الفصل التاسع
العرب العاربة والعرب المستعربة
تحدثت في الفصل السابق عن العرب البائدة، وهم العرب الذين هلكوا و اندثروا قبل الإسلام، ولم يبق منهم غير آثار وذكريات. أما العرب العاربة والعرب المستعربة "المتعربة"، أو العرب القحطانيون والعرب العدنانيون، فإنهم العرب الباقون التين كانوا يؤلفون جمهرة العرب بعد هلاك الطبقة الأولى، فهم العرب الذين كتب لهم البقاء، وكان ينتمي إليهم كل العرب الصرحاء عند ظهور الإسلام.
العرب للعاربة
أما الطبقة الثانية من طبقات العرب بعد البائدة، فهي "العرب العاربة" على أقوال النسابين، وهم من أبناء قحطان وأسلاف القحطانيين المنافسين للعرب العدنانيين، الذين هم العرب المستعربة في عرف النسابين.
وقحطان الذي يرد في الكتب العربية، هو "يقطان" التي يرد اسمه في سفر التكوين، وهو "قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح" في رأي أكثر النسابين. و هو "يقطان بن عابر بن شالخ بن أرفكشاد بن سام ابن نوح( في التوراة.
فترى من ذلك مطابقة تامة بين النسب الوارد في الكتب العربية والنسب الوارد في التوراة، مما يدل دلالة واضحة على أن الأخباريين أخذوا علمهم بنسبه من روايات أهل الكتاب، وهم يؤيدون ذلك ولا ينكرونه.
وقد سرد بعض الأخباريين نسب قحطان في شكل آخر: مثل "قحطان بن هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح". على أن هوداً هو عابر، أو "قحطان بن هود بن عبد الله بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام ابن نوح"، أو "قحطان بن يمن بن قدار" ظ أو "قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل بن إبراهيم. فترى من ذلك أن بعض شجرات النسب أدخلت أسماءً عربية بين الأسماء المأخوذة من التوراة.
وقد ألح بعض نسّابي اليمن على جعل "هود" عابراً، وعلى جعله والد قحطان، وأصروا على ورود ذلك في الشعر، ولم يكن من العسير عليهم بالطبع أيجاد ذلك الشعر ووضعه، فكانوا إذا نوقشوا في ذلك، احتجوا بقول الشاعر: وأبو قحطان هو ذو الحقف
واحتجوا بأمثال ذلك من كلام منظوم أو منثور. وجاءوا بأكثر من ذلك لإفحام الخصوم والقائلون إن "قحطان" هو "قحطان بن الهميسع بن تيمن بن نبت بن إسماعيل" هم نَسّابو ولد "نزار بن معدّ"، أي النزارية، الذين كانوا يقابلون "اليمانية" في صدر الإسلام وفي الدولة الأموية والعباسية، يؤيدهم في ذلك بعض اليمانية، مثل "هشام بن الكلبي"، و "الشرفي بن القطامي" و "نصر بن زروع الكلي" و "الهيثم بن عدي". ويظهر أن غايتهم من ذلك وصل نسب قحطان بشجرة نسب أولاد إسماعيل. أما سائر اليمانية، فتأبى ذلك، وتذهب إلى أنه )قحطان بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح".
وتستهدف هذه الروايات غاية عاطفية بعيدة على ما يظهر، كانت ذات أهمية في نظر القحطانيين، هي وصل نسبهم بالأنبياء. فبعد أن ذكروا ما ذكروا من أخبار مُلْكهم ودولهم قبل الإسلام، وجدوا أن العدنايين يفخرون عليهم مع ذلك باًن فيهم النبوة والأنبياء، منهم الرسول، وفيهم إسماعيل جدهم. فأرادوا أن يكون لهم أجداد أنبياء: أنبياء خلص قحطانيون، أو أن يكون لهم نسب يتصل بنسب إسماعيل على الأقل، أو أن يصل نسب إسماعيل بأسباب نسبهم، فقالوا: إنهم من نسل هود، وهود نبي من أنبياء الله، وقالوا: أن قحطان من نسل إسماعيل، وقالوا: إن هوداً هو عابر، وعابر من نسل الأنبياء، وقالوا أشياء أخرى من هذا القبيل ترمي إلى ترجيح كفتهم على كفة منافسيهم العدنانيين في الفخر بالأنساب على الأقل.
ولم يعجب اليمانية المعنى الوارد في التوراة للفظة "يقطان" "يقطن"، ولعلهم عرفوا معناها من أهل الكتاب، فعكسوا المعنى بأن صيروه على الضد تماماً. جعلوه "الجبار"، وقالوا: "واسمه في التوراة الجبار"، مؤكدين جازمين. أما في التوراة وعند أهل الكتاب وفي العبرانية، فهو العكس، ف )يقطان"في التوراة لفظة تعني "صائر صغير"، فهي في معنى: )صغير(. وبين يصغر وجبار فرق كبير. وهكذا صار الصغير جباراً. وبهذا التفسير أعاد النسابون آو أحد المتحدثين إليهم من أهل الكتاب الهيبة والمكانة إلى "قحطان".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|