* كيف يكون الإنسان مجاهداً في سبيل الله بدون قتال ؟
الجهاد ليس كله جهاد قتال ، فالجهاد أنواع ، فأول جهاد يجاهده الإنسان أن يجاهد نفسه، فنفس الإنسان تجاذبه إلى شهواتها ورغباتها، وهذه الشهوات تدفع به إلى الانزلاق والبعد، فهو عليه أن يضبط هذه الشهوات.
والشهوات متنوعة، فالعين تشتهي أن تنظر، وأن تمتد إلى محارم الله ، فعليه أن يغض من بصره، وهذا مما يعد جهاداً في سبيل الله تعالى لأنه يكافح الشيطان ويقاومه.
كذلك الأذن تحب أن تتنصت وتستمع إلى حديث الناس ولو كان سراً من الأسرار وهذا لا يجوز، والإنسان مأمور أن يكف سمعه عن مثل ذلك، كذلك عليه أن يكف سمعه عن سماع الغيبة، وعن سماع النميمة، وعن سماع كل ما هو قبيح غير جائز شرعاً .
كذلك بالنسبة إلى شهوة الفرج فإن الإنسان يشتهي كثيراً ولكن مع ذلك عليه أن يمنع هذه الشهوة إلا عندما تكون في الحلال الطيب الذي أباحه الله تعالى .
كذلك بالنسبة إلى اللسان ، اللسان يشتهي الحديث والحديث كثير ما تكون فيه مزالق عظيمة ، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبينها تهوي به في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب) ، وجاء في حديث آخر عنه عليه أفضل الصلاة والسلام (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه) ، معنى ذلك أن الإنسان مطالب أن يمتنع عن كثرة القول، وأن يضبط كلامه، عليه أن يمتنع من الغيبة، وعليه أن يمتنع من النميمة، وعليه أن يمتنع من الكلام الذي فيه تحقير للناس، وعليه أن يمتنع أيضاً من الكذب بجميع أنواعه حتى من نقل الأخبار من غير تأكد منها، فإن نقل الأخبار من غير تأكد منها يعتبر من ضروب الكذب، فقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم كما في صحيح مسلم من طريق أبي هريرة ( كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع) ، ولهذا أشار النبي صلى الله عليه وسلّم إلى ضبط اللسان وأنه هو ملاك الأمر فقد قال عليه أفضل الصلاة والسلام في نصيحته لمعاذ رضي الله تعالى عنه (ألا أدلك على ملاك ذلك أن تحفظ هذا وأشار إلى لسانه . فقال له : أإنا مؤاخذون بما نقول يا رسول الله ؟ قال له: ثكلتك أمك ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال في النار على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم ) ، كون الإنسان أن يمنع لسانه عن التحدث بما يشتهيه من الحديث الذي هو خارج عن سنن الحق يعد جهاداً في سبيل الله .
كذلك إذا جئنا إلى شهوة البطن أيضاً ، فإن الإنسان عليه أن يتحرى الحلال الطيب فيما يأكل وما يشرب، في كل ما يطعم عليه أن يتحرى الحلال الطيب، وأن يمتنع من الحرام .
كذلك بالنسبة إلى شهوة المال، فإن شهوة المال شهوة جامحة في النفس كما قال الله تعالى ( وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً) (الفجر:20) ، وكما قال أيضاً ( وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) (العاديات:8) ، يصف الإنسان بذلك ، فالإنسان بطبيعته يحب المال حباً جما ، وهذا الحب عندما يتمكن في النفس يُعمي البصيرة ويجعل الإنسان بعيداً عن رشده مستأسراً لهذه الشهوة تتسلط عليه في عقله وفكره ووجدانه وتصرفاته وأعماله ، ولذلك أمر الإنسان أن يقاوم هذه الشهوة ومن مقاومتها أن ينفق المال فيما أمر الله تعالى بالإنفاق فيه ، ومن ذلك أن ينفق الزكاة الواجبة عليه ، وأن يتصدق على الفقراء والمساكين ليتعود السخاء وليتعود رقة القلب ورقة المشاعر في مواجهة الآخرين ، عليه أن يحرص على ذلك ، كما عليه أيضاً أن يتحرى الكسب الحلال في كل ما يكتسبه من المال وهكذا .
فهذا كله مما يدخل في جاهد النفس .
كذلك أيضاً بالنسبة إلى المجتمع ، فهناك جهاد في المجتمع ، قيام الإنسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله وتبصير الناس بدين الله هذا مما يدخل في الجهاد .
تعلم العلم وتعليمه للغير مما يدخل في أيضاً في الجهاد ، كل ما يعود على المجتمع بالمصالح إنما يدخل في الجهاد .
* قد يكون هناك غموض عند البعض في تحديد مفهوم المنكر خاصة في المسائل الظنية أو في المسائل التي يكون فيها خلاف بين العلماء ، فبعض العلماء يعدها منكراً والبعض يعدها أمراً مباحاً كاستخدام آلات اللهو أو الفنون في بعض الأحيان أو تغطية المرأة وجهها أو حتى قيادتها للسيارة ، فهناك من يقوم بإنكار هذا المنكر بحيث يعتبره منكراً صارخاً ، وهناك من لا يقوم بهذا ، ففي هذه الحالة كيف يتصرف المسلم ؟
يجب على الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يرتّب الأولويات ، فيُقدّم أولاً المُجمع عليه قبل المختلف فيه ، ويُقدّم ما كانت مفسدته أكبر عما كانت مفسدته أصغر ، ويُقدّم ما كانت مفسدته أعم مما كانت مفسدته أخص .
فلا ريب أن الإنسان مطالب أن ينهى عن كل المنكرات، ولكن هذه المنكرات تتفاوت، كذلك أيضاً المعروف يتفاوت ، فالإنسان عندما يأتي إلى قوم ليست لهم عقيدة، لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا يميزون بين الخرافة والحقيقة يجب أولاً أن يصحح المفاهيم عندهم ، لأن تصحيح المفاهيم هو الذي يؤدي إلى زوال غبش التصور، ويؤدي أيضاً إلى الاستقامة على الحق بعد فهم مفاهيمه، ولذلك كانت دعوات المرسلين جميعاً إنما هي إلى توحيد الله سبحانه وتعالى قبل كل شيء ، فما من رسول من رسل الله عز وجل إلا وكان داعياً إلى توحيد الله كما يقول سبحانه ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ )(النحل: من الآية36) ، فما من نبي أرسله الله إلا وكان داعياً إلى عبادة الله تعالى واجتناب الطاغوت قبل كل شيء ، والنبي صلى الله عليه وسلّم إنما دعا قبل كل شيء إلى العقيدة ، فلما تبلورت هذه العقيدة واتضحت وظهرت للناس ووصل الناس إلى الاقتناع بها أخذ يدعوهم شيئاً فشيئاً إلى بقية الأمور التي تتنافى مع الأخلاق والتي تتنافى مع الفطرة السليمة، وهكذا تدرج بهم في المدارج ، فهكذا الداعية، الداعية كالطبيب .
ثم إنه لا ريب أن المسائل التي يُختلف فيها أيضاً تتفاوت ، لأن الأقوال تتفاوت قوة وضعفا ورجحاناً وخفة ، بعض الأقوال تدعمها أدلة واضحة قوية ، فما كان مدعوماً بالدليل هو مما ينبغي أن يُعول عليه أكثر مما كان غير مدعوم بالدليل، إذ الأقوال وإن جلت منزلة قائلها لا تتعدى أن تكون دعاوى إن لم تعضدها الأدلة ، هي فاقدة للبينات التي تعضدها ، فهكذا يجب أن يكون التركيز على ما دل عليه الدليل قبل أن يكون التركيز على أشياء جانبية لم يأت دليلها .
ثم الأدلة أيضاً تتفاوت ، ما كان دليله قطعياً يختلف عما كان دليله ظنياً ، إذ ما كان دليله قطعياً ليس هو مكاناً للخلاف ، لا يجوز الاختلاف فيه ، وكيف يختلف فيما دل عليه دليل قطعي .
فمثل هذه الأشياء يجب أن يكون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر متفطنين لها وواضعين كل شيء منها في موضعه .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
الجمعة 28 ربيع الثاني 1430هـ
الموافق 24 من ابريل 2009م
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|