ولا نجد في الكتب العربية شيئاً يستحق الذكر عن قتبان، والظاهر إن أخبارهم قد انقطعت قبل ظهور الإسلام بزمن، فلم نجد لهم من أجل هذا شيئأ في أخبار الجاهلية القريبة من الإسلام، كل ما ورد عنهم إنهم من قبائل حمير، وان هناك موضعاً في عون يقال له "قتبان"، سمي بقتبان بطن من رعين من حمير، أو بقتبان بن ردمان بن وائل بن الغوث، مع إنه لا صلة في النسب بين حمير و قتبان في النصوص القتبانية أو الحمرية. وعندي إن هذا النسب إنما وقع بسب ضعف "قتبان" التي اندمجت بعد فقد استقلالها في حكومة سبأ "سبأ وذي ريدان" وهي الحكومة للتي يطلق عليها المؤرخون اسم "حمير"، وبسبب كون "حمير" القبيلة الرئيسية في اليمن عند ظهور الإسلام، وكان لها حكومة قاومت الأحباش وتركت أثراً في القصص العربية وفي قصة الشهداء النصارى الذين سنتحدث عنهم، لذلك عدّت معظم القبائل التي كانت خاضعة لها من حمير،ونسبت إليها، وفي جملتها قتبان.
وقد دوّن اسم "قتبان" في الترجمة العربي لكتاب "حتي" "تأريخ العرب" "History of the Arabs" على هذا الشكل: "قطبان"، كما دوّن بهذه. الصورة أيضاً في عدد من الترجمات لكتب غربية ظهرت حديثاً، وهو خطأ بالبداهة فان النصوص العربية الجنوبية قد كتبت الاسم بالتاء "ق ت ب ن"، كما إن الكتب العربية قد ضبطت الاسم "قتبان"، ويظهر إن مترجمي الكتاب والكتب الأخرى قد حسبوا إن هذا الاسم أعجمي، ولا سيما بعد تردده في الكتب "الكلاسيكية"، فحاولوا جعله عربياً، فصيروا "التاء" "طاءً" فصارت "قطبان" الواردة في كتابات المسند وفي الكتب العربية "قطبان". وهي هفوة لم أكن أرغب في الإشارة إليها في متن هذا الكتاب، لولا حرصي على صحة الأشياء لئلا يخطئ من لا علم له بهذه الأمور من القراء، أو الباحثين فيأخذها على الصورة التي دونت بها في هذه الترجمات.
والكتابات القتبانية تشارك الكتابات العربية الجنوبية الأخرى في إن غالبها قد كتب في أغراض شخصية، فهي لا تفيد المؤرخ في إخراج تأريخ منها. فهي في إصلاح أرض، أو شراء ملك، أو تعمير دار أو نذر، وما شابه. غير إننا نرى في الذي وصل إلينا منها إنه يمتاز عن غيره من الكتابات العربية الجنوبية بكثرة ما ورد فيه من نصوص رسمية تتعلق بالضرائب أو القوانين أو التجارة، بالقياس إلى ما ورد من مثله في الكتابات المعينية أو الحضرمية أو السبئية. وهي تشارك الكتابات الأخرى أيضاً في خلوها من صيغة المتكلم أو المخاطب واقتصارها على صيغة الغائب، وتشاركها أيضاً في خلوها من نصوص أدبية من شعر أو نثر، ومن نصوص دينية من أدعية وصلوات. وهو أمر يبدو غريباً، ولكننا لا نستطيع إن نحكم حكماً قطعياً في مثل هذا، فما وصل الينا كثير، وما لم يصل إلينا كثير، والححكم بيد المستقبل.
ويعود الفضل إلى السياح، وعلى رأسهم "كلاسر"، في حصول علماء العربيات الجنوبية على أخبارهم عن مملكة قتبان، فقد كانت الكتابات التي حصل عليها في رحلته إلى اليمن في سفره الرابع "1892 - 1894 م" أول كتابات قتبانية تصل إلى أوربة. و قد ذهب "هومل" في دراسته لها إلى أنها تعود إلى زهاء ألف سنة قبل الميلاد، القرن الثاني قبل الميلاد، و هو الزمن الذي انقرضت فيه مملكة قتبان على رأيه.
%175 و قد جمع منها اسم ثمانية عشر ملكاً، حكموا المملكة. و أفادتنا دراسات "نيكولاوس رودو كناكس" "Nikolaus Rhodokanakis" و "دتلف نيلسن" "Ditlef Nielsen" للكتابات القتبانية فائدة كبيرة في كتابة تأريخ قتبان.
و قد ذهبت بعثة أمريكية علمية في عام 1949-1950م مؤلفة من طائفة من المتخصصين إلى "وادي بيحان" للتنقيب عن الآثار هناك، فزارت "تمنع" المدينة القتبانية القديمة، وعاصمة المملكة وبعض المواضع القريبة منها. وسوف يكون للنتائج التي تتوصل إليها بعد دراستها دراسة علمية كافية، أهمية كبيرة في توجيه تأريخ العرب قبل الإسلام.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|