و ينادم الفرقدين. فإذا شرب قدحاً، صب لهذا قدحاً ولهذا قدحاً، وهو أول من عمل المنجنيق، وأول من حذيت له النعال، وأول من رفع له الشمع. بقي على ذلك حتى نادمه مالك وعقيل، إلى غير ذلك من أقوال وروايات عنه. وهي تدل على انه كان قد ترك أثراً في المجتمع في ايامه غير أثر الملك، مما حدا بالقوم أن يضعوا هذه الأقوال فيه.
واشتهر "جذيمة" عند أهل الأخبار بفرس له، ذكر انها كانت من سوابق خيل العرب، اسمها "العصا". وفيها ورد في المثل: "إن العصا من العصية". وقد نجا "قصير بن سعد اللخمي" على فرسه هذه، فأخذ بثأره وقتل "الزباء" على زعم أهل الأخبار.
وهم يروون أن جذيمة كان يغازي إياداً النازلين ب "عين أباغ"، فذكر له اسم غلام من لخم في أخواله من إياد، هو عديّ بن نصر، له جمال وظرف، فغزاهم. فبعثت إياد قوماً سقوا سدنة الصنمين الخمر، وسرقوا الصنمين،فأصبحا في إياد. فبعثت إليه تفاوضه على ارجاع الصنمين إليه على أن يكف عن غزوهم، ولكنه اشترط عليهم اعطاءه عدي بن نصر مع الصنمين، فوافقوا على ذلك. فانصرف عنهم وضم عدياً إليه، وولاه شرابه.
ويدعون انه تزوج اخته "رقاش" التي أحبته فيما بعد، في قصه يروونها، ومن هذا الزواج المزعوم كان "عمرو ابن عدي" ابن أخت جذيمة الذي خلف خاله على الملك.
وفي رواية من روايات الأخباريين إن جذيمة زوّج اخته من ابن عمه: "عدي ابن ربيعة بن نصر"، فولدت له "عمرو بن عدي" الذي استطار به الجن.
وفي جملة ما نسبه أهل الأخبار إلى جذيمة من حروب حربه مع "عمرو بن الظرب بن حساّن بن أذينة بن السميدع بن هوبر العملقي" "العمليقي" من عاملة العماليق. وعمرو هذا هو أبو الزباء عند الأخباريين. ويذكر هؤلاء أن الطرفين استعدا للقتال استعداداً كبيراً،فجمعا كل ما امكنهما جمعه. ولما اصطدما، قُتل عمرو، فانهزم أصحابه، وعاد جذيمة بعد هذا النصر إلى قواعده سالماً. ولم يشر الطبري إلى اسم الموضع الذي وقع فيه هذا القتال. وملك من بعد "عمرو" ابنته الزبّاء.
أما ملك جذيمة، فكان على حد قول الأخباريين ما بين الحيرة والأنبار وبقةّ وهيت وناحيتهما وعين التمر وأطراف البر إلى الغير والقطقطانة وخفية وما والاها ورقة وسائر القرى المجاورة لبادية العرب. ويفهم من بعض الروايات أيضاً انه ملك معدّاً وبعض اليمن. وكانت داره بالموضع المعروف ب "المضيق" بالمصيرة بين الخندقة وقرقيسيا.
اما الأنبار، فقد تحدثت عنها. وهي -على ما يظهر من روايات الأخباريين- من المواضع التي كان يخضع اعرابها في الغالب لحكم اللخميين. واما بقة، فتقع على الفرات بين هيت والأنبار. وأما هيت، فهي من المواضع القديمة المعروفة قبل الميلاد، وقد ورد اسمها في نص "توكلني أنورتا الثاني" "Tukulti Enurta II" الذي يعود عهده إلى حوالى سنة 885 قبل الميلاد. وقد عرفت ب "ايد" "Id"" و "ايت" "It"، 2. وهي "ايس" "اس" "Is" و "ايس بوليس" "اسبولسي" "Ispolis" "Ispoolis" و "ايديكاره" "Idikara" و "دياكيرة" "Diakira"" في مؤلفات الكلاسيكيين. و "ايهي" "Iha" و "ايهيداكيرة" "Ihidakira" في مؤلفات عصر التلمود.
وفي بقة استشار جذيمة قصيراً على حد قول الأخباريين في أمر زيارته للزباء. وتقع بقة على مقرية من الحيرة. وقيل هي حصن كان على فرسخين من هيت على رواية ياقوت. وقد جعلها "اليعقوبي" على شط الفرات بالقرب من الأنبار وفي ملك الزباء. وهي على الفرات بين الأنبار وهيت، في رواية أكثر الأخباريين.
وأما القطقطانة، فموضع في البرية لا يبعد كثيراً عن الكوفة، وهو بالطف. وأما خفية، فهي أجمة في سواد الكوفة، بينها وبين الرحبة، ينسب اليها الأسود المعروفة بأسود خفية، وهي غربي الرحبة،ومنها إلى عين الرهيمة مغرباً. وقيل أيضاً عين خفية.
وقد اشتهرت "جمن التمر" القريبة من "شفاثا" بالقصب والتمر، وهي على طرف البادية. فتحها المسلمون على يد "خالد بن الوليد" في سنة 12 للهجرة في ايام أبي بكر.
وقد طال عمر جذيمة على حد قول "حمزة الأصبهاني" إلى إن لحق ملك "سابور بن أشلك الأشغاني" "شابور بن أشك"، وحكم على حد قوله أيضاً ستين سنة. إما نهايته، فكانت على يد الزباء في قصة مشهورة معلومة، رصّعها الإخباريون بشعر وأمثلة، تحدثت عنها في أثناء كلامي على الزباء. وجعل بعضهم مدة حكمه مئة وثماني عشرة سنة، اذ ملك في زمن ملوك الطوائف خمساً وتسعين سنة، وفي ملك أردشير بن بابك وسابور الجنود ثلاثة وعشرين سنة. وملك يحكم هذه المدة لا بد أن تكون مدة حياته أطول من مدة حكمه.
وذكر "أبو حنيفة الدينوري" إن جذيمة لم يزل ملكاً مقيماً بالخورنق، حتى دعته نفسه إلى تزويج "مارية" ابنة الزباء الغسانية. وكانت ملكة الجزيرة، ملكت بعد عمها الضيزن الذي قتله "سابور"، فقتلت جذيمة، ثم قتلها قصير مولاه. فجعل الملكة القاتلة بنتاً من بنات الزباء عينها، فدعاها مارية، وبذلك أنقذ الزباء من تهمة القتل التي ألصقها الأخباريون بهذه الملكة، وجعلها ملكة على الجزيرة،
وجعل نسبها في غسّان، وغسان معادون منافسون لآل لخم، ثم أبى إلاّ أن يجعل لجذيمة قصراً منيفاً، فوقع اختياره على الخورنق، وهو قصر لائق أن يكون قصر ملك، وخالف في ذلك رأي الأخباريين الذين ينسبون هذا القصر إلى ملك آخر هو النعمان.
وقد جاء اسم "جذيمة" "جديمت" في نص نبطي ويوناني عثر عليه في "أم الجمال"، جاء فيه: "هذا موضع أي قبر فهر بن شلي "سلي" مربي جديمت ملك تنوح". ولهذا النص على قصره أهمية بالغة، لأنه يشير إلى الصلة التي كانت بين الأسرة الحاكمة في الحيرة وعرب الشام. ومن الصعب بالطبع استنتاج كيفية وفاة مربي الملك في هذا الموضع: أكان زائراً هذه الديار فأدركه أجله فقبر هناك ! أم جاء مع سيده في حرب فتوفي في ذلك المكان ! مهما يكن من شيء، فقد أفادنا الحجر فائدة كبيرة بتدوينه اسم صاحب القبر، واسم جذيمة ملك "تنوح" تنوخ.
ويلاحظ أن النص دون اسم "جذيمة" محرف "الدال" وكتب اسم "تنوخ" محرف الحاء "تنوح" بدلاً من الخاء. وينهون هذا النص من أقدم النصوص التي ورد فيها اسم "تنوخ". ويرجع عهده إلى حوالي السنة "270" بعد الميلاد. وجعل "ابن دريد" لجذيمة نسلا، سماهم "بني جهنم"، وجعل لفظة "جهضيم" من "التجهضم"، ومعناها التكبير.
وذكر "حمزة الأصفهاني" أنه لم يلد لجذيمة غير "زينب بنت جذيمة"، وهي أم مرتع. واسمه "عمرو بن معاوية بن كندة"، فغزا في آخر في عمره الشام، فقتل "عمرو بن ظرب بن حسان بن أذينة" ملك العمالقة والد الزباء، فانطوت له الزبّاء على طلب الثأر حى قتلته.
وانتقل الملك بعد وفاة جذيمة إلى ابن أخته "عمرو بن عدي بن نصر بن ربيعة ببن الحارث بن مسعود بن مالك بن غنم بن نمارة بن لخم. أما أمه، فهي أخت جذيمة، وهي: "رقاش بنت مالك بن فهم بن غنم بن عدثان" على رواية من ينسب مالك بن فهم إلى عدثان.
ويلاحظ أن "الطبري" لم يكن مستقراً في موضوع اسم "عدي" والد عمرو،إذ بجعله "نصراً" في موضع، فيقول "عدي بن نصر بن ربيعة"، ويجعله "ربيعة" في موضع آخر، فيقول:"عدي بن ربيعة بن نصر". ويظهر إن ذلك انما وقع له بسبب أخذه من روايات مختلفة، وعدم تدقيقه ونقده لتلك الروايات.
ويفهم من رواية يرجع "الطبري" سندها إلى "ابن حميد" عن "سلمة" عن "ابن اسحاق" إن زمان حكم "ربيعة بن نصر اللخمي" كان بين ملك "تبان أسعد ابو كرب" "وملك ابنه "حسان بن تبان أسعد". والرواية مضطربة مشوشة، يفهم منها إن "ربيعة بن نصر" كان نفسه قد حكم اليمن في الفترة الواقعة بين "تبان أسعد" وبين حكم ابنه "حسان"، وان "حسان" هذا لم يتمكن من الحكم. الا.بعد هلاك "ربيعة بن نصر". ويزيدها اضطراباً وتشويشاً ذكر "الطبري" رواية الرؤيا التي رآها "ربيعة بن نصر" وعرضها على "سطيح" و "شق" لتفسيرها له، وما كان من جوابهما له في تفسيرها، حيث "وقع في نفسه إن الذي قالا له كائن من امر الحبشة، فجهز بنيه وأهل بيته إلى العراق بما يصلحهم، وكتب لهم إلى ملك من ملوك فارس يقال له سابور بن خرزاذ، فأسكنهم الحيرة، فمن بقية ربيعة بن نصر، كان النعمان ين المنذر ملك الحيرة". فيتبين منها إن "ربيعة بن نصر" كان مقيماً باليمن، وقد أقام بها حياته، وان بنيه هم الذين ذهبوا إلى العراق.
ولكنها لم تشرح كيف وجد "ربيعة" في اليمن وكيف حكمها وهو من لخم ? وهي رواية شاذة، دسها بعض المتعصبين لليمن - على ما يظهر - على "ابن اسحاق"، فدوّنها في أخباره. وقد دست أخبار وأشعار على ابن اسحاق، فرواها وصدّق بها من غير نقد ولا تحقيق. وللعلماء رأي فيه.
ويزعم بعض أهل الأخبار إن "سطيحاً" و "شقا" أخبرا "ربيعة بن نصر" في تأويلهما لرؤيا بما يكون من غلبة الحبش على أرض اليمن، وبغلبة الفرس بعدهم. فلما سمع بذلك، اوجس في نفسه خيفة، فأحب إن يخرج ولده وخاصة اهله من ارض اليمن، فوجه ابنه عمراً إلى يزدجرد بن سابور، أو إلى سابور ذي الأكتاف، فأنزله الحيرة، فيومئذ بنيت، فضم عمرو إليه اخوته وأهل بيته، فمن هناك وقع آل لخم إلى الحيرة، واتصلوا بالأكاسرة فجعلوا لهم على العرب سلطاناً، فلما مات خلفه من بعده ابنه "جذيمة بن عمرو".
وزعم "الدينوري" إن وفاة ربيعة بن نصر كانت في أيام "قباذ بن فيروز" وانه بوفاته رجع الملك إلى حمير، فملك ذو نواس بعده، وهو ذو نواس صاحب تعذيب نصارى نجران نفسه. فأرجع ايام ربيعة إلى قباذ "قباد"، وهو قول يخالف ما يرويه الأخباريون. وجعل ذا نواس المالك من بعده، وقد عاش ذو نواس بعد قباذ أمداً، فخالف في ذلك التأريخ وأقوال الأخباريين.
ووصف "الطبري" عمرو بن عدي، فقال عنه: "هو أول من اتخذ الحيرة منزلاً من ملوك العرب، وأول من مجده أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق، واليه ينسبون، وهم ملوك آل نصر، فلم يزل عمرو بن عدي ملكاً حتى مات وهو ابن مائة وعشرين سنة، منفرداً بملكه، مستبداً بامره، يغزو المغازي ويصيب الغنائم، وتفد عليه الوفود دهره الأطول، لا يدين لملوك الطوائف بالعراق، ولا يدينون له، حتى قسم اردشير بن بابك في أهل فارس". وذكر الطبري أن الحيرة. خربت بعد هلاك بختنصر، لتحول الناس عنها إلى الأنبار، وبقيت خراباً إلى أن عمرت في زمن عمرو بن عدي، باتخاذه إيّاها منزلاً.
وَثمَّ رواية تنسب نصراً إلى الساطرون ملك الحضر، وتجعل آل نصر من الجرامقة، من "رستاق باجرمي"، ورواية أخرى تجعل ملوك الحيرة من "أشلاء قنص بن معد". فقد ذكر أن "عمر بن الخطاب" لما أتى بسيف النعمان بن المنذر، دعا جبير بن مطعم فسلمه إياه، ثم قال:يا جبير، ممن كان النعمان ? قال: من اشلاء قنص بن معد. وهو من ولد عجم بن قنص، إلا إن الناس لم يدروا ما عجم، فجعلوا مكانه لخماً، فقالوا هو من لخم ونسبوا إليه. وكان جبير من أنسب العرب. والذي عليه اكثر أهل الأخبار إن "آل نصر" هم من اليمن، كانوا قد تركوا اليمن وهاجروا حتى استقروا بالعراق، ونزلوا الحيرة، وأسسوا ملكهم بها.
ويذكر الأخباريون إن عمراً انتقم من الزباء لقتلها جذيمة، ورووا في ذلك رواياتهم المرصعة بالشعر والأمثال. وهي روايات لا تستند إلى اسس تاريخية، اذا قصدوا، بذلك الزباء ملكة تدمر التي عرفنا تأريخها ونهايتها في مكان آخر من هذا الكتاب.
وجعل " "الدينوري" مدة حكم "عمرو بن عدي" نيفاً وستين سنة.
وتولى الملك بعد وفاة عمرو ابن امرؤ القيس. ويقال له امرؤ القيس البدء وامرؤ القيس الأول. أما امه،فهي ماوية بنت عمرو اخت كعب بن عمرو الأزدي على رواية حمزة. وقد عاصر جملة من ملوك الفرس، هم: سابور ابن أردشير "شابور بن أردشير"، وهرمز بن سابور، وبهرام بن هرمز، وبهرام بن بهرام، وبهرام بن بهرام بن بهرام، ونرسى بن بهرام بن بهرام، وهرمز بن نرسى، وسابور ذو الاكتاف على رواية تجدها مدونة في تأريخ حمزة. وجعل مدة ملكه مئة واربع عشرة سنة، وهي مدة تتفق مع ما ذكره الطبري حكاية على لسان ابن الكلبي.
غير اننا اذا ما وازنا بن ما ذكره الطبري حكاية على لسان ابن الكلبى في عدد ملوك الفرس الذين حكم "امرؤ القيس" في ايامهم، وفي مدة حكمه في عهد كل ملك. من هؤلاء الملوك. وبين ما ذكره حمزة نجد اختلافاً في العدد واختلافاً في المدة، مما يدل على إن حمزة نقل من مورد آخر يختلف عن مورد الطبري.
وإذا كانت مدة حكم امرؤ القيس على نحو ما ذكره ابن الكلبي وغير ابن الكلبي من رواة، فكم تكون مدة حياة هذا الملك ? إنهم لم يعينوا هذه المدة، ولكنها مدة تزيد بالطبع على هذه السنين في نظر أصحاب تلك الروايات، ولمَ لا تطول ? وقد ساروا على خطة اطالة أعمار الملوك الأولين، فملك يتجاوز حكمه مئة عام بسنين أمر لا بأس به في نظر هؤلاء الرواة.
غير اننا نلاحظ انهم بخلوا على الملوك المتأخرين، فلم يمنحوهم هذه النعمة، نعمة إطالة مدة الحكم أو مدة العمر، فجعلوا لهم مدداً مقبولة في الغالب معقولة. ولو عاش "هؤلاء المتأخرون في زمن بعيد عن اولئك الرواة، بعيد عن ايام تدوين اخبار ملوك الحيرة، لما حرمهم الإخباريون كرمهم هذا، ولأعطوهم ولا شك ما اعطوه من سبقهم من الملوك جملاً من السنين.
وقد نعت امرؤ القيس في بعض الروايات ب "المحرق"، ونعت ايضاً ب "محرق الحرب".
ونصادف كلمة المحرق ومحرق وآل محرق في مواضع من التواريخ المتعلقة بالحيرة. وقد اطقها بعض الأخباريين على الغساسنة ايضاً. وهم يرون انها لقب ألحق بأولئك الملوك، لأنهم عاقبوا اعدائهم في اثناء غزوهم لهم بحرق أماكنهم بالنار. ويرى "روتشتاين" انه تفسير لظاهر الكلمة، وهو تفسير مغلوط. والصحيح في نظره انها اسم علم لأشخاص عرفوا بمحرق، ولذلك قيل "آل محرق" لا "آل المحرق".
وفي أصنام الجاهليين صنم يدعى محرق والمحرق، تعبدت له بعض القبائل مثل بكر بن وائل وربيعة في موضع "سلمان". وقد ورد بين أسماء الجاهليين اسم له علاقة بهذا الصنم، هو عبد محرق، أفلا يجوز أن يكون للمحرق إذن علاقة بهذا الصنم، كأن يكون قد اتخذ من باب التيمن والتبرك للملك الذي عرف بالمحرق أو أنه قدم قرباناً لهذا الإلهَ أحرقه على مذبحه بالنار، وكان يكثر من حرق القرابين للآلهة، وتلك عادة معروفة وقد وردت أيضاً عند العبرانيين، فقيل له لذلك المحرق ? والى هذا الاحتمال ذهب بعض المستشرقين.
ويظهر إن محرقاً كان من الشخصيات الجاهلية القديمة الواردة في الأساطير، وقد اقترن اسمه بالدروع. وورد "بردي محرق" كما اقترن اسمه ب "نسيج داوود"، مما يدل على أن هذا الاسم من الأسماء المعروفة قديماً في أساطير الجاهليين.
وقد ورد أيضاً صوت محرق وفرخ محرق، وذلك يدل على أن "محرقاً" في هذا الموضع حيوان قد تكون له علاقة أيضاً بأساطير الجاهليين.
ومما حكاه الأخباريون عن هذا الملك انه كان قد تنصر، وانه لذلك أول من تنصهر من آل نصر. وهو أمر يحتاج إلى دليل، كما ذكروا أن ملكه كان واسعاً وانه كان عاملاً للفرس "على فرج العرب من ربيعة ومضر وسائر من ببادية العراق والحجاز والجزيرة".
ويظن بعض الباحثين إن امرأ القيس، هو امرؤ القيس الذي ورد اسمه مدوناً في نص "النمارة". فإذا كان هذا الظن صحيحاً، كان امرؤ القيس أول ملك من ملوك الحرة يصل خبره الينا مدوناً، وكذلك خبر تأريخ وفاته في سنة 328 للميلاد، المقابلة لسنة 223 من تقويم بصرى، التقويم المعمول به في تلك الجهات التي قبر فيها امرؤ القيس
ويظهر من نص النمارة إن امرأ القيس صاحب القبر، كان رجلاً محارباً، وقائداً كبيراً، أخضع قبيلتي أسد ونزار، وهزم مذحجاً، وأخضع معداً، ووزع بنيه في القبائل، وبلغت فتوحاته أسوار "نجران" مدينة "شمر". وهو بهذه الفتوحات قد تمكن من معظم أنحاء الجزيرة. وهذا النص يناقض، الروايات التي تنسب الفتوحات العظيمة إلى "شمر يهرعش" "شمر يرعش"، فتجعله فاتح العراق وما وراء العراق إلى الصين، وتعكس القضية عكساً تاماً. وروايات فتوحات "شمر"، هي روايات يمانية وضعها أناس متعصبون لليمن ولا شك.
وقد سبق لي أن بينت إن المستشرقين يرون إن "شمراً" المذكور في هذا النص أي صاحب "نجران"، هو "شمر يهرعش". "شمر يرعش". وقد ذكرته في باب "ملوك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت". ومعنى هذا إن "نجران" كانت في ملكه يوم أغار "امرؤ القيس" عليها فوصل أسوارها، ويظهر انه لم يتمكن منها وانه فرض سلطانه على القبائل الساكنة في البادية، فاعترفت بسيادته عليها. ولهذا لقب في النص بلقب "ملك العرب كلهم الذي نال التاج"، وختمت الكتابة بجملة "فلم يبلغ ملك مبلغه"، وهي جملة تعبر عن اتساع ملكه وامتداده مسافات شاسعة
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|