وقد قدّم أصحاب النص: Jamme 569، وهم من عشيرة "مربان" "كربأن"، تمثالاً مؤنثاً "صلمتن"، ويظهر أنه يقصد تمثالاً لامرأة- وذللك ليحظوا برضى ملكهم "الشرح يحضب". وأما النص: Jamme 570 فقد دوّنه رجل، سقط اسمه الأول من النص، وبقي نعته فقط، وهو "ركبن"، أي "ركبان"، وقد قال عن نفسه: "عبد ملكن"، أي عبد الملك، يقصد خادم الملك، ذلك لأنه تمهل في عمله، فلم يجمع غلة اليوم الثامن من المزرعة، فكفّر عن تمهله هذا وتجاهله أمر الإله "المقه" الذي كان عليه أن يقوم بخدمته وبأن يحضر موضع أداء الشعاثر له، وذلك بتقديمه ذلك التمثال وبأن يقوم بجني غلة المزرعة على نحو ما يرام. ويلاحظ أنه استعمل جملة: "ولشرح يدهو ولسنهو"، أي: "وليشرح يده ولسانه"، ويقصد بها التوسل إلى الإله "المقه" بأن يبسط يد الملك ولسانه، أي يبارك في يده ولسانه، كما نقول: يشرح الله قلبه، فهي من التعابر المستعملة عند العرب الجنوبيين في ذلك العهد.
ولم يذكر اسم "يأزل بين" في النصين:rep. Epig. 3990 و Rep. Epig 4150 وصاحب النص الأول هو "يجعر بن سخيم" وكان قيلاً "أقول" على عشيرة "سمعي" المؤلفة لثلث "ذي حجرم". وقد قدم إلى الإله "تألب ريام" "بعل كبدم" خمسة تماثيل لينعم ويبارك على سيده "الشرح يحضب"، ملك سبأ وذي ريدان، وعلى ابنه "وترم" "وتر". وليبارك فيه وفي بيته "بيتو" "ريمان".
والنص: Rep.epig 4150 صاحباه لشقيقان، "شرح عثت أريم" وشقيقه "رثد ثون" تمثالاً إلى الإله "عثتر ذ ذبن" "عثتر ذو ذبان"، "بعل بحر حطبم" حامدين "حمدم" له وشاكرين، اذ منَّ عليهما، وأوفى لهما ما طلبا وسألا، وكان ذلك في أيام "الشرح يحضب ملك سبأ وذي ريدان وابنه وتر".
ويلاحظ إن النصين لم يذكرا بعد "وترم" لقبه، ولم يكتبا جملة "ملك سبأ وذي ريدان". ويظهر انهما كتبا في أيام انفراد "الشرح يحضب" بالحكم. وتولى ابنه "وتر" ادارة الأمور، لمساعدة أبيه فقط، ولم يكن قد منحه أبوه يومئذ حق التلقب بألقاب الملوك.
لقد بلغننا الآن نهاية أيام حكم "الشرح يحضب" لقد رايناه محارباً مقاتلاً حارب الحبش، وحارب حمير، وحارب حضرموت، وحارب قبائل أخرى. لا يكاد يعود إلى احدى عاصتيه "مأرب" أو صنعاء ليستقر في قصريه ومقري حكمه: قصر "سلحان" أو "غمدان" وليستريح بعض الوقت، حتى تشتعل ثورة هنا أو هناك تدفعه إلى ترك راحته والاسراع نحوها للقضاء عليها واخمادها حتى لا يمتد لهيبها إلى مكان آخر. لقد أجهدته هذه الحروب وتلك الفتن، فأتعبت جسمه ونهكت أعصابه، حتى أصيب مرارأَ بأمراض وطغى عليه الأرق، وهذا ما حمل المقربين إليه على التوسل إلى آلهتهم، لتمنَّ عليه بالشفاء وبنوم هادىء مريح، ولتمنحه الراحة والاستقرار، وتبعد عنه الأتعاب وشر الأعداء الأشرار وحسد الحاسدين، دلالة على كثرتهم وتعبيراً عن تلك الفتن المتتالية التي كانت في تلك الأيام.
وقد كلفت هذه الحروب وتلك الثورات العربية الجنوبية أثماناً باهظة، وأنزلت بها خسائر فادحة في الأرواح والأموال، واحلت بكثير من مواضعها الدمار والخراب، ونغصت عيش أهلها. فجعلتهم في حالة نفسية قلقة مضطربة، بدليل ما نجده من توسلات ترتفع إلى الالهة تدعوها بأن تمن على عبيدها بنعمة الطمأنينة والهدوء والاستقرار، كما نشرت فيها الأوبئة والأمراض التي كانت تفتك بالناس بالجملة فتكاً، وأحلت الهلاك بالمزارع والحقول،
وبالمدن فردمت آبار، عاشت عليها الزراعة والقرى والمدن، واقتلعت الأشجار، وأتلفت الحقول والمزارع، وأوذيت مجاري المياه التي تسقيها، وخربت مدن، وأعمل في أهلها السيف، أو سيقوا أسرى، ووضع على هذا النحو لا بد أن يخلق تعاسة وبؤساً، ويوثر في الوضع العام بجملته تاثراً سيئاً، يصير ارثاً ينتقل إلى الطبيعة الجديدة.
وقد لاحظ "ريكمنس" J.Ryckmans إن هذا الاقتتال وهذا النظام الاقطاعي يصادف زمن حلول الخيل محل الجمل في القتال في أواسط جزيرة العرب وجنوبيّها، كما لاحظ W.Dostal.أن جويش العربية الجنوبية استعملت سروجاً جيدة لدوابها التي تحارب عليها، وأن قبائل أواسط جزيرة العرب، حسنت من أنظمتها وكفايتها في القتال مما أكسبها قدرة في الغزو بسرعة والانتقال من مكان إلى مكان في مدة قصيرة، فأكسبها شاًناً عسكرياً وسياسياً. فأثر كل ذلك في السياسة العامة المجزيرة، إذ لم تبق القوى العسكرية محصورة في مناطق الزراعة في هضاب جنوب جزيرة العرب، وانما انتقلت إلى بقية أنحاء جزيرة العرب، إلى مواضع الآبار والرياض والعيون حيث تركزت الزراعة كما حدث في يثرب وفي الطائف وفي أماكن زراعية أخرى، أو إلى مواضع تقع على طرق قوافل مثل مكة، أهلتها لأن تختص بالتجارة، وان تنال مكانة بها.
لقد وضع "جامه" حكم "الشرح يحضب" مع أخيه "يأزل بين"، اذ كانا يحكمان حكماً مشتركاً في حوالي السنة الخمسين قبل الميلاد، وجعل نهاية هذا الحتم المزدوج حوالي السنة الثلاثين قبل الميلاد، حيث حكم "الشرح" حكماً منفرداً لا يشاركه فيه أحد. وقد دام هذا العهد إلى حوالي السنة العشرين قبل الميلاد أوبعدها بقليل.
واذا جارينا رأي "جامه" المتقدم، ورأي الباحثين الذين ذهبوا إلى أن حكم "الشرح يحضب" كان في النصف الأخير من القرن الأول قبل الميلاد، وفي الربع الأخير منه، جاز لنا القول بأن "إلساروس" Ilasaros، الذي ذكره "سترابون" على انه ملك السبئيين في أيامه، وكانت في عهده حملة "اوليوس غالوس" هو هذا الملك "الشرح يحضب". ولكن جمهرة أخرى من الباحثين والمتخصصين في العربيات الجنوبية ترجع أيام "الشرح" إلى ما قبل ذلك، فقد جعل "فلبي" مثلاً حكمه فيما بين السنة "125" والسنة "105" قبل الميلاد.
هذا، ويلاحظ إن بعض الكتابات التي اغفلت "يأزل"، ذكرت ابن "الشرح" بعد أبيه، ودعت له ولأبيه بالعافية ودوام البركة والنعمة، الا إنها لم تنعته بنعت، مما يدل على انه لم يكن يحمل لقب "ملك سبأ وذي ريدان" آنذاك.
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|