وقد عثر رجال شركة "أرمكو" للبحث عن البترول في العربية السعودية على بقايا عظام وأسنان لبعض الحيوانات "الحلمية" "Mastodon" وعلى قسم من جمجمة حيوان قديم في موضع يبعد تسعين ميلاً إلى الغرب من "الدمام" ووجد مثل هذه البقايا الحيوانية في أنحاء أخرى من جزيرة العرب، ولكن ما عثر عليه لا يزال قليلاً، لا يكفي لإعطاء آراء علمية عن الحياة في جزيرة العرب في التأريخ القديم.
وقد تعرضت تلك المقابر لعبث الطبيعة ولعبث الطامعين بما فيها من أشياء ثمينة، لذلك أصاب أجسام الموتى التلف، ولم يبق منها غير بقايا من جسيم، إلا ما كان من مقابر البحرين، فقد أعطت الباحثين هيكلن كاملين لم يصبهما أي سوء أو تلف. فقد تبين من فحصهما إن أهل الميت وضعوا جسمي الميتين على الجانب الأيمن ووجهوا الوجهين نحو المشرق، وأمدوا رجلي الميتين. ويبعث وضع الميتين على هذه الصورة الاحتمال بأن أهل البحرين كانوا يتبعون هذه العادة في دفن موتاهم، وهي عادة كانت عند آهل العراق أيضاً، في الألف الثالثة قبل الميلاد.
وقد عثر في مواضع من جزيرة العرب على مقابر تبين إنها من نوع المقابر التي يقال لها "تمولي" "Tumuli"، التي عثر عليها في البحرين في نهاية القرن التاسع عشر.
أما مقابر البحرين، فهي تلال تكونت من قطع من الصخور، وضع بعضها فوق بعض، لتكون غرفة أو غرفتين، تكون احداهما فوق الأخرى في الغالب، تتخذ قبراً يوضع فيه الموتى، وتكون سقوف الغرف من ألواح الصخور. وبعد إغلاق باب القبر يهال التراب على الصخور، حتى تتخذ شكل تلال. وقد عثر على بقايا خشب فيها، مما يدل على استعمال الخشب في بناء.هذه القبور التي يصل قاعدة بعضها إلى حوالي خمسين ياردة في العرض وحوالي ثمانين قدماً في الارتفاع. ويقدر الباحثون الذين بحثوا عن هذه المقابر عادها بزهاء خمسين ألف تل، وبزهاء "100" ألف تل في تقدير بعض آخر، أي خمسين ألف قبر أو "100" ألف قبر. قبر فيها الإنسان والحيوان جنبا إلى جنب، كما يتبين ذلن من بقايا العظام التي عثر عليها فيها. والغالب أنهم دفنوا الحيوان مع الإنسان، ليستفيد منه الميت في العالم الثاني في عقيدة أهلها يومئذ، وكما نجد ذلك في اعتقاد المصريين واعتقاد غيرهم من الشعوب، ولهذا دفنوا مع الموتى أواني وأدوات بيتية وحلياً وجواهر وفخاراً وغير ذلك مما يحتاج إليه الإنسان.
وقد عثر في هذه المقابر على عدد من الجرار، تشبه الجرار المستعملة في الوقت الحاضر، مما يدل على أن الناس في الوقت الحاضر لا يزالون يسيرون على سيرة أجدادهم الذين عاشوا قيل الميلاد في عمل الجرار وسائر الخزف.
وقد صنعت تلك الجرار من الطين، وضعه الخزاف على قرص دولاب يديره برجليه. واستعمل يديه في اكتساب الطين شكل الجرة التي يريدها. ويميل لون هذه الجرار إلى الحمرة. كما عثر على قشور بيض النعام، وقد قطعت بصورة تجعلها كأساً يشرب بها. وعثر على أدوات أخرى، وكل ما عثر عليه غير. مكتوب ولا مؤرخ، لذلك لا نعرف من أمره اليوم ولا من أمر أصحابه شيئاً.
وعثر رجال شركة "أرمكو" على عدد كبير من هذه المقابر على حافات جبل "المذرى" الشمالي، قدرها "كورنول" بالألوف، وعثروا كذلك على عدد آخر من هذه المقابر في جبل "المذرى" الجنوبي. وقد حافظت بعض هذه القبور على أشكالها محافظة جيدة، %538 ويشبه بعضها القبور التي عثر عليها "فلبي" في الأقسام الجنوبية الغربية من جزيرة العرب. وولمجد "كورنول" مقابر أخرى في موضع "الرديف" الواقع على بعد "110" أميال من شمال غربي "الدمام"، وفي موضع يقع شمال "عين السبح"، بمسافة أربعة أميال، حيث بلغ قطر أحد تلك المقابر "33" ياردة وارتفاعه "13" قدماً. وقد يمكن من الحصول على هيكل عظمي وعلى فخار وقطع من العاج وقشور بيض للنعام وأسلحة مصنوعة من البرنز.
وعثر على مقابر في موضع "المويه" الواقع على "143" ميلاً من شمال شرقي مكة. وقد وصف "فلبي" المقابر التي عثر عليها في "الرويق" وفي مرتفعات "العلم الأبيض" و " العلم الأسود"، فقال: إن أكثرها قد عبث به العابثون، فاًخذوا ما كان داخل الغرف التي كان يوضع فيها الموتى من ذخائر ومواد، وهي مختلفة الأحجام والارتفاع. ويظهر من وجود هذه المقابر في محال صحراوية بعيدة عن مواضع العمران وفي أماكن لا يقيم فيها الناس، أن هذه المناطق كانت مأهولة قبل الإسلام، وأنها كانت ذات تأريخ قديم جداً، ربما يرجع في رأي "فلبي" إلى أيام قدماء "الفينيقيين" وربما كان "الفينيقيون" في رأي "فلبي" أيضاً من الأفلاج والخرج، حيث هاجروا بعدئذ إلى البحرين.
وقد سمع "فلبي" بوجود مقابر أخرى من هذا النوع، تعرف بين الناس باسم "الخشبة". وسمع "Thesiger" بمقابر أخرى في موضع "رهلة جهمين". و عثرت شركة "أرمكو" على مقابر عادية كثيرة العدد في "وادي الفاو" و "القرية"، لم تحدد هوية أصحابها حتى الآن. وقد زارها "فلبي" ووصفها، وتبين له أن الموضع وهو "القرية"، كان محاطاً بسور، وجد في داخله آثار بيوت ومقابر،
وبين أنقاض المقابر أحجار مكتوبة تدل على إنها كانت شواهد قبور. وعلى مسافة من "القرية" كتابات وصور حيوانات مثل النعامة والأيل، وصور أناس نقشت على الصخر.
ويظهر من وصف "جيرالد دي كوري" "Gerald de Gaury" "وفلبي" لمقابر الخرج إنها كثيرة العدد، وأنها في مواضع متعددة من هذه الإيالة عند، "فرزان" و "السلمية" و "السلم"، وهي متفاوتة الأحجام والارتفاع. ولم يتمكن "دي كوري" من تعيين تاًريخها، ولا يمكن التثبت من ذلك بالطبع إِلا بعد القيام بحفريات دقيقة وفحوص للعظام ولمحتويات القبور لمعرفة مكانها في التأريخ.
وقد وجد أن أبواب مقابر البحرين قد وضعت في الجهة الغربية، مما يبعث على الظن على أن لهذا الوضع صلة بدين القوم الذين تعود إليهم تلك المقابر.
وقد وجد أن المواد والأدوات التي عثر عليها في هذه المقابر تشبه المواد والأدوات التي عثر عليها في المقابر الأخرى التي عثر عليها في المواضع المذكورة من جزيرة العرب. ويظن بعض الباحثين أن أصحاب هذه المقابر كانوا يقيمون في الجهة المقابلة لجزيرة البحرين من الجزيرة،
أي على ساحل الخليج، وكانوا قد اتخذوا الجزية مقبرة لهم، فينقلون إليها موتاهم لدفنهم هناك. ومنهم من يرى أن تلك المقابر هي مقابر رؤساء الفينيقيين وأشرافهم الذين كانوا يقطنون البحرين، وأن عهد تلك المقابر يرجع إلى ما بين 3000-1500 سنة قبل الميلاد.
وقد عثرت البعثة الدانماركية في سنة "1959 م" في البحرين جنوب طريق "البديع" على أربع مقابر تبين من فحصها إنها ترجع إلى العصور الحجرية. وعثر السياح على تلال في مواضع متعددة من عمان وقطر، تبين إنها مقابر لعهود سبقت الميلاد.
وليست لدينا الآن دراسة علمية شاملة عن هذه المقابر: مقابر البحرين، ومقابر المواضع المذكورة من جزيرة العرب، إلا أن آراء من زاروها ورأوها، تكاد تتفق في القول بوجود ترابط في الزمن فيما بينها، ويرجعون أيامها إلى عصر ال "Chalcolithic" أو إلى العصر البرنزي. ومنهم من يرى إنها من العصر البرنزي المتأخر، ويرى أن المقابر المقامة على المرتفعات هي مقابر جماعة من الصيادين أو الرعاة. أما المقابر المقامة على السهول المنبسطة فيرون لنها مقابر قوم مزارعين مستقرين.
%541
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|