وقد نص "الطبري" على أن العرب هم من نابت وقيدر، ولم يذكر شيئاً عن بقية الأولاد. والظاهر إن إهمالهم هذا الإهمال يعود إلى عدم وقوف الموارد التي أمدّت الأخباريين على شيء عنها، وعدم تمكنهم من تعيينها وتثبيت مواضعها، فإن ذلك يحتاج إلى علم وإلى وقوف على ما جاء في كتب التفاسير والشروح والموارد اليهودية الأخرى عن هذه القبائل. والموارد المذكورة نفسها لا تعرف عن تلك القبائل وعن تلك البلاد شيئاً كثيراً يزيد على ما جاء في التوراة.
فإن كتبة الأسفار لم يهتموا إلا بما يتعلق بإسرائيل،0 أما ما وراء إسرائيل من شعوب وأرضين،ولا سيما الشعوب التي لا تخام الأرضين التي وجد فيها العبرانيون، فإنها لم تكن تعُنى بها إلا بمقدار ما لها من صلة بإسرائيل.
وقد حددت التوراة المنازل التي أقام بها "الإسماعيليون"، فجعلتها من "حويلة" إلى "شور". فكل ما وقع بين المكانين، هو في أرض القبائل الإسماعيلية. وقد ذكرتُ قبل قليل أن آراء العلماء مختلفة في تعيين موقع أرض "حويلة"، وعندي إن هذا الموضع يجب ألا يكون بعيدا عن فلسطين، لأن "شاؤول" ضرب العماليق من "حويلة" إلى شور. ولا يعقل أن تكون هذه الأرضون بعيدة عن فلسطين، لأن "شاؤول" لم يكن قوياً ذا جيوش جرارة حتى تضرب العماليق في منطقة نائية، بعيدة عن فلسطين.
وأما "شور"، فموضع يقع على الحدود الشمالية الشرقية لأرض مصر، في البرية المسماة. "برية تيه بني إسرائيل، وب "برية ايتام". ويرى بعض علماء التوراة إن "الطور" الحالية هي أرض "شور".
ويلاحظ إن الأرض التي زعم إن "شاؤول" قد ضرب بها العماليق، "وضرب شاؤول عماليق من حويلة حتى مجيئك إلى شور التي مقابل مصر"، هي الأرض ذاتها التي جعلتها التوراة أرضاً لذرية "يشمعئيل" "إسماعيل". فيظهر من ذلك إن العماليق كانوا قد سكنوها أيضاً. ولما كان العمالقة قد سكنوا ارضاً، تقع بين كنعان ومصر في برية سيناء وتيه بني إسرائيل، وجب أن تكون تلك الأرض هي موطن الإسماعيليين.
ويعترف العبرانيون بوجود صلات قربى لهم بالإسماعيليين. ويظهر أن الإسماعيلية عاشت زمناً طويلاً في "طور سيناء". وفي جنوب فلسطين. عاشت عيشة أعرابية. ولهذا كان الإسماعيليون أهل وبر بالقياس إلى اليقطانيين المستقرين. وقد نظر العبرانيون نظرة عداء إلى الإسماعيليين، لأنهم كانوا يتحرشون بهم ويغيرون عليهم ويتعرضون بتجاراتهم. وقد ذكروا في أيام "داوود". وقد ورد في التوراة أن الله أوحى إلى "هاجر" يبشرها بأن نسل ابنها سيكثر وينمو حتى يكون أمة عظيمة، وهو كناية عن كثرة عدد أولئك الأعراب في أيام عن لهجاتهم.
ويرى بعض العلماء أن لهجاتهم يجب أن تكون من اللهجات العربية الشمالية المتأثرة بلغة بني إرم. ولعدم وصول نصّ مدوّن بلهجة من لهجات هذه القبائل، لا نستطيع أن نبدي في الزمان الحاضر رأياً علمياً في شكل هذه ا اللهجات.
و "نبايوت" هو بكر إسماعيل وأهم القبائل الإسماعيلية في التوراة، وقد أعطاه هذه المنزلة أهل الأخبار أيضاً لأخذهم منها. ونحن لا نعرف الأسباب التي جعلت التوراة تعدّه أحسن أولاد "إسماعيل" أراعت في ذلك بعد القبيلة، أم راعت قربها من العبرانيين، أم ضخامتها وكثرة عددها بالقياس إلى القبائل الإسماعيلية الأخرى، أم أمورا أخرى جعلت العبرانيين ينظرون إليهم على أنهم أقدم تلك القبائل ? فليس في التوراة قواعد ثابتة تمشى عليها كتبة العهد القديم في تدوين الأنساب.
ويعرف "نبايوت" ب "نابت" و "نبت" عند الأخباريين. ومنه ومن قيدر، نشر الله العرب، على رأي أهل الأخبار. وقد جعل بعض الأخباربين نابتاً والداً لأ "يشجب"، مع أن "يشجب" هو ابن "يعرب" عند الأكثرين.
وقد ورد اسم "نبايوت" مع اسم "قيدار" في النصوص الآشورية: ويظهر أنهم كانوا أقوياء كثيري العدد. ويدل ورود اسمهم مع "قيدار" في التوراة في النصوص الآشورية على أنهم كانوا متجاورين. ولم تعين التوراة مواضع سكناهم، ولكن ورود اسمهم في رأس قائمة الإسماعيليين واقترانه بالأدوميين عن طريق المصاهرة ووقوف العبرانيين على أخبارهم، يدل كله على أنهم كانوا يقيمون في المناطق الواقعة في جنوب شرقي فلسطين وفي الأقسام الجنوبية الشرقية من بادية الشام.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|