وتمكن الرحالة السويسري "ليدويلك بركهارد" Johann Ludwig Burckhard من القيام برحلة إلى الحجاز، فتزيا بزي مسلم اسمه "إبراهيم بن عبد الله" يريد الحج وزيارة مسجد الرسول وقبره. وقد صحب الحجاج في حجهم، ووصف موسم الحج وصفاً دقيقاً، وكتب عن مكة والمدينة كتابة علمية. وقد زار آثار الأنباط وعاصمتهم "البتراء".
وتمكن ضابط إنكليزي يدعى James R. Wellsted من زيارة الأنحاء الجنوبية من جزيرة العرب، ومن الظفر بصور نصوص عربية قديمة قصيرة، ومن استنساخ كتابة حصن "غراب" التي يرجع تاريخها إلى سنة "640" من تاريخ أهل اليمن، وتوافق سنة 525 للميلاد. وبفضل هذا الضابط عرف المستشرقون هذا النص.
وأضاف الرحالة "هوتن" T.G Hutton عددا آخر من الكتابات الجاهلية سنة 1835 إلى ما كان قد عرف سابقاً. وجاء "كروتنون" C ruthenden سنة 1838 م بنقوش أخرى جديدة. وكذلك "الدكتور مكل" Dr. Mackell الذي عاد بخمسة نصوص سبئية، فتوسعت بذلك دوائر البحث قليلاً، وتمكن العلماء بفضل هذه النقوش من حل رموز المسند.
وقد قام الصيدلي الفرنسي "توماس يوسف أرنو" " "Thomas Joseph Arnaud" برحلة إلى اليمن، كانت موفقة جداَ، إذ تمكن بفضل علمه بالعقاقير، من اكتساب صداقة المشايخ والزعماء. وبهذه الصداقة استطاع إن يتجول في بعض أنحاء اليمن ومدنها، ولم يكن ذلك أمراً ميسوراً للغرباء، فزار الجوف و وقف على خرائب "مأرب"، ومكث في مدينة "صنعاء"، أمداً، وزار "صرواح" المدينة الأثرية القديمة، واستنسخ ستة وخمسين نصاً كتابياً قديماً.
وكتب التوفيق لسائح أوروبي آخر، هو الضابط الإنكليزي "Coghlan"، فحصل في سنة 1860 م على عشرين لوحاً برنزياً سليماً عز عليها في أنقاض مدينة "عمران". وقد أرشدت هذه الألواح المعدنية المستشرقين إلى ناحية مهمة من نواحي الفن العربي القديم.
وتوصل العلماء، بعد جهود، إلى حل رموز هذه الكتابة العربية، فعرفوا منها - وكان أغلبها قصيراً - إنها تبحث في موضوعات متشابهة، وأنها مؤلفة من حروف أطلقوا عليها اسم "الكتابة الحميرية" أو "الحروف الحميرية". وكان الرأي السائد بادئ بدء إنها كذلك، حتى تبين لهم إن هذه النصوص والنصوص التي جيء بها أخيرا لم تكن جميعها نصوصاً حميرية، بل كان بعضها من النصوص المعين به، وبعضها كتابات سبئية ترجع إلى عهد دولة سباً، وبعضها بلهجات أخرى، نختلف عن الحميرية بعض الاختلاف. وهذه الكتابة،هي الكتابة المسماة ب "خط المسند" و ب "القلم المسند" و ب "المسند" في الموارد العربية.
عالج بعض العلماء،ممن أولعوا بدراسة النقوش، تلك النصوص، وأعملوا رأيهم فيها حتى تمكن بعضهم من التوصل إلى حلّ رموز بعضها، مثل العابر "وليم كسنيوس" "Wilhelm Gisenuis" و العالم "رودكر" "E. Rodiger" والعالم "هاينرش ايوالد" "Heinrich Ewald" والعالم "فريسنل" "F. Fresenal" الذي نشر النصوص التي جاء بها، وعددها خمسة وخمسون نصاً بحروف عربية وحميرية، في الجريدة الآسيوية "Journal Asiarique" سنة1845 م، إلا إن نشره لم يكن متقناً اتقاناً تاماً .وجاء القسيس "أرنست أوسيندر" "Ernest Osiander" فأتم ما كان قد بدئ به. ولم يتمكن العلماء الذين عالجوا مشكلة الكتابة العربية الجنوبية من معرفة الحروف كلها، ولذلك لم يستطيعوا قراءة أكثر النصوص التي جيء بها إلى أوروبة وفهم معناها، كما إن النصوص المقروءة لم تكن مضبوطة ضبطاً تاماً، فاستطاع هذا العالم بجهوده العظيمة قراءة كل النصوص التي جاء بها السياح والعلماء، وتعيين أشكال الحروف، ووضع أسس متينة لدراسة عرفت بعد ذلك باسم "الدراسة العربية الجنوبية" وقد استعان العلماء على فهم هذه الكتابات بالدراسات اللغوية السامية مثل العبرانية، وباللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وباللهجات اليمانية و بالمعلومات الجغرافية المدّونة في الكتب العربية، وبأسماء الملوك والأشخاص الذين وردت أسماؤهم في المؤلفات العربية.
وترسم المستشرق "ليفي" "M. A. Levy" أثر "اوسيندر" وتتبع أسلوبه في البحث، وحاول استخراج مادة تاريخية من هذه النصوص التي ترجمت وعرفت. وقد يمكن من نشر ما تركه "أسين در" من نصوص عاجلته المنية قبل إن يوفق لإخراجها إلى الناس، فتمكن "ليفي" من تنسيقها وتهذيبها، وطبعها وعرضها على العلماء.
وفاق "يوسف هاليفي" "Joseph Halevy"، وهو يهودي فرنسي، كل من تقدمه بكثرة ما جاء به إلى أوروبة من نقوش، وبسعة علمه في تاريخ اليمن، وبدراسة الكتابات العربية الجنوبية. دخل هذا الفرنسي اليمن في هيئة يهودي متسول من أهل القدس، ليتجنب بذلك ما يتعرض له الغرباء وأهل البلاد المسلمون على السواء من أخطار رجال القبائل وقطّاع الطرق الذين لا يمسّون أهل الذمة بسوء.
وقد استطاع، بهذه الطريقة، التطواف في أرجاء اليمن، حتى بلغ أعاليها مثل "نجران"، وأعالي الجوف وهي المنطقة التي كان فيها "المعينيون". ووصل في تطوافه إلى حدود "مأرب" عاصمة سباً والى "صرواح"، وهو بهذا أول أوروبي زار "نجران". ولما عاد إلى أوروبة، أحضر معه "686" نقشاً جمعها من مواضع مختلفة من اليمن.
وفي سنة 1872 - 1874 م نشر هذا العالم في الجريدة الآسيوية "Journal Asiarique" ما كتبه في وصف رحلته إلى بلاد اليمن، وقد ضمن كتاباته وصفاً للاماكن التي حل بها والطرق التي اجتازها، وترجمة ل "686" نصاً، وهي النصوص التي كان قد جاء بها أو استنسخها من أصولها، ونشر بحثاً علمياً وانتقاداً قيّماً للأبحاث اللغوية والتراجم والنصوص التي سبق إن نشرها العلماء من قبله.
وكان ممن ذهب إلى اليمن شاب نمساوي اسمه "سيكفريد لنكر" "Siegfrid Langer"، وقد استطاع تصوير بعض النقوش واستنساخ قسم من الكتابات في عام 1882 م. غير إن القدر عاجله إذ قتل هناك، ففقد البحث في تاريخ اليمن بوفاته عضواً نشيطاً. غير إن نمساوياً آخر عوض عن خسارة ذلك الشاب، وهو العالم "ادورد كلاسر" "Eduard Glaser". وقد قام بأربع رحلات إلى اليمن، ورجع بعدد كبير من النصوص والنقوش وبمادة غزيرة من المعلومات.
بدأ الرحلة الأولى "في اكتوبر من سنة 1882م"، وختمها في شهر آذار "مارس" من سنة 1884 م، وكانت الحالة السياسية في ذلك الزمن مضطربة، والأوضاع غير مساعدة، والفوضى عامة في بلاد اليمن، ولم يكن للحكومة على القبائل من سلطان. ومع ذلك تمكن من الحصول على "255" نقشاً رجع بها إلى أوروبة. أما الرحلة الثانية، فكانت في نيسان سنة 1885 م ودامت حتى فبراير سنة 1886، وقد زار في أثنائها المناطق الجنوبية الشرقية والمنطقة الجنوبية الممتدة من جنوب "صنعاء" حتى مدينة "عدن". وقد تمكن من جمع معلومات مهمة عن طبغرافية البلاد و أماكنها الاثرية، و عاد بنصوص معينة مهمة دخلت في ممتلكات المتحف البريطاني.
وقام بالرحلة الثالثة في سنة 1887م، و مكث في اليمن إلى سنة 1888م، و كانت رحلته هذه جدا، إذ حصل على اثار و نقوش كتابية كانت على جانب عظيم من الأهمية، منها اربعمئة نص أخذها من مدينة "مأرب" عاصمة "سبأ"، و من هذه النصوص نصان عن تصدع سدّ مأرب يبرجع عهدهماالى زمن قريب من ميلاد الرسول، و نصوص أخرى من مدينة "صرواح" يرجع عهدها إلى العصر السبئي، و هي ذات أهمية كبيرة في تدوين تأريخ بلاد العرب الجنوبية.
وكانت رحلته الرابعة، وهي الأخيرة، في سنة 1892م، و كانت موفقة جداً كذلك. اق يع فيها أسلوبا جديداً في الحصول على صور النصوص، إذ استعان بالأعراب الذين فرقهم في مختلف الجهات التي لم يسبقه أحد من الأوروبيين إلى زيارتها،بعد إن علمهم مختلف الطرق في الحصول على تلك النصوص بطريق الورق الذي يتأثر بالضوء وبطريقة القوالب الجبسية وبطرق أخرى. وقد تمكن بهذا الأسلوب الجديد من الظفر بصور مضبوطة بعض الضبط للكتابات القديمة التي لم يكن بوسعه الذهاب إلى أماكنها واستنساخها بنفسه،وبها أيضا تمكن من تصحيح أغلاط الصور التي أخذها "هاليفي" عن النقوش الأصلية، ومن الحصول على، زهاء مئة نص قتباني أخذها من منطقة خرائب "مأرب".وفي متحف "فينا" قسم من الأحجار المكتوبة التي كان هذا العالم قد جلبها معه في المرة الأخيرة إلى أوروبا.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|