الهاجريون
وذكر في التوراة اسم شعب سكن في شرقي الأردن وفي شرقي أرض "جلعاد"، عرف باسم "الهاجريين". وهم من العرب أو بن "بني إرم" في رأي بعض العلماء. غير أن إطلاق هذه اللفظة على الإسماعيليين، يدل على إن المراد بهم العرب بم لأن "الإسماعيليين" هم عرب، وأن "هاجر" كناية عن أم "إسماعيل" جد" القبائل التي تحدثت عنها على رأي التوراة. وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مراد التوراة من "الهاجريين" الأعراب، أي البدو وهم عرب أيضاً. وقد امتدت منازل الهاجريين من الفرات إلى "طور سيناء"، فهي منطقة واسعة تشمل البادية: بادية الشأم، وتضم عدداً كبيراً من الأعراب. وهي منازل "الإسماعيليين" أيضاً، وقد يكون هذا هو السبب في عدم تميز التوراة أحياناً فيما بين الهاجربين و الإسماعيليين. وقد ذكروا مع "يطور" "Jetur" و "Naphish"، وهما من الإسماعيليين. وأشير إلى اسم رجل من الهاجريين عرف ب "يازيز" "Jaziz"، ذكرت التوراة إنه كان يرعى بغنم داوود في جملة أشخاص كان "داوود" قد أودع إليهم أمر إدارة أمواله.
وبعد، فهذا كلام موجز في أثر التوراة على روايات أهل الأنساب والأخبار في أنساب العرب. وقد رأيت أن مروجيه ومدخليه بن العرب هم أهل الكتاب، ومعظمهم من يهود أو من مسلمة يهود. لهذا ترى أسانيد اكثر هذه الروايات تنتهي بى "كعب الأحبار" و "وهب بن مني
وأضرابهما. وقد ينتهي السند ب "ابن عباس"، من طريق "ابن الكلبي" عن أبيه، عن أبي صالح، وللعلماء كلام في هذا السند. و "ابن الكلبي" مورد مشهور معروف في هذه الموضوعات، لا يقابله في ذلك إلا "ابن إسحاق الذي غرف، كما ذكرت في أول هذا الفصل، من مناهل أهل الكتاب، وكان يسميهم أهل العلم الأول، فملأ كتابه لذلك بغث كثير، لاعتماده على هؤلاء وتوثيقه لهم، ولم يكن لأكثرهم كما يظهر من نقد ما نسب إليهم علم بما جاء في التوراة. و بكتب اليهود الأخرى.
وقد ظهر لي من دراساتي لهذا الموضوع وللقصص الإسرائيلي عامةً أن كثيراً من هذا الذي يرويه أهل الأخبار في النسب وفي القصص، بعيدٌ عما يرد في التوراة، وقد اخترع اختراعاً وص خ بغباوة وبجهل، وحشي بالفاظ عبرانية أو قريبة منها، بطريقة مضحكة أحياناً، تدل على خبث واضع الخبر أو جهله، وعلى سذاجة الناقل عنه وعلى عدم اهتمامه إلاّ بإِظهار نفسه بمظهر الواقف على عدم اهتمامه إلا بإظهار نفسه بمظهر الواقف على الأخبار، ونذلك كان لا يهمه إلاً جمع الأخبار وقصها لناس، وقد يكون هو واضع تلك الأخبار وصانع ذلك القصص.
وقد ذكر "الطبري" في تأريخه حديثاً يرجع سنده إلى رسول الله، في أبناء نوح، زعم أن الرسول قال: "سام أبو العرب، ويافث أبو الروم" وحام أبو الحبش". ذكره بصور مختلفة، فيها تقديم وتأخير، أو زيادة في بعض الألفاظ. ويتصل أسانيد هذا الحديث بمختلف صور رواياته إلى سند واحد، هو: "سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة ابن جندب، عن الرسول".
وهناك أحاديث، وردت في موضوع نسب عدنان، فيها نهي عن تجاوز ما وراء ذلك، وهي وأمثالها يجب أن تكون موضع دراسة مستقلة حقاً، لترى سلاسل سندها، ومقدار قدمها أو بعدها من حديث الرسول. فعلى مثل هذه الدراسة نستطيع أن نبني أحكاماً في موضوع رأي النسابين في نسب العرب في أيام الرسول.
ولا بد لي هنا من التنبيه على أن "محمداً بن اسحاق بن يسار" صاحب المغازي والسير، هو - كما قلت مراراً - من الآخذين عن أهل الكتاب، الراوين عنهم. وكان يسميهم أهل العلم الأول. وهم بالطبع من هذه الناحية أعلم من غيرهم بأمور التوراة والإنجيل، بحكم كونهم يهوداً أو نصارى. وهذا في المؤرخين و الأخباريين يروون ما ورد من قصص توراتي ومن أنساب توراتية عن "ابن اسحاق"، فهو اذن أحد الناشرين للإسرائيليات بين المسلمين. والقصص الإسرائيلي الذي نشره، ليس في الواقع قصصا إسرائيلياً صافياً خالياً من الكدرة، بل هو متفاوت في درجات النقاء والصفاء. فيه العكر، وفيه ما هو قريب مما جاء في التوراة، وفيه ما هو مطابق لما جاء في "العهد القديم"، فهو نفي صاف. ويعود سبب هذا الاختلاف إلى الموارد التي استقى منها "ابن إسحاق علمه. ففيها منابع كانت ذات علم ووقوف على كتب أهل الكتاب، وفيها موارد مدعية أو ليس لها حظ من العلم، و إنما تحدثت إليه على نحو ما كان شائعاً بين أهل الكتاب، وبينها موارد استباحت الكذب، ادعاءً للعلم ولأسباب أخرى، ومن هتا اختلفت موارد "ابن إسحاق" في درجات النقاء والصفاء.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|