قيل لأبي الدقيش الاعرابي: "لم تسمون أبناكم بشر الأسماء نحو كلب وذئب، وعبيدكم بأحسنها نحو مرزوق ورباح?"، فقال: "إنما نسمي أبناءنا لأعدائنا وعبيدنا لأنفسنا". وتعرض الجاحظ لهذا الموضوع أيضاً، فقال: "والعرب إنما كانت تسمي بكلب وحمار وحجر وجعل وحنظلة وقرد على التفاؤل بذلك. وكان الرجل إذا ولد له ذكر، خرج يتعرض لزجر الطير والفأل، فإن سمع إنساناً يقول حجر أو رأى حجراً، سمى ابنه به وتفاءل فيه الشدة والصلابة والبقاء والصبر وانه يحطم ما لقي، وكذلك إذا سمع إنساناً يقول ذئب أو رأى ذئباً تأول فيه الفطنة والمكر والكسب، وإن كان حماراً تأول فيه طول العمر والوقاحة والقوة والجلد، وان كان كلباً تأول فيه الحراسة واليقظة وبعد الصوت والكسب". ويظهر مما تقدم أن موضوع التسميات عند العرب كان من الموضوعات التي لفتت إليها الأنظار، لما في كثير منها من غرابة وخروج على المألوف، فانبرى بعض العلماء في شرح الأسباب التي أدت بالعرب إلى اتخاذ تلك التسميات، وإلى ذكر العلل التي دفعتهم عليها كالذي نراه في بحث "ابن دربد" في كتابه "الاشتقاق"، حيث ذكر في مقدمته كل الأسباب التي رآها وتوصل إليها في بحثه عن هذا الموضوع، الذي أثار جانباً منه "رويرتسن سمث" وغيره من المستشرقين.
كما سموا بعبد العزى، و عبد ود وعبد مناة وعبد اللات و عبد قسي و نحو ذلك، مما فيه إضافة العبودية لأحد الأصنام.
والمتعارف عليه في الإسلام، هو إرجاع النسب إلى الأب. أما الانتساب إلى الأم،فانه قليل الوقوع. ولهذا يعد الرجل عربياً إذا كان والده عربياً، لا يؤثر فيه نسب أمه إن كانت أعجمية. أما قبل الإسلام، فإن النسب وإن كان تابعاً لنسب الأب، إلا أنه قد يلاحق الولد بالأم. وبالرغم من هذا العرف، فإن العرب في الماضي وفي الحاضر يقيمون وزناً كبيراً لدم الأمهات، بل قد تزيد أهميته عندهم على أهمية دم الأب. والمثل العراقي العامي "ثلثين الولد على الخال"، خير تعبير عن وجة نظرهم تلك، فإنه يمثل نزعة عرق الخال. وهي من النزعات التي أقام لها الجاهليون وزناً كبيراً عندهم.
أما وجهة نظر العلم الحديث، فإن لدم الأبوين أثراً متساويا في المولود. وهذا فان موضوع النسب إلى الأب أو الأم، موضوع لا يعالج عنده بالعرف والعادة، بل يعالج وفق قواعد العلم المقررة لديه. وبناءً على ذلك يجب أن نقيم وزناً لموضوع التزاوج المختلط بين العرب والغرباء، وقد كان معروفاً وشائعاً في الجاهلية أيضاً، إذ تزوجوا من الرقيق، ولاسيما الرقيق الأبيض ونسلوا منه،
كما سكن في جزيرة العرب آلاف من الغرباء قبل الإسلام واندمجوا في أهلها. وتركوا أثراً في دماء أهلها، يختلف باختلاف مقدار الاختلاط. ويتبين ذلك وضوح في سحن سكان السواحل، لأنهم أكثر عرضة للاختلاط من أبناء البواطن والنجاد.
ولا تختلف أسماء القبائل العربية في طبيعتها عن طبيعة أسماء القبائل عند الشعوب الأخرى، ولا سيما قبائل الشعوب المسماة: الشعوب السامية. فهي أسماء آباء وأجداد ترد غالبا في شكل أسماء ذكور، وترد في الأقل في صورة أسماء نساء، وتعدّ عندئذ أسماء أمهات، أي أمهات قبائل، وهي كما قلت قبل قليل ليست أسماء أعيان بالضرورة، فبينها أسماء مواضع نسب سكانها إليها، فصارت بمرور الزمن جداً، وأباً، أو أماً. وبينها أسماء آلهة و اصنام، تعلق المؤمنون بها حتى نسبوا إليها، وبينها أسماء طواطم. ونجد بن أسماء القبائل العربية أسماء ترد عند العبرانيين وعند غيرهم من الشعوب السامية أعلاماً لقبائل كذلك، وقد يكون من المفيد جداً دراسة هذه الأسماء ومقابلتها بعضها ببعض، ودراسة أسماء القبائل العربية دراسة مستفيضة لمعرفة أصولها وتطورها ومراجعة الموارد الأعجمية والكتابات الجاهلية للعثور على تلك الأسماء فيها وتعيين زمن ظهور الاسم فيها لأول مرة.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|