وقد برهنت حملة الرومان على العربية السعيدة وقد وقعت في هذا العهد، وكذلك حملات الحبش، وقد وقعت في هذا العهد أيضاً، على أن حكومة "سبأ وذو ريدان" لم تكن حكومة قوية متماسكة، ولم تكن لديها قوات حربية قوية، ولا جيوش منظمة مدربة، حتى لقد زعم من أرخ تلك الحملة من الكتبة اليونان، أن الرومان لم يقاتلوا العرب، ولم يصطدموا بقواتهم اصطداماً فعلياً على نحو اصطدام الجيوش، وأن المحاربين العرب، لم يكونوا يملكون أسلحة حربية من الأسلحة المعروفة التي تستعملها الجيوش، وأن كل ما كان عندهم هو الفؤوس والحجارة والعصي والسيوف، ولذلك لم يتجاسروا على الالتحام بالرومان. وقد لاقى الرومان من الحر والعطش والجوع، ما جعلهم يقررون التراجع والعودة إلى بلادهم، فهلك أكثرهم من العوامل المذكورة. ويؤيد هذا الرأي أيضاً توغل الحبش في العربية الجنوبية وتدخلها في أمورها الداخلية، مع إنها دون الرومان في القوة وفي التنظيم الحربي بكثير. وتوغلهم هذا يدل على أن العربية الجنوبية لم تكن تملك اذ ذاك قوة بحرية قوية، بحيث تقف أمام الحبش، وتمنعهم من الوصول إلى السواحل العربية مع أن الحبش أنفسهم، لم يكونوا يملكون قوة بحرية يعتد بها. ولعل الرومان ساعدوهم في نزولهم في البلاد العربية، لأنهم كهانوا تحت تأثيرهم، كما صاروا تحت تأثير الروم، أي البيزنطيين من بعدهم، ولا سيما بعد د*********هم في النصرانية.
ويبدأ عهد "ملوك سبأ وذو ريدان" بالنزاع الذي كان بين "الشرح يحضب" وأخيه "يزل بين "يأزل بين" ابني "فرعم ينهب" من جهة، وبين "شعرم أوتر" و "يرم أيمن"، وهما ابنا "عهان نهفان" "علهن نهفن" من جهة أخرى، وهو في أصله نزاع قديم له تاًريخ سابق ومقدمات ترجع إلى أيام أجداد الطرفين، فالنزاع الذي فتح به عهد "سبأ وذو ريدان"، هو فصل أول من جزء من كتاب هو جزء متمم لكتاب سابق. ولا نريد هنا أن نعيد الحديث عن تلك الخصومة التي شغلت الأجيال الأخيرة من مملكة سبأ.
وحظ "الشرح يحضب" لا بأس به، بالقياس إلى من تقدمه من المكربين أو الملوك، فقد بقي حياً في الإسلام، وخلد في كتب الإسلاميين، فذكره "الهمدانى" في كتابه "الإكليل"، وسماه "إلى شرح يحضب"، ونسب إليه قصر "غمدان"، وروى له شعراً زعم انه قاله، وذكر إن "بلقيس" هي ابنته. وحكى "ياقوت الحموي" قصة في جملة القصص التي رواها الأخباريون عن بناء قصر "غمدان"، نسبها إلى "ابن الكلبي"، زعم فيها إن باني هذا القصر هو "ليشرح بن يحصب". و "ليشرح بن يحصب" هو "الشرح يحضب". وقد ذكر في صور أخرى،مثل "أبي شرح" و "يحضب شرح"، وهي-ولا شلك-من تحريفات النساخ.
ونسب "الطبري" بلقيس إلى "ايليشرح"، فجعلها ابنته. أما "حمزة الأصبهاني"، فقد جعلها "بلقيس بنت هداد بن شراحيل". وقد قصد ب "شراحيل" "الشرح يحضب"، ولا شلك، فصيرها حفيدة له.
وهكذا رفع أهل الأخبار أيام "الشرح يحضب"، فصيّرها في عهد "سليمان مع وجود فرق كبير جداً بين زماني الرجلين وقد نص في الكتابات على أصل "فرعم ينهب"، فذكر انه من "بكيل" وذكر انه من "مرثد"، و"مرثد" عشيرة من عشائر "بكيل". فهو إذن من قبيلة "همدان"، من غير شك، الا اننا لا نعرف عنه ولا عن والده شيئاً يذكر فلا ندري أكان والده من البارزي المعرفين في ايامه أم لا. ونستطيع أن نقول بكل تأكد إنه لم يكن ملكاً، والا ذكر اسمه، وأشير إله والى لقبه في النصوص التي ورد فيها اسم ابنه "شعر أوتر" شعرم أوتر". ومعنى ذلك ان ابنه "شعرم أوتر" لم يكن من الأسر المالكة الحاكمة، بل انتزع الملك بنفسه وكوّن نفسه، ومهد الحكم بذلك لويه: "الشرح يحضب" و يأزل بين"
وقد ورد اسم "فرعم ينهب" فرع ينهب" فارع ينهب" في النصوص Jammme 566 و CIH 299 و "نشر رقم 59". وأشير في النص Jamme 566 إلى "الشرح يحضب" و"يأزل بين" ابنيْ "فرع ينهب"، ولكنه لم يذكر بعد الاسمين واسم الوالد جملة "املك سبا"، بل ذكر " ملك سبأ"، أي أن هذا اللقب يعود إلى "فرع ينهب"، كما انه ذكرت في السطرين الأول والثانية جملة "رَجُليْ ملكن"، أي "رَجُليْ الملك"، مما يدل على أنه قصد ملكاً واحداً، وهو "فره ينهب". وأما لفظة "رجلي"، فتعني "ربشمس اضاد" "ربشمس اضأد" و "سعد شمسم" "سعد شمس" شقيقه، وقد كانا مقربين عند الملك يقضيان أمور، فهما الجلان المختاران عنده، وموضع سره.
وقد لقب " فرع ينهب" في النص: "نشر 59" ب "ملك سبأ". وقد ذكر فيه أسماء إلَهين، هما: "بعل أوّام"، أي المقه، و "سمع" "سميع" وهو "بعل حرمتن"، اسم مكان فيه معبده.
ويرى "فون وزمن" إن الملك "فرعم ينهب" "فرع ينهب" "فارع ينهب" "الفارغ ينهب"، هو الملك الوحيد الذي نعرفه في هذا العهد. ويرى إن سبب عدم تحرش حمير به، هو بسبب كونه ملكا لقبائل سبئية محتمية بأرضين مرتفعة محصنة. ويرى إن عهد مشاركة ابنه " معه في الحم، كان في أيام وجود "ياسر يهنعم الأول" وابنه "شمر يهرعش الثاني" في "ظفار" و "مأرب" ويرى أيضاً إن "فرع ينهب" وابنيه كانوا ثلاثتهم تابعين لسلطان ملوك حمير: "ملوك سيأ وذو ريدان".
كان "الشرح يحضب" مقاتلاّ محارباً، ذكر انه قاتل في أيام أبيه "فرعم ينهب" حمير وحضرموت، لتحرشهم بسبأ وغزوهم لها. وقد سجل خبر حربه هذه معهم فْي كتابة وصلت إلينا، سقط منها اسم صاحبها، يفهم منها إن صاحبها قدم إلى معبد "المقه" المقام في "ذ هرن" "ذي هران" وثناً مصنوعاً من الذهب، حمداً له وشكراً، لأنه مكن سيده "الشرح يحضب بن فرعم ينهب" من أعدائه، ومنَّ عليه بالنصر وأوقع بعدوه هزيمة منكرة وخسائر جسيمة، ولأنه نصر سيديه "الشرح" وشقيقه "يأزل بين" في غزوهما حمير وحضرموت، ولأنه مكنهما، وهما على رأس جيوش "سبأ" و "بحض" "باحض" من الانتصار على قوات "اظلم بن زبنر" "أظلم بن زبنر".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|