فكرة ممتازة وأنا سوف أبدأ بهذه الخاطرة ..
كنت في مقهى تعود أجلس فيه بعد صلاة المغرب نجتمع أنا والأصدقاء وأحيانا أحضر معي جريدة او مجلة العربي اتصفها ، وفي هذا المساء كنت أحس بالملل والبرد ولم يحضر الأصدقاء وطلبت كوب من الشاي لعله يحد من جيوش البرد التي تجتاح نفسي وفي حالة من السرحان والذهاب بالأفكار إلى عالم آخر يتخطى الحدود التي يقيدنا بها العقل والمنطق فكانت كلمات خاطرة ( أفكار تائهة ) إحدى كتاباتي القديمة ..
أفكار تائهة ..
في ذات مساء .. في ذلك المقهى العتيق ، الذي تراكمت عليه السنين .. فأمسى في رتابة وآلية باردة .. تتحرك فيه أشباح غريبة بوجهها الكئيب تلبي الطلبات !
على طاولتي التي نحت فيها حروف ورموز غريبة .. طلاسم وكتابات خالية من المعاني متغضنة بتلك النقوش المتربة التي مرت عليها عشرات الأيام وقاست الشمس عشرات المرات ، وفي ذلك الكرسي الذي هجروه الناس جلست أمام كوب الشاي المعهود وكوب الماء المتكرر مئات المرات ..
وعبر البخار المتصاعد من كوب الشاي بدأت أفكاري تتصاعد وتذهب بعيدا مع ذكريات تبعدها الأيام والأحداث عني ..
" ليتها تعلم ما حل بي في بعدها "
فكرة .. تساؤل يتردد في خاطري ويتردد ويتردد ..
وفجأة ..
نطق قلبي :
أيها الطير .. لم تصغ للأحزان الباكية في أعماق القلوب ؟!!
لم تر الدموع دراري تتساقط في تسلسل عجيب ؟!!
لم صمتك في هذا المساء البهيج عبر أضواء البهاء ؟!!
هل غلفك الظلام بالسواد ؟
أم كبلتك الأفانين بالأصفاد ؟
أم أمسيت الطائر الأصم في ذلك الليل الذي اختفى بضباب المساء ؟
لم اللوعة سكنت روحك وتكالبت عليك أرزاء الحياة ؟!
ولم الصبابة خمدت في قلبك الخلاب الفياض بالصداح ؟!!
يا طائري الحزين ..
يا طائري الحزين ..
أجبني ..
فبكى ..
فبكى وتعالى النحيب بصوت كئيب بآهة تحرق الصدر ..
ليت شعري أي طير أنا ..
في حشاشة قلبي طفل عابث محب الحياة !!
وأمل يناجي القمر وأكواب زهر الزنبق .. أحب الجمال !!
وفي ضفاف الشفق أرى روح الحبيب تعانقني بوله الهيمان !!
ليت شعري أي طير أنا ..
في غابات النخيل أراقص الحياة برقة الشباب ..
واستنشق عطرا منتشرا بحلاوة التلحين ..
واشتهي الجمال في طرفك الساهي وابتسامة الثغر الجميل !
حينما تغني روح الحبيب بصوتها الحالم الناعم الشجي الحنون ..
نغماً عميقا عذبا في رقة وحنان ..
يرقص له الشجر !!
ويرتمي الزهر قبلا على لحنها العميق الرصين ..
ليت شعري أي طير أنا ..
عندما رأيتك ترنو بفكرك افتقدت الحبيب وصمت ..
وماتت الحياة في قلبي حينما أصغيت لصوتك المحزون !
وحرقت الآهة قلبي بذلك المشهد الحزين ..
في ذلك الضباب الموّرد المتلاشي كخيالات حالم مفتون يأكله الظلام .. !
وأرى العبير يرفرف في الأفق ويفنى مثل المنى في السكون !!
فأفقت ..
فأفقت بسؤالك كالحالم المسحور ..
أي ليل مسحور !!
أي عينان !!
أي عينان طالعتني في الضوء المتعب ..
الضوء الصامد أمام ظلام الليل !!
عينان ..
عينان ..
عينان ..
عينان تائهتان حائرتان زائغة بتصاعد الأفكار ..
فجأة !!
يدمدم ..
يتردد صوت خاشع بصوت الحق ..
مكبرا ..
موحدا ..
موحدا لخالق الكون مناديا للصلاة ..
فأعود لرشدي فإذا كوب الشاي كساه السكون والبرد !
وإذا قلبي يهتف ..
يهتف ..
قم للصلاة !
قم للصلاة !
ننتظر بوح آخر
تحياتي لكم ..
 |
|