ويرى بعضهم إنه كان يسكن في شرق فلسطين أو في جنوب شرقيها، أي في جزيرة العرب، أو في بادية الشام.
وسبب هذا الخلاف، هو أن التوراة لم تحدد مكان ارض "عوص"، فبينما نرى أن سفر "أيوب" يتحدث عن هجوم "أهل سبأ" على ملك "أيوب" واستياق بقر كانت له تحرث الأرض وأتن ترعى، مما يشعر أن أرض "أيوب" التي هي "عوص"، كانت على مقربة من السبئيين. نرى هذا السفر يذكر. بعد آية واحدة هجوم ثلاث فرق من الكلدانيين على ابل "أيوب"، مما يجعلنا نتصور أن أرض "عوص" كانت على مقربة من الكلدانيين، أي في البادية. القريبة من الفرات،. والرأي عندي أن "أيوب" كان رجلا.ّ غنياً يملك ابلاً وبقراً وأتناً، وأملاكاً، وربما كان سيد قبيلة، وله رعاة يتنقلون بماشيته في بادية الشام ما بين العراق وفلسطين وأعالي الحجاز، فأغار "أهل سبأ" على بقر له كانت تحرث أرضه وعلى أتن كانت ترعى في أرضه، وأخذوها من رعاته وحرّاسه.
وهؤلاء السبئيون، هم من السبئيين النازحين إلى الشمال والساكنين في أعالي الحجاز وفي الأردن. فالغارة كانت في هذه المنطقة. أما غارة الكلدانيين فكانت في العراق على مقربة من أرض الكلدان، وذلك لأن رعاة إبله كانوا قد تنقلوا إلى هناك على عادة الأعراب حتى اليوم في التنقل بإبلهم من مكان إلى مكان طلبا للماء والكلأ، فاستولى الكلدانيون عليها وأخذوها، ولا علاقة لهاتين الغارتين بموطن أيوب.
وقد ذكر في سفر "أيوب" إنه "كانت قنيته سبعة آلاف من الغنم وثلاثة آلاف من الإبل وخمس مئة فدان بقر وخمس مئة أتان. وله عبيد كثيرون جداً، وكان ذلك الرجل أعظم أبناء المشرق جميعاً". وتدل هذه الأرقام والأوصاف المذكورة لثروته إنه كان من أعاظم الأغنياء في أيامه، وأنه كان من "أبناء الشرق"، هي ترجمة لجملة "ببي قيديم" "Bene Kedem" العبرانية، وليس في التوراة تحديد لمكان "بني قيديم" "بني قديم"، ولا تعريف لهم، ولكن التسمية العبرانية هذه، تشير إلى أن المراد منها من كان يقيم في شرق العبرانيين ولا سيما في البادية الواقعة شرق فلسطين. فهم إذن في نطر لعبرانيين، الساكنون في شرقهم. ولما كان أيوب من "بني قيديم"، ومن أرض "عوص"، فيجب أن تكون أرض "عوص" في البادية في شرق فلسطين، أي في منازل "بني قديم" الممتدة إلى العراق، وهي مواطن الأعراب. وقد عرف واشتهر بعض "بني قيديم" بالحكمة عند العبرانيين.
ويستبدل من يقول بعروبة "أيوب" بالأثر العربي البارز على "سفر أيوب". ومن قدماء من قال بوجود أثر للعروبة في سفره، العالم اليهودي "ابن عزرا" "بن عزرة" "Idn Ezra" "Ben ezra" من رجال القرن الثاني عشر. وقصد تبعه في ذلك جماعة من الباحثين الذين وجدوا في الكلمات والتعابير والأسماء الواردة في ذلك السفر ما يشر إلى وجود أثر عربي عليه،
حتى ذهب بعضهم إلى أن%)633( ذلك السفر هو ترجمة لأصل عربي مفقود.
وفي أثناء حديث التوراة عن أيام "داوود" وملكه، أشارت إلى رجل كان من شجعانه وأبطاله الذين تباهى بهم وافتخر، دعته "أبيل" العربي "Abiel" وكان من أهل "بيت عرابة" "بيت عربة" "Beth-Arabah" في تيه " "يهودا". ويدل لقبه هذا والموضع المذكور إنه كان من العرب، وأشارت إلى رجل آخر، ذكرت إنه كان على جمال "داوود"، دعته ب "أوبيل الإسماعيلي" "Obil"، فهو من العرب الإسماعيليين. ولا يستبعد أن يكون هذا الرجل من وجوه الأعراب، ولذلك أوكل إليه أمر إبله، وهي حرفة من صميم عمل أبناء البادية.
وقد أشر في سفر "يوئيل" إلى السبئيين، فورد فيه: "ها أنا ذا أنهضتهم من الموضع الذي بعتموهم إليه، وأرد عملكم على رؤوسكم، وأبيع بنيكم وبناتكم بيد بني يهوذا ليبيعوهم السبئيين لأمة بعيدة، لأن الرب قد تكلم". وقد ورد هذا التهديد لأن الصوريين والصيدونيين وجميع دائرة فلسطين كانوا قد استولوا على فضة الهيكل في "أورشليم" وذهبه ونفائسه، وباعوا "بني يهوذا" و "بني أورشليم" لبني "ياوان"6 أي اليونان.
فورد هذا التهديد على لسان "يهوه" إلهَ إسرائيل متوعداً أولئك الذين نهبوا الهيكل وأسروا "بني يهوذا" و "بني أورشليم"، أي سكان القدس، وباعوهم لليونان، بمصير سيئ، وبانتقام الرب منهم، وبقرب ورود يوم، يبيع فيه "أبناء يهوذا"، أي العبرانيين أبناء المذكورين إلى السبئيين.
وتدل جملة "للسبئيين، لأمة بعيدة" على إن السبئيين المذكورين كانوا يسكنون في منازل بعيدة عن العبرانيين. ويظهر إنها قصدت السبئيين أهل اليمن، فهم بعيدون عن فلسطين. وكان تجار سبأ يأتون أسواق اليهود لشراء ما فيها من بضاعة بشربة لاستخدامهم في سبأ.
%)645( وفي التوراة خبر زيارة ملكة "سبأ" لسليمان، وقصة هذه الزيارة، وان دونت فيما بعد، كتبها كتبة التوراة بعد عدة قرون، إلا إنها تستند إلى قصص قديم كان متداولاَ ولا شك بين العبرانيين، فدوّنه هؤلاء الكتاب.
وقد رأى بعض نقدة التوراة إن هذه القصة قد كتبها أولئك الكتبة لاثبات عظمة سليمان، وسعة دولته، وشهرة حكمه. غير إن هذا لم يبت به حتى الآن. ورأى آخرون إن هذه الملكة لم تكن ملكة "سبأ" في اليمن، لعدم ورود أسماء ملكات في النصوص العربية الجنوبية، بل كانت ملكة تحكم في العربية الشمالية، تحكم جماعة من السبئيين الذين كانوا قد نزحوا إلى هذه المناطق منذ عهد بعيد، وكوّنوا مستوطنات سبئية في الأردن وفي أعالي الحجاز.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|