ويرى "البريت" إن البداوة الحقيقية على في ما نعرفها اليوم من السكنى في البوادي والتنقل فيها من مكان إلى مكان، لم تظهر في جزيرة العرب إلا في أواخر النصف الثاني من الألف الثانية قبل الميلاد، وذلك بتذليل الإنسان للجمل وبترويضه له لخدمة أغراضه، ففتح له بذلك أبواب البوادي، وتمكن من التوغل فيها واجتيازها بفضل جمله خادمه المطيع. أما ما قبل الجمل، فقد كان العربي لا يستطيع اجتياز البوادي واختراقها لأن حماره الذي كان واسطة الركوب عنده، لا يتحمل ولوج البادية، ولا يستطيع إن يعيش فيها، وأن يصبر عن شرب الماء أو الأكل صبر الجمل، لذلك كان عرب الجزيرة في الألف الثانية، وقبل وقت تذليل الجمل رعاة في الغالب، وسائط ركوبهم الحمير، ولم يكونوا قد طرقوا البوادي أو توغلوا فيها توغل العرب أصحاب الوبر فيما بعد.
فالجمل أذن هو الذي فتح لأهل جزيرة العرب آفاق البوادي، ووسع البداوة عندهم، حتى جعلها عالماً خاصاً يقابل عالم الحضارة في الجزيرة. وهو الذي صار لهم واسطة لنقل الأموال بالطرق البرية الطويلة التي تربط أجزاء الجزيرة بعضها ببعض، و تربط طرق الجزيرة مع الطرق الخارجية. و بفضل الجمل القادر على تحمل العطش و الصبر على الجوع، و على تحمل الصعاب صار في امكان العرب التنقل إلى مسافات بعيدة من الجزيرة و حمل أثقاله معه. فأستخدم العرب له هو في الواقع ثورة كبيرة في ذلك العهد بالنسبة إلى وسائط النقل و الحمل و في عالم التجارة و الاقتصاد. و من حق العربي إذا ما عبّر عن الغنى إن يعبر بكثرة ما عند الإنسان من إبل.
وقد عرف الجمل بوجود غزيرة الانتقام فيه، و بعدم نسيانه أذى من يؤذيه، لذلك زعم أنه يبقى حاقدا على المسيء إليه حتى ينتقم من و لو بعد زمن طويل, و يظن بأنها من فعل "كَمَلَ" "جَمَلَ" "كامل" "جامل"، أي انتقم، مع أنها تعني "حَمَلَ" أيضا. و قالوا إن معنى " الجمل" "المنتقم" وقالوا إنه سمي بذاك لأنه حيوان منتقم. ومن ثم وصف "أرسطو" و "أربان"، الجمل بأنه حيوان لا ينسى الأذى، سريع الانتقام. وقد يكون لأقوالهما ولأقوال غيرهما في الجمل دخل في تكوّن هذه الفكرة عنه عند الناس حتى اليوم.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|