وقد وجد بعض الباحثين كتابات كلدانية تشبه حروفها الحروف العربية الجنوبية القديمة، أي حروف المسند، واستدلوا من ذلك على أن أولئك المهاجرين الذين ربما كان أصلهم من عمان هاجروا إلى ساحل الخليج، ثم انتقلوا منه إلى العراق، ونقلوا معهم خطها القديم، الذي تركوه بعد ذلك حيا استقروا في العراق، لتأثرهم بالمؤثرات الثقافية العراقية. والنماذج القديمة من كتاباتهم التي عثر عليها الباحثون، وإن لم تتحدث عن أصل أصحابها، إلا أن خطها المذكور يشير إلى إنه من العربية الشرقية.
وقد ذهب "سترابو" إلى أن "Gerrha" التي تقع عند "العقير" كانت في الاصل موضعاً للكلدانيين "Chalaer"، وكانت ذات تجارة مع أهل بابل مزدهرة.
على كل فالذي يتبن لنا من الأخبار السومرية والأكدية والآشورية وغيرها أن أهل العربية الشرقية كانوا قد كوّنوا لهم حكومات مدن وذلك قبل الألف الثالثة قبل الميلاد، صرفت جل عنايتها نحو التجارة وركوب البحار للاتجار، والاستفادة من البحر لاستخراج ما فيه من سمك و "لؤلؤ"، واستغلال ما في أرضها من ماء للزراعة عليه. والطبيعة هي التي فرضت على أهل هذا الساحل هذا الشكل من الحكم، لأنها لم تمنحهم أمطاراً وافرة نمكنهم من استغلال أرضهم،
ولم تعطهم أنهاراً كبيرة طويلة تساعد في نشوء العمران عليها وتكوين حكومات مطلقة، كما في العراق أو في وادي النيل، لذلك انحصرت السكنى في مواضع متناثرة من الساحل، فصعب على السكان تكوين حكومة مطلقة واحدة يكون الحكم فيها حكما مركزاً في أيدي الملوك، لتباعد المدن بعضها عن بعض، لذلك صار الحكم فيها حكم مدن، على المدينة "ملك" أو رئيس يدير شؤون الجماعة، إلاً أن هذا الوضع جعلهم عرضة للغزو إذ طمعت فيهم الحكومات الكبيرة كالذي رأيناه من غزو السومريين والأكديين لهم، وكالذي سنراه فهيما بعد من غزو الآشوريين واليونانيين وغرهم لهذه الأرضين.
لقد استورد السومريون والأكديون الذهب والحجارة الصالحة لصنع التماثيل، والأخشاب لبناء المعابد، والأشياء النفيسة الأخرى من "دلمون" ومن "ملوخا" ومن "مكان" "مجان"، وهي أماكن يرى كثير كل من العلماء إنها في العربية الشرقية، وقد تكون تلك المواد من الأموال المستوردة من الهند. على كل حال، فقد توسطت تلك الأماكن في استيرادها وإيصالها إلى العراق، بفضل مهارة سكانها في تسخير البحر وتيسيره، وقد ترك الفتح العراقي فيها أثراً كبيراً يظهر في الآثار العراقية التي استخرجت من باطن الأرض وفي فن العربية الشرقية المتأثر بالفن العراقي.
وقد اثر انتقال ثقل الحكم من "أور" ومن القسم الجنوبي من العراق إلى وسطه تأثراً كبيراً في ثراء "اور" واقتصادها، فقد كان في هذه المدينة تجار كوّنوا لهم شركات بحربة لنقل التجارة بين هذه المدينة ومدن الخليج، وربما إلى %570 مدن الهند أيضاً. وقد أثر ذلك فيهم بصوره خاصة حين وضع "حمورابي" أنظمة تحدد الاتجار البحري في ذلك العهد. وقد افتخر ملك "آشور"، الملك "تكولتي - ننورتا" "Tukulti-Ninurta" "1244- 1208ق. م."، بأنه وسّع حدود مملكته في الجنوب، بأن استولى على "سومر" و "أكد"، وثبت حدودها الجنوبية عند "البحر الأسفل حيث مشرق الشمس". ويعني بذلك الخليج، غير إنه لم يشر إلى الأرضين التي استولى عليها في هذا الخليج.
هذا كل ما نعرفه اليوم عن تأريخ العرب في العهود القديمة. و هو كما رأينا نزر يسير،أخذ من بحوث أفراد ومن بحوث عرضيةُ حصل عليها عند البحث عن البترول، وأملنا في زيادة علمنا بتلك العهود هو في قيام بعثات علمية بالبحث عن الآثار والعاديات لاستنطاقها عن أحوال تلك العهود. وليس أمامنا بعد هذه المقدمة إلا الد********* في العصور المعروفة التي وصل إلينا بعض أخبارها في الكتابات وفي الموارد الأخرى.
وقد كان لأعمال الحفر التي قامت بها شركة "دانماركية" أرسلها متحف ما قبل التأريخ في "Aarhus" بالدانمارك فضل كبير في الكشف عن صفحات مطوية من تأريخ سواحل الخليج. فقد تمكنت هذه البعثة من العثور على آثار من عهود ما قبل العصور التأريخية في البحرين وقطر و "أبي ظي"، كما تعقبت آثار السكنى القديمة في البحرين وعمان وبقية الساحل، وعثرت على معابد قديمة مثل معبد "بربر" "باربار" في البحرين و "تل قلعة البحرين" في البحرين، وتوصك بذلك إلى نتائج قديمة جداً رجعت بتأريخ هذه البلاد إلى عصور بعيدة جدا عن الميلاد، وكان من أعمالها الكشف عن آثار "فيلكا" في الكويت.
وقد تبين من دراسة البعثة الدانماركية لآثار معبد "بربر" "باربار" في البحرين، إنه معبد عتيق: يرجع عهده إلى حوالي السنة "3000 ق. م." أو اقدم من ذلك. وأنه كَان معبداً كبيراً به "بئر" مقدسة يستقي منها المؤمنون للتبرك بمائها ولتطهير أجسامهم و لإجراء الشعائر الدينية، ويلاحظ أن الباحثين تمكنوا من العثور على آبار مقدسة في بيوت العبادة الكبرى عند الجاهليين، وهذا يدل على أن معابدهم الكبيرة كانت ذات آبار مقدسة يشربون منها للتبرك والشفاء ولتطهير أجسامهم، شأنهم في ذلك شأن أهل مكة و "زمزم".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|