عدنا مجددا لمتابعة النقاش في هذا الموضوع الهام والذي يخص كما أشار إلى ذلك أخي الفارس البلوشي مدى تأثير القنوات الهدامةعلى أبنائنا ومجتمعاتنا بصفة عامة، واشكرك أخي COMANDER مجددا لتطرقك إلى محور آخر يتناول القنوات الفضائية ويتجاوز مجرد الرسائل النصية –كما قالت أختي أورنت-، إلى مدى تأثير برامج القنوات الفضائية على مجتمعاتنا.
من هذا المنظور، يجب أن نعلم أن لكل قناة فضائية هدف ورسالة معينة تقوم بتحقيقها وفق "خطها الافتتاحي" (توجهها) وهذا الأمر لا يتأتى إلاّ عن طريق تطبيق "إستراتيجية" مدروسة بدقة متناهية، تضع أهدافها ومصالحها نصب الأعين، آخذين بعين الاعتبار طبيعة وتركيبة المجتمع (التحليل الاجتماعي) وآخذين أيضا ما يسمى ب "دراسة السوق"، فحينما نريد أن ننشئ وسيلة إعلامية، علينا أولا وقبل كل شيء دراسة تركيبة المجتمع الذي ستتوجه إليه وماهي نوعية المنتوج الإعلامي (البرامج) الذي يلقى إقبالا وما هي الشريحة الاجتماعية المقصودة بذلك، ولهذا نلاحظ في الصحافة المكتوبة وقبل إصدار جريدة جديدة نبدأ بالعدد "الصفر". هذا الأخير، يحتوي بالأساس على استمارات استطلاعية (استبيانية) لمعرفة نسبة نوعية المواضيع التي يرغب فيها المتلقي وكذا نسبة المقروئية. الأمر نفسه ينطبق على الإعلام المرئي حيث تبدأ القناة الجديدة بـ "البث التجريبي" والذي من خلاله يتم الترويج الإعلاني لهذه القناة كما تهيئ المتلقي نفسيا لاستهلاك برامجها.
إذن تعبر برامج القنوات الفضائية إستراتيجية منتهجة ومقصودة وكما يقال في الإعلام لا يوجد هناك ما يسمى بـ "العمل بالنيات" فكل شيء مهما كان صغيرا مقصودا.
و إذا تتبعنا أخي القائد برامج هذه القنوات وقمنا بإجراء تحليل بسيط في محتواها نستخلص نتيجة مذهلة وهي أن برنامج العائلة العربية اليومي أصبح يرتبط بطريقة غير مباشرة وغير علنية ببرامج هذه القنوات وسأوضحه فيما يلي:
أصبح جهاز التلفزيون أحد أفراد العائلة تقوم أمهاتنا وأخواتنا بالاعتناء به وتزيينه بمختلف المنسوجات اليدوية (Les broderies) وبعض الفخاريات، ولا يمكن أبدا الاستغناء عنه، وتصور لو أن هذا الجهاز تعطل فستتجند كل العائلة لمطالبة رب الأسرة بإصلاحه فورا أو إيجاد البديل.
في الصباح الباكر بعض ربات البيوت يشغلن جهاز التلفاز عفويا (عملية آلية تلقائية) لأنه يضفي على البيت عنصر "الإمتاع والمؤانسة" وقد يبقى الجهاز مفتوحا طول النهار، حتى ولو كان لا أحد يشاهده.
أمهاتنا في المطبخ أو إعداد البيت أو غيرهه من الأمور المنزلية، وحينما يحين موعد ركن الطبخ، يتركن كل شيئ ويقبعن أمام الجهاز حاملات أقلامهن كي يدوّن مقادير وطريقة إعداد المأكولات المقترحة.
وكي يتخلصن من أطفالهن الصغار دون سن الدراسة يخترن برامج الرسوم المتحركة وكلنا يعرف مدى تأثيرها على سلوكيات الطفل.
بعد إعداد وجبة الغداء، المسلسل العربي أو المدبلج لا غنى عنه. كل شيء يتوقف لأجل عيون المسلسل.
إعداد وجبة العشاء تتم مباشرة بعد هذا المسلسل كي يكون كل شيء جاهزا وتتفرغن للمسلسل العربي الآخر (المسائي) لدرجة أن تتساءل بعض ربات البيوت: هل نتناول العشاء قبل أو بعد المسلسل ؟ وهناك دراسات عديدة أجريت على جمهور المسلسلات وبينت مثلا أن نسبة استهلاك المياه في مطابخ العائلات العربية تنخفض إلى 70 بالمائة في أوقات معينة وهي أوقات تتبع النساء للمسلسلات.
تأتي بعد ذلك نشرة الأخبار الرئيسية ونعرف مدى تعلق آبائنا بها، هذه النشرة تتزامن عادة مع وجبة العشاء فنلاحظ أن الأب (ملعقة في الصحن وأخرى خارجه) وبعد دقائق نراه يطالب الأم بوجبة جديدة لأنه لم يتذكر أنه استمتع بوجبته ؟؟؟
وتصوروا أن أصدقاء تجمعهم "اللمة" خارج البيت وفي وقت معين يتفرقون فجأة وكأن لا صحبة بينهم لا لشيء سوى لأن مقابلة في كرة الكرم في إطار رابطة الأبطال أو غيرها تنطلق في ذلك الحين.
من خلال هذا السرد المتسلسل، نستنج أنه فعلا أصبح برنامج العائلة العربية أصبح بطريقة غير مباشرة مرتبط ببرامج القنوات الفضائية.
بالإضافة إلى أن هذه القنوات خلقت فجوات في الروابط العائلة ولم شمل الأسرة فكل فرد من العائلة له قناته الخاصة و كما يقال "كل طير يلغى بلغاه" (كل طائر يغرد على هواه).
هذا التأثير في الجانب الاجتماعي، فما بالنا بالتأثير في الجانب الاقتصادي والجانب الأخلاقي والذي تم التطرق إليه في الموضوع المقترح للنقاش.