![]() |
حكاية الشيخ
كان قرب النافذة ... ممسكا بكوب من الشاي ... ينظر للحياة التي بالأسفل ... ما همه من مر ومن أتى أو لربما من صرخ ومن صمت هو وكوبه والنافذة فقط ... مررت بقربه .. كان شيخا في عقده السابع ... وكرسيه المتحرك كان عالمه يذهب به حيث يشاء ... ووجه رسمت الدنيا مجراها فيه ... حبوب بوجه وتشققات تركت مكانها ان غادرت هي فلن يغادر بقاياها ... انتظرت ُ قليلا ... يشرب ذاك الشاي ويتنهد ... فلفت نظره طفل متعلق بأبيه يحدثه بكل فرح وسرور ... وامسك بيد والداه .. وهو يثرثر كثيرا والأب تارة ينظر إليه وأخرى شارد عنه ... ولكن ما كان الطفل يشعر بشرود والده لان ثرثرته اسرت حماسته ... الى ان اختفيا عن بصره وهو يشاهد ذاك المنظر ... فانزل رأسه ... فأتاه الممرض ... -والدي حان الآن دوائك ... ( ليس أباه ولكن من احترامه لذاك الشيخ نسبه لنفسه ) لم ينطق الشيخ ولا بكلمة واحدة ... فأعطى الممرض الكوب ... وكأنه يقول انا لك ولدوائك ... فحرك كرسيه ... ولكن الممرض أخذته الرحمة به فاخذ يقوده ... مر من قربي ... وانا انظر اليه نظر الشيخ الي فابتسمت ُ قليلا ولكن رأيت ُ عيناه تدمعان ... أخذني الفضول ان أعرف ما به ... وما كان لي ان اسأله ما بك ... او حتى ان احدثه ... حينها أتاني حارس العنبر ... من سمح لك ِ الدخول هنا ؟ ( قالها بغضب ) -لازمت ُ مكاني لم أتحرك فقلت ُ عذرا ولكني مع أبي سيأتي بعد قليلا -هل لي ان اعرف من أباك ِ هذا ومن يكون -لازمت الصمت اتاه آخر يقول اتركها سيأتي والداها الان من الاجتماع -اندهشت ُ كيف عرف ان ابي في الاجتماع ... فجلست ُ على الكرسي أتنهد قليلا ... -فأخذه صاحبه عني ... وهو يرمقني بنظرة لا أفهمها لعلها كره او غيض او ما شابه ... -بعدها اتى ذاك الشيخ الى المكان نفسه بعد أن أخذ دواءه ... -فأقول في نفسي لعلي سأسأله الآن ... ما قصته ولما هذا الصمت الذي في عينيه ولكن لا سلطة لي أن أسأله ... لا يمكن ان أسال شخصا لا اعرفه ... -وبين ترددي و فضولي ... مر زميل ابي في العمل -سألته .. الم ينتهي والدي بعد -فرد اباك في مشكلة الآن ربما سيتأخرون قليلا ... فأعطاني كتاب كان بيديه ... خذي إقرائي إلى أن يأتي أباكِ .... ورحل ... -نظر الشيخ إلى الكتاب الذي بيدي لعله يعرفه .. او يعرف فحواه ... -وحين غادر عمي سعيد المكان بدأ يقترب مني ... وانا تحول فضولي الى خوف ... لماذا يأتي الي ماذا يريد بدأ يقترب فمد يده طالبا مني ان أعطيه الكتاب ... تسمرت ُ في مكاني لحظات ... وأعطيته إياه ... قلت ُ لربما هو لا يتكلم او فقط الكلام من آثر كبر العمر ... بدأ يقلب الكتاب ... وينظره من أوله الى آخره وكان جوابي الصمت حينها ... فقط إندهشت ُ للموقف .... قال : هو من مكتبة المستشفى اليس كذاك ؟ ابتسمت وقلت : نعم هو كذاك ... اكنت تعرف المكتبة ؟ -حفظت كل ركن فيها ... استغربت كيف يمكن له ان يدخل ... وانا اعرف ان المكان غير مصرح الا للإدارة والطاقم الطبي ... فاخذ الكتاب وراح قرب النافذة ...أخذ مني ما قد ينسيني انتظاري .... و لم يترك لي مجال أن أسأل اكثر ... ما حكاية النافذة التي يلازمها كل حين مر الوقت ... ومازلت ُ انتظر أبي ... ونظري بين ساعتي والشيخ فأتي ابي ... أراحني من هم الانتظار وقد تجاوزت الثانية والنص مساءا وتحركت ُ معه ... فرد ابي وهو يمضي :- اعتذر تأخرت قليلا .. -لا عليك أبي أعلم طبيعة عملك .... -فمررنا من عند الشيخ ... لوح لي بالكتاب ... ان تعالي لأخذه لاحقا -فنظر ابي اليه ونظر الي ... أتعرفينه -كلا وربي لا أعرفه ولكنه أخذ كتاب عمي سعيد ... -وراح ابي اليه يحدثه بحنان وابتسام ... كيف حالك اليوم يا شيخنا -الشيخ مبتسما :- حالي كمثل كل يوم ...اهذه ابنتك ؟ -انزلت ُ راسي أرضا ... ويرد أبي مبتسما .. نعم هي كذاك -الشيخ :- هذا الكتاب لها ... سأعطيه سعيد حينما انتهي منه ... -رد ابي ... لا بأس خذه ...وتركناه ورحلنا عنه ... وفضولي كاد ان يثقلني أود ان اعرف من هو ولماذا النافذة بالذات ... -خرجنا من العنبر ... والحارس يرمقني بنظرات كره وغيض او ما شابه لا أدري لم َ -ركبنا السيارة ... ثم اتصلوا به ... ان يرجع يريدونه في موضوع ولكن ابي تعذر منهم بحجة ان الأولاد معه .... -ابتاه ... من ذاك الشيخ الذي كان قرب النافذة ... لم يكن ليتكلم مع اي احد -رد ابي بعد ان تنهد وتنفس بعمق ... ذاك كان ضابطا .. ولكن المرض اعتقده عن العمل ... -وانا زاد شوقي لمعرفة المزيد عنه ... الم يأتي اهله ليزوره -كانوا يأتون وحينما طال به المرض قطعوه ..... -كيف يقطعونه اليس والدهم .... اليس هو من بذل حياته كلها وشبابه لاجل لقمة عيشهم ... -يا بنتي هنا في الكبر يتبين صبر الابناء ... ايقدرون ان يوفوا حق ما أعطاهم اياه والدهم ... فيكون الخير لهم ... ام ان الحياة أخذتهم وقست قلوبهم -ولماذا طوال الوقت وهو قرب النافذة -رد ابي مستغربا ... لا أعلم .. ثم وصلنا للبيت .... وأخذ تفكيري كله ... وبعد 4 سنوات ذهبت الى عمل أبي أنتظره كالعادة ثم مررنا من نفس النافذة فتذكرت ُ الشيخ ... وحينها رأيت ُ شيخا يقوده حفيده ... وحين اتى ابي ... سألته عنه .. لازم ابي الصمت طويلا -فرددت ُ بهدوء محزن :- ابي .... هل توفي ؟؟ -رد ابي منذ زمن طويلا ربما سنتين او أكثر .... رددتُ سبحان الله بعد ان كان ذا شأن في المجتمع نبذه اولاده فمات وحيدا ... -فانهمرت عيناي من الدموع ... لم اعرفه نعم ... ولكني أحسست ُ بما يدور بنفسه ... لعله تمنى ان يجد شيئا من حنان ابناءه او كلمة من من احب ... فان كنت تملك والديك فرحما بهم لا يدري من سيصيب الانسان بعد العز الذي يخلد به |
رائعة هي القصة التي أظهرت لنا واقع ملموس من الحياة المؤلمة
التي تصاحب بعض كبار السن الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ... " وقل ربي إرحمهما كما ربياني صغيرا " لك ِ الشكـر .. |
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة البراء http://www.hesnoman.com/vb/img_hesn2...s/viewpost.gif رائعة هي القصة التي أظهرت لنا واقع ملموس من الحياة المؤلمة التي تصاحب بعض كبار السن الذين لا حول لهم ولا قوة إلا بالله ... " وقل ربي إرحمهما كما ربياني صغيرا " لك ِ الشكـر .. لو تمر عيناك على المستشفيات لفجعت نفسك بما ستجده من عقوق للوالدين حقا لن تقوى على المكوث ونحن هنا في السلطنة حين رفضت السلطنة اقامة دار للعجزة والمنسين خوفا من تفكك الرابط الاسري الجميل ولكني اجده الآن قد تفكك فكم من حالة تركت في المتسشفى بلا أبن ولا قريب أدامكم ربي للخير :) حقا يسعدني تواجدكم |
قصــة مؤثرة جدا وتحاكي الواقع الأليم
آلمني حاله ورحيله كثيرا.. قصة رائعة وهادفة شكرا جزيلا لك دمتِ مبدعة |
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الفتاة الغامضة http://www.hesnoman.com/vb/img_hesn2...s/viewpost.gif قصــة مؤثرة جدا وتحاكي الواقع الأليم آلمني حاله ورحيله كثيرا.. رحيله ترك الالم لكل فرد عرفه فكيف ذا بابنائه الم يجدوا سيبلا للتعرف اليه قبل مماته جعلنا الله واياكم من الذين يحسنون الى والديهم |
الساعة الآن 08:42 PM. |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd. , Designed & TranZ By
Almuhajir
لا تتحمل منتديات حصن عمان ولا إدارتها أية مسؤولية عن أي موضوع يطرح فيها