ولم يرد في الكتابة ذكر الجهة التي كانت تقصدها هذه القافلة، أكانت متجهة من معين نحو الشمال، أي من اليمن نحو بلاد الشام، أم كان اتجاهها على العكس من "معين مصران" نحو الجنوب قاصدة اليمن، ولكن القرائن تدل إنها كانت راجعة عائدة أي متجهة نحو اليمن، نحو العاصمة "قرنو"، وقد تعرضت لأخطار كثيرة بسبب الحرب المذكورة وبسبب الغزو الذي تعرضت له، وهي في طريها إلى وطنها.
وقد كانت مثل هذه القوافل هدفاً ممتازاً للقبائل والعشائر وقطاع للطرق، لما تحمله من أموال. وهي وان أمنت على نفسها باتفاقات تعقدها الحكومات ويعقدها أصحاب الأموال مع سادات القبائل الذين تمر الطرق من مناطق نفوذهم، إلا إن مثل هذه الاتفاقات لم تكن كافية لحماية الأموال المغرية التي تحملها الجمال من طمع الطامعين فيها. وقد يقع الاعتداء من قبائل أخرى معادية لسادات القبائل الذين يحمون تلك الطرق. ولهذا كانت أموال التجار معرضة دائماً للأخطار، وعلى التجار أيضاً زيادة أسعار أموالهم، بسبب الضرائب المستمرة التي يدفعونها لسادات الطرق، وبسبب الزيادات التي يفرضونها في إتاواتهم هذه، وإلا تعرضت القوافل للسلب والنهب. ولهذا لا غرابة إن نذر التجار لآلهتهم وحمدوها وسبحوا بأسمائها عند عودتهم سالمين من تجارتهم، أو عادت قوافلهم سالمة، فيوم العودة هو في الواقع يوم فرح وعيد.
واختلف الباحثون في تعيين الحرب التي نشبت في وسط مصر بين "مذى" و "مصر" اختلفوا في تعيين زمن وقوعها كما اختلفوا في تثبيت هوية المتحاربين. فذهب بعضهم إلى إن المراد من "مذى" "الماذيين"، ويراد بهم "الماديون" "الميديون"، وهم طبقة من طبقات الايرانيين، ورأوا إن المعينيين كانوا قد أطلقوا "مذى" علهم محاكاة لبني إرم، وكانوا على اتصال وثيق بهم. ولهذا دعوا ب "مذى" في هذه الكتابة. ومن بني إرم تعلم المسلمون نسبة "الماذيين" "الميذيين"، فقالوا إنهم من نسل "ماذي بن يافت بن نوح". وقد ذكر الطبري اسم "كيرش الماذوي".ف "مذى" و "ماذي" اذن بمعنى "مادي" و "ميديا" Media. و "ماذي" هو "مادي" الابن الثالث ليافت في التوراة ومن نسله تسلسل الماديون.
وذهب "فلي" إلى إن "مذي" هم "المدينيون"، أهل مدين "المديانيين" الذين عرفوا بتحرشهم بالعبرانيين. وهم سكان ارض "مديان" "مدين"، وهي أرض واسعة تمتد من خليج العقبة إلى موآب وطور سيناء. ويرى إن الحرب المذكورة قد وقعت بينهم وبين أهل "معن مصرن" أي "معين المصرية". وراى "هومل" إن "مذي" هم جماعة من بدو طور سيناء.
ونجد "فلبي" نفسه، يخالف نفسه في مناسبات أخرى، فقد ذهب مرة إلى إن "مذي" هم جماعة عرفوا به "مذوي" Madhoy أو Maroe أو Maziou، وبين هؤلاء وبين "مصر" وقعت تلك الحرب.
و اختلفوا في زمن وقوع تلك الحرب، فذهب "ونت" إلى إن الحرب المذكورة في هذا النص، حرب "مذي" و "مصر" هي الحرب التي وقعت بين "الميديين" والمصريين في سنة "343 ق. م.". وقد استولى فيها "أرتحشتا أوخوس" "أرطخشت أوخوس" Artaxerxes Ochus على مصر. وإلى هذا الرأي ذهب "البرايت" Albright كذلك أما "ملاكر" K. Mlaker إن هذه الحرب، هي الحرب التي وقعت في حوالي سنة "525ق. م." فادت إلى فتح "قمبيز" "كمبيس" Cambyses لمصر. ومن اختلافهم في قدير زمن وقوع هذه الحرب، اختلفوا في زمن حكم "اب يدع يثع" ملك معين، وفي حكم سائر ملوك معين، من مبدأ أول ملك إلى س آخر ملك من ملوك هذه الدولة.
وقد ذهبت "بيرين" J. Pirenne إلى إن الحرب المذكورة وقعت في الفترة الواقعة فيما بين "210" إلى "205 ق. م."،وأن المراد من "مذي" "السلوقيون" ومن "مصر" البطالمة، وأنها قد تشير إلى الاستيلاء على "غزة" في سنة "217 ق. م." تقريبا، وإلى المعركة التي تلتها ووقعت عند موضع Rapheia.
ويرى البعض إن لفظة "مذي" إنما كانت تعني الحكومة التي تحكم العراق، ولو لم تكن من "الماذويين" "الجديين"، وأن "مصر" تعني الحكومة التي تحكم مصر من غير تقيد بجنسية الحاكمين لها. ويستشهد على هذا بورود لفظة "مذي" "همذي" في نص "صفوي" من سنة "614" للميلاد، وقد قصد بهم "الفرس". ويرى إن اطلاق لفظة "همذي" أي "الميذيين" على الفرس لا يثير اعتراضاً كبيراً مثل الاعتراض الذي يثار حول تفسير "مذي" ب "سلوقيين"، إذ إن الساسانيين هم فرس، والماذيين فرس كذلك، وان كانوا من جيلين مختلفين،
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|