الفَصْل ا لسَابع وَالعِشُرون
ملوك سبأ وذو ريدان
نحن الآن في عهد جديد من عهود تأريخ مملكة "سبأ"، هو عهد ملوك "سباً وذو ريدان". لقد كان حكام "سبأ" يتلقبون كما رأينا بلقب "ملوك سبأ"، أما لقبهم في هذا العهد فهو "ملوك سباً وذو ريدان".
ففي حوالي السنة "115 ق. م." أو في حوالي السنة "118 ق. م."، أو بعد ذلك بتسع سنين، أي في حوالي السنة "109"، خلع "ملوك سباً" لقبهم القديم واستبدلوا به لقباً آخر حبيباً جديداً، هو لقب "ملك سبأ وفي ريدان"، إشارة إلى ضم "ريدان" إلى تاج سبأ. وبقي هذا اللقب مستعملاّ حتى أيام الملك "شهر يهرعش" "ملك سبأ وذي ريدان". ثم بدا له رأي دفعه لتغييره، فاتخذ بدله لَقَبَ "ملك سباً وذي ريدان وحضرموت ويمنت" دلالة على توسع رقعة سبأ مرة أخرى، فدخلت بذلك حكومة سبأ في عهد ملكي جديد.
هذا ما كان عليه رأي أكثر الباحثين في تأريخ سبأ في زمن نشوء لقب "ملك سبأ وذي ريدان" وفي سبب ظهوره عند السبئيين. وقد اتجه رأي الباحثين المتأخرين إلى إن ظهور هذا اللقب إنما كان قد وقع بعد ذلك، وأن "الشرح يحضب" الذي هو أول من حمل ذلك اللقب، لم يحكم في هذا الزمن، وإنما حكم بعد ذلك في أواخر القرن الأول قبل الميلاد إيان حملة "أوليوس غالوس" على العربية الجنوبية في حوالي السنة "24 ق. م."، وعلى ذلك يكون اللقب المذكور قد ظهر في أواخر القرن الأول قبل الميلاد، لا في سنة "115" أو "109" قبل الميلاد.
وبناء على هذا الرأي الحديث المتاخر، لا تكون السنة "115 ق. م."أية علاقة بهذا اللقب الجديد، بل لا بد أن تكون لها صلة بحادث مهم آخر كان له وقع في تأريخ العربية الجنوبية، ولهذا جعل مبدأ لتقويم يؤرخ به. وقد زعم بعض الباحثين إن ذلك الحادث هو سقوط مملكة معين في أيدي السبئيين وزوال حكم الملوك عنها، وخضوع المعينيين لحكم "ملوك سبأ". ولما كان ذلك من الأمور المهمة في سياسة الحكم في العربية الجنوبية، جعل مبدأ لتقويم يؤرخ به.
ورأى بعض آخر إن السنة المذكورة، هي سنة انتصار سبأ على "قتبان"، واستيلائها عليها وضمها إلى حكومة سبأ. و "ريدان"، قصر ملوك سبأ، ومقر سكنهم وحكمهم. ونظراً لأهمية هذه السنة اتخذت مبدأ لتاريخ، وبداية لتقويم.
واذا أخذنا بهذا التفسير المتأخر، وجب علينا إذن ترك هذا الزمان واتخاذ زمان آخر لظهور لقب "ملك سباً وذي ريدان"، وهو زمان يجب الا يبعد كثيراً عن السنة "30 ق. م."، ففي هذا الزمن كان حكم "الشرح يحضب" و "شعرم أوتر" على رأي القائلين بهذا الرأي من علماء العربيات الجنوبية.
ويعد تأريخ "سبأ وذو ريدان" من أصعب عهود تأريخ "سبأ" كتابة، على كثرة ما عثر عليه من كتابات طويلة أو قصيرة تعود إلى هذا العهد. ولانزال في توقع كتابات أخرى نأمل أن تسد من الثغرات والفجوات التي لم تتمكن الكتابات التي وصلت إلينا من سدها، ولا أن تزيل الغموض الذي يحيط بهذا ا لتأريخ.
لقد عثر- كما قلت- على كتابات عديدة دوّنت في هذا لعهد، ومنها ما عثر عليه حديثنا ولكنها لم تخفف من عنائنا مما نلاقيه من مشكلات عن تأريخ هذه الحقبة، بل زادت أحياناً في مشكلاتنا هذه. فقد جاءت بأسماء متشابهة وبأخبار اضطرت الباحثين على خير وجهات نظرهم في كثير مما كتبوه، تغييراً. مستمراً والى إعادة النظر في القوائم التي وضعوها لحكام هذا العهد، كما باعدت بين وجهات نظر بعضهم عن بعض، فصارت لدينا جملة آراء تمثل وجهات نظر متباينة.
وتأريخ هذا العهد هو تاًريخ مضطرب قلق، نرى "الشرح يحضب" يلقب نفسه فيه ب "ملك سبأ وذي ريدان"، ثم نرى خصماً له يلقب نفسه باللقب نفسه، مما يدل على وجود خصومة ونزاع واختلاف على العرش،لا اتفاق وائتلاف. ثم نجد كتابات أخرى تدين بالولاء ل "الشرح يحضب" ولخصمه، معاً وفي وقت واحد، وفي كتابة واحدة، وهو مما يشير ويدل على وجود اتفاق واختلاف. وهذه الكتابات تزيد في متاعب المؤرخ وتجعل من الصعب عليه التوصل إلى نتائج تأريخية مرضية مقنعة.
وترينا كتابات هذا العهد، أن الوضع كان قلقاً مضطرباً.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|