فصبرٌ جميلٌ
التحلِّي بالصبر من شيمِ الأفذاذِ الذين يتلقون المكاره برحابةِ صَدْرٍ وبقوةِ إرادةٍ ، ومناعةٍ أبيَّة . وإنْ لم أصبرْ أنا وأنت فماذا نصنعُ ؟! .
هل عندك حلٌّ لنا غيرُ الصبرِ ؟ هل تعلم لنا زاداً غيرَهُ ؟
كان أحدُ العظماءِ مسرحاً تركضُ فيه المصائبُ ، وميداناً تتسابقُ فيهِ النكباتُ كلما خرج من كربةٍ زارتهُ كربةٌ أخرى ، وهو متترسٌ بالصبرِ ، متدرّعٌ بالثقةِ باللهِ .
هكذا يفعلُ النبلاءُ ، يُصارعون الملمّاتِ ويطرحون النكباتِ أرضاً .
دخلوا على أبي بكر -رضي اللهُ عنهُ- وهو مريضٌ ، قالوا : ألا ندعو لك طبيباً ؟ قال : الطبيبُ قد رآني . قالوا : فماذا قال ؟ قال : يقولُ : إني فعَّالٌ لما أريدُ .
واصبرْ وما صبرُك إلاَّ باللهِ ، اصبرْ صَبْرَ واثقٍ بالفرجِ ، عالم بحُسْنِ المصيرِ ، طالبٍ للأجرِ ، راغبٍ في تفكيرِ السيئاتِ ، اصبرْ مهما ادلهمَّت الخطوبُ ، وأظلمتِ أمامك الدروبُ ، فإنَّ النصر مع الصَّبْرِ ، وأنَّ الفرج مع الكَرْبِ ، وإن مع العُسْرِ يُسْراً .
قرأتُ سير عظماءٍ مرُّوا في هذه الدنيا ، وذهلتُ لعظيمِ صبرِهِمْ وقوةِ احتمالِهم ، كانت المصائبُ تقعُ على رؤوسِهم كأنَّها قطراتُ ماءٍ باردةٍ ، وهم في ثباتِ الجبالِ ، وفي رسوخِ الحقِ ، فما هو إلاَّ وقت قصيرٌ فتشرقُ وجوهُهم على طلائع فجرِ الفرجِ ، وفرحةِ الفتحِ ، وعصرِ النصرِ . وأحدُهم ما اكتفى بالصبرِ وَحْدَهُ ، بل نازَلَ الكوارِث ، وصاحَ في وجهِ المصائبِ مُتحدِّياً .
***************************************
لا تحملِ الكرة الأرضية على رأسِكَ
نفرٌ من الناسِ تدورُ في نفوسِهم حرْبٌ عالميَّةٌ ، وهم على فُرُش النوم ، فإذا وضعتِ الحرْبُ أوزارها غَنِمُوا قُرْحَة المعدةِ ، وضَغْطَ الدمِّ والسكَّريَّ . يحترقون مع الأحداثِ ، يغضبون من غلاءِ الأسعارِ ، يثورون لتأخر الأمطارِ ، يضجُّون لانخفاضِ سعْرِ العملةِ ، فهم في انزعاجٍ دائمٍ ، وقلقٍ واصِبٍ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ .
ونصيحتي لكَ أنْ لا تحملِ الكرة الأرضية على رأسِكَ ، دعِ الأحداث على الأرضِ ولا تضعْها في أمعائِك . إن بعض الناس عنده قلبٌ كالإسفنجة يتشربُ الشائعاتِ والأراجيفَ ، ينزعجُ للتوافِهِ ، يهتزِ للوارداتِ ، يضطربُ لكلِّ شيءٍ ، وهذا القلبُ كفيلٌ أن يحطم صاحبهُ ، وأن يهدم كيان حامِلِهِ .
أهلُ المبدأ الحقِّ تزيدُهم العِبرُ والعظاتُ إيماناً إلى إيمانِهم ، وأهْلُ الخورِ تزيدُهم الزلازلُ خوفاً إلى خوفِهِم ، وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلبٍ شجاعٍ ، فإن المِقْدام الباسلَ واسعُ البطانِ ، ثابتُ الجأشِ ، راسخُ اليقينِ ، باردُ الأعصابِ ، منشرحُ الصدر ، أما الجبانُ فهو يذبح فهو يذبح نفسه كلَّ يوم مرات بسيف التوقّعات والأراجيفِ والأوهامِ والأحلامِ ، فإن كنت تريدُ الحياة المستقرَّةَ فواجِهِ الأمور بشجاعةٍ وجلدٍ ، ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون ، ولا تك في ضيْقٍ ممَّا يمكرون ، كنْ أصلب من الأحداثِ ، وأعْتى من رياحِ الأزماتِ ، وأقوى من الأعاصيرِ ، وارحمتاه لأصحابِ القلوبِ الضعيفةِ ، كم تهزُّهم الأيامُ هزّاً ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ ، وأما الأُباةُ فهم من اللهِ في مَدَدٍ ، وعلى الوعدِ في ثقةٍ ﴿ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ ﴾ .
****************************************
لا تحطمك التوافهُ
كم من مهمومٍ سببُ همِّهِ أمرٌ حقيرٌ تافهٌ لا يُذْكَرُ !! .
انظر إلى المنافقين ، ما أسقط همَمَهُم ،وما أبْردَ عزائِمَهُمْ . هذه أقوالُهم : ﴿ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ ﴾ ، ﴿ ائْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي ﴾ ، ﴿ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ ﴾ ، ﴿ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ ﴾ ، ﴿ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً ﴾ .
يا لخيبةِ هذِهِ المعاطس يا لتعاسةِ هذهِ النفوسِ .
همهم البطونُ والصحونُ والدورُ والقصورُ ، لم يرفعوا أبصارهم إلى سماء المُثُلِ ، لم ينظروا أبداً إلى نجوم الفضائل . همُّ أحدِهِمْ ومبلغُ عِلْمِهِ : دابَّتهُ وثوبُهُ ونعلُهُ ومأدبتُهُ ، وانظرْ لقطَّاعٍ هائلٍ منَ الناسِ تراهم صباح مساء سببُ همومهمْ خلافٌ مع الزوجةِ ، أو الابنِ ، أو القريبِ ، أو سماعُ كلمةٍ نابيةٍ ، أو موقفٌ تافهٌ . هذه مصائبُ هؤلاءِ البشَرِ ، ليس عندهم من المقاصدِ العليا ما يشغلُهم ، ليس عندهم من الاهتماماتِ الجليلةِ ما يملأُ وقتهم ، وقدْ قالوا : إذا خرج الماءُ من الإناءِ ملأهُ الهواءُ ، إذاً ففكرْ في الأمرِ الذي تهتمُّ له وتغتمُّ ، هلْ يستحقُ هذا الجهد وهذا العناءَ ، لأنك أعطيته من عقلِك ولَحْمِك ودَمِك وراحتِك ووقتِك ، وهذا غُبْنٌ في الصفقةِ ، وخسارةٌ هائلةٌ ثمنُها بخسٌ ، وعلماءُ النفسِ يقولون : اجعلْ لكلِ شيء حداً معقولاً ، وأصدق من هذا قولهُ تعالى : ﴿ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ﴾ فأعطِ القضية حجْمها ووزنها وقدْرها وإياكَ والظلم والغُلُوَّ .
هؤلاءِ الصحابةُ الأبرارُ همهم تحت الشجرةِ الوفاءُ بالبيعةِ فنالوا رِضوان اللهِ ، ورجُلٌ معهم أهمَّه جملُهُ حتى فاتهُ البيعُ فكان جزاءهُ الحرمانُ والمقتُ ,
فاطرحِ التوافِه والاشتغال بها تجدْ أنَّ أكثر همومِك ذهبتْ عنك وعُدْتَ فَرِحاً مسروراً .
*******************************


هو قلمي.. يكتب مايريد..يعبر عن رأيي..وضعت له خطوطا حمـــــــراء لا يتجاوزها..
ليس لأي كان سلطة عليه
ليس المهم أن يرضي الناس
المهم أن يرضي ضميري.. |
|