وقد عثر على مواد مصنوعة من حديد من العصر الحديدي، غير إنها قليلة لا يمكن أن تكوّن لنا رأياً واضحاً من العصور الحديدية في جزيرة العرب.
وعثر على بقايا جماجم بشرية في "الظهران" تبين من دراستها وفحصها على إنها من العصور "البرنزية".
وتدل الأدوات المكتشفة على قلتها على أن شعوب جزيرة العرب حتى في الأزمان البعيدة عن الميلاد كانت على اتصال بالعالم الخارجي ولا سيما العراق وبلاد الشام وحوض البحر المتوسط والقارة الإفريقية،وإنها كانت تستورد منها ما تحتاج إليه من مواد وتبيع لها ما عندها من سلع خام أو من سلع تستوردها من السواحل الإفريقية أو الهند، وأنها لم تكن في يوم من الأيام بمعزل عن بقية العالم.
والعراق وبلاد الشام، أي الأرضون التي يقال لها "الهلال الخصيب" في الزمان الحاضر، هي مهن الناحية الطبيعية وحدة لا يستطاع فصلها عن جزيرة العرب، وامتداد طبيعي لها. وليست البادية الواسعة التي يملا باطن الهلال إلا جزءاً من جزيرة العرب، وامتداداً لها، لا يفصلها عنها فاصل، ولا يحد بينها حدّ، و إذا ما تنقلت من بادية الشام إلى بوادي المملكة العربية السعودية، فلا تجد أمامك شيئاً يشعرك بوجود فروق بين طبيعة هذه الأرضين الواسعة، أو وجود حواجز يمنع سكانها من الهجرة نحو الشمال أو إلى الجنوب.
وهذا كان من الطبيعي تنقل الناس في هذين الأرضين منذ وجدوا فيها وظهروا عليها بكل حرية، وبحسب الظروف السياسية والعسكرية والاقتصادية.
وتأريخ ظهور العرب في بادية الشام وفي أطراف الهلال الخصيب، تاريخ قديم جداً، ولكننا لا نستطيع تحديد مبدئه، ولا تثبيته، لأننا لا نملك أدلة علمية تعينه وتحدده. ثم إن كلمة "العرب" لم تكن تعنى عند الشعوب التي عاشت قيل الميلاد، غير معنى "أعراب"، وكانت إذا ما ذكرت لفظة "عرب" تقصد البدو على نحو ما ذكرت في الفصل الأول في تحديد معنى هذه اللفظة. أما العرب المستقرون، أو شبه الحضر، فقد عرفوا عندهم بأسمائهم، ولهذا اشتبه أمرهم علينا، وعثر على العلماء تعيين هوياتهم، لعدم نص الكتابات أو الكتب القديمة علا انهم عرب بمعنى جنس للسبب المذكور، فصرنا في حيرة من أمرهم، وفي التوراة أسماء قبائل كثيرة، نسبت إلى آباء وأجداد، يجبّ أن تعد من العرب، ولكن التوراة لم تطلق عليها لفظة "عرب"، لأنها لم تكن قبائل بدوية وليست اللفظة فيها إلا بهذا المعنى، فحار العلماء في تعيين أصل كثير منها، وما زالت حيرتهم هذه حتى اليوم. وليس من المستبعد أن يكون بين الشعوب القديمة شعوب عربية، إلا إنها لم تعد من العرب لأن اللفظة لم تكن علماً على جنس قبل الميلاد.
تعد من العرب لأن اللفظة لم تكن علماً على جنس قبل الميلاد.
و إذا ما أخذنا بنظرية القائلين إن جزيرة العرب هي مهد الساميين، جاز لنا أن نقول عندئذ إن معظم أهل الخصيب والبادية هم من معمل تفريخ الجنس السامي الكائن في تلك الجزيرة، وان ذلك المعمل هو الذي أمدّ هذه الأرضين الممتدة من إيران إلى البحر المتوسط بسلالات الساميين. فصلة جزيرة العرب بالهلال الخصيب صلة قديمة ترجع إلى الأيام الأولى من أيام الساميين، على هذه النظرية، وربما ترجع إلى أقدم س تلك الأيام.
وسنرى فيما بعد أن حكام العراق كانوا قد استولوا على العروض في الألف الثالثة أو قبلها قبل الميلاد، وانهم نزلوا في البحرين وفي جزر أخرى من جزر الخليج، وان أصل الفينيقين هو من البحرين في رأي كثير من العلماء، منها هاجروا إلى أرض "فينيقية" وسواحلها، وما كان ذلك ليتم لو كانت جزيرة العرب بمعزل عن الهلال الخصيب أو عن بادية الشام، أو إن الهلال والبادية كانا بمعزل عن جزيرة العرب.
وقد ذكر إن جماعة من تجار "أور" كانوا يتاجرون في حوالي السنة 2000ق.م مع البحرين.
وكانوا قد انشأوا أسطولاً لنقل التجارة. ويقال إن "سرجون" الأكادي استولى في حوالي السنة "2300 ق. م." على البحرين وقطر، وان البحرين كانت في حوالي السنة "1750 ق. م." في يد قبيلة اسمها "كاروم" "أجارم" "Agarum"، وهو اسم قريب من "أجرم"، و إنها كانت تدفع الجزية إلى الملك "اسرحدون". وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "Agarum" هم أهل مدينة "هجر" التي هي الأحساء.
وقد كانت العلاقات التجارية مستمرة دوماً بين البحرين وبين العراق. إذ كانت "دلمون" محطة مهمة جداً للتجارة بين المهند وإفريقية وسواحل الخليج والعراق. تستورد الأخشاب من الهند ومن إفريقية كما تستورد الحاصلات الأخرى وتنقل النحاس من عمان، فتبيع ذلك إلى جنوب العراق، وربما حملت تلك التجارات بسفن يملكها أهل "أور" أو غيرهم خلال نهر الفرات، لنقلها من
هناك إلى بلاد الشام ومنها إلى البحر المتوسط لبيعها إلى أهل اليونان وبقية أرجاء "أوروبة". وقد تبين من الأخبار التي تعود إلى أيام الأسرة الثانية من أسر "أور" إن سفن ذلك الوقت "2200 - 2100 ق. م" كانت تقوم برحلات منتظمة فيما بين البحرين و "أور"، وذلك نقل ما يرد إلى هذه الجزيرة من نحاس ومن أحجار ثمينة من عمان، و من ذهب وأخشاب وأفاويه ومواد أخرى ثمينة من الهند.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|