لا مجال للصمت أكثر ، وليكن للجرأة توقيتٌ جيد ، والنظر من بعيد لا يأتي بفائدة ، وكان القرار بأن يسابق بدر الزمن ، ويطرق باب الحضانة زائرا ، ولمعالمها الداخلية متعرفا ، الأطفال في كل أرجائها ، والأنس والبهجة على وجوه ساكنيها ، والترتيب والجمال في كل نواحيها ، عالمٌ طفوليٌ جميل ، يرى أخته لبنى في كل وجوه الأطفال وخصوصا البنات ، سأله مدير الحضانة إن كان قد قدم لتسجيل أحد من أقاربه ، فارتبك بدر وارتسمت الحيرة والذهول على تقاسيم وجه ، ولكنه تخلص سريعا بقوله أنه أتى باحثا عن عملٍ مسائي بالحضانة ، وكان الجواب على الفور ، أن العمل هنا تطوعي وبدون أجر ، فرحب بدر بالفكرة وأعلن استعداده الكامل للعمل بالحضانة .
مازن يتصل بعائشة ، يعلمها بأنه سيمر عليها بسيارته بعد قليل ، ووعدته بتأخير الوقت قليلا ريثما يذهب والدها للمسجد لأداء صلاة الجماعة ، لتتمكن من الاطمئنان بأن أحدا من أهلها لن يراها وهي تركب سيارة حبيبها ، وتم لها ما أرادت ، والطريق مزدحمٌ بالمارة ، مما جعل مازن يقود بسرعة فائقة لكي لا يتمكن أحد من معرفته ، وصوت مسجل السيارة يبث موسيقى الحب والعاطفة ، عائشة لم تنطق بكلمة واحدة ، فالحياء يلجمها ، ولم تتعود على مازن بعد .
تفاجأت عائشة من ترتيب شقة مازن ، وروعة الأضواء الخافتة ، ورائحة العطر الفرنسي " انترنتي " تفوح في كل أركان الشقة ، أخذت جولة تفقديه سريعة لغرف الشقة الصغيرة ، فرحت كثيرا حينما رأت كعكة كبيرة على طاولة المطبخ ، وكانت الشموع الحمراء مزروعة في كل جوانبها ، أصر مازن على عائشة إصرارا قويا بأن تقوم هي بنفسها بتقطيعها وأن تأكل من يده ، فهو خادمها المطيع ، ومن سيهب نفسه لخدمتها طول الحياة .
في هذه الأثناء يقوم والد عائشة بزيارة بدر في بيته الجديد ، ويتذاكر الاثنان حياة والد بدر وعلمه الغزير وتواضعه الجم ، فتسيل الدموع من العيون ، وتكثر الدعوات من بدر لوالده الراحل ، إلا أن أم بدر كان لها نصيب الأسد من الشوق والحنان لها ، فهي لا تغيب أبدا من مخيلة بدر ، كانت معبد الحب لكل من يعيش بقربها ، ورغم صلابة بدر وقوة شخصيته ، فلا يزال غير قادر على تحمل مرارة الموقف ومضاضة الرحيل المفاجئ المميت ، قاطع شروده اتصالٌ من سمية تطمئن على صحته وحاله ، وقد لاحظت حزنه من نبرة صوته ، فأتت كلماتها في همسٍ رقيق ، تجلد يا حبيبي ، وكن قويا في عيني ، فأنت أملي وقدوتي ، أم أن وجودي بقربك لا يمنحك الأمان والرضا أبدا ؟؟
أنهى بدر المكالمة ، ليتلقى سيلا من الاستفسارات من والد عائشة عن صاحبة الرقم ، فأجاب بدر بكل هدوء ، هذه من اخترتها شريكةً لي في حياتي ، وهي من ستشاطرني ما تبقى من عمري ، فأجاب الشيخ ، ولكني كنتُ أريد لك عائشة ، تنهد بدر وقال : ولكني منحتُ عهدا لهذه الفتاة ولن أخلفه ، تبسم الشيخ ودعا لهما بالبركة ، مشترطا أن يكون هو من يخطبها له ويعقد قرانهما ، فرح بدر فرحا شديدا ، وأصبح زواجه حديث الساعة كلما التقى بوالد عائشة ، ويبدو أن العرس سيكون قريبا .
،،، يتبع ،،،
 |
التعديل الأخير تم بواسطة رقيق المشاعر ; 05-01-2007 الساعة 10:43 PM.
|