ويضاف إلى كل ذلك ما كتبه بعض المستشرقين في الحالة الدينية عند العرب قبل الإسلام، وأهمها كتاب "بركمن" "Bergmann" في اديان العرب في الجاهلية، و الفصل الذي كتبه المستشرق "أرنست أسيندر" "Ernust Osiander" في ديانة العرب قبل الإسلام، في مجلة الجمعية الآسيوية الألمانية. وقد بحث هذا المستشرق في ديانة العرب قبل الإسلام بحثا عميقاً، وهو أول مستشرق درس هذا الموضوع بعد "بوكوك" "Pococke" الذي كان اقدم من درس الوثنية عند العرب دراسة تفصيلية مستقلة في كتابه المطبوع سنة 1649 للميلاد. وقد تطرق "أسيندر" لعبادة.النجوم عند العرب وعبادة الأصنام والأماكن المقدسة في جنوبي بلاد العرب وعبادة الأصنام في الحجاز ونجد، وتوصل إلى إن العرب عبدوا النجوم في بادئ الأمر، ثم تطورت الفكرة الدينية عندهم، وبالرغم من ذلك ظلت عقدة عبادة النجوم راسخة في أدمغتهم.
وجاء المستشرق "لودولف كريل" "Ludolf Krehl"، فأحيا هذه الدراسة مرة ثانية بكتابه "بحث عن ديانة العرب قبل الإسلام"، وطرق موضوعات لم يتمكن من سبقه من البحث فيها. وقد ذهب إلى إن للعرب القدماء كانوا من الموحدين في الأصل. غير أنهم تركوا التوحيد بعدئذ، وعمدوا إلى عبادة النجوم والأصنام فالأحجار والأشجار، وبذلك انحطت الحالة الدينية عندهم، وفي القرن السادس تأثروا. بالديانة اليهودية والنصرانية في الأماكن التي حدث فيها اتصال بهاتين الديانتين.
وأهم ما ألف في الوثنية عند العرب قبل الإسلام، كتاب المستشرق الألماني "ولهوزن" الذي سماه: "بقايا الوثنية العربية". وقد بحث في نواح مختلفة من نواحي الحياة الدينية عند عرب الجاهلية وفي الأصنام، فجمع ما لم يتمكن من جمعه في هذا الباب أحد من المستشرقين قبله، واتبع أسلوب المقابلة والنقد في البحث.
هذا ولا بد من الإشارة إلى مجهود عدد من العلماء تخصصوا بالعربيات وعالجوا نواحي عديدة من دراسات الجاهلية، ومنهم "فرتز هومل" "Fritz Hommel" صاحب المؤلفات والبحوث الكثيرة، والدراسات القيمة في تاريخ اليمن والعرب الجنوبيين، وفي ترجمة الكتابات المعينية والسبئية والحضرموتية والقتبانية والحميرية، وفي الدراسات اللغوية. وهو في مقدمة من وضع أسس الدراسات العربية الجنوبية ومهد الجادة لمن جاء بعده من المستشرقين. و "رودوكناكس" "Nikolaus Rhodokanakis"، وهو صاحب جملة مؤلفات في شرح وحل النصوص العربية الجنوبية، و "دتلف نيلسن" "Detlef Nielsen" الدانماركي من الباحثين في الكتابات العربية الجنوبية وفي الحضارة العربية، والتاريخ العربي قبل الإسلام.
كذاك خصص "مورديمن" "J. H. Mordtmann" و "داؤو هاندش ميلر" "D.H. Mueller"، و "ميتوخ" "Eugen Mittwoch"، و "فون فزمن" "von Wissmann"، و "بيستن" "C.F.L. Beeston"، و "كونتي روسيني" "C. Conti Rossini"، و "فنت" "F.V. Winnett"، و "ركمنس" "C. RYckmanns"، و "كر وهمن" "A. Grohmann"، و "ملاكر" "K. Mlaker"، و "أغناطيوس كويدي" "وهربرت كريمه" "Herbert Grimme"، "أنوليتمن" و "البرايت"، وغيرهم قسطاً من بحوثهم في العربيات الجنوبية، فساعدوا بذلك على تقديم مادة غنية للمؤرخين والباحثين، وعلى تحسين معارفنا في اللهجات العربية الجنوبية وقواعدها وفي تاريخ الجاهلية.
هذا، ولا بد لي أيضاً من الإشارة إلى جهود مستشرقين محدثين قصروا عملهم على البحوث العربية الجنوبية، وصرفوا وقتهم في دراستها، وألفوا وكتبوا فيها، ونشروا بحوثهم في المجلات، ونشروا نشراً جديداً نصوصاً سبق إن نشرت، وبعثوا الحياة في نصوص لم تكن معروفة فعرفت. ومن هؤلاء: "فون وزمن" "H. von Wissmann". و "ريكمنس" "J. Ryckmans"، وهو صاحب بحوث وتحقيقات في نشر الكتابات والتعليق عليها وعلى أيام الملوك. و"البرايت" "W.F. Albright" العالم الآثاري الأمريكي الذي ذكرته قبل قليل. و "الأب جامة" "A. Jamme" الذي رافق البعثةة الأمريكية لدراسة الانسان، والخبير بقراءة النصوص وبتعين زمان كتابتها، وناشر جملة كتابات عثرت عليها البعثة المذكورة. و "مارية هوفنر" "M. Honer" و "بيرين" "J. Pirenne" و "بيستن" "A.F.L. Beeston" وغيرهم، ممن جاؤوا ببحوث جديدة وما زالوا يبحثون في التأريخ الجاهلي.
هذا، وسوف يكون لدراسة علماء الآثار للآثار التي عثر وسيعثر عليها من ناحية علم الآثار، وكذلك، تطور الخطوط ومقارنة الكتابات بعض مما ببعض المعرفة زمانها وتحايل الآثار ودراستها بالمختبرات وبطرق "الفحص الكاربوني" و مما شاكل ذلك من طرق تعد اليوم حديثة، شأن كبير في الكشف عن التاريخ الجاهلي، وتقريبه من الواقع، وتضييق شقق الخلاف التي نراها بين العلماء في عمر الدول وفي حكم الملوك وأمثال ذلك من أمور هي اليوم في موضع اهتمام الباحثين في تاريخ الجاهلية.
هذا وأودّ إن أشير هنا إلى أمر يتعلق بالكتابات الجاهلية، هو إن غالبية من عالجها وترجمها اعتمد في الغالب على العبرانية وعلى السريانية في الترجمة، و لهذا لم يوفقوا في ترجمهم توفيقاً كبيراً، واعقد إن دراسة اللهجات العربية لقبائل اليمن وبقية العربية الجنوبية وجمع معاني مفرداتها، تفيد كثيراً في تفسير كتابات المسند وشرحها مثلا، لأن كثيراً من هذه المفردات ما زال مستعمل" استعمال القدماء له. ولكن مثل هذه الدراسات لم تتم بشكل علمي منظم منسق حتى الآن ويا للآسف. ورجائي إن يأتي يوم يقوم فيه المتخصصون من العرب بدراسة تلك اللهجات وتثبيتها بصورة علمية ووضع معجمات بألفاظها، فإن في هذا العمل خدمة كبيرةً للتراث العربي القديم.
وقد قام المستشرقون بنصيبهم في كتابة تاريخ الجاهلية، فهم يستحقون على عملهم هذا كل شكر وثناء، مهما وقع في دراستهم من قوة وضعف، وغرض ونية، فهم قد قاموا بعمل، وقد أفادونا في عملهم هذا ولو بعض الفائدة، فعلينا إلا ننكر فضل الناس، وإذا كان هناك شيء من خطا أو نيّة سيئة، فعلينا يقع واجب تصحيحه وبيان مواطن سوء النية، فهم غرباء، ونحن حملة هذا التاريخ وأصحابه. وعلينا وحدنا يقع واجب تدوينه وانتزاعه من باطن الأرض، والبحث في كل زاوية ومكان لإيجاد مورد جديد نضيفه إلى الموارد الموجودة. وعلى الحكومات العربية واجب إتمام العمل، وتيسير الوسائل التي توصل الباحثين إلى الأماكن التي يقصدها العلماء وحمايتهم ورعايتهم، وواجب إعداد طائفة من المنقبين العرب للقيام بهذه المهمة والإنفاق عليهم بسخاء، وإنشاء متاحف تحفظ فيها العاديات، ومنع، الناس من التجاوز والتطاول على الأماكن الآثارية، ومن أحق بالمحافظة على تراث البلاد من أبنائها?.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|