيرك أنفاسي وهمسي يوم اللقاء ، فإن لم يكن لنا سبيلٌ في الاجتماع لبعض فاعلمي أن لا حياة لي ولا بقاء ، فإني راحلٌ إلى دنيا الأمواتِ مستعر .... حبيبك بدر " حينما لم تسمع سمية همسا لبدر ، قلقت عليه كثيرا ، وذهبت إلى الحضانة تسأل عنه ، فقابلها بوجهٍ حرٍّ طليق ، وسلمها الرسالة ، لم تنتظر العودة إلى البيت ، فالشوق لا يترك لها مجالا ، قرأت الرسالة فلم تصدق حالها ، حلمٌ جميل ، ودنيا تسبح في بحرٍ من الخيال ، يا لعذوبة القراءة حينما يكون القارئ إلهام الكاتب . ،،، يتبع ،،، |
ما شاء الله ما شاء الله تبارك الرحمن... قسما أن قلمي يعجز عن وصف ما كتبت.. قصصك أكثر من رائعة ... ولكن أكملها فقد نفذ صبرنا:ongue: :ongue:
|
بارك الله فيك أخي رقيق المشاعر ..
وجزيل الشكر على هديتك المتواضعة .. ننتظر بقية الأحداث .. جاري الانتظاري .................................................. .. |
:) ومــا زلنــا نتنفس ع ــبق قصتكـ ,,
|
:sadwalk: :sadwalk: :sadwalk: :sadwalk: :sadwalk:
جــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاري الإنتظــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار ..................... |
لم تعد سمية نشيطةً كالعادة ، والمدير ينتقدها بشدة ، الأعمال تتراكم في مكتبها ، ولا تنجز إلا القليل ، تغرق في لجة السرحان ، تناجي بدر في كل دقائق حياتها ، تقرأ رسالة بدر الأخيرة عشرات المرات في كل يوم ، إلا أن التمادي في إهمال الواجبات المنوطة بها في العمل والإفراط في التخاذل ، ستكون عواقبه وخيمة ، وليس من العدل في شي أن تطلب من زميلتها زهرة إنجاز كل أعمالها ، وهي الأخرى لم تعد قادرة على مجاملة سمية أكثر من ذلك ، وإن لم تتدارك سمية نفسها فإن إنهاء خدماتها في السفارة بات وشيكا . يبدو أن اليوم الثاني أجمل من سابقه ، حيث أن بدر يزداد تعلقا بالحضانة ، فهي تطوي الهموم ، وتشرح الصدر ، وتذكي نار المودة ، والأستاذ عماد يبدو أنيقا في كل شيئا ، راقيا في تعامله ، ودودا لزملائه ، بشوشا للأطفال ، يملك رصيدا هائلا من الثقافة ، متمسكٌ بتعاليم دينه ، محافظٌ على أصالته ، ومنفتحا على الدنيا بمدنيتها وحضارتها ، أهدى لبدر كتاب " دع القلق وابدأ الحياة " للكاتب الرائع دايل كارنيجي ، وأوصاه بعدم ترك ممارسة الرياضة ، اندهش بدر من فراسته وذكائه ، حيث أن بدر كان يلعب كرة القدم بكل مهارةٍ وإجادة ، هز عماد رأسه وأشار بيده لبدر أن الموعد يوم الخميس في نادي الاتفاق . عائشة تعضُّ الآن أصابع الندم على ما فعلته بالأمس ، شعرت بأنها تافهةٌ حقيرة ، وكان عليها أن لا تنجرف خلف رغباتها وشهواتها ، ومن يطع الهوى فالحضيض مآله ، والنكسة والخزي والعار سيلازمانه ، ولكن لا جدوى من الحزن الآن ، فمازن الجبان كل همه إشباع نزواته ، وبدأ يكرر الطلب على عائشة بكل نذالةٍ ووقاحة ، يتصل بها كل حين ، وحينما رفضت الخروج معه ، وأخبرته بفظاعة الجرم الذي اقترفته ، بدأ يهددها بشريط الفيديو ، إما أن تلبي كل أوامره ، وإما أن تدفع له خمسمائة ألف دولار ، ولا خيار غير ذلك ، وهو على أتم الاستعداد لإيصال الشريط لأبيها وكل صويحباتها . يالله تضاعفتِ البلوى ، وزاد القلب لهيبا وجوى ، تناجي نفسها وتلطم خدودها ، وتشق ثوبها ، فالكارثة لا تقدر ، وحجم الخسارة فادحٌ جدا ، شرفٌ ذهب ، وحياءٌ مات ، وإنسانيةٌ مستباحة ، وجرمٌ لا يغتفر ، وطريقٌ مظلم ، وحوشٌ وذئاب ، وعاهرةٌ بدون جلباب ، إما الخضوع والاستسلام ، وإما الفضيحة والذل والصغار ، وكلاهما مميت ، يا إلهي كوني عوني ومغيثي . " الآن وقد عصيت " ، بأي وجهٌ أطلب الرحمة وأنا لم أصلي لله ركعة ، لم أتركُ ركنا من أركان الشيطان ، ولم ألتزم نهجا يرضي الرحمن ، لا خيار سوى الانتحار لا خيار . ،،، يتبع ،،، |
روحي ليست أغلى من روح زوجي ، هكذا تفكر أم حسام ، فأزهار الإنسانية الجميلة لا تسقى إلا بدم التضحيات ، وما كتبه الله في كتابه كائنٌ لا محالة ، والأنفس إذا تآلفت لا تهرم أبدا ، ويبقى شبابها حيا بحياة قلوبها ، كذا حال كل المخلصين وطريق الأوفياء ، لم يزعزعها خبر الإيدز في زوجها ، بل اتصلت به روحا وجسدا ، وأعلنت تضامنها معه ، وأن الموت لا يرهبها والمرض لا يمنعها أن تعيش حياتها بصفاءٍ مع زوجها الذي افتقدت حنانه واهتمامه ، أما الزوج لم يتمالك نفسه من هول الصدمة ، لم يخطر له بالاً بهذه النتيجة ، فالحدث مأسويٌ بحق ، تأخذه الحسرة إلى ذكريات الضياع وبداية الانهيار ، إلى وجع المستقبل وجذوة القلب ، إلى موتٍ محتوم ، ونهايةٍ مخزية ، نعم يحشر المرء على ما مات عليه . تمسح أم حسام على رأس زوجها وكأنه طفلٌ صغير مبتسمةً في وجهه : "لا تقلق يا عذب القلب ، فأنا لن أجد طريقا غيرك ، انظر إلى احتراق مهجتي ، إلى اهتياج خيالي ، إلى نبض أشلائي ، إلى حنين وجدي ، إلى أنين آهاتي ، إلى بركان مشاعري ، إلى ترقرق عبراتي ، بل يا همسي ونجواي انظر إلى تحناني وحبي ، إلى إخلاصي وعفتي ، أنا لك ماضيا وحاضرا ، معك يسرا وعسرا ، أنت قلبي وأنا نبضك ، فلا تيأس رحمة الله أكبر ، وعطف الخالق أقوى وأعظم ، لن تنطوي صفحة النور ما دام الأمل يتورد في الشرايين . حسام لم يكن ميتا أبدا ، فهو يعيش في قلب يونس دائما :" آهٍ أيها الشوق ما بالك تطحنني طحن الرحى ؟ أو ما يرق قلبك لي ؟ سأعدك يا حسام أن تبقى رمزي ومثلي وقدوتي " ، هذا حديث النفس للنفس ، يبوح لنفسه ليجد التخفيف والسلوان ، فالنفس هي الصديق الذي لا يغدر ، وفي حديقة المدرسة تجيش الذكريات بوابلٍ من القسوة والعذاب ، هذا كرسي حسام المعتاد ، لا لن أبرحك أبدا ، ولن أجعلك تشتاق لحسام أكثر مني ، وفي الركن القصي من الحديقة كان مرتضى يقطف الزهور ، لا لولعٍ بها ، لكنَّ حسام كان يفعلها ، لم يشعر مرتضى بقوة الحنين لحسام مثلما يشعر الآن ، احتضن يونس طويلا ، كلاهما يبكي ، ولا يجدان من يجفف دموعهما ، آهٍ يا مرتضى طال الغياب ، وما عاد قلبي يحتمل ، أواه أواه يا يونس قلبي يكاد ينشطر وكبدي تتفطر ، وقتي لم يكن ثمينا إلا بمجالسة حسام ، وروحي لم تعرف الراحة إلا بلقيا حسام ، أين حسام ؟!!! ، قاتل الله المنون لم تترك لي حبيبا ولا قريبا . أمل ، هل يتحول هذا الاسم الجميل إلى حقيقة يتمناها الأقربون ؟ ، هل أملُ الحياة لأمل بات ضعيفا ؟ الأطباء يؤكدون بأن الضرب المبرح سبّبَ مضاعفات داخلية لجسد أمل ، والإشارة تتجه صوب الكليتين ، وإذا لم يتحسن الوضع سريعا ، فإن الفشل الكلوي يتربص بأمل ، والشرطة تعتقل موسى ويرفض الإدلاء بأي حقيقة ، وينكر الحادثة من أساسها ، فهو لا يعرف أمل ، ولم يعتدِ عليها يوما ، وطول وقته يقضيه في البيت لمتابعة أفلام الكرتون ، ولعب البلاستيشن بصحبة أخته الصغيرة " عبير " ، ومع استخدام بعض القوة من رجال الأمن سيكون للتحقيق منعطفا آخرا ، ولن تغيب الحقيقة ما دام يحكمه شرعٌ وقانون . ،،، يتبع ،،، |
لو سمحت اخي رقيق المشاعر اكمل القصص......:sadwalk: :sadwalk: :sadwalk:
|
بارك الله فيك أخي العزيز ..
ولا زلنا نتابع أحداث روايتك بشغف .. كل الشكر والتقدير لك على هذه الجهد ما أن تكمل احداثها حتى سنعلن عنها ونطلب من الجميع قراءتها والوقوف على محاورها . جزيل الشكر وعظيم التقدير لك .. |
أكمل ايها الرقيق فكلنا متشوقين لمعرفة باقي الاحداث والمستجدات
|
رقيق لا تطول علينا ننتظر القصة بارك الله فيك
|
الحمد لله ع السلامه اخوي رقيق المشاعر
زين كملت لنا القصه متلهفه اعرف البقيه في انتظارك...... |
نتابع وننتظر بصمت
|
|
اقتباس:
عفواً أخي عن أي عصور تتحدث ؟ وكأنك تتجنى عليَّ أنتظر ردك ربما هنالك لبس كن مشرقا |
ربما التبس عليه الأمر أخي رقيق المشاعر ....
أكمل ونحن معك . |
الساعة الآن 02:04 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
لا تتحمل منتديات حصن عمان ولا إدارتها أية مسؤولية عن أي موضوع يطرح فيها