الفصل الثامن عشر
العرب و الرومان
انتهز حكام "رومة" فرصة ضعف خلفاء الإسكندر، وانحلال المملكة العظيمة التي كونها ذلك الفاتح، فاستولوا على مقاطعة "مقدونية" Macedonia وعلى جزر اليونان وآسية الصغرى وبلاد الشام وإفريقية وفي ضمنها مصر،فأصبحوا بذلك كما كان شأن البطالمة على اتصال بالعرب مباشر. وبهذا الاتصال بدأت علاقات العرب بالرومان.
وقد كان العرب يقيمون في لبنان وفي سورية قبل الميلاد بزمن طويل. وقد اشتغل قسم منهم بالزراعة وتحولوا إلى مزارعين مستوطنين، وتولى قسم منهم حماية الطرق وحراسة القوافل ولا سيما القوافل التي تجتاز طريق الشام - تدمر - العراق. وقد أشير إلى العرب "السكونيين"، أي سكان الخيام Arabes Skynitai الذين كانوا ينزلون البوادي وهم من الأعراب الشماليين.
استطاع "بومبيوس" Pompeius القائد والقيصر إن يضم بلاد الشام إلى الأملاك التي استولت عليها روما، ويجعلها مقاطعة من المقاطعات الرومانية، فكان من نتيجة ذلك اتصال الرومان بالعرب، وبالأعراب الذين كانوا قوة لا يستهان بها على أطراف الشام.
وقد وجد الرومانيون بعد استيلائهم على الشام ما شجعهم على الزحف إلى فلسطين، انتهازاً لفرصة النزاع الداخلي الذي كان بين "هركانوس الثاني" Hyrkanus II وأخيه "أرسطو بولس الثاني" Aristobulus II. وكان "هيركانوس" قد ذهب إلى "الحارث" Aretas ملك العرب، أي النبط، فاراً من أخيه، ليحميه وليساعده مقابل تنازله عن بعض الأرضين وعن المدن الإثنتي عشرة التي كان "الإسكندر ينايس" Alexander Jennaeus "104- 78 ق. م." قد استولى عليها. كما ذكرت من قبل، فرأى الرومان في هذه الفوضى فرصة مواتية للتوسع نحو الجنوب.
وقبل إن يجتاز "سكورس" Scaurus بجيوشه حدود أرض "يهوذا"، ومهلت إليه رسل "أرسطو بولس" Aristobulus تطلب منه مساعدة صاحبهم وتمكينه من أخيه، كما وصلا إليه رسل "هيركانوس" Hyrkanus لترجو منه معاونته لصاحبهم، ومساعدته على شقيقه. فتعهد كل طرف من الطرفين بتقديم ما قدمه الآخر. ووافق "سكورس" على تأييد "أرسطو بولس" فكتب إلى "الحارث" ملك العرب، يخيره من البقاء في القدس والدفاع عنها وعداوة الرومان و بين تركها وترك الدفاع عنها و صداقة القائد. فرأى "الحارث" Aretas الارتحال عنها، وفي أثناء ارتداده حصلت مناوشات بن أتباع الأخوين قرب الأردن، كان النجاح فيها حليف "أرسطوبولس".
وفي سنة "64 ق. م." شخص "بومبيوس" نفسه إلى سورية للإشراف على إخضاع جميع أجزائها، وقد طلب منه الأخوان إن يتدخل في حل هذا النزاع، وأن يكون حكماً بينهما، وقدما له هدايا ثمينة حملته على التفكير في احتلال فلسطين. وقد حضرا إلى مقره، وأظهرا له من الضعف والضعة ما دعاه إلى الإسراع في إرسال حملة إلى أرض Aretas ملك العرب، الذي قاوم مقاومة عنيفة، وبعد هذه الحملة احتل القدس وأرض يهوذا وسائر فلسطين، وأمر بإلحاقها بالمقاطعة الرومانية السورية، ونصا عليها "سكورس" حاكماً، وانتزع من يهوذا مدناً وقرى ألحقها بهذه المقاطعة. أما مملكة "يهوذا" الصغيرة، فقد أصبحت، من عملها هذا، في حماية الإمبراطورية الرومانية. وأخذ "أرسطوبولس" وأكثر جنوده أسرى، نقلوا إلى "رومة"، وسير بهم في موكب الأسرى الذين جيء بهم من الشرق، للاحتفال بالانتصار العظيم الذي انتصره "بومبيوس"، وذلك في عام "61 ق. م.".
وعقد "سكورس" الحاكم الروماني اتفاقية مع "الحارث"، حسماً للنزاع وحداً لتحرشات العرب بحدود الإمبراطورية، وافق بموجبها "ملك العرب"، أي العرب النبط، على المحافظة على الأمن، وعلى التهاون مع الرومان في هذا الشأن. وقد عثر على نقد ضرب في أيامه، وجدت عليه صورة رمزية تشير إلى هذا الاتفاق.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|