وقد قص القرآن الكريم قصة زيارة ملكة "سبأ" لسليمان دون إن يذكر اسم المملكة، غير إن المفسرين والمؤرخين وأهل الأخبار ذكروا إنها "بلقيس" وأنها من بنات التبابعة، وقد صيرها بعضهم "بلقيس بنت ايليشرح"، أو "بلقمة ابنة اليشرح"، أو "بلقيس بنت ذي شرح بن ذي جدن بن ايلي شرح بن الحارث بن قبس بن صيفي بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، وهي "بلقيس ابنة الهدهاد بن شرحبيل"، إلى غير ذلك من أقوال. وأرى إن الذين جعلوا اسم والدها الهدهاد، إنما أخذوا ذلك من "الهدهد" الطير الذي ورد ذكره في القرآن الكريم، والذي نقل نبأ ملكة سبأ إلى سليمان. وقد كان الهدهاد على زعمهم في عداد ملوك اليمن، وجعلوا سليمان ملكاً على اليمن كذلك، جعلوا ملكه على إليمن ثلاثمائة وعشرين سنة، وجعلوا لملك "بلقيس" وحدها مئة وعشرين سنة، إلى غير ذلك من أقوال.
وقد صير "ابن دريد" اسم بلقيس "بلقمة"، وأوجد تعليلاً لهذه التسمية فقال: إنها من "اليلمق"، و اليلمق القباء المحشو، ويقال إنه فارسي معرب.
وذكر بعض أهل الأخبار إن "بلقيس" لم تكن متزوجة حين قدمت على سليمان، فقال لها "سليمان": لا تصلح امرأة بلا زوج، فزوجها من "سدد بن زرعة"، وهكذا صيروا أمر مملكة سبأ كله بيد سليمان، حتى أمر اختيار زوج لها.
ويرى بعض الباحثين إن ما جاء في التوراة عن السبئيين، لا يعتمد على موارد أصلية ومنابع موثوقة، بل أخذ من موارد ثانوية، ولهذا فإن في الذي جاء في مما عنهم يحملنا على اعتباره مادة كدرة، ليس فيها صفاء.
وقد ذكر السبئيون في المؤلفات اليونانية واللاتينة، وأقدم من ذكرهم من اليونان "ثيوفراستس". والمعلومات التي أوردها عنهم وعن جزيرة العرب وان كانت ساذجة ذات طابع خرافي في بعض الأحيان، إلا إن بعضاً منها صحيح، وقد أخذ من أقوال التجار، ولا سيما تجار الإسكندرية الذين كانوا يستقبلون السلع من العربية الجنوبية وإفريقية، ومن قصص النوتيين الذين كانوا يسلكون البحر الأحمر، و يصلون إلى العربية الجنوبية وسواحل إفريقية والهند للاتجار. وهي قصص سطحية تميل إلى المبالغات
وإلى الأطماع السياسية التي أظهروها تجاه جزيرة العرب، تلك الأطماع التي جعلتهم يسلكون مختلف الطرق لحصول على معلومات عن بلاد العرب، وحالة سكانها ومواطن الضعف التي لديهم للولوج منها في بلادهم، ولتحقيق مطامع استعمارية رمت ابتلاع جزيرة العرب. ولذلك اعتبروا ما يحصلون عليه من أخبار عن هذه البلاد من أسرار الدولة التي لا يحوز إفشاؤها ولا عرضه للناس، وهي قد جمعت أضابير وخزنت في الإسكندرية، لم يسمح إلا لبعض الخاصة من العلماء الثقات الاستفادة منها.
ويعود غالب عمنا بأحوال السبئيين إلى الكتابات السبئية التي عثر عليها في مواضع متعددة من العربية الجنوبية، ولا سيما في الجوف مقر السبئيين. وهي أكثر عدد من الكتابات المعينية و القتبانية والحضرمية وغيرها. وهي تشاركها في قلة عدد المؤرخ منها.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|