ويلاحظ إن "هيرودوتس" كان قد ذكر، كما بينت قبل قليل، إن العرب لم يخضعوا للفرس في أيام كورش ولا في أيام فمييز، و إنما كانوا حلفاء للفرس. فيظهر من كلام "هيرودوتس" الأخير إن العرب الذين خضعوا للفرس ولدارا، هم من أعراب بادية الشام، ومن كانت منازلهم وديارهم في فلسطين وفي طور سيناء. ويرى بعض المؤرخين إن "العربية" التي خضعت لحكم "دارا" لم تكن جزيرة العرب، و إنما منطقة الجزيرة الواقعة بين "بابل" وآشور، مثل منطقة "سنجار" "Singara" و "الحضر"، وكان العرب قد توغلوا فيها.
وقد ورد في خبر للمؤرخ "اكسينوفون" "Xenophpn" وفي كتابة ل "كيرش الثاني" "Kyros II" "Kyrush II"، ما يفيد إن العرب كانوا قد خضعوا الأخمينيين. فورد في كتابة "كيرش" مثلاً: "ملوك الأرضين الغربية الذين يقطنون في الخيام"، وذلك في جملة من اعترف بسلطان الملك عليهم. غير إن هذه الإشارات لا تفيد إن العرب كانوا قد خضعوا لهم مدة طويلة، كما إنها لا تدل على خضوع حقيقي لهم، ولا سيما وقد ذكرنا إن "هيرودوتس" قد صرح إن العرب لم يخضعوا لحكم الفرس.
وأشار "هيرودوتس" إلى وجود فرقة عسكرية من العرب في الجيوش الفارسية التي كانت بمصر، كان على رأسها قائد فارسي دعاه "ارسامس" "Arsames"، وقال إنه أحد أولاد "دارا". ويظهر إن هؤلاء الجنود هم من عرب مصر، أي من العرب القاطنين هناك، ولعلهم من سكان الأرضين المحصورة بين النيل والبحر الأحمر. وقد كان العرب ينزلون هذه المنطقة والمنطقة شرقي النيل وجنوب البحر المتوسط والمتصلة بطور سيناء منذ القديم. فالعرب كانوا من قدماء سكان مصر، لا كما يتصور بعضهم من انهم دخلوا مصر الفتح، وانهم لذلك غرباء لا صلة هناك بينهم وبين المصريين قبل الإسلام. والمعروف إن "الهكسوس" الذين حكموا مصر كانوا من العرب في رأي كثر من العلماء، بل في نظر قدماء المصرين، كما حكى ذلك الراهب المصري المؤرخ "مانيتو" "Manetho" في كتابه المؤلف باليونانية في القرن الثالث قبل الميلاد. وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن "هيرودوتس" قصد ب "العرب" النبط، غير إن بعضاً آخر يخالف هذا الرأي ويعترض عليه، فيرى إن النبط لم يظهروا ظهوراً بيناً إلا في أواخر أيام الأخمينيين، وكان ظهورهم في "بطرا" "Patra" وما حولها. أما مملكتهم فلم تقم إلا في القرن الثاني قبل الميلاد. ولهذا فإن العرب الذين قصدهم المؤرخ اليوناني، هم عرب آخرون، وان الأرض التي أرادها ذلك المؤرخ هي: طور سيناء حتى شواطئ نهر النيل.
ويظهر من الإشارات الواردة في التوراة، أن عرب الضواحي، كانوا يقيمون في مستوطنات، عرفت ب "حاصير" "حازير" "حاصور" "حصور" "Haser" في العبرانية. ومعناها: "محاط". وقد كانوا أشباه بدو في الواقع. أناخوا في هذه المواضع واستقروا بها وامتهنوا الرعي.
وكان الجنود العرب يلبسون كما يقول "هيرودوتس" نوعاً من الثياب يسمى "زيرا" "Zeria"، وهي ثياب طويلة تشد عليها الحُزُم، ويحمل مرتدوها على أكتافهم اليمنى قسياً طوالاَ. أمها في حاله عدم استعمالها، فيلقونها على ظهورهم. والظاهر أن هذه الكلمة هي تحريف "السِّيرا". و"السيِّرا": "ضرب من البرود، وقيل: ثوب مسير، فيه خطوط تعمل من القز كالسيور. وقيل: برود يخالطها حرير. وقيل: هي ثياب اليمن لا. ويلاحظ أن الثياب المخططة كانت ولا تزال شائعة بين شعوب الشرق اللأدنى، فلا تستبعد أن تكون كلمة "Zeira" تصحيفاً أو تحريقاً للسيراء، وهي أقرب إليها من لفظة "إزار" أو مئزر على ما أرى.
وقد ألف الفرس - بالإضافة إلى الجنود الغرب المشاة كتائب عربية من الهجانة، تقاتل على الإبل، يلبسون ملابس المشاة، ويحملون أسلحتهم. يقول "هيرودوتس": إنهم كانوا يرضعون في مؤخرة الفرسان، تجنباً لانزعاج الخيل إذا ما سارت مع الإبل.
وقد استعملت دول أخرى كتائب عربية من الهجانة في جملة القوات المحاربة، للعمل في البوادي خاصة ، حيث يصعب على المشاة والفرسان اجتيازها وتعقيب الأعراب. ولا تزال كتائب الهجانة محافظة على حياتها بين القوات المحاربة، ولحماية الحدود الصحراوية حتى الآن.
وقد ألف العرب فرقة محاربة من الرماة بالسهام ومن المقاتلين، اشتركت في جيش "احشوبرش" "Xerxes" "485 -465 ق. م 0".
وقد أدخل الملك "احشوبرش" "العربية" "Arabia" في جملة البلاد التي كانت قد خضعت لحكمه، وذلك في نص من أيامه، عثر عليه. وقد ذكر "العربية بعد موضع "Maka" وقبل موضع "Gandara".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|