ويحدثنا صاحب كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" إن الرومان عقدوا معاهدة تحالف مع ملك "ظفار"، وهو ملك Homeritae، وتدل هذه الإشارة الغامضة على وجود صلات بين الرومان وبين رئيس حمير في هذا العهد. وفي هذا التحالف ما فيه من شرح للعلاقات السياسية الجديدة التي حدثت بين الرومان والعربية الجنوبية، ومن محاولات الرومان، ثم البيزنطيين من بعدهم، التدخل في شؤون البلاد العربية الجنوبية بأسلوب جديد.
ولا ندري متى احتل الرومان ميناء "عدن" الذي يسمونه Eudamon=Emproion والذي دعاه "بلينيوس" Athene=Athenae=Athaene، إذ يحدثنا مؤلف "كتاب الطواف حول البحر الأريتري" إن "القيصر" Kaisar استولى عليه في زمن غير بعيد عن زمانه ودمره. وقد تصور بعضهم إن ذلك وقع في أيام "كلوديوس" "41 - 54م" أو قبلها بقليل. ولعل لمساعدات "الأكسوميين" لحكام "رومة" فضلاً في هذا الاحتلال. ولا بد إن يكون هذا الاستيلاء قد حدث من البحر، إذ لا يعقل وقوعه من البر. فقد كان البر في أيدي السبئيين والقبائل العربية الأخرى. وقد رأينا قبل قليل إخفاق الرومان في الاستيلاء على اليمن، ورجوعهم عنها خائبين. ولأهمية "عدن" من جميع الوجوه نستطيع إن نتصور إنهم قد حصلوا على فوائد عظيمة من هذا الاحتلال الذي لا فعرف منتهاه وخاتمته، وكيف حدثت تلك النهاية.
ويرى يعض الباحثين إن استيلاء الرومان على عدن" كان بعد حملة "أوليوس غالوس" على اليمن، وربما بعد الميلاد بقليل. وذلك بعد إخفاق تلك المحاولة الرامية إلى بلوغ المحيط الهندي من البر والاستيلاء على العربية الجنوبية، تعويضاً عن تلك الخطة الخائبة، فنجح الرومان في الاستيلاء على الميناء من البحر، وذلك في حوالي السنة "24" بعد الميلاد، وهو زمن غير بعيد عن حملة "أوليوس غالوس".
وقد ذهب."مومسن" Mommsen، إلى إن الاستيلاء على عدن كان قد وقع في أيام "كايوس قيصر" Caius Caesar، إذ ورد في الأخبار إن أسطوله في البحر الأحمر كان قد استولى على جزء صغير من بلاد العرب، فيحتمل على رأي "مومسن" إن يكون المكان الذي استولى عليه هو عدن. ويحتمل على رأيه أيضاً إن يكون هذا الاحتلال قد وقع بعد قليل من هذا الوقت. بينما ذهب آخرون إلى إنه وقع في أيام "كلوديوس" Claudius، أو "نيرون" "نيرو" Nero.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن القيصر المقصود هو "كركلا" "كرَ كلا" ، وذلك لأنه كان قد هاجم العرب ال "سكينيته" Scenties في أثناء الحروب الثانية التي أعلنها القيصر "سبتيميوس سويروس" Septimius Severus على "البارثيين" Parthians، "197 - 199 م".
وذهب بعض آخر إلى إن في خبر مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" بعض الوهم في تثبيت لفظة "قيصر" Kaiser، وذلك لأن العادة لم تكن قد جرت في ذلك الوقت بتلقيب ملوك "رومة" بلقب "قيصر". لذلك رأى إن في الكلمة تحريفاً، و إنها قد تعني شيئاً آخر. وقد يكون تحريف Elisar أو Ilaisar، أي "الأشعر"، وهم Elisar عند "بطلميوس". ويرى من يذهب إلى إن المراد ب Kaiser "اليزر" Elisar، أي "الأشعر" "اشعرن"، إن الاستيلاء على ميناء "عدن" وتخريبه كان بعد إخراج الحبشة عن العربية الجنوبية، وان أرض "الأشعريين" غير بعيدة عن عدن. لذلك فلا تستبعد مهاجمتهم لعدن في وقت غير بعيد عن أيام مؤلف الكتاب، وان المؤلف ذكرهم، ولكن تحريفاً وقع في الاسم فحوله إلى Kaiser.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى إن لفظة Kaiser هي كلمة Ilsaro أو Ilasar المذكورة في خبر "سترابون" عن حملة "أوليوس غالوس"، وقصد بها "الشرح يحضب".. وهو يرى إن ميناء "عدن" قد خرب في ابان حروب "الشرح يحضب" مع قتبان وحضرموت، وان مؤلف ذلك الكتاب أراد "الشرح" Ilasar، ثم حرف النسّاخ اللفظة حتى صارت Kaiser .
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|