وقد يكون تعيرنا أدق وأصح لو قلنا إنها كانت تابعة لها في هذا العهد. ولذلك اشتركا مع السبئيين ضد الأوسانيين. أما "أوسان"، فكان إلى جانبها "دتنت" و "دهس" و "تبنى" وبعض قبائل "كحد". وقد رأيت أن جميع هذه القبائل ومعها "أوسان" كانت تابعة لمملكة قتبان. ويظهر إنها ثارت على قتبان، وانفصلت عنها، فتكوّنت مملكة أوسان، ودخلت القبائل الأخرى في هذه المملكة، أي مملكة أوسان، أو إنها تحالفت معها، وانفصلت كل في منطقتها فكوّنت إمارة أو ملكة صغيرة. فلما انتهى "كرب ايل وتر" من مملكة أوسان، تعقب هذه القبائل، وأخضعها لحكمه. ويظهر أن ملك "دهس" الذي كان في حلف مع أوسان، أو خاضعاً لها، انتهز فرصة انتصار "كرب ايل وتر" على أوسان فأعلن انفصاله عنهم وانضمامه إلى السبئيين، فكافأه "كرب ايل وتر" بإعطائه جزءاً من ارض أوسان هو أرض "ادوم" "أودم".
وقد احتل السبئيون أرض أوسان وأرض تبنى، ووهبوا أرض "كحد ذ حضنم لإلهَ سبأ "المقه".
أي إن الملك "كرب ال" "كربئيل" "كرب ايل" وهبها لحكومة ولشعب سبأ، وأنعم على قتبان وحضرموت ببعض الأرضين التي غنمها من الأوسانيين. ويظهر إنها كانت قتبانية وحضرمية في الأصل، غير إن الأوسانيين اغتصبوها منهم، فأعادها "كرب ايل" إلى قتبان وحضرموت، لمساعدتهما له. وقد كان ملك قتبان الملك "وروايل" اذ ذاك.
ويظهر من عبارة "وقني كرب ايل كل قسط كحد... جوم لا لمقه ولسبا"، ومن جملة "كل قسط كحد حرهو وعبد هو"، إن أرض "كحد" ذ حضنم" التي وهبت لألمقه ولشعب سبأ، أصبت ملكاً خاصاً بالملك "كرب ايل"، وان جميع أهل "كحد" أحراراً وعبيداً صاروا أنباعاً له، يستغلون الأرض ويدفعون إليه الغلات.
وقد جعل "فلبي" الملك "مرتو" في رأس قائمته التي وضعها لملوك "أوسان"، وجعل زمان حكمه فيما بين السنة "620" والسنة "600 ق. م." وذلك ليجعله معاصراً ل "كرب ايل وتر" الذي جعل حكه في هذا الزمن. وهو رأي يعارضه أكثر الباحثين في العربيات الجنوبية،اذ جعلوا حكمه في حوالي السنة "450" قبل الميلاد، أو بعد ذلك بقليل.
ووضع "فلبي" اسم الملك "ذ يدم" "ذ يد" "زيد"، بعد اسم الملك "مرتو"، وجعل زمان حكمه في حوالي السنة "230 ق. م.". فترك بذلك فجوة كبيرة لا يدري من حكم فيها. ولم يعرف اسم والد الملك "ذيدم"، وقد ذكر انه كان من عشيرة "بغيثت.
ثم ذكر "فلبي" "معد ايل سلحن" بعد "ذيد"، وجعله ابناً له. وجعل حكمه في حوالي السنة "210 ق. م."، وذلك جرياً على طريقته في وضع مدة "20" سنة لكل ملك يقضيها في الحكم. ثم جعل "يصدق ايل فرعم شرح عت" من بعد "معد ايل" وجعله ابناً له. وصيّر زمان حكمه في حوالي السنة "190 ق. م." وجعل "زيد سلحن" شقيقاً له، كما جعل له أختاً. ثم وضع الملك "معد ايل سلحن" بعد "يصدق ايل فرعم"، وجعله ابناً له، وجعل زمان حكمه في حوالي السنة "170 ق. م.". ثم صير "يصدق ايل فرعم عم يثع" ملكاً من بعده، وهو ابن "معد ايل سلحن"، وجعل حكمه في حوالي السنة "150 ق. م.". ثم جعل "فرعم زهمهن الشرح" ملكاً من بعده، وهو ابن "يصدق ايل فرعم عم يثع"، وجعل حكمه في حوالي السنة "135 ق. م". ثم ذكر "عم يثع غيلن لحى" من بعده، وهو ابن "يصدق ايل فرعم عم يثع"، وقد جعل حكمه حوالي السنة "120 ق.م 0".
ولم يذكر "فلبي" ملكاً آخر بعد هذا الملك، وإنما ذكر أنه في حوالي السنة "115 ق. م." ضم "الشرح يحضب" "ملك سبأ وذي ريدان" مملكة أوسان إلى أرض السبئيين.
ويعارض ترتيب "فلبي" لأسماء ملوك "أوسان" رأي كثير من علماء العربيات الجنوبية، فقد ذهب أكثرهم إلى تقديم الملوك الذين ذكرهم "فلبي" بعد الملك "مرتو" عليه " وجعلوا زمانهم أقدم من زمانه، فقدروا زمان الملك "يصدق ايل فزعم شرح ايل" في النصف الأول من القرن الخامس قبل الميلاد مثلاَ، أي قبل سنة "450 ق. م."، وهذا يعني انه أقدم عهداً من "مرتو"، أي إن رأيهم هو عكس ما ذهب "فلبي" إليه.
وقد ذهبت "بيرين" J. Pirenne إلى إن أوسان كانت مملكة في أواخر القرن الأول قبل الميلاد، أو بعد الميلاد بقليل، وأن حكم الملك "يصدق ايل فرعم شرحعت بن ودم" كان في حوالي السنة "24 ق. م.".
لقد كان معبد "نعمان" المعبد الرئيسي عند الأوسانيين. وقد خصص بعبادة الإلَه زود"، وهو إلههم الكبير. وبقع هذا المعيد في "وادي نعمان". وقد ورد اسمه في عدد من الكتابات الأوسانية.
الجبانيون
لقد ورد في تأريخ "بلينيوس" اسم شعب من الشعوب العربية الجنوبية، سماه Gebbanitae، وقال إن له عدة مدن أكبرها "ناجية" "نجية" Nagia و Thamna "تمنه" "ثمنه". وكان في "تمنه" خمسة وستون معبداً، وقد يكون في هذا العدد شيء من المبالغة، الا انه مع ذلك يدل على ضخامة هذه المدينة وسعتها، بدليل وصول اسممها إلى اليونان، ومبالغة هذا المؤرخ في عدد معابدها. ولما تحدث عن اللبان، قال: انه لم يكن يسمح بتصديره الا بواسطة هذه المملكة، والا بعد دفع ضريبة إلى ملكها، وتبعد العاصمة مسافة "5%148" ميلاً عن "غزة" يقطعها الإنسان في خمس وستين مرحلة على ظهور الجمال.
وفي أثناء كلام "بلينيوس" عن "المرّ" ذكر إن ملك ال "الجبانيين" Gabbanitae كان يأخذ لنفسه ربع الغلة، وذكر إن بلادهم تقع ما بين أرض شعب دعاه Astramitica وأرض شعب آخر يسمى Ausaritie = Ausaritae أشار إلى أن للمملكة ميناء يسمى Ocilia، وان حق بيع القرفة كان محصوراً بالملك وحده. وذكر أشياء أخرى عن هذا الشعب.
أشياء أخرى عن هذا الشعب.
ومعارفنا عن هذا الشعب قليلة، ويظن انه كان من الشعوب التي كانت تؤلف مملكة قتبان، وانه استقل في زمن ربما لا يبعد كثيراً عن أيام "بلينيوس". وكانت مواطنه بعد استقلاله في جوار القتبانيين في الجنوب الشرقي منهم بين قتبان وسبأ على بعض الآراء، أو في غربهم على رأي "كلاسر". ويرى "كلاسر" انه عشيرة أو طائفة من القتبانيين. ويظن بعض الباحثين انهم "جبأ". وقد ذكر "الهمداني" موضعاً سماه "جبأ" وقال فيه: "جبأ مدينة المفاخر، وهي لآل الكرندي من بني ثمامة آل حمير الأصغر"، وقال: " إن جبأ وأعمالها هي كورة المعافر، وهي في فجوة بجن جبل "صبر" وجبل "ذخر" في وادي الضباب". وقد ورد في النصوص المعينية اسم "جبأ" "جبأن" مع اسم المعينيين. ولكني لا أستطيع أن أوافق على رأي من يقول إن "الجبئيين Gabbanitae ، ولذلك دعوتهم ب "الجبانيين" انتظاراً للمستقبل الذي قد يرشدنا إلى اسم يرد في النصوص العربية الجنوبية يكون مرادفاً للفظة المذكورة.
نجران
وذكرت "نجران" كما رأينا مع "رجمت" "رجمة"، فهي أذن من المواضع القديمة من عهود ما قبل الميلاد، سواء أكان اسم نجران اسم أرض أو اسم مدينة وهي في منطقة خصبة جداً ذات ماء، ولذلك صارت طريقاً مهماً للقوافل المتجهة من العربية الجنوبية في الشمال، أو الآتية من الشمال في طريقها إلى العربية الجنوبية. ولموقعها المهم هذا تعرضت للغزو ولطمع الطامعين فيها، فأصيبا لذلك بأضرار فادحة مراراً. وقد سماها "بطلميوس" "نكرا ميتربوليس" Nagara Metropolis، أي مدينة "نكرا"، و ذكرت في نص "النمارة" الذي يعود عهده إلى سنة 328 م.
ومع أهمية "نجران"، فإننا لا نعرف من تأريخها القديم غير شيء قليل. وقد ورد اسمها في كتابة أشارت إلى حملة على النبط، "نباطو"، ويظهر أن أصحاب الحملة أو الغزاة كانوا قد توجهوا من العربية الجنوبية نحو الشمال، لأنها تذكر إنها اتجهت من "نجران" نحو "نباطو" فدمرتها، أي دمرت مدينة النبط.
مملكة مهأمر: و "مهأمرم" "مهأمر" مملكة صغيرة نستطيع أن نقول إنها إمارة من الإمارات التي لقب سادتها أنفسهم بلقب "ملك
ومقرها على ما يظهر من الكتابات مدينة "رجمت" "ركمت" "رجمة". وكان لها مجرى ماء منبعه في "نجران". وتقع أرض "أمرم" "أمر" "أمير" في شرقها في امتداد البادية، وفي جنوب "مهأمر" في بعض الأماكن. ويرى بعض الباحثين أن "رجمت" هي في أرض "نجران" في الزمن الحاضر، أو في منطقة تتاخمها في شمالها.
وقد جاء اسم "رجمت" كما رأينا في الكتابة المعينية التي وسمها العلماء ب Glaser 1150، وقد بحثت عنها في أثناء حديثي عن دولة "معين" وقلت إن من رأي بعض العلماء أن تلك الحرب نشبت بين الفرس "الماذويين" في أيام ملكهم Atraxerxes Ochus وبين المصريين، في حوالي السنة "343 ق. م". ويظهر من تلك الكتابة أن مدينة "ركمت" كانت معروفة اذ ذاك، وكانت ذات شأن وخطر، وتقع على طريق القوافل التي تصل "معين" والعربية الجنوبية بمصر.
وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن "رجمت" هي في الواقع مدينة من مدن "نجران"، وان "نجران" لم تكن في الأصل مدينة معينة، وإنما هي أرض تضم جملة مدن، منها هذه المدينة، الا أن الناس خصصوا لفظة "نجران" على مرور الزمان بإحدى المدن، هي مدينة "رجمت"، حتى عرفت بها، فضاع بذلك اسمها القديم. ويستشهدون على صحة رأيهم هذا بأمثلة عديدة وقعت في العربية الجنوبية.
ويحتمل على رأي ""موردتمن" أن تكون "رجمت" "ركمت" هي "رعمة" في التوراة و "رعمة" في التوراة الابن الرابع ل "كوش". وقد ذهب إلى أن مراد التوراة من "كوش" في هذا المكان العربية الجنوبية. ومن أولاد "كوش" "شبا"، أي "سبأ"، و "دادان". وقد ذكر تجار "رعمة" مع تجار سبأ في سفر" حزقيال".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|