2-الموقف الرومانسى (نظرية التعبير: الفن من زاوية الفنان):
تبدو مظاهر الرومانسية فى التراث البشرى صادرة عن أساس اجتماعى محدد هو نضج الطبقة البرجوازية. وتعتبر البرجوازية تجسيدا حيا لتناقضات المجتمع الرأسمالى فهى تسعى إلى استغلال أصحاب (قوة العمل) لكنها تنتهى بأن يستغلها أصحاب (أدوات الانتاج) وتصل منها قلة إلى صفوف الرأسماليين، بينما تنهار- الكثرة فى ظل قوانين الاستغلال الرأسمالى، أنها ترنو ببصرها إلى الغنى والوفرة، وتجزع على نفسها من الفقر والفاقة، ولذا فإنها تنجذب إعجابا إلى أصحاب أدوات الإنتاج فتقع فى الاستسلام لغاياتهم، وتخاف أصحاب قوة العمل.
لقد انتهى الفكر المثالى البرجوازى- فى النصف الثانى من القـرن الثامن عشر، والثلث الأول من القرن التاسع عشر- إلى بناء أضخـم أنساقـه أمـران: (16: 65-86)، (15: 192-194)
أولهما: من جهة انطولوجية وهى علاقة المادة بالوعى.
ثانيها: من جهة معرفية وهى علاقة الوعى بالعالم الموضوعى.
إن هذه المثالية الذاتية قد جعلت الوجود الأدبى للذات أو للوعى الإنسانى، وجعلت العالم الموضوعى من خلق هذه الذات، إذ أن وجوده متوقف على إدراك مدرك له، وكمال التعبير ها هنا هو قدرة الفن على تصوير أو خلق الذات لعالمها الخاص، فإذا كان الأمر فى الأساس الاجتماعى الإعلاء من الفردية والذاتية وتقديم الفرد على المجتمع فإن الأمر هنا تقديم العاطفة على العقل، والشعور على المنطق، والوجدان على الاتزان، والموهبة على الصنعة، والإسهام على المهارة.
لقد اعترف 'كانت Kant (1724-1804م)' رأس المثاليين الذاتيين فى المرحلة التى نحن بصددها بوجود الشئ فى ذاته أى اعترف بوجود الأشياء خارج الإنسان. (26: 120)، (10: 153- 168) وقد أخذ غلاة المثاليين عليه هذه المقولة لأنهم- كما سبق- يقولون بخلق الذاتى للموضوعى أما هو فيقر بوجود الأشياء مستقلة عنا. فها هنا جانب مادى فى فلسفته، غير أن هذا الجانب يتوارى فى النهج المعرفى الكانتى وهو نهج مثالى ذاتى، فصل كانت فيه بين المعرفة الحسية والمعرفة العقلية وأبعد ما بين المحسوس والمعقول، وما بين العقل والفهم المنطقى أو التفكير المنطقى وقيد العقل بما تقدمه الحواس وفى هذا الصدد فإن كانت قد اعتقد أن هذا الفهم لا يمكن أن يصل إلى ما وراء التجارب الجزئية والمحسوسات، وأن المعرفة لا يمكن أن تصل إلا إلى الظواهر وكانت بهذا مادى فى اعترافه بوجود العالم الخارجى الموضوعى مستقلا عن الوعى به، لكنه مثالى فى إنكاره لإمكانية معرفة حقيقة هذا العالم.
لقد بدأ كانت من مبدأ أساسي مثالى ذاتى يرى الموضوعى المدرك هو ما تراه الذات المدركة، وما يتبدى لها منه متفقا وعالمها الشعورى وإدراكها العاطفى.
إن المثاليين بعد كانت- فى مرحلة المحافظة البرجوازية، وأزمة الفكر الليبرالى- ارتدوا إلى مثالية متطرفة فنموا العناصر الذاتية فى فلسفتها، وتخلو عن العناصر العقلية، ولم تدم العلاقة بين الذاتى والموضوعى ، بل تحول الذاتى إلى خالق للموضوعى، وصار الموضوعى وهما من الأوهام، كما صار الإبداع نشاطا غامضا عصيا على المعرفة والدرس، ولم يقبل هيجل Hegel (1770-1830م) رأس المثاليين فى هذه المرحلة ذاتها الثنائية التى قال بها كانت بين الجواهر والظواهر. إن جدل هيجل قد ساعده على أن يضع إدراك الإنسان لعالمه، وعلاقاته به فى صيغة أقرب إلى الموضوعية من تلك الصيغة الكانتية الذاتية. (15: 23)
حيث رأى أن فعالية الذات إنما تتحقق من خلال تطور الشئ ونموه، فالحقيقة هى الكل العينى الذى ينتظم الأشياء فى علاقاتها، فهو ينفى الآلية فى علاقة الإنسان بعالمه، ويدرك الفنان الحقيقة لا كموضوع، ولا كفكرة، وإنما يدركها فى صورة، والعنصر الحسى يحرك طاقة الخيال لدى الفنان، ولذلك فإن أولى الزوايا بالدرس- فى رأيه- إنما هى زاوية المدرك، زاوية الفنان، وأولى المسائل فى هذا الدرس، أداة الإدراك : الخيال، كما برز من الرومانسيين كولردج Coleridge, Samuel (1772م-1834م) شاعرا، وإماما للفكر الفنى الرومانسى، ويرى شوقى ضيف أن كولر دج أقرب إلى الحدس، منه إلى التجربة، فقد اعتد بالكشف الحدسى، وبإيجابية الذات العارفة، وبالمعاناة العاطفية فى عملية الإدراك، ومن هنا جاء تأثيره فى علم النفس، وفى الفلسفة الوجودية لقد ألح على أن النفس إنما ترى ذاتها فيما تراه، وأن الفكر الصحيح- فى رأيه- لا يخلو من العاطفة الصادقة ويميز كولردج بين الخيال والتوهم، فالخيال- فى رأيه- ملكة عقلية وقوة عاطفية، لذلك فإنها أداة موحدة تلمح بين الأشياء جوامعها، وترى فى الأجزاء والعناصر وحدتها، والتوهم ملكة عقلية تخلو من العاطفية، لذلك فإنها تكدس، وترص، لكنها لا تصل من هذا كله إلى الوحدة، فالتوهم يجمع الجزئيات والعناصر منفصلة متجاورة، والخيال يصل- بقوته العاطفية- إلى ما بين هذه الجزئيات من وحدة جوهرية. (26: 105-118)
كما يميز كولردج فى الخيال بين خيال أولى Primary Imagination وخيال ثانوى Secondary Imagination الخيال الأولى ملكة إنسانية عامة، وهى الأداة الأساسية فى معرفة الإنسان بعالمه، فهى ترى فى المدركات أشكالها، وتوجد لهذه الأشكال معانيها، والخيال الثانوى ليس أداة معرفة فحسب- كالخيال الأولى الذى هو شرط كل معرفة إنسانية- والذى يتوفر فى كل إنسان- وإنما هو أداة خلق أيضا. الخيال الثانوى هو الخيال الفنى، وهو أسمى طاقات الإنسان، فهو الذى يلم المبدد مدركا فيه وحدته، وهو الذى يلمح فى هذا المبدد معناه الكلى مرتبطا بشكله العام، إنه يرى الحقيقة مصورة، وهذا الخيال الثانوى لا يتوفر إلا للملهمين وللمبدعين من ذوى البصائر والمواهب الخالقة، إنه أداة كبار الفنانين والشعراء.
3-الموقف الوضعي (نظرية الخلق: الفن من زاوية العمل الفنى) (10-93-103)
لقد أخذت الطبقة البرجوازية تفقد ملامحها ودورها التقدمى وتتحول إلى مواقع المحافظة والرجعية، وعاشت هذه الطبقة أزمة خانقة ظهرت فى أعمالها الفكرية والأدبية انتهت فى الفكر إلى وضعية ضيقة وروافد لا أدرية وحدسية متطرفة، وبدأ عصر الاتجاهات المعبرة عن أزمة الإنسان، فإذا كان للرومانسية مفهومها عن التعبير الذى كان نتاجا لصعود تلك الطبقة وتقدمها، فإن مفهوم الخلق كان نتاجا للطبقة نفسها فى زمن أفولها ،وإبان أزمتها الفكرية.
والأساس الفكرى لهذا المفهوم يبدو فى كتابات مجموعة من المفكرين، قد يكون أقربهم إلى الفكر الأدبى 'توماس إرنست هيوم Hume, Thomas Ernest (1883م-1917م) فقد عبر هؤلاء المفكرون عن خيبة أملهم فى فردية الإنسان، وذهبوا إلى أن الإنسان شرير بفطرته، وأنه محدود القدرات، فاسد، أنانى بطبعه، وأنه سيطر سيطرة واسعة على جوانب كثيرة من عالمه، ولكنه فقد نفسه عندما فقد الوازع الداخلى الموجه إلى الخير، ونادى بعض هؤلاء المفكرين بضرورة العودة إلى الضوابط الكلاسيكية لمحاصرة الأنانية والذاتية والفردية والنوازع الشريرة فى الإنسان، وجاهروا بالعداء للوجدانيات والعاطفيات الرومانسية، وقالوا بأعمال العقل والانضباط والتوازن. وهدم النقاد الفطريون منهم نظرية التعبير الرومانسية، ودعوا إلى فن موضوعى يتجاوز أوهام الرومانسيين، وإلى نقد علمى مؤسس على تقدم العلوم، وخلصوا إلى نتائج طيبة فى درس دور اللغة فى الأشكال الفنية كعلاقة الأسطورة والرمز والموروث الشعبى بالتجارب، ومنهم من اعتمد فى نظره وتطبيقه على علوم طبية كعلم الأعصاب ويذهب ت.س إليوت (1888-1965م) Eliot, Thomas Stearns إلى أن الشعر ليس تعبيرا عن مشاعر، وإنما هو تخلص من المشاعر، وليس تعبيرا عن ذات الشاعر وشخصيته، وإنما هو تخلص منهما، إن الشعر خلق، وهذا الخلق إنما هو ثمرة التوازن بين العقل والعاطفة، بين ما يسميه إليوت القوة الناقدة، والقوة الخالقة عند الشاعر. إن الشاعر ينفعل بموضوعه، ويتعاطف معه، وعليه ألا يعبر عن انفعاله، بل عليه أن يوجد لهذا الانفعال معادلا موضوعيا يساويه ويوازيه ويحدده، ويعين الشاعر فى ذلك عقله، وتعين الشاعر فى تجسيد انفعاله فيما يعادله لغته، أى أن على الشاعر أن يحول عواطفه وأفكاره وتجاربه إلى شئ جديد، أو إلى مركب جديد ، إلى خلق جديد،وعقل الشاعر فى منزلة العامل المساعد فى العمليات الكيميائية ، تتحول بواسطته تلك العواطف والأفكار والتجارب إلى المركب الجديد المختلف عن الأصل، بينما يظل هو كما هو وعلى الشاعر أن ينأى بشخصيته عن عقله، أن يفصلها عنه حتى يستطيع هذا العقل الخالق أن يتفهم الموقف الفنى من عاطفة وإحساس وتجربة، وأن يتمكن من تحويلها إلى خلق جديد يختلف عنها هو القصيدة. إن معيار التمكن الفنى هنا هو أن ينأى الشاعر بذاتيته عن مادته، وأن يترك هذه المادة لعمل عقله الخالق، فبهذا وحدة ينجو العمل الشعرى من الذاتية وتحقق له الموضوعية. (26 : 134-135) ويبدو لنا أن إليوت يضع فروضا تأملية يفسر بها عملية الإبداع، ومن شأن التأمل ألا يحقق الموضوعية التى يقصد إليها إليوت. ما دام هذا التأمل بعيدا عن أن يسنده العلم، بل إن العلم المعاصر لا يؤيد تفتيت الإنسان إلى قوى وملكات منفصلة. ناهيك عن أن هذا النظر يعزل العمل الفنى عن الفنان، ويعزل الفنان عن مجموع علاقاته.
أما رتشاردز آرمسترونج Richards, Ivor Armstrong فقد تجنب التأمل، واقترب بالنظرية الأدبية من العلم خطوات ملموسة، فالمبحث الأساسى لديه يدور حول النص، وكيفية تلقيه، مستهدفا بيان عملية التوصيل والنقل وآثار قراءة القصيدة نفسيا وسلوكيا عند القارئ، ويذهب إلى أن التوصيل الجيد هو الذى يؤدى إلى التوازن الانفعالى لدى القارئ، والجديد عند آرمسترونج أنه يرفض التأمل، ويعتد بالتجريب وبنتائج العلوم، ليهيئ مناخا منضبطا للقراءة الشعرية، ورصد الظروف المؤدية إلى قراءة سليمة جيدة، والملابسات المؤدية إلى قراءة خاطئة ورديئة، ومن دراسة نجاح التوصيل أو عدم نجاحه على قصائد محددة وجمهور محدد يمكن الانتهاء إلى الآثار الوظيفية للشعر لدى القارئ، وأخرج سنة 1926م كتابه (العلم والشعر) ليطبق نظريته فى وظيفة اللغة وتباين استخدامها بين العلم والشعر، وليحدد للشعر مكانه.
ويبدو لنا أن جهد أرمسترونج محاولة جادة لاستخدام العلم ولإزالة كثير من الغموض والإبهام عن ماهية الشعر ووظيفته، لأن قيمة الأعمال الفنية والأدبية تضيع إذا وقفت عند الانفعال والهوى الذاتى، إنما ينبغى التوجه التجريبى بقدر الإمكان، وبكل ما تتيحه الوسائل العلمية إلى عملية الخلق إلى الوصف العينى لكيفية عمل الشاعر، والتأكيد على ضرورة عقد الصلة بين القارئ والعمل الفنى، والكشف عن حقيقة هذه الصلة، وآثارها، بعيدا عن الأوهام المحيطة بالتجربة.
ثانيا: الفكر العلمى : (نظرية الانعكاس: الفن من زاوية الواقع) (16: 129-146)
الواقع شبكة معقدة من علاقات الإنسان بالعالم، متشابكة، متداخلة، متفاعلة، ونحن قادرون على معرفته، ولكن هذه المعرفة محدودة بما وصلنا إليه من تطور اجتماعى، وتقدم علمى وتكنيكى، وتغيره دائم، ولذلك فصورته لدينا متغيرة أيضا، وهو ليس محدودا بما أنجز ، بل إنه لينطوى على تشوف إلى ما ينبغى إنجازه.
وللواقع حقيقته الموضوعية، ولهذه الحقيقة وقع فى نفوسنا، وصدى فى ذواتنا الإنسانية، ومفهوم فى أذهاننا. وتنعكس صورة الواقع الموضوعى على الذات، ولكن لهذه الذات رؤاها، وأحلامها ومواقفها، فتتغير الصورة لديها، وتكتسب شكلا خاصا، فالفن انعكاس، ولكنه ليس أنعكاسا سلبيا، بل هو إسهام فى التعرف على الواقع، وأداة للم شعثه، وسلاح لتغييره. فإذا غامت رؤية الفنان للحقيقة الموضوعية فقد عمله موضوعيته، وإذا غابت الذات فقد عمله فنيته.
إن واقعية الفن تتجاوز الماثل فى هذا الواقع لإتمام ما يشوبه من نقص، وإلى ما يرهص به من جديد. فينتظم الشوق إلى الاكتمال، والحلم بما لم يقع، واستشراف مستقبل آت، ويتحرر مفهوم الفن من الانعكاس السلبى، ويكشف عن مغزى الماثل فى الواقع، ويتجاوزه إلى أن يمنح الانسان صورة لغد يسعى إلى صنعه. إن هذا التصور ينفى الميكانيكية فى علاقة الفن بالواقع، فالفن بهذا لا يحاكى الواقع فى شتاته وجزئياته حكاية بعيدة عن جوهر حركته وثرائها، كما إن هذا التصور يصوغ العلاقة بين الذات والموضوع صياغة علمية.
وفى ضوء نظريات تعليم الأدب يمكن عرض الاتجاهات الحديثة فى الأدب كمدخل لتعليم اللغة العربية.
الاتجاهات الحديثة فى تعليم الأدب فى ضوء
الدراسات والبحوث المعاصرة
لقد تعددت مداخل تعليم الأدب، فمن المدخل الشكلى الذى يدرس الأدب بوصفه بناء جماليا، إلى المدخل النفسى الذى يحلل الأدب ونفسية مبدعيه فى ضوء نتائج التحليل النفسى، ومن المدخل الاجتماعى الذى يعنى بعلاقة الأدب بالوسط الاجتماعى، على أساس أن العمل الأدبى إنما هو نتاج الوسط الاجتماعـى أو متأثـر به. (40: 17)، إلى المدخل النمطى الرمزى الأسطورى الذى يتخذ النماذج البشرية أو الاجتماعية الواردة فى بعض الأعمال الأدبية نماذج ورموزا تصلح لكل زمان.(12: 88). وهكذا تتعدد المداخل إلى أن تصل إلى المدخل الانطباعى، وفيه يعتمد على الذوق الخاص، والثقافة الشخصية، فى حين أن للواقع حقيقته الموضوعية، ولهذه الحقيقة مفهوم محدود بمدى صياغة الفكر العلمى لعلاقة الإنسان بعالمه فى ضوء ما وصل إليه من تطور اجتماعى وتقدم علمى وتكنولوجى.
وقد قسمت الدراسات والبحوث المعاصرة الخاصة بتعليم الأدب تبعا للمداخل المستخدمة فى تعليمه، وهى:
1- المدخل الأخلاقى. 3-المدخل النفسى.
2- المدخل الفنى. 4-المدخل الاجتماعى.
وفيما يلى عرض هذه الدراسات، وقد جعلت العرض بشئ من التفصيل- إلى حد ما- قاصرا على بعض الدراسات كأمثلة تبين بعض الآراء والقضايا الخاصة باستخدام مدخل معين فى تعليم الأدب، فى حين أشرت بإيجاز إلى بعض الدراسات الأخرى التى قد تشترك معها فى الاتجاه الفكرى نفسه.
وإفادة من الدراسات والبحوث المعاصرة المعروضة فى هذا البحث تم اقتراح بعض المعالم لمدخل آخر فى تعليم الأدب هو المدخل التكاملى. وفيما يلى بيان ذلك.
1-استخدام المدخل الأخلاقى فى تعليم الأدب:
يرى بعض الباحثين وجود مواصفات يجب تحقيقها فى أية عملية إبداعية، وهذه المواصفات تراعى لذاتها؛ لأنه لا قوام للعمل الأدبى إلا بها، ولا ينبغى- لهذا- خلطها بغيرها مما لا حاجة للفنان إليه، بل مما عساه أن يعوقه عن أداء رسالته، فالشعر مثلا ليس له غاية وراء نفسه، فإن اتجه نحو غاية خلقية فقد نقص من قوته الشعرية لذلك 'فليوفر أصحاب الهدفية كلامهم، وليسلموا معنا بأن الأدب فى ذاته، وبصرف النظر عن متلقيه، أى بمجرد صدوره يكون أدبا هادفا، وما عليهم إلا أن يقولوا أدبا تنطبق عليه- فنيا- كلمة أدب'.(32: 61)
فى حين رأى باحثون آخرون أنه لا يمكن الفصل بين الفن والأخلاق، فالعلاقة بينهما قائمة فى أكثر من موطن. (73: 305)، (88: 99)
وأول هذه المواطن يتصل بطبيعة العمل الفنى نفسه، فهو تعبير عن عواطف معينة، وهذه العواطف تحمل فى ذاتها مميزات أخلاقية، إذ من النادر وجود عاطفة خالية من الصبغة الخلقية، وما دام الشاعر- مثلا- لا يميت الضمائر، ولا يفسد العواطف، ولا يضعف الإرادة، فهو أخلاقى، أو على الأقل منسجم مع الأخلاق.
وثانى هذه المواطن أن التعبير عن هذه العواطف يريحنا منها، ويخلصنا من ضغطها علينا، وهو ما سماه أرسطو 'Aristoteles' (384- 322 ق.م) بالتطهير، وجعله مهمة الشعر الأصلية.
وتكاد تتضح علاقة الدين بالأدب فى ثلاث فرق: فرقة تتمسك بموقف القرآن والرسول والخلفاء فى قبول الشعر الذى يتفق وروح الإسلام، وترفض ما عداه، وتسقط قيمته الفنية فى معيارهم لخروجه على تعاليم الدين (يمثل هذه الفرقة ابن قتيبة (ت 276هـ). فى كتابه الشعر والشعراء، وأبو بكر الباقلانى (ت 403هـ). فى كتابه إعجاز القرآن، ومسكوية (ت 421هـ). فى كتابه تهذيب الأخلاق.
وفرقة ترى أن الدين ينبغى ألا يكون مقياسا للحكم على شاعرية الشعراء وقيمهم الفنية، فالشعر الذى توافرت له شرائط الفن الشعرى الرفيع ينبغى أن يوضع فى مرتبته، وإن خرج على القيم الدينية والأخلاقية؛ لأن هذا الخروج لا ينزل به عن درجته الفنية، ولا يسوغ رفضه، (ويمثل هذا الفريق: ابن سلام الجمحى (ت 231هـ). فى كتابه طبقات فحول الشعراء، وقدامة بن جعفر (ت 337هـ). فى كتابه نقد الشعر، والقاضى على بن عبد العزيز الجرجانى (ت 392هـ). فى كتابه الوساطة بين المتنبى وخصومه).
وفرقة أخرى تتأرجح بين هذه وتلك، فترى نظريا أن الشعر يضعف إذا دخل من باب الدين والخير، حتى إذا حان وقت التطبيق نفرت من كل شعر يخرج على قيم الدين ومواصفات الأخلاق. ويمثل هذه الفرق عبد الملك بن قريب الأصمعى (ت 215هـ). فى كتابه الأصمعيات. (41: 29)
واستخدام المدخل الأخلاقى فى تعليم الأدب تدعمه بعض الدراسات والبحوث المعاصرة منها ما يأتى:
أ-جماليات النص الشعرى للأطفال: (5)
تناولت هذه الدراسة متابعة لجهود اثنين وعشرين شاعرا مصريا وعربيا، قدموا خمسمائة وخمسة وعشرين نصا شعريا مكتوبا للأطفال فى خمسة وعشرين ديوانا، كما اشتملت الدراسة على ملحق للمراجعات احتوى على قراءة فى أربعة كتب.
'وانطلقت الدراسة من الرؤية الإسلامية الصافية التى تنمى فى صغارنا الإحساس والتذوق الجمالى للكون وللحياة وللإنسان، وتبث فيهم قيم الحق والخير والجمال'. (5: 4)
وتوصلت هذه الدراسة إلى نتائج، وظواهر، وملاحظات نوجزها فيما يأتى:
1- يعد التوظيف الشعرى للحديث النبوى الشريف خطوة متقدمة وهادفة على طريق النص الشعرى المكتوب للأطفال، وما زال المجال مفتوحا أمام شعرائنا لإقامة علاقات أدبية، وشعرية جديدة، واستثمار طاقات أوسع وأرحب من تلك التى قرأناها فى عدد كبير من الدواوين الشعرية المكتوبة للأطفال، كما إن المجال مفتوح لاستثمار حياة أبطال المسلمين وعلمائهم، عن طريق القصة الشعرية البسيطة، أو عن طريق الحوار البسيط بين شخصيتين، أو طفلين يتحدثان عن البطل، أو عن العالم وآثاره، ومؤلفاته والإضافات العلمية التى أضافها لعصره، وللعلم الذى تخصص فيه، وما إلى ذلك.
2- إن النصوص التى يقدمها الشاعر للأطفال يجب أن تحمل المعلومة والقيمة الإسلامية بالإضافة إلى القيمة الفنية والجمالية، ويجب أن تكون هناك حدود لا يتنازل عنها الشاعر، من أهمها: الموسيقى، وسهولة الألفاظ أو خفتها.
3- لا يستجيب الطفل لأفعال الأمر المباشرة؛ لأنه عنيد بطبعه، ويلزم عند التعامل معه نوع من المرونة والذكاء؛ كى يستجيب للنصح والإرشاد؛ لذلك فإن النص الذى يحتوى على كم كبير من هذه الأفعال يعد غير مناسب لمرحلة الطفولة.
4- تسهم القصائد الحوارية فى تعود الطفل على السلوك والتفكير الجماعيين والإنصات إلى آراء الاخرين، وتحفزه على التفكير، والرد بطريقة مناسبة تنمى فيه استقلال الشخصية، واحترام ذوات الآخرين الذين يتحدثون معه، كما تحاول ترسيخ مفهوم الصداقة بين الأطفال.
5- إن معظم النصوص المكتوبة للأطفال فى هذه المجموعات تمور بالحركة، والحيوية والنشاط، فمثلا: نرى الصغير يقوم من نومه، ويرتب أشياءه، ويعد حقيبته فى نشاط وحيوية.
6- من المآخذ الفنية على بعض النصوص طول السطر الشعرى بطريقة لا تتناسب مع الشعر الموجه للأطفال الذى من المفروض أن يكون سريع الإيقاع، ذا جمل قصيرة، وتقفية دائمة، حتى وإن كانت متنوعة.
7- إن النصوص المعاصرة التى قدمها الشعراء للأطفال لم تتناول الحقائق العلمية، والمنجزات، والاختراعات الالكترونية التى يراها الأطفال يوميا، ويتعاملون معها، ويحبون أن يشاهدوها، ويلمسوها، ويجلسوا إليها، خصوصا الحاسوب.
8- تلعب الأم والمدرسة أهم الأدوار فى صناعة ثقافة الطفل وقدراته الذهنية والعاطفية، وتتدخلان فى توجيهها وتشكيلها بقدر كبير، لذا فقد اهتم عدد كبير من الشعراء بهذين القطبين المؤثرين، وكتبوا عنهما الكثير من النصوص الشعرية.
9- تمثل الطبيعة عنصرا مهما فى شعر الأطفال، ويحرص جميع الشعراء الذين يكتبون للأطفال على أن ينهلوا من هذا العالم الغنى، وقد وجدنا مجموعات شعرية كاملة اتخذت من الطبيعة خلفية لها، أو مسرحا أو عالما محببا إلى الطفل.
10- من أهم الأساليب التى اعتمد عليها بعض الشعراء والمناسبة لسن الطفولة أسلوب التكرار، سواء تكرار المعنى، أو تكرار اللفظ، إن التكرار من شأنه المشاركة فى تأكيد المعنى الذى يتحدث به الطفل، كما يسهم فى إثراء الموسيقى بتكرار الأصوات كما هى، ولكن يجب عدم التوسع فى استخدام التكرار؛ حتى لا يفقد أهميته، كما يجب استخدامه عند الضرورة الفنية الملحة؛ حتى يكون إيجابيا ومؤثرا.
11- قد يكون من السهل على الطفل حفظ بيت الشعر أو الجملة الشعرية، ولكن سيكون من الصعب عليه فهم معناها ومغزاها، أو ما تهدف إليه، إذا امتلأت بالألفاظ الصعبة على الفهم، أو الصعبة فى النطق، أو الصور المركبة؛ لذا يلجأ بعض الشعراء إلى الشروح، والتعليقات على عدد كبير من المفردات الشعرية بهوامش الصفحات، وهذا يشير إلى عدم قدرة الشاعر على التقاط المفردة السهلة البسيطة المعبرة عن المعنى الذى يود إيصاله إلى قارئه.
12- على الرغم من سمو بعض الموضوعات- التى تناولها بعض الشعراء- وجديتها، فإنها تفتقد إلى المرح الطفولى، والبهجة، والبسمة العذبة، وكأنه لا مكان للمرح والضحك والأشياء الجميلة مثل الفراشات، والعصافير، والألوان فى عالم الطفل المسلم.
13- على الشاعر الذى يكتب للأطفال أن يتخلص من بعض الصور الشعرية المركبة التى من الصعب على الصغير أن يفهمها بسهولة، أو يدرك ما وراءها من معان، ودلالات مثل: (المسافات أوشكت أن تطير) و (الشاطئ بالسر يبوح) و (من رش على الشاطئ سحرا) و (يعود النبع إلى البحر كالحلم الرائع كالسحر) و (نقول للأشواق طيرى) وما إلى ذلك.
كما يجب على الشاعر- الذى يكتب للأطفال- الابتعاد عن المعانى المجردة التى يصعب على الطفل فهمها، مثل: العدالة، والقهر، والضياع، والحنين، والذكريات، وما إلى ذلك.
14- يرسم الشاعر الذى يكتب للأطفال عادة صورة جميلة ومتفائلة لبلاده، وللناس، وللأرض، وللوطن، وهو شئ مطلوب للأطفال من أجل زرع روح الثقة والتفاؤل والتعاون والمحبة والأمل فى نفوسهم، إننا لا نستطيع أن نقول إن الشاعر هنا يكذب، أو يجمل الواقع، أو يعطى صورة غير واقعية لوطنه، ولبلاده؛ ذلك أن لأدب الأطفال ولشعر الأطفال وظائفه، وخصائصه الإدراكية، واللغوية، والنفسية، وجمالياته التى إذا وعاها الشاعر، فإنه يحقق الكثير من النجاحات الأدبية، والتربوية.
15- بلغ عدد النصوص العمودية (350 نصا) بنسبة 66% من اجمالى النصوص التى بلغ عددها (525 نصا)، فى حين بلغ عدد النصوص التفعيلية (175 نصا) بنسبة 33% من إجمالى النصوص، أى أن عدد القصائد العمودية جاء مضاعفا لعدد القصائد التفعيلية.
ومن الدراسات الأجنبية المعاصرة الخاصة باستخدام المدخل الأخلاقى فى تعليم الأدب:
ب-تقصى الإرشاد الأخلاقى فى الأدب، تنمية لمعلمة اللغة الانجليزية قبل الخدمة80)
تناولت هذه الدراسة تنمية تفكير معلمة اللغة الانجليزية فى دراسة وتعليم الأدب، وهى دراسة أجريت على عينة من أربع عشرة معلمة، شاركن فى برنامج عنوانه: 'فهم الأدب لتعليمه'.
ولقد تمت مقابلتهن فى بداية برنامج الإعداد الخاص بهن فى الكلية، وكذلك فى نهايته، وقد غطت كل مقابلة ثلاثة الجوانب الآتية:
1- مفهومهن عن الأدب، متضمنا استجابتهن لبعض النظريات التحليلية لنص معين.
2- خبراتهن الأدبية من خلال الأسرة أو المدرسة.
3- أفكارهن عن تعليم الأدب من خلال نصوص معينة.
ودلت نتائج الدراسة على أن نمو الفرد بالنسبة للأدب يتوازى مع مراحل النمو العقلى، والأخلاقى.
ج-الدين كمصدر للقوة والضعف فى أدب الشباب: (79)
تناولت هذه الدراسة المحتوى الدينى فى كتابات الشباب وبينت نتائج هذه الدراسة أنه بالرغم من أن هذه الكتابات قليلة العدد نسبيا، فإنها كتابات أدبية قوية بما تحمله من قيم أخلاقية.
2-استخدام المدخل الفنى فى تعليم الأدب:
المدخل الفنى فى تعليم الأدب هو فن دراسة النصوص، والتمييز بين الأساليب المختلفة، يستعين بقواعد اللغة، وأصولها، وبلاغتها، فى فهم الأعمال الأدبية، متأثرا بجلال الألفاظ وجمال المعانى، ومرتبطا بالصور الخيالية، ودورها الفنى. (19: 194-200)، (14: 59)، (20: 141- 168)
وقد استخدمت بعض الدراسات المعاصرة المترجمة والأجنبية هذا المدخل فى تعليم الأدب، فمن الدراسات المعاصرة لتعليم الأدب باستخدام المدخل الفنى ما يأتى:
أ-تحليل النص الشعرى، بنية القصيدة: (42)
يقول مترجم هذه الدراسة: 'موضوع البحث فى هذا العمل الماثل أمام القارئ هو النص الفنى، النص الفنى كما هو فى ذاته، وبشكل أكثر تحديدا فإن محور اهتمامنا هو القيمة الفنية الخاصة التى تجعل ذلك النص مؤهلا لتحقيق وظيفة جمالية معينة، ولعل فى هذا وذاك مايشيرإلى معالم وحدود المدخل الذى اخترناه لهذه الدراسة'.(42: 21)
وقد ناقشت هذه الدراسة قضايا، وآراء تتعلق بتحليل النص الفنى مثل طبيعة الشعر، والمقطوعة الشعرية باعتبارها وحدة، وإشكالية الموضوع الشعرى، والحسن والردئ فى الشعر.
ويمكن تلخيص ما وصلت إليه هذه الدراسة فيما يأتى:
1- موضوعات الشعر ومعانيه شائقة ومعروضة فى الطريق، وليس الشعر إلا فن التعبير بالكلمة والعبارة، وإلا تساوى الشعر بوسائل الإعلام الأخرى، فليست الأهمية إذن للموضوع، لأنه- من وجهة نظر الفن- أدنى عناصر القصيدة؛ لأنه فى ذاته قاصر عن أن يصنع قصيدة مهما تناول من شئون الحياة، فالأساس القوى الذى تقوم عليه القصيدة الحديثة، ويمنحها القيمة الفنية اللائقة بها هو بناؤها بناء مناسبا.
2- لبناء القصيدة الحديثة وجهان: أحدهما خارجى، والآخر داخلى. فالبناء الخارجى يعنى بناء القصيدة بناءً متلاحم الأجزاء، متدامج المقاطع، بحيث لا يند جزء من أجزاء النص عن البناء الكلى.
3- أما البناء الداخلى فعناصره متنوعة وعديدة، أبرزها عنصرا: الصورة، والموسيقى.
4- المعايير التى يتحدد من خلالها البناء الخارجى للقصيدة هى:
أ-طول القصيدة، وقصرها من أبرز هذه المعايير، على أنه ينبغى ألا يفهم من قصر القصيدة قلة عدد أبياتها، وإنما المحك الفعلى فى قصر القصيدة يتمثل فى انتظامها داخل مستوى شعورى واحد، وضمن موقف عاطفى يسير باتجاه محدد وملموس، وبداهة إن القصيدة الطويلة هى التى اجتمعت فيها عدة مواقف شعورية، وخبرات فردية أو إنسانية متنوعة.
ب-مقدرة الشاعر على البناء هو الأساس فى اختيار الإطار الذى ينبغى أن يفرغ فيه الشعر.
ج-الوعى بالتجربة الشعرية من العناصر البارزة والمهمة فى حتمية اختيار الإطار وجودته.
د-المقدرة على التشكيل الداخلى؛ ليكون العمل الشعرى نسيجا متلاحما، تساوى فيه الكمال الخارجى بالكمال الداخلى، وتوازنت عناصر القصيدة من شكل وصور وموسيقى ولغة على نحو ظاهر من الإبداع.
هـ-لحظة التكثيف الشعورى من العوامل البارزة فى بناء القصيدة، ويقصد بها خلاصة الموقف الشعورى أو التجربة، وهذه اللحظة تختلف فى مكان تكثيفها من النص، فقد تكون فى بدايته، وقد تأتى فى الوسط، وغالبا ما تأتى هذه اللحظة فى نهاية القصيدة، ومن هنا تختلف أطر القصائد، وتشكيلاتها تبعا لاختلاف مكان لحظة التكثيف فى القصيدة.
5- من المعايير التى يتحدد من خلالها البناء الداخلى للقصيدة بناء الصورة الشعرية.
6- فى الشعر الحديث شاعت ثلاثة أنواع لبناء الصورة الشعرية، هى:
أ-الصورة المسطحة أو العريضة وهى التى تدور حول موضوعات مكانية كالمدينة، أو القرية، وتكون جزئياتها فى الغالب مستمدة من الإطار المادى للمكان، ومستوحاة عن طريق البصر.
ب-الصورة الممتدة أو الطولية، وهى الصورة التى تبنى بناءً طوليا، فتتحرك جزئياتها بشكل ممتد من أول الصورة إلى نهايتها، معتمدة على الحركة الزمنية كأساس فنى يمنح الصورة حيويتها، وامتلاءها. ومن أبرز خصائص هذا النوع من الصور أن الحركة الزمنية غير محددة، بحيث يمكن أن نتلمس الأبعاد الزمانية الثلاثة: الماضى، الحاضر، المستقبل فى وحدة واحدة.
كما أن هذا النوع من الصور لابد أن يتضمن 'شخصية' تتمحور الصورة حولها، ولاخلاف فى أن تكون هذه الشخصية أسطورية أو واقعية، إنما المهم أن تتحرك هذه الشخصية وفق التغيرات النفسية والتجارب المختلفة التى تعكسها، ولابد من وجود حادثة معينة تكون نقطة البدء فى انطلاق الشخصية أو تحركها، بحيث تنمو الصورة من خلال عملية الانطلاق نموا متدرجا متصاعدا.
ج-الصورة المزدوجة، وهى الصورة التى ترتكز فى بنائها إلى مظهرين متناقضين من مظاهر الحياة المختلفة فيأخذ كل مظهر مجرى شعوريا، وصوريا معينا، بحيث ينمو المظهران فى خطين متوازيين داخل إطار الصورة الكبير، وتزدوج الصورة الشعرية فى صورتين احداهما نقيض للأخرى.
7- معايير صياغة الصورة، وبنائها هى:
أ-قدرة الشاعر على استخدام الأدوات البيانية المعروفة كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، بحيث يلتحم الجانب الحسى للصورة بالجانب الدلالى لها، فتكون هذه الأدوات وسيلة ملموسة للكشف عن المعطيات النفسية والذهنية غير الملموسة، والمرفوض فى الأدب المعاصر أن تقف الصورة جامدة عند التعبير الحسى، وتعجز عن تجسيم الفكر والمشاعر تجسيما تتضح من خلاله الرؤية الشعرية السليمة فى تحديد البعد النفسى والإفصاح عنه.
ب-لا يفترض فى الصورة أن تأتى موافقة لطبيعة المكان الذى تتحدد من خلاله، إن الصورة التى تقف عندما يسمى 'بالنقل الأمين' للمكان ليست سوى تسجيل فوتوغرافى له، وهى أقرب إلى التصوير السينمائى الذى ينقل المشهد منه إلى التصوير التعبير الذى ينقل المشاعر، والأحاسيس، فالشاعر حين يرسم صورة شعرية، فإنه يرسمها وفقا لشعوره وارتباطه النفسى بها، وليس وفقا للمكان المعين الذى تقع فيه، بمعنى آخر أن الشاعر غير ملزم 'بموضوعية' المكان.
ج-إدراك مجالات الإيحاء فى تراكيب الصورة، بحيث لا تقف عند تفسير محدد، فالصورة الجيدة هى التى تجاوزت الدلالات القريبة إلى دلالات أشد عمقا وتأثيرا، فمن مبادئ فهم الصورة الشعرية أنه ليست هناك قيم ثابتة للصورة الشعرية، وإنما تتحدد قيمها وفقا للسياق الفنى الذى تتركب فيه، وتشكل من خلاله، وأجود الصور ما نقل المشاعر من نفس إلى نفس، وما ترك للمتلقى حرية البحث والتنقيب عن سائر دلالات الصورة، وقيمها الجمالية، والرمزيون فى الشعر الحديث يعنون بالتعمق فى تصوير المعانى اللامحدودة، ويتأنقون فى اختيار الألفاظ والصور ذات الإشعاع والإيحاء المتنوع؛ لأن الكلمة المحجبة توحى فى موقعها وقراءتها بأجواء نفسية رحيبة، تعبر عما يقصر التعبير عنه، وتفيد ما لا تفيد فى أصلها الوضعى النفعى، فتصبح كلمة 'غروب' مثلا مبعثا لصور وجدانية مصحوبة بانفعالات داخلية، كمصرع الشمس الدامى، والألوان الغاربة الهاربة، والشعور بالزوال، والانقباض، وانطماس معالم الحياة، وإثارة الشكوك، وما إليها.
وبسبب هذه الرمزية، وبسبب مظاهر الإيحاء المفروضة على الشاعر ظهر العنصر القصصى واضحا فى معظم الأشعار؛ لأنه فى هذا العنصر يتوافر الإيحاء أكثر من الحقائق التقريرية ذات النبرة الخطابية الشائقة فى كثير من الشعر القديم.
8- معايير البناء الموسيقى فى القصيدة هى:
أ-القاعدة التى يقوم عليها وزن الشعر ضمن الإطار الموسيقى المنظم له هى 'التفعيلة'. بمعنى أن النظام الموسيقى الجديد هو نظام التفعيلة بدل نظام الشطرين فى الشعر القديم، غير أن القاعدة الجديدة لاستخدام التفعيلة اختلفت من حيث 'الكم' عن القاعدة القديمة لاستخدام البحر، فللشاعر الحرية فى أن يختار العدد المناسب للتفعيلة داخل السطر الشعرى الواحد، فقد يقتصر هذا العدد على تفعيلة واحدة، وقد يطول حتى يصل إلى تسع تفعيلات، حيث يرتبط ذلك بالحالة النفسية للشاعر، وبالدفقة الشعورية التى لا تتم إلا بعدد معين من التفعيلات، يراه الشاعر أنه الأنسب لحالته.
ب-لا يجوز للشاعر أن يستخدم تفعيلة مغايرة للتفعيلة الأساسية سواء فى السطر الشعرى الواحد، أو فى الأسطر الأخرى؛ لأن ذلك يؤدى إلى اختلاف النغمة الموسيقية.
ج-الوحدة الحقيقة هى وحدة الشعور والإحساس، ويجب تطويع الكلمات والتعبيرات؛ لتلائم الفكرة فى التجربة أو الشعور المختمر؛ ولهذا لابد من تحطم القوالب الرتيبة لتتغير الوحدة الموسيقية مع تغير العبارة، وتتنوع بتنوع الإحساس.
ب-الرومانسية النظامية: المؤسسات الوطنية والسلطة الأدبية: (64)
تناولت هذه الدراسة مناقشة الدور المتزايد لبعض الهيئات الأدبية التى وجدت فى بريطانيا فى الفترة من 1815م. إلى 1849م، حيث حثت أفرادها على الخيال الخصب، وتطبيق الأشكال الرومانسية.
وخلصت الدراسة إلى أن مثل هؤلاء الكتاب ليسوا حالات محترفة، لكن بالأحرى هم تلبية لدور اجتماعى قبل أن يكونوا تلبية لدور فنى.
ج-الترابط فى معالجة وتحليل الصور: النظرية واستخدامها (بمقاييس متعددة وتطبيقاتها) (47):
تناولت هذه الدراسة معالجة وتحليل مفاهيم كلاسيكية قدمت عن التخيل، وزودت بأمثلة تطبيقية. وتوصلت هذه الدراسة إلى استراتيجية لتعليم التخيل، تقوم على تكامل بعض الصور الخيالية.
3-استخدام المدخل النفسى فى تعليم الأدب:
إذا كان أنصار المدخل الفنى فى تعليم الأدب قد رأوا وجوب النظر إلى الأدب على أنه مجرد نشاط لغوى استاطيقى يطلب لذاته، بمقاييس، تستمد منه هو، ولا تهتم بحياة الشاعر، وتجاربه الشخصية، ولا بموقفه من مجتمعه، ولا بحقيقة نزعاته ومقاصده، ورغباته، ومآزقه، وأزماته، فإن أنصار المدخل النفسى فى تعليم الأدب قد ركزوا على العلاقة بين النص الأدبى ونفس مبدعه. (27: 27-41)
على أن هذا الاتجاه اتسع مفهومه فى العصر الحديث بعد أن ظهرت نتائج دراسات الفرويديين فى اللغة، والباطن، كذلك بعد أن أفاض أتباع 'يونج Young' فى الحديث عن الأسطورة والرمز، فمن يتصدى للتفسير النفسى عليه أن يدرك بواعث الإبداع الفنى الحقيقية، ومن أهمها إدراكه لعبقرية الفنان، وأنه إنما يبدع فنه بعد معاناة طويلة، يستظهر من خلالها الرغبات المكبوتة فى اللاشعور، ويتخذ الرموز وسيلة للتنفيس عن هذه الرغبات، وتلك مرحلة الفهم التى ينبغى وعيها وإدراكها، فكلما عمقنا هذه المرحلة، ووسعنا أبعادها، كان ذلك أحرى أن يكشف لنا المزيد من القيم التى ينطوى عليها العمل الأدبى.
ومعظم الدراسات النفسية فى تفسير الأدب لدى الغربيين تدور فى إطار واحد، وهو تساؤلهم عن منبع الإبداع فى العمل الأدبى، وتفسيره، وكيف تتم هذه العملية؟ وهل النرجسية أو الإفراط فى حب الذات يؤدى إلى ذلك؟
إن منبع الإبداع لدى عالمى النفس المشهورين: 'فرويد ويونج Freud, and Young' هو اللاشعور، ولكن هذين العالمين يفترقان حول دواعى اللاشعور، ومؤثراته، فيرى 'فرويد Freud' أن معظم اللاشعور مكتسب، فردى، مكبوت، يرد صاحبه إلى زمن الطفولة، والانفعالات العنيفة، وذكرياته عن أول محاولة للإبداع، وما عساه ما لقى من تشجيع أو تأنيب، ونوع علاقته بالأسرة، وبعض سلوكه الشخصى، وهل وفق أو أخفق؟ ، وما نصيب الأم فى تحديد هذه النتيجة؟ ثم يمضى فرويد فى تعليل ظواهر السلوك الحاضر بأحداث الطفولة، وما خلفت من أمراض، وعقد أوديبية، والكتراوية.(*)
أما اللاشعور عند 'يونج Young' فهو قسمان: اللاشعور الفردى، واللاشعور الجمعى، وهو الأهم عند 'يونج Young' لأنه مصدر الإبداع فى نظره، وهو يمثل مجموعة التجارب الإنسانية التى انحدرت إلينا من الأجداد والآباء، فكما نرث عن الآباء والأجداد صفات بيولوجية، نرث عنهم صفات نفسية أيضا، والفنان هو القادر على استظهار هذه الصفات فى أعماله الفنية، أما العاديون من الناس فيستظهرونها عن طريق الأحلام مثلا، ومهمة اللاشعور الجمعى تعويضية؛ فحين تنهار رموز المجتمع الحية، وتتابع الأزمات الاجتماعية، يتحرك اللاشعور الجمعى لإعادة التوازن الجمعى، فمهمته تعويضية.
وتفسير عملية الإبداع ترتكز عند 'يونج Young' على الإسقاط الذى يعتمد فيه الفنان على الحدس، فيشرق عليه كل شئ فى ومضة سرعان ما يناقشها اللاشعور، فيحولها إلى موضوعات خارجية يمكن أن يتأملها الآخرون.
أما 'فرويد Freud' فيركز على التسامى كأساس فى عملية الإبداع، والتسامى- فى نظر فرويد- هو استبدال الهدف الشبقى، أو تحويله إلى أهداف جديدة أرفع قيمة من الناحية الاجتماعية، ومجردة عن الغايات الجنسية. يؤدى التسامى عندئذ إلى إظهار العبقرية والامتياز، ويصل الفنان إلى التشبع أو التنفيس أو إلغاء التوتر. (36: 212- 231).
ونظرا لأن الأدب استجابات لدواعى نفسية معينة، يتحكم فيها الزمان، والمكان، فما زالت بعض الدراسات الأجنبية المعاصرة تستخدم المدخل النفسى فى تعليم الأدب فى محاولات لدراسته، وتفسيره، وتقويمه من خلال تلك الاستجابات، ومن الدراسات الأجنبية المعاصرة التى استخدمت المدخل النفسى فى تعليم الأدب الدراسات الآتية:
أ-'أثر استجابات الطلاب المكتوبة كمسودات على كتابتهم، وعلى منطقة ما يتعلق بالأدب' (65)
تناولت هذه الدراسة الكيفية التى أعاد بها الطلاب- فى الصفين: التاسع، والحادى عشر- صياغة تحليلاتهم الكتابية المبدئية لقصتين قصيرتين من مراجعات تتم عن طريق تعليقات كتابية مستخدمة كمسودات.
ولقد دلت نتائج الدراسة على وجود تأثير واضح لظروف الاستجابة ولمستوى الصف.
ب-أدب الأقليات فى دوريات علم النفس والتربية: (94)
تناولت هذه الدراسة تحليلا لعينة من الكتابات الأدبية الخاصة بقضايا أقلية السود- المنشورة فى بعض الصحف التربوية فى الفترة من 1952م إلى 1973م.
وتوصلت الدراسة إلى أن أكثر المشكلات التى تعانيها أقلية السود هى ذات بعد نفسى كان مبثوثا فى الكتابات الأدبية المنشورة (عينة البحث).
ج-دع الطائر السجين يغرد: 'استخدام الأدب فى تعليم علم نفس النمو': (46)
تناولت هذه الدراسة مناقشة لتطور علم النفس من خلال شرح قصيدة ' دع الطائر السجين يغرد ' 'لمايا أنجليو Maya Angelou' وانتهت الدراسة إلى إمكانية استخدام الأدب فى تعليم علم النفس النمو.
4-استخدام المدخل الاجتماعى فى تعليم الأدب:
لقد برز استخدام المدخل الاجتماعى فى تعليم الأدب فى بداية القرن التاسع عشر، حين تغلبت النظريات الاشتراكية والرأسمالية على النظم الاقتصادية والاجتماعية فى العالم العربى، فظهرت طبقة من الأدباء ترى أن الأدب فى خدمة المجتمع، أو هكذا ينبغى أن يكون. (36: 34-38)
والأدب الاجتماعى أدب بعيد عن التنميق، ومتصل بالواقع أتم الاتصال، وإذا كان علم الاجتماع الأدبى يدرس أشكال النشاط المتبادل بين كل الأشخاص الذين يتدخلون فى عالم الأدب، فإن الأدب الاجتماعى يفسر نوعيا كيف أن الكتابة حدث ذو طبيعة اجتماعية تبعا لفلسفة كل أديب، وفهمه يتوقف عرضه لدور المجتمع عاملا حاسما أو مرافقا فى قيمة الإبداع الأدبى. (44: 7-11)
والمدخل الاجتماعى يرى الأدب فى المجتمع، ويمكن أن يدرس المجتمع بعناية من خلال خطط ثلاث هى:
أ-المجتمع الواقعى، حيث ظهر الكاتب، وحيث أنتج عمله.
ب-المجتمع الذى ينعكس مثاليا فى نطاق العمل نفسه.
ج-انعكاس العمل نفسه على ضمير القراء الاجتماعى.
والأدب الحقيقى واقعى- لدى بعض أنصار المنهج الاجتماعى، وهم الروائيون الواقعيون- ويعرض فى شكل نماذج للالتحام العضوى بين الفرد والنمو التاريخى والاجتماعى. (29: 238)
ومن الدراسات الأجنبية المعاصرة التى استخدمت المدخل الاجتماعى فى تعليم الأدب الدراسات الآتية:
أ-تدريس الأدب الدينى كأدب اجتماعى: استراتيجيات من أجل التعليم العام' (57)
وقد تناولت هذه الدراسة السياقات المناسبة لتدريس الأدب الدينى، كأدب على مستوى طلاب المرحلة الثانوية، والجامعية؛ لإدراك القيم المختلفة التى تعكسها النصوص الدينية، ومدى صلتها بالمجتمع.
كما بينت هذه الدراسة بعض الخطوات لممارسة التدريس التى تحترم- غالبا- عادات، وتقاليد الطلاب الدينية.
وتوصلت الدراسة إلى أن المضمون فى العمل الأدبى يوجب إبراز القيم الاجتماعية فى النصوص الدينية.
ب-تعليم الأدب بقصد خلق مجتمع محب لخير البشر جميعا: (87)
تناولت هذه الدراسة الأدب باعتباره مرآة للمجتمع، يتضمن بعض المشكلات الاجتماعية، ويقترح حلولا لها.
وتوصلت هذه الدراسة إلى استراتيجية لتعليم النصوص الأدبية جاعلة إياها نصوصا اجتماعية؛ لتكون دروسا لتعليم أدب نحو مجتمع إنسانى.
ج-كشف المقدرة عند حافة الأدب والمجتمع: (45)
تناولت هذه الدراسة تحليلا للمفاهيم الأدبية والثقافية الواردة فى بعض كتابات من الأدب الحديث؛ لدراسة مدى علاقتها بالمجتمع.
ودلت نتائج التحليل فى هذه الدراسة على عدم ارتباط الأبعاد الثقافية للمجتمع بما ورد فى الأدب من مفاهيم.
وفى ضوء ما سبق تتبين أهمية استخدام المدخل الاجتماعى فى تعليم الأدب، ولكن جماعة من الواقعيين قد بالغوا فى رسالة الأدب الاجتماعية، واتخذوا من بعض أجناس الأدب، كالقصة مثلا، وسيلة دعاية لفكرهم السياسى والأدبى، يخدعون بها الدهماء، ويضللون البسطاء من عامة الشعب. (81: 19-25)
كما يجب ألا يحجم الأدب الاجتماعى فى موضوعات البؤس، والحرمان والظلم المتكرر- كما يفعل الواقعيون- كى نصل إلى مبدأ التغيير والإصلاح؛ فلربما استجابت النفس لآليات كيفية تطويرها أسرع من استجابتها لما يدخل الحزن والأسى عليها.
مناقشـــة:
فى ضوء الدراسات والبحوث المعاصرة- الخاصة بتعليم الأدب يمكن تصنيف أنصار المداخل المستخدمة فى تعليم الأدب إلى أسرتين طبقا لما يؤمنون به: 'الفن النافع' أو 'الفن للفن'، وإلى الأسرة الأولى ينتمى الواقعيون، والاجتماعيون، والعلميون- مع مواقف تعليمية، وأخلاقية، وغائية- وإلى الأسرة الثانية ينتمى البرناسيون، والرمزيون، والجماليون، والمثاليون. (51: 243)، (84: 165)
فقد رأى أنصار 'الفن النافع' أن الأدب يظهر سجلا لشئ محدد فى بناء مفروض موضوعيا، وينتمى إلى عالم الموضوعات الواقعية التى توجد خارج الشعور، وكلنا ندركها.
ولتأكيدهم وجود الأدب واقعيا فى نطاق عالم واقعى كانت المبالغة فى وظيفة الإنسجام والتكيف مع البيئة، وساد مستوى المحاكاة تفسيرا، وحكما، لما يتضمنه من مواد أيديولوجية، ولغوية، واجتماعية، وسياسية، وغيرها.
وقد رأى أنصار 'الفن للفن' أن مركز الجاذبية فى معرفة الأدب فى الفاعل الذى يعرف، وليس فى الموضوع المعروف، والأدب شئ يقع فى الضمير، ضمير الكاتب أو ضمير القارئ، ويدرك الأدب داخليا.
وقد اتجه هؤلاء نحو المتعة أو الرأى الجمالى الخالص، وكما يبالغ أنصار 'الفن النافع' فى قيمة التكيف مع البيئة، وقيمة الغرض، يبالغ أنصار 'الفن للفن' فى القيمة التصويرية، والتعبيرية، وتحليل النص نقطة الانطلاق نحو أى بحث موسع، ويسمى هذا التحليل 'داخليا' لأن النصوص هى الأكثر بؤرا فى عالم الأدب، وكل ما عدا ذلك، من الطبيعة والمجتمع والتاريخ، وحتى حياة الكاتب نفسها تقع فى الجانب الخارجى من الأدب.
ويبدو لنا أن الأدب ليس شيئا موضوعيا فقط- كما رأى النفعيون- ولا صور ذاتية فقط- كما رأى الذاتيون، وإنما هو تعبير مطروح، ألقى به فى الحياة التاريخية إحساس إنسانى معين فى لغة علمية، تحقق تكاملا بين معنى العمل الأدبى ومدى صلاته بالزمن الذى عاش الكاتب فيه.
ويدعم الشاعر والروائى والمسرحى قيما تكونت فى ضميره، وهو يرقب إمكانات أفقه الاجتماعى، ومدى تطوره.
واستخدام المدخل التكاملى فى تعليم الأدب لا يحصر العمل الفنى فى محاكاة الأشياء الخارجية فقط، كما هو الحال عند أنصار 'الفن النافع'، ولا فى حدس خالص، كما هو الحال عند أنصار 'الفن للفن' وإنما فى تعبير انعكاسى، إيجابى، متكاملا فى المحورين الموضوعى والذاتى.
إن العمل الأدبى بناء، وخطة يعيد القارئ خلقهما، والتحليل البنيوى لهذا العمل يجعلنا نشارك إنسانا ما فى إحساسه الفعال، وتاريخه، وطريقته فى تشكيل العالم.
إن المدخل التكاملى فى تعليم الأدب مدخل يستخدم لدراسة الأدب موضوعيا عن طريق الفهم لكل ما يدخل فى أسلوب التعبير المكتوب ويهتم بإبداع عمل ما فى كل أطوار تحقيقه. (72: 27-29)
ومن ثم لجأ كثير من الباحثين إلى تطوير مناهج اللغة، وطرق تعليمها من خلال الأدب، وكان من الاتجاهات الحديثة فى تعليم اللغة تعليمها من خلال الأدب. وفيما يلى بيان ذلك فى ضوء الدراسات والبحوث المعاصرة فى هذا المجال.
من الاتجاهات الحديثة فى تعليم اللغة تعليمها من خلال الأدب
من أحدث الدراسات العربية التى تمت إجازتها قبيل كتابة هذا البحث دراسة عنوانها: 'تطوير منهج اللغة العربية فى الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية فى مصر'. (6)
وهى دراسة استهدفت تطوير منهج اللغة العربية من خلال إعداد منهج مقترح فى اللغة العربية قائم على مدخل الأدب لأطفال الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية فى مصر (6: 132-165)
وتحددت مشكلة الدراسة فى ضعف تلاميذ الصفوف الثلاثة الأولى من المرحلة الابتدائية فى مهارات اللغة العربية الخاصة بالتعرف والنطق والفهم.
ولدراسة هذه المشكلة اتبعت الباحثة الخطوات الآتية:
1- تحديد المدخل الحديث فى تعليم مهارات اللغة العربية للمبتدئين.
2- إعداد برنامج مقترح لتعليم مهارات اللغة العربية للصفوف الثلاثة الأولى قائم على مدخل أدب الأطفال.
3- بناء كتاب فى اللغة العربية للصف الأول الابتدائى قائم على مدخل الأدب.
4- تجريب بعض دروس الكتاب المقترح على مجموعة من تلاميذ الصف الأول الابتدائى.
5- تحليل بيانات التجريب إحصائيا.
وقد أظهرت النتائج فاعلية البرنامج الذى تم تجريبه القائم على مدخل أدب الأطفال فى تعليم مهارات: التعرف والنطق والفهم للصف الأول الابتدائى، ساهم فى ذلك اختيار نصوص شعرية، وحكايات ملائمة لسن الأطفال، وكذلك دليل المعلم الذى برزت فيه التوجيهات اللازمة لتنفيذ وتقويم التدريس الذى يعتمد على مدخل أدب الأطفال.
وإذا كانت الدراسة السابقة هى أحدث الدراسات العربية المعاصرة فى مجال استخدام الأدب لتعليم كافة فروع اللغة العربية حتى تاريخ كتابة هذا البحث، فإن دراسات وبحوثا عديدة أخرى قد أظهرت نتائجها إمكانية تعليم كافة فروع اللغة من خلال الأدب، وفيما يلى بيان ذلك بإيجاز:
1-بعض الدراسات والبحوث المعاصرة الخاصة باستخدام الأدب فى تعليم القراءة:
أ-قراءة وكتابة الأنواع الأدبية: (49)
تناولت هذه الدراسة تعليم القراءة والكتابة للأطفال لبناء المعنى من خلال الأنواع الأدبية الآتية:
1- بعض القصص الواقعية.
2- بعض القصص الخرافية.
3- بعض كتيبات عن السير.
وبينت نتائج هذه الدراسة أن نشاطات الأطفال كانت أكثر ايجابية فى القصص الواقعية من حيث تعليمهم بناء المعنى قراءة، وكتابة.
ب-تعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب: (56)
تناولت هذه الدراسة استراتيجية لتعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب عن طريق التدريب على التحليل والربط بين المعلومات، وإيجاد ما بينها من علاقات متميزة، واستخدام الأسلوب العلمى فى تحديد المشكلة وايجاد ومناقشة مجموعة من الحلول البديلة، وتقييم النتائج.
وبينت نتائج هذه الدراسة استراتيجية لتعليم القراءة الناقدة من خلال الأدب، وقدمت بعض نماذج تطبيقية لها فى دليل للمعلم، وكتيب لطالب الصف الأول من المرحلة الثانوية.
ج-فهم المعلم لفهم الطالب: فهم ثلاثة معلمين لاستجابة طلابهم للأدب: (68)
تناولت هذه الدراسة طريقة تفكير الطالب فى قراءته النص الأدبى، ومدى فهم المعلم لهذه الطريقة.
وناقشت الدراسة سياقات لفحص الأشياء الناتجة عن فهم الطالب، والأدوات التى تربط بين ما تعلمه بالتدريب داخل الفصل.
وبينت نتائج هذه الدراسة وجود حاجة ملحة إلى إعادة بناء محتويات الموضوعات الأدبية، لتراعى تفكير الطالب فى قراءته هذه الموضوعات.
كما بينت نتائج هذه الدراسة وجود علاقة ارتباط موجبة بين فهم المعلم لطريقة تفكير الطالب فى النص الأدبى، وتعلم الطالب قراءة النص الأدبى.
2-بعض الدراسات والبحوث المعاصرة الخاصة باستخدام الأدب فى تعليم التعبير:
أ-التعبير التحريرى والأدب: الآن نحن نتحدث إلى شخص آخر: (97)
تناولت هذه الدراسة التعبير التحريرى لدى الآخر العصرى الذى كاد أن يهجر التراث المحلى، ومما اتسم به تعبيره التحريرى أن لغته أكاديمية تختلف عن لغة التراث المحلى.
وتوصلت الدراسة إلى أن استراتيجية تعليم التعبير التحريرى من خلال الأدب تخلو من وجود مساحة مشتركة لمعالجة المفردات والتراكيب اللغوية بما يسمح بالحوار والتفاهم مع التراث المحلى.
ب-الكتابة فى مناهج الدراسات العليا: النقد الأدبى كمادة للتعبير: (93)
حاولت هذه الدراسة الكشف عن نقطة الاتصال بين النظرية والممارسة فى منهج بعض الخريجين الذى اتبعوه فى تعبيراتهم التحريرية فى إعدادهم بعض المباحث أو الفصول الأدبية.
وتوصلت هذه الدراسة إلى أن منهج هؤلاء الخريجين الذى اتبعوه فى كتاباتهم بعض المباحث أو الفصول الأدبية قد شابه سلبيات منها: التقليد، وعدم ثراء
المصدر : الانترنت
يَقُول حكِيم يُونَانيّ:
كُنتُ أبكِي لأنّني أمشِي بِدون حِذاء
ولكِنّنِي تَوقّفت عَن البُكَاء!
عِندَمَا رأيتُ رَجُلاً بِلا قدَمين / [الرياح لا تحرك الجبال ولكنها تلعب بالرمال وتشكلها كما تشاء ]
|
|