وأما "مشماع"، وقد سمي "منمى" و "منسى" و "مسمع" و "مشماعة" في بعض الكتب العربية، فلا نعرف من أمره شيئاً. ويتصور بعض العلماء أن لهذا الاسم علاقة بقبيلة "بني مسماع" أو "جبل مسماع" "جبل مسمع" قرب تيماء.
ورأى "فورستر" أن "مشماع" هي قبيلة "Masmaos" التي ذكرها "يوسفوس"، على إنها من القبائل العربية التي كانت تعيش في أيامه. و يرى "فورسر" أيضاً أن قبيلة "Masaemanes" التي ذكرها "بطلميوس" هي هذه القبيلة كذلك. وهذا الاسم قريب من اسم "ماء السماء".
و "دومة" هو "دوما" في بعض الكتب العربية، وهو كناية عن موضع "دومة الجندل"، وقد عرف ب "دومانا" "Domatha" عند "بلينيوس" و ب "Doumaetha" "Dumaetha" عند "بطلميوس"، و ب "Adumu" "ادومو" في الكتابات الآشورية، وهو كناية عن موضع وعن اسم قبيلة عربية. فقد ورد أن شعباً اسمه "Dumathii" كان يقدم قرباناً، "ولداً" في كل سنة إلى آلهته، ويسنن ذلك القربان في معبد الإله. ويراد به شعب "دومة الجندل".
وقد ورد اسم "مسا" "Massa" في النصوص الآشورية مقروناً ب "تيما" "تيماء".ويرى بعض العلماء إنه كناية عن قبيلة كانت منازلها في المشرق والجنوب الشرقي من "موآب". ويرى بعض آخر أن مواطنها في الأرضين الجنوبية من وادي السرحان، وفي غرب منازل "عريبي" "اريبي".
وجاء في رسالة أرسلها أحد "المقيمين" الآشوريين إلى ملك آشوري لم يرد أسمه في الكتابة أن "ملك قمرو" "مالك قمرو" اين "عميطع" سيد قبيلة "مسئا" "Mas'a" غزا قبيلة "Naba'ti"، وقتل عدداً من أتباعها. الظاهر أن هذه القبيلة، هي القبيلة المذكورة في التوراة.
وأما "حدد" أو "حدار"، كما دُوّن في سفر التكوين، فإنه "أدد" عند بعض أهل الأخبار. وقد تكون لاسمه علاقة باسم الإلهَ "حدد" أو "أدد" المعبود الشهير الذي تعبد له الآراميون وقبائل عربية كثيرة، وكذلك الاشوريون و البابليون. ولا نعرف من أمر قبيلة "حدد" هذه شيئاً يذكر في الزمن الحاضر.
وأما "تيما"، فإنه "طما" في الكتب العربية، وهو كناية عن "تيماء"، وسوف أتحدث عنها. وأما "يطور"، وهو "وطور" وما أشبه ذلك في الكتب العربية، فقبيلة عرفت ب "Ituraea" في المؤلفات اليونانية واللاتينية. وقد حاربت العبرانيين، وكانت تقيم شرقي نهر الأردن في أيام الملك "شاؤول". ويظهر إنها هاجرت نحو الشمال، فسكنت في الأقسام الجنوبية من لبنان وفي الحافات الشرقية من جبال لبنان. وقد أجبر الملك اليهودي "ارسطوبولس الأول" "Aristobulus I" "107 قبل الميلاد" قسماً من اليطوريين على التهود. وكان قد استولى على أرضهم. وكان لهم ملوك. وفي أيام ملكهم "سوهومس" "سوحومس" "سوخومس" "Sohumus" أدخلت أرضهم في مقاطعة "سورية" وذلك في سنة "50" ب. م، وقد كابدت دمشق مصائب شديدة من غزوات اليطوريين.
وكانت مواطن اليطوريين في ما بين "اللجاة" "Trachonitis" و"الجليل"، وعرفت ب "جدورا"، وب "ايطورية". وقد عرفوا بمهارتهم في الرماية. وقد ذكرهم "سترابو". والظاهر أن مواطنهم الأصلية كانت في البادية،ومنها جاؤوا إلى "ايطورية" ثم ذهبوا إلى الأقسام الجنوبية من لبنان وإلى سهل البقاع. وقد ضيق عليهم الرومان في حوالي الميلاد وأجروا بعضهم على الرجوع إلى البادية ويظهر أن سبب ذلك هو عدم خضوعهم للسلطات وغاراتهم على الحضر. وقد قتل "مارقوس أنطونيوس" "Marcus Antonius"، ملك اليطوريين لمن في سنة "34" ق. م، وكان يدعى "ليسانياس" "Lysannias"، وتوفى "زنودوروس" "Zenodorus" الذي خلفه في سنة "20" ق. م، واستولى "هيرود الكبير" "Herodes the Great" على قسم من أرض اليطوريين. ولما قسمت مملكة "هيرود"، صارت هذه الأرضون من نصيب "فيليب".
.وفي أيام "لوقا"، كانت "Ituraea" منطقة، تقع على ما يظهر في شمال شرقي "بحر الجليل". ويخترق الطريق الروماني الذي عمله الرومان من "دمشق" إلى "طبرية" "طبريا" هذه المنطقة.
وقد كوّن اليطوريون لهم إِمارة أو مملكة في "البقاع"، كان حكامها رجال دين أي كهّاناً وملوكاً في آن واحد. وقد عرفنا منهم رجلاً اسمه "Mennaios" وهو اسم قريب من الأسماء العربية، فلعله "معن" 0 أما ابنه فقد سمى نفسه باسم يوناني، هو "بطلميوس" "Ptolemaios". وكان هذا الملك، أي "بطلميوس"، ولدان، هما: "Lysanias"، وقد تولى الملك من بعد والده و "فيليب" " "Philippion". وأما "زينودور" "Zenodor"، فقد خلف "Lysanias" وأما "Sohaimos" "Sohumus"، فإنه اسم قريب من "سحيم" ومن "سهيم" و "سخيم" و "سهم"، وأمثال ذلك، وهي أسماء عربية معروفة.
ويظهر أن ارتحال "اليطوريين" من الأقسام الشرقية من الأردن نحو الشمال، نحو دمشق، ثم سهل البقاع حتى ساحل البحر الأبيض، كان قبل القرن الثاني قبل الميلاد. ولعلهم هم العرب الذين ذكر أن الاسكندر الكبير كان قد حاربهم بعد حصاره لمدينة "صور" "Tyros".
وقد كوّن الرومان فرقاً محاربة من "اليطوريين"،اشتركت معهم في الحروب. وقد امتازت بعض هذه الفرق في حذقها بالرمي. وكوّن "مارك أنتوني" "Marcus Antonius" حرساً خاصاً منهم، أشير إليهم في الموارد اليونانية و اللاتينية.
و "نافش" "Naphish"، هو "نفيس" عند الأخباربين. ويرى بعض علماء التوراة احتمال كون "بنو نفسيم" "Naphisim" المذكورين في سفر "عزرا" هم "نافش" هؤلاء
وأما "قدمة"، فهو "قيدمان" و "قيذما" وما شاكل ذلك في المؤلفات العربي ة، ولا نعرف من أمرهم شيئاً يذكر في الزمان الحاضر، ولعلهم "القدموينين" الذين أدخلت أرضهم في جملة "الأرض الموعودة" المذكورة في التوراة. وكانت مواطنهم عند "البحر الميت". ومن العلماء من يظن أن لهم صلة ب "بني قديم" "Bene Kedem"، أي "أبناء الشرق". وذهب "فورستر"، إلى احتمال كون "قدمة" موضع "رأس كاظمة" على الخليج. ولما كانت "قدمة" من القبائل الإسماعيلية، وقد ذكرت مع القبائل الإسماعيلية في التوراة، ومواطنها كلها لا تبعد كثيراً عن فلسطين، فإني أرى أن مواطن هذه القبيلة يجب أن تكون أيضاً في هذه المواضع،أي في مكان لا يبعد كثيراً عن فلسطين.
والغالب على أبناء إسماعيل البداوة، أي حياة التنقل والغزو والرماية، لذلك كانت ملاحظة التوراة عن إسماعيل من إنه سينشأ رامياً، ملاحظة حسنة، تدل على تبصر بأمور "الإشماعيليين" الذين كانوا يقومون بالغزو ويرمون بالسهام.
أما المجموعة الثالثة من مجموعات أنساب العرب المذكورة في التوراة، فإنها مجموعة قبائل نسبت إلى "قطورة" زوج "إبراهيم. وقد ذكرت التوراة إنها ولدت له "زمران، ويقشان، ومدان، ومديان، ويشباق، وشوحاً". وولد يقشان: في، وددان. وكان بنو ددان: أشوريم، ولطوشيم، ولأميم. وبنو مديان: عيقة، وعفر، وحنوك، وأبيداع، والدعة، و يبلغ عدد القبائل المنحدرة من " قطورة" ست عشرة قبيلة.
ف "قطورة" إذن هي مجموعة قبائل مثل الإسماعيليين واليقطانيين، وهي تتفق مع القبائل الإسماعيلية في أفها تنحدر من صلب إبراهيم، وهي من هذه الناحية أقدم عهداً مهن القبائل الإسماعيلية، لأن والد هذه القبائل هو إبراهيم. أما والد القبائل الإسماعيلية، فهو إسماعيل، وهو ابن إبراهيم.
والأسماء المذكورة كناية عن قبائل عربية، ألّفت مجموعة خاصة، كان حلفاً ، على ما يظهر تألف من قبائل رجعت نسبها إلى أمل واحد، هو "قطورة". انتشرت قبائله في الأرضين الواقعة بين القبائل العربية الإشماعيلية وبين القبائل اليقطانية. وتشير قصة زواج "إبراهيم بقطورة إلى صلة القطوريين بالإشماعيليين، والإشماعيليون من صلب إسماعيل بن إبراهيم، ويؤخذ على إنه كناية عن اختلاط قبائل المجموعتين، أي الحلفين بتعبير أصح. ووجود أسماء بعض قبائل يقطانية وبعض قبائل كوشية في قائمة أسماء أبناء قطورة، هو أيضاً دليل على وجود صلات بين هذه الاحلاف الثلاثة وعلى تداخل القبائل واختلاطها بعضها ببعض.
أما أولاد "قطورا" عند أهل الأخبار، فهم: يقسان، وزمران، ومديان، ويسبق، وسوح، وبسر على رواية، ومدن ومدين ويقسان وزمران ويسبق وسوح على رواية أخرى. ومدن ومدين ويقشان، وزمران، وأشبق، وشوخ. وقد أخذت هذه الأسماء كما نرى من التوراة، إلا إن من أخذها حرّف فيها بعض التحريف، وخالف الترتيب الموجود للأسماء في التوراة فقدّم وأخر، وأضاف أسماء جديداً هو "بسر" على الرواية الأولى، وضعه فى مكان "مدان"، إلا أن الطابع التوراتي ظل بارزاً واضحاً عليها. فلا حاجة بنا إلى إرجاع كل اسم منها إلى الاسم المقابل له في التوراة.
وزوج أهل الأخبار "يقشان" "يقسان"، من امرأة سموها "رعوة بنت زمر بن يقطن بن لوذان بن جرهم بن يقطن بن عابر"، و أولدوا لها ولداً. دعوه "البربر"، قالوا عنه إنه جدّ البربر. وهو زواج لا تعرف عنه التوراة شيئاً، وأما الزوج "رعوة بنت زمر بن يقطن"، فليس لها ذكر فيها أيضاً، وأما نسبها، فهو نسب اخترعه من اخترعها، وليس له لذلك ذكر في التوراة. وأما "بربر" ابن "رعوة" فهو من صنع صانع أخبار أمه. وليس له ذكرٌ ما في التوراة.
ولفظة "بربر" في الكتاب المقدس لفظة تعني "الغريب"، وهي من أصل يوناني، وقد أطلقها اليونان على الغرباء الناطقين بلغة أخرى غير اللغة اليونانية. ولم تستعمل علماً على جنس معين له جد وآب ونسل. ولذلك، فإن ربط نسب "البربر"، وهم سكان المناطق المعروفة من شمال إفريقية به "رعوة" و بقحطان، هو من صنع "أهل الأخبار"، وقد وقع في الإسلام بالطبع، وبعد الفتح الإسلامي لتلك المناطق، لغايات سياسية، على نحو ما حدث من ربط نسب الفرس واليونان والأكراد بالعرب.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|