نواصل النقاش وأشكر إخواني المتفاعلين مع الموضوع لإثارتهم لنقاط أخرى مهمة لم تأخذ حقها من التحليل.
عندما نسأل أصحاب ومنتجي تلك البرامج الساقطة في القنوات الفضائية: " لماذا تركزون على إنتاج تلك البرامج رغم أنكم تنتمون إلى مجتمعات إسلامية محافظة " ؟
يرّدون بعبارة:
"يا حبيبي، دا الجمهور عايز كده".
ومنتجاتنا تخضع لقانون العرض والطلب، فلا يمكن أن نسوّق منتوجا لا يريده الجمهور.. وما دام هناك طلب على برامجنا فنحن لن نبخل على أحد ؟؟؟.
إذن، هل المشكل في هذه القنوات أم المشكل في الجمهور ؟
أما بخصوص القنوات المنتجة لكل أنواع اللهو والمجون رغم هويتها العربية، فعلينا أن نعلم أن تلك البرامج مستوحاة من الضفة الأخرى فلا يمكن القول أنها فكرة محلية خالصة (بالتأكيد لسنا مبدعين حتى في هذا الأمر وكل شيء نعمله تقريبا بـ"الإيعاز").
كما أشرنا سابقا أن الإعلام المرئي هو إستراتيجية، تسعى إلى تحقيق أهداف ذات أبعاد دينية وثقافية تدخل في إطار ما يسمى بـ"صراع الحضارات"، وهو في الحقيقة ليس "صراع حضارات" ولكن في جوهرة هو "صراع أديان"، وطبعا أصحاب هذا المفهوم يجتنبون ذكر مصطلح "أديان" لأنه يمتاز بنوع من "الحساسية".
لنأخذ مثلا الإستراتيجية المطبقة من قبل الفرانكفونيين (الفرنسيين) على مستعمراتهم السابقة (بلاد المغرب) في إعلامهم المرئي والذي يدرج في حسبانه شباب المنطقة من أجل تعزيز قيمهم ومكانة لغتهم في هذه الدول، فكثيرا ما نشاهد في أوقات تعرف بـ"أوقات المشاهدة المكثفة" برامج توّجه خصيصا لهؤلاء الشباب، محتوى هذه البرامج يجعل كل من يشاهده يجري عملية مقارنة حتمية، بين المعيشة المرفهة للشباب هناك والواقع الحياتي المر لشباب بلاد المغرب، فيؤدي ذلك إلى نتائج تكون بمثابة تحصيل حاصل: يؤدي إما إلى التقوقع والانغلاق على الذات وإما إلى الانفجار والتمرد والسخط على الأوضاع ومحاولة الهروب إلى أرض الأحلام وتتجسد في ظاهرة الهجرة غير الشرعية، فكم من ألوف لقوا حتفهم في أعماق البحار وكانوا طعاما لأسماكه،
حتى الذين تم التغرير بهم وحالفهم الحظ في الوصول إلى الجنة الموعودة لم يجدوا "الشكولاطة"، بل تمنوا أن يعيشوا ببؤسهم في أوطانهم وبكرامة على أن يعشوا مشردين مذلولين ملاحقين في كل مكان.
من جهة أخرى قد يؤدي محتوى برامج الفنوات الغربية بالشباب العربي إلى الانحراف بطريقتين، هربا من مواجهة الواقع والمقارنة التي أشرنا إليها سابقا.
يتجسد هذا الانحراف في، الهروب من الواقع عن طريق الإدمان (الكحول، المخدرات) ويتجسد أيضا في تقمص الرداء الديني واتخاذه كقوقعة للاحتماء بها من مرارة الواقع وقد يصل عدم الوعي الديني وفق أصوله الحقيقية المعتمدة على الوسطية والاعتدال إلى درجة الغلو والتطرف الديني ، هذا الأمر هو نوع آخر من الانحراف الذي تسببت فيه برامج القنوات الآتية من الضفة الأخرى.
بالفعل فقد أزهدت القنوات الفضائية الرجال في زوجاتهم والنساء في أزواجهن، وإذا كان هذا الأمر نتوقعه من قنوات الغناء والإثارة (الفيديو كليب)، فإن الغريب في الأمر أن بعض القنوات التي تضفي على برامجها الطابع الإسلامي، لا تختلف كثيرا عن غيرها، فكيف نفسّر منشطات (مذيعات) يرتدين من اللباس ما يكون أكثر إثارة من اللباس الفاضح ؟ بالإضافة إلى إثارتها لمواضيع تتعلق بالتعارف والحب وإعلانان الزواج وغيرها والاستماع إلى آهات "البنت التي أخطأت في حين غفلة ثم تابت وهي تبحث عن رجل شهم يسترها ؟؟؟"
آثار القنوات الفضائية على مجتمعاتنا العربية الإسلامية جد وخيمة وقد أحدثت شروخا عميقة في الجدران المتماسكة لبنيته، إن لم نتدارك الأمر فلن نستطيع المحافظة حتى على ما بقي لنا من قيم.
وللأسف الشديد فإن عملية التكامل العربي في مجال الإعلام بصفة عامة والمرئي بصفة خاصة، تم تجسيده فقط في مجال ما يسمونه بـ"التواصل والتبادل الثقافي" وكأن العالم العربي جزء منه أتى من المريخ والجزء الآخر جاء من زحل ؟؟؟، ويتجسد هذا التكامل في "الشطيح والرديح" (الرقص والغناء)، فاختزلت ثقافتنا العربية الإسلامية في مجال الغناء والطرب و(هز البطن على واحدة ونص و"رقصني يا جدع" ؟؟؟).