ومن الأثار المهمة النفيسة التي عثرت البعثة الدانماركية عليها، كتابة مدونة على حجر في "44" سطراً، تفيد إن الملك بعث برسالة إلى أهل "ايكاروس" Ikarus في شأن عزمهم على إقامة معبد في تلك الجزيرة، و تعيين كهان لها وتبين موافقة الملك عليه، وتحدد الأجور والنفقات التي تدفع، وحقوق الحكومة من الواردات وكيفية الجباية، و.ما شاكل ذلك.. وهي رسالة لم تحل رموزها حلاً تاماً حتى الآن، لوجود كسور في الحجر وذهاب حروف بعض الكلمات.
ويظن إنها من أيام "سلوقيوس الثاني" المعروف ب "كلينيكيوس"، دونت في حوالي سنة "239 ق. م.".
ويعود عهد النقود التي عثر عليها في هذه الجزيرة إلى هذا الزمن أيضاً، فقد وجد نقد ضرب في أيام "سلوقس الأول" باسم الإسكندر الأكبر حوالي "310 - 350 ق. م."، فهو لا يبعد كثيراً عن أيام الإسكندر المتوفى سنة "323 ق. م.". ووجد نقد ضرب في أيام "أنطيوخس الثالث"، الذي حكم المملكة "السلوقية" ما بين "223" و "187ق. م.".
ولاكتشاف هذه النقود شأن تاريخي كبير لأنها تشير إلى تدحل اليونان في أمور ا الخليج في هذا العهد، وحكمهم لسواحله العربية من "جرها" إلى جنوب العراق، كما إنها ستعين في التوصل إلى تثبيت تواريخ حكم السلوقيين لهذه المنطقة. وسيكون لما سيكتشف من نقود في الكويت، أو في مواضع أخرى مهن الخليج، فائدة كبيرة في توسيع معارفنا بالسلطان الاقتصادي والسياسي للسلوقيين في هذه الجهات وفي تعيين صلاتهم بالشعوب العربية الساكنة على بقية ساحل الخليج وفي الأرضين البعيدة عن منطقة سلطان السلوقيين.
ويعد اكتشاف آثار إلى "اكروبولس" Akrropolis وكذلك المعبد. في جزيرة "فيلكا" التي هي جزيرة "ايكاروس" Ikaros عند اليونان ذا أهمية كبيرة، من ناحية دراسة الأثر الذي تركه اليونان في الخليج.
أما في الساحل المقابل للجزيرة وفي الأماكن الأخرى من الخليج، فلم يعثر حتى الآن على مثل هذا المعبد اليوناني أو البيوت اليونانية فيها، وهذا لا نستطيع إن نتحدث عن أثر اليونان فيها، وقد يكون وجود المعبد والبيوت اليونانية في هذه الجزيرة بسبب إبقاء حامية الإسكندر فيها وسكناهم في الجزيرة وبقائهم بها بعد زوال حكم اليونان عن العراق. وقد اختار الإسكندر أو قوّاده هذه الجزيرة، لأهميتها من الوجهة العسكرية من حيث رسو سفن الجيش اليوناني بها و إمكان تأديب سكان السواحل منها و إخماد معارضتهم لليونان وتعقب "القراصنة" والهيمنة على مصب دجلة والفرات في الخليج والدفاع عن جنوب العراق.
لم يتمكن السلوقيون من الهيمنة على الخليج والاتجار به، لأن حكومتهم في العراق لم تكن حكومة قوية، ثم سرعان ما قضى عليها الفرس، فزال حكم اليونان عن العراق. أما في مصر، فقد قضى الرومان على حكم البطالمة، وانتزعوا الحكم منهم، وورث الرومان اليونان في البحر الأحمر، وولوا أنظارهم نحو سواحله ونحو المحيط الهندي، على حين انتزع الخليج من الروم ومن الرومان، وصار بحراً شرقياً، السلطان الأول فيه للعرب والفرس.
لقد كافح البطالمة أعمال اللصوصية "القرصنة" في البحر الأحمر، وأمنوا بذلك لسفنهم السير في هذا البحر، إلا إنهم لم يتمكنوا من السيطرة على العربية الغربية، ولم يتمكنوا من المساهمة مع العرب في الاتجار براً مع اليمن وبقية العربية الجنوبية. لقد كانت التجارة في أيدي العرب. وكان المهيمن على النهاية القصوى لهذه الطرق البرية "النبط" الذين تكتلوا في أعالي الحجاز، وكونوا لهم مملكة النبط، وأخذ نجمهم في الصعود منذ أيام "الإسكندر الأكبر" وقد ساعد في صعوده الحروب التي نشبت بين البطالمة والسلوقيين، فوجد النبط لهم فرصة مؤاتية فأخذوا يوسعون أرضهم، ويتقدمون نحو الشمال متوغلين حتى بلغوا أرضين تقع شمال "دمشق".
وأدت الحروب التي نشبت بين السلوقيين، والبطالمة إلى تقددم القبائل العربية وزحفها من الجنوب نحو الشمال، وزاد من توسعها تفتت ملكة السلوقيين وتقلص سلطانها، مما أفسح في المجال للقبائل بالنزوح بكل حرية إلى أرضين جديدة في العراق، وتكوين إمارات من قبائل متحالفة. كذلك أدى ضعف حكومة البطالمة إلى توسع القبائل العربية وتوغلها في طور سيناء وفي المناطق الشرقية من مصر الواقعة على الضفاف الشرقية لنهر النيل، مما حمل يعض الكتبة "الكلاسيكين" على إطلاق لفظة "العربية" عليها دلالة عد توغل القبائل العربية فيها بالطبع.
وإلى عهد البطالمة ترجع الكتابات العربية المدونة بالمسند التي عثر عليها في الجزيرة بمصر. وقد كتبت في السنة الثانية والعشرين من حكم بطلميوس بن بطلميوس، ويصعب تعيين زمان هذه الكتابة و زمان بطلميوس بن بطلميوس الذي في أيامه كتبت، لأن هنالك عدداً من البطالمة حكموا أكثر من اثنين وعشرين عاماً، فأيهم المقصود? ويرى "وينت" F.V.Winnet إنها لم تكتب على أي حال بعد سنة "261 ق. م.". وعثر على كتابات أخرى في موضع "قصر البنات" على طريق "قنا" وفي منطقة "أدفو"، ووجود كتابات المسند في مصر يدل على الصلات الوثيقة التي كانت بين العربية ومصر.
وقد دوّن إِحدى هذه الكتابات رجل اسمه "زد ال بن زد" "زيد ال بن زيد"
"زيد ايل بن زيد" من "آل ظرن" "آل ظيران" "آل ظيرن"، وقد كان كاهناً في معبد مصري، وقد اعترف بوجود دين عليه وواجب هو تزويد "بيوت آلهة مصر" "معابد آلهة مصر" "ابيتت الالت مصر" ب "المرّ و القليمة" "امرن وقلمن". ويقصد ب "قلمتن" ما يقال له: Calamus في الإنكليزية و Kalmus في الألمانية، ويراد به ما ي قال له قصب الذريرة أو قصب الطيب وقد عبر عن لفظة "ورّد" واستورد بلفظة "ذ سعرب". وذكر إن ذلك كان في عهد "بطلميوس بن بطلميوس"، "بيومهر تلميث بن تلميث"، أي "بيوم أو بأيام بطلميوس بن بطلميوس". وقد عبرت عن لفظة "بطلميوس" ب "تلميث".
وقد استحق عليه تسديد الدين، وصار نافذاً في شهر "حتحر". وعبر عن ذلك بهذه الجملة: "ويفقر زبدال بورخ حتحر ". و "فقر" بمعنى أصبح مستحقاً نافذاً، ومعنى الجملة: "واستحق تسديده على زيد ايل بشهرحتحر". وقد وفى بذلك دينه، لكل معابد آلهة مصر. وقسمت إليه في مقابل ذلك، وربما على سبيل المقايضة، أنسجة وأقمشة أو أكسية بز "كسو بوص"، أخذها إلى سفينة تجارية، ربما كانت سفينته. وقد أخذ عليه عهد واعترف مقابل ذلك بالدين الذي عليه وبوجوب تسديده عند استحقاقه لمهبد الإلهَ "أثر هب" "أثر هف". ويقصد بذلك الإلَه Osarapis، وذلك في شهر "كيحك" من السنة "خرف" الثانية والعشرين من حكم الملك "بطلميوس بن بطلميوس".
وقد ذهب "رودوكناكس" ناشر النص إلى احتمال كون "زيد ايل" كاهناً في معابد مصر، ولو كان من أصل غير مصري، فقد كان المصريون تساهلوا في هذا العهد - كما يرى -، فسمحوا للغرباء بالانخراط في سلك الكهان وخدمة المعابد، وتساهلوا مع "زيد ايل" هذا فأدلخوه في طبقة "أويب" Ueeb انتخبوه كاهناً، ليضمن لهم الحصول على المرور والقليمة بأسعار رخيصة، لاستيراده إياها بأسمه ومن موطنه مباشرة من غير وساطة وسيط.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|