الفصل العشرون والحادى عشر
مملكة حضرموت
وعاصرت ملكة "معين" مملكة أخرى من ممالك العربية الجنوبية، هي مملكة "حضرموت"، وقد ظهرت قبل الميلاد أيضاً ، وما زال اسمها حياً لطلق على مساحة واسعة من الأرض، فلها أن تفخر بهذا على الحكومات العربية الأخرى التي عاشت قبل الميلاد، ثم ماتت أسماؤها، أو قلّ ذكرها قلة واضحة.
وقد قطع اسمها مئات من الأميال قبل الميلاد، فبلغ مسامع اليونان والرومان، وسجله كتّابهم في كتبهم لأول مرة في القارة الأوروبية، وكتب لذلك التسجيل الخلود حتى اليوم. ولكن سجلوه بشيء من التغير والتحريف، اقتضته طبيعة اختلاف اللسان، أو سوء السماع، أو طول السفر، فرواه "ايراتوستينس" "Chatramotitae"، ورواه "نبوفراستوس" "Hadramyta"، وأما "بلينيوس" فقد رواه و"Chatramotitae" . وقد ورد عند "بطلميوس" "Chatramitae" = "Adramitae" وقد تحدث مؤلف كتاب "الطواف حول البحر الأريتري" عن سواحل حضرموت الجنوبية، فذكر إن فيها مناطق موبوءة، يتجنبها الناس، ولا يدخلونها إلا لضرورة، ولذلك لا يجمع التوابل والأفاويه إلا حول ملك حضرموت، وأولئك الذين يراد إنزال عقوبات صارمة عليهم. وهذا بدل على إن الروم والرومان كانوا قد سمعوا من ملاحيهم ومن غيرهم من ركاب البحر أخبار السواحل، وهي أخبار مهمة بالطبع بالنسبة إلى أصحاب السفن في ذلك العهد.
وكلمة "هزرماوت" "حزرماوت" "Hazarmaveth" الواردة في التوراة على إنها الابن الثالث لأبناء "يقطان"، تعني "حضرموت" ومعناها اللغوي "دار الموت" ولعل لهذا المعنى علاقة بالأسطورة التي شاعت عند اليونان أيضاً عن "حضرموت"، و إنها "وادي الموت"، وعرفت في الموارد الإسلامية كذلك. وقد وصلت في الإسلام من طريق أهل الكتاب، قال ابن الكلبي: "اسم حضرموت في التوراة حاضر ميت، وقيل: سميت بحضرموت بن يقطن ابن عابر بن شالخ".
وقد ذهب أكثر من بحث في أسباب التسمية من العلماء العرب إلى إن حضرموت هو اسم "ابن يقطن" أو "قحطان"، و"نه كان إنساناً وبه سميت الأرض، وما بنا حاجة إلى إن نقول مرة أخرى إن هذه النظرية ليست عربية، و إنما تسربت إلى الأخباريين من التوراة، إذ جعلت حضرموت اسم رجل هو "ابن يقطان".
وقد ورد اسم "حضرموت" في الكتابات العربية الجنوبية، كما عثر على كتابات حضرمية ورد فيها أسماء عدد من ملوك حضرموت، وأسماء اسر حضرمية ومدن كانت عامرة زاهية في تلك الأيام. وبفضل هذه الكتابات حصلنا على معلومات لا بأس بها عن مملكة حضرموت وعن علاقاتها بالدول العربية الجنوبية الأخرى.
ولما كانت أكثر هذه الكتابات قد عثر عليها على وجه الأرض، أو هي من نتائج حفريات لم تتعمق كثيراً في باطن العاديات، فإننا نأمل أن يقوم المستقبل باقناع المحبين للتأريخ العربي، بالقيام بحفريات علمية منتظمة وعميقة في مواطن الاثار، لاستنطاق ما فيها عن تأريخ العرب الجاهليين، وأنا على يقين من أن في باطن الأرض وبين الأتربة المتراكمة على" هيأة أطلال و تلول أسراراً كثيرة ستغير من هذا الذي نعرفه اليوم عن تأريخ حضرموت وعن تأريخ غيرها من حكومات، وستزيد العلم به اتساعاً.
لقد قامت بعث بريطانية صغيرة بأعمال الحفر في موضع يقال له "الحريضة"، فاكتشفت فيه آثار معبد الإلَه "سين"، وهو يرمز إلى القمر، وعثرت على عدد من الكتابات تبين إن بعضها سبئية، كما عثت على قبور عثر فيها على عظام في حالة جيدة تمكن من دراستها، وعلى أواني ومواد من الفخار والخرف وخرز ومسابح يظن إنها من القرن السابع أو الخامس قبل الميلاد. وعثر في خرائب "شبوة" وفي "عقلة" وفي مواضع أخرى على عدد من الكتابات الحضرمية، كما استنسخ نفر من السياح صور بعض الكتابات التي نقلها الناس من مواضع العاديات إلى المواضع الحديثة جث استعملوا حجارتها في البناء.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|