مما يؤسف له في الآونة الأخيرة انجراف كثير من الناس إلى مراكز متخصصة في العلاج بالقرآن أو إلى شخصيات يزعمون أنها تشفي بالقرآن ولكنهم ما إن قصدوا هدفهم حتى وقعوا في الشباك فصار ذلك المركز يُفصّل حالة المريض بتفسيرات غريبة وعجيبة منها أنه مسحور أو محسود أو كذا كذا مما يزيد الطين بلة فيزداد خوف المريض مما هو عليه .
أضف إلى ذلك ما سيأخذه ذلك المركز أو أولئك الأشخاص من مبالغ على علاجهم لذلك المريض .
ما حكم الشرع في إقامة مثل تلك المراكز ، وهل يجوز للمريض أن يتردد عليها ؟
هذه المراكز التي تنشئ على هذا النحو هي مراكز للاستغلال ، فالقائمون عليها دجالون يريدون أن يستغلوا عواطف الناس أو سذاجتهم أو بساطتهم من أجل أن يثروا من وراء ذلك ، وأن يأخذوا ثروات الناس بهذه الحيل ، هذا أمر لا يجوز ، وعلى الناس أن يتقوا الله تبارك وتعالى فيه ، وأن لا يفعلوا هذا الفعل ، عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ، فإن تقوى الله تبارك وتعالى تردعهم عن مثل هذه التصرفات ، وتحول بينهم وبين هذه الأطماع ، وتصرف أيضاً المبتلين عن التعلق بمثل هؤلاء الناس الدجالين الضالين الذين لا يريدون من رواء هذا الذي يقومون به إلا جمع الثروات وإلا استغلال ضعف الناس واستغلال هزيمة القلوب حتى ينالوا مرادهم من ورائها .
بعض من يعالج بالقرآن يتنبأ بحالة المريض في المستقبل ويخبره أيضاً من أين أتاه الضر ومن أين أصابته المشكلة ، كيف نوفق بين هذا الذي يقوله وبين علاجه بالقرآن الكريم ، والقرآن نفسه يقول أن علم الغيب يختص الله سبحانه وتعالى ؟
علم الغيب لا يصل إليه مخلوق إلا أن يكون رسولاً يوحى إليه يأتيه من قبل الوحي لا قبل من علمه بنفسه بالغيب ( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ) (النمل : 65 ) ، (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) (الجن : 26-27 ) ، فإذن هؤلاء الذين يدّعون علم الغيب ، ويدّعون أن فلان كما قالوا مسحور أو فلان أصيب بضر أو فلان أصيب بضر في مكان كذا أو أنه دُفن له عمل في موضع كذا ، هؤلاء إنما يتحدثون فيما لم يأذن الله تعالى بأن يتحدثوا فيه بحيث يدّعون الغيب ، والنبي صلى الله عليه وسلّم على علو قدره ما كان يعلم الغيب إلا أن يأتيه من قِبَل الوحي .
يقال إن هناك تحاورا بين الراقي والجني أثناء الرقية بالقرآن الكريم ، فهل الأولى أثناء التحاور مع هذا الجني دعوته إلى الاستقامة أم يجوز القضاء عليه ؟
أولاً ينبغي إثبات هذا التحاور ، هل هو ثابت أو هو مجرد وهم وخيال .
هل يمكن للجن أن يسرقوا مبالغ من الإنسان ؟
هذا أمر لا نعلمه ، إن الله على كل شيء قدير ، قد يسلط الله تعالى من يشاء على من يشاء ، يسلط الله تعالى الجن على الإنس ، وقد يسلط الإنس على الجن ، الله تعالى على كل شيء قدير ، إنما على الإنسان أن يستعيذ من شر الجِنة والناس .
هل يجوز أخذ مبالغ على قراءة القرآن الكريم ؟
هذا من الاستغلال غير الجائز ، الذي يعمل هكذا إنما يتخذ القرآن وسيلة لجلب الغنى أو لاستغلال حاجات الناس واستجداء ثرواتهم والقضاء خيراتهم ، هذا أمر لا يجوز ، هذا من الاستغلال الباطل الذي يقوم به إلا الدجالون .
تجزئة القرآن الكريم إلى آيات معينة للسحر وآيات للعين وآيات لكذا وغيرها هل يصح هذا ؟
القرآن كله بركة ، وكله خير ، وكله هدى ، وكله شفاء .
يعتمد المسلم على نفسه لتزكية نفسه بالقرآن ولكنه يحتاج أحياناً إلى الاستعانة بذوي الخبرة لعلاج بعض المصابين بالالتباس أو غيره وهنا يصعب عليه التمييز بين المعالج الملتزم بالشرع في العلاج وغير الملتزم به ، فمثلاً شيخ معروف بأنه يعالج بالقرآن ولكن عندما يأتي إليه المريض يسأله عن اسمه واسم أمه ويحسب له شيئاً ، فما هي العلامات التي نميز بها بين الاثنين ؟
هذا التصرف تصرف غير شرعي ، ما الذي يتعلق بالمريض وبأم المريض ، هذا من التنجيم غير الجائز ، فلا يجوز هذا أبداً ، إنما الطريقة السليمة هي أن يتلو عليه ما تيسر من كتاب الله سبحانه وتعالى بإخلاص نية من غير استجداء ومن غير أن يقصد الإثراء من وراء ذلك .
ما هي نظرتكم إلى هذا الأمر في المستقبل ، هل يؤدي كثرة هذه العيادات وقد وجدت قنوات متخصصة في هذا الجانب تكرس هذا المفهوم في حياة الناس حتى أن بعضهم ربما جعل مجموعة من القراءة مبثوثة لإخراج الجن من البيت وما شابه ذلك ، هل هذا الاستغلال للقرآن الكريم سيؤدي مستقبلاً إلى أن يكون القرآن محصوراً في هذا الأمر فقط ويُغيّب موضوع هدايته وإرشاده ومصدريته في الأحكام والأخلاق ؟
لا ريب أن أكثر الناس إنما يندفعون وراء هذه الرغبات من غير أن يلتفتوا إلى الهدف الأسمى الذي أنزل من أجله القرآن الغاية الكبرى وهي هداية الناس (هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (البقرة : 2 ) ، (هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ) (لقمان : 3 ) ، (هُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (النمل : 2 ) ، (هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) (البقرة : 185 ) ، لا يلتفتون إلى هذا الجانب وإنما يتلفتون إلى الجوانب المنفعة التي يمكن أن نقول بأنها مادية أو نقول بأنها محسوسة فلذلك يتسارعون إلى هذا الجانب ، ولا يعنيهم أن يزكوا أنفسهم بكتاب الله ، وأن يقيسوا مدى صلاح أعمالهم وعدم صلاحها بالرجوع إلى هذا القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فلذلك هذه القضية فيها خطورة كبيرة ، وعلى الناس أن يتنبهوا لهذا ، وأن يدركوا أن القرآن الكريم أُنزل من أجل هداية الناس ، من أجل شفاء القلوب من أمراضها ، شفاء قلوب الناس مما يعتريها من الضلال من الفساد ، من الانحراف ، من المعتقدات السيئة ، من التعلق بالناس وعدم التعلق بالله سبحانه وتعالى ، من اتخاذ الأنداد مع الله ، عليهم أن يدركوا هذا كله ، وبهذا يكونون احتموا بالقرآن الكريم وآووا إلى ركنه ولجئوا إلى الله سبحانه وتعالى .
سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي
المفتي العام للسلطنة
صَبَاحُنَا مَضَى وَقَد بَلَّل أياديْنا بِلُؤْلُؤَات ٍ مِن الْنــــــــدَى
حِيْنَمَا نَادَى الْمُؤَذِّنُ " الْلَّه أَكْبَر " وَمطرُ نَدِي ُ يُغَطِّيْنَا
صَلاةُ وَمَطَرُ صيف ... وَسُكُوْن ُ الْفَجْر ِ مَلأ جَوَارِحُنــــا
اسم العميل: البراء
رقم العميل: 004
الحزب: 04
المهمة: اجتياح حصن عمان |
|