??تاريخ الكتابات
والكتابات المؤرخة قليلة. هذا أمر يؤسف عليه، إذ يكون المؤرخ في حيرة من أمره في ضبط الزمن الذي دوّن فيه النص، ولم نتمكن حتى الآن كل من الوقوف على تقويم ثابت كان يستعمله العرب قبل الإسلام، مدة طويلة في جزيرة العرب. والذي تبين لنا حتى الآن هو أنهم استعملوا جملة طرق في تأريخهم للحوادث، وتثبيت زمانها، فأرخوا بحكم الملوك، فكانوا يشيرون إلى الحادث بأنه حدث في أيام الملك فلان، أو في السنة كذا في حكم الملك فلان. وأرخوا كذلك بأيام الرؤساء وسادات القبائل وأرباب الأسر وهي طريقة عرفت عند المعينين والسبئين والقتبانيين وعند غيرهم في مختلف أنحاء جزيرة العرب.
والكتابات المؤرخة بهذه الطريقة، وان كانت أحسن حالاً من الكتابات المهملة التي لم يؤرخها أصحابها بتاريخ، إلا أننا قلما نستفيد منها فائدة تذكر، إذ كيف يستطيع مؤرخ أن يعرف زمانها بالضبط، وهو لا يعرف شيئاً عن حياة الملك الذي أرخت به الكتابة أو حكمه، أو زمانه، أو زمان الرجال الذين أرخ بهم? لقد فات أصحاب هذه الكتابات أن شهرة الإنسان لا تدوم، وأن الملك فلاناً، أو رب الأسرة فلانا، أو الزعيم فلاناً ربما لا يعرف بعد أجيال، وقد يصبح نسياً منسياً، لذلك لا يجدي التأريخ به شيئاً، وذاكرة الإنسان لا تعي إلا الحوادث الجسام. لهذا السبب لم نستفد من كثير من هذه الكتابات المؤرخة على وفق هذه الطريقة، وأملنا الوحيد هو أن يأتي يوم قد نستفيد فيه منها في تدوين التاريخ.
وترد التواريخ في الكتابات العربية الجنوبية، ولا سيما الكتابات القتبانية، على هذه الصورة: "ورخس ذو سحر خرف ...."، أو "ورخس ذو تمنع خرف ..."، أي: "وأرخ في شهر سحر من سنة...." و "أرخ في شهر تمنع من سنة....". ويلاحظ إن "ورخ" و "توريخ"، مثل "أرخ" و "تاريخاً"، هما قريبتان من استعمال تميم، إذ هي تقول: "ورخت الكتاب توريخاً" أي: "أرخت الكتاب تأريخاً". وأما حرف "السين" اللاحق بكلمة "ورخ"، فانه أداة التنكير. ويلي التاريخ أسم الشهر، مثل شهر "ذو تمنع" و "ذو سحر" وغير ذلك. وقد تجمعت لدينا أسماء عدد من الشهور في اللهجات العربية الجنوبية المختلفة تحتاج إلى دراسة لمعرفة ترتيبها بالنسبة إلى الموسم والسنة. ثم تلي الشهور في العادة كلمة "خرف" أي "خريف"، وهي في العربية الجنوبية، السنة أو العام أو الحول. وعندئذ يذكر اسم الملك أو الرجل الذي أرخ به، فيقال: "خرف شهر يكل" أي سنة "شهريكول"، وهو ملك من ملوك قتبان. وهكذا بالنسبة إلى الملوك أو غيرهم.
نرى من ذلك إن التاريخ بأعوام الرجال كان يتضمن شهوراً. غير إننا لا نستطيع أن نجزم بان هذه للشهور كانت ثابتة لا تتغير بتغير الرجال، أو إنها كانت تتبدل بتبدل الرجال. والرأي الغالب هو إنها وضعت في وضع يلائم المواسم وأوقات الزراعة. ويظهر انهم كانوا يستعملون أحياناً مع هذا التقويم تقويماً آخر هو التقويم الحكومي، وكان يستند إلى السنين المالية،أي سني جمع الضرائب. وتختلف أسماء شهور هذا التقويم عن أسماء شهور التقاويم التي تؤرخ بالرجال.
ويظهر أن العرب الجنوبيين كانوا يستعملون التقويم الشمسي في الزراعة، كما كانوا يستعملون التقويم القمري والتقويم النجمي أي التقويم الذي يقوم على رصد النجوم.
وقد اتخذ الحميريون منذ سنة "115 ق. م" تقويماً ثابتاً يؤرخون به، وهي السنة التي قامت فيها الدولة الحميرية -على رأي بعض. العلماء- فأخذ الحميريون يؤرخون بهذا الحادث، و اعتدوه مبدأً لتقويمهم. وقد درسه المستشرقون، فوجدوه يقابل السنة المذكورة قبل الميلاد.والكتابات المؤرخة بموجب هذه الطريقة، لها فائدة كبيرة جداً في تثبيت التاريخ.
وقد ذهب بعض الباحثين حديثاً إلى أن مبدأ تاريخ حمير يقابل السنة "109 ق.م" أي بعد ست سنوات تقريبا من التقدير المذكور، وهو التقدير المتعارف عليه. والفرق بين التقديرين غير كبير.
ومن النصوص المؤرخة، نص تأريخه سنة385 من سني التقويم الحميري. وإذا ذهبنا مذهب الغالبية التي تجعل بداية هذا التقويم سنة "115 ق. م"، عرفنا أن تاريخ هذا النص هو سنة 27 م تقريباً، وصاحبه هو الملك "يسر يهنعم" "ياسر يهنعم" "ياسر ينعم" ملك سبأ وذو ريدان و ابنه "شمر يهرعش". وللملك "ياسر يهنعم" نص آخر يعود تاريخه إلى سنة 374 من سني التقويم الحميري، % أي سنة "295 م".:و لشمير يهرعش" كتابة أمر بتدوينها سنة 396 للتقويم الحميري، أي سنة 281 م. وقد ورد اسمه في نصوص أخرى، وقد لقّب نفسه بلقب "ماك سباً وذو ريدان"، ولفب نفسه في مكان أخر بلقب "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنت"، مما يدل على أنه كان قد وسعّ ملكه، وأخضع الأرضين المذكورة لحكمه، وهي نصوص متأخرة بالنسبة إلى النصوص الأخرى.
ولما أراد الملك "شرحبيل يعفر بن أبي كرب أسد" "ملك سباً وذو ريدان وحضرموت ويمنت و أعرابها في الجبال والسواحل" بناء السدّ، أمر بنقش تاريخ البناء على جداره. وقد عثر عليه، وإذا به يقول: إن العمل كان في سنة 564-565 الحميرية، وهذا يوافق عامي 449-450 من الأعوام الميلادية. وبعد ثماني سنوات من هذا التأريخ، أي في عام 457-458 من التأريخ الميلاديَ "572 - 573حميري"، وضع عبد كلال نصاً تاريخياً يذكر فيه أسم "الرحمن"، ولهذين النصين أهمية عظيمة جدا من الناحية الدينة. يذكر النص الأول "إله السماوات والأرضين"، ويذكر الثاني "الرحمن". وتظهر من هذه الإشارة فكرة التوحيد على لسان ملوك اليمن وزعمائها.
وقد عّر على نصين آخرين ورد فيهما اسم الملك "شرحب آل يكف" و "شرحبيل يكيف". تأريخ أحدهما عام 582الحمري "467 م"، وتأريخ النص الثاني هو سنة585 الحميرية، الموافقة لسنة 475 م.
ومن النصوص الآثارية المهمة، نص حصن غراب. وهذا النص أمر بكتابته "السميفع أشوى" "السميفع أشوع" وأولاده، تخليداً لذكرى انتصار الأحباش على اليمانيين في عام 525م "سنة 640 الحميرية". ويليه النص الذي أمر أبرهة حاكم اليمن في عهد الأحباش بوضعه على جدران سدّ مأرب لما قام بترميم السدّ و إصلاحه في عام 657 الحميري، الموافق لعام 542م.
وآخر ما نبده من نصوص مؤرخة، نص وضع في عام 669 لتقويم حمير "يوافق عام 554م". ولم يعثر المنقبون بعد هذا النص على نص آخر يحمل تاريخاً. نعم، عثروا على نصوص كثيرة تشابه في مضمونها وعباراتها، وألفاظها النصوص التي أقيمت في الفترة بن 439 م وسنة 554م، وهذا يبعث على احتمال كون هذه النصوص مكررة، وأنها من هذا العهد الذي بحثنا عنه آنفاً. هذا، وإن مما يلاحظ على الكتابات العربية الجنوبية أن التي ترجع منها إلى العهود القديمة من تاًريخ جنوب بلاد العرب، قليلة. وكذلك الكتابات التي ترجع إلى العصور الحميرية المتأخرة،أي القريبة المتصلة بالإسلام. ولذلك أصبحت أكثر الكتابات التي عثر عليها حتى الآن من العهود الوسطى المحصورة بن أقسم عهد من عهود تأريخ اليمن وبين أقرب عهود اليمن إلى تاًريخ الإسلام. وأكثرها خلو من التأريخ غير عدد منها يرد فيه لسماء ملوك وملكات أرخت بأيامهم. لكنّنا لا نستطيع تعيين تأريخ مضبوط لزمانهم، لعم وجود سلسلة لمن حكم أرض اليمن، ولعدم وجود جداول بمدد حكمهم،ولفقدان الإشارة إلى من كان يعاصرهم من الملوك والأجانب.
وقد كان ما قدمناه يتعلق بالكتابات العربية الجنوبية المؤرخة. أما الكتابات العربية الشمالية المؤرخة، فهي معدودة، وهي لا تعطينا هذا السبب فكرة علمية عن تاًريخ الكتابات في الأقسام الشمالية والوسطى من بلاد العرب. وقد أرخ شاهد قبر "امرئ القبس" في يوم 7 بكسلول من سنة 223 "328 م". وهذه السنة هي من سني تقويم بصرى Bostra، وكان أهل الشام وحوران وما يليهما، يؤرخون بهذا التقويم في ذلك العهد، ويبدأ بد********* بصرى في حوزة الروم سنة105 م.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|