بالفعل يا نهر الخوف، إن جميع المجتمعات لا تخلو من المشاكل والنقائص على كل المستويات بدءا من اللبنة الأولى وهي الفرد، الأسرة وبقية المؤسسات الاجتماعية الأخرى كالمدرسة والمحيط بصفة عامة..
هذه السلبيات قد تؤدي إلى ما يسمى بالفساد الاجتماعي، وبداية التصحيح أو حتى التغيير نحو الاتجاه السوي هي ضرورة إجراء عملية تشريح دقيقة للمجتمع من أجل معرفة مواطن الخلل وحصر السلبيات ومن ثم اختيار الوصفات العلاجية المناسبة حسب كل حالة !
إذن من المسئول وبالأحرى من المؤهل لكشف وتقويم هذه السلبيات ؟ هل هو الفرد ؟ أم هو المجتمع بتنظيماته الرسمية و غير الرسمية ؟ أم هي مؤسسات الدولة ؟
إذا جئنا للفرد، وكما نعلم جميعا أنه اللبنة الأولى في تكوين المجتمع وهو بمثابة " le maillon faible " و " la boucle fragile " ( الحلقة الهشة ) في سلسلة الهرم الاجتماعي باعتباره المؤثر وفي الوقت نفسه هو المتلقي الأساسي لعواقب هذا التأثير سواء كان بالسلب أو الإيجاب.
يشّبه البعض الفرد، بحبة الطماطم إذا كانت فاسدة فستنقل " العفن" إلى بقية الصندوق !
فعلى الفرد أن يخضع نفسه لعملية " رقابة ذاتية " مستمرة يكون المتحكم فيها هو الضمير الأخلاقي، المهني والإنساني.. وأن يحاسب نفسه قبل أن يحاسب ويحاول قدر المستطاع تقويم سلوكه، فهناك مثل بريطاني يقول أنه عوض أن نقوم بحملة تطوعية لتنظيف الشارع الذي نقطن فيه، هناك من يأتي وهناك من يتحجج وآخر يتلكأ ، فليكتفي كل فرد بالتنظيف أمام بيته لصار الشارع نظيفا !
وأحيانا نجد أن الفرد لا يستطيع التغيير بمفرده لأنه كما يقال " يد واحدة ما تصفق ! ".
ولذلك ينتقل الأمر إلى سلطة أكبر منه وهي سلطة المجتمع..
في هذه السلطة، تكون المسئولية جماعية، يشترك وتعني جميع الأفراد، من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسلطة التصحيح هنا أكثر واقعية وأكثر تأثيرا لأنها سلطة نابعة من العرف المتفق عليه ولا يمكن لأحد أن ينكره وقد يكون مفعولة أقوى من مفعول القانون الرسمي !
لكن ينبغي الإشارة إلى أن عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها ضوابط، كأن تكون في حدود السلطة الشخصية(الأب في أسرته، المعلم في صفه،...) وأن لا تؤدي عملية التصحيح والتغيير والإصلاح إلى الفتنة !
بإمكان المجتمع أن يبارك ويحث على أعمال الخير والسلوك السوي وينبذ ويشجب الأمور المنافية للقيم والأخلاق، كما باستطاعته التشجيع على الفساد من خلال الصمت والسكوت وتطبيق مقولة " قال له النار في دوّاركم (قريتكم)، فرد عليه، تخطي دارنا ! فقال له، النار في داركم، فأجابه، تخطي راسي !)..
إذن عملية التصحيح والتقويم مشتركة ومتداخلة تخص الفرد وتخص المجتمع وتخص كليهما معا.
لكن ماذا لو غيرنا محور النقاش إلى محور آخر يخص من هو المؤهل لقيادة عملية الإصلاح ؟
فمن الغريب ومن المؤسف أن نجد أحيانا أن الذين يفترض منهم أن يكونوا " عرّابي" الإصلاح هم أول المفسدين !!! ويعطون انطباعا سلبيا عن سلوكياتهم !
وإلاّ كيف نفسّر أنه في حي من الأحياء الراقية جدا، يقطن فيه نخبة المجتمع من أطباء وأساتذة جامعيين ومهندسين وسياسيين، إلاّ انه في كل صباح يرمي بعضهم على بعض " القمامة " !
فأي تفسير لهذه الظاهرة ؟
هل الأمر يرجع إلى التربية ؟ أم إلى الذهنية ؟ أم إلى الثقافة ؟ ما دامت الشهادات العليا والمستوى العلمي لم يمنع هذه النخبة من القيام بهذا السلوك غير الحضاري ؟
صبـــر.. و إيمـــان.. إرادة.. و أمـــــــل.. |
|