هكذا انتحرت زهرة مرتين..
هذه حكاية من الحكايات الواقعية التي تتشابه فيها الأحداث رغم اختلاف المكان والزمان، حكاية فتاة في عمر الزهور أراد لها القدر أن تعيش رغم إقدامها على وضع حد لحياتها مرتين، استسمحت زميلا لي في الدراسة والمهنة قام بمحاورتها، استسمحته أن ألخص حكايتها وأضعها بين أيديكم للفائدة العامة..
إنها فتاة حاولتْ مرتين على التوالي أن تضع حدا لحياتها، لكن القدر أراد لها أن تنجو، لتروي لغيرها دوافع إقدامها على ذلك.
شريفة، 25 ربيعا، تقيم بمدينة الورود، رشيقة القوام وجميلة المظهر، لكنها ساذجة، توقفت عن الدراسة وهي في الصف التاسع، والداها منفصلان منذ أمد، تعيش بينهما في رحلة ذهاب وإياب، لكنها شديدة التعلق بوالدها العجوز، فهو الوحيد الذي يمنحها حنان الأب والأم المفقودة، حبّها الشديد له جعلها تبادر بتزويجه...
أخذت المسكينة تسرد الواقعة وهي تحملق بعيون نسر أبصر طريدة تفر منه ثم تنفست وأفصحت بنبرة قوية: إنه هو ! هو السبب ثم تصمت مطأطئة رأسها.
هل كان شقيقك هو الذي دفعك إلى ذلك ؟
لا، وإن كان أخي شريكا في آلامي، إنما هو خطيبي الذي خدعني واستغل طيبتي وطيبة والدي وأقنعني بأنّي عروسه، لكنه غدر بي وهجرني بعد أن أخذ مني ما كان يخطط له !
أتقصدين بكلامك أنه نال من شرفك ؟
ترفع عينيها وتعض على شفتيها ثم تنفجر قائلة، ما كان ليجرؤ أن يلمسني، صحيح أنني كنت ساذجة وأغرمت به، لكن هذا لا يعني أن والدي كان يسمح لي بملاقاته دون رقابة منه...
إذن تقصدين بغدره إياك ؟
ببساطة كنت أمنحه مالا أجلبه من والدي الذي كان مهاجرا في فرنسا من قبل، بالإضافة إلى أنني كنت أشتغل في خياطة ملابس تقليدية وأمنحها إياه ليبيعها.
كان يوهمني بأنه يدس أثمانها من أجل فرحنا سوية ! فكنت أصدقه، خاصة وأن والدي كان يشهد على ذلك. وبعد حوالي سنة وحينما جمع المبلغ الذي كان يخطط له ظهر على حقيقته وطلب مني عدم لقائه ولا حتى مكالمته، وعلمت حينها أنه فتح متجرا لبيع الحلويات...
حاولت جاهدة رفقة والدي أن أستوضح منه السبب، لكنه كان يتهرب مني إلى أن طلب من والدي عدم رؤيتي... كما أنني عشت ظروفا عائلية قاسية مع والدتي وأخي وأختي... ربما لم أكن أشعر بحنان أفراد عائلتي فبحثت عنه في ذلك الشاب المخادع فرصة في الهروب من جحيم عاطفي.
هذه الأزمة جعلتني ودون تفكير أحمل نفسي وأتوجه إلى سطح البيت لأطير في الهواء وأنا شاردة الذهن... لا أذكر سوى كلام والدي وهو يناديني لعلي أفيق ! أخذوني إلى المستشفى حيث أصبت بكسر في ذراعي وجروح في أنحاء متفرقة من جسمي.
وأعدت المحاولة من جديد، وكانت أكثر شدة وأكثر ألما فقد طلبت من والدي الذي يئس مني على ما يبدو أن يرافقني عند خطيبي المزعوم، وكان لي ذلك، وحينما وصلت عنده صرخ في وجهي أمام الجميع وطلب مني أن أغرب عن وجهه... وجدت نفسي في دوامة من المشاعر، فررت عند تلك اللحظات وقصدت منحدرا صخريا يهوي إلى عشرين مترا نحو الأسفل، كنا نلعب عنده ونحن أطفال صغار ورميت بنفسي... لكن يبدو أن القدر تدخل مرة أخرى وأنقذني، حيث سقطت فوق سطح صخري غير عميق فاقدة الوعي، لأجد نفسي بمصلحة طب كسور العظام بمستشفى المدينة وعنقي مصاب.
والآن، الحمد لله، والدي إلى جانبي يحاول جاهدا إقناعي بأن الأمر قضاء وقدر وقد يكون خيرا لي، كما أن والدتي غيّرت من طبعها وأصبحت تضمني إلى صدرها، بل الجميع أصبح يحّن عليّ، ربما هذا سينسيني ما حدث وإن كان ذلك صعبا..
صبـــر.. و إيمـــان.. إرادة.. و أمـــــــل.. |
|