23-07-2008
|
#11
|
ضَوْء مَجْنُوْن
|
|
من مواضيعي |
|
|
النهضة العمانية والتوازن بين التغير والثابت« 2ــ 2»
النهضة العمانية والتوازن بين التغير والثابت« 2ــ 2»
عبد الله بن علي العليان
«النجاح الباهر الذي حققته الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها، كان العامل الأول في هذه المكانة العالمية والانتشار العظيم لمنهجها العلمي والقيمي هو توازنها الدقيق بين معايير القيم ونوازع الابتكار والتفوق، وبين ما يتم أخذه من الآخر وما يتم تركه وإهماله، وقد عمدت إلى الوسطية والاعتدال والتوازن ».
لاشك أن الحضارة المعاصرة وصلت إلى مستوى رفيع من التقدم المادي والتقني، لكنها تعاني الكثير من الرواسب نتيجة عدم التوازن بين القيم والمادة، ولم تتفاعل مع القيم الروحية مما أدى إلى ضياع الإنسان في ترس هذه الآلة الصماء مما أفقده الجوانب الروحية الدافعة إلى التوازن والتماسك، والسر في مأساة الحضارة المعاصرة ـ كما يقول د/ صبحي الصالح ــ هي في دورانها في الفراغ « بعد أن كان صانعها الإنسان يسد فيها كل فجوة ويملأ منها كل فراغ. وإذا كان علماء الاجتماع و(الأنثروبولوجيا) ــ القائمة على علم الإنسان ـ يؤكدون أن الحضارة لا تنشأ في الفراغ، فإنهم يرفضون رفضاً حاسماً استمرار الحضارة في الفراغ. وفي ماضي البشرية كلها، في جميع الأجيال والأحقاب، قام التتابع الحضاري على نهاية حضارة وبداية أخرى، لتستمر الحياة، ويحلّ البناء محل الخراب .
إن ضياع قيمة الإنسان هو الذي أضاع قيمة الحضارة، بل هو الذي خنق أنفاسها وانتزع روحها وحياتها، بين جماد المتحرك وتحرّك الجماد، وبين انتصار الغريزة وانهزام العاطفة، وبين نفاق السياسة وعزلة الدين .
إن «التكنولوجيا» هي أكمل ثمرة للتسارع العلمي في حضارة هذا القرن . و لكن هذه «التكنولوجيا» بدلاً من أن تزيد حركة الإنسان، المتحرك بطبيعته، الذي يفقد الحياة إذا فقد الحراك، عكست الآية عكساً كاملاً، فحرّكت الجماد، وحرّكت الآلة وأحلّتها محل الإنسان ..»
وقد راعى الفكر النهضوي العماني الذي يقوده جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه - هذه الفجوة القائمة في الحضارة المعاصرة، وتلك القواطع الغائبة في عقلية النهوض الذي لم يوازن بين القيم والمادة، مع انطلاقة هذه الحضارة الإنسانية فكان يلازمها الاضطراب والتوجس والنظرة الحائرة للمستقبل، وغلّبت على الجانب النفعي المادي على مضامين القيم الروحية والتراث الذي يعتبر امتداد للحاضر، ونتيجة لذلك فقد التوازن المطلوب، والحضارة في أساسها « غائية وليست وسيلية . والإنتاج الفكري والعلمي والتقني والفني مظهر للحضارة، وليس هو الحضارة. وكل الإبداعات التي عرفتها الإنسانية من آنية الفخار حتى المركبة الفضائية التي حملت الإنسان إلى القمر، وكل النظريات، ابتداء من الدين حتى آخر نظرية فيزيائية أو قانونية، لم تبتكر لذاتها، ولكن للوصول بالإنسان ــــ كل الإنسان ـــ إلى الهداية، والاستقامة، وتحقيق المصلحة العامة، وإقرار السلام، والتخفيف من النوازع العدوانية، والقضاء على غريزة الظلم، وتنظيم الحياة في نفسها وبين الناس.. فإذا انحرف مفهوم الحضارة عن هذه القيم واتجه إلى استغلال الوسيلة للقضاء على الغاية، فأصبح القانون مثلاً يتخذ إجهاض العدل، والذرة لتدمير الإنسان وكل ما أنتج من حضارة، والقمر الاصطناعي للتجسس، والطائرة لنقل القنابل، والباخرة لحصار الدول والشعوب وتجويعها وقتل أطفالها بالمرض إن لم يموتوا بالجوع وشظايا القنابل... إذا حصل كل ذلك انتفت الحضارة، بل ماتت الحضارة، ولو تطورت وسائلها وأساليبها».
والنجاح الباهر الذي حققته الحضارة الإسلامية في أوج ازدهارها، كان العامل الأول في هذه المكانة العالمية والانتشار العظيم لمنهجها العلمي والقيمي هو توازنها الدقيق بين معايير القيم ونوازع الابتكار والتفوق، وبين ما يتم أخذه من الآخر وما يتم تركه وإهماله، وقد عمدت إلى الوسطية والاعتدال والتوازن، ولذلك عمد الإسلام إلى إقامة مفهوم كامل للحضارة بطريقة متوازنة قوامه الحركة المادية والمعنوية، وفي نفس الوقت الإحاطة بالقيم والأخلاق، واتسمت هذه الحضارة بالسماحة والإنسانية والعالمية، واستصفت كل ما كان في تراث الأمم والحضارات القديمة، فصهرت الجوانب الصالحة منه في بوتقتها، واحتفظت بخصوصيتها وتراثها الأصيل كسياج من المؤثرات غير الذاتية، وهذه كلها معطيات إيجابية شددت عليها النهضة العمانية الحديثة، واعتبرت أن التوازن والتدرج المحسوب سمة من سمات التقدم الإيجابي بعيداً عن حرق المراحل أو القفز على الواقع وثوابته . يقول جلالته مخاطباً أبناءه الطلبة الجامعيين « الذي أريد أن أقوله بحكم وجودكم واحتكاكم بالشعوب الأخرى.. ووجودكم في بيئة غير بيئتكم .. حاولوا أن تقتبسوا ما هو حسن.. وأن تتركوا ما هو غير حسن .. خذوا الثمين واتركوا الغث..في الوقت نفسه ..نحن هنا في بلدنا هذا .. علينا كذلك أن نترك الغث من عاداتنا وتقاليدنا .. ونتمسك بما هو طيب. وبما هو ثمين، ونأخذ من الآخرين .. ما هو طيب عندهم .. ونحتفظ بما هو طيب عندنا .. ولا نقلد تقليداً أعمى .. قاتل الله التقليد الأعمى .. التقليد الأعمى .. ليس من الصالح في شيء أبداً، أن نرى الآخرين ونقلدهم كما هم، بما فيهم من حسن أو سيء .. لا .. علينا أن نحافظ على أخلاقنا الطيبة .. وعاداتنا الطيبة، وكما يقول المثل أو يقول الشاعر : إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا .»(40)
والتقليد الأعمى الذي أشار إليه جلالته في حديثه إلى أبنائه الطلبة هو أحد المساوئ للكثير من المجتمعات في عالم اليوم، والتقليد الأعمى غير الاقتباس والانتقاء الإيجابي الصالح غير الركض وراء التقليعات والموضات للمسايرة والمظهرية، تحت دعاوي (العصرية) الخ، إما إذا كانت العصرنة تعني دفع المسلمين « إلى مواجهة الحياة العصرية، والالتقاء بالحضارة العالمية والفكر البشري ( أخذاً وعطاءً ورفضاً ) فإن ذلك أمرا لم يتوقف يوماً ما، فقد كان الفكر الإسلامي دوماً فكراً مفتوحاً قادراً على الأخذ والعطاء وكانت له من آفاقه المتطورة ما يمكنه من الالتقاء بمختلف المفاهيم الحديثة البناءة في مختلف المجالات .
ولم يكن الإسلام بقيمه الثابتة عاجزاً يوماً عن الحركة والتقدم والعطاء بل إن هذه القيم الأساسية من عقيدة وشريعة وأخلاق كانت هي أقوى الحوافز لإعطاء البشرية قيمة إنسانية أعلى من مفهومها المادي الخاص ». وجلالته بفكره « الثاقب وبصيرته النيّرة أدرك منذ البداية أن أية « عصرنة « لن تتم وفق ما هو منشود ما لم تتأسس على مبدأ الاعتزاز بالميراث الفكري الحضاري للأجداد، وما لم يسر العمل في «العصرنة» جنباً إلى جنب مع المحافظة على التراث وإبرازه إلى حيز الوجود كمعين متدفق يغذي الحاضر ويقدم له الرؤى ويزوده بالخبرة الكافية . لقد كانت بلادنا عمان في ما مضى وما زالت تعتز بتقاليدها وتاريخها، ومع أن المجتمع العماني يعيش اليوم متغيرات عصره، إلا أنه لم يفرط في هويته وتراثه، بل استطاع أن يجمع بين الطيب من تقاليده والطيب من واقع حاضره والحمد لله « مضيفاً جلالته في فقرة أخرى « بل أننا نؤكد أن ديننا في جوهره يدعو إلى ذلك دون المساس بالأساسيات العقيدية، وهو يدعو إلى مواكبة مستجدات كل عصر من الاجتهاد كلما توفرت شروطه » .
هذه النظرة المعطاءة المتوازنة التي راعتها النهضة في انطلاقتها إلى الإنجاز الكبير بين الحاضر وتحدياته الحضارية والماضي الزاهر بتراثه وقيم المجتمع وعاداته وتقاليده العريقة، كلها كانت السند الأقوى في هذا العطاء والإنجاز الذي عم أرجاء عمان، وكان بحق انجازاً باهراً شهد له كل المتابعين لسير النهضة العمانية والتوازن المحسوب ـ كما قلنا ـ والذي رافق تنميتها كما قال جلالته: «وإذ نحمد الله على كل ما أنعم به علينا فيما أنجزناه من مراحل أساسية للنهضة الشاملة فإننا نعتزم تطوير وتحديث استراتيجية الدولة في كل أوجه التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفي كافة المجالات التي تهم المجتمع وتخدم الصالح العام لبلادنا وشعبنا، وذلك وفقاً لرؤية شاملة ومتكاملة نسعى من خلالها لتحديد معالم الطريق إلى المستقبل، ومواصلة التقدم بخطوات مدروسة، وقد أعطينا توجيهاتنا للحكومة للبدء في دراسة هذه الاستراتيجية ووضع اطارها العام لتكون الأساس المعتمد لبرامج وخطط بعيدة المدى تهدف إلى تطوير مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي للبلاد بما يحقق طموحات هذا الجيل ويأخذ بعين الاعتبار مستقبل الأجيال القادمة ..»
فالذي تحقق من منجزات كان شاهداً على التوجه السليم للسياسات التنموية في البلاد بفضل التوجه نحو التقدم الحضاري والسير لبناء دولة عصرية « تحظى باحترام الدول المجاورة .وتلعب عمان اليوم دوراً حيوياً في الشؤون الإقليمية والدولية أكبر مما توحي به مساحتها، ويمتزج عمرانها العصري بجمالها الجبلي الطبيعي ويكمله، كما استعاد المواطنون كرامتهم ودماثتهم وأريحيتهم التي جبلوا عليها من خلال انتقالهم إلى بيئة العالم المتحضر والجمع بين نكهة الشرق والغرب، وقد تم بنجاح توفير الدوافع لمشاركة المواطنين من كل الأعمار في كل جوانب الحياة في البلاد . واليوم إن الازدهار الذي يعيشونه وفرص الصحة والتعليم وأسباب العيش المتاحة لهم قد تجاوزت ـــ كما هو الحال في الدول الأخرى ـــ حدود ما توقعه آباؤهم الأولون، فقد تم إنشاء بنية أساسية ممتازة وبناء قاعدة عامة للمؤسسات . وإذا كانت مسيرة النهضة قد أعادت لعمان وجهها المشرق وتاريخها الحضاري ودورها الرائد في محيطها الإقليمي والعربي والدولي، فإن هذا الإنجاز ما كان أن يتحقق لولا السياسة الحكيمة والمستنيرة التي يقودها جلالة السلطان قابوس المفدى والالتفاف الشعبي حول قيادته لبناء عمان حرة كريمة أبيّة تتفاعل مع العصر وتتجاوب معه، وفي الوقت نفسه تحفظ قيمها وتراثها وتستخلص منه العبر والتجارب النيرة.
جريدة عمان 23 / 7 / 2008 م
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|
|
|