ويظهر من خبر آشوري يعود عهده إلى أيام الملك " سنحاريب" "سنحربب"، وهو ابن "سرجون"، أن ملك البحرين لما سمع خبر اجتياز هذا الملك نهر الفرات ود*********ه الخليج ووصوله أرض جزيرة "دلمون"، أسرع فاعترف بسيادة ملك آشور عليه. وكان هذا الملك قد دك أرض بابل في حوالي السنة "689 ق.م."، وسار منها متوجهاً نحو ارض الخليج. وفي هذا الخبر إشارة إلى أن علاقة الآشوريين بالبحرين كانت وثيقة في هذا العهد أيضاً، وان ملك البحرين كان يخشى ملك آشور، لذلك اعترف بسيادته الاسمية عليه.
وأخبرنا "سنحاريب" "سنحريب" "705 - 681 ق. م." إنه تسلم هدايا من "كرب ايل" "كريبي - ايلو" "Karibi-ilu" ملك سبأ "Saba'i"، إذ بنى بيتاً أو معبداً "بيت اكيتو" "Bit-Akitu"، للاحتفال فيه بعيد رأس السنة والأعياد الأخرى. وكان من جهلة هذه الهدايا أحجار كريمة وأنواع من اًفخر الطيب ذي الرائحة الزكيه الطيبة "Rikke Tabutu"، وفضة وذهب وأحجار ثمينة أخرى، وهي أمور اشتهرت بها العربية الجنوبية، كما عرفت بتصديرها هذه المواد إلى الخارج، وقد تحدثت عنها التوراة في مواضع من الأسفاره.
وقد ذهب "هومل" إلى أن "كريبي - ايلو"، هذا هو "كرب ال" "كرب ايل" أحد "مكربي" "مقربي" سبأ، أي الكهان الحكام، ولم يكن ملكاً على عرش سبأ وانْ دعاه "سنحاريب" ملكا، ذلك لأن الآشوريين لم يعرفوا لقبه الرسمي، أو لأنهم لم يهتموا بذلك فجعلوه ملكاً. وهذه الهدايا لم تكن جزية فرضه عليه، بل كانت هدية من حاكم إلى حاكم، وقد بعث بها إليه مع القوافل الذاهبة إلى الشام بطريق غزة، أو طريق مكة، فالبادية إلى العراق. وعندي إن من الجائز أن يكون "كريبي - ايلو" هذا سيد قبيلة أو أميراً من الأمراء الذين كانوا في العربية الشمالية، من المجاورين لتلك القبائل التي تحدثت عنها وسبق لها أن قدمت هدايا لآشور، وكان من السبئيين النازحين إلى الشمال الذين حلوا محل المعينيين.
ولما قضى "سنحاريب" على مقاومة البابليين وعينّ عليهم ملكاً منهم، كان قد تربى في قصور الآشوريين فأخلص لهم، سار إلى بلاد الشام لإخضاع العمونيين والمؤابيين والأدوميين والعرب والعبرانيين، فقد كان هؤلاء قد انتهزوا فرصة قيام البابليين وقبائل إرم والعرب والعيلاميين على الآشوريين للتخلص منهم، فألفوا حلفاً بين هم في جنوب بلاد الشمام، أي في فلسطين والأردن، وانحدرا لمحاربة "سنحاريب".
فلما وصل إلى ساحل البحر المتوسط، أخذ جيشه يستولي على المدن، الفينيقية والفلسطينية، ويتقدم نحو الجنوب حتى بلغ "عسقلان" "Ashkelon". ولما وصل إلى موضع "التقه" "علتقه" "Eltenkeh" "Altenkeh"، اصطدم بالعرب وبالمصريين، غير إنه تغلب عليهم واستولى على "التقه" و على "تمنة" "تمنث" "ثمنة" "Timnath" و "عقرون" "عاقر" "Ekron".
وفي أنباء الانتصارات التي سجلها "سنحاريب" لنفسه إنه قام في حوالي السنة "689 ق. م." بحملة على الأعراب التابعين للملكة "تلخونو" "Telhunu" ملكة العرب "Arabi"، أي أعراب البادية، وعلى الملك "خزا ايلي" "حزا ايلي" "Haza-ili"، ملك "قيدري" "Qidri"، أي القيداربين، فسارت جيوشه في اتجاه "أدوماتو" "دومة" "Adummatu"، فتغلبت على العرب وعلى القيداريين. ويقصد بي "أدوماتو" "دومة الجندل". وقد كانت "أدوماتو" "Adummatu" من مواضع "أريبي" "عريبي" الحصينة.
وهي في موضع بعيد عن عواصم الدول الكبرى، إلا إنها لم تنج مع ذلك من غزوات تلك الدول.
وقد ذكرها "بطلميوس" باسم "Doumatha" "Adomatho".
وقد جاء في نص آشوري إن الملك "سنحريب" أرسل حملة إلى الخليج، فانتصرت وحققت رغباته، وقد فرّ ملك " أرض البحر" إلى أرض "عيلام". ويظهر إنه بني أسطولاً قوياً حمل جنوده إلى تلك الأنحاء، فلم يتمكن أهل الخليج من مقاومته و أضطر إلى الخضوع لآشور.
ويظهر إن "سنحريب" كان قد تمكن فعلا من إخضاع الأعراب له، ومن السيطرة عليهم، ويرى بعض الباحثين في نعت "هيرودوتس" له بأنه "ملك العرب والآشوريين" تعبيراً عن إخضاع "سنحريب" الأعراب لحكمه وان كان ذلك قد وقع لأمد محدود، وفي نص دونه "أسرحدون" "680-669 ق. م." عن أعماله وعن أعمال والده إن أباه "سنحاريب"، أخضع "أدومو" "Adumu" "معقل أريبي"، واستولى على أصنامها، وحملها معه إلى عاصمته، وأسر ملكتها "Iskallatu" التي كانت كاهنة للإله "دلبات" "Dibat"، وأسر الأميرة "تبؤة" "Tabua" كذلك. فهو يؤيد بذلك ما ذكره أبوه من انتصاراته على العرب.
ولم يتحدث النص الآشوري عن الجهة التي هاجم منها "سنحاريب" "دومة ا لجندل" أي "Adummatu" "Adumu".
و ير ى "موسل" إنه هاجمها من إقليم "بابل"، وبرى أيضاً أن سلطان الملكة "تلخونو" كان يشمل منطقة واسعة نمتد من "أدومو" إلى حدود بابل. وقد كان أعرابها يمتازون ويبتاعون الطحين والملابس والمواد للضرورية الأخرى من بابل، فيسلكون البادية، ومن هذه البادية وصلت إمداد الملكة وقوامها إلى بابل لمساعدتها في مقاومة آشور، فاشتركت مع البابليين في الحرب، على حين هاجم فريق آخر من اتباع الملكة المقاطعات الآشورية في بلاد الشمام. فلما تغلب "سنحاريب" على بابل وانتصر عليها في سنة 689 ق. م، تفرغ لمحاربة الملكة والانتقام منها، فأمر قواته بالضغط على أتباع الملكة، وتعقبهم في البادية لحفظ الحدود. ثم حاصر "أدومو"، حتى تغلب عليها، وانتصر على هذا المعقل الذي التجأ إليه أتباع هذه الملكة وغيرهم للخلاص من الآشوريين.
ويظهر من النصوص الآشورية أن خلافاً وقع بين الملكة "تلخونو" والملك "خزا ايلي"، قد تكون أسبابه الهزيمة التي حاقت بهما ومحاصرة "سنحاريب" لهما في "دومة الجندل". وقد كان "خزا ابلي" على ما يظهر هو الذي تولى قيادة الجيش، وتنظيم خطط الدفاع والهجوم.
فسببت الهزائم التي حلت بهما غضب الملكة عليه وعلى سوء قيادته "فغضبت تلخونو على خزا ايلي ملك ارببي". ولعلهما اختلفا أيضاً بسبب محاصرة "دومة الجندل" والدفاع عنها أو عدمه. ومهما يكن من شيء، فقد استسلمت الملكة "تلخونو" للآشوريين، وتغلبت جيوش "سنحاريب" على هذا المعقل، وأخذت الأصنام أسرى إلى "نينوى" كما أخذت الأميرة "تبؤة" "Tabua" أسرة إلى عاصمة آشور، لتربى هناك تربية يرضى عنها الآشوريون، ولتهذب تهذيبا سياسياً خاصاً يؤهلها أن تكون ملكة على "أريبي".
أما "خزا ايلي"، فقد تكن من خرق حصار الآشوريين على "دومة الجندل" ومن الاعتصام مع أتباعه بالبادية، حيث لم يكن في قدرة "سنحاريب" مطاردتهم و إيقاع خسائر بهم، وبقي في هذه البادية طول حياة "سنحاريب". فلا توفي هذا الملك، وانتقل الملك إلى ابنه "أسرحدون"، وزالت أسباب الجفاء، قصد نينوى لمقابلة الملك الجديد، ومعه هدايا كثرة، سر" بها الملك واستقبله بلطف ورعاية، وسلمه الأصنام الأسرة السيئة الحظ التي كان عليها أن تشارك أتباعها الحياة الأرضية المزعجة، وتمكنت كل من "عتر سماين" "عثتر السماء" و "دبلات" و "دايا" "ديه" "Daja" و "نوهيا" "نهيا" "نهى" "Nuhaia" و "ابيريلو" "Ebirillu" و "عثتر قرمية" "عثر قرمي" "Atar Kurumaia"، وهي الآلهة التي كتب عليها أن تسجن، من استنشاق ربح الحرية ثانية، ومن استعادة مقامها بين عبادها، فوضعت في أماكنها، وسر أتباعها ولا شك بهذه العودة.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|