أما "دوزي" فقد رأى أن بين العرب اختلافاً في العقلية وفي النفسية، وأن القحطانيين يختلفون في النفسية عن نفسية العدنانيين.
وقد تعرض "أحمد أمين" في الجزء الأول من "فجر الاسلام" للعقلية العربية، وأورد رأي الشعوبيين في العرب، ثم رأي "ابن خلدون" فيهم، وتكلم على وصف المستشرق "أوليري" لتلك العقلية، ثم ناقش تلك الآراء، وأبان رأيه فيها وذلك في الفصل الثالث من هذا الجزء، وتحدث في الفصل الرابع عن "الحياة العقلية للعرب في الجاهلية". وخصص الفصل الخامس ب "مظاهر الحياة العقلية"، وتتجلى عنده في: اللغة والشعر والمثل والقصص. أوجز "أحمد أمن" في بداية الفصل الثالث آراء المذكورين في العرب،وبعد أن انتهى من عرضها وتلخيصها ناقشها بقوله: "لسنا نعتقد تقديس العرب، ولا نعباً بمثل هذا النوع من القول الذي يمجدهم ويصفهم بكل كمال، وينزههم عن كل نقص، لأن هذا النمط من القول ليس نمط البحث العلمي، إنما نعتقد أن العرب شعب ككل الشعوب، له ميزاته وفيه عيوبه، وهو خاضع لكل نقد علمي في عقليته ونفسيته وآدابه وتاريخه ككل أمة أخرى، فالقول الذي يمثله الرأي الخاص لا يستحق مناقشة ولا. جدلاّ،كذلك يخطىء الشعوبية أصحاب القول الأول الذين كانوا يتطلبون من العرب فلسفة كفلسفة اليونان، وقانوناً كقانون للرومان، أو أن يمهروا في الصناعات كصناعة الديباج، أو في المخترعات كالاصطرلاب، فإنه إن كان يقارن هذه الأمم بالعرب في جاهليتها كانت مقارنة خطا، لأن المقارنة إنما تصح بين أمم في طور واحد من الحصارة، لا بين أمة متبدية وأخرى متحضرة، ومثل هذه المقارنة كمقارنة بين عقل في طفولته وعقل في كهولته، كل أمة من هذه الأمم كالفرس والروم مرت بدور بداوة لم يكن لها فيه فلسفة ولا مخترعات. أما إن كان يقارن العرب بعد حضارتها، فقد كان لها قانون وكان لها علم وان كان قليلاً.." ثم استمر يناقش تلك الآراء إلى أن قال: فلنقتصر ألان على وصف العربي الجاهلي،
فوصفه بهذا الوصف: "العربي عصبي المزاج، سريع الغضب، يهيج للشيء التافه، ثم لا يقف في هياجه عند حد، وهو أشد هياجاً إذا جرحت كرامته، أو انتهكت حرمة قبيلته. وإذا اهتاج، أسرع إلى السيف، واحكم أليه، حتى أفنتهم الحروب، وحتى صارت الحرب نظامهم المألوف وحياتهم اليومية المعتادة." "والمزاج العصبي يستتبع عادة ذكاء، وفي الحق أن العربي ذكي، يظهر ذكاؤه في لغته، فكثيراً ما يعتمد على اللمحة الدالة والإشارة البعيدة، كما يظهر في حضور بديهته، فما هو إلا أن يفُجأ بالأمر فيفجؤك بحسن الجواب، ولكن ليس ذكاؤه من النوع الخالق المبتكر، فهو يقلب المعنى الواحد على أشكال متعددة، فيبهرك تفننه في القول أكثر مما يبهرك ابتكاره للمعنى، وان شئت فقل إن لسانه أمهر من عقله.
"خياله محسود وغير متنوع، فقلما يرسم له خياله عيشة خيراً من عيشته، وحياة خيراً من حياته يسعى وراءها، لذلك لم يعرف "المثل الأعلى"، لأنه وليد الخيال، ولم يضع له في لغته لفظة واحدة دالة عليه، ولم يشر أليه فما نعرف من قوله،وقلما يسبح خياله الشعري في عالم جديد يستقي منه معنى جديداً ولكنه في دائرته الضيقة استطاعَ أن يذهب كل مذهب." "أما ناحيتهم الخلقية، فميل إلى حرية قلّ أن يحدّها حدّ، ولكن الذي فهموه من الحرية هي الحرية الشخصية لا الإجتماجمة، فهم لا يدينون بالطاعة لرئيس ولا حاكم، تأريخهم في الجاهلية - حتى وفي الإسلام - سلسلة حروب داخلية" وعهد عمر بن الخطاب كان عصرهم الذهبي، لأنه شغلهم عن حروبهم الداخلية بحروب خارجية، ولأنه، رضي الله عنه، منح فهماً عميقاً ممتازاً لنفسية العرب.
"والعربي سب المساواة، ولكنها مساواة في حدود القبيلة، وهو مع حبه للمساواة كبير الاعتداد بقبيلته ثم بجنسه، يشعر في أعماق نفسه بأنه من دم ممتاز، لم يؤمن بعظمة الفرس والروم مع ما له ولهم من جدب وخصب وفقر وغنى وبداوة وحضارة، حتى إذا فتح بلادهم نظر إليهم نظرة السيد إلى المسود".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|