تعارض هذا الرأي بإشارتها إلى المعينيين وإلى تجارتهم، بل تجد إن "بطلميوس" الذي هو من رجال القرن الثاني للميلاد يقول فيهم " إنهم شعب عظيم". ثم إن الكتابات المعينية التي عثر عليها في الجيزة يمصر، تؤيد هذا الرأي أيضاً، إذ نشير إلى اشتغالهم في التجارة، تجارة استيراد البخور للمعابد المصرية، في القرن الثالث أو الثاني بعد الميلاد. ومن هنا قال "أوليري" وغيره إن المعينيين بقوا نشطن عاملين إلى ما بعد الميلاد، وربما كان ذهاب حكمهم في أيام "البطالمة" أو في أيام الرومان، ومهما يكن من أمر فليس في الإمكان البت في تعيين ذلك العهد.
والذين يقولون بتقدم دولة معين على سبأ، ويرون إن حكام "سبأ" من دور "المكربين"، أي دور الملوك الكهنة هم الذين قضوا على حكم دولة معين فانتزعوا الحكم من ملوك معين، وأخضعوا المعين بين إلى حكم سبأ. غير إننا لا نعرف في ف تم ذلك، ومن هو الملك المعيني الذي تغلب عليه السبئيون.
ولا يمكن تقريب وجهة الخلاف هذه إلا بالاستعانة بالحفريات العلمية العميقة المنظمة، وبما سيستخرج من جوف الأرض من آثار وكتابات، ودراستها دراسات علمية متنوعة. دراستها من ناحية تطور الخط Paleography وأسلوبه، ومقارنته بالخطوط الأخرى التي عثر عليها في جزيرة العرب وفي خارجها، لمعرفة عمرها، ودراستها من ناحية تحليلها قليلاً مختبرياً لمعرفة زمانها ووقت نشوئها، حيث يمكن التوصل بهذا التحليل إلى نتائج يكون مجال الشك والجدل غير كبير Radiocarbon، ودراستها من ناحية علم الآثار، إلى غير ذلل من طرق توصل إلى نتائج إيجابية أو قريبة من حدود الإيجاب.
ملوك معين
وقد حصل قراءة الكتابات المعينية على أسماء ملوك حكموا دولة معين، أحصوها وجمعوها، وحاولوا الاستفادة منها بتنسيقها و تبويبها لتكوين قائمة منظمة مرتبة بمن حكم عش تلك الدولة حكماً زمنياً متسلسلاً بقدر الإمكان. غير إنهم لقوا صعوبات كبيرة حالت بينهم وبين الاتفاق على وضع قائمة موحدة متفقة. فذهبوا في ذلك جملة مذاهب، ووضعوا تواريخ متباينة مختلفة، وكيف يمكن الاتفاق وقد ذكرت إنهم مختلفون اختلافاً كبيراً من حيث تعيين مبدأ ظهور تلك الدولة، وأنهم مختلفون أيضاً في تأريخ سقوطها وفي الدولة التي أسقطتها. يضاف إلى ذلك إن الكتابات المعينية عفا الله عنها، لم ترد مؤرخة على وفق تقويم من التقاويم، ولم تتحدث عن حكم أي ملك من أولئك الملوك ولم تذكر ترتيبهم في الحكم، وهي أكثرها في أمور شخصية لا علاقة لها بسياسة ولا بدولة و ملوك. فليمس من الممكن إذن اتفاق الباحثين على وضع قوائم صحيحة لملوك معين، ولا لمدد حكمهم ما دام الوضع على هذا الحال والمنوال، والرأي عندي هو أن ذلك لن يتم، ما تُجْرَ حفريات علمية عميقة في مواضع المعينيين في اليمن وخارج اليمن، تمكننا من الحصول على كتابات جديدة لها صلة ب سياسة الحكومة وبأخبار الملوك وبعلاقاتهم مع الدول الأجنبية. فإذا تم ذلك أمكن وضع مثل هذه القوائم مستعينين بهذه الكتابات وبالكتابات الأجنبية التي قد تشير إلى ملوك معين وبأمثال هذه الدراسات نطمئن إلى هذه القوائم، ونستطيع اعتبارها ذات قيمة في تثبيت الحوادث وتواريخ حكومة معين.
والملوك الذين وردت أسماؤهم في الكتابات المعينية، ليسوا هم كل ملوك معين، بل هم جمهرة منهم. ولا استبعد احتمال حصول المنقبين في المستقبل على عدد آخر من أسماء ملوك جدد لا نعرف من أمرهم اليوم شيئاً، قد يزيد عددهم على هذا العدد المعروف. وقد يبلغ أضعافه. فتصبح القوائم الموضوعة التي رتبها علماء.اليوم غير ذات خطر بالنسبة للقوائم الجديدة، وسيتغير في ما كل شيء من أسماء ملوك، ومن أرقام مدد حكم وتواريخ.
ومع ذلك فأنا لا أريد إن اكون جدلياً سوفسطائياً، سلبيا غير بناّء،وسأجاري الحال فأعرض على القارئ نتائج جهود أولئك العلماء في وضع قوائمهم بأسماء ملوك معين، فأقول: جعل "هومل" من أسماء ملوك معينة التي عرفها ثلاث طبقات، كل طبقة تتألف من أربعة ملوك، وطبقة أخرى تتألف من ملكين. ورتب "كليمان هوار"، هؤلاء الملوك سبع طبقات، الطبقة الأولى، تتألف من أربعة ملوك، والطبقة الثانية من خمسة، والطبقة الثالثة من أربعة، والرابعة من اثنين، والخامسة من ثلاثة، وأما الطبقتان السادسة والسابعة فتتألف كل واحدة منها من ملكين. ويبلغ مجموع ملوك هذه الطبقات السبع اثنين وعشرين ملكاً. وينقصن هذا العدد أربعة ملوك عن قائمة "مولر" الذي حقق هوية ستة وعشرين ملكاً.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|