وتشاهد في مباني "الحريضة" الحديثة، وهي لا تبعد كثيراً عن الموضع القديم، أحجار مكتوبة أخذت من تلك الخرائب، شوهت بعضها أيدي البنّائين وقضت على أكثرها معاولهم، ومحت آلاتهم كثيراً من تلك الكتابات، ولا يستبعد وجود عدد آخر من الأحجار أوجهها المكتوبة في داخل البناء، فلا يمكن الوقوف عليها، أو إنها كسيت بطبقة من "الجبس" أو مادة أخرى تجعل الجدران صقيلة مُلْساً.
ولم تتوصل جهود من بحث في الآثار التي استخرجا من معبد "سن" "سين" في "الحريضة" إلى نتيجة قطعية لتأريخ هذا المعبد، ويظن إن المقابر التي عثر عليها وبعض واجهات المعبد تعود إلى أواسط القرن الخامس فما بعد إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وان قسماً من بناء المعبد يعاصر العهد "السلوقي". ويعرف موضع الحريضة في الكتابات الحضرمية باسم "مذب" "مذبم" "مذاب"، وفي هذه المدينة الحضرمية القديمة، معبد خصص بعبادة "سين"، وموف عندهم باسم معبد "سن ذ مذبم" "سين ذو مذاب"، كان الناس ينذرون له النذور، ويتقربون إليه، ليمنحهم العمر الطويل والخير والبركة.
وليس علمنا بأحوال حكام "حضرموت" بأحسن من علمنا بأحوال حكام الحكومات العربية الجنوبية الأخرى، مثل معين أو قتبان أو سباً، فلا نزال لا نعرف شيئا يذكر عن حكامها الأول وعن عددهم وعن مدد حكمهم وعن أمور أخرى من هذا القبيل، ولا نزال نجد الباحثين في أحوالها غير متفقين لا على مبدأ قيام حكومة حضرموت ولا على منتهاها وسقوطها فريسة في أيدي السبئيين، ثم لا نزال نراهم يختلفون أيضاً في عدد الحكام وفي مدد حكمهم.
والحكام الذين يذكر العلماء أسماءهم ليسوا بالطبع هم جميع حكام حضرموت، بل هم جمهرة الحكام الذين وصلت أسماؤهم إلينا مدونة في الكتابات، ولذلك لا نستبعد إن تزيد أسماؤهم في المستقبل، زيادة قد تكون كبيرة، وهي ستتوقف بالطبع على مقدار ما يعثر عليه من كتابات.
لقد تبين من بعض الكتابات الحضرمية إن عدداً من المكربين حكموا شعب حضرموت، وذلك قبل أن يتحول هذا الشعب إلى مملكة. و قد ذكر "فلبي" بعضهم في آخر القائمة التي رتبها بحسب رأيه لحكام حضرموت. ومن هؤلاء المكربين المكرب "يرعش بن أبيشع"، "يرعش بن أب يشع"،
يهرعش بن أب يشع" "يسكر ايل يهرعش بن أب يسع" "يشكر ايل يهرعش بن أببع" الذي ورد اسمه في كتابة سجلها "شكمم سلحن بن رضون" "شكم سلحان بن رضوان"، والظاهر إنه كان من الموظفين أو الأعيان البارزين في حكومة حضرموت. وقد كلفه المكرب بناء سور وباب وتحصينات لحصن "قلت" الذي يهيمن على واد تقطعه الطريق القادمة من مدينة "حجر" والمؤدية إلى ميناء "قانه" "كانه" "قنا"، كما كلف إنشاء جدر وحواجز في ممرات الوادي المهمة لحماية منطقة "حجر" والمناطق الأخرى من المغيرين ومن كل عدو يريد غزو حضرموت، ولا سيما الحمريين الذين صاروا يهددون المملكة، ويتدخلون في شؤونها. وقد وضع تحت تصرفه موظفين و معماريين للإشراف على العمل، وعمالاً يتولون أعمال البناء الذي تم في خلال ثلاثة أشهر تقريباً، وكان ذلك في السنة الثانية من سني "يشرح آل" "يشرح ايل" من آل "عذذ" "ذ عذذم"، ولسنا نعرف اليوم هذا التقويم: "تقويم يشح آل" الذي أرخت به الكتابة.
وقد أنجز "شكم سلحان" "شكم سلحن" العمل الذي كلف انجازه، فبنى الجدار والباب لحصن "قلت"، وبنى الحواجز والمواقع الأخرى للمواضع الخطيرة الرئيسية الواقعة في ممرات الوادي ومعابره، لتصد الأعداء والغزاة عن عبوره، وأنشأ استحكامات ساحلية لحماية البر مهن الهجوم الذي قد يقوم به العدو من جهة البحر. ويظهر إنه أقام حصوناً على لسانين كانا بارزين في البحر، فحمى بذلك الخليج الذي بينهما، كما حصن المنفذ المؤدي إلى وادي "أبنة" والى مدينة "ميفعة"، حيث بنى سوراً قوياً لها، وبرجين هما برج "يذان"، وبرج "يذقان"، وباب "يكن"، وأماكن حماية يلتجئ أليها الجنود إذا لزم الدفاع عن المدينة فضلاً عن بناء المواقع المذكورة وقد قام بهذا العمل الجنود بدليل ورود كلمة "أسدم" في النص، ومعناها الجنود.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|