على دفعها للفرس. وبناء على تباطؤ القيصر في دفعها حرّض قباذ المنذر على التحرش بحدود الروم، وقام المنذر بغزوها في سنة "519م".
لقد تمكن المنذر في بعض حروبه مع الروم من أسر قائدين هما "ديموستراتوس" "تيموستراتوس" "Timostratus" "Demostratus" و يوحنا "Johannes". وأراد القيصر أن يفك أسر هذين القائدين ويعقد صلحاً وحلفاً بين الروم والمنذر، فأرسل - على ما يظهر - رسولاٌ خاصاً إلى المنذر هو "ابراهيم" "Abraham" والد الكاتب المؤرخ "نونوسوس" "Nonnosus"، ومعه "شمعون الأرشامي" "Symeon of Beth Arsham" و "سرجيوس" "Sergius" أسقف الرصافة "بيت رصافة". وقد وصل الوفد إلى المنذر في السنة السادسة "السنة السابعة" من حكم "جستينوس" "يوسطينوس" الموافقة لسنة "835" من التقويم السلوقي ولسنة "524" للميلاد. وكان المنذر آنئذ في البادية في موضع اسمه "رمله" "الرملة". وقد نجحت مهمته فيما يخص فك أسر القائدين.
و "سرجيوس" هو مؤلف القسم السرياني الخاص بشهداء العربية الجنوبية، أي شهداء نجران. وقد دوّنت في عهد أسقفيته على الرصافة أسماء الشهداء على الجدار الشمالي للكنيسة الكبرى، كنيسة القديس سرجيوس.
وصادف وصول وفد الروم إلى المنذر وصول وفد آخر من اليمن أرسله ذو نواس الملك الشهير المعروف بتعذيبه نصارى نجران إلى المنذر ليفاوضه على تعذيب من في مملكته من النصارى. وقد دوّن "شمعون الارشامي" قصة التعذيب هذه مدعياً انه نقلها من الكتاب الذي قريء على الملك ومن أقوال من عرفه من الحاضرين، دوّنها في صورة كتاب ليقرأ في الكنائس ويطلع عليه المؤمنون. وقد نشر هذا الكتاب، وطبعت ترجمته كذلك.
وذكر إن القيصر "جستينوس" "يوسطينوس" "Justinus" كتب إلى المنذر ابن النعمان طالباً منه اخراج من في أرضه من القائلين بالطبيعة الواحدة. وقد جادلهم في مجلس عقده بحضرة المنذر "شيلا" الجاثليق. فلما سمع هؤلاء بذلك، هرب بعضهم إلى نجران واقاموا هناك. وكان من مؤيديهم الحجاج بن قيس الحيري صاحب المنذر.
يظهر إن امل القيصر في عقد هدنة أو معاهدة مع المنذر لم يتحقق، أو أنه تحقق ولكن إلى حيَن.
فلما ساءت العلاقات بين الروم وللفرس، ووقعت الحرب سنة "528م" بين الجانبين، هاجم المنذر الروم مؤيداً الفرس، وكان له أثر خطير في هذه الحرب. وقد توغل في بلاد الشام، وغنم منها غنائم كثيرة، ولكنه لم يبق فيها أمداً طويلاً، فعاد مع جنوده سريعاً الى قاعدته كعادة سائر الملوك بعد أن أشبع نفسه من غنائم الحرب.
ونجد المنذر يجدد هجومه على بلاد الشام، بعد مدة قصيرة من هجومه الأول. لقد هاجمها سنة "529م" وتوغل فيها حتى بلغ حدود أنطاكية، واحرق عدداً من المواضع ومنها موضع "خلقيدون" "خلقيدونية" "Chalcedon". وقد زعم بعض المؤرخين السريان أنه ضحى بأربع مئة راهبة للعزّى، وهي دعوى نحتاج بالطبع إلى درس.
وقد عرض ابن العبري لتوغل المنذر في أرض الروم، واستيلائه على أرضين واسعة شملت كل منطقة الحدود، ومنها أرض الخابور ونصيبين، حتى بلغ "حمص" "Emessa" و "أباميا" "فامية" "Apamea" وأنطاكية "Antioch" زاعماً أنه قتل عدداً كبيراً من السكان، وخرب أكثر تلك الأرضين، ذاكراً أنه اختار من بين الأسرى أربعمئة راهبة أخذهن لنفسه، غير انه لم يذكر أنه قدمهن قرباناً الى العزى.
في أثناء كلامه على الحبشة في اليمن وعلى د********* الفرس اليها،كما أشار إلى الموادعة والهدنة التي عقدت بين كسرى أنو شروان والقيصر، وقد سماه "يخطيانوس"، أي "جستنيان" "جستنيانوس" "Justinianus"، فقال: "وكان فيما ذكر بين كسرى أنو شروان وبين يخطيانوس ملك الروم موادعة وهدنة. فوقع بين رجل من العرب كان ملّكه يخطيانوس على عرب الشام يقال له خالد بن جبلة وبين رجل من لخم كان ملّكه كسرى على ما بين عمان والبحرين واليمامة إلى الطائف وسائر الحجاز ومن فيها من العرب يقال له المنذر بن النعمان نائرة. فأغار خالد ابن جبلة على حيز المنذر، فقتل من أصحابه مقتلة عظيمة وغنم أموالاً من أمواله فشكا ذلك المنذر إلى كسرى وسأله الكتاب إلى ملك الروم في انصافه من خالد، فكتب كسرى إلى يخطيانوس يذكر ما بينهما من العهد على الهدنة والصلح ويعلمه ما لقى المنذر عامله على العرب من خالد بن جبلة الذي ملكه على من في بلاده من العرب،
ويسأله أن يأمر خالداً أن يرد على المنذر ما غنم من حيزه وبلاده ويدفع إليه دية من قتل من عربها وينصف المنذر من خالد وان لا يستخف بما كتب به من ذلك فيكون انتقاص ما بينهما من العهد والهدنة بسببه. وواتر الكتب إلى يخطيانوس في انصاف المنذر فلم يحفل بها. فاستعد كسرى فغزا بلاد يخطيانوس في بضعة وتسعين الف مقاتل فأخذ مدينة دارا ومدينة الرهاء ومدينة منبج ومدينة قنسرين ومدينة حلب ومدينة انطاكية وكانت أفضل مدينة بالشام ومدينة فامية ومدينة حمص ومدناً كثيرة متاخمة لهذه المدائن عنوة واحتوى على ما كان فيها من الأموال والعروض وسبى أهل مدينة انطاكية ونقلهم إلى أرض السواد".
ويظهر من سياق هذه الرواية إن الطبري لم يكن على علم واضح بالمنذر بن النعمان ولا بخالد بن جبلة. وقد نقل روايته هذه من غير نقد ولا مناقشة. فالشخص الذي تخاصم المنذر معه هو الحارث بن جبلة، لا خالد بن جبلة. وقد وهم المورد الذي نقل الطبري منه، فظن انه خالد بن جبلة. وهو مورد يظهر كما يتبين من سياق الحديث انه اعتمد على كتاب من كتب التأريخ، لعله من المؤلفات الفارسية أو السريانية،
وقد نقل الدينوري منه أيضاً،فذكر خالد بن جبلة.
وفي رواية الطبري عن ملك المنذر مبالغة على ما يظهر، فليس في الأخبار التي يرويها الأخباريون عن هذا الوقت رواية واحدة يفهم منها إن نفوذ الفرس قد شمل هذه الأرضين الواسعة الممتدة من الحجاز إلى ساحل الخليج. وليس فيها خبر واحد يفهم منه إن ملك المنذر قد شمل الطائف وسائر الحجاز. ولو كان ملكه قد بلغ هذه البلاد لوعت ذلك ذاكرة أهل الأخبار شيئاً عنه،اذ انه لم يكن بعيد عهد عن الإسلام.
ولم تنقطع المناوشات بين الحارث والمنذر، بالرغم من الهدنة التي اتفق الفرس والروم على عقدها لمدة خمس سنوات وذلك في سنة "545م". فبعد مدة قصيرة من التوقيع عليها، عادت نيران الحرب فاستعرت بين الحارث والمنذر من غير أن يتدخل الفرس أو الروم في هذا النزاع. وقد تمكن المنذر من مباغتة أحد أبناء الحارث: وكان يكلىء خيله في البادية، فأسره، وقدمه على ما يقوله بروكوبيوس ضحية إلى العزى "Aphrodite
وبعد أن جمع كل واحد منهما كل ما يملك من قوة ومن حديد، اشتبكا في حرب جديدة انتصر فيها الحارث انتصاراً كبيراً، وقتل عدداً كبيراً من جنود خصمه. فلما رأى ما حل به، فرّ هو ومن بقي حياً من أتباعه، تاركاً اثنين من أبنائه في جملة من وقع في الأسر.
وقد تكون غارة قيس بن سلمة بن الحارث الكندي على الحيرة غارة انتقامية من المنذر لما أنزله بآل كندة من خسائر. ويظهر أن قيساً قد باغت المنذر وفاجأه بغارة خاطفة اضطرته إلى الهزيمة والالتجاء إلى الخورنق مع ابنيه عمرو وقابوس. وبعد مضي عام على هذه الهزيمة، انتقم المنذر لنفسه بغارة أغارها على كندة كلفت الكنديين اثني عشر أميراً من بني حجر بن عمرو وقعوا في أسره في مكان يسمى ذات الشقوق، ثم أمر بعد ذلك بضرب اعناقهم في الجفر، وهو الموضع الذي أطلق عليه لهذه الحادثة جفر الأملاك، وهو موضع "دير بني مرينا" الذي أشير إليه في الشعر المنسوب لامرئ القيس.
ويذكر أهل الأخيار أن الشاعر "امرأ القيس الكندي" كان في جملة من وقع أسيراً، الا أنه افلت من الأسر ونجا بنفسه، فقال شعراً يرثي به من قتل، منه: ملوك من بني عمرو بن حجر يساقون العشية يقـتـلـونـا
فلو في يوم معركة أصيبـوا ولكن في ديار بني مـرينـا
ولم تغل جماجمهم بـغـسـل ولكن في الدماءُ مرَمّلـينـا
فهو يتألم ويتأفف من سقوط قومه قتلى، لا فى حرب ولا في معركة، ولكن في "ديار بني مرينا"، فأية مصيبة أعظم منّ هذه المصيبة ? ملوك أحرار شجعان يقتلون في مثل هذه الديار وفي رواية أن الذين قتلوا من بني حجر آكل المرار في جفر الأملاك هم تسعة واستشهدت على ذلك بشعر للحارث بن حلزة جاء فيه: وفديناهم بتسـعة أمـلا ك كرام أسلابهم أغلاء
وأشير في قصيدة هذا الشاعر إلى الجون. وهو جون آل بني الأوس، وهو في شرح الرواة ملك من ملوك كندة، وهو ابن قيس بن معديكرب. قالوا: وكان الجون جاء ليمنع بني آكل المرار، ومعه كتيبة خشناء، فحاربته بكر، فهزموه، وأخذوا بني الجون، فجاؤوا بهم إلى المنذر، فقتلهم.
وفي بعض الروايات أن المنذر توسط لعقد الصلح بين بكر وتغلب واشترط إن أي رجل وجد قتيلاً في دار قوم فهم ضامنون لدمه، وإن وجد بين محلتين قيس ما بينهما، فينظر أقربهما إليه، فتضمن ذلك القتيل. وأخذ من الفريقين رهناً بأحداثهم، فمتى التوى أحد منهم بحق صاحبه أقاد من الرهن.
وفي عهد هذا الملك وقع "يوم طخفة" بحسب رواية بعض الأخباريين.
ويذكر هؤلاء أنه وقع بسبب "الردافة" وقيل: "الرفادة". فقد كانت ردافة ملوك الحيرة في "بني يربوع"، وكانت لعتاب بن هرمي بن رياح بن يربوع في عهد "المنذر بن ماء السماء". فلما توفي، صارت إلى ابنه "قيس ابن عتاب" "عوف بن عتاب الرياحي" بحكم الوارثة، وكان حديث السن، فأشار "حاجب بن زرارة" على الملك إن يجعلها لرجل كهل له سن وعقل، وأشار عليه باختيار " الحارث بن بيبة المجاشعي"
الحارث بن مرط بن سفيان ابن مجاشع" ولما فاتح الملك "بني يربوع" برأيه هذا: غضبوا وأبوا، وأصر الملك على رأيه، والا حاربهم، فأبوا واستعدوا للقتال، وساروا إلى موضع "طخفة" وتحصنوا به، فأرسل المنذر في أثرهم جيشاً كبيراً من افناء الناس، عليه حسان أخوه وقابوس ابنه وبعث معهم الصنائع والوضائع، اشتبك مع "بني يربوع" هذا المكان،وصبر بنو يربوع وثبتوا، ثم أغاروا على جيش المنذر، فانهزم ووقع القتل فيه، وانهزم قابوس ومن معه،وضرب طارق أبو عميرة "طارق ابن عميرة" فرس قابوس. فعقره وأسره،وأراد أن يجز ناصيته، فغال: إن الملوك لا تجزّ نواصيها، وأسر حساناً بشر بن عمرو بنُ جوين، فعاد المنهزمون إلى المنذر، وكان المنذر قد احتبس "شهاب بن عبد "قيس" بن كياس اليربوعي" عنده. فلما رأى سوء العاقبة، استدعاه، فقال له: "يا شهاب، أدرك ابني وأخي، فان أدركتهما حيين، فلبنى يربوع حكمهم، وأردّ عليهم ردافتهم، وأترك لهم من قتلوا وما غنموا، وأعطيهم ألفي بعير"، فذهب إلى قومه وأعادهما، ووفى الملك بما قال. ونجد للاحوص وللفرزدق ولأم موسى الكلابية شعراً في هذا اليوم.
وفي عهد المنذر، كان يوم "أوارة الأول" على قول أهل الأخبار. وسببه أن تغلب لما أخرجت "سلمهَ بن الحارَث" عنها، التجأ إلى "بكر بن وائل" ولما بلغ بكراً أذعنت له تغلب ودانت لحكمه، وقالت له: "لا يملكنا غيرك" فأرسل اليهم "المنذر" يدعوهم إلى طاعته، فلم بجيبوه، فحلف المنذر ليسيرن اليهم فان ظفر بهم ذبحهم على قلة جبل أوارة حتى يبلغ الدم الحضيض، وسار اليهم بمجموعه ليبر بقسمه، والتقى بهم بأوارة، فهزمت بكر، وأسر "يزيد ابن شرحبيل الكندي"، فأمر المنذر بقتله فقتل، وقتل خلق كثير من بكر، وأمر المنذر بذبح الأسرى الرجال على قلة جبل أوارة، وباحراق النساء، والى ذلك أشار الأعشى بقوله.: سبايا بني شيبـان يوم أوارة على النار إذ تجلى به فتياتها
وختم عام "554م" هذا النزاع العنيف الذي أتعب الحارث والمنذر فاستراح الجانبان، ختم بسقوط المنذر بن النعمان "مونذر بر نعمن" "ملك العرب" صريعاً بيد خصمه الحارث بن جبلة بعيداً عن عاصمة ملكه، ففي منطقة قنسرين على روايات المؤرخين السريان،، ففي السنة السابعة والعشرين من حكم القيصر
"يوسطنيانوس" "جستنيان" "Justinianus" هاجم المنذر منطقة "Rhomaye" التابعة لحكم الروم، فنازله الحارث بن جبلة، وتغلب عليه، وقتله عند عين "عودايا" "Wdaja" في منطقة قنسرين. وقد سقط في هذه المعركة أحد أبناء الحارث، فدفنه أبوه فىٍ قلعة هذا الموضع.
و "عودايا"، هو "العذية" على رأي موسل، وهو من مواضع منطقة "بالميرينا" "Palmyrena"، أي منطقة تدمر، ومعظم هذهِ المنطقة هي من أعمال قنسرين.
وقد فهم "أوليري" من رواية للمؤرخ "ثيوفانس" ان المنذر كان حياً حتى سنة "562م"، وهي السنة التي عقد فيها الصلح بين الروم والفرس، وفيها توفي.
وقد ذكر "هارتمن" "Hartmann" إن المنذر هذا حارب في صفوف الرومان في أيام القيصر "طيباريوس الثاني" "Tiberius II"، غير انه خانهم وغدر بهم في احدى المعارك التي قادها "موريقيوس" "Mauricius"، فلما صار "موريقيوس" قيصراً قبض عليه، ونفى معه زوجته وبعض أبنائه إلى جزيرة صقلية. ولم يقل هذا القول أحد، وانما قصد المورد الذي استند إليه هارتمن وهو "ايوا كريوس" "Evagrius" منذراً آخر غير المنذر الذي نتحدث عنه.
وسبق لأوليري إن ظن هذا الظن، فذكر إن المنذر حدس إن في الفرس ضعفاً، وذلك بسبب انقطاع الحروب مدة بين الفرس والروم، فانضم إلى الروم وصار حليفاً لهم، وحارب معهم. فلما تبين لديه الأمر، عاد إلى حلفائه القدامى الفرس. فلما وقع في احدى المعارك أسيراً في أيدي الروم، نفاه القيصر موريقيوس سنة "580م" ونفى معه زوجته وبعض أولاده إلى صقلية. ومصدر وهمهما هو اعتمادهما على رواية للمؤرخين "ايواكريوس" "Evagrius" و "نيقيفورس كَالستوس" "Nicephorus Callistus" من غير أن يمحصاها. فالمنذر المقصود في هذه الرواية ليس هذا المنذر،. وانما هو المنذر بن الحارث بن جبلة الذي نفي بعد أن اتهمه الروم باتصاله من طرف خفي بالفرس، وانه كان السبب في اخفاق الحملة التي قادها "موريقيوس" يوم كان قائداً، فلما صار قيصراً، انتقم منه بالنفي.
أما الذي عليه أكثر الأخباريين فهو: إن قتل المنذر كان في عين اباغ في المعركة التي عرفت ب "يوم عين أباع". وعين أباغ بحسب وصف بعض الأخباريين واد من أودية العراق وراء الأنبار على الفرات بين الكوفة والرقة، لا يبعد كثيراً عن الحيرة.
وسبب وقوع هذه المعركة على ما يقولونه، هو أن المنذر بن ماء السماء سار من الحيرة في معد كلها حتى نزل بعين أباغ، وأرسل إلى الحارث الأعرج بن جبلة: إما أن تعطيني الفدية فأنصرف عنك بجنودي، وإما ان تأذن بحرب. فأرسل إليه الحارث: أنظرنا ننظر في أمرنا. فجمع عساكره وسار نحو المنذر،فلما التقى به في عين أباغ، اقتتلا، فقتل المنذر، وقتل فيها ابنان للحارث. فسار الحارث بولديه القتيلين إلى الحيرة، فأنهبها وأحرقها ودفن ابنيه بها ثم عاد.
ويذكر أهل الأخبار أن "عين أباغ" كانت منازل "إياد"، وان "أباغ" رجل من العمالقة نزل ذلك المكان فنسب إليه. وقد اختلفت الأقوال في "عين اباغ" فمنهم من جعلها موضعاً بين الكوفة والرقة، ومنهم من جعلها عين ماء، ومنهم من ينكر أنها عين ماء، ويرى انها واد وراء الأنبار على طريق الفرات إلى الشام. ومنهم من يجعلها في "ذات الخيار".
ويظهر من تعليقات ابن الأثير على هذه المعركة إن من كان يرى أن اسم الملك الغساني الذي انتصر في هذا اليوم هو أبو شمر عمرو بن جبلة بن الحارث ابن حجر بن النعمان بن الحارث بن الأيهم بن الحارث بن مارية الغساني، أو هو رجل من الأزد تغلب على غيرهما. وقد رجح هو رواية من قال إنه الحارث الأعرج بن جبلة، وهي رواية اكثرية الأخباريبن. ويؤيد هذه الرواية روايات المؤرخين السريان الذين سموا اسم ملك عرب الشام، فدعوه "حرث برجابالا" أي الحارث بن جبلة "حارث بن جبل". ويلاحظ أن ابن العبري استعمل جملة "ملك العرب" للمنذر. كما استعملها غيره من المؤرخين.
ويرى "ابن الأثير": أن "الحارث" لما بلغ "عين أباغ" ارسل إلى "المنذر" يقول: إنا شيخان هنا، فلا تهلك جنودي وجنودك، ولكن ليخرج رجل من ولدك، وليخرج رجل من ولدي، فمن قتل خرج عوضه. فإذا فني أَولادك وأولادي خرجت أنا اليك، ومن قتل صاحبه ذهب بالملك. فتعاهدا على ذلك. فعهد المنذر إلى رجل من في شجعانه، فأمره إن يخرج، ويظهر أنه ابن المنذر. فلما خرج، اخرج إليه الحارث ابنه "ابا بكر".
ملاك الشرق
&&&لا مستحيل عند أهل العزيمة&&& |
|